لله و للحقیقه رد علی کتاب الله ثم للتاریخ

اشارة

سرشناسه : آل محسن، علی

عنوان و نام پديدآور : لله و للحقیقه رد علی کتاب الله ثم للتاریخ/ تالیف علی آل محسن

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1382.

شابک : 964-7635-30-3

يادداشت : عربی

يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا.

یادداشت : کتابنامه: ص 669 - ص 694؛ همچنین به صورت زیرنویس

موضوع : موسوی، حسین، مستعار. لله ثم للتاریخ کشف الاسرار و تبرئه الائمه الاطهار -- نقد و تفسیر

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها

رده بندی کنگره : BP228/4/آ77ل 8 1382

رده بندی دیویی : 297/479

شماره کتابشناسی ملی : م 82-9119

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص: 6

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ

بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ

سورة النحل: 105

ص: 7

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين، وبعد:

فقد صدر منذ مدة كتاب أسماه مؤلفه: (لله ثم للتاريخ: كشف الأسرار وتبرئة الأئمة الأطهار) لكاتبه الذي أسمى نفسه: السيد حسين الموسوي، ووُصف على ظهر الكتاب بأنه من علماء النجف.

وقد أثار هذا الكتاب ضجَّة كبيرة واهتماماً بالغاً في أوساط أهل السنة في بعض البلاد الإسلامية، واعتبره بعضهم قاصماً لمذهب الشيعة الإمامية، وفاضحاً لبعض مراجعهم المعروفين في الأوساط الشيعية.

ولكني عندما تأمَّلت هذا الكتاب رأيت أنه كتاب ركيك متهافت، لا يستحق أن يُرَدّ عليه، ولا يستأهل أن يُعتنى بشأنه، وخرجت منه بعدة ملاحظات مهمة، سنذكرها في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

إلا أني لما رأيت اعتداد المخالفين به، وكثرة تشدّقهم بحُجَجه، واحتجاجهم على ضَعَفَة المؤمنين بما فيه من أباطيل وأكاذيب، وإلحاح بعض المؤمنين في الرد عليه،

ص: 8

رأيت أنه لا بد من كشف زيفه ومغالطاته، وبيان دسائسه وافتراءاته، حتى لا يغتر به الجُهَّال، ولا يكون حجّة لأهل الزيغ والضلال.

فكتبتُ هذا الرد مستقصياً فيه كل مزاعم هذا الكاتب، وأدرجتُ كل كتابه بأخطائه وأغلاطه معقِّباً عليه بما يكشف زيفه، ويبطل أكاذيبه، مراعياً فيه الاختصار مهما أمكن، إلا أنه صار بهذا الحجم، لأن شبهاته وأباطيله وأكاذيبه كثيرة، وهي تتطلب كشفها وبيان بطلانها.

وقد أسميته (لله وللحقيقة) (1) 1 مريداً به وجه الله سبحانه وبيان الحق، وسائلًا المولى سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم، وأن يدحض به شبهات المغرضين وتشويش المشوِّشين، وينفع به المؤمنين، وينفعني به في يوم الفقر والفاقة، إنه سميع الدعاء، قريب مجيب، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

يوم الأحد 15/ 6/ 1423 ه- علي آل محسن


1- أردتُ بهذا العنوان بيان أني كتبتُ هذا الكتاب لله سبحانه الذي جعلتُه نصب عينيَّ في كل ما سطَّرتُه فيه، كما أردتُ به بيان الحقيقة التي أراد الكاتب طمسها وتشويهها، فكتبتُ ما أعتقد أنه هو الحق الذي لا مرية فيه، وأشرتُ به إلى أن زعم الكاتب أنه كتب أباطيله (للتاريخ) غير نافع ولا مُجْدٍ، لأن كثيراً مما كُتب للتاريخ كتبه أعوان السلاطين، وأملتْه الأهواء والعصبيات، وكان مجانباً للحقيقة. وأشرت بالعطف بالواو بدلًا من العطف بثُم إلى أن الواو و (ثم) كلاهما يفيد التشريك في الحكم، إلا أن الواو تفيد التشريك مطلقاً، و (ثم) تفيد التشريك بتراخٍ، فالعدول عن الواو إلى (ثم) لا ينفع في الفرار مما زعموه شِرْكاً.

ص: 9

من هو السيد حسين الموسوي؟

عندما نتأمَّل كتاب (لله ثم للتاريخ) ندرك أن كاتبه يكتب باسم مستعار، وأن اسم (السيِّد حسين الموسوي) المذكور على الغلاف ليس اسماً صريحاً، وقد ذكر الكاتب أنه أخفى نفسه لأنه يسكن في العراق، وهو لا يتمكن من الإفصاح عن شخصيته بصراحة (1) 2.

ولعله يشير بذلك إلى أن سبب إخفاء اسمه هو خوفه من شيعة العراق الذين يَتوقع منهم أن يلحقوا به الأذى، لأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما تضمَّنه الكتاب مما يرونه افتراءات مكشوفة وأكاذيب مفضوحة وتشهير واضح بعلماء الشيعة وبالحوزة العلمية النجفية.

هذا مع أن الأوساط العلمية الشيعية لا تعرف عالماً بهذا الاسم، لا من أهل كربلاء ولا من غيرها، رغم أن الكاتب قد ذكر في هذا الكتاب مراراً أنه تربطه علاقات وثيقة بمراجع الشيعة وعلمائهم، إلا أن ذلك لم يزده إلا غموضاً وإبهاماً.

وصرَّح المؤلف بأنه كربلائي الأصل، وأنه تلقَّى تعليمه في الحوزة العلمية في


1- لله ثم للتاريخ، ص 6.

ص: 10

النجف الأشرف، ويظهر أن زعم المؤلف بأنه كربلائي غير صحيح، لأنه لا يُعرف في الأوساط العلمية الشيعية عالم من كربلاء بهذا العمر، وأهل كربلاء أنفسهم لا يعرفون عالماً كربلائياً مجتهداً متصفاً بالصفات التي وردت في الكتاب.

وأما عمره وسنة ميلاده فلم يصرِّح بهما الكاتب، وكلامه الذي يمكن أن يستفاد منه ذلك مضطرب ومتهافت جداً.

فإنه صرَّح في ص 74 أن الشاعر أحمد الصافي النجفي رحمه الله يكبره بثلاثين سنة أو أكثر، وهذا يعني أن الكاتب وُلد في سنة 1344 ه- أو بعدها، فيكون عمره لما صدر كتابه (لله وللتاريخ) في سنة 1420 ه- هو ستًّا وسبعين سنة أو أقل من ذلك، لأن الصافي النجفي ولد سنة 1314 ه- وتوفي سنة 1397 ه- (1) 3.

وعليه فيكون عمر الكاتب لما نال درجة الاجتهاد- حسب قوله- أقل من ثلاثين سنة، إذا قلنا إن الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قدس سره أعطاه إجازة الاجتهاد في سنة وفاته وهي سنة 1373 ه-، وأما لو قلنا إن الشيخ أعطاه الاجتهاد قبل وفاته بخمس سنين مثلًا، فإن الكاتب يكون قد بلغ رتبة الاجتهاد وعمره أقل من خمس وعشرين سنة، وهذا نادر جداً يكاد يكون ممتنعاً في عصرنا، ولم يُسمع بواحد من أهل كربلاء حصل على الاجتهاد في هذه السن.

وأما إذا قلنا: (إنه بلغ رتبة الاجتهاد قبل إعطائه الإجازة بها بسنين) كما هو المتعارف، فإن الأمر يزداد إشكالًا وغرابة.

ومن جانب آخر فإن الكاتب ذكر أيضاً أنه عاصر زيارة السيِّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره للنجف الأشرف، وزيارة السيد للنجف كانت سنة 1355 ه- (2) 4، فلو فرضنا أن عمر الكاتب كان حينئذ عشرين سنة، فإنه سيكون في سنة 1420 ه- خمسة وثمانين عاماً.


1- معجم رجال الفكر والأدب في النجف 2/ 793.
2- ترجمة السيد شرف الدين المطبوعة في مقدمة كتاب النص والاجتهاد، ص 39.

ص: 11

في حين أن الكاتب قد ادَّعى في ص 107 لقاءه في الهند بالسيد دلدار علي صاحب كتاب (أساس الأصول)، وأنه أهداه نسخة من كتابه المذكور، مع أن السيد دلدار توفي سنة 1235 ه- كما ذكره آغا بزرك الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة (1) 5، فلو فرضنا أن الكاتب لقيه في آخر سنة من وفاته، وكان عمره عشرين سنة، لكان عمر المؤلف وقت كتابة كتابه في سنة 1420 ه- مائتين وخمس سنوات، وهذا عمر غير طبيعي، يُجزَم معه بكذب هذه الرواية من أصلها.

وهذا خطأ جسيم وقع فيه الكاتب، أفقد الكتاب موضوعيته، وأفقد المؤلف مصداقيته.

ولكن الكاتب قد أبدى نوعَ معرفةٍ بأسماء بعض علماء الشيعة المعاصرين وغيرهم، كالشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد الخوئي والسيد السيستاني وميرزا علي الغروي وغيرهم، كما ذكر أسماء علماء ليسوا من هذه الطبقة، ولكن لهم شأنهم في الأوساط الشيعية، كالشيخ محمد جواد مغنية والسيد حسين الصدر والشيخ أحمد الوائلي وغيرهم.

إلا أن معرفة هذه الأسماء سهلة يسيرة يمكن تحصيلها بمجرد السماع أو بطرق أخرى، ولا سيما أن الكاتب لم يذكر شيئاً من خصوصياتهم التي لم تشتهر عنهم.

وفي مقابل ذلك ذكر الكاتب أشخاصاً لا يُعرَفون، كالسيِّد البروجردي الذي وصفه بأنه كان يشرف بنفسه على تنفيذ تعليمات الحوزة بنشر الفساد في مدينة الثورة ببغداد!! (2) 6 وذكر السيد القزويني والطباطبائي والسيد المدني وأبا الحارث الياسري، مع أن هؤلاء كلهم رجال مجهولون لا يُعرَفون، لا على الصعيد الشعبي ولا في الوسط العلمي.


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 4.
2- ذكر ذلك في صفحة 116.

ص: 12

ويتَّضح من خلال قراءة كتاب (لله ثم للتاريخ) أن مؤلفه لم يكن شيعياً ولا واحداً من علماء الشيعة، ولم يقضِ فترة من حياته- كما قال- في الحوزة العلمية النجفية، لما سنبيّنه مفصَّلًا في آخر الكتاب بعونه تعالى.

والظاهر أنه انتحل شخصية شيعية غير معروفة لأمرين:

الأول: لإشعار أهل السُّنة بقوة مذهبهم وضعف مذهب الشيعة الإمامية الذي تركه وأقرَّ ببطلانه واحد من فقهاء المذهب الشيعي المعاصرين.

وبه يندفع ما يكرره الشيعة دائماً من أن المستبصرين الذين يتحوَّلون إلى المذهب الشيعي هم علماء أهل السنة ومفكِّروهم، في حين أنه لا ينقلب إلى مذهب أهل السنة إلا البسطاء والجهَّال من الشيعة.

والثاني: ليتمكن الكاتب من سرد قضايا ووقائع قبيحة يدَّعي فيها المشاهدة والحضور، فإن هذه الحوادث لن يكون لها أية قيمة لو كتبها رجل سُنّي، لوضوح انتحالها حينئذ، بخلاف ما لو نقلها واحد من علماء الحوزة، فإنها ستكون من باب وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا.

وليس غريباً أن يكون كاتب هذا الكتاب رجلًا غير عراقي، لأنه وإن ذكر في مطاوي كلامه أموراً تنم عن نوع معرفة بمدن العراق وأحيائها وعلمائها، إلا أن معرفة كل ذلك قد تتأتّى لمن عاش في العراق أو تتبَّع الكتب التي يستقي منها ما ينفعه في الموضوعات التي كتب فيها.

هذا كل ما استقرأناه من سطور الكتاب حول شخصية مؤلّفه الذي أسمى نفسه (السيد حسين الموسوي)، وسيأتي في آخر الكتاب مزيد بيان في تحقيق حال هذا الرجل إن شاء الله تعالى.

وعلى كل حال فإنا سننظر في محتوى الكتاب بغض النظر عن هوية الكاتب، وعن كونه شيعيًّا أو سُنّيًّا، فلا تهمّنا شخصية الكاتب بقدر ما يهمّنا ما في الكتاب من مضامين.

ص: 13

رد ما جاء في مقدمة الكتاب

قال الكاتب: وُلدت في كربلاء، ونشأت في بيئة شيعية في ظل والدي المتديِّن.

درستُ في مدارس المدينة حتى صرت شابًّا يافعاً، فبعث بي والدي إلى الحوزة العلمية النجفية أم الحوزات في العالم لأنهل من علم فحول العلماء ومشاهيرهم في هذا العصر، أمثال سماحة الإمام السيد محمد آل الحسين كاشف الغطاء كذا.

وأقول: إن ذهاب المؤلف يافعاً إلى الحوزة العلمية النجفية وحصوله على درجة الاجتهاد حسب زعمه من أستاذه كاشف الغطاء قدس سره، لا يسوِّغان له عند أحد أن يكون جاهلًا بكون أستاذه سيِّداً أو شيخاً، وأن اسمه محمد آل الحسين كاشف الغطاء كما ذكره في كلمته، أو الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء كما هو الصحيح الذي يعرفه حتى عوامّ الناس في النجف وغيرها.

وقد تكرَّر منه بعد ما يقل عن صفحتين نفس الخطأ في وصف (أستاذه) بأنه سيِّد، إلا أنه أصاب في الاسم، وسيتكرر منه ذلك كثيراً في كتابه، ونحن سنلفت نظر القارئ الكريم بذكر كلمة كذا بين قوسين معقوفين، حذراً من تكرار التنبيه على ذلك كثيراً.

ص: 14

ومن الواضح أن هذا دليل كافٍ في بطلان ما زعمه من تتلمذه على الشيخ كاشف الغطاء، وحصوله على درجة الاجتهاد منه.

قال الكاتب: ويَسَّرَ الله تعالى لي الالتحاق بالدراسة وطلب العلم، وخلال سنوات الدراسة كانت تَرِدُ عليّ نصوصٌ تستوقفني، وقضايا تشغل بالي، وحوادث تحيرني، ولكن كنت أَتهم نفسي بسوء الفهم، وقلة الإدراك.

وأقول: هذا الكلام يدل على أن الرجل لا يعرف مناهج الحوزة ولم يدرس فيها، وإلا لعَلِم أن طالب العلم في الحوزة العلمية يقضي شطراً من سنواته الأولى في دراسة النحو والصرف والبلاغة والمنطق والفقه غير الاستدلالي، ثم يدخل في دراسة علمي الأصول والفقه الاستدلالي، وهذه كلها لا تحتوي على نصوص تستوقف الطالب، ولا تحتوي على قضايا تشغل باله، لأنها مناهج معروفة، وكل ما فيها من نصوص غيرُ خفي على أي طالب.

وهو يظن أن طالب العلم في الحوزة العلمية يدرس علم الحديث الذي سيفتح عينيه على الأحاديث المنكَرة الضعيفة التي ذكر كثيراً منها في كتابه.

كما أنه يظن أن طالب العلم يدرس علم الرجال أو تاريخ وسير الأئمة عليهم السلام وأمثال هذه العلوم التي تحتوي على أمور ينكرها السني أو لا يحتملها.

ولو كان هذا الكاتب طالب علم حقيقة لَعَلِمَ أن علماء الشيعة قدَّس الله أسرارهم قد بيَّنوا مشكلات الأخبار وأوضحوها، وميَّزوا غثّها من سمينها، وسليمها من سقيمها، ودفعوا شبهات الخصوم وزيَّفوها، حتى لم يبقَ لخصم حجة، ولا لمخالف على مذهب الحق مغمز.

وبهذا يتضح أنه لا عذر لطالب العلم في الحوزة العلمية أن يصدر منه مثل هذا

ص: 15

الكلام فضلًا عمن يدَّعي بلوغه مرتبة الاجتهاد، ولا سيما أن كل من بلغ هذه المرحلة لا بد أن يكون قادراً على التمييز بين الصحيح والضعيف، ومتمكِّناً من دفع كل شبهات الخصوم وحُجَجهم.

قال الكاتب: وحاولت مرة أن أطرح شيئاً من ذلك على أحد السادة من أساتذة الحوزة العلمية، وكان الرجل ذكيا إذ عرف كيف يعالج فيّ هذه الأسئلة: فأراد أن يُجْهزَ عليها في مَهْدها بكلمات يسيرة، فقال لي: ماذا تدرس في الحوزة؟

قلت له: مذهب أهل البيت طبعاً.

فقال لي: هل تشك في مذهب أهل البيت؟!

فأجبته بقوة: معاذ الله.

فقال: إذن أبْعِدْ هذه الوساوس عن نفسك، فأنت من أتباع أهل البيت عليهم السلام، وأهلُ البيت تَلقّوْا عن محمد صلى الله عليه وآله، ومحمد تَلَقَّى من الله تعالى.

سكَتُّ قليلًا حتى ارتاحت نفسي، ثم قلتُ له: بارك الله فيك شفيتني من هذه الوساوس. ثم عدتُ إلى دراستي، وعادت إليّ تلك الأسئلة والاستفسارات، وكلما تقدمت في الدراسة ازدادت الأسئلة، وكثرت القضايا والمؤاخذات.

وأقول: إن هذا الكلام أيضاً يدل على أن كاتبه لا يعرف مناهج الحوزة العلمية، وهو بعيد عنها كل البعد، حيث إنه زعم أنه يدرس مذهب أهل البيت عليهم السلام، مع أن الطالب كما قلنا يقضي سنين من حياته يدرس علوم اللغة والمنطق والفلسفة، وهي لا ترتبط بمذهب أهل البيت عليهم السلام، لأنها مقدمات تؤهِّل الطالب لفهم المطالب العالية.

وبعد تلك السنين يقضي الطالب أيضاً سنين أخرى يدرس فيها علم الأصول

ص: 16

الذي كثير منه نظريات عقلية قابلة للأخذ والرد.

وأما ما يرتبط بمذهب أهل البيت عليهم السلام فهو علم الفقه الذي يدرسه الطالب ابتداءاً ب- (تبصرة المتعلمين) للعلامة الحلي، ومروراً بكتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي، و (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني، وانتهاءاً بكتاب (المكاسب) للشيخ الأنصاري قدَّس الله أسرارهم.

وهذه الكتب مطبوعة ومعروفة، وليس فيها ما ينتج عنه شكوك ومؤاخذات في نفس الطالب على مذهب أهل البيت عليهم السلام، لأنها إما كتب مشتملة على الفتاوى المجردة كالكتابين الأولين، أو فيها إشارة إلى الدليل كالكتاب الثالث، أو مشتملة على بيان الأدلة التفصيلية في المكاسب والتجارات كالكتاب الأخير.

فلا أدري ما هو مصدر تلك الشكوك التي انتابت الكاتب، وما هو منبع الإشكالات المزعومة مع ما أوضحناه من منهج الحوزة، ولا سيما في السنين الأولى التي يدرس فيها المقدمات التي لا ترتبط بمذهب أهل البيت عليهم السلام في شي ء؟!

وبذلك يتضح أن الحادثة التي ذكرها كلها مبتنية على جهل الكاتب بمنهج الحوزة، فلفَّق هذه القصة بناءاً على مرتكزاته في منهج الدراسة السُّنّية.

قال الكاتب: المهم أني أنهيت الدراسة بتفوق، حتى حصلتُ على إجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة السيد كذا محمد الحسين آل كاشف الغطاء زعيم الحوزة.

وأقول: في كلام الكاتب عدة ملاحظات:

الأولى: أنه يعتقد أن منهج الدراسة الحوزوية مشابه لمنهج الدراسة الجامعية، ينتهي عند حد نيل درجة الاجتهاد، وبعدها يكون الحاصل على هذه الإجازة قد

ص: 17

أنهى دراسته.

والحال أن الأمر ليس كذلك، فإن الدراسات الحوزوية لا تنتهي بذلك، وكل من عاش في حوزة النجف في هذا العصر يعلم أن جمعاً من الفقهاء المسلَّم اجتهادهم كانوا يحضرون درس زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف سماحة آية الله العظمى السيِّد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس الله نفسه الزكية.

الثانية: أنه ظن أن نيل درجة الاجتهاد حاله حال نيل درجة الدكتوراه في الجامعات، بأن يكون بتفوق أو بدرجة امتياز أو دون ذلك.

والحال أن درجة الاجتهاد لا تُعطى للفقيه تارة بتفوق وتارة من دون تفوق، وذلك لأن درجات الدكتوراه أو غيرها تُعطى للدارسين بعد تقديم رسالة يناقشها أساتذة الجامعة، وبعدها تقرر لجنة المناقشة منح هذا الطالب درجة الدكتوراه أو عدم منحه، بدرجة امتياز أو غيرها حسب قوة الرسالة وتمكن الطالب من اجتياز المناقشة بنجاح.

وأما درجة الاجتهاد فلا تُعطى بهذه الطريقة، وإنما يعطيها الفقيه لبعض تلامذته عند قناعته باجتهاده ومقدرته على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقرَّرة.

وعادة ما تُعطى بشكل فردي جداً، بعيداً عن الأضواء، ولا تكون في حفل علني، أو تكون مقرونة ببيان التفاضل حتى يُعرف المتفوق من غير المتفوق من الطلبة الحاصلين على هذه الإجازة.

الثالثة: أن الكاتب يعتقد أن إجازات الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قدَّس الله نفسه لها أهمية كبرى نظراً لمكانته العلمية، وهو توهم باطل، وذلك لأن الشيخ كاشف الغطاء قدس سره قد أعطى إجازات اجتهاد لجماعات كثيرة كانت غير مؤهلة للاجتهاد ولا متَّصفة بالفضل، بسبب الظروف التي كانت تحتِّمها تلك الفترة العصيبة.

ص: 18

فإن رضا شاه بهلوي حاكم إيران الأسبق، أصدر أمراً بمنع لبس العمامة إلا بإجازة من الحكومة الإيرانية، ولا يُستثنى من ذلك إلا الفقيه المجتهد.

وهذا الإجراء جعل جماعات من طلبة العلم يضطرون إلى نزع العمامة لعدم حصولهم على إجازةِ لُبْسها من الحكومة الإيرانية.

وفي هذا الظرف صار جمع من أعلام المذهب كالسيِّد أبي الحسن الأصفهاني والشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء يمنحون الكثير من طلبة العلم إجازات اجتهاد، من أجل الحفاظ على كيان الحوزات العلمية وبقائها.

هذا مضافاً إلى أن الحكومة الإيرانية كانت تلزم طلبة العلم بالانخراط في التجنيد الإجباري، ولا تستثني أحداً أيضاً إلا من كان مجتهداً.

وقد حدَّثني الشهيد السعيد آية الله العظمى الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه الزكية أن كثيراً من الطلبة في ذلك الوقت كانوا يذهبون إلى الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قدس سره، لطلب إجازة الاجتهاد للتخلص من التجنيد الإجباري، وكان يجيزهم بالاجتهاد لهذا الغرض مع عدم أهلية بعضهم.

وبما قلناه يتبيَّن أن إجازات الشيخ كاشف الغطاء قدس سره لا تنبئ عن أية فضيلة علمية فضلًا عن بلوغ رتبة الاجتهاد.

قال الكاتب: وعند ذلك بدأت أفكر جِدّياً في هذا الموضوع، فنحن ندرس مذهب أهل البيت، ولكن أجدُ فيما ندرسه مطاعن في أهل البيت عليهم السلام، ندرس أمور الشريعة لنعبد الله بها، ولكن فيها نصوصاً صريحة في الكفر بالله تعالى.

أي ربي، ما هذا الذي ندرسه؟! أيمكن أن يكون هذا هو مذهب أهل البيت حقاً؟!

ص: 19

إن هذا يسبب انفصاماً في شخصية المرء، إذ كيف يعبد الله وهو يكفر به؟! كيف يقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وآله، وهو يَطْعَنُ به؟!

كيف يتبعُ أهل البيت ويحبهم ويدرس مذهبهم، وهو يسبهم ويشتمهم؟! رحماك ربي ولطفك بي، إن لم تدركني برحمتك لأكونن من الضالين، بل من الخاسرين.

وأقول: إن الكاتب قد أفرغ في كتابه هذا كل ما في جعبته من النصوص التي يزعم وجودها في كتب الشيعة، والتي يزعم أنها كفر بالله، أو أنها تقتضي الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أهل بيته عليهم السلام، وسيلاحظ القارئ الكريم أن ما زعمه هذا الكاتب كله سراب وهباء، وأنه لا توجد نصوص صحيحة من هذا القبيل في كتب الشيعة بحمد الله ونعمته.

هذا مع أنا أوضحنا فيما مرَّ منهج الدراسة الحوزوية، وقلنا: إنه خالٍ من أمثال هذه النصوص المزعومة. فلا تغفل عما قلناه.

قال الكاتب: وأعود وأسأل نفسي: ما موقف هؤلاء السادة والأئمة وكل الذين تقدموا من فحول العلماء، ما موقفهم من هذا؟ أما كانوا يرون هذا الذي أرى؟ أما كانوا يدرسون هذا الذي درستُ؟! بلى، بل إن الكثير من هذه الكتب هي مؤلفاتهم هم، وفيها ما سَطَّرَتْهُ أقلامهم، فكان هذا يُدِمي قلبي، ويزيده ألماً وحسرة.

وأقول: إن موقف العلماء من كل ما هو مسطور في كتب الشيعة معروف، وطالب العلم لا يُعقَل أن يقع في حيرة لمعرفة ذلك، ولا سيما أن كتب علماء الشيعة بين يديه، وأنه يتمكن من سؤال الأساطين في الحوزة.

وإنما يمكن أن يقع في أمثال هذه الادعاءات الجاهل الصرف الذي لا يفقه من العلم شيئاً، والذي نُقل له بعض ما يراد به إلقاء الشبهات عليه.

ص: 20

وادِّعاء الكاتب أن ما أثار شكوكه مذكور في مناهج الدراسة الحوزوية واضح البطلان، وسيرى القارئ الكريم أن كل النصوص التي نقلها الكاتب في كتابه مأخوذة من كتب غير دراسية جمعتْ بين الصحيح والضعيف والغث والسمين، مثل كتاب رجال الكشي والأنوار النعمانية وبحار الأنوار وغيرها.

ومن الواضح أن الكاتب إنما زعم أن في مناهج الحوزة ما أثار شكوكه باعتبار أنه كان يظن أن طلبة العلم في الحوزة العلمية يدرسون كتب الحديث المعتبرة عند الشيعة كالكافي والتهذيب والاسبتصار ومن لا يحضره الفقيه، كما هو المتعارف في الدراسات السُّنّية، مع أن الكتب المذكورة وغيرها وإن كانت لها أهميتها في مقام الاستنباط إلا أنها ليست كتباً تُدرَس كما هو معروف حتى عند صغار طلبة العلم.

قال الكاتب: وكنت بحاجة إلى شخص أشكو إليه همومي، وأَبُثُّ أحزاني، فاهتديت أخيراً إلى فكرة طيبة وهي دراسة شاملة أعيد فيها النظر في مادتي العلمية، فقرأت كل ما وقفت عليه من المصادر المعتبرة وحتى غير المعتبرة، بل قرأت كل كتاب وقع في يدي، فكانت تستوقفني فقرات ونصوص كنت أشعر بحاجة لأن أُعَلِّقَ عليها، فأخذت أنقل تلك النصوص وأُعلق عليها بما يجول في نفسي، فلما انتهيت من قراءة المصادر المعتبرة، وجدت عندي أكداساً من قصاصات الورق، فاحتفظت بها عسى أن يأتي يوم يقضي الله فيه أمراً كان مفعولًا.

وأقول: إن ادِّعاء قراءة كل الكتب الشيعية، وكل المصادر المعتبرة منها وغير المعتبرة من الادعاءات المعلوم بطلانها، فإن كتب الشيعة تُعَد بآلاف الكتب والمجلدات، التي تُصرَف الأعمار دون التمكن من قراءتها فضلًا عن فهمها والتدبر فيها.

وعلى كل حال، فسواء قرأ الكاتب كل تلك الكتب أو لم يقرأها فليست هذه قضية مهمة نتنازع معه فيها، ولكن إن صحَّ زعمه فالحجة عليه أتم، لأنه يُقِر بأنه قد

ص: 21

اطَّلع على كل ما في كتب الشيعة من أحاديث وعلوم ومعارف، فلا ندري بعد هذا لمَ احتجَّ بالضعيف وتعامى عن الصحيح؟ ولمَ صرف الأحاديث عن معانيها الصحيحة، وجعل لها معاني من جراب النورة؟

قال الكاتب: وبقيت علاقاتي حسنة مع كل المراجع الدينية والعلماء والسادة الذين قابلتهم، وكنت أخالطهم لأَصِلَ إلى نتيجة تعينني إذا ما اتخذتُ يوماً القرار الصعب، فوقفت على الكثير حتى صارت قناعتي تامة في اتخاذ القرار الصعب، ولكني كنت أنتظر الفرصة المناسبة.

وأقول: إن كون العلاقة المزعومة حميمة بين الكاتب وبين كل المراجع والعلماء والسادة ليس مهمًّا بقدر ما يكون سؤالهم ومذاكرتهم في المسائل والشكوك مهمًّا، والكاتب لم يذكر أنه ناقش العلماء أو ناظرهم في مسائل معينة، بل نراه قد أحاط كلامه بالإبهام والغموض خشية أن يقال له: إن هذه المسائل محلولة وواضحة، ولا غبار عليها ولا شبهة تعتريها.

ثم إن التعبير ب- (المراجع الدينية) غير متعارف صدوره من رجل يدعي الاجتهاد، بل ولا مألوف من طلبة العلم، فإن اللفظ المتعارف إطلاقه هو (المراجع العِظَام)، أو (مراجع التقليد).

وكذا قوله: (العلماء والسادة)، فإن هذا من تعبيرات العوام، لأن العلماء لا يفرقون في التعبير بين العلماء غير السادة، والعلماء من السادة.

قال الكاتب: وكنت أنظر إلى صديقي العلامة السيد موسى الموسوي فأراه مثلًا

ص: 22

طيباً عندما أَعْلَنَ رفضَه للانحراف الذي طرأ على المنهج الشيعي، ومحاولاته الجادة في تصحيح هذا المنهج. ثم صدر كتاب الأخ السيد كذا أحمد الكاتب (تطور الفكر الشيعي)، وبعد أن طالعتُه وجدت أَنّ دَوْرِي قد حان في قول الحق، وتبصير إخواني المخدوعين، فإنّا كعلماء مسؤولون عنهم يوم القيامة، فلا بد لنا من تبصيرهم بالحق وإن كان مُرّاً.

وأقول: عجباً لمن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف يتَّخذ قدوته مثل هذين الرجلين اللذين لا يُعرفان بعِلم ولا فضل، ويرى أن تصرّفهما جعله يرى أن دوره قد حان لقول الحق، مع أن الفقيه لا بد أن يكون حُرًّا في تشخيص تكليفه ومعرفة ما يجب عليه وما لا يجب، ولا يجوز له أن يكون مقلِّداً لغيره.

ثم إن ما كتبه السيد موسى الموسوي في كتابه (الشيعة والتصحيح) وما كتبه أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر الشيعي)، كله أباطيل لا تخفى على صغار طلبة العلم فضلًا عن من يدَّعي الاجتهاد والفقاهة.

ثم إن المؤلِّف وصف أحمد الكاتب بأنه سيِّد، وهذا من سقطاته الكثيرة التي تدل على أنه لا يفرق بين السيد والشيخ.

قال الكاتب: ولعل أُسلوبي يختلف عن أسلوب السيدين الموسوي والكاتب في طرح نتاجاتنا العلمية، وهذا بسبب ما توصل إليه كُلٌّ منا من خلال دراسته التي قام بها.

ولعل السيدين المذكورين في ظرف يختلف عن ظرفي، ذلك أَن كُلًّا منهما قد غادر العراق، واستقر في دولة من دول الغرب، وبدأ العمل من هناك.

وأقول: إن الاختلاف بين كاتب (لله ثم للتاريخ) وبين السيد موسى الموسوي

ص: 23

وأحمد الكاتب واضح جداً، من جهة أن الموسوي وأحمد الكاتب رجلان معروفان بنسبهما وبأنهما كانا من الشيعة، غاية ما في الباب أنهما انحرفا عن الطريق الصحيح، لشبهات عرضت لهما أو لمصالح دنيوية طمِعا فيها.

وأما صاحب كتاب (لله ثم للتاريخ) فهو رجل مجهول الهوية، يُجزم بأنه رجل من أهل السنة، قد انتحل شخصية عالم شيعي مجهول للطعن في مذهب الشيعة وعلمائهم.

وأما كونه في العراق وهما في خارج العراق فهذا ليس فرقاً جوهريًّا بينه وبينهما، فإنه إن رأى أن الحق في مذهب أهل السنة، وأنه الآن قد انقلب إلى مذهبهم، فعليه أن يسفر عن نفسه، ويفصح عن اسمه، ويجهر بتحوّله، وذلك لأن أكثر أئمة مذاهب أهل السنة لا يجوِّزون التقية من المسلمين، ولا يحلِّلون لمؤمن أن يكتم (إيمانه)، ويتظاهر بالتمذهب بمذاهب أهل البدع.

فكيف غاب عن هذا (الفقيه المجتهد) مثل هذا الحكم، فقبع في زاوية التقية في النجف، مع أنه يجب عليه أن يرفضها بخصوصها كما رفض مذهب الشيعة بكل أحكامه.

ثم إنه هنا أيضاً كرَّر خطأه السابق مرتين، بتشريك أحمد الكاتب للموسوي في السيادة، وسيكرِّره أيضاً في كلامه الآتي.

قال الكاتب: أما أنا فما زلت داخل العراق وفي النجف بالذات، والإمكانات المتوافرة لدي لا ترقى إلى إمكانات السيدين المذكورين، لأني وبعد تفكير طويل في البقاء أو المغادرة، قررت البقاء والعمل هنا صابرا مُحْتَسبًا ذلك عند الله تعالى.

وأقول: إن الكاتب لو كان في النجف لعرفه أهل النجف ولعرفه علماء الحوزة

ص: 24

العلمية، ولا سيما أنه- كما يزعم- رجل كبير في السن، حاصل على إجازة الاجتهاد قبل أكثر من خمسين سنة (1) 7، مع أنه ليس في النجف عالم من أهل كربلاء بهذه الصفة، ولو كان لَبَان، ولا سيما أنه وصف نفسه بالتفوّق العلمي، والمتفوق بحكم العادة لا يخفى على أحد.

ثم ما هو السر في بقاء الكاتب في النجف الأشرف متكتماً متظاهراً بالتشيع وهو على خلاف ذلك؟

مع أنه يجب على أي رجل في مثل سنِّه وعلمه أن يترك النجف، ويغادر إلى أي بلاد سُنية يتمكن فيها من أن ينفع فيها أبناء مذهبه الجديد، ويبصِّرهم بأباطيل مذهب الشيعة، ويوقفهم على ما فيه من زيف وضلال.

وأما بقاؤه في النجف فسيجعله مشلولًا غير قادر على الإفصاح عن حاله من جهة، ولا يتمكن من أداء رسالته من جهة أخرى.

فلا أدري بعد هذا كله ما هو وجه اختياره البقاء في النجف الأشرف والعمل فيها صابراً محتسباً على حسب زعمه؟؟

قال الكاتب: وأنا على يقين أن هناك الكثير من السادة ممن يشعرون بتأنيب الضمير لسكوتهم ورضاهم مما يرونه ويشاهدونه، وبما يقرأونه في أمهات المصادر المتوافرة عندهم، فأسأل الله تعالى أن يجعل كتابي حافزاً لهم في مراجعة النفس، وترك سبيل الباطل، وسلوك سبيل الحق، فإن العمر قصير، والحجة قائمة عليهم، فلم يبق لهم بعد ذلك من عذر.


1- وذلك لأن تاريخ رحيل الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء كان سنة 1373 ه-، وهي خمسون سنة كاملة. وأما إذا قيل: (إن كاشف الغطاء قد أجاز الكاتب قبل وفاته ببضع سنين)، فيكون قد مضى على الإجازة المزعومة أكثر من خمسين سنة.

ص: 25

وأقول: إن كلاماً لا يستند إلى أي دليل صحيح لا قيمة له، ويقين الكاتب بشي ء لا يكون له وزن علمي يعتد به، وذلك لأنا بالمقابل على يقين من أنه لا يوجد ولا واحد من علماء الشيعة يشك في صحة مذهبه ويتردَّد في بطلان مذاهب أهل السنة، بل نحن على يقين من أن أكثر علماء أهل السنة يشكّون في صحة مذاهبهم، لما يرون فيه من التناقضات والأباطيل الواضحة، ولكن يمنعهم من الجهر بشكّهم وبطلان مذاهبهم خشيتهم من العامَّة، أو حذرهم من سلاطين الجور، أو خوفهم على وظائفهم التي يتعيشون بها.

وأما دعاء المؤلف بأن يجعل الله كتابه حافزاً (للسادة) لمراجعة النفس وترك سبيل الباطل وسلوك سبيل الحق، فهو دعاء لا يستجاب، لأن هذا الكتاب- كما سيتضح للقارئ- مشتمل على الأكاذيب من غلافه إلى آخره، فكيف يمكن أن يكون سبيلًا لسلوك الحق وهو بهذه الحال؟؟

قال الكاتب: وهناك بعض السادة ممن تربطني بهم علاقات استجابوا لدعوتي لهم والحمد لله، فقد اطلعوا على هذه الحقائق التي توصلتُ إليها، وبدأوا هم أيضاً بدعوة الآخرين، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياهم لتبصير الناس بالحقيقة، وتحذيرهم من مَغَبَّةِ الانجراف في الباطل، إِنه أكرم مسؤول.

وأقول: إن الحق أحق أن يُتَّبع، واستجابة جاهل لمثله لا يقلب الحق باطلًا، ولا يصيِّر الباطل حقًّا، فإنه لا يُعرف الحق بالرجال، وإنما يُعرف الرجال بالحق.

هذا مع أن الكاتب قد زعم- وهو غير ثقة في نقله كما سيتضح- أن بعض السادة رأى رأيه واقتنع بفكرته ببطلان مذهب الشيعة، وهذه مجرد دعوى لم يظهر لها أي أثر، فلم يظهر ذلك من شخص معروف من علماء الشيعة أو فضلائهم، ولم يظهر من أحد منهم أنه أبْدَى قناعاته ببطلان مذهب الشيعة.

ص: 26

بخلاف الذين تشيعوا من أهل السنة، فإنهم رجال معروفون بأسمائهم وببلدانهم، وقد صدرت من أقلامهم الكثير من الكتب المطبوعة التي تداولها الناس واطلع عليها المؤالف والمخالف.

قال الكاتب: وإني لأعلم أن كتابي هذا سيلقى الرفض والتكذيب والاتهامات الباطلة، وهذا لا يضرني فإني قد وضعت هذا كله في حسابي، وسيتهمونني بالعمالة لإسرائيل، أو أمريكا، أو يتهمونني بأني بعت ديني وضميري بِعَرَضٍ من الدنيا، وهذا ليس ببعيد ولا بغريب فقد اتهموا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي بمثل هذا، حتى قال السيد كذا علي الغروي: إن ملك السعودية فهد بن عبد العزيز قد أغرى الدكتور الموسوي بامرأة جميلة من آل سعود، وبتحسين وَضْعِهِ المادي، فوضع له مبلغاً محترماً في أحد البنوك الأمريكية لقاء انخراطه في مذهب الوهابيين!!

وأقول: من الطبيعي أن يلقى كتاب (لله ثم للتاريخ) الرفض والإنكار الشديدين، لأنّا نظرنا في محتوياته فوجدناه مملوءاً بالأكاذيب الشنيعة والاتهامات القبيحة التي سنكشفها للقارئ العزيز في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

وأما الاتّهام فليس دأبنا كما سيتضح جليًّا في كل ردودنا على مضامين هذا الكتاب.

وأما العمالة لإسرائيل أو غيرها فنحن لا ندين الله بشي ء لا نعرفه، والله أعلم بحقائق الأمور، وهو سبحانه الذي يتولى السرائر.

وأما ما نقله عن الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه فهو كذب محض، لأنه كلام لا يصدر من مثله قطعاً، ونحن قد تشرَّفنا مدة بالحضور في المجالس الخاصة للميرزا الغروي فلم نسمعه ينطق بهذا أو أمثاله قط، ولم ينقل شخص معروف عنه مثل هذه المقولة، بل هي مقولة غير معقولة في حد ذاتها.

ص: 27

هذا مع أن كتاب السيِّد موسى الموسوي قد رُدَّ عليه، وأُبطلت جميع حُجَجه ودعاويه، ولا يحتاج إبطال كلام الموسوي لمثل هذا الكلام الذي هو في نفسه يحتاج إلى إثبات.

قال الكاتب: فإذا كان هذا نصيب الدكتور الموسوي من الكذب والافتراء والإشاعات الرخيصة، فما هو نصيبي أنا وماذا سَيُشيعُونَ عني؟! ولعلَّهم يبحثون عني ليقتلوني كما قتلوا قبلي ممن كذا صدع بالحق، فقد قتلوا نجل مولانا الراحل آية الله العظمى الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيد علماء الشيعة بلا منازع عندما أراد تصحيح منهج الشيعة، ونبذ الخرافات التي دخلت عليه، فلم يَرُقْ لهم ذلك، فذبحوا نجله كما يُذْبَحُ الكبش ليصدوا هذا الإمام عن منهجه في تصحيح الانحراف الشيعي، كما قتلوا قبله السيد كذا أحمد الكسروي عندما أعلن براءته من هذا الانحراف، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي، فَقَطَّعوه إِرَباً إِرَباً.

وأقول: إن الشيعة منذ أقدم العصور واجهوا خصومهم بالحجة، ففنَّدوا مذاهبهم، وأبطلوا آراءهم، وزيَّفوا معتقداتهم.

وأما أساليب الاتهامات والتصفيات الجسدية فهي أساليب غيرهم الذين تنقصهم الحجج والأدلة على صحة مذاهبهم.

وأما ما زعمه من أن السيِّد أبا الحسن الأصفهاني قدَّس الله نفسه قد أراد أن يُصحِّح منهج الشيعة فعمد الشيعة إلى قتل ابنه، فهو غير صحيح جملة وتفصيلًا، فإن السيد أبا الحسن الأصفهاني كان مرجع الشيعة الذي كانوا يرجعون إليه في تقليدهم، ولم يبدر منه أية بادرة تخالف المنهج المعروف عند الشيعة، فأين هذا التصحيح المزعوم؟

ص: 28

وإذا كان السيِّد أبو الحسن الأصفهاني- بزعم الكاتب- أكبر أئمة الشيعة وأراد تصحيح المسار الشيعي فلمَ ترك حركته الإصلاحية بعد قتل ابنه، مع أن مثل هذا الأمر لا ينبغي أن يثني أي مصلح عن غاياته وأهدافه.

ثم إن عبارات الكاتب في وصف السيِّد أبي الحسن الأصفهاني بأنه (أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيِّد علماء الشيعة بلا منازع) هي منقولة بالمعنى من كلام السيِّد موسى الموسوي في مقدمة كتابه (الشيعة والتصحيح)، حيث قال: وبعد أن وُلِدتُ ونشأت وترعرت في بيت الزعامة الكبرى للطائفة الشيعية، ودرست وتأدبت على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى، وحتى اليوم وهو جدّنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي ...

وقال: وقد زاد إيماني بها عندما بدأت أعرف أن السبب في قتل والدي بين صلاة المغرب والعشاء في الحضرة العلوية في النجف الأشرف وعلى يد مجرم في لبوس رجل الدين الذي ذبحه كالكبش وهو يصلي في المحراب، إنماكانت خطة استعمارية لكي تثني السيد أبو الحسن عن خطواته الإصلاحية (1) 8.

فالعجب مِن هذا المدَّعي للاجتهاد كيف صار مقلِّداً للسيّد موسى الموسوي من غير تحقيق في نقولاته، مع أن كل علماء الشيعة يعرفون أن السيِّد أبا الحسن الأصفهاني قدَّس الله نفسه الشريفة لم يكن (أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيّد علماء الشيعة بلا منازع)، وإنما كان أحد مراجع التقليد الذين انتهت إليهم الزعامة الدينية الشيعية، ولم يكن قدس سره معروفاً بتحقيقاته ومصنَّفاته، فلم يصدر من قلمه الشريف إلا رسالته العملية (وسيلة النجاة) فقط، فكيف صار أكبر أئمة الشيعة والحالة هذه؟!

وعُذْر موسى الموسوي أنه يُطري جدَّه قدس سره، فإن كل فتاة بأبيها معجبة، ولكن ما هو عذر كاتب كتاب (لله ثم للتاريخ) في أن يصف السيِّد الأصفهاني بهذه


1- الشيعة والتصحيح، ص 5.

ص: 29

الأوصاف غير الصحيحة؟!

ثم إن وصف السيّد أبي الحسن الأصفهاني قدس سره بأنه أكبر (أئمة) الشيعة، لا يصدر ممن مارس العلم وجالس العلماء، وعاش في الحوزة العلمية حتى وصل إلى مرتبة الفقاهة والاجتهاد بزعمه، فإن هذا التعبير ما هو إلا من تعابير أهل السنة الذين يصفون علماء الشيعة بأنهم أئمة لهم.

وأما أحمد كسروي فلم يَدَّعِ له أحدٌ أية حركة إصلاحية، لأنه كان متحرِّراً من كل قيود الدين، ولم يكن ضد مذهب الشيعة وعقائده فحسب، بل كان ضد الدين ومبادئه، وقد حمل على التشيع بما هو دين لا بما هو مذهب مخصوص، ولهذا لم يظهر منه أي ميل لمذهب أهل السنة أو غيره من المذاهب الإسلامية، بل قام بتأييد الحزب الشيوعي في إيران متمثِّلًا بمناصرة رئيسه إحسان طبري (1) 9.

قال الكاتب: وهناك الكثيرون ممن انتهوا إلى مثل هذه النهاية جَرَّاءَ رفضهم تلك العقائد الباطلة التي دخلت إلى التشيع، فليس بغريب إذا ما أرادوا لي مثل هذا المصير!!

وأقول: العجيب أن هذا الرجل يتحدث وكأنه يحدث قُرّاءه عن أحداث وقعت في كوكب آخر لا يعرفونه، وإلا فمَن هم هؤلاء الكثيرون الذين انتهوا إلى القتل بأيدي الشيعة جراء رفضهم لعقائدهم؟؟

أما ابن السيد أبي الحسن فقد قتله رجل معتوه، لا يَعرف شيئاً عن أمثال هذه الأمور التي يدَّعيها السيِّد موسى الموسوي وقلَّده فيها الكاتب من غير تحقيق، وكان سبب القتل ماليًّا لا أكثر.


1- راجع كتاب (إيران در دو سده وابستن)، ص 263.

ص: 30

وموسى الموسوي أراد أن يصوِّر لقارئه أن والده قُتل بمؤامرة استعمارية كانت تستهدف حركة التصحيح، وهذه دعوى غير صحيحة لم تصدر من أحد قبل موسى الموسوي الذي لم يستند في ادِّعائها إلى دليل صحيح.

وأما أحمد كسروي فقيل في سبب قتله: إنه قام بإحراق كتاب (مفاتيح الجنان) مع كل ما فيه من سور قرآنية وأحاديث نبوية، مما أثار عليه سخطاً شعبياً عاماً اجتاح كل إيران، حيث بدأ بأذربيجان، وانتقل إلى طهران ثم سائر المدن الإيرانية، وصدرت برقيات معترضة تدين هذا العمل، وقد حمل عليه بعض الإيرانيين وضربوه حتى الموت.

ومن الواضح أن الكاتب قد جعل اتهام الشيعة بتصفية مخالفيهم مبرِّراً لإخفائه اسمه وهويته، وإلا فإنه يعلم أن الشيعة لم يقصدوا السيد موسى الموسوي ولا أحمد الكاتب بسوء مع أنهما قد سبقاه في هذا المضمار كما صرَّح الكاتب بذلك فيما مر.

قال الكاتب: إن هذا كله لا يهمني، وحسبي أن أقول الحق، وأنصح إخواني وأُذَكِّرُهُم وأُلْفتُ نظرهم إلى الحقيقة، ولو كنت أريد شيئاً من متاع الحياة الدنيا فإن المتعة والخمسَ كفيلان بتحقيق ذلك لي، كما يفعل الآخرون حتى صاروا هم أثرياء البلد، وبعضهم يركب أفضل أنواع السيارات بأحدث موديلاتها، ولكني- والحمد لله- أعرضت عن هذا كله منذ أن عرفت الحقيقة، وأنا الآن أكسب رزقي ورزق عائلتي بالأعمال التجارية الشريفة.

وأقول: من كان بهذا العمر المديد كيف يكون له مأرب في المتعة؟؟

فإن الكاتب لو أجيز بالاجتهاد- على حسب زعمه- وهو في عمر الأربعين سنة كما هو حال نوابغ الحوزة، فإن عمره الآن يبلغ حوالي تسعين سنة إذا كان كاشف

ص: 31

الغطاء قد أجازه بالاجتهاد في سنة وفاته، وهي سنة 1373 ه-.

ثم إن كل علماء النجف الأشرف في هذه السنين لا يركبون سيارات بأحدث موديلاتها، لأن النجف لا يوجد فيها سيارات حديثة، وهذا يعرفه كل من عاش في النجف واطَّلع على أحوال العلماء فيها.

وبحكم معرفتي الوثيقة بكل مراجع النجف الأشرف في هذا العصر فلا يوجد مرجع واحد يملك سيارة عادية فضلًا عن كونها من أحدث الموديلات.

وأما الخمس فهو أمانة يقبضها المرجع ويصرفها في مصارفها الصحيحة، ولا يحق له ولا لغيره أن يتملكها لنفسه، ولو كان مراجع التقليد يتملكون الخمس لكانوا من أثرى الناس، بينما هم ليسوا كذلك، وأحوالهم شاهدة عليهم.

والطريف ما زعمه من مسألة تكسُّبه بالتجارة لقوته وقوت عائلته، مع أنه ذكر أنه ذهب للحوزة العلمية وهو شاب يافع، فمن أين حصل على الأموال التي صار يتَّجر بها؟!

فإن كانت تجارته من أموال الخمس فلا يصح التكسب بها عنده، وإن كانت من غيرها فمن أين اكتسبها، وما مصدرها؟

ثم ما بال من عاش على التقوّت من الخمس حتى صار طاعناً في السن، قد تغافل الآن عن كل ما صرفه من أموال الخمس؟

ألا يعلم أنه يضمن كل ما صرفه على نفسه طيلة حياته، فيجب عليه أن يُرجِع تلك الأموال إلى أصحابها إن كان يعرفهم أو يتصدق بها عنهم؟؟

قال الكاتب: لقد تناولت في هذا الكتاب موضوعات محددة ليقف إخواني كلهم على الحقيقة حتى لا تبقى هناك غشاوة على بصر أي فرد كان منهم. وفي النية

ص: 32

تأليف كتب أُخرى تتعلق بموضوعات غير هذه ليكون المسلمون جميعاً على بينة فلا يبقى عُذرٌ لغَافِلٍ، أو حُجَّةٌ لجاهل.

وأقول: سيقف القرَّاء بعون الله تعالى على الحقيقة كاملة، وسيتضح لهم أن كاتب هذا الكتاب ما هو إلا مفترٍ منتحل لشخصية رجل يزعم أنه واحد من فقهاء الشيعة، وسيتضح للقراء بطلان كل الطعون التي تمسَّك بها هذا الرجل في نقد مذهب الشيعة الإمامية.

ومنه يُعلم أن القوم لما عجزوا عن نقد مذهب الشيعة الإمامية بالدليل والحجة الصحيحة عمدوا إلى محاربة المذهب بأمثال هذه الأساليب الرخيصة، فساروا على نهج أسلافهم الذين افتروا على الشيعة كل ما استطاعوا، فركبوا في ذلك كل صعب وذلول، ولكن الله ردَّ كيدهم في نحورهم، وأبطل مزاعمهم، وكشف زيفهم، وفضح أكاذيبهم.

إلا أن كاتب هذا الكتاب سلك مسلكاً في الكذب لم يسبقه إليه غيره، فزعم أنه واحد من فقهاء الشيعة، فافترى على علماء الشيعة ما شاء من الحكايات السخيفة التي يزعم أنه شاهد عَيَانٍ فيها، ولكنه وقع من حيث لا يشعر، فانكشف أمره، وظهر كذبه، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

قال الكاتب: وأنا على يقين أن كتابي هذا سيلقى القبول عند طلاب الحق وهم كثيرون والحمد لله، وأَمَّا مَن فَضَّلَ البقاء في الضلالة- لئلا يخسر مركزه فتضيع منه المتعة والخُمس من (أولئك) الذين لبسوا العمائم، وركبوا عجلات (المرسيدس) و (السوبر) فهؤلاء ليس لنا معهم كلام، والله حسيبهم على ما اقترفوا ويقترفون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هداناالله.

ص: 33

وأقول: إن طلاب الحق بحمد الله وفضله كثيرون، والحق واضح المعالم بيِّن السُّبل، لا يحتاج إلى كذب وافتراء وانتحال شخصيات وإلصاق التهم بالأبرياء، وافتعال الحوادث والوقائع التي لم تقع.

وسيعلم طلاب الحق إن شاء الله تعالى من خلال البحوث الآتية أن الكاتب قد مال عن الحق وجانب الصواب، وسلك سبيل الزيغ والضلال، وأنه لم يصل إلى مبتغاه، ولم يستطع أن يحقِّق غايته، بل افتضح أمره، وانكشف حاله، وصار كتابه هذا عاراً عليه في الدنيا، ووبالًا عليه في الآخرة.

وكل منصف يقرأ ما سوَّده هذا الكاتب في كتابه يحصل له القطع واليقين بضلال الكاتب وببطلان مسلكه، لأنه لو كان محقاً لما احتاج إلى افتعال الأكاذيب الرخيصة، ولكان الاحتجاج بالحق كافياً لدحض كل زيغ وضلال.

كما أن كل منصف يزداد بصيرة بأن مذهب الشيعة الإمامية هو المذهب الحق الذي من تمسَّك به نجا، ومن تخلَّف عنه هوى، ولو لم يكن كذلك لوجد أعداؤه من الحق ما يكفي لإبطاله، ولما احتاجوا لإبطاله بافتعال الأكاذيب والافتراءات التي بان زيفها وانكشف بطلانها.

ص: 34

عبد الله بن سبأ

قال الكاتب: إنَّ الشائع عندنا- معاشر الشيعة- أنّ عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها، اخترعها أهل السنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتهم، فنسبوا إليه تأسيس التشيع ليصدوا الناس عنهم، وعن مذهب أهل البيت.

وأقول: إن العجب ممن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف تخفى عليه مسألة بسيطة من أبسط المسائل الرجالية، وهي أن المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً بين علماء وفقهاء الإمامية قديماً وحديثاً أن عبد الله بن سبأ شخصية كان لها وجود، وقد نصَّ العلماء على ذلك في كتبهم الرجالية المعروفة.

فقد قال الشيخ الطوسي في رجاله: عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (1) 10.

وقال العلَّامة الحلي في كتابه خلاصة الأقوال: عبد الله بن سبأ غالٍ ملعون، حرَّقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنار، كان يزعم أن عليًّا عليه السلام إله، وأنه نبي (2) 11.


1- رجال الشيخ الطوسي، ص 80.
2- رجال العلامة الحلي، ص 237.

ص: 35

وهذه العبارة هي عين عبارة السيد أحمد بن طاووس في كتابه (حل الإشكال في معرفة الرجال) المنقولة في التحرير الطاووسي (1) 12.

وقال أبو عمرو الكشي: كان يدَّعي النبوة وأن عليًّا عليه السلام هو الله، فاستتابه عليه السلام ثلاثة أيام فلم يرجع، فأحرقه في النار في جملة سبعين رجلًا ادَّعوا فيه ذلك (2) 13.

وقال الشيخ يوسف البحراني: وابن سبا هذا هو الذي كان يزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام إله، فاستتابه أمير المؤمنين ثلاثة أيام، فلم يتب فأحرقه (3) 14.

إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخفى على صغار طلبة العلم فضلًا عمَّن يدعي الاجتهاد والاطلاع على ما في كتب الرجال من أحوال الرواة.

قال الكاتب: وسألت السيد كذا محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال: إن ابن سبأ خُرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية.

وأقول: ما نقله عن الشيخ كاشف الغطاء غير معروف عنه، فلا يُعتد بهذا النقل ولا يعوَّل عليه.

ومع التسليم بأن كاشف الغطاء رحمه الله قد قال ذلك فعلًا، فلعل مراده هو أنه ينكر صحة الأساطير التي حيكت حول عبد الله بن سبأ، ويرى أنها من دسائس الأمويين والعباسيين، لا أنه ينكر أصل وجوده الذي صرَّح به في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) كما سيأتي ذلك في كلامه الآتي.


1- التحرير الطاووسي، ص 173.
2- عن رجال ابن داود، ص 30 من القسم الثاني، وتنقيح المقال 2/ 184، وكلمة الكشي هذه غير مذكورة في (اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي.
3- الحدائق الناضرة 8/ 511.

ص: 36

قال الكاتب: ولكني وجدت في كتابه المعروف (أصل الشيعة وأُصولها) ص 40- 41 ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال: (أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة، أو يلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ...).

وأقول: إن مشهور علماء الشيعة- ومن جملتهم كاشف الغطاء- قد ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ، وأنه ادّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام، فأحرقه بالنار في جملة رجال ادَّعوا ذلك معه، وهذا يعرفه كل من بحث في كتب الرجال وتفحص الأقوال.

وما جاء في كتاب (أصل الشيعة وأصولها) دليل على عدم صحة النقل السابق عن كاشف الغطاء.

ولا ينقضي العجب من هؤلاء الذين يفتعلون الأكاذيب، ثم يجعلونها مادة يُدينون بها الشيعة ويُلزمونهم بها، فإن الكاتب افتعل قضية ونسبها إلى كاشف الغطاء، ثم زعم أن كلامه يتضارب مع ما في كتابه.

قال الكاتب: ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية، فلما راجعته في ذلك قال: إنا قلنا هذا تقية، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة، ولهذا أتبعت قولي المذكور بقولي بعده: (على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبد الله بن سبأ (وأمثاله) كلها أحاديث خرافة وضعها القَصَّاصُون وأرباب السَّمَر المجوف).

وأقول: لا أدري ما هو موقع التقية هنا؟!

وما ربط التسليم بوجود عبد الله بن سبأ في كتاب (أصل الشيعة وأصولها) بباب التقية؟!

ص: 37

وهل كتب كاشف الغطاء كتابه (أصل الشيعة وأصولها) الذي يعبِّر فيه عن عقائد الشيعة تقية؟! كيف يتم له كتابة كتاب في بيان عقائد الشيعة التي يخالف فيها القوم، ومع ذلك يكتبه تقية؟!

والذي يظهر من هذا الكلام وأشباهه أن الكاتب لا يعرف المعنى الصحيح للتقية، ويظن أن المراد بالتقية هو الكذب المحض غير المبرَّر، وهذا هو الفهم المعروف للتقية عند كثير من أهل السنة. وهذا الفهم الخاطئ لمعنى التقية قد كشف- بحمد الله- كذب كثير من النقولات والحكايات الواردة في الكتاب.

قال الكاتب: وقد أَلَّفَ السيد مرتضى العسكري كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ، كما أنكرها أيضاً السيد كذا محمد جواد مغنية في تقديمه لكتاب السيد العسكري المذكور.

وأقول: إن الخلاف في كون عبد الله بن سبأ موجوداً أو خرافة غير خفي على أحد، فقد تضاربت فيه الآراء بين نافٍ ومُثْبِت، وهذا لا يرتبط من قريب ولا من بعيد بالشيعة أو أهل السنة، لأنها مسألة رِجالية أو تاريخية.

ولئن كان السيد مرتضى العسكري والشيخ مغنية وغيرهما قد ذهبا إلى أن ابن سبأ خرافة ولا وجود له، فإن جملة من الباحثين من أهل السنة ذهبوا إلى نفس هذا الرأي.

منهم: الدكتور طه حسين: فإنه قال في كتابه (علي وبنوه): أقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلَّفاً منحولًا وقد اختُرع بأخرة، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يُدخلوا في أصول

ص: 38

هذا المذهب عنصراً يهودياً، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم (1) 15.

ومنهم: الدكتور عبد العزيز الهلابي: حيث قال في كتابه (عبد الله بن سبأ): الذي نخلص إليه في بحثنا هذا أن ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فإن وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكّد أنه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفِرَق، لا من الناحية السياسية، ولا من ناحية العقيدة (2) 16.

ومنهم: الكاتب المصري أحمد عباس صالح: فإنه قال في كتابه (اليمين واليسار في الإسلام): وعبد الله بن سبأ شخص خرافي بغير شك، فأين هو من هذه الأحداث جميعاً؟ وأين هو من الصراعات الناشبة في هذا العالم الكبير المتعدد ... وماذا يستطيع شخص مهما تكن قيمته أن يلعب بمفرده بين هذه التيارات المتطاحنة؟

إلى أن قال: إنما كل ما حيك من قصص حول عبد الله بن سبأ هو من وضع المتأخرين، فلا دليل على وجوده في المراجع القديمة، فضلًا عن سخافة التفكير في احتمال وجوده أصلًا (3) 17.

قال الكاتب: وعبد الله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة. ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السنّة لا يُحْصَوْنَ كثرة، ولكن لا يُعَوِّلُ الشيعة عليهم لأجل الخِلافِ معهم.

وأقول: إن عبد الله بن سبأ لا يرتبط بمذهب الشيعة، ولا شأن لهم به، ولا يُعتبر أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة كما زعم الكاتب، بل الأمر بالعكس تماماً، فإن أهل السنة نقموا على الشيعة لما غُرس في


1- الفتنة الكبرى 2/ 98.
2- عبد الله بن سبأ: دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة، ص 71.
3- اليمين واليسار في الإسلام، ص 95.

ص: 39

أذهانهم أن أصل مذهبهم يرجع إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، فحنقوا على الشيعة لأنهم اعتنقوا دسيسة يهودية تمَّ تنفيذها على يد حاقد على الإسلام والمسلمين.

وأما ما زعمه من كثرة من تحدَّث عن عبد الله بن سبأ من أهل السنة وأن الشيعة لا يعوِّلون على كلامهم من أجل الخلاف معهم، فهو مردود بأن الكثرة ليست مقياساً للحق، وإنما مقياسه هو صحَّة الدليل وتمامية الحجة، وأكثر من بحث شخصية عبد الله بن سبأ من أهل السنة بحثها بنتائج مسبقة، من أجل إثبات العلاقة الوطيدة بين مذهب الشيعة وبين عبد الله بن سبأ، ولهذا اعتمدوا الأخبار الموضوعة والآثار المكذوبة للوصول إلى هذه الغاية، ولم يسلكوا سبيل التحقيق والبحث العلمي الصحيح.

قال الكاتب: بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة نجد أن ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم.

وأقول: لقد قلنا فيما مرَّ: إن المشهور بين علماء الشيعة إن لم يكن إجماعاً أن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية، ولم ينكر وجودها معروف من الأساطين، وكتبهم خير شاهد على ما نقول.

وعليه فما سيأتي بعد ذلك كله مبتنٍ على وهم فاحش وخطأ فادح، وهو زعم الكاتب أن علماء الشيعة ينكرون وجود شخصية عبد الله بن سبأ، مع أن ذلك غير صحيح كما قلنا.

قال الكاتب: وإليك البيان:

ص: 40

1- عن أبي جعفر رضي الله عنه (أن عبد الله بن سبأ كان يَدَّعِي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله- تعالى عن ذلك- فبلغ ذلك أمير المؤمنين رضي الله عنه، فدعاه، وسأله، فَأَقَرَّ بذلك وقال: نعم، أنت هو، وقد كان قد ألقي في روعي أنت الله، وأني نبي، فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكِلتْكَ أمك وتُب، فأبى، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتب فأحرقه بالنار وقال: (إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه، ويُلقِي في روعه ذلك).

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند بمحمد بن عثمان العبدي وبسنان والد عبدالله بن سنان، فإنهما لم يثبت توثيقهما في كتب الرجال.

وعليه، فهذه الرواية ساقطة لا يصح الاحتجاج بها ولا التعويل عليها.

قال الكاتب: وعن أبي عبد الله أنه قال: (لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين رضي الله عنه، وكان والله أمير المؤمنين رضي الله عنه عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم) (معرفة أخبار الرجال) للكشي ص 75- 71، وهناك روايات أخرى.

وأقول: هذه الرواية صحيحة السند، وهي إحدى ثلاث روايات أثبتت أن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية، وأنه ادَّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام، فأحرقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنار.

وليس عندنا من الأخبار والآثار المعتبرة المروية في كتب الفريقين ما يدل على أن عبدالله بن سبأ كان له أي دور في أحداث الفتنة التي تسارعت في زمن عثمان، وأنه ألَّب على عثمان وطاف في البلدان للتحريض عليه، وأنه كان رجلًا أسود يهودياً قد أسلم في زمن عثمان، فصار يقول بالرجعة وبأفضلية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

ص: 41

عليه السلام وأحقيَّته في الخلافة، وأنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه دابة الأرض وغير ذلك من المعتقدات التي نسبوها إليه، إلا ما رواه سيف بن عمر التميمي الوضَّاع الكذاب، ونقله عنه الطبري وغيره من المؤرِّخين.

وكل ما أثبتته الأخبار والآثار المعتبرة المروية في كتب أهل السنة هو أن عبدالله بن سبأ كان كذاباً، ولم تُثْبِتْ أكثر من ذلك.

وأما الكتب الشيعية وبالخصوص منها كتاب (اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي فقد أثبتت ما قلناه من أنه كان كذاباً، وأنه ادَّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام، فاستتابه فلم يتب، فأحرقه بالنار في جملة رجال كانوا معه، لا أكثر من هذا ولاأقل.

وكل ما نُسج حول عبد الله بن سبأ من الدور الذي جعل منه رجلًا أسطورياً استطاع أن يعبث بعقول الصحابة، ويؤلِّب الناس على عثمان، وأن يُظهر الغلو في أمير المؤمنين عليه السلام ويبثّه في المسلمين، حتى استطاع في زمن يسير أن يفكِّك الدولة الإسلامية ويزعزع خلافتها، كل هذا قدوضعه سيف بن عمر في كتابه (الفتنة ووقعة الجمل)، ولم يُرْوَ من طريق غيره.

قال الكاتب: 2- وقال المامقاني: (عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغُلُوَّ) وقال: (غالٍ ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن عليا إله، وأنه نبيّ) (تنقيح المقال في علم الرجال) 2/ 183، 184.

وأقول: هاتان الكلمتان ليستا للمامقاني قدس سره كما صرَّح بذلك هو نفسه في كتابه المذكور 2/ 183، فإنه نسب الكلمة الأولى للشيخ الطوسي قدس سره، والكلمة الثانية للعلَّامة الحلي رحمه الله في كتاب الخلاصة، وقد تقدم نقل هاتين العبارتين عنهما، وإنما نبَّهنا

ص: 42

على ذلك ليعرف القارئ الكريم أن الكاتب لا يعوَّل على فهمه، أو هو غير أمين في نقله.

وما قاله الشيخ والعلَّامة هو مفاد أحاديث الكشي التي ذكر الكاتب بعضاً منهاآنفاً.

قال الكاتب: 3- وقال النوبختي: (السبئية قالوا بإمامة علي، وأنها فرض من الله عز وجل، وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال: (إِن عليا رضي الله عنه أمره بذلك) فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا، فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت، وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فَصَيَّرَه إلى المدائن.

وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام (1) 18 أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي رضي الله عنه، وأظهر البراءة من أعدائه ... فمن هنا قال مَن خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية) (فرق الشيعة) ص 32- 44.

وأقول: إن النوبختي رحمه الله نقل كل مضامين كتابه (فرق الشيعة) من مصادر غير معروفة، ولم يذكر لما ذكره فيه أية أسانيد، ومن الواضح أنه رحمه الله نقل كلمته هذه عن كتاب سيف بن عمر التميمي مباشرة، أو عمن نقلها عن سيف أو كتابه، لأن مثل هذه المضامين لم تُرْوَ عن غيره كما مرَّ.


1- ما بين القوسين المعقوفين مذكور في المصدر، وهو كتاب (فرق الشيعة)، ص 22.

ص: 43

وما نقله عن بعض أهل العلم لا يصح التعويل عليه لجهالتهم، ومع أن النوبختي وصفهم بأنهم من أصحاب أمير المؤمنين إلا أن الكاتب خلافاً للأمانة العلمية حذف هذا الوصف، ليُوهم القارئ أنهم من علماء الشيعة المتقدِّمين.

وعليه فما نقله الكاتب عن النوبختي لا يمكن الاحتجاج به في إثبات شي ء، لأن النوبختي لم ينقله من مصدر معروف، ولم تدل عليه شي ء من الأحاديث الصحيحة المروية من طرق الشيعة أو أهل السنة على السواء.

قال الكاتب: 4- وقال سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّي في عرض كلامه عن السبئية: (السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن خرسي، وابن أسود، وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم) (المقالات والفرق) ص 20.

وأقول: حال كتاب (المقالات والفرق) لسعد بن عبد الله الأشعري حال كتاب (فرق الشيعة) للنوبختي، فإنهما قدّس سرّهما نقلا كل مضامين كتابيهما من مصادر غير معروفة، ولم يذكرا لكلامهما أسانيد صحيحة.

هذا مضافاً إلى أن ما قاله الأشعري في كتابه (المقالات والفرق) حول عبد الله ابن سبأ باطل في نفسه، لوضوح أن عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني هو زعيم الخوارج الذي قُتل في النهروان، وأما عبد الله بن سبأ فهو من الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أحرقه أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة كما هو الصحيح، أو نفاه إلى المدائن كما دلَّت عليه بعض الأخبار. فهما شخصان مختلفان، لكل منهما صفاته التي يختلف بها عن الآخر، وقد ذكرنا في كتابنا (عبد الله بن سبأ) فصلًا في نفي أن يكون عبد الله بن سبأ هو عبد الله بن وهب الخارجي، فليراجعه من أراد الاطلاع عليه.

ص: 44

قال الكاتب: 5- وقال الصدوق: وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء، وينصب في الدعاء). فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان؟ فقال: بلى. قال: فلِمَ يرفع يديه إلى السماء؟ قال: أوما تقرأ (وفي السماء رزقكم وما توعدون) (الذاريات/ 22)، فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه؟ وموضعه- الرزق- ما وعد الله عز وجل السماء) من لا يحضره الفقيه 1/ 229.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند بالحسن بن راشد، فإنه لم يثبت توثيقه في كتب الرجال (1) 19.

على أنه يحتمل أن يكون المراد بابن سبأ في الرواية هو عبد الله بن وهب الراسبي، فإنه سبائي أيضاً، ويُسمَّى ابن سبأ.

ولو سلَّمنا بأن ابن سبأ في الرواية هو عبد الله بن سبأ، فالرواية لا تُثبت أكثر من أنه كان معاصراً لأمير المؤمنين عليه السلام، ونحن لا ننفي وجود شخص عبد الله بن سبأ كما مرَّ.

قال الكاتب: 6- وذكر ابن أبي الحديد أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: (أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له- علي-: «ويلك، مَن أنا؟»، فقال: أنت الله. فأمر بأخذه وأخْذِ قومٍ كانوا معه على رأيه. شرح نهج البلاغة 5/ 5.

7- وقال السيد نعمة الله الجزائري: (قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله


1- قال البرقي: إنه مولى بني العباس، وكان وزير المهدي وموسى وهارون، بغدادي. وقال ابن الغضائري: ضعيف في روايته. راجع معجم رجال الحديث 4/ 322.

ص: 45

حقاً، فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل إنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون، وفي موسى مثل ما قال في علي) (الأنوار النعمانية) 2/ 234.

وأقول: ما نقله عن ابن أبي الحديد موافق لبعض الروايات الصحيحة التي رواها الكشي في رجاله، الدالَّة على أن ابن سبأ كان من الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ادَّعى فيه الألوهية، فأحرقه عليه السلام بالنار.

وأما ما نقله عن السيّد نعمة الله الجزائري من أنه كان يهودياً فأسلم وأنه كان يقول في اليهودية في يوشع بن نون مثل ما قال في علي عليه السلام بعد إسلامه، وغير ذلك مما نُسج حوله من الأساطير، فكله- كما قلنا- لم يثبت بدليل صحيح، بل كله من مرويات سيف بن عمر الوضاع، والسيد نعمة الله الجزائري قدس سره لم يذكره قولًا له، وإنما ذكره قولًا من الأقوال مشعراً بتضعيفه.

قال الكاتب: فهذه سبعة نصوص من مصادر معتبرة ومتنوعة بعضها في الرجال، وبعضها في الفقه والفرَق، وتركنا النقل عن مصادر كثيرة لئلا نطيل كلها تثبت وجود شخصية اسمها عبد الله بن سبأ، فلا يمكننا بَعْدُ نَفْيُ وجودها خصوصاً وأن أمير المؤمنين رضي الله عنه قد أنزل بابن سبأ عقاباً على قوله فيه بأنه إله، وهذا يعني أن أمير المؤمنين رضي الله عنه قد التقى عبد الله بن سبأ، وكفى بأمير المؤمنين حجة، فلا يمكن بعد ذلك إنكار وجوده.

وأقول: لا يخفى أن (الأنوار النعمانية)، و (فرق الشيعة)، و (المقالات والفرق)، و (تنقيح المقال)، لا تُعَد من مصادر الشيعة المعتبرة مع جلالة كُتَّابها (1) 20، لأنها كتب


1- مصادر الشيعة هي الكتب التي يعوِّل الشيعة على ما فيها من أحاديث، كالكتب الأربعة وكتب الصدوق مثلًا، والتي تعبِّر عن آراء المشهور عندهم في العقائد والأحكام ككتب السيد المرتضى والشيخ المفيد وغيرها، وأما ما عداها فهي كتب تعبر عن آراء كاتبيها، ولا يخفى أن الشيعة أطبقوا على أن كل كتاب يؤخذ منه ويُترك إلا القرآن الكريم، فليس عندهم كتاب كله صحيح غيره.

ص: 46

تعبِّر عن رأي أصحابها، وليس كل ما فيها صحيح، بل فيها ما هو معلوم البطلان.

وأما (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد، فهو ليس من كتب الشيعة، فضلًا عن أن يكون مصدراً معتبراً من مصادرهم، لأن ابن أبي الحديد معتزلي صِرْف، إلا أن بعض أهل السنة توهموا أنه شيعي، حينما رأوا كثرة نقل الشيعة عنه واحتجاجهم بكلامه.

وأما الكتابان الآخران- وهما (رجال الكشي) و (من لا يحضره الفقيه)- فهما وإن كانا من مصادر الشيعة المعتبرة، إلا أن علماء الشيعة لا يرون صحة كل ما فيهما من أحاديث، ولا يتوقفون في الحكم على بعض ما فيهما بالضعف والبطلان.

ومنه يتضح أن الكاتب لم يستطع التمييز بين مصادر الشيعة ومصادر غيرهم، وبين المعتبر منها وغير المعتبر، ويكفي هذا دليلًا على فساد زعمه ببلوغه مرتبة الاجتهاد والفقاهة.

قال الكاتب: نستفيد من النصوص المتقدمة ما يأتي:

1- إثبات وجود شخصية ابن سبأ، ووجود فرقة تناصره، وتنادي بقوله، وهذه الفرقة تُعَرفُ بالسبئية.

وأقول: أما أنه كان له وجود فنعم، وأما وجود فرقة تناصره تُعرف بالسبئية فهو غير صحيح، وإن جاء ذكرها في بعض الأقوال، لأن ورود ذلك في بعض الكتب ناشئ من النقل من غير تحقيق للمسألة.

ويدل على ما قلناه أنك لا تجد لهذه الفرقة أتباعاً معروفين، ولا علماء

ص: 47

مشهورين، ولا أقوالًا مدوَّنة، ولا كتباً منتشرة، وهذا هو المقوِّم لوجود أية فرقة من الفِرَق، أو اعتبار أية طائفة من الطوائف.

قال الكاتب: 2- إن ابن سبأ هذا كان يهودياً فأظهر الإسلام، وهو وإن أظهر الإسلام إلا أن الحقيقة أنه بقي على يهوديته، وأخذ يبث سمومه من خلال ذلك.

وأقول: هذا لم يثبت بدليل صحيح، وهو مروي عن سيف بن عمر التميمي الوضَّاع الذي أطبق الكل على تضعيفه، ولم يُروَ من طريق غيره، وكل ما ذكره الطبري في تاريخه مما يرتبط بمسألة عبد الله بن سبأ إنما هو منقول عنه.

والكاتب قد جعل هذا من النتائج التي استخلصها من كلامه السابق مع أنه لم يذكر دليلًا واحداً في كل ما تقدم من كلامه يدل على يهودية عبدالله بن سبأ، فراجع.

قال الكاتب: 3- أنه هو الذي أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وكان أول من قال بذلك، وهو أول من قال بإمامة أمير المؤمنين رضي الله عنه، وهو الذي قال بأنه رضي الله عنه وَصيُّ النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأنه نقل هذا القول عن اليهودية، وأَنه ما قال هذا إلا محبة لأهل البيت، ودعوة لولايتهم، والتبرؤ من أعدائهم- وهم الصحابة ومن والاهُم بزعمه-.

وأقول: كل ما ذكره الكاتب إنما هو مضامين روايات سيف بن عمر التميمي الوضَّاع، وكلها مضامين لم ترد في شي ء من الأحاديث الصحيحة السُّنّية فضلًا عن الشيعية، فكيف يؤخذ بها ويعوَّل عليها؟!

هذا مع أن الروايات التي نقلها الكاتب فيما مرَّ لا تدل على أمثال هذه النتائج

ص: 48

التي توصَّل إليها كما هو واضح للقارئ الكريم.

وأما ما زعمه الكاتب من أن ابن سبأ هو أول من قال بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام فهو واضح البطلان، وذلك لأن أول من قال بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أحاديث كثيرة صحيحة:

منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) (1) 21.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (2) 22.


1- سنن الترمذي 5/ 633 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. صحيح ابن حبان 15/ 376. سنن ابن ماجة 1/ 45. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 26. مسند أحمد 1/ 84، 118، 119، 152، 330، 4/ 281، 368، 370، 372، 5/ 347، 366، 419. المستدرك للحاكم 3/ 109، 110، 116، 134، 371، 533 وصحَّحه. الأحاديث المختارة 2/ 106، 174، 3/ 151، 274. موارد الظمآن 2/ 987. تفسير القرآن العظيم 2/ 14. مجمع الزوائد 7/ 17، 9/ 103- 108، 120، 164. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 108، 131، 132، 134، 135. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 368، 369، 371، 375، 377. المعجم الصغير للطبراني 1/ 65، 71. مسند أبي يعلى 1/ 257، 5/ 460. المعجم الأوسط 1/ 111، 312، 533، 4/ 357. المعجم الكبير 3/ 199، 201، 4/ 17، 173، 5/ 166، 170، 171، 175، 192، 194، 195، 203، 204، 212، 12/ 99، 19/ 291. كتاب السنة 2/ 590- 593. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 563، 569، 572، 586، 682. خصائص علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ص 96- 108. وعدَّه من الأحاديث المتواترة: السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة)، ص 277، والكتاني في (نظم المتناثر)، ص 205، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة)، ص 205، والحافظ شمس الدين الجزري في (أسنى المطالب)، ص 5، ومحمد ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة) 4/ 343. وصحّحه جمع آخرون من أعلام أهل السنة.
2- مسند أحمد بن حنبل 1/ 330- 331. المستدرك 3/ 133 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9/ 119 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين. المعجم الكبير للطبراني 12/ 99. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 684. كتاب السنة 2/ 551، وقال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ. وفي ص 589: إلا أنك لست بنبي، وأنت خليفتي في كل مؤمن بعدي. وعند البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 9/ 259 ح 8944 ومختصر إتحاف السادة المهرة 9/ 180 ح 7443، عن أبي يعلى، أنه قال: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي. كتاب السنة 2/ 551، وقال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ.

ص: 49

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا سيِّد ولد آدم، وعليٌّ سيِّد العرب (1) 23.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن عليًّا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي (2) 24.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أُوحي إليَّ في عليٍّ ثلاث: أنه سيِّد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغُر المُحجَّلين (3) 25.


1- المستدرك 3/ 124، 138 وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. المعجم الأوسط للطبراني 1/ 401. المعجم الكبير 3/ 90. حلية الأولياء 1/ 63، 5/ 38. تاريخ بغداد 11/ 89. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2/ 261. در السحابة، ص 214. مجمع الزوائد 9/ 116، 131. كشف الخفا 1/ 462.
2- سنن الترمذي 5/ 632 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد 4/ 438، 356. المستدرك 3/ 111 قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي. موارد الظمآن 2/ 986. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 133. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. كتاب السنة 2/ 550 وقال الألباني في تعليقته: إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. صحيح ابن حبان 15/ 374. مسند الطيالسي، ص 111، 360. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 1/ 331، 2/ 605، 4/ 438. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي، ص 109. حلية الأولياء 6/ 294. مسند أبي يعلى 1/ 185. المعجم الكبير للطبراني 12/ 99، 18/ 129.
3- المستدرك 3/ 137 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2/ 256- 258. حلية الأولياء 1/ 63. در السحابة، ص 229.

ص: 50

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (هذا أميرُ البرَرَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ مَنْ نَصَرَه، مخذول من خذله) يمد بها صوته (1) 26.

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فضلًا عن الأحاديث الأخرى التي تدل على المطلوب بأتم دلالة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (2) 27.


1- المستدرك 3/ 129، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. تاريخ بغداد 3/ 377، 4/ 219.
2- صحيح البخاري 3/ 1142، 1331. صحيح مسلم 4/ 1870، 1871. صحيح ابن حبان 15/ 15، 369، 371. سنن الترمذي 5/ 638، 640، سنن ابن ماجة 1/ 42، 45. مسند أحمد 1/ 170، 173- 175، 177، 179، 182، 184، 185، 3/ 32، 338، 6/ 369، 438. المستدرك 2/ 337، 3/ 109. الأحاديث المختارة 3/ 151، 207. موارد الظمآن 2/ 985. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 369، 7/ 425. المصنف لعبد الرزاق 5/ 279. مسند الحميدي 1/ 38. مسند الطيالسي، ص 28، 29. مجمع الزوائد 9/ 109- 111. الطبقات الكبرى 3/ 23- 24. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 40. السنن الكبرى للنسائي 5/ 44، 107، 108، 113، 119- 125، 144، 240. المعجم الصغير للطبراني 2/ 22، 54. المعجم الأوسط 1/ 400، 2/ 120، 3/ 179، 4/ 97، 239، 245، 5/ 356، 6/ 33. المعجم الكبير 1/ 146، 148، 2/ 247، 4/ 17، 184، 5/ 203، 221، 11/ 74، 75، 12/ 18، 98، 19/ 291، 24/ 146، 147. مسند أبي يعلى 1/ 180، 298، 301، 306، 313، 321، 6/ 72. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 566- 569، 592، 598، 610، 611، 633، 638، 642، 643، 663، 666، 670، 675، 684. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 551، 586- 589. حلية الأولياء 4/ 345، 7/ 194- 197، 8/ 307. تاريخ بغداد 1/ 325، 3/ 289، 406، 4/ 70، 204، 382، 7/ 452، 8/ 52، 268، 9/ 364، 10/ 43، 11/ 384، 431، 12/ 323. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي، ص 37، 38، 49، 67- 79، 140. وعدَّه من الأحاديث المتواترة: السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة)، ص 281، والكتاني في (نظم المتناثر)، ص 206، والزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة)، ص 31، ونقل في الحاشية التواتر عن الشيخ جسوس في شرح الرسالة.

ص: 51

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من الباب (1) 28.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: علي منِّي وأنا من علي، ولا يُؤَدِّي عنِّي إلا أنا أو علي (2) 29.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليًّا فقد أطاعني، ومَن عصى عليًّا فقد عصاني (3) 30.

ولهذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يرى أنه هو الأولى بالخلافة من كل من تقدَّمه من الخلفاء، ولأجل ذلك امتنع عن بيعة أبي بكر مطلقاً، أو ستة أشهر على رواية البخاري ومسلم وغيرهما (4) 31، ولولا ذلك لما كان وجه للتخلف عن بيعة أبي بكر كل


1- سنن الترمذي 5/ 637. المستدرك 3/ 126، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مجمع الزوائد 9/ 114. المعجم الكبير للطبراني 11/ 65. حلية الأولياء 1/ 64. تاريخ بغداد 7/ 172، 11/ 48- 50، 203. فضائل الصحابة 2/ 634. الجامع الصغير للسيوطي 1/ 415. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 159: هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بيَّنتُ حاله في التعقيبات على الموضوعات. وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية، ص 269: وأما حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) فهو حديث حسن، بل قال الحاكم: صحيح.
2- سنن الترمذي 5/ 636 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. سنن ابن ماجة 1/ 44. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 26، وفيه حسَّنه الألباني. مسند أحمد 4/ 164، 165. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 128. مصنف ابن أبي شيبة 6/ 368. المعجم الكبير للطبراني 4/ 16، 11/ 400. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 584. خصائص أمير المؤمنين للنسائي، ص 91. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 594، 599. مشكاة المصابيح 3/ 1720.
3- المستدرك 3/ 121 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
4- أخرج البخاري في صحيحه 3/ 1286، ومسلم 3/ 1380- واللفظ له-، وغيرهما عن عائشة في حديث طويل قالت: إن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال)، وإني والله لا أغيِّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرَتْه فلم تكلِّمْه حتى توفيتْ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلَّى عليها عليٌّ، وكان لعلي من الناس وجهةٌ حياةَ فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر: (أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك) كراهية محضر عمر بن الخطاب ... الحديث.

ص: 52

هذه المدة.

والعجيب زعمه أن عبد الله بن سبأ هو أول من قال: (إن علي بن أبي طالب عليه السلام وَصِيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أن القائلين بها من الصحابة كثير.

فمن هؤلاء الفضل بن العباس، ومن شعره:

ألاإنَّ خيرَالناسِ بعدَ محمدٍوصيُّ النبيِّ المصطفى عندَ ذي الذّكْرِ

وأولُ مَن صلَّى وصنوُ نبيِّه وأولُ من أردى الغواةَ لدى بدْرِ (1) 32.

وقال عبد الرحمن بن جعيل:

لعمري لقد بايعتمُ ذا حفيظةٍعلى الدينِ معروفَ العفافِ موفّقا

وصيَّ النبيِّ المصطفى وابنَ عمِّه وأولَ مَن صلّى أخا الدينِ والتُّقى

وقال عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

ومنّا عليٌّ ذاك صاحبُ خيبرٍوصاحبُ بدرٍ يومَ سالتْ كتائبُه

وصيُّ النبيِّ المصطفى وابنُ عمه فمَن ذا يُدانيه ومَن ذا يقاربُه.


1- تاريخ الطبري 2/ 696.

ص: 53

وقال أبو الهيثم بن التيهان وهو من أهل بدر:

قُلْ للزبيرِ وقُلْ لطلحةَ إننانحن الذين شعارُنا الأنصارُ

نحن الذين رأتْ قريشٌ فعلَنايومَ القليبِ أولئك الكفارُ

كنا شعارَ نبيِّنا ودثارَه يفديه منا الروحُ والأبصارُ

إنّ الوصيَّ إمامُنا ووليُّنابَرِحَ الخفاءُ وباحتِ الأسرارُ.

وقال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل:

يا ربَّنا سلِّمْ لنا عليّاسلِّمْ لنا المبارَكَ المضيا

المؤمنَ الموحِّدَ التقيّالا خطلَ الرأيِ ولا غويّا

بل هادياً موفَّقاً مهديّاواحفظه ربّي واحفظِ النبيّا

فيه فقد كان له وليّاثم ارتضاه بعدَه وصيّا.

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وهو من أهل بدر:

أعايشُ خلِّي عن عليٍّ وعيبه بما ليس فيه إنما أنتِ والدَهْ

وصيِّ رسولِ اللهِ من دونِ أهلِه وأنتِ على ما كان من ذاك شاهدَهْ

وحسبُكِ منه بعضُ ما تعلمينَه ويكفيكِ لو لم تعلمي غير واحدَهْ

إذا قيل ماذا عبتِ منه رميتِه بخذلِ ابنِ عفان وما تلك آيدَهْ.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي بعد أن ذكر تلك الأشعار وغيرها مما فيه ذكر الوصاية لأمير المؤمنين عليه السلام: ذكر هذه الأشعار والأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى في كتاب وقعة الجمل، وأبو مخنف من المحدّثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها (1) 33. ومن لطائف ما ذُكر من هذا الشعر ما قاله غلام شاب من بني ضبّة، خرج يوم


1- شرح نهج البلاغة 1/ 48. ط محققة 1/ 147.

ص: 54

الجمل من عسكر عائشة وهو يقول:

نحن بنو ضبَّةَ أعداءُ عليْ ذاك الذي يُعرَف قِدْماً بالوصيْ

وفارسِ الخيلِ على عهدِ النبي ما أنا عن فضلِ عليٍّ بالعَمِي

لكنني أنعى ابنَ عفانَ التقي إن الوليَّ طالبٌ ثارَ الولي.

وقال ابن أبي الحديد بعد أن ساق أشعاراً كثيرة تتضمن لفظ الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام: والأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثيرة جداً، ولكنا ذكرنا منها ههنا بعض ما قيل في هذين الحزبين (1) 34، فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر، ويعظم عن الإحصاء والعد، ولولا خوف الملالة لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة (2) 35. قال الكاتب: إذن شخصية عبد الله بن سبأ حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها في كتبنا ومصادرنا المعتبرة.

وأقول: لقد قلنا فيما مر أننا لا ننكر أن شخصية عبد الله بن سبأ حقيقة، ولكن التهويلات التي نُسجت حوله مثل كونه يهودياً وأنه صار يطوف في البلدان ويؤلِّب المسلمين على عثمان، وأنه أول من جاء بمسألة وصية أمير المؤمنين عليه السلام، وأفضليته، وأنه دابة الأرض، وأنه يرجع إلى الدنيا بعد موته، وغير ذلك من الأمور التي رواها سيف بن عمر التميمي، ولم تُروَ من طريق غيره، فكلها لا تصح، ولا يمكن التصديق بها.

وكل ذلك أوضحناه مفصَّلًا وأثبتناه في كتابنا (عبد الله بن سبأ)، فمن أراده فليرجع إليه.


1- يريد بهما أصحاب علي عليه السلام وأصحاب طلحة والزبير وعائشة.
2- شرح نهج البلاغة 1/ 50. ط محققة 1/ 150.

ص: 55

قال الكاتب: وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية، انظر المصادر الآتية: الغارات للثقفي، رجال الطوسي، الرجال للحلي، قاموس الرجال للتستري، دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري، الكنى والألقاب لعباس القمي، حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفي سنة (673)، الرجال لابن داود، التحرير للطاووسي كذا، مجمع الرجال للقهبائي، نقد الرجال للتفرشي، جامع الرواة للمقدسي كذا الأردبيلي، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، مرآة الأنوار لمحمد بن طاهر العاملي، فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثر من عشرين مصدراً من مصادرنا تنص كلها على وجود ابن سبأ، فالعجب كل العجب من فقهائنا كذا أمثال المرتضى العسكري والسيد كذا محمد جواد مغنية، وغيرهما في نفي وجود هذه الشخصية، ولا شك أن قولهم ليس فيه شي ء من الصحة.

وأقول: هذه المصادر كلها تنقل عن رجال الكشي نصًّا أو مضموناً، فهي في واقعها مصدر واحد لا أكثر، إلا أن الكاتب أراد أن يوهم القراء بكثرة المصادر المثبتة لعبد الله بن سبأ.

والطريف في الأمر أن الكاتب نسب كتاب (جامع الرواة) إلى المقدسي الأردبيلي، مع أنه لمحمد بن علي الأردبيلي الحائري، وذكر من ضمن المصادر (التحرير) للطاووسي، ظنًّا منه أن الطاووسي مؤلف الكتاب، مع أن اسم الكتاب هو (التحرير الطاووسي) للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني صاحب كتاب (معالم الدين).

كما أن الكاتب أمر قارئه بالنظر في كتاب (حَلّ الإشكال) للسيد أحمدبن طاووس، مع أن كل أهل العلم يعرفون أن هذا الكتاب لا وجود له في عصرنا ولاأثر.

هذا مع أن كل تلك المصادر ذكرت أن عبد الله بن سبأ قد أحرقه أمير المؤمنين

ص: 56

عليه السلام بالنار في جملة جماعة ادَّعوا فيه الألوهية، وأما الأمور الأخرى المنسوبة لابن سبأ التي أشرنا إليها آنفاً فلم ترد في هذه المصادر العشرين التي ذكرها، ومن أراد التأكد فليراجعها.

وأما ما ذهب إليه السيد مرتضى العسكري والشيخ محمد جواد مغنية من نفي وجود ابن سبأ فهو رأي من الآراء التي وافقهما عليه بعض الباحثين من أهل السنة، وإن كنا لا نوافقهم فيه.

ومنه يتضح أن ما زعمه الكاتب من أن فقهاء الإمامية ينفون شخصية ابن سبأ بعيد عن الصواب.

وعلى كل حال سواء ثبت وجود عبد الله بن سبأ أم لم يثبت فهو أمر لا يرتبط من قريب أو بعيد بمذهب الشيعة الإمامية، فإن الشيعة تبرَّأوا منه ولعنوه، ولا ترى في كتب الشيعة رواية واحدة عنه، ولا تجد لهم قولًا واحداً قد ثبت عنهم أنهم قد أخذوه منه.

وأما ما نسبه سيف بن عمر إلى ابن سبأ من عقائد الشيعة، كالقول بأن أمير المؤمنين عليه السلام وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه دابة الأرض، وأنه يرجع إلى الدنيا ويسوق العرب بعصاه، وما شابه ذلك، فكله منحول عليه، ولم يُروَ إلا من طريق سيف المذكور، والعقائد المذكورة ثبتت بالأدلة المروية في كتب أهل السنة، ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى كتابنا المذكور، فإنا استوفينا فيه البحث غاية الاستيفاء.

ص: 57

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت

قال الكاتب: إن من الشائع عندنا معاشر الشيعة، اختصاصنا بأهل البيت، فالمذهب الشيعي كله قائم على محبة أهل البيت- حسب رأينا- إذ الولاء والبراء مع العامة- وهم أهل السنة- بسبب أهل البيت، والبراءة من الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة وعائشة بنت أبي بكر بسبب الموقف من أهل البيت، والراسخ في عقول الشيعة جميعاً صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، ذكرهم وأنثاهم، أن الصحابة ظلموا أهل البيت، وسفكوا دماءهم، واستباحوا حُرُماتِهم.

وأقول: لا ريب في أن الولاء والبراء من الشعائر الثابتة في الإسلام التي دلَّت عليها آيات القرآن الكريم.

فإن الآيات الشريفة دلَّت على أن الله سبحانه ولي المؤمنين، فقال جل شأنه اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (1) 36.


1- سورة البقرة، الآية 257.

ص: 58

وقال سبحانه إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (1) 37.

وقال عزَّ مِن قائل إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ (2) 38.

ونصَّت آيات أخر على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فقال سبحانه وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (3) 39.

وجاء النهي في آيات أُخر عن اتخاذ أعداء الدين أولياء، فقال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ (4) 40.

وقال عزَّ من قائل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (5) 41.

وقال جلَّ شأنه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (6) 42.

وقال عزَّ اسمه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) 43.

وقال تعالى لَّا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ ءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ


1- سورة الأعراف، الآية 196.
2- سورة آل عمران، الآية 68.
3- سورة التوبة، الآية 71.
4- سورة الممتحنة، الآية 1.
5- سورة التوبة، الآية 22.
6- سورة المائدة، الآية 57.
7- سورة المائدة، الآية 51.

ص: 59

المَصِيرُ (1) 44.

وأما آيات البراءة:

فمنها: ما دلَّ على أن الله ورسوله بريئان من المشركين.

قال سبحانه وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِي ءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (2) 45.

ومنها: ما دلَّ على لزوم البراءة من المشركين وما يعبدون من دون الله سبحانه.

قال تعالى قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ (3) 46.

وقال تعالى قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِي ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (4) 47.

غاية ما في الباب أن تشخيص كون هذا الرجل مؤمناً نتولاه، أو كافراً أو منافقاً نتبرّأ منه، لا يخرج عن كونه من المسائل الاجتهادية التي ربما يقع فيها الخطأ والاشتباه، ولا يقدح الخطأ فيها في إيمان المؤمن بقادح.

ولهذا تبرّأ أهل السنة من رجال يرونهم كفاراً أو مرتدين، مثل أبي طالب عليه السلام، ومالك بن نويرة رضوان الله عليه، بينما يراهما الشيعة من أجلاء المسلمين وخيار المؤمنين.

وبالمقابل حكم الشيعة على رجال بأنهم منافقون، بينما يعتقد أهل السنة فيهم أنهم من أجلاء الصحابة ومن أهل الجنة.


1- سورة آل عمران، الآية 28.
2- سورة التوبة، الآية 3.
3- سورة الممتحنة، الآية 4.
4- سورة الأنعام، الآية 19.

ص: 60

فإذا جاز لأهل السنة أن يجتهدوا في هذه المسألة، ويكونوا مأجورين في اجتهادهم فالشيعة كذلك، وإلا فالكل مأزور وآثم، وأما قصر الاجتهاد على أهل السنة وتخصيصهم بالأجر دون غيرهم فهذا لا مستند له ولا حجة تعضده غير اتباع الهوى والعصبية بغير حق.

وأما ما قاله الكاتب من أن مذهب الشيعة قائم على محبة أهل البيت والبراءة من أهل السنة، فهو غير صحيح، لأن الواجب الذي أمرنا الله به هو البراءة من الكفار والمنافقين وأعداء الدين، لا عموم المسلمين الذين يشهدون الشهادتين كأهل السنة وغيرهم.

وأما قوله: (إن الراسخ في عقول الشيعة جميعاً أن الصحابة ظلموا أهل البيت، وسفكوا دماءهم، واستباحوا حُرُماتِهم) فهو غير صحيح أيضاً، لأن الشيعة وإن كانوا لا يرون عدالة كل الصحابة، إلا أنهم يعتقدون بعدالة الصحابة الذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في كتابه، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن نصروا الدين، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى انتشر الإسلام وارتفع لواؤه.

فهؤلاء نحبّهم، ونتولاهم في الدنيا والآخرة، ونترحم عليهم.

وأما المنافقون والطلقاء الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويكيدون للإسلام، ويتربصون به الدوائر، فلا نحبّهم ولا قيمة لهم عندنا، ونحن نتبرأ منهم، وإن تسمَّوا بالصحبة وتظاهروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنصرة والمحبة.

ومنه يتبين أن ما يُتَّهم به الشيعة من بغض كل الصحابة ولعنهم والبراءة منهم كله غير صحيح، ومن الواضح أن الداعي إليه هو إيجادذريعة لتضليل الشيعة وتكفيرهم واستباحة دمائهم، والله المستعان على ما يصفون.

ص: 61

قال الكاتب: وأن أهل السنة ناصبوا أهل البيت العداء، ولذلك لا يتردد أحدنا في تسميتهم بالنواصب، ونستذكر دائماً دم الحسين الشهيد عليه السلام.

وأقول: النواصب هم الذين تجاهروا ببغض أهل البيت عليهم السلام وعداوتهم، دون من أبغضوهم من غير تجاهر ومعاداة.

وهم عندنا كفار أنجاس، لا حرمة لهم ولا كرامة.

لكن الكلام في أن أهل السنة قاطبة هل هم نواصب أم لا؟

والقول المختصر في هذه المسألة هو أن كل من تجاهر بعداوة أهل البيت عليهم السلام بثلبهم وسبِّهم وإيذائهم وحربهم وقتلهم وجحد مناقبهم، وإزاحتهم عن مناصبهم ونحو ذلك، فهو ناصبي كائناً من كان، وسواءاً أكان صحابياً أم كان تابعياً، أم كان من علماء أهل السنة أم من عوامّهم.

وأما الحكم على أهل السنة قاطبة بأنهم نواصب فلا نقول به، والمشهور على خلافه، لأن ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من الظلم والجور لم يشترك فيه كل الماضين من أهل السنة والمعاصرين.

بل إنّا نعلم علماً قطعياً أن كثيراً من أهل السنة يحبّون أهل البيت عليهم السلام ويودُّونهم، فكيف يصح الحكم على من يحبّهم بأنه ناصبي؟!

وأما تشخيص نصب شخص منهم أو من غيرهم فيحتاج إلى دراسة أحواله وسبر أقواله الدالة بالقطع واليقين على نصبه، لا بمجرد الأوهام والخيالات والظنون، فمن ثبت نصبه حكمنا به، وإلا فلا يجوز لأحد أن يتَّهم مسلماً بهذا الذنب العظيم من غير بيِّنة شرعية صحيحة.

قال الكاتب: ولكن كتبنا المعتبرة عندنا تبين لنا الحقيقة، إذ تذكر لنا تَذَمُّرَ أهل

ص: 62

البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم، وتذكر لنا ما فعله الشيعة الأوائل بأهل البيت، وتذكر لنا مَن الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام ومن الذي تسبب في مقتلهم واستباحة حرماتهم.

وأقول: تذمُّر بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام من بعض شيعتهم أو غيرهم لا يعني نصباً، ولا يدل على عداوة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تذمَّر من بعض صحابته في وقائع مختلفة، وغضب من أفعال بعضهم، ولم يخرجهم ذلك عن دينهم، أو يجعلنا نحكم عليهم بنصب أو نفاق.

وأما من تسبب في مقتل أئمة أهل البيت عليهم السلام واستباحة دمائهم فهم أعداؤهم، لا شيعتهم ومحبّوهم، كما سيتضح ذلك من خلال كلامنا الآتي إن شاء الله تعالى.

قال الكاتب: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لو مَيَّزْتُ شيعتي لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتُهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تَمَحَّصْتُهم لما خلص من الألف واحد) (الكافي/ الروضة 8/ 338).

وأقول: إن مدعي الاجتهاد والفقاهة ظن أن أبا الحسن عليه السلام الذي رُوي عنه هذا الحديث، هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، مع أنه من البديهيات عند طلبة العلم أن أبا الحسن الوارد في الروايات يُراد به الإمام الكاظم سلام الله عليه، فمرحباً بهذا المجتهد الذي نال درجة الاجتهاد بتفوق!!

هذا مع أن هذا الحديث ضعيف السند جداً، فإن من جملة رواته محمد بن سليمان، وهو محمد بن سليمان البصري الديلمي، وهو ضعيف جداً.

قال المحقق السيد الخوئي في (معجم رجال الحديث): ولا شك في انصراف

ص: 63

محمد بن سليمان إلى البصري الديلمي، فإنه المعروف المشهور (1) 48.

قال النجاشي: محمد بن سليمان بن عبد الله الديلمي، ضعيف جداً، لا يُعوَّل عليه في شي ء (2) 49.

وقال في ترجمة أبيه: سليمان بن عبد الله الديلمي أبو محمد ... وقيل: كان غالياً كذَّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يُعمل بما انفردا به من الرواية (3) 50.

وقال الشيخ في رجاله: له كتاب، يُرمى بالغلو (4) 51.

وقال العلامة في رجاله: ضعيف جداً لا يعوَّل عليه في شي ء (5) 52.

ومن رواة هذا الحديث أيضاً: إبراهيم بن عبد الله الصوفي، وهو رجل مجهول، لم يُترجَم في كتب الرجال.

ومن جملة رواته أيضاً: موسى بن بكر الواسطي، وهو لم يوثَّق في كتب الرجال، بل قال الشيخ الطوسي قدس سره في رجاله: موسى بن بكر الواسطي، أصله كوفي، واقفي (6) 53.

هذا من ناحية السند، وأما من ناحية متن الحديث ومعناه فنقول:

لقد كان كثير من المسلمين في زمان الأئمة عليهم السلام يدَّعون أنهم من شيعة علي عليه السلام خاصة أو أهل البيت عليهم السلام عامَّة (7) 54، ولكنهم لم يكونوا كذلك، لأن شيعتهم هم


1- معجم رجال الحديث 16/ 134.
2- رجال النجاشي 2/ 269.
3- () نفس المصدر 1/ 412.
4- رجال الطوسي، ص 343.
5- رجال العلامة، ص 255.
6- رجال الطوسي، ص 343.
7- لقد استمر هذا الادِّعاء حتى إلى ما بعد عصورهم، فلا تعدم من يزعم أن أهل السنة أو المعتزلة أو غيرهم، هم شيعة علي عليه السلام كما سيأتي نقله عن ابن حجر الهيتمي وابن أبي الحديد المعتزلي.

ص: 64

أتباعهم بالقول والفعل، لا بالادِّعاء فقط.

وعليه فالمراد بالحديث هو أني (لو ميَّزتُ) أي لو أردت أن أَفْصِل (شيعتي) أي الذين يزعمون أنهم من شيعتنا وأتباعنا- وهم ليسوا كذلك- عن غيرهم ممن شايعنا حقيقة، (لما وجدتُهم إلا واصفة) أي لما وجدتُ هؤلاء شيعة لنا، بل وجدتهم واصفين أنفسهم بمشايعتنا ومُدَّعين لها، مع أنهم ليسوا كذلك، لأنهم لا يعتقدون بإمامتنا، ولا يقتدون بنا، لا في أقوالنا ولا في أفعالنا.

(ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين) أي لو أني امتحنتُ هؤلاء الذين يزعمون أنهم لنا شيعة، بأن ذكرتُ لهم مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام وما يجب عليهم من الاعتقاد والعمل، لما وجدتهم إلا مُنكِرين علينا مذهبنا، وتاركين ادّعاء التشيع لنا، وراجعين عن القول بموالاتنا ومحبَّتنا.

(ولو تمحَّصتُهم لما خلص من الألف واحد)، أي لو أني محَّصتُ هؤلاء بالامتحان، وأمرتُهم ببذل المال من أجلنا، والتضحية بالنفس في سبيلنا لما خلص منهم أحد، لأنهم يدَّعون التشيع لنا من دون أن يكونوا لنا شيعة حقيقة.

ويدل على ما قلناه من معنى الحديث قوله عليه السلام بعد ذلك: (ولو غربلتُهم غربلة لم يبقَ منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتّكوا على الأرائك، فقالوا: «نحن شيعة علي»، إنما شيعة علي من صدق قولَه فعلُه).

أي لو أني اختبرتهم لوجدتهم يتَّبعون غيرنا ويوالون أعداءنا، ولم يبق مِن هؤلاء الذين يدَّعون التشيع لنا إلا شيعتنا الذين يوالوننا ويأخذون بقولنا ويقتدون بنا، وأما المدَّعون الذين يوالون غيرنا فهؤلاء ليسوا من شيعتنا، لأن شيعة علي عليه السلام هم الذين شايعوا عليًّا وأهل بيته عليهم السلام بالقول والفعل، لا بالقول دون الفعل.

ومنه يتضح أن كلام الإمام عليه السلام- لو صحَّ الحديث- ليس ناظراً للشيعة الذين يعتقدون بإمامتهم ويوالونهم حقيقة، وإنما أراد عليه السلام أن ينفي تشيع أهل الخلاف

ص: 65

المدَّعين أنهم من شيعتهم عليهم السلام.

ولو سلمنا أن المراد بالحديث هو ذَمّ الشيعة فإن الذم المتوجِّه إليهم إنما هو بسبب عدم اقتدائهم بأئمة أهل البيت عليهم السلام في سلوكهم وأفعالهم من الاستقامة والصلاح والتقوى والورع، ولا يراد أنهم كانوا منحرفين عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قولًا واعتقاداً.

وحال هذا الكلام حال من يقول: إن المسلمين اليوم لا يطبقون الإسلام، ولا يعملون بالقرآن، ولو امتحنتهم لوجدتهم كلهم مسلمين بالاسم فقط، ولما خلص من الألف واحد.

وهو كلام يُراد به ذمّ المسلمين من جهة سلوكهم وأعمالهم، لا من حيث اعتقادهم وأحكامهم، ولا يراد به أنهم مبطلون وغيرهم محق.

قال الكاتب: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلوم الأطفال، وعقول رَبَّات الحِجال، لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة حزتُ والله ندماً، وأعتبت صدماً (1) 55 ... قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجَرَّعْتُموني نغب التهام (2) 56 أنفاسنا، وأفسدتم عَلَيّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يُطاع) نهج البلاغة 70، 71.

وقال لهم مُوَبِّخا: مُنِيتُ بكم بثلاث، واثنتين:


1- في نهج البلاغة، ص 58 خطبة رقم 27: (ولم أعرفكم معرفة والله جرَّتْ نَدَماً، وأعقبتْ سدماً). أي أعقبت همًّا مع أسف أو غيظ.
2- في نهج البلاغة: (نُغَب التهمام أنفاسا). أي جُرَع الهَم.

ص: 66

(صُمٌّ ذَوو أسماع، وبُكْمٌ ذَوو كلام، وعُمْي ذوو أبصار، لا أحرارَ وصِدْقَ (1) 57 عند اللقاء، ولا إِخوانَ ثقَةٍ عند البلاء .. قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفَراجَ المرأة عن قُبُلِها) نهج البلاغة ص 142.

قال لهم ذلك بسبب تَخَاذُلِهِم وغَدرِهم بأمير المؤمنين رضي الله عنه، وله فيهم كلام كثير.

وأقول: هذه الكلمات وأمثالها إنما صدرت من أمير المؤمنين عليه السلام في مقام ذم من كان معه في الكوفة، وهم الناس الذين كان يحارب بهم معاوية، وهم أخلاط مختلفة من المسلمين، وأكثرهم من سواد الناس، لا من ذوي السابقة والمكانة في الإسلام.

ولم يكن عليه السلام يخاطب خصوص شيعته وأتباعه، ليتوجَّه الذم إليهم كما أراد الكاتب أن يصوِّر لقارئه أن من كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه الثلاثة إنما هم شيعته.

ولو سلَّمنا بما قاله الكاتب فإن أهل السنة حينئذ أولى بالذم من الشيعة، وذلك لأنّا إذا فرضنا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخاطب خصوص شيعته في الكوفة، وكان يذمّهم على تقاعسهم في قتال معاوية، فلنا أن نسأل:

إذا لم يكن أهل السنة مع أمير المؤمنين عليه السلام في قتال معاوية، فأين كانوا حينئذ؟

وحالهم لا يخلو من ثلاثة أمور:

إما أن يكونوا مع أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، فيكون الذم شاملًا لهم كما شمل غيرهم.

وإما أن يكونوا مع معاوية وفئته الباغية، وحال هؤلاء أسوأ من حال أصحابه الذين ذمَّهم.


1- في نهج البلاغة: لا أحرارَ صِدْقٍ.

ص: 67

وإما أن يكونوا قد اعتزلوا عليًّا عليه السلام ومعاوية، وحينئذ فهم أولى بالذم ممن خاضوا معه حروبه الثلاثة وأبلوا فيها بلاءاً حسناً، إلا أنهم بسبب كثرة الحروب وطول المدة اعتراهم الملالة والسأم والضعف الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام يذمّهم ويوبِّخهم.

والحاصل أن أهل السنة إن كانوا مع أمير المؤمنين عليه السلام أو مع معاوية أو كانوا معتزلين، فالذم شامل لهم على كل حال، وأحسن القوم حالًا هم الذين كانوا معه عليه السلام في حروبه، وإن كانوا مقصِّرين في نصرته.

قال الكاتب: وقال الإمام الحسين رضي الله عنه في دعائه على شيعته: (اللهم إن مَتَّعْتَهم إلى حين فَفَرِّقْهم فِرَقاً، واجعلهم طرائق قِدَداً، ولا تُرْضِ الوُلاةَ عنهم أبداً، فإنهم دَعَوْنا لِينصرونا، ثم عَدَوا علينا فقتلونا) الإرشاد للمفيد ص 241.

وقد خاطبهم مرة أخرى ودعا عليهم، فكان مما قال: (لكنكم استسرعتم (1) 58 إلى بيعتنا كطيرة الدباء، وتهافَتُّم كتَهَافُت الفرش (2) 59، ثم نقضتموها، سِفَهاً (3) 60 وبُعداً وسُحقاً لطواغيت هذه الأمة، وبقية الأحزاب، وَنَبَذةِ الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا، وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين) (4) 61 الاحتجاج 2/ 24.

وهذه النصوص تبين لنا مَن هم قَتَلَةُ الحُسين الحقيقيون، إنهم شيعته أهل الكوفة، أيْ: أجدادُنا، فلماذا نُحَمِّلُ أهل السنة مسؤولية مقتل الحسين رضي الله عنه؟!


1- في المصدر: أسرعتم.
2- في المصدر: الفراش.
3- في المصدر: سفهاً وضلة، فبعداً.
4- لقد حرَّف الكاتب النص، فأدرج فيه قوله: (ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا). وقوله: (ألا لعنة الله على الظالمين) جاء في النص بعد عدة أسطر.

ص: 68

وأقول: كلمات الإمام الحسين عليه السلام المذكورة إنما قالها لأولئك القوم المجتمعين على قتله في كربلاء، وهم أخلاط من الناس استنفرهم عبيد الله بن زياد لقتل الحسين عليه السلام، ولم يكونوا من الشيعة، بل ليس فيهم شيعي واحد معروف، فكيف يصح أن يقال: إن قتلة الحسين كانوا من الشيعة؟

ويمكن إيضاح هذه المسألة بعدة أمور:

أولًا: أن القول بأن الشيعة قتلوا الحسين عليه السلام فيه تناقض واضح، وذلك لأن شيعة الرجل هم أنصاره وأتباعه ومحبّوه، وأما قتلته فليسوا كذلك، فكيف تجتمع فيهم المحبة والنصرة له مع حربه وقتله؟!

ولو سلَّمنا جدلًا بأن قتلة الحسين كانوا من الشيعة، فإنهم لما اجتمعوا لقتاله فقد انسلخوا عن تشيعهم، فصاروا من غيرهم، ثم قتلوه.

وثانياً: أن الذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام كانوا من أهل الكوفة، والكوفة في ذلك الوقت لم يكن يسكنها شيعي معروف بتشيعه، فإن معاوية لما ولَّى زياد بن أبيه على الكوفة تعقَّب الشيعة وكان بهم عارفاً، فقتلهم وهدم دورهم وحبسهم حتى لم يبق بالكوفة رجل واحد معروف بأنه من شيعة علي عليه السلام.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته). فقامت الخطباء في كل كُورة وعلى كل منبر يلعنون عليًّا ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سُميّة، وضم إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حَجَر ومَدَر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسَمَل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم

ص: 69

عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم (1) 62.

إلى أن قال: ثم كتب إلى عمَّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيِّنة أنه يحب عليًّا وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة أخرى: (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكِّلوا به، واهدموا داره). فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه في العراق، ولا سيما الكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرَّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدِّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنَّ عليه.

إلى أن قال: فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض (2) 63.

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: كان زياد يتتبع شيعة علي رضي الله عنه فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن علي رضي الله عنه فقال: اللهم تفرَّد بموته، فإن القتل كفارة (3) 64.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:

قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجاج لمن يخالف هواه.

وقال: قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زياداً يتتبَّع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه. وقيل: إنه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن، فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين (4) 65.


1- شرح نهج البلاغة 3/ 15، الطبعة المحققة 11/ 44.
2- شرح نهج البلاغة 11/ 45. وبمعناه في كتاب سليم بن قيس، ص 318. ونقله عنه الطبرسي في الاحتجاج 2/ 17. والمجلسي في بحار الأنوار 44/ 125- 126.
3- المعجم الكبير للطبراني 3/ 68. مجمع الزوائد 6/ 266 قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
4- سير أعلام النبلاء 3/ 496.

ص: 70

وقال ابن الأثير في الكامل: وكان زياد أول من شدد أمر السلطان، وأكّد الملك لمعاوية، وجرَّد سيفه، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناس خوفاً شديداً حتى أمن بعضهم بعضاً (1) 66.

وقال ابن حجر في لسان الميزان: وكان زياد قوي المعرفة، جيد السياسة، وافر العقل، وكان من شيعة علي، وولَّاه إمرة القدس، فلما استلحقه معاوية صار أشد الناس على آل علي وشيعته، وهو الذي سعى في قتل حجر بن عدي ومن معه (2) 67.

من كل ذلك يتضح أن الكوفة لم يبق بها شيعي معروف خرج لقتال الحسين عليه السلام، فكيف يصح ادِّعاء الكاتب بأن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين عليه السلام؟

ولا يمكن أن يتوهم منصف أن من كتب للحسين عليه السلام هم شيعته، لأن من كتب للحسين لم يكونوا معروفين بتشيع، كشبث بن ربعي، وحجاربن أبجر، وعمرو ابن الحجاج وغيرهم.

ثالثاً: أن الذين قتلوا الحسين عليه السلام رجال معروفون، وليس فيهم شخص واحد معروف بتشيعه لأهل البيت عليهم السلام.

منهم: عمر بن سعد بن أبي وقاص، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وحرملة بن كاهل، وغيرهم. وكل هؤلاء لا يُعرفون بتشيع ولا بموالاةٍ لعلي عليه السلام.

رابعاً: أن الحسين عليه السلام قد وصفهم في يوم عاشوراء بأنهم شيعة آل أبي سفيان، فقال عليه السلام: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون (3) 68.


1- الكامل في التاريخ 3/ 450.
2- لسان الميزان 2/ 495.
3- مقتل الحسين للخوارزمي 2/ 38. بحار الأنوار 45/ 51. اللهوف في قتلى الطفوف، ص 45.

ص: 71

ولم نرَ بعد التتبع في كل كلمات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وخُطَبه في القوم واحتجاجاته عليهم أنه وصفهم بأنهم كانوا من شيعته أو من الموالين له ولأبيه.

كما أنّا لم نرَ في كلمات غيره عليه السلام من وصفهم بهذا الوصف. وهذا دليل واضح على أن هؤلاء القوم لم يكونوا من شيعة أهل البيت عليهم السلام، ولم يكونوا من مواليهم.

خامساً: أن القوم كانوا شديدي العداوة للحسين عليه السلام، إذ منعوا عنه الماء وعن أهل بيته، وقتلوه سلام الله عليه وكل أصحابه وأهل بيته، وقطعوا رؤوسهم، وداسوا أجسامهم بخيولهم، وسبوا نساءهم، ونهبوا ما على النساء من حلي ... وغير ذلك.

قال ابن الأثير في الكامل: ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب إلى الحسين فيُوطئه فرسه، فانتدب عشرة، منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي، وهو الذي سلب قميص الحسين، فبرص بعدُ، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره (1) 69.

وقال: وسُلِب الحسين ما كان عليه، فأخذ سراويله بحر بن كعب، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته، وهي من خز، فكان يُسمَّى بعدُ (قيس قطيفة)، وأخذ نعليه الأسود الأودي، وأخذ سيفه رجل من دارم، ومال الناس على الورس والحلل فانتهبوها، ونهبوا ثقله وما على النساء، حتى إن كانت المرأة لتنزع الثوب من ظهرها فيؤخذ منها (2) 70.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية فيما رواه عن أبي مخنف:

وقال: وأخذ سنان وغيره سلبه، وتقاسم الناس ما كان من أمواله وحواصله، وما في خبائه حتى ما على النساء من الثياب الطاهرة.

وقال: وجاء عمر بن سعد فقال: ألا لا يدخلن على هذه النسوة أحد، ولا يقتل


1- الكامل لابن الأثير 4/ 80.
2- المصدر السابق 4/ 79.

ص: 72

هذا الغلام أحد، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم. قال: فوالله ما ردَّ أحد شيئاً (1) 71.

وكل هذه الأفعال لا يمكن صدورها إلا من حاقد شديد العداوة، فكيف يُتعقَّل صدورها من شيعي مُحِب؟!

سادساً: أن بعض قتَلَة الحسين قالوا له عليه السلام: إنما نقاتلك بغضاً لأبيك (2) 72.

ولا يمكن تصوّر تشيع هؤلاء مع تحقق بغضهم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام!

وقال بعضهم: يا حسين، يا كذاب ابن الكذاب (3) 73.

وقال آخر: يا حسين أبشر بالنار (4) 74.

وقال ثالث للحسين عليه السلام وأصحابه: إنها- يعني الصلاة- لا تُقْبَل منكم (5) 75.

وقالوا غير هذه من العبارات الدالة على ما في سرائرهم من الحقد والبغض لأمير المؤمنين وللحسين عليهما السلام خاصة ولأهل البيت عليهم السلام عامة.

سابعاً: أن المتأمِّرين وأصحاب القرار لم يكونوا من الشيعة، وهم يزيدبن معاوية، وعبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعبدالله بن زهير الأزدي، وعروة بن قيس الأحمسي، وشبث بن ربعي اليربوعي، وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي، والحصين بن نمير، وحجار بن أبجر.

وكذا كل من باشر قتل الحسين أو قتل واحداً من أهل بيته وأصحابه، كسنان بن


1- البداية والنهاية 8/ 190.
2- ينابيع المودة، ص 346.
3- الكامل لابن الأثير 4/ 67.
4- الكامل لابن الأثير 4/ 66. البداية والنهاية 8/ 183.
5- البداية والنهاية 8/ 185.

ص: 73

أنس النخعي، وحرملة الكاهلي، ومنقذ بن مرة العبدي، وأبي الحتوف الجعفي، ومالك بن نسر الكندي، وعبد الرحمن الجعفي، والقشعم بن نذير الجعفي، وبحر بن كعب بن تيم الله، وزرعة بن شريك التميمي، وصالح بن وهب المري، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحصين بن تميم وغيرهم.

بل لا تجد رجلًا شارك في قتل الحسين عليه السلام معروفاً بأنه من الشيعة، فراجع ما حدث في كربلاء يوم عاشوراء ليتبين لك صحة ما قلناه.

ثامناً: أن يزيد بن معاوية حمل (ابن مرجانة) عبيد الله بن زياد مسؤولية قتل الحسين عليه السلام دون غيره من الناس.

فقد أخرج ابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في سير أعلام النبلاء وغيرهما يونس بن حبيب قال: لما قتل عبيدُ الله الحسينَ وأهله بعث برؤوسهم إلى يزيد، فسُرَّ بقتلهم أولًا، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما عليَّ لو احتملتُ الأذى، وأنزلتُ الحسين معي، وحكَّمته فيما يريد، وإن كان عليَّ في ذلك وهن، حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة- يعني عبيد الله- فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة (1) 76.

قال الكاتب: ولهذا قال السيد محسن الأمين:

بايَعَ الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً، غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم، وقتلوه) أعيان الشيعة/ القسم الأول ص 34.


1- سير أعلام النبلاء 3/ 317. البداية والنهاية 8/ 235. الكامل في التاريخ 4/ 87.

ص: 74

وأقول: لقد قلنا فيما تقدَّم: إن زياد بن أبيه تتبَّع شيعة علي عليه السلام تحت كل حجر ومدر، حتى لم يبقَ بالكوفة رجل معروف بأنه من الشيعة.

فكيف يمكن مع ذلك أن يقال: إن الذين بايعوا الحسين عليه السلام ثم خرجوا لقتاله كانوا من الشيعة؟! (1) 77

ما بيعتهم للإمام الحسين عليه السلام فهي لا تدل على أنهم كانوا من شيعته، لأنه من الواضحات أن مبايعة رجل لا تعني التشيع له، وإلا لزم أن يقال: (إن كل الصحابة والتابعين الذين بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام قد تشيَّعوا له)، وهذا أمر لا يسلِّم به القوم!!

قال الكاتب: وقال الحسن عليه السلام: (أرى والله معاوية خيراً (2) 78 لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي، وأخذوا مالي، والله لأَنْ آخذ من معاوية ما أحقن به من دمي، وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني، فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً، والله لأَن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير) الاحتجاج 2/ 15.

وأقول: أما من ناحية السند فهذه الرواية ضعيفة، لأنها مرسلة، فلا يصح الاحتجاج بها.

وأما من ناحية الدلالة فغير خفي على من نظر فيها أن الإمام الحسن عليه السلام كان يذم رجالًا مخصوصين، ذكر عليه السلام أوصافهم في الرواية، وأخبر أنهم يزعمون أنهم من شيعته، ولكنهم أرادوا قتله، وانتهبوا ثقله، وأخذوا ماله، ولو قاتل عليه السلام معاوية لأخذوه ولأسلموه إليه.


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..
2- الصحيح كما في الاحتجاج 2/ 10: خير (بالرفع لا بالنصب).

ص: 75

وكان عليه السلام يشير إلى رجالٍ كانوا يكاتبون معاوية في السِّر ويُظهرون له النصرة في العلانية، مع أنهم لم يكونوا من شيعته ولا من مواليه.

فالذم مخصوص بهؤلاء دون غيرهم من الشيعة الذين كانوا مع الإمام عليه السلام في مشاهده ومواقفه.

وبعبارة أوضح: أن الإمام عليه السلام ذمَّ رجالًا زعموا أنهم شيعة وليسوا كذلك، ولم يذم شيعته وأتباعه.

ولهذا ورد في تتمة الخبر قول زيد بن وهب الجهني- راوي الحديث-: قلت: تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟

فقال عليه السلام: (وما أصنع يا أخا جهينة؟ إني والله أعلم بأمر قد أدَّى به إليَّ ثقاته ...).

وأخبر عليه السلام بأن الأمر سيؤول إلى معاوية، وأنه سيُميت الحق والسنن، ويحيي الباطل والبِدَع، ويُذَل في ملكه المؤمن، ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال في أنصاره دُوَلا، ويتَّخذ عباد الله خِوَلا ... الخ.

وهذا يدل بوضوح على أن مورد الذم أفراد مخصوصين لا عموم الشيعة.

هذا مع أن الكاتب قد بتر آخر الكلام الصادر من الإمام الحسن عليه السلام، المشتمل على ذم معاوية، فإنه عليه السلام قال: أوْ يمنّ عليَّ، فيكون سُبَّة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ولمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحي منا والميت.

فانظر رحمك الله كيف أن الكاتب منعتْه أمويَّته من كتابة هذا الذم لمعاوية، وإن كان نقلًا من كلام الإمام الحسن عليه السلام!! وهذا له نظائر كثيرة في هذا الكتاب، سيأتي التنبيه على بعضها.

ص: 76

قال الكاتب: وقال الإمام زين العابدين رضي الله عنه لأهل الكوفة: (هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخَدَعْتُموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق، ثم قاتلتموه وخَذَلْتموه؟ بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول لكم: قاتلتُم عِتْرَتي، وانتهكتُم حُرْمَتي، فلستم من أمتي) الاحتجاج 2/ 32.

وقال أيضاً عنهم: (إن هؤلاء يبكون علينا، فَمَنْ قَتَلَنا غيرُهم؟) الاحتجاج 2/ 29.

وأقول: هذه الرواية مع ضعف سندها هي واردة في ذم أهل الكوفة في ذلك الوقت، ونحن قد أثبتنا فيما تقدَّم أن أهل الكوفة لم يكونوا يومئذ من الشيعة، وأنه لم يبقَ بالكوفة في زمن معاوية شيعي معروف، وأثبتنا أن كل الذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام ليس فيهم شيعي واحد معروف بتشيعه، فراجع ما قلناه لئلا نعيده مرةثانية.

هذا مع أن الرواية التي نقلها الكاتب واضحة الدلالة على أن الإمام زين العابدين عليه السلام إنما ذمَّ أولئك الذي كاتبوا الحسين عليه السلام ثم حاربوه، مثل شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ومن كان على نهجهما، وهؤلاء وغيرهم لم يكونوا من الشيعة كما مرَّ بيانه.

قال الكاتب: وقال الباقر رضي الله عنه: (لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شُكاكاً، والربع الآخر أحمق) رجال الكشي ص 79.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها سلام بن سعيد الجمحي، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

قال المامقاني في تنقيح المقال: سلام بن سعيد الجمحي قد وقع في طريق الكشي في الخبر المتقدم في ترجمة أسلم القواس المكي، روى عنه فيه عاصم بن حميد، وروى

ص: 77

هو عن أسلم مولى محمد بن الحنفية، وهو مهمل في كتب الرجال، لم أقف فيه بمدح ولا قدح (1) 79.

ومن جملة الرواة أسلم مولى محمد بن الحنفية، وهو أيضاً مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فالرواية لا تصح، ولا يجوز الاحتجاج بها.

وأما بالنظر إلى متنها فنقول: إن كلمة (لو) حرف امتناع لامتناع، وهو يدل على امتناع شي ء لامتناع غيره، ففي الخبر امتنع أن يكون ثلاثة أرباع الشيعة شُكَّاكاً والربع الباقي حمقى، لامتناع كون كل الناس لهم عليهم السلام شيعة.

وبهذا لا يكون في الحديث أي إشكال على الشيعة والحمد لله، ولا يدل الحديث على أي ذم في البين.

ولهذا لا نرى من يقول بتعدد الآلهة، وبفساد السماوات والأرض، مستدلًا بقوله تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (2) 80، وذلك لأن (لو) حرف امتناع لامتناع، وهو يدل على امتناع فساد السماوات والأرض لامتناع تعدد الآلهة.

ولعل السبب في أن الناس لو كانوا كلهم شيعة لكان ثلاثة أرباعهم شُكَّاكاً وربعهم الباقي حمقى، هو أن الناس لو كانوا كلهم شيعة لكانوا يتلقون عقائدهم تقليداً، ولا يجدون في الناس من يخالفهم ويدعوهم لإثبات ما هم عليه، فيؤول أمرهم في نهاية الأمر إلى عروض الشك عليهم في ما هم فيه من الحق. بخلاف ما إذا تعدَّدت المذاهب، فإن صاحب الحق يتيقن بحقه إذا رأى أن حجته تدحض حجج خصومه ومخالفيه.


1- تنقيح المقال 2/ 43.
2- سورة الأنبياء، الآية 22.

ص: 78

وأما الربع الباقي فهم الذين لا يفقهون ولا يميِّزون، فهؤلاء الذين ينعقون مع كل ناعق.

وهذا الربع موجود في الناس في جميع الأعصار، ولو كان الناس كلهم شيعة لكانوا من جملتهم، وأما مع اختلاف المذاهب فسيكون هذا الربع الأحمق موزَّعاً في الطوائف، وسيكون أكثره في غير الشيعة بحمد الله وفضله، لقلة الشيعة وكثرة غيرهم.

قال الكاتب: وقال الصادق رضي الله عنه: (أما والله لو أجدُ منكم ثلاثة مؤمنين يكتُمون حديثي ما استحللتُ أن أكتمهم حديثاً) أصول الكافي 1/ 496.

وأقول: أخبر الإمام عليه السلام في هذه الرواية أنه لو وجد من المخاطبين ثلاثة مؤمنين يكتمون ما يخبرهم به عليه السلام لما استحَلَّ أن يكتمهم شيئاً، ولأخبرهم بالأسرار الإلهية والمعارف النبوية التي لا يُطْلِع عليها غيرهم.

وغير خفي أن الإمام عليه السلام كان يخاطب أفراداً مخصوصين، ولم يكن عليه السلام يريد بكلامه هذا كل الشيعة، بقرينة أن راوي الحديث- وهو ابن رئاب- قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي بصير ...)، ولو كان الإمام عليه السلام يريد بكلامه كل الشيعة لقال الراوي: قال لنا أبو عبدالله عليه السلام كذا وكذا.

ولو سلَّمنا أن الإمام عليه السلام كان يريد الشيعة قاطبة، فإن أقصى ما يدل عليه الحديث هو أن الإمام عليه السلام لم يجد من الشيعة ثلاثة يكتمون حديثه، ولولا ذلك لما استحل أن يكتمهم بعض علومه.

ولا دلالة في ذلك على عدم إيمان الشيعة، أو على انحرافهم عن خط أهل البيت عليهم السلام كما هو واضح جلي، بل أقصى ما فيه هو ذمّهم بأنهم كانوا لا يكتمون أحاديث الأئمة عليهم السلام، وكانوا يفشونها للمخالفين لا غير، وهو ذم لا يعتبره أهل السنة

ص: 79

ذمًّا، بل يرونه- على العكس من ذلك- مدحاً، لأنهم يرون أن الكتمان كذب ونفاق.

ولا يُتوهَّم أن استحلال الإمام عليه السلام كتمان بعض أحاديثه عن المخاطبين من الشيعة أو عن أكثر الشيعة يعني كتمان باقي العلوم والمعارف عنهم، وذلك لأن الإمامين الصادقين عليهما السلام خصَّا كثيراً من أصحابهما كأبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم وغيرهم بعلوم جليلة وأسرار كثيرة.

ففي صحيحة جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشِّر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمدبن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (1) 81.

وفي صحيحة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حُفَّاظ الدين، وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة (2) 82.

فإن وصفهم بأنهم (أمناء الله وأمناء الإمام على الحلال والحرام)، وأنهم (حفَّاظ الدين) واضح الدلالة على أن هؤلاء المذكورين كانوا محل ثقة الأئمة الصادقين عليهم السلام ومستودع أسرارهم، ولولا ذلك لما صحَّ وصفهم بأمثال هذه الصفات.

هذا مع دلالة جملة من الأخبار على أن الأئمة عليهم السلام خصُّوا شيعتهم بما شاؤوا من العلوم والمعارف، ولهذا أمر الأئمة عليهم السلام شيعتهم بكتمان أسرارهم، وحذّروهم من إفشائها، ولولا أنهم عليهم السلام أباحوا أسرارهم لشيعتهم لما اتّجه أمرهم لهم بالكتمان، وتحذيرهم إياهم من الإفشاء والإعلان.


1- اختيار معرفة الرجال 2/ 398. وسائل الشيعة 18/ 103.
2- اختيار معرفة الرجال 2/ 348. وسائل الشيعة 18/ 104.

ص: 80

وأحاديث الأمر بالكتمان كثيرة، وإليك بعضاً منها:

فقد روى الكليني رحمه الله في الحديث الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: والله إن أحب أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالًا وأمقتهم لَلّذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنا فلم يقبله اشمأزَّ منه وجحده، وكفَّر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أُسند، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا (1) 83.

وفي صحيحة محمد بن أبي نصر قال: ... قال أبو جعفر عليه السلام: في حكمة آل داود: ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه، مقبلًا على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتقوا الله ولا تذيعوا حديثنا ... (2) 84.

وفي خبر معلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزَّه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة، يقوده إلى الجنة، يا معلى من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذلَّه الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار، يا معلى إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى إن الله يحب أن يُعبد في السِّر كما يحب أن يُعبد في العلانية، يا معلى إن المذيع لأمرنا كالجاحد له (3) 85.

وفي خبر زيد الشحام، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أُمر الناس بخصلتين فضيَّعوهما، فصاروا منهما على غير شي ء: الصبر والكتمان (4) 86.

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة على أن الأئمة عليهم السلام كانوا يبيحون أسرارهم لشيعتهم، ويأمرونهم بكتمانها عن غير أهلها.


1- أصول الكافي 2/ 223. وسائل الشيعة 18/ 61.
2- أصول الكافي 2/ 224. وسائل الشيعة 11/ 492.
3- أصول الكافي 2/ 223. وسائل الشيعة 11/ 485.
4- أصول الكافي 2/ 222. وسائل الشيعة 11/ 484.

ص: 81

والسبب في أمرهم عليهم السلام شيعتهم بكتمان علومهم هو أنهم كانوا يخشون أن تُذاع أخبارهم، فتصل إلى خلفاء الجور فيتضررون عليهم السلام منهم، أو تقع عند ضعاف العقول الذين لا يفهمونها على وجهها، فيصير ذلك سبباً لضلالتهم ومزيد تحيّرهم (1) 87.

ومع تأكد النهي عن الإذاعة إلا أن بعض الشيعة كانوا يفشون كل ما يسمعونه من الأئمة عليهم السلام، إما لعدم معرفتهم بضرورة كتمانه، أو لجهلهم بما يترتب على الإفشاء من الضرر، أو لسهولة استدراجهم والتغرير بهم لإفشائه، أو لضعفهم وتمكّن المخالفين من إجبارهم على البوح به، أو لغير ذلك من الأسباب.

قال الكاتب: وقالت فاطمة الصغرى عليها السلام في خطبة لها في أهل الكوفة: (يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء، إِنّا أهل البيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءَنا حسنا .. فكفرتمونا، وكذبتمونا، ورأيتم قتالنا حلالًا، وأموالنا نهباً .. كما قتلتم جدَّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت.

تباً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فَكأَنْ قد حَلَّ بكم ... ويذيق بعضكم بأس (2) 88 ما تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين. تَبّاً لكم يا أهل الكوفة، كم قرأت (3) 89 لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب، وجدي، وبنيه وعِتْرَتِهِ الطيبين.

فرد عليها أحد أهل الكوفة مُفْتَخِرًا، فقال:


1- مرآة العقول 9/ 286.
2- في الاحتجاج: بأس بعض، ثم تخلدون.
3- في كتاب الاحتجاج 2/ 27: (كم تراث لرسول الله قبلكم، وذحوله لديكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، وبنيه عِتْرَة النبي الطيبين الأخيار). فانظر ما أصاب الكلمة من التحريف والغلط، مضافاً إلى التحريف المتعمد السابق على هذه العبارة، فراجع.

ص: 82

نحن قتلنا علياً وبني علي بسيوف هندية ورِماح وسبينا نساءَهم سبي ترك.

ونطحناهم فأي نطاح.

الاحتجاج 2/ 28. وقالت زينب بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليها لأهل الكوفة تقريعاً لهم: (أما بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر والخذل .. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، هل فيكم إلا الصلف والعُجب والشنف والكذب .. أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلًا، فقد ابليتم بعارها .. وأنىَّ تُرْخِصون (1) 90 قَتْلَ سليلِ خاتمِ النبوة ..) الاحتجاج 2/ 29- 30.

وأقول: لقد ذكرنا أن أهل الكوفة لم يكونوا من الشيعة في ذلك الوقت، وأن قتلة الحسين عليه السلام ليس فيهم شيعي واحد معروف بتشيّعه، فلاحاجة للإعادة، وزينب الكبرى وفاطمة الصغرى سلام الله عليهما إنماذمَّتا أهل الكوفة في ذلك الوقت، ولم تذمَّا الشيعة كما هو واضح من كلامهما.

قال الكاتب: نستفيد من هذه النصوص وقد- أعرضنا عن كثير غيرها- مايأتي:

1- مَلَل وضَجَر أمير المؤمنين وذريته من شيعتهم أهل الكوفة لغدرهم ومكرهم وتخاذلهم.

2- تخاذل أهل الكوفة وغدرهم تَسَبَّبَ في سَفْكِ دماء أهل البيت واستباحة حُرُماتهم.

وأقول: لقد قلنا مكرَّراً: إن أهل الكوفة لم يكونوا في ذلك الوقت شيعة، وإنما


1- في الاحتجاج: (ترحضون) أي تغسلون.

ص: 83

هم شيعة آل أبي سفيان وأعداء أهل البيت عليهم السلام وكل ما صدر منهم يدل على ما قلناه، ولا مدخلية للشيعة في شي ء من ذلك، فراجع ما كتبناه آنفاً.

قال الكاتب: 3- أن أهل البيت عليهم السلام يُحَمِّلُوَن شيعَتَهم مسؤولية مقتلِ الحسين رضي الله عنه ومَن معه، وقد اعترف أحدهم بَردِّهِ على فاطمة الصغرى بأَنهم هم الذين قتلوا علياً وبنيه، وَسَبَوا نِساءَهم كما قدَّمنَالك.

وأقول: لا تجد في أقوال أهل البيت عليه السلام أنهم يحمِّلون شيعتهم مسؤولية قتل الحسين عليه السلام، ولا تجد في أقوال الحسين عليه السلام أنه وصف القوم المجتمعين على قتله في كربلاء بأنهم شيعته، بل وصفهم بأنهم شيعة آل أبي سفيان كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم، فراجعه.

وما قاله الكوفي للسيدة فاطمة الصغرى عليها السلام غير مستغرب، لأن الكوفيين هم الذين باشروا قتل الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته، إلا أنهم لم يكونوا من الشيعة كما قلنا، والكاتب لم يأت بدليل واحد يدل على أن أهل الكوفة في ذلك الوقت كانوا شيعة، أو أن الذين باشروا قتل الحسين عليه السلام كانوا يتشيَّعون لأهل البيت عليهم السلام، كما أنه لم يأت بدليل واحد من أقوال أهل البيت عليهم السلام يدل على أنهم حمّلوا شيعتهم مسؤولية قتل الحسين عليه السلام، وكل كلامه لا يعدو كونه دعاوى مجردة لم يقم عليها دليل، بل قام الدليل على خلافها.

قال الكاتب: 4- أن أهل البيت عليهم السلام دعوا إلى كذا شيعتهم ووصفوهم بأنهم طواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب، ونَبَذَةُ الكتاب، ثم زادوا على تلك بقولهم: ألا لعنة الله على الظالمين.

ص: 84

وأقول: الذين وصفهم الحسين عليه السلام بأنهم (طواغيت هذه الأمة، وبقية الأحزاب، ونَبَذَةُ الكتاب) هم المجتمعون على قتله عليه السلام، الذين وصفهم بأنهم شيعة آل أبي سفيان، ولم يكونوا من شيعته ومواليه ومحبّيه، فراجع كلماته عليه السلام لتتحقّق من صحّة ما قلناه.

قال الكاتب: ولهذا جاؤوا إلى أبي عبد الله رضي الله عنه، فقالوا له: إنَّا قد نَبَزْنا كذا نَبْزاً أَثْقَلَ ظُهورَنا، وماتت له أفئدَتُنا، واستحلت له الوُلاةُ دماءَنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قالوا: نعم، فقال: لا والله ما هم سمّوكم .. ولكن الله سمّاكم به) الكافي 5/ 34.

فبين أبو عبد الله أن الله سماهم (الرافضة) وليس أهل السنة.

وأقول: هذا الحديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته سهل بن زياد، وهو ضعيف على المشهور المنصور عند العلماء.

قال النجاشي في رجاله: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى الري، وكان يسكنها ... (1) 91.

وقال الشيخ الطوسي: سهل بن زياد الآدمي الرازي، يكنى أبا سعيد، ضعيف (2) 92.

وقال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث: وقال النجاشي والشيخ في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى: واستثنى ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى


1- رجال النجاشي 1/ 417.
2- الفهرست للطوسي، ص 142.

ص: 85

في جملة ما استثناه روايته عن سهل بن زياد الآدمي، وتبعه على ذلك الصدوق وابن نوح، فلم يعتمدوا على رواية محمد بن أحمدبن يحيى عن سهل بن زياد. وقال ابن الغضائري: سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً جداً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمدبن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم، وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل (1) 93.

وقال: وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً أو أنه لم تثبت وثاقته (2) 94.

ومن جملة رواة هذا الخبر محمد بن سليمان، وهو محمد بن سليمان البصري الديلمي، وقد مرَّ تضعيفه في ص 51، فراجعه.

ومن جملة الرواة سليمان بن عبد الله الديلمي، وهو والد الراوي السابق، وقد مرَّ أيضاً تضعيفه، ونقلنا لك قول النجاشي في ترجمته: كان غالياً كذاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يُعمل بما انفردا به من الرواية.

هذا حال الرواية من ناحية سندها، وأما من ناحية متنها فهي واردة في مدح الشيعة لا في ذمِّهم، ولا بأس أن أنقل لك الرواية كاملة كما رواها الكليني قدس سره في كتابه (الكافي)، وإليك نَصّها:

قال الكليني: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد خَفِرَه النفَس (3) 95، فلما أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد ما هذا النفَس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله، كبر سني، ودق عظمي، واقترب أجلي، مع أنني لستُ أدري


1- معجم رجال الحديث 8/ 339.
2- المصدر السابق 8/ 340.
3- أي أن علو نفسه جعله يستحيي من الإمام عليه السلام وممن معه من أصحابه.

ص: 86

ما أرد عليه من أمر آخرتي. فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟! قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟! فقال: يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم، ويستحيي من الكهول؟ قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذِّبهم، ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم. قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم. قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نُبِزْنا نبزاً (1) 96 انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلتْ له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم. قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قال: قلت: نعم. قال: لا والله ما هم سمَّوكم، ولكن الله سمَّاكم به، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلًا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم، فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه، فسُمُّوا في عسكر موسى الرافضة، لأنهم رفضوا فرعون، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة، وأشدَّهم حبًّا لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام، فأوحى الله عزَّ وجل إلى موسى عليه السلام: أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة، فإني قد سمَّيتهم به ونحلتهم إياه. فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم، ثم ذخر الله عزَّ وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة، وتشعبوا كل شعبة، فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله، وذهبتم حيث ذهبوا، واخترتم من اختار الله لكم، وأردتم من أراد الله، فأبشروا ثم أبشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبَّل من محسنكم، والمتجاوَز عن مسيئكم، من لم يأت الله عزَّ وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة، ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتُك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد إن لله عزَّ وجل ملائكة يُسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يُسقِط الريح الورق في أوان سقوطه، وذلك قوله عزَّ وجل الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ...


1- أي لقَّبونا بلقب أوقعنا في الضرر.

ص: 87

وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (1) 97، استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكَركم الله في كتابه فقال مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (2) 98، إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وإنكم لم تبدِّلوا بنا غيرنا، ولو لم تفعلوا لعيَّركم الله كما عيَّرهم حيث يقول جل ذكره وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (3) 99، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (4) 100، والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ (5) 101، والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه، فقال عزَّ وجل هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (6) 102، فنحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم أولو الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عزَّ وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته، فقال في كتابه وقوله الحق يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللهُ (7) 103، يعني بذلك عليًّا عليه السلام وشيعته، يا أبا


1- سورة غافر، الآية 7.
2- سورة الأحزاب، الآية 33.
3- سورة الأعراف، الآية 102.
4- سورة الحجر، الآية 47.
5- سورة الزخرف، الآية 67.
6- سورة الزمر، الآية 9.
7- سورة الدخان، الآيتان 41، 42.

ص: 88

محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (1) 104، والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (2) 105، والله ما أراد بهذا إلا الأئمة عليهم السلام وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (3) 106، فرسول الله صلى الله عليه وآله في الآية النبيون، ونحن في هذا الموضع الصدِّيقون والشهداء، وأنتم الصالحون، فتسمَّوا بالصلاح كما سمَّاكم الله عزَّ وجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوِّكم في النار بقوله وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَا هُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ (4) 107، والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس، وأنتم والله في الجنة تُحبرون، وفي النار تُطلبون. يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا، وما من آية نزلت تذكر أهلها بِشَر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدوِّنا ومَن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني. فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء، يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية أخرى فقال: حسبي (5) 108.


1- سورة الزمر، الآية 53.
2- سورة الحجر، الآية 42.
3- سورة النساء، الآية 67.
4- سورة ص، الآيتان 62، 63.
5- الكافي 8/ 28.

ص: 89

فهذه الرواية كما يلاحظ القارئ كلها مسوقة لمدح الشيعة، ولبيان أن لفظ (الرافضة) لفظ شريف ادَّخره الله لأهل الحق، وأن المراد به الذين رفضوا الباطل واتّبعوا الحق.

لكن الكاتب بتر النص ليوهم القرَّاء أن الرواية كانت مسوقة لذم الشيعة لا لمدحهم، وهذا دليل واضح يدل على أن الكاتب ليس أميناً في نقله، ولا صادقاً مع نفسه، ولا مصيباً في دعواه.

قال الكاتب: لقد قرأت هذه النصوص مراراً، وفكرتُ فيها كثيراً، ونقلتها في ملف خاص، وسهرت الليالي ذوات العدد أُمْعِنُ النظر فيها- وفي غيرها الذي بلغ أضعاف أضعاف ما نقلته لك- فلم أنتبه لنفسي إلا وأنا أقول بصوت مرتفع: كان الله في عونكم يا أهل البيت على ما لقيتم من شيعتكم.

وأقول: لو كان هذا الكاتب فقيهاً كما يزعم وباحثاً عن الحقيقة كما يدَّعي لاحتج بالأحاديث الصحيحة دون الضعاف والمراسيل، ولنقل لنا رواية واحدة صحيحة على الأقل تدل على مزاعمه، لا أن يتخبَّط في الروايات، فيخبط خبط عشواء، وينقل ما وقع تحت نظره من غير تمييز بين الصحيح والضعيف، والحجة وغير الحجة.

فالعجب من مُدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف لا يميِّز بين الغث والسمين، فيتشبَّث بالأحاديث التي تشكِّكه في معتقده- حسب زعمه- مع أنها روايات ضعاف، ويتعامى عن الأحاديث الصحيحة الكثيرة الواردة في مدح الشيعة وبيان فضلهم، وهي تبلغ العشرات بل المئات، ولا سيما أن الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام في فضلهم قد رواها الخاص والعام، وهي أشهر من أن تُذكر، وأظهر من أن تُنْكَر، حتى ادَّعى بعض أهل السنة أنهم هم الشيعة الممدوحون في

ص: 90

الروايات، كما ادّعى ذلك بعض المعتزلة.

فقال ابن حجر الهيتمي في كتابه (الصواعق المحرقة): وشيعته يعني عليًّا عليه السلام هم أهل السنّة الذين أحبّوه كما أمر الله ورسوله، وأما غيرهم فأعداؤه في الحقيقة، لأن المحبة الخارجة عن الشرع، الحائدة عن سنن الهدي هي العداوة الكبرى، فلذا كانت سبباً لهلاكهم (1) 109.

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لم تكن لفظة (الشيعة) تُعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله- يعني الإمام عليًّا عليه السلام- ... فكان القائلون بالتفضيل هم المسمَّون الشيعة. وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم، ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم: نحن الشيعة حقاً. فهذا القول هو أقرب إلى السلامة، وأشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط والتفريط (2) 110.

فإذا بلغ فضل الشيعة إلى هذا الحد، فلا أدري ما هو الوجه الذي جعل الكاتب يحتج بالمراسيل التي لا دلالة فيها، ويتعامى عن الأحاديث الصحيحة التي فيها كل الدلالة على فضل الشيعة ونجاتهم؟!

قال الكاتب: نحن نعلم جميعاً ما لاقاه أنبياء الله ورسله عليهم السلام من أذى أقوامهم، وما لاقاه نبينا صلى الله عليه وآله، ولكني عجبت من اثنين من موسى عليه السلام، وصبره على بني إسرائيل، إذ نلاحظ أن القرآن الكريم تحدث عن موسى عليه السلام أكثر من غيره، وبَيَّنَ صبره على كثرة أذى بني إسرائيل ومراوغاتهم وحبائلهم ودسائسهم.

وأعجب من أهل البيت سلام الله عليهم على كثرة ما لقوه من أذى من أهل


1- الصواعق المحرقة، ص 183.
2- شرح نهج البلاغة 4/ 522.

ص: 91

الكوفة وعلى عظيم صبرهم على أهل الكوفة مركز الشيعة، على خيانتهم لهم، وغدرهم بهم، وقتلهم لهم، وسلبهم أموالهم، وصبر أهل البيت على هذا كله، ومع هذا نُلْقِي باللائمة على أهل السنة، ونُحَمِّلُهُمُ المسؤولية!

وأقول: لقد أوضحنا فيما مرَّ أن أهل الكوفة لم يكونوا من الشيعة، وإنما كانوا من متسنِّني ذلك العصر، فلا حاجة للإعادة.

ولئن أطال الكاتب في نقل النصوص الدالة على عظيم جرم أهل الكوفة مع الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، إلا أنه لم يذكر لقارئه شيئاً مما فعله أهل الكوفة بالأئمة الآخرين عليهم السلام أجمعين، فلا ندري ما هو وجه اتهامهم بالإساءة إلى كل أئمة أهل البيت عليهم السلام؟!

والعجيب أن الكاتب نسي أو تناسى ما صنعه الأمويون من العداء لأهل البيت عليهم السلام، مع أن كل ما وقع من أهل الكوفة إنما كان بأمر الأمويين وزبانيتهم.

فهل يرى الكاتب أن من جملة الشيعة: معاوية، وعمرو بن العاص، وزياد بن أبيه، والمغيرة بن شعبة، وبسر بن أرطأة، وطلحة، والزبير ومن كان معهم في حروبهم لعلي عليه السلام؟!

وهل يرى أن من جملة الشيعة: يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وغيرهم ممن شرك معهم في قتل الحسين عليه السلام؟!

إن جرائم بني أمية مع أهل البيت عليهم السلام لا ينكرها إلا من أعمى الله قلبه، وطمس على بصيرته، وخذله ومَسَخَه.

قال القرطبي: وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله صلى الله عليه وآله وسلم وإبرارهم وتوقيرهم ومحبَّتهم وجوب الفرائض المؤكَّدة التي لا عذر لأحد في التخلّف عنها. هذا مع ما عُلِم من خصوصيّتهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ عنها، وفروعه التي نشَأوا عنه، كما قال: (فاطمة بضعة مني)، ومع

ص: 92

ذلك فقابل بنو أميَّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، وسبَوا نساءهم، وأسَرُوا صغارهم، وخربوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبَّهم ولعنهم، فخالفوا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في وصيَّته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيَّته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يُعرضون عليه (1) 111.

ويكفي القارئ أن يجيل بنظره فيما صنعه علماء أهل السنة من إقصاء أهل البيت عن مراتبهم التي رتَّبهم الله فيها، وجحد فضائلهم، وإنكار مآثرهم، حتى قدَّموا عليهم الطلقاء والمنافقين وغير ذوي السابقة ممن عُنُوا بجمع فضائلهم وتدوينها وتصحيحها وبثّها والعناية بها، حتى كأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصاهم بهم دون أهل بيته، وأمرهم بمودتهم دون الأئمة من عترته.

قال ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الاختلاف في اللفظ): وتحامى كثير من المحدِّثين أن يحدّثوا بفضائله كرم الله وجهه، أو يظهروا له ما يجب، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح، وجعلوا ابنه الحسين عليه السلام خارجيًّا شاقًّا لعصا المسلمين حلال الدم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج على أمَّتي وهم جميع فاقتلوه كائناً من كان). وسوَّوا بينه في الفضل وبين أهل الشورى، لأن عمر لو تبين له فضله لقدَّمه عليهم، ولم يجعل الأمر شورى بينهم، وأهملوا من ذكره أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدِّثين أن يتحدَّثوا بها، وعُنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية، كأنهم لا يريدونهما بذلك، وإنما يريدونه. فإن قال قائل: (أخورسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سبطيه الحسن والحسين، وأصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين) طَرَّتْ حسائك الصدور. وإن ذكر ذاكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) و (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وأشباه هذا، التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقَّه، بغضاً منهم للرافضة وإلزاماً لعلي عليه السلام بسببهم ما لا


1- فيض القدير 3/ 14.

ص: 93

يلزمه (1) 112.

قلت: وهذه الأمور كلها قد أخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل وقوعها، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك، ونعيم بن حماد في كتاب (الفتن) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلًا وتشريداً، وإن أشد قومنا لنا بُغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (2) 113.

فانظر أيها القارئ العزيز هل ابتلي أهل البيت عليهم السلام بشيعتهم ومحبِّيهم الذين اتبعوهم وفضَّلوهم على غيرهم، أو بأعدائهم ومبغضيهم الذين سفكوا دماءهم وجحدوا مآثرهم؟

هل طعن الشيعة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته؟

قال الكاتب: وعندما نقرأ في كتبنا المعتبرة نجد فيها عجباً عُجاباً، قد لا يُصَدِّقُ أَحدنا إذا قلنا: إِن كتبنا معاشر الشيعة- تطعنُ بأهل البيت عليهم السلام، وتطعن بالنبي صلى الله عليه وآله، وإليك البيان:

عن أمير المؤمنين رضي الله عنه أن غفيراً- حمارَ رسول الله صلى الله عليه وآله- قال له: بأبي أنت وأُمي- يا رسول الله- إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه: (أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله، ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمارٌ يركبه سيدُ النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار) أصول الكافي 1/ 237.


1- الاختلاف في اللفظ، ص 41- 42.
2- المستدرك على الصحيحين 4/ 534، طبعة حيدرآباد 4/ 487. الفتن لنعيم بن حماد، ص 83.

ص: 94

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند بالإرسال، مع أن من جملة رواتها سهل بن زياد الآدمي، وقد مرَّ بيان حاله.

قال المجلسي في مرآة العقول: ضعيف وآخره مرسل (1) 114.

والعجيب من مدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف يحتج بالروايات الضعاف التي لا يميِّزها عن غيرها مع أن الإرسال فيها واضح جلي.

قال الكاتب: هذه الرواية تفيدنا بما يأتي:

1- الحمار يتكلم!

2- الحمار يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله فداك أبي وأمي! مع أن المسلمين هم الذين يفدون رسول الله صلوات الله عليه بآبائهم وأمهاتهم لا الحمير.

3- الحمارِ يقول: (حدثني أبي عن جدي إلى جده الرابع) مع أن بين نوح ومحمد أُلُوفاً من السنين، بينما يقول الحمار ان جده الرابع كان مع نوح في السفينة.

وأقول: بعد معرفة ضعف الرواية فالكلام فيها فضول، ولكن يمكن أن نقول مع ذلك: إنه لا مانع من أن يتكلم الحمار بنحو الإعجاز، كما تكلم الهدهد لسليمان، وهذا لا محذور فيه.

وأما قوله: (فداك أبي وأمي)، فهي من العبارات التي يراد بها الإجلال والتكريم، سواء أكانت صادرة من إنسان أم من حيوان بنحو الإعجاز، فلا محذور فيها لو صدرت من بهيمة.

قال ابن الأثير في كتابه النهاية بعد أن ساق قول من خاطب الله سبحانه بعبارة الفداء: إطلاق هذا اللفظ مع الله تعالى محمول على المجاز والاستعارة، لأنه إنما يُفدَّى


1- مرآة العقول 3/ 48.

ص: 95

من المكاره من تلحقه، فيكون المراد بالفداء التعظيم والإكبار، لأن الإنسان لا يُفدِّي إلا من يُعَظِّمه، فيبذل نفسه له (1) 115.

وأما كون الحمار يحدِّث بذلك عن جده الرابع مع أن بين نوح ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم آلاف السنين، فلا محذور فيه إن كان بنحو الإعجاز، فكما طالت أعمار كثير من البشر، فما المانع في إطالة أعمار بعض البهائم؟

ثم إن ما يشبه هذا الحديث موجود في كتب أهل السنة، فقد ذكر ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يلي:

عن أبي منظور قال: لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب وفضة، وحمار أسود ومكتل، قال: فكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار فكلَّمه الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً، كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنتُ أتوقعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أعثر به عمداً، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سمَّيتك يعفور، يا يعفور. قال: لبيك. قال: تشتهي الإناث؟ قال: لا. فكان النبي يركبه لحاجته، فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل، فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن النبهان، فتردَّى فيها فصارت قبره، جزعاً منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) 116.

وهذا الحديث فيه ملاحظات كثيرة لا نرى أهمية في بيانها.

وأحاديث تكلم البهائم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتب أهل السنة كثيرة، واستيفاؤها يستلزم الإطالة، ولكن لا بأس بنقل بعضها للقارئ العزيز:


1- النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 422.
2- البداية والنهاية 6/ 158. شمائل الرسول، ص 354. الخصائص الكبرى 2/ 64.

ص: 96

منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في دلائل النبوة، عن مسند أحمد بن حنبل، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه فقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟ فقال: يا عجبي ذئب يكلمني كلام الإنس؟! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره، فأمر رسول الله فنودي: (الصلاة جامعة). ثم خرج فقال للراعي: أخبرْهم. فأخبرَهم، فقال رسول الله: صدق والذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده (1) 117.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: وهذا إسناد على شرط الصحيح وقد صحَّحه البيهقي (2) 118.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في دلائل النبوة وغيرهما بسندهما عن يعلى بن مرة، عن أبيه- في حديث طويل قال-: ثم أتاه صلى الله عليه وآله وسلم بعير فقام بين يديه، فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه، فقال: ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه، فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لننحره غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون معها (3) 119.


1- صحيح ابن حبان 14/ 418. مسند أحمد 3/ 83. المستدرك 4/ 514، ط حيدرآباد 4/ 468. دلائل النبوة للبيهقي 6/ 41 وصحَّحه. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 241 ح 122 وقال: هذا سند صحيح، رجاله ثقات.
2- البداية والنهاية 6/ 150. شمائل الرسول، ص 339.
3- المستدرك 2/ 674. دلائل النبوة 6/ 21.

ص: 97

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.

ومنها: ما أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى عن الطبراني في الأوسط والصغير، وابن عدي، والحاكم في المعجزات، والبيهقي وأبي نعيم، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبًّا، فقال: واللات والعزى لا آمنتُ بك حتى يؤمن بك هذا الضب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أنا يا ضب؟ فقال الضب بلسان عربي مبين يفهمه القوم جميعاً: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين. قال: من تعبد؟ فقال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه. قال: فمن أنا؟ قال: أنت رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، قد أفلح مَن صدَّقك، وقد خاب مَن كذّبك. فأسلم الأعرابي (1) 120.

إلى غير ذلك مما يطول ذكره، فراجع ما كتبه البيهقي في دلائل النبوة، وابن كثير في البداية والنهاية وشمائل الرسول، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الخصائص الكبرى وغيرهم، فستجد روايات كثيرة في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع البعير، والظبية، والضب، والذئاب، والوحش، والحُمَّرة التي فُجعت ببيضها وفرخيها وغيرها (2) 121.

ونحن لا نستبعد وقوع مثل هذه الأمور على نحو الإعجاز، ولكن نتعجب ممن يتغافل عن كل هذه الأحاديث، ويعيب الشيعة بحديث ضعيف سنداً ومتناً.

والعجيب أن الكاتب ذكر هذا الحديث للتدليل على أن الشيعة يعيبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتبهم، وأقصى ما في الحديث أن الحمار قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فداك أبي وأمي). وقد أوضحنا فيما مرَّ عدم دلالته على ذلك.


1- الخصائص الكبرى 2/ 65. مجمع الزوائد 8/ 293. المعجم الصغير 2/ 64. شمائل الرسول، ص 351.
2- دلائل النبوة 6/ 18- 44. شمائل الرسول، ص 321- 355. البداية والنهاية 6/ 141- 159. مجمع الزوائد 9/ 3- 11، 8/ 291- 294. الخصائص الكبرى 2/ 56- 65.

ص: 98

وتعامى عن الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي امتلأت بها كتب أهل السنة والتي اشتملت على عيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمزه ونسبة ما لا يليق به إليه.

منها: ما دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدَّم لغيره طعاماً ذُبح على الأنصاب: فقد أخرج البخاري عن سالم أنه سمع عبد الله يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدَح، وذاك قبل أن يُنَزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدَّم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سُفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكر اسم الله عليه (1) 122.

ومنها: ما دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ بالصلاة جُنُباً: فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أنه قال: أُقيمت الصلاة وعُدّلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جُنُب، فقال لنا: مكانَكم. ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبَّر فصلّينا معه (2) 123.

وأخرج أبو داود والبيهقي في سننهما، وابن حبان في صحيحه، وأحمد في مسنده وغيرهم عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أنْ مكانَكم. ثم جاء ورأسه يقطر، فصلّى بهم (3) 124.


1- صحيح البخاري 7/ 118، ط محققة 4/ 1770. مسند أحمد 2/ 68، 89، 127. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 249. السنن الكبرى للنسائي 5/ 55. المعجم الكبير للطبراني 12/ 298. الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 380.
2- صحيح البخاري 1/ 74، 155، ط محققة 1/ 107، 205. صحيح مسلم 1/ 422- 423. صحيح ابن خزيمة 3/ 62. صحيح ابن حبان 6/ 7. سنن أبي داود 1/ 61. صحيح سنن أبي داود 1/ 46. سنن النسائي 2/ 81، 89، ط محققة 2/ 416، 423. صحيح سنن النسائي 1/ 171، 175. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 398. مسند أحمد 2/ 518. مسند أبي عوانة 1/ 370، 371.
3- سنن أبي داود 1/ 60. صحيح سنن أبي داود 1/ 45. صحيح ابن حبان 6/ 5. مسند أحمد 5/ 45. السنن الصغرى للبيهقي 1/ 178. السنن الكبرى له 2/ 397.

ص: 99

وفي مسند أحمد بسنده عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبَّر، ثم أومأ إليهم أنْ مكانكم. ثم دخل فخرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً (1) 125.

ومنها: ما دل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغضب ويسب ويلعن بغير حق: فقد أخرج مسلم وغيره عن عائشة، قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلّماه بشي ء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبَّهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله مَن أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان. قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتَهما وسببتَهما. قال: أوَما علمتِ ما شارطتُ عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بَشَر، فأي المسلمين لعنتُه أو سببتُه فاجعله له زكاة وأجراً (2) 126.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنما أنا بشَر، فأيما رجل من المسلمين سببتُه أو لعنتُه أو جلدتُه فاجعلها له زكاة ورحمة (3) 127.

ومنها: ما دلَّ على أن النبي يبول قائماً: فقد أخرج البخاري ومسلم عن حذيفة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ (4) 128.


1- مسند أحمد 5/ 41.
2- صحيح مسلم 3/ 2007. مسند إسحاق بن راهويه 3/ 819. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 61. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 72.
3- صحيح مسلم 4/ 2007. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 72. وراجع صحيح البخاري 8/ 96، ط محققة 4/ 1999. كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة.
4- صحيح البخاري 1/ 64، 3/ 177، ط محققة 1/ 93، 2/ 742. صحيح مسلم 1/ 228. صحيح ابن خزيمة 1/ 35. صحيح ابن حبان 4/ 272- 279. سنن النسائي 1/ 30. صحيح سنن النسائي 1/ 7، 8. سنن ابن ماجة 1/ 111، 112. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 56. سنن الترمذي 1/ 19. سنن أبي داود 1/ 6. صحيح سنن أبي داود 1/ 8. سنن الدارمي 1/ 181. مسند أحمد 5/ 382، 394، 402. المصنف لعبد الرزاق 1/ 152. المصنف لابن أبي شيبة 1/ 115. شرح السنة للبغوي 1/ 386 وقال: هذا حديث متفق على صحَّته. مسند الحميدي 1/ 210. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 100- 101، 270، 274. المستدرك للحاكم 1/ 182، 185 ط جديدة 1/ 290، 295. السنن الكبرى للنسائي 1/ 67، 68. المعجم الكبير 17/ 179، 20/ 405، 406 وغيرها كثير.

ص: 100

ومنها: ما دلَّ على أن النبي أظهر عورته أمام الناس: فقد أخرج البخاري ومسلم- واللفظ له- وغيرهما عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمُّه: ياابن أخي، لو حللتَ إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة. قال: فحلَّه فجعله على منكبه، فسقط مغشياً عليه، قال: فما رؤي بعد ذلك اليوم عرياناً (1) 129.

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد وابن حبان وأبو عوانة وغيرهم بأسانيدهم عن جابر بن عبد الله أنه قال: لما بُنِيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة. ففعل، فخَرَّ إلى الأرض، وطمحتْ عيناه إلى السماء، ثم قام فقال: إزاري إزاري. فشدَّ عليه إزاره (2) 130.

ومنها: ما دلَّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع الغناء: فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان في أيام منى، تدفِّفان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد. وتلك الأيام أيام منى (3) 131.


1- صحيح البخاري 5/ 51، ط محققة 1/ 136. صحيح مسلم 1/ 268. مسند أحمد 3/ 310، 333. مسند أبي عوانة 1/ 237. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 227. مسند أبي يعلى 2/ 346. حلية الأولياء 3/ 349. شعب الإيمان 6/ 151.
2- صحيح البخاري 3/ 1171. صحيح مسلم 1/ 268. صحيح ابن حبان 4/ 481، 51/ 527. مسند أحمد 3/ 295، 380. مسند أبي عوانة 1/ 237. المصنف لعبد الرزاق 1/ 220.
3- صحيح البخاري 2/ 20، كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وراجع أيضاً باب الحراب والدرق يوم العيد، وباب سنة العيدين لأهل الإسلام، 4/ 225، ط محققة 1/ 295، 285، 286، 3/ 1096. صحيح مسلم 2/ 607- 609. صحيح ابن حبان 13/ 186- 189. سنن النسائي 3/ 216، 218. صحيح سنن النسائي 1/ 349. السنن الكبرى للبيهقي 10/ 218. السنن الكبرى للنسائي 5/ 309.

ص: 101

ومنها: ما دلَّ على أن النبي في رأسه قمل، وتفليه امرأة أجنبية: فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حَرَام بنت مِلحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه ... (1) 132 ومنها: ما دلَّ على أن النبي لا يغسل ثيابه من المني: فقد أخرج مسلم وغيره عن عائشة في المني قالت: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) 133.

وفي رواية أخرى، قالت: لقد رأيتني وإني لأحكُّه من ثوب رسول اللهصلى الله عليه وسلم يابساً بظفري (3) 134.

وفي رواية ثالثة، قالت: ثم كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه (4) 135.

قال ابن حجر في تلخيص الحبير: حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب


1- صحيح البخاري 4/ 19، ط محققة 2/ 863، 4/ 2192. صحيح مسلم 3/ 1518. صحيح ابن حبان 15/ 51. الموطأ، ص 237. سنن الترمذي 4/ 178 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن أبي داود 3/ 6. صحيح سنن أبي داود 2/ 472. مسند أبي عوانة 4/ 494. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 165. السنن الكبرى للنسائي 3/ 27. سنن النسائي 6/ 347. صحيح سنن النسائي 2/ 667. الأدب المفرد، ص 257. حلية الأولياء 2/ 61.
2- صحيح مسلم 1/ 240. سنن النسائي 1/ 172. صحيح سنن النسائي 1/ 61.
3- صحيح مسلم 1/ 240.
4- صحيح مسلم 1/ 238. سنن أبي داود 1/ 101. صحيح سنن أبي داود 1/ 75. صحيح ابن حبان 4/ 217. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 417. مسند الشافعي، ص 345.

ص: 102

رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه) متفق عليه من حديثها، واللفظ لمسلم، ولم يخرج البخاري مقصود الباب، ولأبي داود: (ثم يصلي فيه)، وللترمذي: (ربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي)، وفي رواية لمسلم: (وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري). قوله: (وروي أنها كانت تفركه وهو في الصلاة) ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي من حديث محارب بن دثار عن عائشة قالت: (ربما حتتُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي). لفظ الدارقطني ولفظ ابن خزيمة: أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. ولابن حبان أيضاً من حديث الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: لقد رأيتني أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (1) 136.

ومنها: ما دلَّ على أن النبي كلما أبطأ عنه الوحي عزم على قتل نفسه: فقد أخرج البخاري وأحمد وغيرهما، عن عائشة- في حديث طويل- قالت: وفَتَر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلَغَنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذِروة جبل لكي يلقي نفسه تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه، وتقر عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال مثل ذلك (2) 137.

هذا غيض من فيض، ولو أردنا أن نستقصي ما روي في كتب أهل السنة من أمثال هذه الأحاديث الباطلة لطال بنا المقام، ولخرجنا بذلك عن موضوع الكتاب، إلا أن فيما ذكرناه غنىً وكفاية (3) 138.


1- تلخيص الحبير 1/ 32.
2- صحيح البخاري 9/ 38، ط محققة 4/ 2185. صحيح ابن حبان 1/ 216. مسند أحمد 6/ 233. تفسير القرآن العظيم 4/ 527. المصنف لعبد الرزاق 5/ 216.
3- للاطّلاع على المزيد من أمثال هذه الأحاديث راجع كتاب (أبو هريرة) للسيد عبدالحسين شرف الدين رضوان الله عليه، وكتاب (تأملات في الصحيحين) لمحمد صادق نجمي، وكتاب (فاسألوا أهل الذكر) للدكتور محمد التيجاني السماوي.

ص: 103

قال الكاتب: كنا نقرأ أصول الكافي مرة مع بعض طلبة الحوزة في النجف على الإمام الخوئي، فرد الإمام الخوئي قائلًا: انظروا إلى هذه المعجزة، نوح سلام الله عليه يخبر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبنبوَّته قبل ولادته بألوف السنين.

بقيت كلمات الإمام الخوئي تتردَّد في مسمعي مدة وأنا أقول في نفسي: كيف يمكن أن تكون هذه معجزة وفيها حمار يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآله كذا: بأبي أنت وأمي؟! وكيف يمكن لأمير المؤمنين سلام الله عليه أن ينقل مثل هذه الرواية؟!

لكني سكت كما سكت غيري من السامعين.

وأقول: هذا من أخطائه الفاضحة وسقطاته الواضحة، فإنه ظن أن من ضمن مناهج الحوزة العلمية في النجف دراسة كتب الأحاديث التي من أهمها كتاب (أصول الكافي)، قياساً على ما هو متعارف في المناهج الدينية السُّنّية التي يدرسون فيها كتب الأحاديث المشهورة مثل البخاري ومسلم وغيرهما.

وبهذا يتضح كذب الحادثة من أساسها.

هذا مع أن السيد الخوئي لا يمكن أن يقول ما نسبه إليه اعتماداً على رواية مرسلة لا سند لها، فإن منهجه قدس سره معروف عند كل طلبة الحوزة، وهو أنه لا يعوِّل على الأحاديث الضعيفة وإن عمل بها المشهور.

ومن سقطاته الطريفة في هذه القصة أنه ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكيفية: (صلى الله عليه وسلم وآله)، مع أن هذه الكيفية لا تصدر من شيعي، فضلًا عن عالم قد بلغ هذا العمر المزعوم، ولا تصدر إلا ممن لم يعتَدْ على الكيفية المتعارفة للصلاة عند الشيعة.

ص: 104

قال الكاتب: ونقل الصدوِق عنِ الرضا رضي الله عنه في قوله تعالىِ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتُخْفِي في نفسك ما الله مبْدِيه (الأحزاب/ 37) قال الرضا مفسراً هذه الآية: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده، فرأى امرأته زينب تغتسل، فقال لها: سبحان الذي خلقك) عيون أخبار الرضا ص 113.

فهل ينظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى امرأة رجل مسلم، ويشتهيها، ويعجب بها، ثم يقول لها: سبحان الذي خَلقك؟! أليس هذا طعناً برسول الله صلى الله عليه وآله؟!

وأقول: هذا الخبر ضعيف السند، فإن من جملة رواته تميم بن عبدالله بن تميم القرشي، فإنه وإن كان من شيوخ الإجازة للصدوق رحمه الله، وأكثر الصدوق من الترضي عنه، إلا أنه لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل ضعفه ابن الغضائري والعلَّامة الحلي وغيرهما.

ومن رواته والد الراوي السابق، وهو مهمل في كتب الرجال.

وراوي هذا الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام هو علي بن محمد بن الجهم الذي قال عنه الصدوق بعد أن نقل الحديث المذكور بكامله:

هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام (1) 139.

وأما من ناحية متن الحديث فلم يرد فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتهى زوجة زيد بن حارثة، ولا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أُعجِب بها كما قال الكاتب، وإنما قال لما رآها: (سبحان الذي خلقك)، والتسبيح ذِكْر من أذكار الله سبحانه التي يثاب عليها قائلها.

ولا دلالة في الحديث على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رآها عارية، بل رآها تغتسل، ومن المستبعد أن تغتسل عاريةً- مع شدة صونها وعفافها- في مكان تكون عرضة لرؤية


1- عيون أخبار الرضا 2/ 182.

ص: 105

كل من يدخل إلى دارها، وإنما كانت تغتسل في مكان لا يراها أحد، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنها تغتسل، من دون أن يرى شخصها، فقال: سبحان الله الذي خلقك، وتنزَّه عن أن يكون له ولد يحتاج للاغتسال والتنظف.

وهذا المعنى الذي قلناه قد ورد في الحديث نفسه، فقد جاء فيه:

فقال النبي لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتَّخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال. فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجي ء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله لها: (سبحان الذي خلقك!). فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء، وإني أريد طلاقها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمسك عليك زوجك، واتق الله. وقد كان الله عزَّ وجل عرَّفه عدد أزواجه، وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك في نفسه، ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا: إن محمداً يقول لمولاه: (إن امرأتك ستكون لي زوجة) يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يعنى بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعنى بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَه وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ واللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ، ثم إن زيد بن حارثة طلَّقها واعتدَّت منه، فزوَّجها الله عزَّ وجل من نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل بذلك قرآناً، فقال عزَّوجل: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولا (1) 140.

هذا مع أنه قد ورد في كتب أهل السنة ما هو أصرح من ذلك، كرؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزينب وهي مكشوفة الشعر، وأنها أعجبته فرغب في نكاحها، فتزوجها من غير خطبة ولا شهادة.

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى، والهيثمي في مجمع الزوائد، وابن عساكر في تاريخ دمشق عن زينب بنت جحش أنها قالت في


1- المصدر السابق 2/ 181.

ص: 106

حديث: فطلقني فبَتَّ طلاقي، فلما انقضت عدَّتي لم أشعر إلا والنبي صلى الله عليه وسلم وأنا مكشوفة الشعر، فقلت: هذا أمر من السماء؟! وقلت: يا رسول الله بلا خطبة ولا شهادة؟ قال: الله المزوِّج، وجبريل الشاهد (1) 141.

وأخرج الطبراني في الكبير أيضاً بسنده عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بيت زيد بن حارثة، فاستأذن فأذنت له زينب ولا خمار عليها، فألقت كُمَّ درعها على رأسها، فسألها عن زيد فقالت: ذهب قريباً يا رسول الله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وله همهمة، قالت زينب: فاتبعته فسمعته يقول: (تبارك مصرِّف القلوب). فما زال يقولها حتى تغيب (2) 142.

وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عتاباً من الله له: وَ اذكر يا محمد إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بالهداية، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالعتق، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ، وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذُكر رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فأُلقي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيِّه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ

وهو صلى الله عليه وسلم يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها، وَاتَّقِ اللهَ وخَفِ الله في الواجب له عليك في زوجتك، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ يقول: وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها، والله مبدٍ ما تخفي في نفسك من ذلك، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ يقول تعالى ذكره: وتخاف أن يقول الناس: أمَرَ رجلًا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها، والله أحق أن تخشاه من الناس (3) 143.


1- مجمع الزوائد 9/ 247. المعجم الكبير للطبراني 24/ 40. السنن الكبرى 7/ 137. تاريخ مدينة دمشق 50/ 230، 231.
2- المعجم الكبير للطبراني 24/ 44. مجمع الزوائد 9/ 247.
3- تفسير الطبري 22/ 10- 11. فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يعنى بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعنى بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَه وَتُخْفِي

ص: 107

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: فلما زوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً مكثتْ عنده حيناً، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إليها، وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: (سبحان مقلِّب القلوب). وفطن زيد فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال بعضهم: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد، فرأى زينب فقال: (سبحان مقلب القلوب). فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باب زيد، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أريد فراقها. فقال له: اتق الله. وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كِبْراً، فهي تَعَظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله. ثم إن زيداً طلَّقها بعد ذلك (1) 144.

وقال القرطبي في تفسيره: واختلف الناس في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين، منهم الطبري وغيره، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلِّقها زيد فيتزوجها هو، ثم إن زيداً لما أخبره بأنه يريد فراقها، ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر، وأذى باللسان وتعظُّماً بالشرف، قال له: (اتق الله- أي فيما تقول عنها- وأمسك عليك زوجك). وهو يخفي الحرص على طلاق زيد إياها، وهذا الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف.

وقال مقاتل: زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد، فمكثت عنده حيناً، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهويها وقال: (سبحان الله مقلب القلوب!). فسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد، ففطن زيد فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن


1- زاد المسير 6/ 209.

ص: 108

فيهاكِبْراً، تَعَظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها. فقال عليه السلام: (أمسك عليك زوجك واتق الله). وقيل: إن الله بعث ريحاً، فرفعت الستر وزينب متفضلة (1) 145 في منزلها، فرأى زينب فوقعت في نفسه، ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما جاء يطلب زيداً، فأخبرته بذلك، فوقع في نفس زيد أن يطلقها. وقال ابن عباس: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ الحب لها، وَتَخْشَى النَّاسَ أي تستحييهم، وقيل: تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت: طلِّقْها. ويقولون: أمَرَ رجلًا بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها. وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ في كل الأحوال. وقيل: والله أحق أن تستحي منه، ولا تأمر زيداً بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك، فعاتبه الله على جميع هذا (2) 146.

وكأنما شقَّ على ابن كثير نسبة كل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال في تفسيره: ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثاراً عن بعض السلف، أحببنا أن نضرب عنها صفحاً، لعدم صحَّتها فلا نوردها (3) 147.

فهل بعد هذا كله يحق للكاتب أن يتَّهم الشيعة بأنهم يطعنون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد كل ما رووه وقالوه في هذه القضية؟

قال الكاتب: وعن أمير المؤمنين أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أبو بكر وعمر قال: (فجلستُ بينه وبين عائشة، فقالت عائشة: ما وجدتَ إلا فخذي وفخذ رسول


1- قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 456: تفضلت المرأة إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد. وقال ابن منظور في لسان العرب 11/ 526: الفضلة: الثياب التي تبتذل للنوم، لأنها فضلت عن ثياب التصرف.
2- تفسير القرطبي 14/ 189.
3- تفسير القرآن العظيم 3/ 491.

ص: 109

الله؟ فقال: مه يا عائشة) البرهان في تفسير القرآن 4/ 225.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند جداً، فإنها مشتملة على مجموعة من المجاهيل: منهم أبو محمد الفحام، وعمّه (وهو عمر بن يحيى)، وإسحاق بن عبدوس، ومحمد بن بهار بن عمار.

وأما متن الحديث فلا دلالة فيه على ما ساقه الكاتب لأجله، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يسئ الأدب في حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يفعل ما يشينه أو يشين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجلوسه بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين عائشة لا يدلّ بأية دلالة على ضيق المكان بينهما وملامسة جسمه لجسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لجسم عائشة، وكلام عائشة لا قيمة له، لأنه ناشئ من غيرتها من أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ضيقها من جلوسه بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

ومن الطريف أن الكاتب الذي ساق هذا الحديث للتدليل على أن الشيعة يطعنون في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد ذكر صدر الحديث، وبتر ذيله ولم يكمله، لأنه قد ساءه ما جاء في ذيله من مدح أمير المؤمنين عليه السلام وذم عائشة، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مه يا عائشة، لا تؤذيني في علي، فإنه أخي في الدنيا، وأخي في الآخرة، وهو أمير المؤمنين، يجلسه الله يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة، وأعداءه النار.

فلا ندري بعد هذا كيف استفاد الكاتب اشتمال هذا الحديث على الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

قال الكاتب: وجاء مرة أخرى فلم يجد مكاناً، فأشار إليه رسول الله: ههنا- يعني خلفه- وعائشة قائمة خلفه وعليها كساء: فجاء علي رضي الله عنه فقعد بين رسول الله وبين عائشة، فقالت وهي غاضبة: (ما وجدتَ لإسْتِكَ- دُبُرَكَ أو مُؤَخِّرَتِكَ- مَوْضعاً غير حجري؟ فغضبَ رسولُ الله، وقال: يَا حُميراء، لا تؤذيني في أخي) كتاب

ص: 110

سليم بن قيس ص 179.

وأقول: هذا الحديث كسابقه لا يدل على الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأية دلالة، وكل ما فيه هو ما قالته عائشة لأمير المؤمنين عليه السلام بداعي غيرتها منه عليه السلام كما قلنا في الحديث السابق، وإلا فلا دلالة في الحديث على أن أمير المؤمنين عليه السلام مسَّ عائشة، أو فعل ما يتنافى مع الأدب، وإنما كان ممتثلًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اختيار المكان الذي جلس فيه.

وقد ساء الكاتب هنا أيضاً أن يكمل الحديث ويذكر ما فيه من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا يكشف عن دخيلته السُّنّية التي يسوؤها ذكر أي منقبة لأهل البيت عليهم السلام عامة، ولأمير المؤمنين عليه السلام خاصة.

وتكملة الحديث هي: وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين، وسيِّد المسلمين، وصاحب لواء الحمد، وقائد الغُرِّ المحجَّلين يوم القيامة، يجعله الله على الصراط، فيقاسم النار، فيُدخل أولياءه الجنة، ويُدخل أعداءه النار.

والطريف أنه حرف الحديث أي تحريف، فحذف جملة: (والبيت غاصٌّ بأهله، فيهم الخمسة أصحاب الكتاب، والخمسة أصحاب الشورى)، وحذف دفع عائشة لأمير المؤمنين عليه السلام، وحذف الأوصاف التي وصف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا عليه السلام.

فتأمل رحمك الله في هذه التحريفات المقصودة التي تنم عما في نفس الرجل نحو أمير المؤمنين عليه السلام.

قال الكاتب: وروى المجلسي أن أمير المؤمنين قال: (سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس له خادم غيري، وكان معه لحاف ليس له غيره، ومعه عائشة، وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى الصلاة- صلاة الليل- يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف

ص: 111

الفراش الذي تحتنا) بحار الأنوار 40/ 3.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، لأنها مروية في كتاب الاحتجاج مرسلة عن كتاب سليم بن قيس.

وهي كما سبقها لا تدل على طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الكاتب توهَّم أن الفراش كان ضيِّقاً حتى صار أمير المؤمنين عليه السلام قريباً من عائشة، مع أن الحديث لا يدل على ذلك، ويدل على سعة اللحاف أنه من غير المحتمل أن ينام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فراش وهو ملتصق بجسم عائشة ومعهما رجل آخر.

ومنه يتضح أن اللحاف كان واسعاً، وأن الفاصلة بين علي عليه السلام وبين عائشة كانت واسعة، وترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وعائشة على الحال الموصوفة في الحديث لا محذور فيه ولا غضاضة، فإن أمير المؤمنين عليه السلام لا يُتَّهم باختلاس سمع ولا نظر، ولا أحد أحرص منه على رعاية جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيانة عرضه، وكل ما يقال بعد هذا فهو من فضول الكلام الذي لا نفع فيه.

على أن أهل السنة قد رووا في كتبهم ما يشبه هذه الحادثة، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه وصحَّحه، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما، بسندهما عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة باردة، فأتيته وهو مع بعض نسائه في لحافه، فأدخلني في اللحاف، فصرنا ثلاثة.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي (1) 148.

وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن الزبير قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة أو في غداة باردة، فذهبت ثم جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه بعض نسائه في لحاف، فطرح عليَّ طرف ثوبه أو طرف الثوب (2) 149.


1- المستدرك على الصحيحين 3/ 410، ط حيدرآباد 3/ 364. كتاب السنة 2/ 597.
2- مجمع الزوائد 9/ 152. مسند البزار 3/ 183.

ص: 112

قال الكاتب: هل يرضى رسول الله أن يجلس علي في حجر عائشة امرأته؟ ألا يغار رسول الله صلى الله عليه وآله على امرأته وشريكة حياته إذا تركها في فراش واحد مع ابن عمه الذي لا يُعْتَبَرُ من المحارم؟ ثم كيف يرتضي أمير المؤمنين ذلك لنفسه؟!

وأقول: إن الأحاديث السابقة لا دلالة فيها على أن عليًّا عليه السلام جلس في حجر عائشة، حتى تأتي غيرة النبي عليه السلام كما قال الكاتب.

وأما تركهما بالحالة المذكورة في الحديث فليس تركاً لهما في فراش واحد، وإنما كان اللحاف واسعاً، وكانت بينهما فاصلة واسعة كما أوضحناه فيما تقدم.

وأمير المؤمنين عليه السلام وإن لم يكن من محارم عائشة إلا أنه لا يُتَّهم معها بسوء، وهذا كاف في تجويز وقوع مثل هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يتَّهم عائشة ولا أمير المؤمنين عليه السلام بأية تهمة، فما هو المحذور حينئذ؟

قال الكاتب: قال السيد كذا علي غروي أحد أكبر العلماء في الحوزة: (إن النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يدخل فَرْجُه النار، لأنه وَطِئَ بعضَ المشركات) يريد بذلك زواجه من عائشة وحفصة، وهذا كما هو معلوم فيه إساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لو كان فَرْجُ رسولِ الله يدخل النار فلن يدخل الجنة أحدٌ أبداً.

وأقول: إن الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه الزكية لا يصدر منه هذا الهذيان.

وإذا كان الكاتب لا يدري أن الميرزا علي الغروي شيخ أو سيّد فكيف يوثق في نقله ويؤخذ بشهادته؟

ونحن تشرفنا بالحضور مدّة في درسه الشريف، وكان يخصّنا بأمور كثيرة، ولم نسمع منه أمثال هذه الأباطيل المفضوحة التي لا يتفوَّه بها جاهل فضلًا عن عالم

ص: 113

فاضل، ولو قالها لاشتهرت عنه حال حياته، لما فيها من الجرأة العظيمة على مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ولما فيها من المخالفات الواضحة لإجماعات المسلمين كافة، إذ كيف يتحقق دخول الفرج وحده في النار من دون سائر الجسد؟

وكيف يعاقَب خصوص الفرج مع أن الملامسة في النكاح تحصل بالبدن كله؟!

وكيف تستوجب ملامسة الكافرة دخول العضو الملامس لها في النار مع جواز وطء الكتابيات بنكاح أو ملك يمين؟

مضافاً إلى أن لازم العقاب بإدخال الفرج في النار- لو تعقَّلناه- هو تحقق الذنب العظيم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنافي لعصمته المسلَّمة بين المسلمين.

قال الكاتب: أكتَفي بهذه الروايات الست المتعلقة برسول الله صلوات الله عليه لأنتقلَ الى غيرها. فقد أوردوا روايات في أمير المؤمنين رضي الله عنه هذه بعضها:

عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: (أتى عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه، فأخذت بيضة وصَبَّت البياض على ثيابها وبين فخذيها، فقام علي فنظر بين فخذيها، فاتَّهَمَها) بحار الأنوار 4/ 303.

ونحن نتساءل: هل ينظر أمير المؤمنين بين فخذي امرأة أجنبية؟ وهل يُعْقَلُ أن ينقل الإمام الصادق هذا الخبر؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحبَّ أهل البيت؟

وأقول: المذكور في الحديث هو: فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها، فاتهمها أن تكون احتالت لذلك، قال: ائتوني بماء حار قد غَلى غلياناً شديداً، ففعلوا، فلما أُتي بالماء أمرهم فصبّوا على موضع البياض، فاشتوى ذلك البياض، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام فألقاه في فيه، فلما عرف طعمه ألقاه من فيه، ثم أقبل على المرأة حتى أقرَّت بذلك، ودفع الله عزَّ وجل عن الأنصاري

ص: 114

عقوبةعمر (1) 150.

ومعنى الحديث واضح، فإن أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى البياض الذي كان على ثياب المرأة عند فخذيها، وليس المراد أنه عليه السلام نظر إلى نفس الفخذين كما زعمه مدَّعي الفقاهة والاجتهاد، وإلا فلا بد أن يقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد كشف عن فخذيها فنظر إليهما! أو أنها كانت مكشوفة الفخذين، فنظر إليهما! وكلا الأمرين لا يدل عليهما الحديث، ولا يصح حمله عليهما.

قال الكاتب: وعن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر، فقالت: هذا قاتِل الأحِبَّةِ، فنظر إليها، وقال لها: (يا سلفع، يا جريئة، يا بذية، يا مذكرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هَنِهَا شي ء بينٌ مدليَ) البحار 41/ 293.

فهل يتلفظ أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام البذي ء؟ هل يخاطب امرأة بقوله: يا التي على هنها شي ء بين مدلي؟ وهل ينقل الصادق رضي الله عنه مثل هذا الكلام الباطل؟ لو كانت هذه الروايات في كتب أهل السنة لأقمنا الدنيا ولم نُقعدها، ولفضحناهم شرَّ فضيحة، ولكن في كتبنا نحن الشيعة!

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من رواها عن الصادق عليه السلام بكار بن كردم، وهو مهمل في كتب الرجال، فلم يُذكَر لا بمدح ولا بقدح. وعيسى بن سليمان وهو مجهول الحال.

وروى الخبر عنهما عمر بن عبد العزيز، وهو إمامي مخلط كما قال النجاشي في


1- الكافي 7/ 422. تهذيب الأحكام 6/ 304. وسائل الشيعة 18/ 206. بحار الأنوار 40/ 303.

ص: 115

رجاله (1) 151، وروى الكشي عن الفضل بن شاذان أنه يروي المناكير (2) 152.

وأما من ناحية متن الرواية فلا يخفى أن أمثال هذه العبارات الواردة في الحديث لا غضاضة فيها على قائلها، لأنها ليست من الفحش في شي ء، وإنما كنّى أمير المؤمنين عليه السلام عن الفرج بالهن، وذكر أن عليه شيئاً بَيِّناً مُدَلَّى، والكناية من الأساليب المتعارفة في الكلام العربي التي لا يُعاب بها البلغاء والمتكلمون وإن كانت معانيها لا يحسن التصريح بها، وقد ورد في القرآن كنايات بأجمل الأساليب عن الفرج والجماع واللواط وقضاء الحاجة وغيرها، كما ورد في السنة النبوية كثير من أمثال هذه الأمور التي لا تخفى على أحد.

هذا مع أن هذه الحادثة مروية في كتاب (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني، وهو من حفَّاظ الحديث عند أهل السُّنة، فقد رواها بسنده عن جابر، عن أبي جعفر قال: بينما أمير المؤمنين في مسجد الكوفة إذ أتته امرأة تستعدي على زوجها، فقضى لزوجها عليها، فغضبت فقالت: والله ما الحق فيما قضيت، ولا تقضي بالسوية، ولا تعدل في الرعية، ولا قضيتك عند الله بالمرضية! فنظر إليها مليًّا، ثم قال: كذبتِ يا بَذِيَّة يا بذية، يا سلقلقة- أو يا سلقى-. فولَّت هاربة، فلحقها عمرو بن حريث فقال: لقد استقبلتِ عليًّا بكلام، ثم إنه نزعك بكلمة فوليتِ هاربة؟ قالت: إن عليًّا والله أخبرني بالحق وشي ء أكتمه من زوجي منذ ولي عصمتي. فرجع عمرو إلى أمير المؤمنين فأخبره بما قالت، وقال: يا أمير المؤمنين ما نعرفك بالكهانة. فقال: ويلك إنها ليست بكهانة مني، ولكن الله أنزل قرآناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ، فكان رسول الله هو المتوسِّم، وأنا من بعده، والأئمة من ذريتي بعدي هم المتوسِّمون، فلما تأمَّلتُها عرفتُ ما هي بسيماها (3) 153.


1- رجال النجاشي 2/ 127.
2- اختيار معرفة الرجال 2/ 748.
3- شواهد التنزيل 1/ 323.

ص: 116

ولئن استعظم الكاتب رواية مثل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام، واعتبره طعناً فيه، فإنهم رووا عن علي عليه السلام ما هو أفحش من هذا، فقد قال ابن الأثير في البداية: وفي حديث علي: عارضه رجل من الموالي، فقال: (اسكت يا ابن حمراء العِجَان)، أي يا ابن الأمة، والعِجَان ما بين القُبُل والدبر، وهي كلمة تقولها العرب في السب والذم (1) 154.

بل إن بعض أحاديث أهل السنة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفحش ما يجب تنزيهه عنه:

منها: ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن أُبَي رضي الله عنه أن رجلًا اعتزى فأَعَضَّه أُبَي بِهَنِ أبيه (2) 155، فقالوا: ما كنت فحَّاشاً. قال: إنا أُمِرْنا بذلك (3) 156.

ومنها: ما أخرجه أحمد في المسند أيضاً بسنده عن أبي بن كعب أن رجلًا اعتزى بعزاء الجاهلية، فأَعَضَّه ولم يُكْنِه، فنظر القوم إليه، فقال للقوم: إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لم أستطع إلا أن أقول هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا سمعتم من يعتزى بعزاء الجاهلية فأَعِضُّوه ولا تَكْنُوا.

وعن أبي بن كعب قال: رأيت رجلًا تعزى عند أبي بعزاء الجاهلية، افتخر بأبيه فأعضه بأبيه ولم يُكْنِه. ثم قال لهم: أما إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لا أستطيع إلا ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن تعزَّى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تَكْنُوا. وعن الحسن عن عتي أن رجلًا تعزى بعزاء الجاهلية، فذكر الحديث، قال أبي: كنا نؤمر إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تَكْنُوا (4) 157.


1- النهاية في غريب الحديث 1/ 440.
2- أي قال له: اعضض بأَيْر أبيك. ولم يُكَنِّ عن الأير بالهن، تنكيلًا له وتأديباً. انظر النهاية في غريب الحديث 3/ 252، ولسان العرب 7/ 188.
3- مسند أحمد بن حنبل 5/ 133.
4- نفس المصدر 5/ 136. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 198، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 3: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

ص: 117

فهل يتعقَّل الكاتب أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بالتلفظ بالفحش بدون كناية مع إمكان النهي عن المنكر بلفظ لا فحش فيه، أو بفحش بالكناية؟!

قال الكاتب: وفي الاحتجاج للطبرسي أن فاطمة سلام الله عليها قالت لأمير المؤمنين رضي الله عنه: (يا ابن أبي طالب، ما اشتملت شيمة الجنين، وقعدت حجرة الظنين).

وأقول: مع التسليم بصحة الخبر فإن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تستنصر بأمير المؤمنين عليه السلام لينصرها على من ابتزها نحلتها بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقولها عليها السلام: (يا ابن أبي طالب) خطاب منها له تحثّه به على نصرتها، إذ تذكِّره بأبيه سلام الله عليه الذي لم يألُ جهداً ولم يدَّخر وسعاً في نصرة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضه الله إليه.

وقولها عليها السلام: (اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنّين) معناه: أنك جلست في منزلك مشتملًا كاشتمال الجنين، لا حول لك ولاطول بسبب قلة الأنصار، وقعدت عن طلب حقي كقعود الضعيف المتَّهم.

وقولها عليها السلام: (نقضتَ قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل) (1) 158 معناه أنك نازلت الأبطال، وخضت الأهوال، ولم تبالِ بكثرة الرجال، حتى نقضت شوكتهم، واليوم غُلبتَ من هؤلاء العُزَّل الضعفاء، وسلَّمت لهم الأمر ولم تنازعهم.

وقولها عليها السلام: (هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نُحَيْلة أبي، وبُلْغة ابنيَّ، لقد أجهر في


1- قوادم الطير مقاديم ريشه، والأجدل هو الصقر. والأعزل: الذي لا سلاح عنده.

ص: 118

خصامي، وألفيته ألدّ في كلامي) (1) 159 معناه: وهذا أبو بكر قد سلبني ما وهبني أبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه- تعني بذلك: فدكاً- التي يتبلَّغ ويكتفي بها ولداي الحسن والحسين عليهما السلام، ولقد وجدتُ أبا بكر قد أعلن في مخاصمتي وتجاهر بها، واشتد في الكلام معي.

وقولها عليها السلام: (حتى حبستني قيلةُ (2) 160 نصرَها، والمهاجرةُ وصلَها، وغضَّتِ الجماعةُ دوني طرفَها، فلا دافع ولا مانع) معناه: أن بني قيلة وهم الأنصار حبسوا نصرهم عن فاطمة سلام الله عليها، والمهاجرين منعوها عونهم لها، وغضَّ المسلمون طرفهم دونها، فلم يقوموا لها بما يجب عليهم نحوها من النصرة، فلا دافع لما حصل عليها من الظلم، ولا مانع للقوم من ابتزاز نحلتها منها.

وقولها عليها السلام: (خرجتُ كاظمةً وعدتُ راغمة) معناه: أني خرجتُ من بيتي كاظمة غيضي، ومتجرعته وصابرة عليه، وعدتُ إلى بيتي راغمة منكسرة، لم أجد فيهم ناصراً ولا معيناً.

إلى آخر ما قالته سلام الله عليها في حث أمير المؤمنين عليه السلام على نصرتها ودفع الظلم عنها، والعمل على استرجاع ما سُلب منها.

وتشبيه قعود أمير المؤمنين باشتمال الجنين وقعود الظنين لا تريد به ذمّه عليه السلام أو تقريعه على ترك مجابهة القوم، لأنها عارفة بما آلت إليه الأحوال، وصارت إليه الأمور، ولكنها نفثة مصدور، وشقشقة مكلوم.

قال الكاتب: وروى الطبرسي في الاحتجاج أيضاً كيف أن عمر ومن معه


1- يبتزني: أي يأخذ مني ذلك بالقهر والغلبة. والنُحيلة: تصغير نِحلة، وهي الهبة والعطية بطيب نفس. والبُلْغة: هي ما يُكتفى به من العيش. وابنيَّ: المراد بهما الحسنان. وألفيته: أي وجدته. والألد: هو الشديد.
2- قيلة: اسم أم قبيلتي الأنصار، والمراد بنو قيلة، وهم الأنصار. ووصلها: عونها.

ص: 119

اقتادوا أمير المؤمنين رضي الله عنه والحبل في عنقه وهم يجرونه جراً حتى انتهى به إلى أبي بكر، ثم نادى بقوله: ابن أُم، إن القوم استضعفوني وكادوا يَقْتُلونَنِي!!

ونحن نسأل يا ترى أكان أمير المؤمنين جباناً إلى هذا الحد؟

وأقول: وهل عدم محاربة القوم، والصبر على ما صدر منهم من أذى يُعَدُّ ضعفاً وجُبناً؟! أو يعتبر تعقُّلًا وحكمة.

لقد كان الحال يدور بين أمرين: إما أن يحاربهم أمير المؤمنين عليه السلام، فيفنيهم ويستأصل شأفتهم، أو يترك محاربتهم ويصبر على ما يترتب على ذلك من تبعات.

وبما أنه عليه السلام كان يعلم ما سيترتب على الحرب من ذهاب الإسلام وضياع أحكامه، فإن الحكمة كانت تقتضي ترك منابذتهم، والتسليم لهم، فإن ذلك أخف الضررين، ولهذا قال عليه السلام في خطبته الشقشقية: (فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً).

ومما قلناه يتبيَّن أن ما وقع من جرِّ أمير المؤمنين عليه السلام بحمائل سيفه لم يكن عن جبن منه عليه السلام، ولا عن خوف أو ضعف عن منازلة القوم كما ذكره الكاتب في كلامه.

هذا مع أن هجوم القوم على بيت فاطمة عليها السلام وكشفه قد اعترف به أبو بكر عند وفاته كما جاء في بعض الأخبار ونص عليه بعض المؤرخين.

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر قال في مرضه الذي توفي فيه: أما إني لا آسي على شي ء إلا على ثلاث فعلتهن وددتُ أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددتُ أني فعلتهن، وثلاث وددتُ أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن، فأما الثلاث التي وددت أني لم أفعلهن، فوددتُ أني لم أكن كشفتُ بيت فاطمة، وتركتُه وإن أغلق عليَّ الحرب ... الحديث (1) 161.


1- المعجم الكبير للطبراني 1/ 62. مجمع الزوائد 5/ 202. الأحاديث المختارة 1/ 88 وقال الضياء المقدسي: وهذا حديث حسن عن أبي بكر، إلا أنه ليس فيه شي ء من قول النبي صلى الله عليه وسلم. كنز العمال 5/ 631 وقال: إنه حديث حسن، إلا أنه ليس فيه شي ء عن النبي صلى الله عليه وسلم. تاريخ مدينة دمشق 30/ 418- 423. تاريخ الطبري 2/ 619. الإمامة والسياسة، ص 18. مروج الذهب 2/ 301.

ص: 120

وذكر هجوم القوم على بيت فاطمة عليها السلام أيضاً جملة من أعلام أهل السنة:

فقد قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: وإن أبا بكر رضي الله عنه تفقَّد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجُنَّ أو لأحرقنَّها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة! فقال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلاعليًّا.

إلى أن قال: ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقّوا الباب، فلما سمعتْ أصواتهم نادتْ بأعلى صوتها: يا أبتِ يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ... وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليًّا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايِع. فقال: إن أنا لم أفعل فَمَهْ؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله؟ قال عمر: أما عبد الله فنَعَم، وأما أخو رسوله فلا. وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أُكْرِهُه على شي ء ما كانت فاطمة إلى جنبه. فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي، وينادي: يا بن أُمّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (1) 162.

وقال أبو الفداء في تاريخه: ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومَن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقال: إن أبَوا عليك فقاتلهم. فأقبل عمر بشي ء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة رضي الله عنهاوقالت: إلى أين يا ابن


1- الإمامة والسياسة، ص 12، 13.

ص: 121

الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أوْ تدخلوا فيما دخل فيه الأمة ... (1) 163.

ونظم هذا المعنى الشاعر المصري حافظ إبراهيم، فقال:

وقولةٍ لعليٍّ قالَها عُمَرٌأكرِمْ بسامِعِها أعظِمْ بملقيها

حرَّقتُ دارَك لا أُبقي عليك بهاإنْ لم تبايِعْ وبنتُ المصطفى فيها

ما كانَ غيرُ أبي حفصٍ يَفُوهُ بهاأمامَ فارسِ عدنانٍ وحاميها (2) 164.

واعترف ابن تيمية بأن أبا بكر قد كبس بيت فاطمة سلام الله عليها، إلا أنه علَّله بما يُضحك الثكلى، فقال: نحن نعلم يقيناً أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشي ء من الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلِّف عن بيعته أولًا وآخراً، وغاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شي ء من مال الله الذي يقسمه، وأن يعطيه لمستحقه، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفي ء (3) 165. ومن يتتبَّع كتب التاريخ يجد فيها الكثير مما دلَّ على كشف القوم لبيت فاطمةعليها السلام.

والعجيب أن الكاتب اعتبر كلمة أمير المؤمنين عليه السلام: (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) جُبناً وضعفاً، مع أنها مقتبسة من كلمة نبي الله هارون عليه السلام حين عاتبه موسى عليه السلام بعد مجيئه من الميقات، فلا ندري هل يعتبر الكاتب هارون عليه السلام جباناً أيضاً لما ترك منابذة السامري وأتباعه، وخاف على نفسه من القتل؟!

قال الكاتب: وانظر وصفهم لأمير المؤمنين رضي الله عنه إذ قالت فاطمة عنه: (إن


1- تاريخ أبي الفداء 1/ 219.
2- ديوان حافظ إبراهيم، ص 82.
3- منهاج السنة 4/ 343.

ص: 122

نساء قريش تحدثني عنه أنه رجل دِحداح البطن، طويل الذراعين، ضخم الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبه مشاشاً كمشاش البعير، ضاحك السن، لا مال له) تفسير القمي 2/ 336.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن علي بن إبراهيم قال: ومن الرد على من أنكر خلقة الجنة والنار أيضاً ما حدثني أبي عن بعض أصحابه رفعه، قال: كانت فاطمة عليها السلام لا يذكرها أحد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أعرض عنه ... الخ.

وهي رواية مرسلة مرفوعة، لا يصح الاحتجاج بها في شي ء، وكان ينبغي من مدّعي الفقاهة والاجتهاد أن يلتفت إلى ضعف الرواية بدلًا من الاحتجاج بها على الشيعة، ولكن يهوِّن الخطب أنه لا يميِّز بين الصحيح والضعيف، ولا يعرف المرسل والمرفوع من غيرهما.

وأما من ناحية المتن، فإن الخبر لو صحَّ فإن فاطمة سلام الله عليها كانت تقول: (إن نساء قريش تحدثني)، ولم يكن هذا من مقالها هي سلام الله عليها، ولعلها إنما قالت ذلك من أجل إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، لا من أجل كونها مصدِّقة به.

ولا بأس أن نأتي للصفات المذكورة، فنستعرضها واحدة واحدة، لنرى صفات الذم منها وغيرها، فنقول:

المراد بدحداح البطن: واسِعُه.

قال ابن الأثير في كتابه (النهاية في غريب الحديث): في حديث أسامة (كان له بطن مُنْدَحٌّ) أي متَّسع ... (1) 166.

وهذه ليست صفة ذم في الرجال، ولهذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يُسمَّى الأنزع البطين، بل كان سلام الله عليه يفتخر بذلك.

قال عبد الباقي العمري:


1- النهاية في غريب الحديث 2/ 103.

ص: 123

وأنتَ ذاك البَطِينُ الممتلي حِكَماً.

معشارُها فلَكُ الأفلاكِ ما وسِعا وأنتَ ذاك الهِزَبْرُ الأنزعُ البطلُ ال--- ذي بمخلبِه للشركِ قد نَزَعا (1) 167 صلى الله عليه وآله

وضخم الكراديس: قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: هي رؤوس العظام، واحدها كردوس. وقيل: هي ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين، أراد أنه ضخم الأعضاء (2) 168. وهي أيضاً ليست صفة ذم، فقد روى أهل السنة أنها من صفات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الترمذي في سننه بسنده عن علي رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس، ضخم الكراديس ... (3) 169.

والأنزع: هو الذي انحسر الشعر عن مقدم رأسه، وهذا لا يُعد عيباً، وقد ورد في كتب أهل السنة وصف علي عليه السلام بأنه أصلع، وهو أكثر من الأنزع.

وأما عِظَم العينين فهي صفة مدح، وقد وُصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فيما أخرجه ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمد بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الهامة، عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العينين حمرة، كث اللحية، أزهر اللون، إذا مشى تكفَّأ كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعاً، شثن الكفين والقدمين (4) 170.

وأما قوله: (لمنكبه مشاش كمشاش البعير)، فمعناه أنه عليه السلام عظيم المشاش،


1- الترياق الفاروقي، ص 96.
2- تحفة الأحوذي 10/ 81.
3- سنن الترمذي 5/ 598 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وانظر مسند أحمد 1/ 96، 116، 117، 127، 134، والمستدرك 2/ 662، ط حيدرآباد 2/ 606 وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. ومسند أبي داود الطيالسي، ص 25.
4- الطبقات الكبرى 1/ 410.

ص: 124

والمشاش هي رؤوس العظام كالمرفقين والكفين والركبتين، والمشاشة ما أشرف من عظم المنكب (1) 171، وهي صفة مدح، ولهذا وصف بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أنه جليل المشاش.

فقد أخرج ابن سعد في الطبقات عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال: كان علي إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لم يكن بالطويل الممغط، ولا بالقصير المتردد، كان رَبْعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط، كان جعداً رجلًا، ولم يكن بالمطهَّم ولا المكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين ... (2) 172.

والعجيب ممن يعيب الشيعة بمثل هذه الرواية الضعيفة ويتعامى عن الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة، وفيها وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفات غير حسنة.

منها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم واسع الفم، فيما رواه الترمذي بسنده عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوش العقب. قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: واسع الفم ... (3) 173.

ومنها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم حمش الساقين، أي دقيقهما، فقد أخرج الترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسّماً، وكان في ساقيه حموشة ... (4) 174.

وهي من صفات الذم عندهم.


1- راجع لسان العرب 6/ 347.
2- الطبقات الكبرى 1/ 411.
3- سنن الترمذي 5/ 603، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
4- سنن الترمذي 5/ 603، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. المستدرك 2/ 662، ط حيدرآباد 2/ 606 صحّحه الحاكم. و كذا في البداية والنهاية 6/ 19.

ص: 125

قال ابن الأثير في النهاية: ومنه حديث هند، قالت لأبي سفيان يوم الفتح: اقتلوا الحَمِيت الأحمش. هكذا جاء في رواية، قالته له في معرض الذم (1) 175.

ومنها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم عظيم الهامة ضخم الرأس، وقد مرَّ فيما أخرجه ابن سعد.

وأخرج أحمد في المسند بسنده عن علي عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس عظيم العينين ... (2) 176.

ومنها: أن على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبوة، وهو مثل بيضة النعامة، فقد أخرج مسلم وغيره بسنده عن جابر بن سمرة، قال: رأيت خاتماً في ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأنه بيضة حمام (3) 177.

وفي حديث آخر رواه البخاري ومسلم عن السائب بن يزيد قال فيه: ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه، مثل زر الحجلة (4) 178.

وفسره في حاشية صحيح مسلم بأن الحجلة واحدة الحجال، وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى. وقال: هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور. وقال بعضهم: المراد بالحجلة الطائر المعروف، وزرها بيضها. وأشار إليه الترمذي، وأنكره العلماء.

وفي حديث آخر رواه مسلم أيضاً عن عبد الله بن سرجس، جاء فيه: ثم دُرْتُ خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، عند ناغض كتفه اليسرى، جُمعاً، عليه خيلان، كأمثال الثآليل.


1- النهاية في غريب الحديث 1/ 441. ومثله في لسان العرب 6/ 288.
2- مسند أحمد 1/ 89، 96، 101، 127. سنن الترمذي 5/ 598 وقال: هذا حديث حسن صحيح. المستدرك 2/ 662 ط حيدرآباد 2/ 606 وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. البداية والنهاية 6/ 17.
3- صحيح مسلم 4/ 1823. المستدرك 2/ 663، ط حيدرآباد 2/ 606 صحّحه الحاكم وقال: على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. الطبقات الكبرى 1/ 425.
4- صحيح البخاري 1/ 86، 4/ 1816. صحيح مسلم 4/ 1823.

ص: 126

وفسّره في الحاشية بأنه كجمع الكف بعد أن تُجمع الأصابع وتُضَم، وعليه خيلان وهي الشامات في الجسد، كأمثال الثآليل، وهي حبيبات تعلو الجسد.

وفي صحيح ابن حبان عن جابر بن سمرة أنه قال: فرأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة النعامة يشبه جسده (1) 179.

وعن ابن عمر، قال: كان خاتم النبوة في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البُنْدقة من لحم، عليه مكتوب: محمد رسول الله (2) 180.

ومنها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم مشرب العينين حمرة، وقد مرَّ فيما أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، وأخرج كذلك قول الحبر فيه: في عينيه حمرة (3) 181.

ومنها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان كثير العَرَق، فقد أخرج ابن سعد بسنده عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم القدمين، كثير العَرَق، لم أرَ بعده مثله (4) 182.

قال الكاتب: (أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة، فرفعني فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين في عينه اطرغشاش (يعني لين في عينه) مقاتل الطالبين كذا.

فهل كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين رضي الله عنه؟؟

وأقول: كل الصفات التي ذُكرت في هذا الحديث ليست من صفات الذم كما تصوَّرها الكاتب.


1- صحيح ابن حبان 14/ 206.
2- نفس المصدر 14/ 210.
3- الطبقات الكبرى 1/ 412.
4- المصدر السابق 1/ 414.

ص: 127

والاطرغشاش هو البرء والاندمال كما ذكره ابن منظور في لسان العرب (1) 183، ولعل المراد هو أن عليها آثار البرء.

ولعلها آثار برء الرمد الذي أصاب عين علي عليه السلام لما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطي الراية لرجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.

فأبقى الله سبحانه (الاطرغشاش) من أجل الإبقاء على هذه الفضيلة التي تدل بأوضح دلالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على غيره.

فلا ندري بعد هذا ما هو وجه العيب فيها؟!

ومن الواضح أن (مقاتل الطالبيين)- بياءين لا بياء واحدة كما كتبها مدَّعي الاجتهاد- ليس من كتب الشيعة، وإنما هو كتاب أبي الفرج الأصفهاني الأموي، فيا عجباً من هذا العالم النحرير الذي لا يعرف حال أبي الفرج الأصفهاني!!

ثم إن هذه الصفات التي ظن الكاتب أنها من صفات الذم قد ذُكرت أيضاً في كتب أهل السنة في وصف أمير المؤمنين عليه السلام.

فقد أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد في باب صفة أمير المؤمنين عليه السلام عن أبي إسحاق قال: خرجت مع أبي إلى الجمعة وأنا غلام، فلما خرج علي فصعد المنبر قال لي أبي: قم أي عمر، فانظر إلى أمير المؤمنين. قال: فقمت فإذا هو قائم على المنبر، فإذا هو أبيض اللحية والرأس، عليه إزار ورداء، ليس عليه قميص. قال: فما رأيته جلس على المنبر حتى نزل عنه. قلت لأبي إسحاق: هل قنت؟ قال: لا. وفي رواية: لم أره خضب لحيته، ضخم الرأس. رواه الطبراني بأسانيد، ورجاله رجال الصحيح.

وعن شعبة قال: سألت أبا إسحاق: أنت أكبر من الشعبي؟ قال: الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين. قال: ورأى أبو إسحاق عليًّا، وكان يصفه لنا عظيم البطن، أجلح، قال شعبة: وكان أبو إسحاق أكبر من أبي البختري، ولم يدرك أبو البختري


1- لسان العرب 6/ 311.

ص: 128

عليًّا ولم يره. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

وعن أبي رجاء العطاردي قال: رأيت عليًّا سمتاً أصلع الشعر، كأن بجانبه إهاب شاة. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ...

وعن الواقدي قال: يقال كان علي بن أبى طالب آدم، ربعة، مسمناً، ضخم المنكبين، طويل اللحية، أصلع، عظيم البطن، غليظ العينين، أبيض الرأس واللحية. رواه الطبراني ورجاله إلى الواقدي ثقات (1) 184.

وعن أبي إسحاق: أن عليًّا لما تزوج فاطمة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: زوَّجتَنيه أُعَيْمِش عظيم البطن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد زوجتُكه وإنه لأول أصحابي سِلْماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.

قال الهيثمي: رواه الطبراني، وهو مرسل صحيح الإسناد (2) 185.

فماذا يقول مدعي الفقاهة والاجتهاد بعد كل ما نقلناه؟! ألا يرى أن كل تلك الصفات مذكورة بعينها في كتب أهل السنة؟! فهل يسلِّم بأن أهل السنة يطعنون في أمير المؤمنين عليه السلام ويعيبونه؟! أو أنه يرى أن باء أهل السنة تجر، وباء الشيعة لا تجر؟!

قال الكاتب: نكتفي بهذا القدر لننتقل إلى روايات تتعلق بفاطمة سلام الله عليها:

روى أبو جعفر الكليني في أصول الكافي أن فاطمة أخذت بتلابيب عمر، فجذبته إليها، وفي كتاب سليم بن قيس (أنها سلام الله عليها تقدَّمت إلى أبي بكر وعمر في قضية فَدَك، وتشاجرت معهما، وتكلمت في وسط الناس وصاحت، وجمع


1- مجمع الزوائد 9/ 100.
2- مجمع الزوائد 9/ 101. المصنف لعبد الرزاق 5/ 341. المعجم الكبير للطبراني 1/ 94.

ص: 129

الناس لها) ص 253.

فهل كانت عرمة (1) 186 حتى تفعل هذا؟

وأقول: أما رواية الكليني المذكورة فهي ضعيفة السند، فإن راويهاهو عبد الله ابن محمد الجعفي، وهو ضعيف ضعَّفه النجاشي في رجاله (2) 187.

ومن رواة هذا الخبر صالح بن عقبة، وهو لم يثبت توثيقه، بل ضعَّفه ابن الغضائري، حيث قال: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، غالٍ كذاب لا يُلتفت إليه (3) 188.

فإذا كانت الرواية بهذا الحال فكيف يصح لمدَّعي الفقاهة والاجتهاد أن يحتج بها على الشيعة؟!

ثم ما باله حذف من الرواية كل ما يمس القوم، فجاء بها مبتورة هكذا؟! ولا بأس بنقل الرواية كاملة، ليعلم القارئ ما أصاب الرواية من التحريف والتزوير.

فقد رواها الكليني بسنده عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: إن فاطمة عليها السلام- لما أن كان من أمرهم ما كان- أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها، ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء مَنْ لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة (4) 189.

وأما أخذ الزهراء عليها السلام بتلابيب عمر فقد أفاد المجلسي قدس سره في مرآة العقول أنه إنما كان للضرورة الملحّة، من أجل إنقاذ حياة أمير المؤمنين عليه السلام من أيدي القوم المجتمعين عليه، وهو واجب على كل الخلق ...

وأما ما نقله عن كتاب سليم بن قيس من أن الزهراء سلام الله عليها تشاجرت


1- أي شَرِسة.
2- رجال النجاشي، ص 159 ط حجرية. وراجع معجم رجال الحديث 10/ 314.
3- الرجال لابن الغضائري، ص 69.
4- الكافي 1/ 460.

ص: 130

مع أبي بكر وعمر، وتكلَّمت في وسط الناس وصاحت، فهو تحريف للكلام عن مواضعه. وإليك نصه:

قال: قالت فاطمة عليها السلام لهما- حين أراد انتزاعها وهي في يدها-: أليست في يدي وفيها وكيلي، وقد أكلتُ غلَّتها ورسول الله صلى الله عليه وآله حي؟ قالا: بلى. قالت: فلمَ تسألني البينة على ما في يدي؟ قالا: لأنها في ء المسلمين، فإن قامت بيِّنة وإلا لم نمضها. قالت لهما- والناس حولهما يسمعون-: أفتريدان أن تردَّا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله، وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها، أرأيتما إن ادَّعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم؟ قالا: بل نسألك. قالت: فإن ادَّعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني؟ فغضب عمر وقال: إن هذا في ء للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلَّتها، فإن أقامت بينة على ما ادَّعتْ أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين- وهي فيئهم وحقهم- نظرنا في ذلك. فقالت: حسبي! أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله. قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدَّعي الباطل، وتأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا عليَّ بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدِّقين عليَّ؟ فأما أبو بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعم، ونوقع عليك الحد. فقالت: كذبت ولؤمت، إلا أن تقر أنك لستَ على دين محمد صلى الله عليه وآله. إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدًّا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، لأن مَن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً لا تجوز عليهم شهادة، لأنهم معصومون من كل سوء، مطهَّرون من كل فاحشة. حدِّثْني- يا عمر- مَنْ أهلُ هذه الآية؟ لو أن قوماً شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرأون منهم ويحدُّونهم؟ قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء. قالت: كذبت وكفرت، ما هم وسائر الناس في ذلك سواء، لأن الله عصمهم، ونزل عصمتهم

ص: 131

وتطهيرهم، وأذهب عنهم الرجس. فمن صدَّق عليهم فإنما يُكذِّب الله ورسوله. فقال أبو بكر: أقسمتُ عليك- يا عمر- لمَّا سكتَ (1) 190.

هذا ما جاء في كتاب سليم بن قيس من احتجاج سيِّدة نساء العالمين عليها السلام على أبي بكر وعمر في شأن فدك، فأين المشاجرة المكذوبة؟ وأين الصياح المزعوم؟!

قال الكاتب: وروى الكليني في الفروع أنها سلام الله عليها ما كانت راضيةبزواجها من علي رضي الله عنه إذ دخل عليها أبوها عليه السلام وهي تبكي، فقال لها: ما يُبكيكِ؟ فو الله لو كان في (أهلي) خير منه ما زَوَّجْتُكِه، وما أنا زَوَّجتُكِ ولكنَّ اللهَ زَوَّجَكِ.

وأقول: هذا الحديث لا يدل على عدم رضا سيّدة النساء عليها السلام بزواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، ولعل بكاءها سلام الله عليها لفراق بيت والدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لما سيصيبها من الشدائد والمصائب التي ستشارك فيها أمير المؤمنين عليه السلام.

أو أنها سلام الله عليها بكت ليلة زفافها حياءاً، كما دلَّت على ذلك بعض الأخبار، فقد أخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنَّفه بسنده عن ابن عباس في حديث طويل قال: فأقبلت فاطمة عليها السلام فلما رأت عليًّا جالساً إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم خفرت (2) 191 وبكت، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بكاؤها لأن عليًّا لا مال له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فما ألوتُك في نفسي، وقد طلبتُ لك خير أهلي، والذي نفسي بيده لقد زوجتكه سعيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحين (3) 192.

فهذا الحديث يوضح ما هناك، ولهذا لا نجد في كلماتها سلام الله عليها ما يدل


1- كتاب سليم بن قيس، ص 226.
2- أي استحيت أشد الحياء.
3- المصنف لعبد الرزاق 5/ 340، ط أخرى 5/ 488.

ص: 132

على أنها كانت كارهة لزواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، أو متبرِّمة منه.

وكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت من أجل التسرية عنها، ببيان أن عليًّا عليه السلام هو خير الناس بعده، وأن الله سبحانه هو الذي اختاره لها.

وستأتي أحاديث أخر رواها أهل السنة بهذا المضمون، فانتظر.

قال الكاتب: ولما دخل عليها أبوها صلوات الله عليه ومعه بريده: لمَا أَبصرتْ أباها دمعت عيناها، قال ما يبكيك يا بنيتي؟ قالت: (قِلَّةُ الطعم، وكثرةُ الهَمِّ، وشِدَّةُ الغَمِّ)، وقالت في رواية: (والله لقد اشتد حزني، واشتدت فاقَتِي، وطال سَقمي) كشف الغمة 1/ 149- 150.

وأقول: أما الحديث الأول فقد أخرجه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة، بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم بنا يا بريدة نعود فاطمة. قال: فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها ودمعت عيناها. قال: ما يبكيك يا بنية؟ قالت: قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة السقم. قال: أما والله لما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين أني زوَّجتك أقدمهم سِلْماً، وأكثرهم عِلماً، وأفضلهم حِلماً؟ والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة (1) 193.

وأما الحديث الثاني فقد أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في المعجم الكبير بسندهما عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل لك في فاطمة نعودها؟ فقلت: نعم. فقام متوكئاً عليَّ، فقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك، ويكون أجرها لك. قال فكأنه لم يكن عليَّ شي ء، حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام، فقال: كيف نجدك؟ فقالت: والله لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي. قال عبد الله وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال: أما ترضين أن أزوِّجك أقدم


1- فضائل الصحابة 2/ 764.

ص: 133

أمتي سِلْماً، وأكثرهم عِلْماً، وأعظمهم حِلْماً (1) 194.

وأود أن ألفت النظر إلى أن الإربلي أورد هذين الحديثين في كتابه (كشف الغمة) 1/ 147- 148، وصرَّح بنقل الحديث الأول عن مناقب الخوارزمي، والحديث الثاني عن مسند أحمد. فلا أدري كيف سوَّغ الكاتب لنفسه أن يكذب على القارئ، ويوهمه بأن هذين الحديثين من مرويات الشيعة في كتبهم التي طعنوا بها في سيِّدة النساء؟!

هذا مع أن فاطمة سلام الله عليها إنما كانت تشكو لأبيها الفاقةوالهم والسقم، وهذا لا ارتباط له بأمير المؤمنين سلام الله عليه، ولادلالة في كلامها سلام الله عليها على عدم رضاها بزواجها منه بأيةدلالة.

قال الكاتب: وقد وصفوا علياً رضي الله عنه وصفاً جامعاً فقالوا: (كان رضي الله عنه أسمر مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، خمش كذا الساقين، في عينه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة) مقاتل الطالبين كذا ص 27.

فإذا كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين كما يقولون، فكيف يمكن أَن ترضى به؟

وأقول: لقد قلنا فيما تقدم أن كتاب (مقاتل الطالبيين) ليس من كتب الشيعة، كما أوضحنا فيما مرَّ أن كل تلك الأوصاف ليست عيوباً تقتضي كراهية التزويج، فراجع.

هذا مع أن أهل السنة قد رووا كل تلك الصفات في كتبهم، وقد مرَّ ذكر


1- مسند أحمد 5/ 26. المعجم الكبير للطبراني 20/ 229. مجمع الزوائد 9/ 101، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان، وثقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات.

ص: 134

بعضها، وقد أخرج الطبراني وصفاً جامعاً في معجمه الكبير بسنده عن الواقدي، قال: يقال: كان علي بن أبي طالب آدم، ربعة، مسمناً، ضخم المنكبين، طويل اللحية، أصلع، عظيم البطن، غليظ العينين، أبيض الرأس واللحية (1) 195.

ونحن قد تكلمنا في أوصاف أمير المؤمنين عليه السلام آنفاً، فلا حاجة للإعادة والتكرار، وأوضحنا فيما مرَّ أن تلك الأوصاف كلها قد رواها أهل السنة في كتبهم، وأما ما روي من طريق الشيعة فإما أنه ضعيف السند، فلا يعول عليه، وإما أنه من المحاسن المعروفة، فراجع ما قلناه.

ولئن كان أمير المؤمنين عليه السلام متصفاً ببعض تلك الصفات كالصلع وبياض شعر الرأس واللحية، فإن ذلك إنما كان في أخريات أيّامه عليه السلام، لا في أوان شبابه ووقت تزويجه بسيِّدة النساء عليها السلام.

قال الكاتب: ونكتفي بهذه النصوص حرصاً على عدم الإطالة، وكانت الرغبة أن ننقل ما ورد من نصوص بحق كل واحد من الأئمة عليهم السلام، ثم عَدلْنا عن ذلك إلى الاكتفاء بخمس روايات وردت بحق كل واحد، ثم رأينا أن الأمر أيضاً يطول إذ نقلنا خمس روايات وردت بحق النبي صلوات الله عليه، وخمساً أخرى بحق أمير المؤمنين، وخمساً أخرى بحق فاطمة سلام الله عليها، فاستغرق ذلك صفحات عديدة، لذلك سنحاول أن نختصر أكثر حتى نَطَّلعَ على خفايا أكثر.

نقل الكليني في الأصول من الكافي: أن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وآله فقال له: يا محمد، إن الله يبشرك بمولود يُولَد من فاطمة، تقتله أُمَّتُكَ من بعدك فقال: «يا جبريل، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود يُولَدُ من فاطمة تقتله أمتي من بعدي»، فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك: «يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي


1- المعجم الكبير للطبراني 1/ 94.

ص: 135

من بعدي»، فعرج جبريل إلى السماء، ثم هبط فقال: يا محمد إن ربك يُقرِئُكَ السلام، ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: إني رضيت. ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يُولَدُ لك تقتلُه أمتي من بعدي، فأرسلتْ إليه أن لا حاجة لي في مولود تقتله أُمَّتُك من بعدك، وأرسل إليها أن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه: إني رضيت. فحملته كُرْهاً .. ووضعَتْه كرهاً، ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يُؤْتَى (1) 196 بالنبي صلى الله عليه وآله فيضع إبهامه في فيه فيمص ما يكفيه اليومين والثلاث.

أقول: هذا الحديث ضعيف السند بالإرسال، فإن الكليني رحمه الله رواه عن محمدبن يحيى، عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام.

فهل يُتوقَّع من فقيه حاز رتبة الاجتهاد ألا يلتفت لضعف هذا الحديث مع وضوح إرساله حتى لصغار طلبة العلم؟!

قال الكاتب: ولست أدري هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يَرُدُّ أمراً بَشَّرَهُ الله به؟ وهل كانت الزهراء سلام الله عليها ترد أمراً قد قضاه الله وأراد تبشيرها به، فتقول (لا حاجة لي به)؟ وهل حملت بالحسين وهي كارهة له، ووضعته وهي كارهة له؟ وهل امتنعت عن إرضاعه حتى كان يُؤْتَى بالنبي كذا صلوات الله عليه ليرضعه من إبهامه ما يكفيه اليومين والثلاثة؟

وأقول: بعد أن تبين ضعف الحديث فالكلام فيه كله فضول، ولكنا مع ذلك نجيبه على سؤاله الأول بأن الحديث لا دلالة فيه على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردَّ أمراً قضاه الله وقدَّره، ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم أن الأمر لم يكن حتمياً، أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أحبَّ أن تتدخل


1- في المصدر: يؤتى به النبي.

ص: 136

القدرة الإلهية لمنع ولادة ذلك المولود، أو أراد صلى الله عليه وآله وسلم بيان عظم ألَمِه بما سيجري على الحسين عليه السلام، أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد إيضاح أن مولوداً يقتله الناس لا حاجة له فيه، فلما أُخبر بأن الأئمة عليهم السلام سيكونون من ذرّيته رضي، وعلم أنه مولود مبارك.

قال المجلسي قدس سره: والظاهر أن الإرسال والتبشير من الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانا على وجه التخيير لا الحتم، حتى يكون ردّهما ردًّا على الله (1) 197.

وكل ما قلناه في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي بعينه في قول الزهراء عليها السلام حرفاً بحرف.

وجواب سؤاله الثاني هو أن سيّدة النساء سلام الله عليها حملت بالحسين عليه السلام ووضعته وهي كارهة ما سيجري عليه من القتل، لا أنها كانت كارهة له سلام الله عليه، فبين الأمرين فرق واضح.

ولعل المراد بأن فاطمة سلام الله عليها حملت بالحسين عليه السلام كرهاً ووضعته كرهاً هو عين ما يصيب النساء من مشقة الحمل والوضع.

قال ابن كثير في تفسيره: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا أي قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعباً من وحم وغثيان وثقل وكرب إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة، وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدَّته (2) 198.

وأما السبب الذي من أجله لم ترضع فاطمة الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين عليه السلام فهو أمر لم نحط به ولا نعرفه، ولعل هناك حكمة اقتضت ذلك نحن لا نعلم بها، فليس كل خبر وصل إلينا.

ولعل الحكمة في ذلك هو أن الله سبحانه أراد أن ينبت لحم الحسين عليه السلام ويشتد عظمه من بركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا مع أن أهل السنة رووا أن التي أرضعت الحسن أو الحسين عليهما السلام هي أم


1- مرآة العقول 5/ 364.
2- تفسير القرآن العظيم 4/ 157.

ص: 137

الفضل، فقد أخرج ابن ماجة وأحمد والحاكم وغيرهم بأسانيدهم عن قابوس، قال: قالت أم الفضل: يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضائك. قال: خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فترضعيه. فولدت حسيناً أو حسناً، فأرضعته بلبن قُثَم ... (1) 199.

وأخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس عن أم الفضل رضي الله عنها، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أرضع الحسين بن علي بلبن ابنٍ كان يقال له قُثَم. قالت: فتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناولته إياه فبال عليه، قالت: فأهويتُ بيدي إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرمي ابني. قالت: فرشَّه بالماء (2) 200.

وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إصبعه للحسين عليه السلام ليرضع منه فإن ذلك- لو سلَّمنا بصحة الحديث- إنما وقع بنحو الإعجاز والكرامة للحسين عليه السلام لينبت لحمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا محذور فيه، ولا سيما أن أهل السنة جوَّزوا نبوع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى سقى جيشاً يبلغ ألفاً وخمسمائة رجل.

فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: عطش الناس يوم الحديبية، والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ، فجهش الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك. فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة (3) 201.

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما- واللفظ لمسلم- بسندهما عن أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء (قال: والزوراء بالمدينة عند


1- سنن ابن ماجة 2/ 1293. مسند أحمد 6/ 339، 340. المعجم الكبير للطبراني 3/ 5، 25. 9/ 25- 27. وراجع المستدرك 3/ 194، ط حيدرآباد 3/ 176. مسند أبي يعلى 6/ 140. الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 278، 279.
2- المستدرك 3/ 194.
3- صحيح البخاري 3/ 1105. صحيح ابن خزيمة 1/ 66. صحيح ابن حبان 14/ 480.

ص: 138

السوق والمسجد فيما ثمة)، دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفَّه فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة (1) 202.

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء، فأُتِيَ بقدح رَحْرَاح (2) 203 فيه شي ء من ماء، فوضع أصابعه فيه، قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. قال أنس: فحَزَرْتُ مَن توضَّأ ما بين السبعين إلى الثمانين (3) 204.

والأحاديث في ذلك كثيرة جداً رواها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرهم، ولا حاجة لنقلها بعد رواية البخاري ومسلم لها (4) 205.

بل إن القوم رووا أن الناس أكلوا من بين أصابعه الشريفة، فقد أخرج الطبراني في الكبير وأبو عوانة في سننه وغيرهما، عن أنس في حديث طويل قال: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اجمعوا ما عندكم، ثم قرِّبوه. وجلس مَن معه بالسدة، فقربنا ما كان عندنا من خبز وتمر، فجعلناه على حصيرنا، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: أَدخِل عليَّ ثمانية. فأدخلنا عليه

(5) 206.


1- صحيح البخاري 3/ 1104. صحيح مسلم 4/ 1783.
2- هو القدح الواسع القصير الجدار.
3- صحيح البخاري 1/ 88.
4- راجع سنن الترمذي 5/ 596، 597. مسند أحمد 1/ 460، 3/ 106، 132، 139، 147، 215، 289، 329، 353، 365. سنن النسائي 1/ 64، 65. ط أخرى 1/ 60، 61. سنن الدارمي 1/ 18- 20. صحيح ابن حبان 14/ 476- 484. الموطأ، ص 24. الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 178- 179، 182، 2/ 98. صحيح ابن خزيمة 1/ 65، 74، 102. مسند أبي عوانة 4/ 428، 5/ 137. السنن الصغرى للبيهقي 1/ 34. مجمع الزوائد 8/ 299- 302، 9/ 9. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 30، 43. سنن الدارقطني 1/ 71. السنن الكبرى للنسائي 1/ 80، 81. المعجم الأوسط للطبراني 2/ 121. مسند الطيالسي، ص 239. وغيرها كثير.
5- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 139

ثمانية، وجعل كفَّه فوق الطعام وقال: كلوا وسمُّوا الله. فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أُدخِل عليه ثمانية، وقام الأولون ففعلت، ودخلوا عليه فأكلوا حتى شبعوا ... الحديث (1) 207.

فإذا جاز كل ذلك وتكرَّر منه صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ونحن لا نمنعه، فما المحذور في أن يتفجَّر من بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم ما يغتذي به ولده الحسين عليه السلام؟

قال الكاتب: إن سيِّدنا ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم من أن يقال بحقه مثل هذا الكلام، وهو أجل وأعظم من أن تكره أُمه حملَه ووضعَه. إن نساء الدنيا يتمنين أن تلد كل واحدة منهن عشرات الأولاد مثل الإمام الحسين سلام ربي عليه، فكيف يمكن للزهراء الطاهرة العفيفة أن تكره حمل الحسين، وتكره وَضْعَه، وتمتنع عن إرضاعه؟؟

وأقول: لقد أجبنا على ذلك بما فيه الكفاية، فلا حاجة للتكرار، ولكن أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن لفظة (سيِّدنا الحسين) ليست من الألفاظ المتعارفة عند الشيعة، بل هي من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة، وصدق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يُحمِّل النصوص ما لا تحتمل من المعاني السيِّئة والمحامل الباطلة، فلا أدري من أي عبارة في الحديث فهم أن الزهراء سلام الله عليها امتنعت من إرضاع ولدها الحسين عليه السلام؟ فإن الحديث ظاهر في أن الحسين عليه السلام لم يرضع من فاطمة عليها السلام ولا من أية أنثى، ولا يدل على امتناع الزهراء سلام الله عليها عن إرضاعه عليه السلام كما هو واضح.


1- المعجم الكبير 25/ 110. مسند أبي عوانة 5/ 181.

ص: 140

قال الكاتب: في جلسة ضمت عدداً من السادة وطلاب الحوزة العلمية تحدث الإمام الخوئي فيها عن موضوعات شتى ثم ختم كلامه بقوله: قاتل الله الكفرة، قلنا: مَن هم؟ قال: النواصب- أهل السنة- يسبون الحسين صلوات الله عليه بل يسبون أهل البيت!!

ماذا أقول للإمام الخوئي؟!

وأقول: مع ثبوت عدم وثاقة الناقل فإن كل القضايا التي لا مصدر لها إلا مجرد ادِّعاء المشاهدة لا قيمة لها عندنا.

هذا مع أن ما نقله عن السيد الخوئي قدَّس الله نفسه الشريفة بعيد عن أسلوبه وطريقة بحثه، بل هو بعيد عن صريح فتاواه بأن أهل السنة مسلمون، وهذا يعرفه كل تلامذته وكل من اطلع على آثاره وفتاواه.

فهل نترك ما نعلمه باليقين لمثل هذه النقولات التي لا يُعرف هوية ناقلها؟!

ثم إن السيد الخوئي لم تجر له عادة بأن يعقد أية جلسة خاصة بالسادة وطلاب الحوزة، وهذا أمر معروف عند كل من درس في الحوزة العلمية النجفية، إلا أن مدعي الفقاهة والاجتهاد ظن أن السيد الخوئي- باعتبار أنه زعيم الحوزة- لا بد أن يعقد مثل هذه الجلسات ليعطي تعليماته لتلاميذه وطلاب الحوزة، وهو وهم فاحش وخطأفادح.

ثم ما علاقة هذه الحادثة وما تقوَّله على السيِّد الخوئي بالموضوع الذي يتحدَّث فيه الكاتب، وهو طعن الشيعة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، ليسوغ له أن يحشر هذه الحادثة المكذوبة في البَيْن؟!

ص: 141

زواج عمر بأم كلثوم بنت علي عليه السلام:

قال الكاتب: لما زوج أمير المؤمنين رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، نقل أبو جعفر الكليني عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه قال في ذلك الزواج: (إن ذلك فَرْجٌ غُصِبْناهُ!!!) فروع الكافي 2/ 141.

ونسأل قائل هذا الكلام: هل تزوَّج عمر أُم كلثوم زواجاً شرعياً أم اغتصبها غَصْباً؟ إن الكلام المنسوب إلى الصادق رضي الله عنه واضح المعنى، فهل يقول أبو عبد الله مثل هذا الكلام الباطل عن ابنة المرتضى رضي الله عنه؟

ثم لو كان عمر اغتصب أم كلثوم، فكيف رضي أبوها أسَدُ الله وذو الفقار كذا، وفتى قريش بذلك؟!

وأقول: لقد وقع الخلاف في زواج عمر من أم كلثوم بنت علي عليه السلام وأنه هل وقع أم لا؟

فمنهم من نفى وقوعه، لتضارب الأخبار واختلاف متونها بدرجة شديدة جداً، ومنهم من ذهب إلى وقوع هذا الزواج.

فإذا قلنا بعدم وقوعه وأنه من أكاذيب الرواة ومدسوساتهم التي امتلأت بها الطوامير والأسفار، فكل إشكالات الكاتب لا تكون واردة، لأنها مبتنية على فرض وقوع مثل هذا الزواج.

وأما إذا قلنا بوقوع هذا الزواج كما هو الصحيح في رأينا، فلا يلزم أي محذور على أمير المؤمنين عليه السلام في أن يُكرهه عمر على تزويج ابنته أم كلثوم، ولا سيما إذا توعَّده عمر بالفرية والمكيدة، فإن الأمر يدور بين حفظ مقام الإمامة العظمى وبين تزويج ابنته، وحفظ مقام الإمامة أولى وأوجب.

فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن هشام بن سالم، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين عليه السلام: إنها صبيَّة. قال: فلقي العباس، فقال:

ص: 142

مالي؟ أبي بأس؟ فقال: وما ذاك؟ قال: خطبتُ إلى ابن أخيك فردَّني، أما والله لأُعوِّرَنّ زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمنَّ عليه شاهدين بأنه سرق، ولأقطعنَّ يمينه. فأتاه العباس فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه (1) 208.

ولا ريب في أن أعداء أمير المؤمنين عليه السلام كانوا كثيرين، وأن عمر كان قادراً على أن يجد في المنافقين والطلقاء والفسقة من يشهد زوراً على أمير المؤمنين عليه السلام بالسرقة، فيُقيم عليه حدّ السرقة ويقطع يده، فيصير ذلك سُبّة وعاراً على علي عليه السلام وأبنائه إلى قيام الساعة، وبذلك لا يمكن أن يصل أمير المؤمنين عليه السلام إلى الخلافة، بل تُمحى كل فضائله من دواوين المسلمين، وما روي منها لا يكون له أية قيمة، وحينئذ لا يستطيع أهل الحق أن يستدلوا على حقّهم بدليل، إلا ونقضه المخالفون بواقعة السرقة المزعومة.

فإذا جعلنا كل هذه الأمور في الاعتبار فلا مناص حينئذ لأمير المؤمنين عليه السلام من أن يوافق على زواج عمر من ابنته راغماً مكرَهاً.

ومما قلناه يتضح أن المسألة ليست مردَّدة بين الشجاعة والضعف حتى يصح ما قاله الكاتب من أن أمير المؤمنين عليه السلام هو أسد الله الغالب الذي لا يمكن قهره، ولا يخاف في الله لومة لائم، بل المسألة مرددة بين حفظ مقام الإمامة وبين حفظ ابنته من تزويجها بعمر.

ولا بأس بنقل ما أفاده الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية في هذه المسألة، حيث قال في جواب المسائل السروية: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر لم يثبت، وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متَّهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون، والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك


1- الكافي 5/ 346.

ص: 143

عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان عن اختيار وإيثار، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولداً سماه زيداً، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عَقِباً. ومنهم من يقول: إنه قُتل ولا عَقِب له. ومنهم من يقول: إنه وأمّه قُتلا. ومنهم من يقول: إن أمّه بقيت بعده. ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم. ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم. ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم. وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث.

ثم إنه لو صحَّ لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدِّمين على أمير المؤمنين عليه السلام: أحدهما: أن النكاح إنما هو على ظاهر الإسلام الذي هو الشهادتان، والصلاة إلى الكعبة، والإقرار بجملة الشريعة، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الإيمان، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الإسلام ضلالًا يخرجه عن الإيمان، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الإسلام زالت الكراهة من ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطراً إلى مناكحة الرجل، لأنه تهدده وتواعده، فلم يأمنه على نفسه وشيعته، فأجابه إلى ذلك ضرورة، كما أن مع الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر، وليس ذلك بأعجب من قول لوط هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (1) 209، فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفّار ضلّال، قد أذن الله تعالى في هلاكهم، وقد زوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام، أحدهما عتبة بن أبي لهب، والآخر أبو العاص بن الربيع، فلما بُعث صلى الله عليه وآله فرَّق بينهما وبين ابنتيه (2) 210.

أقول: بعد ورود النصوص الصحيحة الدالة على وقوع هذا الزواج، لا مناص من التسليم بوقوعه تبعاً لصريح النصوص، ولهذا قال المجلسي قدس سره: إنكار المفيد رحمه الله


1- سورة هود، الآية 78.
2- رسائل المفيد، ص 61- 63 (عن بحار الأنوار 42/ 107).

ص: 144

أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود ما مرَّ من الأخبار إنكار ذلك عجيب ...

إلى أن قال: والأصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار، ولا استبعاد في ذلك، فإن كثيراً من المحرَّمات تنقلب عند الضرورة وتصير من الواجبات، على أنه ثبت بالأخبار الصحيحة أن أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام كانوا قد أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله بما يجري عليهم من الظلم، وبما يجب عليهم فعله عند ذلك، فقد أباح الله تعالى له خصوص ذلك بنص الرسول صلى الله عليه وآله، وهذا مما يسكّن استبعاد الأوهام، والله يعلم حقائق أحكامه وحُجَجه عليهم السلام (1) 211.

قال الكاتب: عندما نقرأ في الروضة من الكافي 8/ 101 في حديث أبي بصير مع المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله تسأل عن (أبي بكر وعمر) فقال لها: تَوَلِّيهُمَا كذا، قالت: فأقول لربي إذا لِقُيتُه كذا انك أمرتني بولايتهما؟ قال نعم.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها معلى بن محمد، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل وصفه النجاشي بأنه مضطرب الحديث والمذهب (2) 212، ووصفه ابن الغضائري بأن حديثه يُعرَف ويُنكَر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرج شاهداً (3) 213.

فعليه تكون الرواية ساقطة من رأس، فلا يصح الاحتجاج بها.


1- بحار الأنوار 42/ 109.
2- رجال النجاشي 2/ 365.
3- رجال ابن الغضائري، ص 96.

ص: 145

قال الكاتب: فهل الذي يأمر بتولي عمر نتّهمه بأنه اغتصب امرأة من أهل البيت؟

وأقول: هذه العبارة ركيكة جداً، وتدل على خلاف مراده، فإن مراده هو: هل من أمرنا الإمام عليه السلام بتولِّيه- وهو عمر- نتهمه بأنه غصب امرأة من أهل البيت؟

وأما عبارته فمعناها: هل من يأمرنا بتولي عمر، وهو أبو عبد الله الصادق عليه السلام، نتّهمه بأنه اغتصب امرأة من أهل البيت؟

وكيف كان فلو ثبت أن هذه الرواية صحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام، ولا يعارضها غيرها، وأنه أمر أم خالد بتولي أبي بكر وعمر من دون خوف ولا تقية، فلا بد حينئذ من أن نحكم بأنهما إمامي هدى، ويجب علينا أن نتولّاهما، امتثالًا لأمر الإمام عليه السلام، ولكن الشأن كل الشأن في ثبوت كل ذلك، فإن الرواية ضعيفة، ولو سلمنا بصحَّتها فهي محمولة على التقية لمعارضتها بما هو أشهر وأصح سنداً، وأوضح دلالةً.

قال الكاتب: لما سألتُ الإمام الخوئي عن قول أبي عبد الله للمرأة بتولي أبي بكر وعمر، قال: إنما قال لها ذلك تَقِيَّة!!

وأقول للإمام الخوئي: إن المرأة كانت من شيعة أهل البيت، وأبو بصير من أصحاب الصادق رضي الله عنه، فما كان هناك موجب للقول بالتقية لو كان ذلك صحيحاً، فالحق أن هذا التبرير الذي قال به أبو القاسم الخوئي غيرصحيح.

وأقول: لو صحَّت الرواية فهي محمولة على التقية قطعاً، وذيل الرواية يدل على ذلك، ولا بأس بنقل تمام الرواية ليتضح للقارئ العزيز صحة ما قلناه.

قال الكليني رحمه الله: عن أبي بصير قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه، فقال أبو عبد الله

ص: 146

عليه السلام: أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم. قال: فأذن لها، قال: وأجلسني معه على الطنفسة (1) 214، قال: ثم دخلت فتكلمتْ فإذا امرأة بليغة، فسألتْه عنهما، فقال لها: تولّيهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم. قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوا يأمرني بولايتهما، فأيهما خير وأحب إليك؟ قال: هذا والله أحب إليَّ من كثير النوا وأصحابه، إن هذا يخاصم فيقول: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

قلت: إن قوله: (هذا والله أحب إليَّ من كثير النوا وأصحابه)، دال بأتم دلالة على أن براءة أبي بصير منهما لم تحط من قدره، وولاية كثير النوا وأصحابه لهما لم تُعْلِ من شأنهم عند الإمام عليه السلام، ولو كانا إمامَيْ هدى لكانت البراءة منهما قادحة، ولكان مَن يتولاهما خيراً ممن يتبرّأ منهما ويدعو الناس إلى ذلك.

وتقرير الإمام عليه السلام لاستدلال أبي بصير بالآيات الثلاث مشعر باعتقاد الإمام عليه السلام أن أبا بكر وعمر لم يحكما بما أنزل الله، فهما إما كافران أو ظالمان أو فاسقان، وهو استدلال واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح، ولكن الإمام سلام الله عليه لم يستطع التصريح بذلك لهذه المرأة، فاكتفى بالإشارة عن صريح العبارة.

وأما قول الكاتب: (إن أم خالد من الشيعة فكيف يتَّقي منها الإمام)، فهو عجيب من مدَّعي الفقاهة والاجتهاد، إذ كيف لا يعرف أن الإمام عليه السلام قد يتّقي من بعض شيعته خشية أن ينقلوا عنه كلامه لسلاطين الجور وأعوانهم مختارين أو مكرهين، ولهذا قال الإمام عليه السلام في رواية الكشي: فلما خرجَتْ قال: إني خشيتُ أن تذهب فتخبر كثير النوا، فتشهرني بالكوفة، اللهم إني إليك من كثير النوا بري ء في الدنيا والآخرة (2) 215.


1- هي البساط الذي له خمل رقيق.
2- رجال الكشي 2/ 511. ونقله عنه في بحار الأنوار 30/ 242.

ص: 147

قال الكاتب: وأمّا الحسن رضي الله عنه، فقد روى المفيد في الإرشاد عن أهل الكوفة أنهم: (شدوا على فسطاطه، وانتهبوه حتى أخذوا مُصَلَّاه من تحته، فبقي جالساً مُتَقَلِّداً السيفَ بغيرِ ردِاء) ص 190.

أيبقى الحسن رضي الله عنه بغير رداء مكشوف العورة أمام الناس؟ أهذه محبة؟

وأقول: عجيب من مدَّعي الفقاهة كيف لا يعرف معنى الرِّداء، فإن الرِّداء يعرفه حتى عوام الناس، وهو ما يوضع على الكتفين من الثياب، ومنه ما يُسمَّى الآن بالعباءة.

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: هو الثوب أو البُرْد الذي يضعه الإنسان على عاتقيه فوق ثيابه، وقد كثر في الحديث (1) 216.

ولو كان الكاتب قد درس كتاب الحج، لعلم أن الحاج يلبس قطعتين من الثياب، الأولى يستر بها عورته وهي الإزار، والثانية يضعها على عاتقه وهي الرِّداء، وأن الحاج يجوز له أن يضع رداءه أحياناً، وهذا يُدرَس في بدايات الدراسة الحوزوية، فكيف جهلها من حاز درجة الاجتهاد (بتفوق)؟

ثم إن أهل السنة رووا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثب إلى عكرمة بن أبي جهل من غير رداء. فقد أخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب: أن أم حكيم بنت الحارث ابن هشام، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن، فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه، فثبتا على نكاحهما ذلك (2) 217.


1- النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 217.
2- الموطأ، ص 287.

ص: 148

ورووا أن جابر بن عبد الله الأنصاري صلى من غير رداء، بل إن البخاري قد عقد في صحيحه باباً بعنوان (باب الصلاة بغير رداء)، وروى فيه بسنده عن محمد بن المنكدر قوله: دخلتُ على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب ملتحفاً به، ورداؤه موضوع، فلما انصرف قلنا: يا أبا عبدالله تصلي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم، أحببتُ أن يراني الجهَّال مثلكم، رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هكذا (1) 218.

ورووا أن ماعز بن مالك جي ء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير رداء، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال: رأيتُ ماعز بن مالك حين جي ء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رجل قصير أعضل، ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك. قال: لا، والله إنه قد زنى الأَخِرُ (2) 219. قال: فرجمه ... (3) 220.

والأحاديث في ذلك كثيرة، واستقصاؤها مضيعة للوقت وهدر للجهد.

والحاصل أن سلب الإمام عليه السلام رداءه لا يعني أنه بقي مكشوف العورة كما قاله الكاتب، فيكون إشكاله الواهي قد تبخر سريعاً في الهواء.

قال الكاتب: ودخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن رضي الله عنه وهو في داره فقال للإمام الحسن: (السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين! قال: «وما عِلْمُكَ بذلك»؟ قال: عَمَدْتَ إلى أمرِ الأُمةِ فَخَلَعْتَهُ من عنقك، وقَلَّدْتَه هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله؟) رجال الكشي ص 103.

هل كان الحسن رضي الله عنه مُذلًا للمؤمنين؟ أم أنه كان مُعِزاً لهم لأنه حقنَ


1- صحيح البخاري 1/ 137.
2- الأخر: هو الأرذل والأبعد، وقيل: اللئيم. وقيل: الشقي. وقيل غير ذلك.
3- صحيح مسلم 3/ 1319.

ص: 149

دمِاءَهم، وَوَحَّدَ صفوفَهم بتصرفه الحكيم، ونظره الثاقب؟

وأقول: هذه الرواية التي رواها الكشي ضعيفة بالإرسال وبعلي بن الحسين الطويل، فإنه لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال المامقاني: روى النجاشي مسنداً عنه كتاب مصعب بن يزيد الأنصاري، وليس له عنوان في كتب الرجال أصلًا (1) 221.

هذا مع أنّا لم نجد له عنواناً أيضاً في الكتب الرجالية عند أهل السنة، وذكروا أن صاحب هذه المقولة هو سفيان بن الليل (2) 222، ووصفه العقيلي بأنه غالٍ في الرفض (3) 223. وقال أبو الفتح الأزدي (4) 224 والألباني: مجهول (5) 225. وعدَّه ابن حبان في جملة الثقات (6) 226.

ولو سلَّمنا بصحة الخبر، وأن سفيان بن أبي ليلى أو سفيان بن الليل كان شيعياً، فلا ريب في أن الشيعة قاطبة يخطِّئون كل من اعترض على صلح الإمام الحسن السبط عليه السلام، ويغلِّطون كل من قال ما يتنافى مع قداسة الإمام عليه السلام، ويرون أن ما قام به الإمام عليه السلام هو الصحيح الموافق للحكمة، وأن فيه المصلحة العظيمة للإسلام والمسلمين، وقد كتب علماء الشيعة في إثبات ذلك كتباً عدة.

فلا ندري بعد هذا كيف سوَّغ الكاتب لنفسه أن يطعن في الشيعة كلهم من


1- تنقيح المقال 2/ 278.
2- راجع المستدرك 3/ 187، 192، ط حيدرآباد 3/ 171، 175. الفتن لنعيم بن حماد 1/ 164. سير أعلام النبلاء 3/ 147. ميزان الاعتدال 3/ 247. لسان الميزان 3/ 53. الضعفاء للعقيلي 2/ 549. تهذيب الكمال 6/ 250. تاريخ بغداد 10/ 305. الاستيعاب 1/ 387 إلا أن فيه: سفيان بن ليلى.
3- كتاب الضعفاء 2/ 549، ونقله عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 247. وابن حجر في لسان الميزان 3/ 53 وغيرهما.
4- ميزان الاعتدال 3/ 248. لسان الميزان 3/ 54. كنز العمال 13/ 589.
5- تعاليق الألباني على كتاب السنة لابن أبي عاصم، ص 334 حديث 748.
6- كتاب الثقات 4/ 319.

ص: 150

أجل قولٍ صدر من قائل أكثر ما يقال عنه إنه شيعي، مع أن كلمتهم قد تطابقت على تصحيح الصلح وأهدافه؟!

قال الكاتب: فلو أن الحسن رضي الله عنه حارب معاوية وقاتله على الخلافة لأُرِيق بحر من دماء المسلمينَ، ولَقُتِلَ منهم عددٌ لا يُحصيه إلا الله تبارك وتعالى، ولَمُزِّقَتْ الأُمة تمزيقا، ولَمَا قامت لها قائمة من ذلك الوقت.

وللأسف فإن هذا القول يُنْسَبُ إلى أبي عبد الله رضي الله عنه، ووالله إنه لَبَري ءٌ من هذا الكلام وأمثاله.

وأقول: لقد قلنا: إن صلح الإمام الحسن عليه السلام جرى على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، ولا ريب في أن فوائده كثيرة، ومنافعه جليلة، وليس هذا محل بيانها ما دام الخلاف فيها غير موجود بيننا.

وأما زعم الكاتب نسبة هذا القول إلى أبي عبد الله عليه السلام فهو وهم فاحش، لأنه إن أراد أن الإمام أبا عبد الله الصادق عليه السلام قد قال هذا الكلام، وهو: (يا مُذلّ المؤمنين)، فهذا هراء وهذيان، ولا أظنه يزعم ذلك، إلا إذا أصيب في عقله، ولا سيما أن رواية سفيان بن أبي ليلى في رجال الكشي مروية عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، لا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

وأما إن أراد بذلك أن الشيعة نسبوا إلى الإمام الصادق عليه السلام أن سفيان بن أبي ليلى قال ذلك للإمام الحسن عليه السلام، فهذا كسابقه، لأن الرواية كما مرَّ قد رُويتْ عن الباقر عليه السلام، مضافاً إلى أنّا قلنا فيما تقدَّم: (إن هذه الرواية ضعيفة السند)، ولا يلزم من وجود رواية عن الإمام عليه السلام نسبة محتواها إليه، ولا سيما إذا كانت ضعيفة السند.

ثم ما هو المحذور في أن يخبر الإمام عليه السلام بهذا الخبر المروي في كتب أهل السنة

ص: 151

بأسانيد أخرى؟!

فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك، والطبراني في معجمه الكبير، وابن أبي شيبة في مصنَّفه، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وغيرهم عن أبي العريف قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر ألفاً، تقطر أسيافنا من الحدة على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمر طه، فلما أتانا صلح الحسن بن علي ومعاوية كأنما كُسرتْ ظهورنا من الحرد والغيظ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قام إليه رجل منا يُكنى أبا عامر سفيان بن الليل، فقال: السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين. فقال الحسن: لا تقل ذلك يا أبا عامر، لم أُذِلَّ المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك (1) 227.

فتحصَّل مما قلناه أن الكاتب أراد أن يُعيب الشيعة بأنهم نسبوا هذه الرواية للإمام عليه السلام، مع أنها ضعيفة السند، وهي بعينها مروية في كتب أهل السنة، وقد رواها جملة من أعلامهم كما مرَّ.

قال الكاتب: وأما الإمام الصادق فقد ناله منهم شتى أنواع الأذى، ونسبوا إليه كل قبيح، اقرأ معي هذا النص:

عن زرارة قال: (سألتُ أبا عبد الله رضي الله عنه عن التشهد .. قلت: التحيات والصلوات .. فسألته عن التشهد فقال كمثله، قال: التحيات والصلوات، فلما خرجتُ ضرطتُ في لحيتِه، وقلتُ: لا يفلح أبداً) رجال الكشي ص 142.

حق لنا أن نبكي دماً على الإمام الصادق رضي الله عنه، نعم .. كلمة قذرة كهذه تقال في حق الإمام أبي عبد الله؟؟ أيضرط زرارة في لحية أبي عبد الله رضي الله عنه؟! أيقول عن


1- المستدرك 3/ 175. المصنف لابن أبي شيبة 7/ 476. كنز العمال 11/ 349، 13/ 589. ذخائر العقبى، ص 240. تاريخ بغداد 10/ 305. تاريخ مدينة دمشق 13/ 279، 59/ 151. البداية والنهاية 8/ 20، 134.

ص: 152

الصادق رضي الله عنه: لا يفلح أبداً؟؟

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإنها مرسلة من أولها، وذلك لأن الكشي يرويها عن يوسف، وهو يوسف بن السخت بقرينة وروده في روايات الكشي، تارة بلا واسطة كما في هذه الرواية (رقم 265)، ورقم 312، وتارة بواسطة محمد بن مسعود وهو العياشي شيخ الكشي، كما في رقم 840، 1038، 1129، وتارة بواسطة علي كما في رقم 268، وتارة بواسطة النضر، كما في رقم 1008، وتارة بواسطة محمدبن مسعود، عن علي بن محمد القمي، عن محمد بن أحمد، كما في رقم 1130.

ويوسف بن السخت لم يدركه الكشي لتصح روايته عنه، وذلك لأنه من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام المتوفى سنة 256 ه-، والكشي من طبقة جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 369 ه-، إلا أنه توفي قبله بسنين (1) 228، فكيف يصح أن يروي عنه هذه الرواية؟!

هذا مع أن يوسف بن السخت نفسه لم يثبت توثيقه، بل ضعَّفه ابن الغضائري، حيث قال: ضعيف مرتفع القول، استثناه القميون من نوادر الحكمة (2) 229.

وضعَّفه العلّامة الحلي في الخلاصة، وابن داود في رجاله، والمجلسي في الوجيزة والرجال، والمامقاني والخوئي وغيرهم (3) 230.

ويوسف هذا قد روى الخبر عن علي بن أحمد بن بقاح، عن عمِّه، وهما مجهولان ليس لهما عنوان في كتب الرجال.

فهذه الرواية ضعيفة السند جداً، إذ أنها مرسلة من أولها، ورواتها إلى زرارة إما


1- طبقات أعلام الشيعة (نوابغ الرواة في رابعة المئات)، ص 295. وذكر الزركلي في الأعلام 6/ 311 أن وفاة الكشي كانت نحو 340 ه-.
2- رجال ابن الغضائري، ص 103.
3- رجال العلامة، ص 265. رجال ابن داود، ص 285. الوجيزة، ص 201. رجال المجلسي، ص 344. تنقيح المقال 3/ 335. معجم رجال الحديث 20/ 168.

ص: 153

ضعيف أو مهمل.

وأما متن الرواية، فهو لا يدل على ما قاله الكاتب، ولا بأس بنقل تمام الرواية ليتضح معناها جيداً.

قال الكشي: يوسف قال: حدثني علي بن أحمد بن بقاح، عن عمِّه عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات. فلما خرجت قلت: إن لقيته لأسألنَّه غداً. فسألته من الغد عن التشهد، فقال كمثل ذلك، قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات. قلت: ألقاه بعد يوم فلأسألنَّه غداً. فسألته عن التشهد فقال كمثله، قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات. فلما خرجتُ ضرطتُ في لحيته، وقلت: لا يفلح أبداً.

قال المير داماد في شرح الحديث: قوله: (التحيات والصلوات) ظن زرارة أن تقريره عليه السلام إياه على التحيات من باب التقية، مخافة أن يروي عنه زرارة أنه ينكر التحيات في التشهد، فقال: لئن لقيته غداً لأسألنَّه، لعله يفتيني بالحق من غير تقية. فلما سأله من الغد وأجابه بمثل ما قد كان أجابه وقرَّره أيضاً على التحيات كما قد كان قرَّره، حمل زرارة ذلك أيضاً على التقية، وقال: سألقاه بعد اليوم فلأسألنَّه عن ذلك مرة أخرى، فلعله يترك التقية، ويجيبني على دين الإمامية. فلما سأله من الغد ثالثاً وأجابه عليه السلام وقرَّره على قوله والتحيات بمثل ما قد أجابه وقرَّره بالأمس وقبل الأمس، علم أنه ليس يترك التقية مخافة منه. وقال: فلما خرجتُ ضرطتُ في لحيته فقلت: لا يفلح أبداً. والضمير عائد إلى مَن يعمل بذلك ويعتقد صحَّته، أي في لحية من يعتقد لزوم التحيات في التشهد كما عند المخالفين من العامة، ويعمل بذلك ويحتسبه من دين الإمامية، لا يفلح من يأتي بذلك على اعتقاد أنه من الدين أبداً (1) 231.


1- شرح مير داماد على اختيار معرفة الرجال 1/ 379.

ص: 154

قلت: ولعل قوله: (التحيات والصلوات) إنما كان إنكاراً، أي كيف تقول: التحيات والصلوات؟! لا أنه وارد على نحو التقية من زرارة.

وتكرار زرارة السؤال إنما كان من أجل التأكد من عدم جواز الإتيان بمثل هذه الصيغة في التشهد، فلما علم أن الإمام عليه السلام ينكر على من يأتي بها قال: فضرطت بلحية من يأتي بها وقلت: إن من يأتي بها لا يفلح أبداً، لأنه ضيَّع التشهد الذي هو واجب مفروض عليه في الصلاة، وأتى بغيره مما لايصح.

والخلاصة أن هذه الرواية ساقطة سنداً، وقاصرة دلالة على ما قاله من طعن زرارة في الإمام الصادق عليه السلام.

قال الكاتب: لقد مضى على تأليف كتاب الكشي عشرة قرون، وتداولته أيدي علماء الشيعة كلهم على اختلاف فِرَقِهِم، فما رأيت أحداً منهم اعترض على هذا الكلام، أو أنكره أو نَبَّهَ عليه.

وأقول: لقد أوضح مير داماد (المتوفى سنة 1041 ه-) معنى هذه الرواية في شرحه على كتاب اختيار معرفة الرجال كما مرَّ بما يزيل اللبس، ويرفع الشبهة.

وأنكر الحديث من رأس الشيخ حسن صاحب المعالم قدس سره (المتوفى سنة 1011 ه-) في كتابه (التحرير الطاووسي)، حيث علق على هذا الحديث بقوله: والحديث الذي أشار إليه هو الحديث المتضمن للسؤال عن التشهد، ورائحة الكذب تفوح منه (1) 232.

وقال المامقاني (المتوفى سنة 1351 ه-): وفي حاشية المنهج لمؤلِّفه معلِّقاً على ذيل خبر التشهد المذكور هكذا: معلوم أن مثل ذلك لا يكون من زرارة، ولو كان مردوداً


1- التحرير الطاووسي، ص 128.

ص: 155

بالنسبة إليه عليه السلام كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بحال الرجال، بل الأوضح كونه موضوعاً وافتراءاً وقرينة على وضع كثير مما روي فيه أي في زرارة من الطعن، ولولا ذلك لما كان يليق ذكره ولا إيراده، بل لا يحل كما لا يخفى (1) 233.

هذا ما عثرنا عليه في هذه العجالة مع قصور اليد عن كثير من الكتب الرجالية التي تنفع في هذه المسألة، وبه يتضح بطلان مزاعم الكاتب من أن هذا الحديث لم ينكره أحد من علماء الشيعة أو ينبِّهواعليه.

قال الكاتب: وحتى الإمام الخوئي، لما شرع في تأليف كتابه الضخم (معجم رجال الحديث) فإني كنتُ أحدَ الذين ساعدوه في تأليف هذا السِّفْر، وفي جمع الروايات من بطون الكتب، ولما قرأنا هذه الرواية على مسمعه أطرق قليلًا، ثم قال: لكل جواد كَبْوَةٌ، ولكل عالم هَفْوَةٌ، ما زاد على ذلك، ولكن أيها الإمام الجليل، إن الهفوة تكون بسبب غفلة، أو خطأ غير مقصود، إن قوة العلاقة بك إِذْ كنتُ لك بمنزلة الولد للوالد، وكنتَ مني بمنزلة الوالد لولده تُحَتِّمُ عليَّ أن أحمل كلامك على حسن النية، وسلامة الطوية، وإلا لَمَا كنتُ أرضى منك السكوت على هذه الإهانة على الإمام الصادق أبي عبد الله رضي الله عنه.

وأقول: يَرُدُّ ما قاله الكاتب المدَّعي قُربه من السيد الخوئي قدس سره أن السيد الخوئي ردَّ هذه الرواية في كتابه معجم رجال الحديث سنداً ومتناً، فقال بعد ذكرها:

أقول: لا يكاد ينقضي تعجبي كيف يذكر الكشي والشيخ هذه الرواية التافهة الساقطة غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته والمقطوع فسادها، ولاسيما أن رواة الرواية بأجمعهم مجاهيل (2) 234.


1- تنقيح المقال 1/ 445.
2- معجم رجال الحديث 7/ 238.

ص: 156

فهل يريد الكاتب بعد هذا أن نصدق نُقولاته في الوقائع المختلفة، وهذه واحدة قد أكذبها السيد الخوئي في معجمه بحمد الله وفضله؟!

هذا مع أن الذين استعان بهم السيد الخوئي في معجمه قد ذُكرتْ أسماؤهم في مقدمة الطبعة الأولى من المعجم، ومما جاء في المقدمة:

وقد أنيط أمر هذا السفر الجليل- بعد إعداده- إلى جملة من الأفاضل لتعمل على:

أ- تنظيم المتفرقات من الرواة.

ب- التأكد من سلامة النقل وملاحظة الأرقام.

ج- تنظيم الإرجاعات الكاشفة في الأسماء المترابطة.

د- ملاحظة التنسيق والإخراج.

ه-- الاستنساخ.

و- مقابلة الاستنساخ.

ز- الإشراف على التصحيح.

لجنة الضبط والتصحيح:

1- الشيخ محمد المظفري: لتنظيم المتفرقات من الرواة.

2- الشيخ حيدر علي هاشميان: لتنظيم المتفرقات من الرواة.

3- الشيخ يحيى الأراكي: للتأكد من سلامة النقل وملاحظة الأرقام.

4- السيد مرتضى ااني: للاستنساخ.

5- السيد عبد العزيز الطباطبائي: للتصحيح.

6- السيد جواد اني: للإشراف على التصحيح.

7- الشيخ محمد كاظم الخوانساري: لتدقيق التصحيح.

ص: 157

8- الشيخ فخر الدين الزنجاني: لمقابلة الاستنساخ.

9- الشيخ محمد التبريزي: لمقابلة الاستنساخ.

10- الشيخ غلام رضا الرحماني: لمقابلة الاستنساخ.

11- السيد مرتضى الحكمي: للإخراج والإرجاعات الرجالية الكاشفة (1) 235.

هذه هي اللجنة المشرفة على إخراج معجم رجال الحديث، ومن الواضح أنه ليس فيهم كربلائي واحد، وكلهم فضلاء معروفون، فأين كان موقع الكاتب المدَّعي لدخوله في اللجنة المذكورة؟

قال الكاتب: وقال ثِقَةُ الإسلام الكليني (حدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخٌ لا عِلمَ له بالخصُومةِ- والمراد إمامه-).

وقد كتبوا في شرح هذا الحديث:

إن هذا الشيخ عجوز لا عقلَ له، ولا يحسنُ الكلام مع الخصم

فهل الإمام الصادق (لا عَقْلَ له)؟

إن قلبي ليَعْتَصرُ أَلمًا وحزناً، فإن هذا السباب وهذه الشتائم وهذه الجرأة لا يستحقها أهل البيت الكرام، فينبغي التأدب معهم.

وأقول: نص هذا الحديث كما رواه الكليني قدس سره في الكافي:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يدخل النار مؤمن؟ قال: لا والله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا، إلا من شاء الله. فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول: لا، وأقول: إلا من شاء الله. وأنت تقول: لا، ولا تقول: إلا من شاء الله.


1- معجم رجال الحديث 1/ ل. طبعة أخرى 1/ 18.

ص: 158

قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة. قال: فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقرَّ لك بالحكم (1) 236 أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا والله الذي لا علم لي بالخصومة (2) 237.

قال المولى محمد صالح المازندراني:

الشرح: قوله: (عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يدخل النار المؤمن؟ قال: لا والله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله) أي لا يدخلها أحد غير كافر إلا من شاء الله أن يدخلها، وهذا وسط بين المؤمن والكافر لما ستعرفه، خلافاً لزرارة حيث ينفي الوسط بينهما، وكأنه تمسَّك بقوله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)، وبقوله تعالى (فريق في الجنة وفريق في السعير)، وفي دلالتهما على ذلك منع. قال: (فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول: لا، وأقول: إلا من شاء الله. وأنت تقول: لا. ولا تقول: (إلا من شاء الله) المفهوم من قوله عليه السلام: (إلا من شاء الله) أن غير الكافر قد يدخل النار، وقد فُهم من قوله عليه السلام: (لا والله) أن المؤمن لا يدخل النار، فقد فُهم منهما أن هذا الغير ليس بمؤمن ولا كافر، فهو وسط بينهما، وإنما لم يأتِ عليه السلام بعد قوله: (لا والله) بالاستثناء، ولم يقل: (إلا ما شاء الله) لعدم احتماله، إذ المؤمن لا يدخل النار قطعاً، بخلاف قوله: (لا) في السؤال الثاني، فإنه يجوز فيه الاستثناء، فإن المستثنى منه المقدَّر في قول زرارة (فما يدخلها إلا كافر؟)، وهو أحد يصدق بعد استثناء الكافر على المؤمن وغيره، وغيره قد يدخل النار، فلذلك استثناه بقوله: (إلا من شاء الله)، وجوز دخوله في النار بمشيئة الله تعالى، وأما زرارة فلما خصَّ المستثنى منه بالمؤمن، ترك الاستثناء ولم يقل: (إلا ما شاء الله). ومما قرَّرنا ظهر أن مناط الفرق بين القولين هو هذا الاستثناء وتركه، فإن الأول يوجب ثبوت الواسطة، والثاني عدمه. (قال:


1- في حاشية الكافي: أي يقول: أنا على مذهبك، كلُّ ما حكمت عليَّ أنا أعتقده وأدين الله به.
2- الكافي 2/ 385.

ص: 159

فحدثني هشام بن الحكم وحماد، عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة) قال زرارة: (النار لا يدخلها إلا كافر) صادق بدون الاستثناء، ولا يثبت الحاجة إليه إلا بإبطال قوله وبيان فساده، ولما تكرر الكلام ولم يبين عليه السلام فساده، أساء زرارة وأضمر بأنه شيخ لا علم له بالخصومة والمناظرة، إذ لا بد في مقام المناظرة وإثبات المدَّعى من إبطال قول الخصم وبيان فساده، فلما علم عليه السلام ما أضمره تصدى لبيان فساد قوله بمقدمة مسلَّمة عنده، وهي أن ضعفاء المسلمين الذين ليس لهم معرفة بالدين، وهم مُقِرّون بحكمه، مندرجون تحت يده وقدرته، وأن خدمه وأهليه المستضعفين غير مؤمنين عنده ولا كافرين، لأنه لا يجوز قتلهم، ولو كانوا كافرين لجاز، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، وهو كفر هؤلاء، يستحقون النار بزعمه، فلزم من ذلك أن النار لا يدخلها إلا كافر على الإطلاق ليس بصحيح، بل لا بد من التقييد بالاستثناء كما ذكره عليه السلام، وهذا ما نقله زرارة عنه عليه السلام. (قال: فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقرَّ لك بالحكم أتقتله؟) إشارة إلى القسم الأول، (ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟) إشارة إلى القسم الثاني، والهمزة للإنكار، ويحتمل أن يكون (ما تقول في خدمكم) بياناً لما قبله، والغرض على التقديرين تقريره بأن هؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا كافرين. (قال: فقلت: أنا والله الذي لا علم لي بالخصومة) قال ذلك لصيرورته مغلوباً بما لديه، ومخصوماً بما عنده وهو عليه (1) 238.

قلت: ومنه يتضح أن قول زرارة: (إن الإمام لا علم له بالخصومة) إنما كان مجرد خاطر في ذهنه، وهو من الخواطر التي قد تخطر في الذهن لسبب ما وتزول بسرعة، ولا يؤاخذ عليها، فلما أوضح الإمام عليه السلام لزرارة وجه المسألة، عرف زرارة أنه هو الذي لا علم له بالخصومة، فلاإشكال في الحديث، ولا وجه للطعن في زرارة بسبب أمثال هذه الخواطر.

أو لعل ذلك قد صدر من زرارة في أول ملاقاة له مع الإمام الباقر عليه السلام وقبل


1- شرح المازندراني 10/ 59.

ص: 160

أن يقر بإمامته ويعترف بعصمته.

ومن المضحكات أن الكاتب جاء بهذا الحديث لبيان أن الشيعة يطعنون في الإمام الصادق عليه السلام، مع أن المذكور في الحديث هو الإمام الباقر عليه السلام لا الإمام الصادق عليه السلام، وعذر مدَّعي الاجتهاد أنه ظن أن (أبا جعفر) هو الإمام الصادق عليه السلام!!

قال الكاتب: وأما العباس وابنه عبد الله، وابنه الآخر عبيد الله، وعقيل عليهم السلام جميعاً فلم يسلموا من الطعن والغمز واللَّمز، اقرأ معي هذه النصوص:

روى الكشي أن قوله تعالى فَلَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العَشِير، نزلت فيه- أي في العباس- رجال الكشي ص 54.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها: أبو محمد بن عبد الله ابن محمد اليماني، والظاهر أنه أبو محمد عبد الله بن محمد اليماني بقرينة رواية حمدان بن سليمان عنه، فإنه يروي عن عبد الله بن محمد اليماني (1) 239، وهو مجهول الحال، لم يُذكر في كتب الرجال بمدح ولاذم.

ومن جملة رواة هذا الخبر: الحسين بن أبي الخطاب، وهو مجهول الحال أيضاً، لم يوثَّق في كتب الرجال.

قال المامقاني: لم أقف فيه على توثيق أو مدح (2) 240.

ومن جملة رواة هذا الخبر: طاووس، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية ساقطة سنداً، فلا يصح الاحتجاج بها في شي ء.


1- راجع معجم رجال الحديث 10/ 319.
2- تنقيح المقال 1/ 317.

ص: 161

قال الكاتب: وقوله تعالى: ومَن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وقوله تعالى ولا ينفعُكم نُصْحِي إن أردتُ أَنْ أنصح لكم نزلتا فيه ص 52- 53.

وأقول: هذه الرواية أيضاً ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جعفر بن معروف، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال الخوئي في معجم رجال الحديث: إن من ترجمه الشيخ ويروي عنه الكشي كثيراً لم تثبت وثاقته، فإن الوكالة لا تلازم الوثاقة على ما تقدم في المدخل، واعتماد الكشي عليه لا يثبت الوثاقة أيضاً ... (1) 241.

وعليه فهذه الرواية ساقطة أيضاً.

قال الكاتب: وروى الكشي أيضاً أن أمير المؤمنين رضي الله عنه دعا على عبد الله بن العباس وأخيه عُبَيْد الله فقال: (اللهم العن ابنَيّ فلان- يعني عبد الله وعبيد الله- واعم أبصارَهُمَا كما عَميَتْ قلوبُهما الاجلين في رقبتي، واجعل عَمَى أبصارهما دَليلًا على عَمَى قلوبهَما) ص 52.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وهو ضعيف على المشهور.

فقد ضعفه النجاشي في رجاله حيث قال: وهو رجل ضعيف جداً، لا يعوَّل عليه، ولا يُلتفَت إلى ما تفرَّد به.

وقال الشيخ: محمد بن سنان مطعون عليه، ضعيف جداً، وما يستبد بروايته


1- معجم رجال الحديث 4/ 132.

ص: 162

ولا يشركه فيه غيره لا يُعمل عليه.

وقال المفيد في رسالته العددية: ومحمد بن سنان مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، وما كان هذا سبيله لا يُعمل عليه في الدين.

وقال المحقق الخوئي: ولولا أن ابن عقدة والنجاشي والشيخ والشيخ المفيد وابن الغضائري ضعَّفوه وأن الفضل بن شاذان عدَّه من الكذابين، لتعيّن العمل برواياته، ولكن تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته (1) 242.

هذا مضافاً إلى أن الرواية لم يرد فيها (يعني عبد الله وعبيد الله)، وإنما هي استظهار من الكاتب، ولعل اللعن لغيرهما، وإدراج الكشي للرواية تحت عنوان عبدالله بن عباس اجتهاد منه، ولعل المراد غير ابني العباس.

هذا مع أن الرواية اشتملت على عبارة مشوشة وهي قوله (الأجلين في رقبتي)، وهي كلمة لا يُعرف لها معنى، وهو تشويش يوهن الرواية ويمنعنا من العمل بها.

وعلى كل حال فإنا لو سلَّمنا بصحة كل تلك الروايات القادحة في عبد الله بن عباس، فإن دواوين أهل السنة وصحاحهم مملوءة بذكر ما شجر بين الصحابة من سُباب وشتم وحرب مما لا يخفى على أحد.

فما بالهم لم يعتبروا رواية تلكم الأحاديث في كتبهم طعناً في أهل السنة، واعتبروا نقل أمثال هذه الروايات في الكتب الشيعية طعناً في الشيعة، مع أن بعض تلك الروايات مروية عن طاووس الذي هو من رواة أهل السنة.

هذا مع أن الكاتب لو كان مجتهداً وكان منصفاً كما يزعم لعلم أن منهج الكشي رحمه الله في رجاله هو ذِكْر الأخبار المادحة والقادحة المنقولة في رواة الأحاديث، وأما الترجيح بينها أو قبول بعضها وطرح بعضها الآخر فهو وظيفة الفقيه، ولا يلزم من


1- معجم رجال الحديث 16/ 160.

ص: 163

رواية أمثال هذه الأخبار الطعن في الكشي خاصة أو في الشيعة عامة، وهو معلوم لا يحتاج إلى مزيدبيان.

ولو كان عند الكاتب أدنى معرفة بتمييز الأخبار ومعرفة الغث منهاوالسمين لعلم أن الأخبار المروية في ابن عباس كلها من الأحاديث الواهية الضعيفة كما أوضحنا بعضها، وكما نص عليه بعض أعلام المذهب.

فقد قال السيد أحمد بن طاووس: وقد روى صاحب الكتاب يعني الكشي أخباراً شاذة ضعيفة تقتضي قدحاً أو جرحاً، ومثل الحَبْر يعني ابن عباس رضوان الله عليه موضع أن يحسده الناس وينافسوه ويقولوا فيه ويباهتوه:

حسَدُوا الفتَى إذْ لم يَنالوا فضلَه فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ

كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجْهِهاحسَداً وبَغْياً: إنَّه لدميمُ.

ثم ذَكَر تلك الأحاديث وبيَّن ضعفها ثم قال: هذا الذي رأيت، ولو ورد في مثله ألف حديث يُنقل أمكن أن يعرض للتهمة، فكيف مثل هذه الروايات الواهية الضعيفة الركيكة (1) 243. وقال التفرشي في نقد الرجال: وما ذكره الكشي من الطعن فيه- أي في ابن عباس- ضعيف السند (2) 244.

وقال المحقق الخوئي بعد أن ضعف جملة من الروايات القادحة فيه: هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له عليه السلام هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التُّهَم والطعون عليه (3) 245.

ثم ما بال القوم كفَّروا والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجداده الطاهرين، كما كفَّروا أبا


1- التحرير الطاووسي، ص 159، 163.
2- نقد الرجال 3/ 118.
3- معجم رجال الحديث 10/ 238.

ص: 164

طالب عليه السلام، وهو عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكافله وحاميه وناصره، ولم يروا في ذلك بأساً ولا غضاضة مع وضوح الدلائل على إيمانهم، وطعنوا في الشيعة من أجل روايات ضعيفة ظاهرها الطعن بما لا يستوجب كفراً في العباس بن عبد المطلب، أو في ابنه عبد الله؟!

ولعمري إنهم إذا أرادوا أن يراعوا حرمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمِّه العباس وابنه فمراعاته في والديه وأجداده وعمِّه أبي طالب عليهم السلام أولى.

قال الكاتب: وروى ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في الفروع عن الإمام الباقر قال في أمير المؤمنين: (وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل).

وأقول: أما أنهما ضعيفان فهو معلوم من حالهما، فلم يُعرف لهما موقف في حرب أو في سلم يدل على قوة أو شجاعة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وأهل السنة قد رووا أنهما أُخرجا مع المشركين إلى بدر مُكرَهين (1) 246، وحسبك هذا دليلًا على ضعفهما.

وأما أنهما ذليلان فلعل المراد بذلك هو ذلّهما لما أُسِرا يوم بدر مع من أُسِر من المشركين (2) 247.

وأما أنهما حديثا عهد بالإسلام فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أسلم قبل فتح خيبر وأظهر إسلامه يوم فتح مكة (3) 248، وذكر أن إسلام عقيل كان قبل


1- أما خروج العباس مكرهاً فذُكر في أسد الغابة 3/ 163، والإصابة 3/ 511، والاستيعاب 2/ 812، وسير أعلام النبلاء 2/ 96. وأما خروج عقيل فراجعه في سير أعلام النبلاء 1/ 218، 3/ 99. وأسد الغابة 4/ 61. والاستيعاب 3/ 1078. والمنتظم 5/ 236.
2- أسد الغابة 3/ 165. الاستيعاب 2/ 811.
3- الاستيعاب 2/ 812.

ص: 165

الحديبية (1) 249.

وقال ابن حجر: تأخَّر إسلامه يعني عقيلًا إلى عام الفتح.

وجعل إسلامه بعد الحديبية قولًا (2) 250.

قال الكاتب: إن الآيات الثلاث التي زعم الكشي أنها نزلت في العباس معناها الحكم عليه بالكُفر والخلود في النار يوم القيامة، وإلا فقل لي بالله عليك ما معنى قوله: فهو في الآخرة أعمى وأَضَلُّ سبيلا؟

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم ضعف الحديث سنداً، وأنه لا يصح الاحتجاج به، وإطالة الكلام فيه مضيعة للوقت.

ثم إن الكشي لم يقل: (إن الآيات نزلت في العباس وابنيه) كما زعم الكاتب، وإنما روى ذلك بسنده عن طاووس والزهري والشعبي وغيرهم، فلعل الزاعم هو هؤلاء الذين هم من أهل السنة!! أو غيرهم ... من يدري؟؟

قال الكاتب: وأما أَنّ أمير المؤمنين رضي الله عنه دعا على ولدي العباس عبد الله وعبيد الله باللعن وعمى البصر وعَمَى القلب فهذا تكفير لهما.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن الرواية ضعيفة السند، فالكلام فيها هدر للوقت بلا فائدة، وأوضحنا أنه لم يرد في الحديث ذكر للعباس وابنيه، فلو سلَّمنا بصحة الحديث فلعل المراد غيرهما ممن يستحق اللعن، والله العالم.


1- نفس المصدر 3/ 1078.
2- الإصابة 4/ 438.

ص: 166

قال الكاتب: إن عبد الله بن العباس تلَقِّبُه العامة- أهل السنة- بترجمان القرآن وحَبْرُ الأُمة، فكيف نلعنه نحن، ونَدَّعِي محبةَ أهلِ البيتِ عليهم السلام؟!!

وأقول: ومن قال لمدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن الشيعة يلعنون عبدالله بن عباس؟

ولا أدري لمَ نسب للشيعة قاطبة لعن ابن عباس بسبب وجود روايات ضعيفة السند في أحد كتبهم، مع أن كلمات علماء الشيعة في مدح ابن عباس لا تخفى على من يرى في نفسه الاجتهاد، وهي أشهر من أن تذكر، وإليك بعضاً منها:

1- قال العلامة الحلي في رجاله: عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كان محبًّا لعلي عليه السلام وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحاً فيه، وهو أجل من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير، وأجبنا عنها، رضي الله تعالى عنه (1) 251.

2- وقال ابن داود في رجاله: عبد الله بن العباس (ل ي) (2) 252 رضي الله عنه، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين عليه السلام وانقياده إلى قوله (3) 253.

3- وقال السيد أحمد بن طاووس في كتابه حل الإشكال: عبد الله بن العباس رضوان الله عليه حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام والموالاة والنصرة له والذب عنه والخصام في رضاه والموازرة مما لا شبهة فيه (4) 254.


1- رجال العلامة، ص 103.
2- يعني من أصحاب رسول الله وأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
3- رجال ابن داود، ص 121.
4- التحرير الطاووسي، ص 159.

ص: 167

4- وقال السيد علي خان الشيرازي في الدرجات الرفيعة: الذي أعتقده في ابن عباس رضي الله عنه أنه كان من أعظم المخلصين لأمير المؤمنين وأولاده، ولا شك في تشيّعه وإيمانه، وستقف على ما نذكره من أخباره على ما تحقق معه ذلك إن شاء الله تعالى (1) 255.

5- وقال الحر العاملي في خاتمة وسائل الشيعة: عبد الله بن العباس، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد روي فيه قدح، وهو أجل من ذلك (2) 256.

6- وقال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث: والمتحصل مما ذكرنا أن عبد الله بن عباس كان جليل القدر مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام كما ذكره العلّامة وابن داود (3) 257.

إلى غير ذلك مما لا يسعنا ذكره من كلمات أعلام الشيعة الإمامية قدَّس الله أسرارهم، التي تصدح بمدح عبد الله بن عباس والثناء عليه، وتبطل ما قاله الكاتب من تكفير الشيعة له ولعنهم إياه.

قال الكاتب: وأما عقيل رضي الله عنه فهو أخو أمير المؤمنين رضي الله عنه، فهل هو ذليل، وحديث عهد بالإسلام؟!

وأقول: أما أخوّته لأمير المؤمنين عليه السلام فلا يشك فيها أحد، وأما كونه ذليلًا وحديث عهد بالإسلام فلعله لما قلناه فيما تقدم، فلا حاجة لإعادته.


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ص 101.
2- وسائل الشيعة 20/ 239.
3- معجم رجال الحديث 10/ 239.

ص: 168

ثم إن أهل السنة رووا من الطعن في عقيل ما هو أكثر من ذلك، فقد أخرج ابن عبد البر في (الاستيعاب) حديثاً عن ابن عباس جاء فيه قوله: كان عقيل أكثرهم ذِكْراً لمثالب قريش، فعادَوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه عليّ، وخروجه إلى معاوية، وإقامته معه، ويزعمون أن معاوية قال يوماً بحضرته: هذا لولا علمه بأني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرتُ دنياي، وأسأل الله تعالى خاتمة الخير (1) 258.

ولا ريب في أن إقراره بأنه آثر دنياه على آخرته أشد في الطعن فيه من وصفه بأنه ضعيف أو ذليل أو حديث عهد بالإسلام.

قال الكاتب: وأما الإمام زين العابدين علي بن الحسين فقد روى الكليني: أن يزيد بن معاوية سأله أن يكون عبداً له، فرضي رضي الله عنه أن يكون عبداً ليزيد إذ قال له: (قد أقررتُ لك بما سألتَ، أنا عبدٌ مُكْرَهٌ فإن شِئتَ فَأمْسِكْ وإن شِئتَ فَبعْ) الروضة من الكافي في 8/ 235.

فانظر قوله وانظر معناه: (قد أقررتُ بأني عبد لك، وأنا عبد مكره، فإن شئت فابقني عبداً لك وإن شئت أن تبيعني فَبِعني) فهل يكون الإمام رضي الله عنه عبداً ليزيد يبيعه متى شاء، وَيُبقي عليه متى شاء؟

وأقول: نص الحديث بكامله كما رواه الكليني هو: ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، فبعث إلى رجل من قريش، فأتاه فقال له يزيد: أتُقِرُّ لي أنك


1- الاستيعاب 3/ 1079. سير أعلام النبلاء 3/ 100.

ص: 169

عبد لي، إن شئت بِعتُك وإن شئتُ استرقيتُك؟ فقال له الرجل: والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضل مني في الدين، ولا بخير مني، فكيف أقرّ لك بما سألت؟ فقال له يزيد: إن لم تقرّ لي والله قتلتك. فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي عليهما السلام ابن رسول الله صلى الله عليه وآله. فأمر به فقُتل. ثم أرسل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فقال له مثل مقالته للقرشي، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: أرأيت إن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلتَ الرجل بالأمس؟ فقال له يزيد لعنه الله: بلى. فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: قد أقررتُ لك بما سألت، أنا عبد مُكْرَه، فإن شئتَ فأمسك، وإن شئتَ فَبِعْ. فقال له يزيد لعنه الله: أولى لك حقنتَ دمك، ولم ينقصك ذلك من شرفك (1) 259.

وهذا الحديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته أبا أيوب، وهو أبو أيوب الخزاز (إبراهيم بن زياد)، وهو مجهول، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية لا يصح الاعتماد عليها.

مضافاً إلى أن الرواية تنص على أن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، وهذا خلاف ما عليه المؤرّخون من أنه لم يخرج من الشام مدة خلافته، ولم يأت للمدينة حاجًّا، وهذا يوهن الرواية، بل يُسقطها من رأس.

قال المجلسي قدس سره في بحار الأنوار: ثم اعلم أن في هذا الخبر إشكالًا، وهو أن المعروف في السِّيَر أن هذا الملعون لم يأتِ المدينة بعد الخلافة، بل لم يخرج من الشام حتى مات ودخل النار (2) 260.

ولو سلَّمنا بصحَّة الخبر فهذا الفعل غير مستبعَد من يزيد بن معاوية، فقد روى الواقدي كما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية أن مسلم بن عقبة دخل المدينة، فدعا


1- الروضة من الكافي، ص 196 حديث 313.
2- بحار الأنوار 46/ 138.

ص: 170

الناس لبيعة يزيد على أنهم خِوَل (1) 261 ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء (2) 262.

وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة مسلم بن عقبة: وقد أفحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة، وأسرف في قتل الكبير والصغير حتى سمَّوه مسرفاً، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك، والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون، ثم رفع القتل، وبايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية (3) 263.

وجاء في تاريخ الطبري أنه أُتي بيزيد بن وهب بن زمعة، فقال له مسلم بن عقبة: بايعْ. قال: أبايعك على سُنّة عمر. قال: اقتلوه. قال: أنا أبايعك. قال: لا والله، لا أقيلك عثرتك. فكلّمه مروان بن الحكم لصهر كان بينهما، فأمر بمروان فوُجئتْ عنقه، ثم قال: بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية. ثم أمر به فقُتِل (4) 264.

وقال: فدخل مسلم بن عقبة المدينة، فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد ابن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء (5) 265.

وقال خليفة بن خياط في تاريخه: ودخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية، يحكم في أهليهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أتي بعبد الله بن زمعة، وكان صديقاً ليزيد بن معاوية وصفيًّا له، فقال: بايع على أنك خول لأمير المؤمنين، يحكم في دمك وأهلك ومالك. قال: أبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي ومالي. فقال: اضربوا عنقه. فوثب مروان فضمَّه إليه، وقال: يبايعك على ما أحببت. قال: والله لا أقيلها إياه أبداً. وقال: إن


1- خول: عبيد وخدم.
2- البداية والنهاية 8/ 225.
3- الإصابة 6/ 232.
4- تاريخ الطبري 4/ 378- 379.
5- المصدر السابق 4/ 381.

ص: 171

تنحَّى وإلا فاقتلوهما جميعاً. فتركه مروان، فضُربت عنق ابن زمعة (1) 266.

وذكر هذه البيعة أيضاً ابن الأثير في الكامل، وابن الجوزي في المنتظم وغيرهما (2) 267.

قلت: فإذا كان الحال هكذا فهل يريد الكاتب من الإمام زين العابدين سلام الله عليه أن يرفض ما قاله يزيد أو مسرف بن عقبة، فتضرب عنقه؟!

ومنه يُعلَم أن صدور ذلك لو صحَّ الحديث عن الإمام زين العابدين عليه السلام لا إشكال فيه ولا شبهة، ولا يصح توجيه الطعن للشيعة لوجود مثل هذه الرواية، وإلا فالطعن في أهل السنة أولى وأشد، لأنهم رووا أن بقية المهاجرين والأنصار بايعوا يزيد على أنهم عبيد ليزيد، يحكم في دمائهم وأموالهم ونسائهم ما يشاء.

قال الكاتب: إذا أردنا أن نستقصي ما قيل في أهل البيت جميعاً فإن الكلام يطول بنا إِذْ لم يسلم واحد منهم من كلمة نابية، أو عبارة قبيحة، أو عمل شنيع، فقد نُسبَتْ إليهم أعمال شنيعة كثيرة، وفي أُمهات مصادرنا، وسيأتيك شي ء من ذلك في فصل قادم.

وأقول: قد اتضح للقارئ الكريم وسيتضح أن كل ما يذكره الكاتب لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:

إما أنه مروي برواية ضعيفة لا يعوَّل عليها، ولا يُحتَج بها.

وإما أن الكاتب فسَّره بغير المراد منه، وحمَّله من معنى لا يحتمله اللفظ.

وإما أنه يعتبر ما لا طعن فيه طعناً، كالقول بالمتعة والتقية.


1- تاريخ خليفة بن خياط 1/ 238.
2- الكامل 4/ 118. المنتظم 6/ 15.

ص: 172

وسيأتي مزيد بيان في ذلك إن شاء الله تعالى.

قال الكاتب: اقرأ معي هذه الرواية:

عن أبي عبد الله رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يُقَبِّلَ عرض وجه فاطمة) بحار الأنوار 43/ 44.

(وكان يَضعُ وجهَه بين ثَدْيَيْها) بحار الأنوار 43/ 78.

وأقول: الروايات المشار إليها روايات ضعيفة مرسلة، ذكرها المجلسي في البحار من غير أسانيد.

ولو سلَّمنا بصحَّتها فهي لا تنافي الآداب، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان يقبّلها تقبيل أبوَّة ومحبَّة وإجلال، وليس تقبيل شهوة ولذة، وهذا لا محذور فيه.

وأما المراد بوضع الوجه بين الثديين فهو وضعه على الصدر فوق الثديين وأسفل العنق، لا على نفس الثديين.

هذا مع أن أكثر علماء أهل السنة يجوِّزون تقبيل الولد والبنت في أي موضع منهما ما عدا العورة.

قال ابن حجر: قال ابن بطال: يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه، وكذا الكبير عند أكثر العلماء ما لم يكن عورة، وتقدم في مناقب فاطمة عليها السلام أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها، وكذا كان أبو بكر يقبِّل ابنته عائشة (1) 268.

قال الكاتب: إن فاطمة سلام الله عليها امرأة بالغة فهل يعقل أن يضع رسول


1- فتح الباري 10/ 350.

ص: 173

الله وجهه بين ثدييها؟!

وأقول: لقد أوضحنا المراد بوضع الوجه بين الثديين، ولا محذور أن يضع الوالد الرحيم الشفيق وجهه على صدر ابنته محبَّة ورحمة وإجلالًا.

ولا ندري هل اطّلع الكاتب على الروايات التي رواها أهل السنة في تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته الزهراء عليها السلام أم لا؟! فإنها لا تقل في مضمونها عن هذه الروايات، بل ربما زادت.

فقد روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) روايات مختلفة في هذا الباب، فقال:

ذكر ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها في فيها ويمصها لسانه:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله مالك إذا قبَّلت فاطمة جعلتَ لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لما أُسري بي أدخلني جبريل الجنة، فناولني تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في ظهري، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، كلما اشتقت إلى تلك التفاحة قبَّلتها. خرجه أبو سعد في شرف النبوة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر القبل لفاطمة، فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة! فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل ليلة أسرى بي أدخلني الجنة، فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءاً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبَّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها. خرجه أبو الفضل بن خيرون.

وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء من مغزاه قبَّل فاطمة، خرجه ابن السرى.

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل يوماً نحر فاطمة. خرجه الحربي، وخرجه الملا في سيرته، وزاد: فقلت له: يا رسول الله فعلت شيئاً لم تفعله؟ فقال: يا

ص: 174

عائشة إني إذا اشتقتُ إلى الجنة قبَّلتُ نحرفاطمة (1) 269. انتهى.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن سعد بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة، فأكلتها ليلة أُسري بي، فعلقتْ خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممتُ رقبة فاطمة (2) 270.

وفي حديث آخر رواه الحاكم بسنده عن أبي ثعلبة جاء فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم ثنى بفاطمة رضي الله عنها، ثم يأتي أزواجه، فلما رجع خرج من المسجد تلقَّتْه فاطمة عند باب البيت تلثم فاه ... (3) 271.

قال المناوي في فيض القدير: وكانت فاطمة من فضلاء الصحابة وبلغاء الشعراء، وكانت أحب أولاده إليه، وإذا قدمت عليه قام إليها وقبَّلها في فمها (4) 272.

وقال أيضاً: (كان- يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كثيراً ما يقبِّل عُرْف) ابنته (فاطمة) الزهراء، وكان كثيراً ما يقبلها في فمها أيضاً. زاد أبو داود بسند ضعيف: ويمص لسانها (5) 273.

فما يقول الكاتب في مص اللسان وتقبيل النحر وشمِّه ولثم الفم، هل هو جائز عنده أم أنه لا يجوز؟!

هذا مع أن أهل السنة رووا في كتبهم عن عائشة أموراً منكرة لا أدري لماذا تعامى الكاتب عنها.

منها: ما أخرجه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، والبيهقي في سننه الكبرى


1- ذخائر العقبى، ص 36.
2- المستدرك 3/ 156 ط حيدرآباد، 3/ 169 ط محققة. الدر المنثور 5/ 218.
3- المستدرك 3/ 156 ط حيدرآباد، 3/ 169 ط محققة.
4- فيض القدير 1/ 105.
5- المصدر السابق 5/ 174.

ص: 175

عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها (1) 274.

وقال الزرقاني: وللبيهقي عنها- أي عن عائشة- أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها وهو صائم ويمص لسانها. وفيه جواز الإخبار عن مثل هذا مما يجري بين الزوجين على الجملة للضرورة، وأما في حال غير الضرورة فمنهي عنه (2) 275.

بل إنهم رووا ما هو أعظم من ذلك، فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّج فخذي الحسين وقَبَّلَ زُبَيْبته (3) 276.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، وإسناده حسن (4) 277.

وأخرج البيهقي في سننه الكبرى بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الحسن، فأقبل يتمرَّغ عليه، فرفع عن قميصه، وقبَّل زُبَيْبته (5) 278.

فماذا يقول الكاتب في أمثال هذه الروايات التي رووها في كتبهم؟!

قال الكاتب: فإذا كان هذا نصيب رسول الله صلوات الله عليه ونصيب فاطمة، فما نصيب غيرهما؟

لقد شَكُّوا في الإمام محمد القانع هل هو ابن الرِّضا أم أنه ابن (.........). اقرأ معي هذا النص:


1- سنن أبي داود 2/ 312. السنن الكبرى للبيهقي 4/ 234. مسند أحمد 6/ 123، 234.
2- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/ 219.
3- الأحاديث المختارة 9/ 555. المعجم الكبير 3/ 45، 12/ 108. الإصابة 1/ 611. ذخائر العقبى، ص 221. سير أعلام النبلاء 3/ 253. إلا أن فيه الحسن بدل الحسين.
4- مجمع الزوائد 9/ 186.
5- السنن الكبرى للبيهقي 1/ 137.

ص: 176

عن علي بن جعفر الباقر كذا أنه قيل للرضا رضي الله عنه:

(ما كان فينا إمام قط حائل اللون- أي تغير واسوَّدَ- فقال لهم الرضا رضي الله عنه: هو ابني، قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة- مفردها قائف وهو الذي يعرف الآثار والأشباه ويحكم بالنّسب- فبيننا وبينك القافة، قال ابعثوا أنتم إليه، فأما أنا فلا، ولا تعلموهم: لمَ دعوتُهم وَلْتكَونوا في بيوتكم.

فلما جاءوا أقعدونا في البستان، واصطف عمومته واخوته وأخواته، وأخذوا الرضا رضي الله عنه، وألبسوه جبة صوف، وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاءوا بأبي جعفر رضي الله عنه، فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب، ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قَدَمَيْه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن قالوا: هذا أبوه) أصول الكافي 1/ 322.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي، وهو مجهول، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية ساقطة، لا يصح الاحتجاج بها في شي ء.

على أن في الرواية جهات من الإشكال كثيرة.

قال المحقق الخوئي قدس سره: يرد على الرواية وجوه:

الأول: أنها ضعيفة السند.

الثاني: أنها مخالفة لضرورة المذهب، فإنها اشتملت على عَرْض أخوات الإمام وعمَّاته على القافة، وهو حرام لا يصدر من الإمام عليه السلام. وتوهم أن ذلك من جهة الاضطرار، وهو يبيح المحظورات، توهم فاسد، إذ لم تتوقف معرفة بنوة الجواد للرضا عليه السلام على إحضار النساء.

الثالث: أن الجماعة الذين بغوا على الرضا عليه السلام لينفوا بنوة الجواد عليه السلام عنه لو

ص: 177

كانوا معتقدين بإمامة الرضا عليه السلام لما احتاجوا إلى القافة بعد إخباره بالبُنوة (1) 279.

قال الكاتب: أي أنهم شكوا في كون محمد القانع سلام الله عليه ابن الرضا رضي الله عنه، بينما يؤكد الرضا رضي الله عنه أنه ابنه، وأما الباقون فإنهم أنكروا ذلك، ولهذا قالوا: (ما كان فينا إمام قط حائل اللون) ولا شك أن هذا طعن في عرض الرضا رضي الله عنه، واتهام لامرأته، وشكٌّ في عِفَّتِها، ولهذا ذهبوا فأتوا بالقافة، وحكمَ القافةُ بأن محمداً القانع هو ابن الرضا رضي الله عنه لصلبه، عند ذلك رضوا وسكتوا.

وأقول: لو سلمنا بصحة هذه الرواية فهي لا ترتبط بشيعة الإمام عليه السلام، ولا تدل على أنهم قد شكّوا في بنوة الإمام الجواد عليه السلام كما مرَّ نقله عن السيد الخوئي قدس سره.

بل ظاهر الرواية أن هؤلاء كانوا من الهاشميين، ونحن لا نقول بعصمتهم أو بعدالتهم كلهم، ولا امتناع في أن يصدر من بعضهم مثل هذا الأمر، فإن هذه الشكوك قد تراود بعض من لا يلتفت إلى عوامل الوراثة من الأب والأم، وأن الولد قد يشبه أحد أجداده البعداء من أبيه أو أمّه.

ولا ندري لعل شك هؤلاء القوم كان ناشئاً من غفلة أو تسرّع أو جهل، أو كانوا يريدون دفع التهمة، أو غير ذلك مما يُعذرون فيه.

والحاصل أن هذه الرواية إن صحَّت فلا مطعن فيها على الشيعة، لأن كل ما يصدر من آحاد الناس، أو من الذين لا يعتقدون بالإمامة لا يُدان به الشيعة ولا يُلزَمون به، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى بيان أكثر.

وأود أن أنبّه القارئ الكريم إلى أن الشيعة لا يعبِّرون عن الإمام الجواد عليه السلام بالقانع كما صدر من الكاتب في هذا الموضع، وإن كان (القانع) من ألقابه عليه السلام.


1- مصباح الفقاهة 2/ 87.

ص: 178

قال الكاتب: من الممكن اتهام الآخرين بمثل هذه التهمة، وقد يُصَدِّقُ الناس ذلك، أما اتهام أهل البيت صلوات الله عليهم فهذا من أشنع ما يكون، وللأسف فإن مصادرنا التي نزعم أنها نَقَلَتْ عِلمَ أهل البيت مليئة بمثل هذا الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأقول: لقد أوضحنا أنه ليس كل حديث في المصادر الشيعية يصح الاحتجاج به أو يعتقد به الشيعة، فإن كتب الشيعة فيها الصحيح وفيها الضعيف، والضعيف لا قيمة له، ولا بد من طرحه وترك العمل به.

ولو صحَّ الإلزام بالضعيف لألزمْنا المخالفين بأمور كثيرة هم لا يلتزمون بها، ولاحتججنا عليهم بما لا يُقرِّون به، فلا أدري لمَ يُصِرُّ مدَّعي الاجتهاد والفقاهة على إلزام الشيعة بكل حديث يراه في كتبهم وإن كان من الروايات الضعيفة أو الأحاديث الموضوعة؟!

قال الكاتب: عندما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مر عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام، وما زِلتُ أذكر تعليل الخوئي عندما عرضتُ عليه هذا النص إذ قال ناقلًا عن السيد كذا آل كاشف الغطاء: إنما فعلوا ذلك لحرصهم على بقاء نسلهم نقياً!!

وأقول: هذه سقطة من سقطاته الواضحة كما ألمحنا إلى مثلها فيما مرَّ، فإن الكاتب لكونه سُنّيًّا يظن أن من ضمن مناهج الحوزة دراسة كتب الأحاديث ومنها الكافي للكليني، كما هو متعارف في الدراسة السُّنية التي من ضمنها دراسة كتب الأحاديث المشهورة عندهم، مع أن منهج الحوزة العلمية لا يشتمل على دراسة كتب

ص: 179

الأحاديث، لا الكافي ولا غيره.

وطالب العلم من أول دراسته الحوزوية حتى وصوله إلى أعلى المراتب العلمية لا يمر به هذا النص إلا بمطالعاته الخارجية، وكتب الدراسة الحوزوية معروفة كلها، وهي غير مشتملة على هذا الحديث.

ثم إن الكاتب لكونه يظن أن كاشف الغطاء كان أعلم من الخوئي فإنه من الطبيعي أن ينقل الخوئي كلاماً عن كاشف الغطاء، مع أن الخوئي لم ينقل في كل بحوثه ودروسه رأياً عن الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره ولا قولًا من أقواله، لأنه كان من أنداده لا من تلاميذه. ولو كان الكاتب طالباً في الحوزة لعلم ذلك، ولكن عذره في ذلك أنه لم يعرف الحوزة إلا سماعاً، ولم يعِشْ فيها فيطَّلع على ما فيها، فصار يخبط خبط عشواء، ويمشي مشْيَ الأعمى في الظلماء.

قال الكاتب: بل اتهموا الرضا سلام الله عليه بأنه كان يعشق بنت عم المأمون، وهي تعشقه، انظر عيون أخبار الرضا ص 153.

وأقول: يشير الكاتب إلى عبارة وردت في ضمن خبر طويل، ولا بأس بنقل ما أشار إليه الكاتب ليعلم القارئ حقيقة الأمر.

جاء في الخبر: وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن الرضا عليه السلام وحسده على ما كان المأمون يفضله به، فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن عليه السلام أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها، وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون، وكانت تميل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام وتحبه، وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه، فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له: لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعاً إلى مجلسك. فأمر المأمون بسدِّه، وكان المأمون يأتي الرضا عليه السلام يوماً، والرضا عليه السلام يأتي المأمون يوماً، وكان منزل أبي الحسن عليه السلام بجنب منزل المأمون، فلما دخل أبو الحسن

ص: 180

عليه السلام إلى المأمون، ونظر إلى الباب مسدوداً، قال: يا أمير المؤمنين، ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال: رأى الفضل ذلك وكرهه. فقال عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال: فما ترى؟ قال: فتحه والدخول إلى ابنة عمك، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع. فأمر المأمون بهدمه، ودخل على ابنة عمه، فبلغ الفضل ذلك فغمَّه (1) 280.

ومن الواضح أن الضمير في قوله: (أن ابنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها) يعود للمأمون، أي أن المأمون كان يحب ابنة عمه، وكانت هي تحبه، وكانت تميل إلى الرضا وتحبه، أي توده، ولهذا أشار الإمام عليه السلام على المأمون بأن يفتح الباب الذي كان شارعاً على مجلسه، ويتزوج بابنة عمه ويدخل بها، ففتح المأمون الباب ودخل على ابنةعمه.

هذا هو معنى الحديث، إلا أن الكاتب أعاد الضمائر على الإمام الرضا عليه السلام، وأبدل (تحبه ويحبها) ب- (يعشقها وتعشقه)، فتأمل مقدار أمانته!!

ولو سلَّمنا جدلًا بأن الإمام عليه السلام كان يحب ابنة عم المأمون وكانت تحبه، فهذا لا غضاضة فيه على الإمام عليه السلام، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحُبّ النساء كما ورد في الأخبار.

فقد أخرج أحمد والنسائي والحاكم والضياء المقدسي والبيهقي وغيرهم بأسانيدهم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلتْ قرة عيني في الصلاة (2) 281.


1- عيون أخبار الرضا 1/ 165.
2- سنن النسائي 7/ 72، 74. صحيح سنن النسائي 3/ 827. المستدرك 2/ 174. ط حيدرآباد 2/ 160. وصحَّحه ووافقه الذهبي. الأحاديث المختارة 4/ 428، 5/ 112، 113. مسند أحمد 3/ 128، 199، 285. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 78. السنن الكبرى للنسائي 5/ 280. مسند أبي

ص: 181

وأهل السنة رووا في كتبهم كما مرَّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحبَّ زينب بنت جحش مع أنها كانت على عصمة زيد بن حارثة، ولم يروا في ذلك ما يتنافى مع مقام النبوة، فكيف يتنافى ما هو دونه مع مقام الإمامة؟!

قال الكاتب: ولقبوا جعفراً بجعفر الكذاب، فسبوه وشتموه مع أنه أخو الحسن العسكري فقال الكليني: (هو معلن الفسق فاجر، ماجن شريب للخمور، أقل ما رأيته من الرجال، وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه) أصول الكافي 1/ 504.

فهل في أهل البيت سلام الله عليهم شريب خمر؟! أو فاسق؟ أو فاجر؟

وأقول: هذا كلام أحمد بن عبيد الله بن خاقان أحد وزراء الخليفة العباسي آنذاك، وليس هو من كلام واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام أو واحد من شيعتهم، غاية ما في الباب أن الكليني ذكره من رواية الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى.

ولا ريب في أنا لا نرى وثاقة كل واحد من بني هاشم، أو كل واحد من أبناء وأحفاد الأئمة عليهم السلام أو أبناء عمومتهم، فإن الوثاقة إنما تثبت بالدليل لا بالنسَب، فكل من ثبتت وثاقته قلنا بها، وإلا فلا ولا كرامة.

وكتاب الله العزيز قد نصَّ بأتم دلالة على انحراف ابن نوح عليه السلام، وأنه هلك فيمن هلك، ولم يمنع قربه من نبي من أولي العزم من الحكم عليه بما يستحقه، والكلام هو الكلام في أبناء الأئمة عليهم السلام، فإنا لا نقول بعصمتهم ولا وثاقتهم بالجملة.

وأما جعفر بن الإمام الهادي عليه السلام فلم تثبت وثاقته عندنا، وأما ما نسبه إليه أحمد بن عبيد الله بن خاقان من كونه شرّيباً للخمر فالله أعلم به، ونحن لا ندين الله بشي ء لا نعلمه.

ص: 182

قال الكاتب: إذا أردنا أن نعرف تفاصيل أكثر فعلينا أن نقرأ المصادر المعتبرة عندنا لنعرف ماذا قيل في حق الباقين منهم عليهم السلام، ولنعرف كيف قُتِلَتْ ذرياتهم الطاهرة وأين قُتلِوُا؟ ومَن الذين قتلوهم؟

لقد قُتِلَ عدد كبير منهم في ضواحي بلاد فارس بأيدي أناس من تلك المناطق، ولولا أني أخشى الإطالة أكثر مما ذكرت، لذكرت أسماء من أحصيته منهم وأسماء من قتلهم، ولكن أُحيل القارئ الكريم إلى كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني فإنه كفيل ببيان ذلك.

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز بطلان كل ما ادّعاه الكاتب، فإنه اعتمد على الأحاديث المرسلة والضعيفة، وفسَّرها على حسب ما يحب.

وأما ما قاله من قتل الذرّية الطاهرة فمن البديهيات أن قتَلَتَهم هم الأمويون والعباسيون وأعوانهم، ولم يكونوا من الشيعة، وضواحي فارس لم يكونوا شيعة إلا في العصور المتأخرة، وأما في زمان الدولة العباسية والأموية فلم يكونوا كذلك، وقد كانت أصفهان وقزوين والري وقم وخوارزم وغيرها بلاداً ناصبية، وعلى الكاتب أن يثبت بالأدلة الصحيحة أن من قتل الذرية الطاهرة هم الشيعة، وأنى له بذلك، وأما الادّعاءات فلا قيمة لها.

قال الكاتب: واعلم أن أكثر من تَعَرَّضَ للطعن وللغمز واللمز الإمامان محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام وعلى آبائهما، فقد نُسِبَتْ إليهم أغلب المسائل كالقول بالتقية، والمتعة، واللواطة بالنساء، وإعارة الفرج و .... و .... الخ. وهما سلام الله عليهما بريئان من هذا كله.

ص: 183

وأقول: بما أن الكاتب سيتعرض لهذه المسائل في الصفحات التالية، فإنا نوكل الخوض في إثبات التقية والمتعة والكلام في إعارة الفروج وغيرها إلى محله.

وأما اعتباره نسبة المتعة والتقية للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام من الطعون فيهما فلا يخفى ما فيه، لأن الشيعة رووا بالأسانيد الصحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الحكم بحلّية نكاح المتعة، فلا يهمُّهم ما روى غيرهم عن غيرهم، وما شنَّع غيرهم عليهم، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

وأود أن أنبّه القارئ العزيز على أن لفظ (اللواط) لا يصح إطلاقه على إتيان النساء في أدبارهن، وإنما يطلق على فعل قوم لوط، وهو إتيان الرجال للرجال، مع أن اللفظ الصحيح هو (اللواط)، وتعبير الكاتب ب- (اللواطة) خطأ لغوي ثانٍ.

هذا مع أن فقهاء الشيعة الإمامية لا يطلقون اللواط على إتيان النساء من أدبارهن، فلا أدري لمَ خرج مدَّعي الفقاهة والاجتهاد عن تعابير الفقهاء الصحيحة إلى تعابير عوام أهل السنة الخاطئة؟

ص: 184

المتعة وما يتعلق بها

قال الكاتب: كنت أَوَدُّ أن أجعل عنوان هذا الفصل (المرأة عند الشيعة) لكني عدلت عن ذلك لأني رأيت أن كل الروايات التي روتها كتبنا تنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى أمير المؤمنين وأبي عبد الله رضي الله عنه، وغيرهم من الأئمة.

فما أردت أن يصيب الأئمة عليهم السلام أي طعن لأن في تلك الروايات من قبيح الكلام ما لا يرضاه أحدنا لنفسه، فكيف يرضاه لرسول الله صلى الله عليه وآله، وللأئمة عليهم السلام؟!!

وأقول: إن القارئ العزيز سيرى الغث الكثير الذي جاء به الكاتب، وسيرى أن القول بحلية المتعة قد جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام، وأن منكر حلّيَّتها راد على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أئمة أهل البيت عليهم السلام.

قال الكاتب: لقد استُغِلَّتِ المتعةُ أبشع استغلال، وأُهيَنِت المرأةُ شرَّ إهانة، وصار الكثيرون يشبعون رغباتهم الجنسية تحت ستار المتعة وباسم الدين، عملا بقوله تعالى: فما استَمْتَعْتُم به مِنْهُنَّ فآتوهُنَّ أُجورَهُن فَرِيضَة (النساء) 24.

ص: 185

وأقول: إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وتشريع المتعة إنما كان من أجل إشباع الغريزة الجنسية كما دلَّت عليه روايات أهل السنة التي سيأتي ذكرها، واستغلال كل ما شرعه الله سبحانه وتبديله عن مساره لا يخدش في التشريع الإلهي، وكثير من ضعفاء النفوس يستغلون الصلاة وغيرها من العبادات لمآربهم الدنيئة الدنيوية كما قال الشاعر:

صلَّى وصَامَ لأمرٍ كانَ يَطلبُه لما انقضَى الأمرُ لا صلَّى ولا صَاما

. فكل الممارسات الخاطئة التي تصدر من الناس في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات لا تنعكس سلباً على التشريعات الإلهية، ولا تحلِّل الحرام أو تحرِّم الحلال. فلو سلَّمنا أن بعض ضعاف النفوس قد استغلوا نكاح المتعة أبشع استغلال كما قال الكاتب، فهذا لا يقدح في حلِّية نكاح المتعة، كما لم يقدح في حلية النكاح الدائم استغلاله من قبل من يريد به تحقيق مكاسب مادية أو معنوية كما يفعله كثير من الناس.

قال الكاتب: لقد أوردوا روايات في الترغيب بالمتعة، وحددوا أو رَتَّبوا عليها الثواب، وعلى تاركها العقاب، بل اعتبروا كل مَن لم يعمل بها ليس مسلماً، اقرأ معي هذه النصوص:

قال النبي صلى الله عليه وآله:

مَنْ تَمَتَّعَ بامرأة مؤمنة كأنما زارَ الكعبةَ سبعين مرة

فهل الذي يتمتع كمن زار الكعبة سبعين مرة؟ وِبمَن؟ بامرأة مؤمنة؟

وأقول: هذا (الحديث) لا وجود له في المصادر الشيعية، فلا أدري من أين جاء به الكاتب؟ فلعله قد جاء به من جراب النورة، ولهذا لم يذكر له مصدراً.

ص: 186

وعلى فرض وروده وصحَّته فلا محذور فيه، ولا مانع من ثبوت مثل هذا الثواب لمن عمل بالمتعة إحياءاً للسُّنة وإماتة للبدعة.

وقد ورد في كتب أهل السنة نظائر لهذا كثيرة، فقد جاء في صحيح مسلم أن قول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) أحب مما طلعت عليه الشمس (1) 282.

وأن من سبَّح لله مائة تسبيحة كُتب له ألف حسنة، أو حُطَّ عنه ألف خطيئة (2) 283.

وأن من قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شي ء قدير) في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومحُيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: (سبحان الله وبحمده) في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر (3) 284.

فإذا كان هذا الثواب كله يُثاب به مَن قال هذه الأذكار اليسيرة، فليس بمستبعد أن يثيب المولى الكريم المتفضِّل على عباده من تزوَّج متعة يريد بها إحياء السنة، وإماتة البدعة، وإحصان نفسه، والستر على مؤمنة عفيفة، أن يهبه الله مثل هذا الثواب أو أكثر منه.

وأما زعم الكاتب أن من لم يتمتع فهو مستحق للعقاب وأنه ليس بمسلم فهو كذب واضح، إذ لم يقل أحد من علماء الشيعة بوجوب نكاح المتعة، ولا بتوقف ثبوت الإسلام على فعله، وسيرى القارئ العزيز أن الكاتب لم يأتِ بدليل واحد يثبت به صحة هذه الدعوى.


1- صحيح مسلم 4/ 2072.
2- نفس المصدر 4/ 2073.
3- نفس المصدر 4/ 2071.

ص: 187

قال الكاتب: روى الصدوق عن الصادق رضي الله عنه قال: (إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا، ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا) مَن لا يحضره الفقيه 3/ 366 وهذا تكفير لمن لم يَقْبَل بالمتعة.

وأقول: هذا (الحديث) لا وجود له أيضاً في مصادر الشيعة، لا في (من لا يحضره الفقيه) ولا في غيره، والموجود هو قوله عليه السلام: التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له.

فانظر كيف سوَّغ مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لنفسه أن يختلق الأحاديث المكذوبة وينسبها للشيعة ظلماً وزوراً وبهتاناً.

ومما يدل على أن هذا الكاتب لم يكن صادقاً في دعواه أنه يختلق الأحاديث ويلصقها بالشيعة، ثم يستنبط منها ما يريده، ويُلزم به الشيعة، ولهذا حكم بأن الشيعة يلزمهم بهذا الحديث المكذوب أن يكفِّروا كل من لم يتزوَّج متعة، مع أنهم لا يقولون بذلك كما هو المعروف من مذهبهم، فما عشت أراك الدهر عجباً.

قال الكاتب: وقيل لأبي عبد الله رضي الله عنه: هل للتمتع ثواب؟ قال: (إن كان يريد بذلك وجهَ الله تعالى وخلافاً على من أنكرها (1) 285 لم يُكَلِّمْها كلمةً إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة (1)، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنَباً، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره) من لا يحضره الفقيه 3/ 366.

وأقول: هذا الحديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته صالح بن عقبة وأباه، وكلاهما لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.


1- أسقط الكاتب من الحديث ما جعلناه بين معقوفين، فلم يذكره في كتابه.

ص: 188

وعليه فالحديث لا يصح الاحتجاج به في شي ء.

ولو سلَّمنا بصحة الحديث فإنه لا يثبت للمتعة كثير ثواب وفضل كما هو واضح، لأن الرجل قد لا يكلمها خمسين كلمة، وقد لا يكون بدنه ممتلئاً شعراً، ليُغفر له بقدر ما مرَّ عليه من الماء.

فلا أدري لم استعظم الكاتب هذا الثواب؟!

قال الكاتب: وقال النبي صلى الله عليه وآله: (مَن تمتع مرة أَمِنَ سخطَ الجبار، ومَن تمتع مرتين حُشِرَ مع الأبرار، ومَن تمتع ثلاث مرات زاحمَني في الجنان) من لا يحضره الفقيه 3/ 366.

وأقول: هذا الحديث أيضاً لا وجود له في كتب الشيعة، لا في (من لا يحضره الفقيه) ولا في غيره، بل هو من مختلقات مدَّعي الاجتهاد ومختلق الأحاديث، ومع أن الحديث السابق موجود في الكتاب المذكور إلا أن هذاالحديث الذي ذكر الكاتب أنه في نفس المجلد والصفحة لا عين له فيه ولا أثر.

وعليه، فالكلام في هذا (الحديث) المختلق تضييع للوقت وهدر للجهد بلافائدة.

قال الكاتب: قلت: ورغبة في نيل هذا الثواب فإن علماء الحوزة في النجف وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بكثرة وأخص بالذكر منهم السيد الصدر والبروجردي والشيرازي والقزويني والطباطبائي، والسيد المدني إضافة إلى الشاب الصاعد أبو الحارث الياسري، وغيرهم، فإنهم يتمتعون بكثرة وكل يوم رغبة في نيل

ص: 189

هذا الثواب، ومزاحمة النبي صلوات الله عليه في الجنان.

وأقول: إن التعبير ب- (علماء الحوزة وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة) لا يصدر من شيعي، لأنه لا يوجد علماء حسينيات وعلماء مشاهد عند الشيعة.

كما أنه لا يوجد الآن مرجع من مراجع الشيعة اسمه البروجردي أو القزويني أوالطباطبائي (1) 286 أو السيد المدني، وأبو الحارث الياسري لم نسمع به ولا نعرفه، وأغلب الظن أنه اسم مخترَع.

وعلى كل حال فما قاله من حرص علماء الشيعة على المتعة كله أكاذيب وتلفيقات لا تستند لدليل ولا تنهض به حجة، والغرض منها مجرد الطعن في علماء الشيعة وتشويه صورتهم عند الناس لا أكثر.

قال الكاتب: وروى السيد فتح الله الكاشاني في تفسير منهج الصادقين عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (مَن تمتَّع مرة كانت كدرجة الحسين رضي الله عنه، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن رضي الله عنه، ومَن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومَن تمتع أربع فدرجته كدرجتي).

وأقول: هذا الحديث غير موجود في كتب الشيعة، ولهذا لم يذكر له الكاتب رقم المجلد والصفحة فراراً من الفضيحة.

وعليه، فالكلام في مثل هذه الأحاديث المختلقة من مدّعي الاجتهاد والفقاهة مضيعة للوقت.


1- نعم، من مراجع النجف الأشرف في الوقت الحاضر آية الله السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم دام ظله، ولكنه لا يُعرف في الأوساط العلمية أو الشعبية إلا بالسيد الحكيم، دون السيد الطباطبائي، بحيث لو أشار إليه شخص بالطباطبائي لماعُرف.

ص: 190

فهنيئاً لهذا المجتهد الذي صار سُنّياً بأحاديث اختلقها من عنده، وهنيئاً لأهل السنة به.

قال الكاتب: لو فرضنا أن رجلًا قَذِراً تمتع مرة أفتكون درجته كدرجة الحسين رضي الله عنه؟ وإذا تمتع مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً كانت كدرجة الحسن وعلي والنبي عليهم السلام؟ أمنزلة النبي صلوات الله عليه ومنزلة الأئمة هينة إلى هذاالحد؟!

وحتى لو كان المتمتع هذا قد بلغ في الإيمان مرتبة عالية، أيكون كدرجة الحسين؟ أو أخيه؟ أو أبيه أو جده؟! إن مقام الحسين أسمى وأعلى من أن يبلغه أحد مهما كان قوي الإيمان، ودرجة الحسن وعلي والنبي عليهم السلام جميعاً لا يبلغها أحد مهما سما وعلا إيمانه.

وأقول: بعد أن اتضح أن هذا (الحديث) مختلق مكذوب فالكلام فيه تبديد للوقت بلا فائدة.

ولكن كل إشكالات الكاتب ترد على ما أخرجه الترمذي في سننه، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وأحمد في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير بأسانيدهم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال: مَن أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (1) 287.

فهل كل من أحبَّ الخمسة أصحاب الكساء ينال درجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شخصاً قذراً كما قال الكاتب؟!

بل يلزم من هذا الحديث أن يكون كل المسلمين لهم درجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سواءاً


1- سنن الترمذي 5/ 641 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. الأحاديث المختارة 2/ 45. مسند أحمد 1/ 77. المعجم الكبير للطبراني 3/ 43.

ص: 191

أكانوا قذرين أم لا، لأنه ما من مسلم إلا وهو يحب الحسنين وأمهما وأباهما عليهم السلام!!

وهذا لا يعني أننا ننكر هذا الحديث أو نردّه، وإنما نحمله على معانٍ صحيحة، كأن يراد بالدرجة الجنة الواحدة، أو المكان الواحد في الجنة مع تفاوت درجات النعيم فيها، والله العالم.

قال الكاتب: لقد أجازوا التمتع حتى بالهاشمية كما روى ذلك الطوسي في التهذيب 2/ 193.

أقول: إن الهاشميات أرفع من أن يُتَمَتَّعَ بهن، فهن سليلات النبوة، ومن أهل البيت، فحاشا لهن ذلك، وسيأتي السبب إن شاء الله.

وأقول: إذا ثبت أن نكاح المتعة قد أحلَّه الله ورسوله كما سيأتي بيانه، فأي غضاضة على الهاشمية أن تتزوج متعة كما تتزوج دواماً، فتعف نفسها، وتحصن فرجها، وترضي ربَّها؟!

ثم إن أحكام الله ليست مخصوصة بقوم دون آخرين، فكما أن الله سبحانه أحلَّ النكاح للناس كافة فقد أحلَّه للأنبياء والأئمة عليهم السلام وبناتهم، فإن النكاح سُنَّة، وليس منا من رغب عن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الكاتب: وقد بين الكليني أن المتعة تجوز ولو لِضَجْعَةٍ واحدة بين الرجل والمرأة، وهذا منصوص عليه في فروع الكافي 5/ 460.

وأقول: إذا ثبت ذلك عن أهل البيت عليهم السلام فلا غضاضة في العمل به والتسليم لهم فيه، ولا فرق حينئذ بين اليوم واليومين والشهر والشهرين وغيرها ما دام النكاح

ص: 192

محلَّلًا إلى أجل قلَّ أم كثر، وحال نكاح المتعة في ذلك حال النكاح الدائم، فمن عقَدَ عقْد النكاح الدائم، وضاجع امرأته مباشرة ثم طلَّقها، صحَّ نكاحه وطلاقه من غير خلاف، ولا يضر قصر المدة بصحة نكاحه.

قال الكاتب: ولا يُشْتَرَطُ أن تكون المتمتع بها بالغة راشدة بل قالوا يمكن التمتع بمن في العاشرة من العمر، ولهذا روى الكليني في الفروع 5/ 463 والطوسي في التهذيب 7/ 255 أنه قيل لأبي عبد الله رضي الله عنه: (الجارية الصغيرة، هل يَتَمَّتُع بها الرجلُ؟ فقال: نعم، إلا أن تكون صبية تخدع. قيل: وما الحد الذي إذا بَلغَتْهُ لم تُخْدَع؟ قال: عشر سنين).

وأقول: لا فرق بين نكاح المتعة والنكاح الدائم من هذه الناحية، فإن أهل السنة أجازوا نكاح الفتاة الصغيرة حتى لو كان عمرها ست سنين، وقد رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج عائشة وهي ابنة ست.

فقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بأسانيدهم عن عائشة، أنها قالت: تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع (1) 288.

بل يجوز عندهم نكاح الرضيعة دواماً، وسيأتي بيان ذلك قريباً إن شاء الله تعالى، فانتظره.

فإذا جاز الزواج الدائم بالصغيرة والرضيعة فلا مانع من جوازه متعة كذلك،


1- صحيح البخاري 3/ 1189، 1190، 1653، 1654، 1660. صحيح مسلم 2/ 1038- 1039. سنن أبي داود 2/ 239، 4/ 284، سنن النسائي 6/ 82. سنن ابن ماجة 1/ 603- 604. صحيح ابن حبان 16/ 9، 56. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 114، 253. مسند أبي داود الطيالسي، ص 305.

ص: 193

لأن أحكام النكاحين واحدة إلا ما استُثني.

قال الكاتب: وهذه النصوص كلها سيأتي الرد عليها إن شاء الله، ولكني أقول: إن ما نُسِبَ إلى أبي عبد الله رضي الله عنه في جواز التمتع بمن كانت في العاشرة من عمرها، أقول: قد ذهب بعضهم إلى جواز التمتع بمن هي دون هذا السن.

وأقول: العبارة فيها ركاكة واضحة، فإنه لا يعلم أين ذهب خبر (إن) في قوله: (إن ما نُسب إلى أبي عبد الله ...).

وأما ذهاب بعضهم إلى جواز التمتع بمن هي دون سن العاشرة فقد أوضحنا أنه لا مانع منه، ونقلنا ما رواه أهل السنة من تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين، فإذا جاز نكاح الصغيرة دواماً فما المانع من جوازه متعة؟

قال الكاتب: لما كان الإمام الخميني مقيماً في العراق كنا نتردد إليه، ونطلب منه العلم حتى صارت علاقتنا معه وثيقة جداً، وقد اتفق مرة أن وُجِّهَتْ إليه دعوة من مدينة؟؟ وهي مدينة تقع غرب الموصل على مسيرة ساعة ونصف تقريباً بالسيارة، فطلبني للسفر معه، فسافرت معه ...

ثم نقل الكاتب قصة طويلة مفادها أن السيد الخميني رحمة الله عليه تمتَّع في بغداد بصبية عمرها أربع أو خمس سنوات.

وأقول: قصة التمتع بالطفلة الصغيرة التي لها من العمر أربع سنين من الهراء الذي لا ينبغي الجواب عليه، ونحن لا نصدق أمثال هذه الحكايات حتى لو نُسبت لليهود فضلًا عن المسلمين، فإنه لا يعقل من رجل ناهز السبعين أن يرضى لنفسه أن

ص: 194

يتمتع بطفلة عمرها أربع سنين.

ونحن لا نتعقل أن يُتاح لرجل التمتُّع بالشابات فيتركهن ويتمتع بطفلة عمرها أربع سنين يقضي الليل معها وهي تصرخ وتصيح، بحيث يسمع صراخها كل من كان في الدار، وهو غير عابئ بكل ذلك!! فإن مثل هذا الرجل لا يمكن إدراجه في عداد الرجال الأصحاء.

ولو أن الكاتب افترى فرية يمكن أن تقع لأمكن تصديقه فيها، وأما الحكايات الخرافية التي يستحيل وقوعها والتي لا يصدِّق بها إلا الحمقى والمغفَّلون، فهي مردودة على مُفتريها.

قال الكاتب: وكان الإمام الخميني يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة، فقال: (لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضَماً وتفخيذاً- أي يضع ذَكَرَهُ بين فخذيها- وتقبيلا) انظر كتابه تحرير الوسيلة 2/ 241 مسألة رقم 12.

وأقول: لا يوجد نص في تحرير الوسيلة هكذا، والمسألة المشار إليها هي:

مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة ... الخ.

فما قاله الكاتب هو تحريف للفتوى كما هو واضح، فمرحباً بهذا (المجتهد) الذي يتوصل إلى ما يريد باختلاق الأحاديث وتحريف الفتاوى والأحكام، فكيف يُوثَق بقوله ويُطمأَنّ بصحة خبره؟!

والمراد بالفتوى هو أنه لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، سواءاً أكانت الزوجة دائمة أم منقطعة، لورود النهي عن وطء الصغيرة التي لم تبلغ تسع

ص: 195

سنين، فقد قال الصادق عليه السلام كما في صحيحة الحلبي: إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين (1) 289.

وأما سائر الاستمتاعات فهي جائزة، لعموم ما دلَّ على جواز الاستمتاع بالزوجة، ولا مخصِّص له في البين يدل على الحرمة.

وهذا إنما يُذكر بنحو الفرض في كتب الفقه، بغض النظر عن وقوعه في الخارج وعدمه، فإنها مسألة أخرى، فإنّا لم نسمع أن رجلًا سويًّا أو غير سوي استمتع برضيعة، ولكنه لو لامسها أو قبَّلها وحصلت عنده شهوة فهو جائز له، لأنها زوجته، وإن كان يحرم عليه وطؤها.

ولا يخفى أن الوارد في الفتوى هو الاستمتاع بالزوجة الصغيرة، أي التلذُّذ بها، وليس المراد تزوُّجها متعة، وفرض المسألة هو وطء الزوجة الدائمة الصغيرة والاستمتاع بها، هل يجوزان أو لا؟

ولئن شنَّع الكاتب على الاستمتاع بالصغيرة أو الرضيعة فقد فاته أن علماء أهل السنة ذكروا أمثال هذه المسألة في كتبهم.

أما جواز نكاحها فقد ذكره النووي في (روضة الطالبين)، حيث قال:

الثانية: يجوز وقف ما يُراد لعينٍ تستفاد منه، كالأشجار للثمار، والحيوان للبن والصوف والوبر والبيض، وما يُراد لمنفعة تُستوفَى منه كالدار والأرض. ولا يُشترط حصول المنفعة والفائدة في الحال، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزَّمِن الذي يُرجى زوال زمانته، كما يجوز نكاح الرضيعة (2) 290.

وقال السرخسي في المبسوط: عرضية الوجود بكون العين منتفعاً بهاتكفي لانعقاد العقد، كما لو تزوَّج رضيعة صحَّ النكاح، باعتبار أن عرضية الوجود فيما هو


1- وسائل الشيعة 14/ 70.
2- روضة الطالبين 5/ 314.

ص: 196

المعقود عليه- وهو ملك الحِل- يقام مقام الوجود (1) 291.

وأما الاستمتاع بالصغيرة فقد قال ابن قدامة في المغني:

فأما الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها (2) 292 فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها (3) 293، وهو ظاهر كلام أحمد، وفي أكثر الروايات عنه قال: تُستبرأ وإن كانت في المهد (4) 294. وروي عنه أنه قال: إن كانت صغيرة بأي شي ء تُستبرأ إذا كانت رضيعة؟ وقال في رواية أخرى: تُستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض، وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممن توطأ وتحبل. فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها (5) 295، وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك، وهو الصحيح (6) 296، لأن سبب الإباحة متحقِّق (7) 297، وليس على تحريمها دليل، فإنه لا نص فيه ولا معنى نص (8) 298، لأن تحريم مباشرة الكبيرة إنما كان لكونه داعياً إلى الوطء المحرَّم، أو خشية أن تكون أُمَ


1- المبسوط للسرخسي 15/ 109.
2- بأن كانت دون تسع سنين، أو كانت رضيعة عمرها سنة واحدة كما سيأتي قريباً في أكثر الروايات عن أحمد شمول مورد الكلام لمن كانت في المهد.
3- وأما بعد الاستبراء فلا تحريم في البين وإن لامسها أو قبَّلها بشهوة.
4- وهذه الفتوى من مهازل فتاوى أحمد بن حنبل، إذ كيف تُستبرأ الرضيعة التي في المهد مع عدم قابليتها للحمل، وهل الاستبراء إلا من أجل التأكد من عدم الحمل؟
5- أي لا يجب استبراء الرضيعة، ولا تحرم مباشرتها، لأنها ليست ممن تحيض، ولا ممن توطأ وتحبل. اه
6- أي أن القول بجواز مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة من غير استبراء هو قول ابن أبي موسى ومالك بن أنس، وهو المختار عند ابن قدامة.
7- هذا تعليل لعدم حرمة مباشرة الرضيعة قبل استبرائها، وهو أن السبب في إباحة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة متحقق، وهو العقد عليها إن كانت زوجة والملكية إن كانت الرضيعة أمة.
8- أي لا يوجد دليل على حرمة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة، لا نص صريح، ولا معنى يمكن استفادته من النص.

ص: 197

ولدلغيره (1) 299، ولا يُتَوهَّم هذا في هذه (2) 300، فوجب العمل بمقتضى الإباحة (3) 301.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شي ء لا ضرر فيه على الصغيرة (4) 302 عُمل به، وإن اختلفا (5) 303 فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حَدُّذلك أن تطيق الجماع (6) 304، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يُضبط بسِن (7) 305، وهذا هو الصحيح (8) 306.

قلت: على هذه الفتوى يجوز أن يتَّفق الولي والزوج على أن يدخل الزوجُ بالصغيرة الرضيعة من دون أن يطأها، بل يقتصر على تقبيلها وضمِّها بشهوة وتفخيذها إذا رأى الولي أن ذلك لا يضر بالصغيرة.

وعلى فتوى مالك والشافعي وأبي حنيفة فإن الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو أطاقت الجماع جاز وطؤها عندهم، فضلًا عن لمسها بشهوة وتفخيذها.


1- وأما تحريم مباشرة الكبيرة فلأجل أن المباشرة قد تؤدي إلى الوطء، وهو محرم قبل الاستبراء، أو لأجل أنها قد تكون حاملًا من غيره، فتكون أم ولد لذلك الغير، ووطء أم ولد الغير حرام.
2- أي أن الخشية من الوقوع في الوطء المحرم واحتمال كون الرضيعة أم ولد للغير لا يمكن توهّمهما في الرضيعة، لاستبعاد تحقق وطئها من الرجل السوي، وامتناع كونها أم ولد للغير.
3- المغني لابن قدامة 9/ 160.
4- كما لو اتفقا على ألا يطأها الزوج، وإنما يقتصر على الاستمتاع بها بالتقبيل والتفخيذ وغيرهما مما هو دون الوطء مما لا ضرر فيه على الصغيرة.
5- بأن أراد الزوج وطأها، وأراد الولي منه أن يقتصر على الاستمتاعات الأخرى فقط.
6- فيجوز للزوج أن يدخل بها إذا أطاقت الجماع وإن كان عمرها دون السنتين أو الثلاث.
7- أي لا يمكن ضبط مقدرة الصغيرة على الجماع بسن معين، فربما تطيق الجماع بعض الصغيرات بملاحظة سمنها مثلًا، وصغر آلة زوجها، وربما لا تطيقه من كانت أكبر سناً إذا كانت هزيلة، وكانت آلة زوجها عظيمة.
8- شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 206.

ص: 198

قال الكاتب: جلست مرة عند الإمام الخوئي في مكتبه، فدخل علينا شابان يبدو أنهما اختلفا في مسألة، فاتفقا على سؤال الإمام الخوئي ليدلهما على الجواب.

فسأله أحدهما قائلًا: سيد ما تقول في المتعة، أحلال هي أم حرام؟

ثم نقل الكاتب قصة طويلة فحواها أن الشاب السائل كان سُنيًّا من الموصل، فلما أجابه السيِّد بحليتها، طلب من السيِّد أن يزوجه ابنته متعة، فأجابه السيد بقوله: أنا سيِّد، وهذا حرام على السادة، وحلال عند عوام الشيعة.

فنظر الشاب إلى السيِّد الخوئي وهو مبتسم، ونظرته توحي أنه علم أن الخوئي قد عمل بالتقية. (1) 307

ي القصة أن الكاتب لحق بالشابين بعد خروجهما من (مكتب) السيد، فسمع الشاب الشيعي الآخر يسب العلماء ويلعنهم، لأنهم يحلِّلون المتعة لأنفسهم، ويحرِّمونها على غيرهم.

وأقول: هذه القصة من القصص الخرافية التي لا تستند على دليل صحيح، ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.

ومن أدلة كذب هذه القصة أن السيد الخوئي قدس سره ليس عنده مكتب في النجف الأشرف لاستقبال الناس فيه كما زعم الكاتب، وإنما كان يستقبل الناس في منزله المعروف في حي العمارة.

والكاتب لم يبيِّن للقرَّاء لماذا لحق بالشابين بعد خروجهما من مجلس السيد؟ فإنه لم يتضح سبب صحيح للحوقه بهما إلا ترتيب القصة بصورة تبدو بها أكثر إثارة.

وأما زعمه أن الخوئي قدس سره قد عمل بالتقية فهو من المضحكات، إذ كيف يتَّقي السيِّد من الشاب الموصلي في مسألة هو يصرِّح بها في كتبه العلمية والفتوائية، ويفتي مقلِّديه بجوازها؟ مع أن المقام مقام إثبات المتعة لا مقام تقية كما هو واضح.

وأما زعمه أن السيَّد الخوئي قدس سره قد قال: (إن المتعة حرام على السادة وحلال


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 199

على عوام الشيعة) فهو معلوم البطلان، بل هو فرية بلا مرية، فإن السيد الخوئي قدس سره وكل علماء الشيعة يفتون بحليّة نكاح المتعة مطلقاً من غير هذا التفصيل المزعوم.

ومن المعروف أن بعض أهل السنة دأبوا على الاحتجاج على الشيعة باحتجاج الشاب الموصلي الذي زعمه الكاتب، بظن أنهم يُلزِمون الشيعة بما لا يستطيعون الإجابة عليه، وهو احتجاج قديم ورد في الأخبار.

ففي صحيحة زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: أحلَّها الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله، فهي حلال إلى يوم القيامة. فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرَّمها عمر ونهى عنها؟! فقال: وإن كان فعل. قال: وإني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرَّمه عمر. قال: فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله، فهلم أُلاعِنُك أن القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن الباطل ما قال صاحبك. قال: فأقبل عبد الله ابن عمير فقال: يسرُّك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك؟ قال: فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه (1) 308.

وجواب من أشكل بذلك تارة يكون نَقْضِياً، وتارة يكون حَلّيًّا.

أما النقضي فيقال له: هل تزوّجني ابنتك أو أختك مع بعض بنات عمك أو بنات خالك زواجاً دائماً؟ فإن الزواج الدائم بأربع نسوة جائز عندكم وعندنا، ولا مانع من تزويجي أربعاً من أهلك وأرحامك؟

فإن أجاب: (بأنا لا نزوِّج رافضيًّا)، أجبناه في المتعة بنفس جوابه بأنا لسنا مضطرين لأن نزوّج سُنّيًّا، سواءاً أكان النكاح دواماً أو متعة. وإن أجاب ب- (نعم) ألزمناه به.

كما يُنْقَض عليه بنقض آخر، وهو أنه هل يرضى بأن يزوِّج ابنته زواجاً دائماً


1- الكافي 5/ 149. تهذيب الأحكام 7/ 250. وسائل الشيعة 14/ 437.

ص: 200

بمهر حقير من رجل مريض فقير بخيل لئيم دميم طاعن في السن عنده ثلاث نسوة؟

فإن أجاب ب- (لا) قلنا له: لمَ لا ترضى بما أحلَّه الله سبحانه؟ وإن قال: (نعم) سعينا في إلزامه به.

وأما الجواب الحَلّي فيقال له: ليس كل من خطب زوَّجناه حتى لو كان مريد الزواج شيعيًّا، وكان النكاح دائماً، وليس كل ما يجوز في الشرع نحبّه لبناتنا وأخواتنا، فالطلاق جائز، لكنا لا نرضاه لبناتنا وأخواتنا، ونكاح أربع نسوة جائز، ولكنا لا نرضاه لهن أيضاً، وزواج الأم بعد فراق الأب بموت أو طلاق جائز، ولكن الأبناء لا يرتضونه، وتزويج المريض واللئيم والدميم والبخيل وسيئ الأخلاق جائز، ولكن لا يرضاه الرجل لابنته أو لأخته، وهناك صور كثيرة لأنكحة جائزة لا يرتضيها الرجل لبناته ولا لأخواته.

ومما قلناه يتضح أن الرجل قد لا يحب لابنته أن تتزوَّج بنكاح المتعة من رجل ما دام النكاح الدائم ممكناً لها، فإنه بلا ريب خير لها من نكاح المتعة، وذلك لوجوب نفقتها والمبيت عندها على زوجها في النكاح الدائم، كما أنها ترثه لو مات عنها ... وغير ذلك، بخلاف نكاح المتعة، فإنه لا يجب فيه شي ء من ذلك.

نعم، لو كانت المرأة ذات أولاد صغار، ولا تجد من ينفق عليها وعلى صغارها، أو خشيت على نفسها من الوقوع في الحرام، فلا أعتقد أن أباً يرفض تزويج ابنته من رجل مؤمن تقي ذي خُلُق، يصونها وينفق عليها وعلى أولادها.

قال الكاتب: إن المتعة كانت مُباحة في العصر الجاهلي، ولما جاء الإسلام أبقى عليها مدة، ثم حُرِّمَت يوم خيبر، لكن المتعارَف عليه عند الشيعة عند جماهير فقهائنا أن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها، وهذا ما يرويه بعض فقهائنا.

وأقول: لا دليل على أن نكاح المتعة كان من أنكحة الجاهلية بشروطه المعروفة،

ص: 201

من عقد وعدة ومهر وتحديد مدة وغيرها، لأن أنكحة الجاهلية لا يعرف فيها ذلك.

بل ظاهر الأخبار الكثيرة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أباحه لصحابته، وأذن لهم فيه في بعض مغازيه.

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن قيس قال: سمعت عبد الله (1) 309 يقول: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ.

وأخرج أيضاً عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء.

وأخرج بسنده عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا، فأذن لنا في المتعة.

وأخرج بسنده عن الربيع بن سبرة، أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمس عشرة، (ثلاثين بين يوم وليلة)، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء ... (2) 310.

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رخّص للناس في نكاح المتعة وأذن لهم فيه، ولو كانت المتعة من الأنكحة المعروفة في الجاهلية وكانت مباحة للمسلمين من أول الأمر لما اتّجه قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألا نستخصي؟).

وأما تحريم عمر للمتعة فيدل عليه ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق


1- أخرج الطحاوي هذا الحديث في شرح معاني الآثار 3/ 24 عن عبد الله بن مسعود، وهو المراد به في حديث مسلم.
2- صحيح مسلم 2/ 1022- 1025.

ص: 202

الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

وبسنده عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نَعُدْ لهما (1) 311.

وأخرج أحمد في المسند عن جابر قال: متعتان كانتا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنهانا عنهما عمر رضي الله تعالى عنه فانتهينا (2) 312.

وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله قال: تمتعنا متعتين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: الحج والنساء، فنهانا عمر عنهما فانتهينا (3) 313.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى وغيره عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال في حديث: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرسول، وإن هذا القرآن هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، إحداهما متعة النساء، ولا أقدر على رجل تزوَّج امرأة إلى أجل إلا غيَّبته بالحجارة، والأخرى متعة الحج، افصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجِّكم وأتم لعمرتكم (4) 314.

وأخرج سعيد بن منصور في مسنده بسنده عن أبي قلابة قال: قال عمربن الخطاب رضي الله عنه: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج (5) 315.


1- نفس المصدر 2/ 1023.
2- مسند أحمد 3/ 325. أحكام القرآن للجصاص 2/ 152.
3- مسند أحمد 3/ 365. وبألفاظ قريبة مما مرّ في 3/ 363.
4- السنن الكبرى للبيهقي 7/ 206.
5- سنن سعيد بن منصور، ص 252. وراجع مسند أحمد بن حنبل 1/ 52. شرح معاني الآثار 2/ 144، 146. كنز العمال 16/ 519، 521. أحكام القرآن للجصاص 1/ 290، 291، 293، 2/ 152، 3/ 239. تفسير القرطبي 2/ 392. العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني 2/ 156. تذكرة الحفاظ 1/ 366. بداية المجتهد 2/ 121.

ص: 203

وقال السرخسي في المبسوط: وقد صحَّ أن عمر رضي الله عنه نهى الناس عن المتعة، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحج (1) 316.

قلت: وهذه الروايات صريحة في المطلوب، فإن عمر نسب التحريم إلى نفسه، وشهد بأن المتعتين كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلنا شهادته على حلِّيتهما، وله تحريمه.

وأخرج عبد الرزاق في مصنَّفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، عن عطاء قال: وسمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر، ما كانت المتعةإلا رخصة من الله عز وجل، رحم بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي. قال: كأني والله أسمع قوله: إلا شقي (2) 317.

وعن ابن جريج قال: أخبرني مَن أصدِّق أن عليًّا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب- أو قال: من رأي ابن الخطاب- لأمرتُ بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي (3) 318.

وأخرج ابن حبان في صحيحه بسنده عن خالد بن دريك أن مطرفاً عاد عمران ابن حصين فقال له: إني محدِّثك حديثاً، فإن برئتُ من وجعي فلا تحدِّث به، ولو مضيتُ لشأني فحدِّث به إن بدا لك، إنا استمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى مات صلى الله عليه وسلم، رأى رجل رأيه (4) 319.


1- المبسوط 4/ 27.
2- المصنف لعبد الرزاق 7/ 499، ط أخرى 7/ 399. شرح معاني الآثار 3/ 26.
3- المصنف لعبد الرزاق 7/ 499، ط أخرى 7/ 399.
4- صحيح ابن حبان 9/ 244.

ص: 204

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن مطرّف عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: تمتَّعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء (1) 320.

قال ابن حجر في فتح الباري: فقال في آخره: (ارتأى رجل برأيه ما شاء) يعني عمر.

وقال: ففي مسلم أيضاً أن ابن الزبير كان ينهى عنها، وابن عباس كان يأمر بها، فسألوا جابراً، فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر (2) 321.

ولهذا عدَّ أبو هلال العسكري- ونقله عنه السيوطي- من أوليّات عمر بن الخطاب تحريمه للمتعة.

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: فصل في أوليات عمر رضي الله عنه، قال العسكري: هو أول من سُمِّي أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من الهجرة، وأول من اتّخذ بيت المال، وأول من سَنَّ قيام شهر رمضان، وأول من عسَّ بالليل، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من حرَّم المتعة ... (3) 322.

ومما قلناه يتضح أن كتب أهل السنة تشهد عليهم بأن المتعة كانت محلَّلة زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزمان أبي بكر وشطراً من زمان عمر، ثم حرَّمها عمر في شأن عمروبن حريث.

والذي يظهر أن عمر أبى أن يتذَّرع من خلا بامرأة لا يُعرَف لها بعل بنكاح المتعة، فأراد أن يسد هذا الباب، وهذا اجتهاد منه لا يلزم غيره مع ثبوت النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على حلّية نكاح المتعة.

فما قاله الكاتب من أن الشيعة يقولون: (إن عمر حرَّمها) صحيح، لأنهم


1- صحيح البخاري 1/ 468.
2- فتح الباري 3/ 339.
3- تاريخ الخلفاء، ص 108. وتجد ذكر تحريم المتعة في كتاب الأوائل للعسكري 1/ 240.

ص: 205

استدلوا على ذلك بما نقلنا بعضه من كتب أهل السنة، فما المحذور في ذلك؟!

قال الكاتب: والصواب في المسألة أنها حُرِّمَت يوم خيبر.

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

حَرّم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية، ونكاح المتعة

انظر التهذيب 2/ 186، الاستبصار 3/ 142، وسائل الشيعة 14/ 441.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند بعمرو بن خالد الواسطي، فإنه لم يوثَّق في كتب الرجال، واختُلف في مذهبه، فقيل: إنه من أهل السنة. والمشهور أنه من رؤساء الزيدية، وأغلب رواياته يرويها عن زيد بن علي، ومنها هذه الرواية.

ومن جملة رواة هذا الحديث الحسين بن علوان، وهو سُنِّي المذهب، وعبارة النجاشي في ترجمته موهمة تحتمل عود التوثيق فيها إليه أو إلى أخيه الحسن، ولا توثيق آخر له، ولهذا فنحن متوقفون فيه، وإن وثّقه بعض الأعلام، وضعَّفه بعض آخر.

والحاصل أن هذا الحديث اشتمل على راوٍ زيدي، وراوٍ آخر سُني المذهب، وكلاهما لم يثبت توثيقهما، وما قيل في توثيقهما ليس محلًا للاعتماد والوثوق.

ولو سلّمنا بصحة هذه الرواية فهي محمولة على التقية، وذلك لأن الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة بلغت حد التواتر، فلا يمكن العمل بهذه الرواية الضعيفة، وطرح كل تلك الروايات المتواترة.

قال الشيخ الطوسي قدس سره في تهذيب الأحكام: فإن هذه الرواية وردت مورد التقية وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة، والعلم حاصل لكل من سمع الأخبار أن من دين أئمتنا عليهم السلام إباحة المتعة، فلا يحتاج إلى الإطناب فيه (1) 323.


1- تهذيب الأحكام 7/ 251.

ص: 206

وقال في الاستبصار: فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقية، لأنها موافقة لمذاهب العامة، والأخبار الأولة موافقة لظاهر الكتاب وإجماع الفرقة المحقة على موجبها، فيجب أن يكون العمل بها دون هذه الرواية الشاذة (1) 324.

قال الكاتب: وسُئِلَ أبو عبد الله رضي الله عنه: (أكان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال: لا) انظر التهذيب 2/ 189.

وعلق الطوسي على ذلك بقوله: إنه لم يُرِدْ من ذلك النكاح الدائم بل أراد منه المتعة، ولهذا أورد هذا النص من باب المتعة.

وأقول: لم يعلق الشيخ بذلك في كتابيه (تهذيب الأحكام)، و (الاستبصار)، فراجعهما لتتحقق مقدار أمانة مدَّعي الاجتهاد والفقاهة.

بل قال الشيخ الطوسي في كتابيه المذكورين ما يلي:

فإن هذا الخبر ليس فيه المنع من المتعة إلا ببيِّنة، وإنما هو منبئ عما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم ما تزوَّجوا إلا ببيِّنة، وذلك هو الأفضل، وليس إذا كان ذلك (2) 325 غير واقع في ذلك العصر دلَّ على أنه محظور، كما نعلم أن ههنا أشياء كثيرة من المباحات وغيرها لم تكن تستعمل في ذلك الوقت، ولم يكن ذلك دلالة على حظره، على أنه يمكن أن يكون الخبر ورد مورد الاحتياط دون الإيجاب، ولئلا تعتقد المرأة أن ذلك لا يحوز إذا لم تكن من أهل المعرفة (3) 326.

قلت: ولا بأس أن أنقل للقارئ العزيز نص الحديث كما رواه الشيخ الطوسي في كتابيه تهذيب الأحكام والاستبصار، ليتضح له معناه.


1- الاستبصار 3/ 142.
2- أي الزواج من غير بيِّنة.
3- تهذيب الأحكام 7/ 261. الاستبصار 3/ 148.

ص: 207

قال الشيخ قدس سره: عن المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يجزي في المتعة من الشهود؟ فقال: رجل وامرأتان يشهدهما. قلت: أرأيت إن لم يجدوا أحداً؟ قال: إنه لا يعوزهم. قلت: أرأيت إن أشفقوا أن يعلم بهم أحد، أيجزيهم رجل واحد؟ قال: نعم. قال: قلت: جعلت فداك، كان المسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بيّنة؟ قال: لا (1) 327.

والحديث واضح الدلالة على كفاية رجل وامرأتين في الشهادة على نكاح المتعة، بل يكفى رجل واحد فقط، كما أنه يدل على عدم اشتراط الشهود في نكاح المتعة ولا سيما إذا لم يجدوا أحداً أو خافوا أن يعلم بهم أحد.

وبما أن مورد السؤال هو نكاح المتعة فالحديث يدل على أن الصحابة كانوا لا يتمتَّعون إلا ببيِّنة، أو أنهم كانوا لا يتزوَّجون مطلقاً- أي متعة ودواماً- إلا ببيِّنة.

فأين دلالة هذا الحديث على حرمة المتعة، مع أنه صريح في حلّيتها، لأن الصحابة كانوا يتمتَّعون، غاية الأمر أن متعتهم كانت ببيّنة؟!

والظاهر أن العلة في أن الصحابة كانوا لا يتزوجون متعة إلا ببيّنة هي أنها كانت مباحة لهم، فليس فيها ما يقتضي الشنعة على فاعلها حتى يَتستَّر بها، فلهذا كانوا يُشهِدون على أنكحتهم دفعاً للتهمة وعملًا بالسُّنة.

فانظر أيها القارئ العزيز إلى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة الذي بتر الحديث وأخذ ببعضه دون بعضه الآخر، وفسَّر ما أخذه من الحديث بحسب هواه، لا بما يدل عليه كلام الإمام عليه السلام من عدم اشتراط الشهود في نكاح المتعة.

قال الكاتب: لا شك أن هذين النصين حجة قاطعة في نسخ حكم المتعة


1- انظر المصدرين السابقين.

ص: 208

وإبطاله. وأمير المؤمنين صلوات الله عليه نقل تحريمها عن النبي صلى الله عليه وآله، وهذا يعني أن أمير المؤمنين قد قال بحرمتها من يوم خيبر، ولا شك أن الأئمة من بعده قد عرفوا حكم المتعة بعد علمهم بتحريمها.

وأقول: قد أوضحنا أن النص الأول ضعيف السند، ومع تسليم صحَّته فهو وارد مورد التقية، فلا يصح الأخذ به وطرح الأخبار المتواترة المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السلام والدالَّة على حلِّية نكاح المتعة، بل على استحبابه.

وأما الحديث الثاني فقد دلَّ على أن الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا لا يتزوَّجون المتعة إلا ببينة لما قاله قدس سره ولما قلناه، وهو دال على حلِّيتها لا على حرمتها كما أوضحناه.

فأين الحجة القاطعة التي زعمها الكاتب على نسخ نكاح المتعة؟! وكيف علم بأن أمير المؤمنين عليه السلام نقل تحريمها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن الحديث ضعيف السند ومعارض بالأحاديث المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة الدالة على حليّتها.

ولا أدري لمَ أخذ الكاتب بهذين الحديثين وتعامى عن عشرات الأحاديث الناصَّة على حلّية نكاح المتعة؟ فهل مبلغ اجتهاده وغاية مقدرته على استنباط الأحكام أن ينظر إلى حديث ضعيف، فيتمسك به، ويفتي على طبقه، ويتعامى عن عشرات الأحاديث الصحيحة المعارضة له؟!

قال الكاتب: وهنا نقف بين أخبار منقولة وصريحة في تحريم المتعة، وبين أخبار منسوبة إلى الأئمة في الحث عليها وعلى العمل بها.

وهذه مشكلة يحتار المسلم إزاءها أيتمتع أم لا؟

وأقول: إن وظيفة الفقيه هي أن ينظر في الأخبار المتعارضة المنقولة عن النبي

ص: 209

صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة الأطهار عليهم السلام، فيرجِّح منها ما هو الصحيح بالمرجِّحات السندية والدلالية، فيأخذ به ويعمل على طبقه، لا أن يتمسك ببعضها ويترك بعضها الآخر هكذا من غير حجَّة ولا دليل.

ومن الواضح أن الكاتب طرح الروايات الصحيحة المتواترة الدالة على حلّية نكاح المتعة، وتمسّك بحديث ضعيف، لا لشي ء إلا لأنه موافق لما عليه أهل السنة.

فشتان بين معالجتنا للمسألة ومعالجة مدَّعي الاجتهاد، فإنّا قد استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة في كتبهم والتي تدل على حلّية نكاح المتعة، وقد نقلنا لك بعضاً منه، والكاتب استدل على مطلوبه بحديث واحد ضعيف عندنا، رواته إما سُنِّيون أو زيديون!!

وأما زَعْمه أن الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة كلها منسوبة إليهم، أي مختلقة ومكذوبة، فهو زعم باطل لم يستند إلى دليل، وكان عليه أن يثبت كلامه بالدليل الصحيح، لا بالدعاوى الجوفاء، ونحن قد أثبتنا في كتابنا (مسائل خلافية) بالأدلة الواضحة الصحيحة أن الشيعة هم أتباع أهل البيت عليهم السلام، الذين تمسَّكوا بحبلهم، واتّبعوهم، ونقلوا عنهم بالأسانيد الصحيحة العلم الكثير في المعتقدات والفتاوى والأحكام، فمن أراد الاطلاع على تلك الأدلة فعليه بمراجعتها هناك.

قال الكاتب: إن الصواب هو ترك المتعة لأنها حرام كما ثبت نقله عن أمير المؤمنين رضي الله عنه. وأما الأخبار التي نُسبَت إلى الأئمة، فلا شك أن نسبتها إليهم غير صحيحة، بل هي أخبار مفتراة عليهم، إذ ما كان للأئمة عليهم السلام أن يخالفوا أمراً حرمه رسول الله، وسار عليه أمير المؤمنين من بعده، وهم- أي الأئمة- الذين تلقوا هذا العلم كابراً عن كابرٍ لأنهم ذرّية بعضها من بعض.

ص: 210

وأقول: لقد أثبتنا ضعف هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، الذي رواه رجال مختلف في وثاقتهم من الزيدية وأهل السنة، فلا يمكن ترك ما رواه الثقات عن أمير المؤمنين عليه السلام خاصة، وعن أئمة أهل البيت عليهم السلام عامة من أجل هذا الحديث الضعيف.

ولو ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام قد روى النهي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير معارضة بأحاديث أخرى لكان علينا التسليم بما يقوله عليه السلام، ولكن الشأن في ثبوت ذلك عنه عليه السلام، فإنه لم يثبت، بل الثابت عنه خلافه كما يعلمه كل من اطلع على أخبار الأئمة المعصومين عليهم السلام.

وأما رد الأحاديث الصحيحة بالجملة، ووصفها بأنها مفتراة على الأئمة عليهم السلام من دون معالجة سندية ودلالية لها فهو بعيد عن الطريقة العلمية المعروفة المتفق عليها بين العامة والخاصة في نقد الأحاديث وتمحيص الصحيح منها والسقيم.

والكاتب لم يذكر دليلًا واحداً صحيحاً يدل على كذب تلك الأحاديث، اللهم إلا زعمه بأنها مخالفة لما حرَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسار عليه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده، وهذا الزعم كما هو واضح مصادرة على المطلوب، فإن عليه أولًا أن يثبت أن المتعة حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أمير المؤمنين عليه السلام قد روى التحريم عنه، ليتم له مطلوبه، لا أن يجعل النتيجة المتنازع فيها مقدمة مسلَّمة، وهذا أدل دليل على أن الكاتب بعيد عن روح الاستدلال الصحيح والاستنباط على طبق القواعد الثابتة.

قال الكاتب: لما سُئلَ أبو عبد الله رضي الله عنه: (كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يتزوجون بغير بينة؟ قال: لا) فلولا علمه بتحريم المتعة لما قال: لا، خصوصاً وأن الخبر صحيح (1) 328 في أن السؤال كان عن المتعة، وأن أبا جعفر الطوسي راوي الخبر


1- الظاهر أنه خطأ مطبعي، وأنه يريد: (صريح) كما هو ظاهر السياق، وإلا فالكاتب بعيد كل البعد عن معرفة الحديث الصحيح والضعيف كما يلاحظه كل من يقرأ كتابه.

ص: 211

أورده في باب المتعة كماأسلفنا.

وما كان لأبي عبد الله والأئمة من قبله ومن بعده أن يخالفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه أو أن يُحلُّوا أمراً حرمه أو أن يبتدعوا شيئاً ما كان معروفاً في عهده عليه السلام.

وأقول: لقد أوضحنا المراد بالحديث فيما تقدَّم، وأن الحديث يدل على حلّية نكاح المتعة، وأن الصحابة كانوا يمارسونها عمليًّا، وأنهم كانوا يُشهِدون عليها، لما قلناه من الدواعي، فأين الدليل على حرمة المتعة وكونها منسوخة؟!

قال الكاتب: وبذلك يتبين أن الأخبار التي تحث على التمتع ما قال الأئمة منها حرفاً واحداً، بل افتراها وَتَقوَّلَها عليهم أُناس زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت الكرام والإساءة إليهم، وإلا بِمَ تفسر إباحتهم التمتع بالهاشمية، وتكفيرهم لمن لا يتمتع؟

وأقول: لقد تبيَّن بما قلناه أن الكاتب قد أخذ برواية واحدة فقط لمجرد كونها موافقة لمطلوبه، واعتبرها حجة بهذا اللحاظ، وأعرض عن الأحاديث الكثيرة المتواترة الدالة على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد أباحوا نكاح المتعة.

وأما مسألة الاستدلال على كذب الروايات المبيحة للمتعة بأنها تجوِّز التمتع بالهاشمية فهو استدلال عجيب، وذلك لأن الأحكام الشرعية عامَّة لكل الناس، ولا خصوصية للهاشمية من هذه الجهة، فحالها حال غيرها من النساء.

وأما زعمه تكفير من لا يتمتَّع فهو افتراء واضح، لأن المتعة ليست بأعظم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أركان الإسلام التي لا يحُكم على من تركها تهاوناً بكفر ولا زندقة.

ص: 212

كما أنها ليست من الأصول التي يلزم من إنكارها المروق من الدين، بل هي من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جحد سُنّة لشبهة عروض تحريمها لا يمكن تكفيره بحال من الأحوال.

قال الكاتب: مع أن الأئمة عليهم السلام لم يُنْقَلْ عن واحد منهم نقلًا ثابتاً أنه تمتع مرة، أو قال بِحِليَّةِ المتعة، أيكونون قد دانوا بغير دين الإسلام؟

وأقول: هذا الكلام واضح البطلان من عدة جهات:

أولًا: أن الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على حلّية نكاح المتعة بلغت حد التواتر كما صرَّح به جمع من العلماء، وقد نقلنا للقارئ كلمة الشيخ الطوسي في هذه المسألة.

من تلكم الروايات صحيحة زرارة التي نقلناها فيما مرَّ.

ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يستحب للرجل أن يتزوج المتعة، وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة (1) 329.

ومنها: صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن متعة النساء، قال: حلال، وإنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه (2) 330.

ومنها: صحيحة علي السائي قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك، إني كنت أتزوج المتعة، فكرهتها وتشأمت بها، فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً وصياماً ألا أتزوّجها، ثم إن ذلك شقَّ عليَّ، وندمت على يميني، ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج علانية. قال: فقال لي: عاهدتَ الله أن لا


1- وسائل الشيعة 14/ 443.
2- الكافي 5/ 457. وسائل الشيعة 14/ 470.

ص: 213

تطيعه، والله لئن لم تطعه لتعصينّه (1) 331.

والأخبار الصحيحة كثيرة، لا حاجة لاستقصائها وذكرها كلها.

ومع ثبوت هذه الأخبار فلا مناص من الحكم بحلّية نكاح المتعة، ولا نحتاج إلى دليل عَمَلي مع ثبوت الدليل القولي.

ثانياً: لو ثبت أن الأئمة عليهم السلام لم يتزوّجوا متعة فلعل ذلك من أجل خشيتهم من مؤاخذة سلاطين عصرهم، أو لكون نكاح المتعة يستلزم الشنعة عليهم عند أهل السنة، فتركوه تجنباً لذلك، لا لكونه محرَّماً في الشريعة.

ثالثاً: أن أهل السنة أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أحلَّ نكاح المتعة في بعض مغازيه ثم حرَّمه، ولم ينقلوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه تزوج متعة، وهذا لا يخل بكونه حلالًا في تلك الفترة.

وعليه فنقول: لما ثبت عن الأئمة عليهم السلام أنهم أحلوا نكاح المتعة فلا يخل بحلّيته عدم ثبوت فعلهم له.

رابعاً: أنه قد ورد في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام قد تزوَّجا متعة.

فقد روى الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) عن الصادق عليه السلام أنه قال: إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتها. فقلت له: فهل تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم. وقرأ هذه الآية

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا

إلى قوله تعالى

ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (2) 332.

وروى الشيخ المفيد في (رسالة المتعة) عن الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ

الآية، فقال:


1- الكافي 5/ 450. وسائل الشيعة 14/ 444.
2- من لا يحضره الفقيه 3/ 304. وسائل الشيعة 14/ 442.

ص: 214

إن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوَّج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه ... (1) 333 وعن ابن بابويه بإسناده أن عليًّا عليه السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة (2) 334.

قال الكاتب: فإذا توضح لنا هذا ندرك أن الذين وضعوا تلك الأخبار هم قوم زنادقة أرادوا الطعن بأهل البيت والأئمة عليهم السلام، لأن العمل بتلك الأخبار فيه تكفير للأئمة .. فتنبه.

وأقول: إن أخبار المتعة متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما مرَّ، وقد رواها عنهم ثقات الرواة المعروفين بالتقوى والورع والإخلاص للأئمة عليهم السلام، والموصوفين بالضبط والعناية بنقل الأخبار عن الصادقين عليهم السلام، فكيف يكونون زنادقة يريدون الطعن بأئمة أهل البيت عليهم السلام؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل مخالفة أهل السنة هو الدليل؟

وإذا كان من نقل حلّية المتعة عن الأئمة عليهم السلام قد أراد الطعن بهم عليهم السلام وتكفيرهم، فما يقول الكاتب فيمن نقل أحاديث حلّية المتعة من الصحابة والتابعين وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فهل أراد هؤلاء الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

وما يقول في ابن عباس وغيره من الصحابة الذين كانوا يقولون بحلّية المتعة؟ فهل يقول الكاتب بكفرهم أيضاً؟ أو أنهم زنادقة؟!

أو أن مقياس الطعن والتكفير هو بيد الكاتب يصرفه حيث شاء وإلى من يشاء؟!


1- وسائل الشيعة 14/ 440.
2- نفس المصدر.

ص: 215

قال الكاتب: روى الكليني عن أبي عبد الله رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: إني زنيت، فأمر أن تُرْجَمَ، فأخبر أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: كيف زنيتِ؟

فقالت: مررتُ بالبادية، فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابياً فأبى إلا أن مَكَّنْتُه من نفسي، فلما أجهدني العطش، وخفتُ على نفسي سقاني فأمكنتُه من نفسي، فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: تزويجٌ وَرَبِّ الكعبة) الفروع 2/ 198.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند منكَرة المتن.

أما سندها فمن ضمن رجاله عبد الرحمن بن كثير، وهو ضعيف، ضعَّفه النجاشي وغيره.

قال النجاشي: عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، مولى عباس بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس، كان ضعيفاً، غمز عليه أصحابنا، وقالوا: كان يضع الحديث (1) 335.

ومن جملة الرواة علي بن حسان، وهو ضعيف، قد ضعّفه النجاشي أيضاً وابن الغضائري.

قال النجاشي في رجاله: علي بن حسان بن كثير الهاشمي، مولى عباس بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس، ضعيف جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن، تخليط كله (2) 336.

وقال ابن الغضائري: علي بن حسان بن كثير مولى أبي جعفر الباقر عليه السلام، روى عن عمِّه عبد الرحمن، غالٍ ضعيف، رأيت له كتاباً سماه (تفسير الباطن) لا يتعلق من


1- رجال النجاشي، ص 163 ط حجرية.
2- نفس المصدر، ص 176 ط حجرية.

ص: 216

الإسلام بسبب، ولا يروي إلا عن عمّه (1) 337.

وروى الكشي عن محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان، فقال: عن أيهما سألت؟ أما الواسطي فهو ثقة، وأما الذي عندنا- يشير إلى علي بن حسان الهاشمي- فإنه يروي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، فهو كذاب، وهو واقفي أيضاً، لم يدرك أبا الحسن موسى عليه السلام (2) 338.

ومن جملة رواة هذا الخبر نوح بن شعيب، وهو الخراساني أو النيسابوري، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فهذه الرواية شديدة الضعف، فلا يعوَّل عليها.

وأما نكارة متنها فهو واضح، فإن المرأة لم تكن راضية وإنما كانت مُكرَهَة، ومن شرط النكاح وقوع التراضي من الطرفين، مع أن الحديث لم يذكر أن الرجل أجرى صيغة عقد النكاح معها، فكيف حُكم بأن ما وقع كان تزويجاً مع أن الظاهر أنها كانت محصنة، بدليل أن عمر أراد رجمها، ولو لم تكن محصنة لأمر بجلدها.

قال الكاتب: إن المتعة كما هو معروف تكون عن تراض بين الطرفين وعن رغبة منهما. أما في هذه الرواية فإن المرأة المذكورة مضطرة ومجبورة، فساومها على نفسها مقابل شربة ماء، وليست هي في حكم الزانية حتى تطلب من عمر أن يطهرها، وفوق ذلك- وهذا مهم- أن أمير المؤمنين رضي الله عنه هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر، فكيف يفتي هنا بأن هذا نكاح متعة؟! وفتواه على سبيل الحِلِّ والإقرار والرضا منه بفعل الرجل والمرأة؟!!


1- رجال ابن الغضائري، ص 77.
2- اختيار معرفة الرجال 2/ 748 رقم 851.

ص: 217

إن هذه الفتوى لو قالها أحد طلاب العلم لَعُدَّتْ سقطة بل غلطة يُعاب عليه بسببها، فكيف تُنْسَبُ لأمير المؤمنين رضي الله عنه، وهو مَن هو في العلم والفتيا؟ إن الذي نسب هذه الفتوى لأمير المؤمنين إما حاقداً كذا أراد الطعن به، وإما ذو غرض وهوى اخترع هذه القصة، فنسبها لأمير المؤمنين، ليُضْفي الشرعية على المتعة كي يسوغ لنفسه ولأمثاله استباحة الفروج باسم الدين حتى وإن أدَّى ذلك إلى الكذب على الأئمة عليهم السلام، بل على النبي صلوات الله عليه.

وأقول: كل ما قاله الكاتب لا قيمة له بعدما علمنا أن الرواية ضعيفة سنداً ومنكرة متناً، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدَّم.

ونضيف هنا أن إيراد هذه الرواية في باب النوادر من أبواب المتعة كما صنع الكليني لا وجه له، فإن الرواية لم تنصّ على أن ما وقع كان تزويج دوام أو متعة.

ولهذا ورد في حاشية المطبوعة: والظاهر أن الكليني حمَله على أنها زوَّجت نفسها متعة بشربة من ماء، فذكره في هذا الباب، وهو بعيد، لأنها كانت مزوَّجة، وإلا لم تستحق الرجم بزعم عمر، إلا أن يقال: إن هذا أيضاً كان من خطئه (1) 339.

وقد يقال: إن إطلاق التزويج في الخبر على ما حدث يجعل الوطء فيه مردَّداً بين كونه نكاحاً دائماً أو متعة، وكونه متعة أقرب من كونه دواماً، باعتبار أنه مجرد استمتاع في وقت قصير لم يعقبه طلاق، ولعله لأجل ذلك ذكره الكليني رحمه الله في الباب المذكور، والله العالم.

وعلى كل حال، فإنا لو سلَّمنا بصحة الرواية فيمكن حملها على أن المرأة ظنّت بسبب جهلها لما وطأها الرجل أنها زنت، فأرادت من عمر أن يطهِّرها من معصيتها، لكن أمير المؤمنين عليه السلام لما علم بأنها كانت مكرهة على الزنا، حكم بأن حالها حال من كانت مزوَّجة، وأنها لا يترتب عليها رجم ولا إثم، فأطلق على الزنا بالإكراه زواجاً


1- الكافي 5/ 467.

ص: 218

إطلاقاً مجازياً لوجود نوع مشابهة بينهما في عدم ترتب الحد والإثم على الوطء.

وبهذا الذي قلناه يندفع كل ما قاله الكاتب من الإشكالات بحمد الله وفضله.

قال الكاتب: إن المفاسد المترتبة على المتعة كبيرة ومتعددة الجوانب:

1- فهي مخالفة للنصوص الشرعية لأنها تحليل لما حَرَّمَ الله.

وأقول: لقد روى الشيعة وأهل السنّة في كتبهم أحاديث صحيحة كثيرة دالة على حلّية نكاح المتعة، وذكروا أن آية من القرآن دلّت عليها، وهي قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) 340، ولا أحد ينكر ذلك منهم، غاية ما في الأمر أن أهل السنة يدَّعون تحريم نكاح المتعة بعد ذلك، ويدَّعون نسخ الآية المحكمة بالأحاديث المتعارضة.

ومنه يتضح أن القول بحلّية المتعة هو تحليل لما أحلّه الله سبحانه، وأما تحريمها فهو صادر من عمر بن الخطاب كما دلّت على ذلك الآثار المروية في كتب أهل السنة التي نقلنا للقارئ الكريم بعضها فيما تقدم.

قال الكاتب: 2- لقد ترتب على هذا اختلاق الروايات الكاذبة، ونسبتها إلى الأئمة عليهم السلام مع ما في تلك الروايات من مطاعن قاسية لا يرضاها لهم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

وأقول: إن الكاتب لم يُقِم ولا دليلًا واحداً على أن تلك الأحاديث المروية عن


1- سورة النساء، الآية 24.

ص: 219

الأئمة عليهم السلام كانت مختلَقة، بل ليس عنده على اختلاقها إلا دليل واحد، وهو أن أحاديث المتعة مخالفة لما عليه أهل السنة، ومخالفة لحديث ضعيف مروي في كتب الشيعة رواته ما بين زيدي وسُنّي، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.

ثم إن الروايات الصحيحة الدالة على حلّية نكاح المتعة مروية أيضاً في كتب أهل السنة، وجملة منها في صحيح مسلم، وقد نقلنا بعضاً منها فيما مرَّ.

فهل يرى الكاتب أن تلك الروايات الصحيحة مختلقة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن فيها مطاعن قاسية لا يرضاها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مَن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان؟ أم أن الأمر يختلف ههنا، لأن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر؟

قال الكاتب: 3- ومن مفاسدها إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة- أي المتزوجة- رغم أنها في عِصمة رجل دون علمِ زوجها، وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم فقد تتزوج المرأة مُتْعَةً دون علم زوجها الشرعي، ودون رِضاه، وهذه مَفْسَدَةٌ ما بعدها مفسدة، انظر فروع الكافي 5/ 463، تهذيب الأحكام 7/ 554، الاستبصار 3/ 145 وليت شعري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟!

وأقول: إن التمتع بالمحصَنة لا يجوز بأي حال من الأحوال، بل هو من المحرمات المعروفة، وهو زنا واضح لا كلام فيه.

وأما الممارسات الخاطئة التي قد تمارسها بعض البغايا باسم المتعة، بأن تتزوج متعة بزعمها وهي بغي تتنقل من رجل لآخر، أو ما تفعله بعض المحصنات المتزوجات من الزنا باسم المتعة، فهذا كله لا علاقة له بالمتعة في تشريعها الصحيح، لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأنه زنا سُمِّي متعة، والتسمية لا تبدِّل حقيقته فتصيِّره متعة بعد أن كان زنا واضحاً.

ص: 220

وهذا بعينه قد يلحق النكاح الدائم، فكم من امرأة تزوَّجت دواماً من رجل، ثم اتضح بعد ذلك أنها على عصمة رجل آخر؟ فهل يرى مدّعي الاجتهاد والفقاهة لزوم الحكم بتحريم النكاح الدائم، لأنه لا يأمن فيه المسلم أن تتزوج امرأته برجل آخر دواماً؟

ثم ما بال نكاح المتعة كان حلالًا في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يلزم منه أمثال هذه المحاذير؟

فهل حصلت هذه المحاذير في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعد زمانه؟ فإن حصلت في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كاشف عن عدم مانعيتها لحلّية نكاح المتعة. وإن حصلت بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا دليل على أن هذه الممارسات الخاطئة خارجة عن أصل تشريع نكاح المتعة، فلا تضر به، ولا تقتضي حرمته.

وأغلب الظن أن مدَّعي الاجتهاد كان يظن أنه يجوز للمرأة المحصنة أن تتزوج متعة برجل آخر، ولهذا ذكر ذلك في مفاسد نكاح المتعة، مع أن هذا الوهم لا يحصل حتى لصغار طلبة العلم، فضلًا عمن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد.

قال الكاتب: 4- والآباء أيضاً لا يأمنون على بناتهم الباكرات إذ قد يتزوجن متعة دون علم آبائهن، وقد يفاجأ الأب أن ابنته الباكر قد حملت ... لِمَ؟ كيف؟ لا يدري .. ممن؟ لا يدري أيضاً، فقد تزوجت من واحد فمن هو؟ لا يدري لأنه تركهاوذهب.

وأقول: إن حلّية نكاح المتعة لا تستلزم صحَّته بدون إذن الولي، فإن النكاح الدائم لا نزاع في حلّيته، ولكنه لا يصح من دون إذن ولي الفتاة البكر، فلا ملازمة بين الحلية وبين صحَّته من دون إذن الولي.

ولهذا جاءت الأخبار المروية عن أئمة الهدى عليهم السلام بضرورة استئذان ولي الفتاة

ص: 221

البكر في الزواج منها:

من ذلك صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام، قال: البِكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها (1) 341.

وصحيحة أبي مريم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها (2) 342.

ولهذا قال المحقق الخوئي قدس سره: ومن هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب (3) 343.

ومما قلناه يتضح أنه لا يصح للفتاة أن تتزوج متعة أو دواماً من دون إذن أبيها، فلا يَرِد كل ما قاله الكاتب من المحاذير.

ثم إن ما ذكره الكاتب من المحاذير وارد على فتاوى بعض أئمة مذاهب أهل السنة، فإن بعضهم لا يشترط الولي في صحة نكاح الفتاة البكر والثيب.

قال ابن رشد في بداية المجتهد:

اختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط، فذهب مالك إلى أنه لا يكون النكاح إلا بولي، وأنها شرط في الصحة في رواية أشهب عنه، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة وزُفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤاً جاز. وفرّق داود بين البكر والثيب، فقال باشتراط الولي في البكر، وعدم اشتراطه في الثيب. ويتخرج على رواية ابن قاسم عن مالك في الولاية قول رابع: أن اشتراطها سُنّة لا فرض، وذلك أنه روي عنه أنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي، وأنه يجوز للمرأة غير الشريفة أن تستخلف رجلًا من الناس على إنكاحها، وكان يستحب أن تقدم الثيب وليها، ليعقد عليها، فكأنه عنده من شروط


1- وسائل الشيعة 14/ 458.
2- المصدر السابق 14/ 459.
3- مباني العروة الوثقى (كتاب النكاح) 2/ 263.

ص: 222

التمام، لا من شروط الصحة (1) 344.

قلت: فعلى قول أبي حنيفة وزُفَر والشعبي والزهري ومالك برواية ابن القاسم يجوز للمرأة البكر أن تزوج نفسها بغير إذن وليّها، فترد كل المحاذير التي ذكرها الكاتب، فعليه أن يفتي بحرمة النكاح الدائم لما تترتب عليه من المفاسد العظيمة والآثار الخطيرة التي ذكرها.

قال الكاتب: 5- إن أغلب الذين يتمتعون، يُبيحون لأنفسهم التمتع ببنات الناس، ولكن إذا تقدم أحدٌ لخطبة بناتهم، أو قريباتهم فأراد أن يتزوجها متعة، لما وافق ولما رَضِيَ، لأنه يرى هذا الزواج أشبه بالزنا، وأن هذا عار عليه، وهو يشعر بهذا من خلال تمتعه ببنات الناس، فلا شك أنه يمتنع عن تزويج بناته للآخرين متعة، أي أنه يبيح لنفسه التمتع ببنات الناس، وفي المقابل يُحَرِّمُ على الناس أن يتمتعوا ببناته.

إذا كانت المتعة مشروعة، أو أمراً مباحاً، فَلِمَ هذا التحرج في إباحة تمتع الغرباء ببناته أو قريباته؟!!

وأقول: أما أن أغلب الذين يتمتعون هكذا يصنعون فهو رجم بالغيب، وذلك لأنه لا توجد إحصائية موثّقة عند الكاتب تدل على صحة زَعْمه.

ولو سلَّمنا بوقوع مثل ذلك فهذا لا يصلح دليلًا على حرمة هذا النكاح، وذلك لأن أموراً كثيرة محلَّلة لا يرتضيها الرجل لبناته وأخواته كما تقدَّم الكلام فيه:

منها: تعدد الزوجات، فإن الرجل يود أن يتزوج الاثنتين والثلاث والأربع، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته ولا لأخواته.

ومنها: الطلاق، فإن الرجل قد يطلِّق أهله، ولا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.


1- بداية المجتهد 3/ 44.

ص: 223

ومنها: أن الرجل قد يلاعن أهله، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل ربما يُصِرّ على رؤية من يريد التزويج بها، ولكنه قد لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل قد يتزوَّج وهو مريض أو فقير مُعْدَم، ولكنه لا يرتضي لبناته وأخواته أن يزوِّجهن من مريض أو فقير مُعْدَم.

ومنها: أن الرجل قد يرغب في أن يتزوج الزواج المسمَّى في السعودية بزواج المِسْيار (1) 345، ولكنه قد لا يرتضيه لبناته ولا لأخواته.

ومنها: خدمة النساء، فإن الموسِر قد يستجلب خادمة تخدم في بيته، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته ولا لأخواته.

ومنها: توظيف النساء، فإن صاحب العمل قد يوظِّف بعض النساء للعمل عنده، ولكنه قد لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها: أن الرجل قد يسترق بعض الإماء ويستمتع بهن، ولكنه لا يرتضي ذلك لبناته وأخواته.

ومنها كثير غير ذلك، فهل يرى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن كل تلك الأمور تصبح محرَّمة، لأن الرجل يرتضيها لنفسه، ولا يرتضيها لبناته ولا لأخواته؟

ولو سلَّمنا أيضاً أن بعض الذين يتزوَّجون متعةً يأبَون أن يزوِّجوا بناتهم متعةً، فلعل ذلك من أجل أنهم يودّون تزويج بناتهم وأخواتهم زواجاً دائماً، فإنه خير لهن من زواج المتعة لما مرَّ بيانه، أو لعل السبب هو الخشية من المؤاخذات القانونية والشنعة التي قد تحصل للفتاة بسبب ذلك، أو لعدم تقدّم الكف ء بنظر الولي، أو لعدم


1- زواج المسيار هو أن يتزوج الرجل المرأة بصداق وبيِّنة وموافقة الولي، ولكن الزوجة قد تبقى في بيت أهلها، وتُسقِط كافة حقوقها من نفقة ومبيت وقسم وغيرها، إلا أن الزوج (يُسيِّر عليها) أي يطوف بها كل فترة، ليقضي وطره منها.

ص: 224

حاجتهن لمثل هذا النكاح، أو لغير ذلك، وليس شرطاً أن يكون الرفض بداعي عدم الاعتقاد بحلّية نكاح المتعة كما زعم الكاتب.

قال الكاتب: 6- إن المتعة ليس فيها إشهاد، ولا إعلان، ولا رضَى ولي أمر المخطوبة، ولا يقع شي ء من ميراث المتَمَتِّع للمُتَمَتَّع بها، إنما هي مستأجَرة كما نُسِب ذلك القول إلى أبي عبد الله رضي الله عنه، فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها بين الناس؟

وأقول: إن كل ما شُرط في النكاح الدائم فهو مشترط في نكاح المتعة، من الإيجاب والقبول، وبذل المهر، وتعيين الزوجين، وتحقق رضاهما، واعتبار إذن الولي إن كانت الفتاة بكراً، وألا تكون المرأة ذات بعل أو في عدة من بعل آخر، فلا فرق من هذه النواحي بين نكاح المتعة والنكاح الدائم، وهذه الأمور هي المحقِّقة لماهية النكاح.

وأما الإشهاد والإعلان فهو مستحب فيه، لا مقوِّم لحقيقته، ولهذا وقع الاختلاف في اشتراط الشهادة على النكاح الدائم وإعلانه.

قال صاحب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: ولا يصح النكاح إلا بشهادة عند الثلاثة، وقال مالك: يصح من غير شهادة، إلا أنه اعتبر الإشاعة وترْك التراضي بالكتمان، حتى لو عقد في السِّر واشترط كتمان النكاح فُسِخ عند مالك، وعند أبي حنيفة والشافعي وأحمد: لا يضر كتمانهم مع حضور شاهدين (1) 346.

قلت: إن الثلاثة اعتبروا شهادة شاهدين وإن كان النكاح سِرًّا، وأما مالك فاعتبر الإعلان فيه وإن كان من غير شهود، فلم يرَ مالك أن الشهادة شرط صحّة، ولم يرَ الثلاثة أن الإعلان شرط صحّة.


1- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 393.

ص: 225

وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وقال أبو ثور وجماعة: ليس الشهود من شرط النكاح، لا شرط صحّة ولا شرط تمام، وفعل ذلك الحسن بن علي، رُوي عنه أنه تزوّج بغير شهادة، ثم أعلن النكاح (1) 347.

وقال ابن قدامة في المغني: وعن أحمد أنه يصح بغير شهود، وفعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا ابن عمر، وبه قال عبدالله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر، وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر. وقال ابن عبد البر: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين) من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر، إلا أن في نقله ذلك ضعيفاً، فلم أذكره. قال ابن المنذر: وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية ابنة حيي فتزوجها بغير شهود. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: اشترى رسول الله جارية بسبعة قروش، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد؟ فلما أن أراد أن يركب حَجَبَها، فعلموا أنه تزوَّجها. متفق عليه. قال: فاستدلوا على تزويجها بالحجاب (2) 348.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدي وداود أنه لا يعتبر الإشهاد (3) 349.

وقال ابن رشد: واختلفوا إذا أشهد شاهدين، ووُصِّيا بالكتمان، هل هو سِرّ أو ليس بِسِرّ؟ فقال مالك: هو سِر ويفسخ. وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس بِسِر (4) 350.

قلت: لا ريب في أن النكاح في هذه الحالة لا إعلان فيه مع أنه جائز وصحيح على رأي أبي حنيفة والشافعي وغيرهما ممن لا يرى وجوب الإشهاد في النكاح.


1- بداية المجتهد 3/ 53.
2- المغني 7/ 339.
3- نيل الأوطار 6/ 127.
4- بداية المجتهد 3/ 53.

ص: 226

وما نقلناه من أقوال أئمة المذاهب وغيرهم كافٍ في التحقق من أن الإشهاد والإعلان ليسا مقوِّمين لحقيقة النكاح، وأن القول باشتراطهما مرتبط بتمامية الدليل الدال عليهما، لا لكون الإشهاد مقوِّماً لماهية النكاح.

وأما ما يرتبط برضا الولي فقد قلنا فيما مرَّ إنه لا يحل التزويج بالبكر من دون إذن وليها، سواءاً أكان النكاح دواماً أم متعة، وأما المرأة الثيب فهي تملك نفسها في النكاحين من غير فرق.

وصحة النكاح من غير ولي مسألة اختلف فيها أئمة أهل السُّنة على أقوال.

قال صاحب رحمة الأمة: ولا يصح النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بولي، فإن عقدت المرأة النكاح لم يصح. وقال أبو حنيفة: للمرأة أن تزوِّج نفسها، وأن توكِّل في نكاحها إذا كانت من أهل التصرف في مالها، ولا اعتراض عليها إلا أن تضع نفسها في غير كف ء، فيعترض الولي عليها. وقال مالك: إن كانت ذات شرف وجمال ومال يُرغَب في مثلها لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت بخلاف ذلك جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها. وقال داود: إن كانت بكراً لم يصح نكاحها إلا بولي، وإن كانت ثيباً صح (1) 351.

قلت: فعلى قول أبي حنيفة في المرأة الرشيدة، وداود في المرأة الثيب، ومالك في غير المرأة ذات الشرف والمال والجمال، يصح عقد النكاح من غير ولي، وهذا الاختلاف دليل على أن رضا الولي ليس مقوماً لحقيقة النكاح.

وأما التوارث فلا يدخل أيضاً في حقيقة النكاح، لحكمهم بصحة النكاح من غير توارث فيه، ولهذا جوَّزوا التزويج بالكافرة الكتابية، مع أنهم لم يجوزوا التوارث بين المسلم والكافر، فلا المسلم يرث الكافر عندهم، ولا الكافر يرث المسلم.

أما جواز التزويج بالكتابية فقد أجمعوا عليه.


1- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 388.

ص: 227

قال ابن قدامة في المغني: وليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حِل حرائر نساء أهل الكتاب. قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرَّم ذلك. وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوَّجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر أهل العلم (1) 352.

قلت: ويدل عليه قوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهمْ وَالمحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ (2) 353.

وأما عدم التوارث بين المسلم والكافر فقد أوضحه ابن قدامة بقوله: أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم، وقال جمهور الصحابة والفقهاء: لا يرث المسلمُ الكافر. يُروى هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاووس والحسن وعمر ابن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل (3) 354.

قلت: ومما مرَّ يتّضح أن الزوجة الكافرة لا ترث زوجها المسلم، وهو لا يرثها أيضاً عندهم، وأما عندنا فهو يرثها وإن كانت لا ترثه.

وكذلك الحال فيما لو كان الزوجان مملوكين، فإنهما أيضاً لا يتوارثان، وذلك لأن المملوك لا يَمْلِك، فلا يَرث ولا يُورَث.

قال ابن قدامة: لا نعلم خلافاً في أن العبد لا يرث، إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أباً مملوكاً، يُشترى من ماله، ثم يُعتَق فيَرِث ... ولنا أن فيه نقصاً


1- المغني 7/ 500.
2- سورة المائدة، الآية 5.
3- المصدر السابق 7/ 166.

ص: 228

مَنَعَ كونه موروثاً، فمَنَعَ كونه وارثاً كالمرتد ...

إلى أن قال: وأجمعوا على أن المملوك لا يُورَث، وذلك لأنه لا مال له فيورث، فإنه لا يَمْلِك (1) 355.

هذا كله مضافاً إلى أن نكاح المتعة قد يكون مشتملًا على كل تلك الأمور، فيكون فيه إشهاد وإعلان، ويكون فيه توارث ونفقة ومبيت ومباضعة إذا اشترط الزوجان ذلك في العقد، فيكون حاله حال النكاح الدائم من هذه الجهات، إلا أنه ينقضي بالمُدة، والنكاح الدائم ينقضي بالطلاق. وانقضاء المدة ووقوع الطلاق مزيلان للنكاح لا مقوِّمان له كما هوواضح.

وبالنتيجة فإن الزوجين دواماً أو متعةً قد يكون بينهما توارث وقد لا يكون، وهذا لا ينافي الزوجية، لأنها غير مبتنية عليه كما هو واضح.

وأما ما قاله الكاتب من أن المرأة المتمتَّع بها مستأجرة كما ورد في الحديث المروي في الكافي والاستبصار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرت له المتعة، أهي من الأربع؟ فقال: تزوَّجْ منهن ألفاً، فإنهن مستأجرات (2) 356.

فتفصيل الجواب فيه أن نقول: إن الكلام في هذه الرواية تارة يكون من ناحية السند وتارة أخرى من ناحية الدلالة:

أما من ناحية السند فالرواية ضعيفة، فإن من جملة رواتها سعدان بن مسلم، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال (3) 357.

وأما من ناحية الدلالة فلا إشكال فيها إلا في وصف النساء المتمتعات بأنهن (مستأجرات).


1- المصدر السابق 7/ 131.
2- الكافي 5/ 452. الاستبصار 3/ 147.
3- راجع معجم رجال الحديث للخوئي 8/ 98، 99.

ص: 229

وهذا الإشكال يندفع بأدنى تأمل، لأنه لا مانع من إطلاق (المستأجرة) على المرأة المنكوحة بالنكاح الدائم والمنقطع على حد سواء، ولا سيما بعد التصريح في كتاب الله بإطلاق الأجر على المهر.

قال تعالى

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ (1) 358.

وقال تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ (2) 359.

وقال تعالى

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (3) 360.

وقال تعالى

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ (4) 361.

وقال تعالى

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ (5) 362.


1- سورة الأحزاب، الآية 50.
2- سورة الممتحنة، الآية 9.
3- سورة النساء، الآية 24.
4- سورة النساء، الآية 25.
5- سورة المائدة، الآية 5.

ص: 230

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن المهر يُسمَّى أجراً.

وبهذا الذي قلناه صرَّح المفسِّرون من أهل السنة في تفاسيرهم.

فقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ

الاستمتاع التلذذ، والأجور المهور، وسُمِّي المهر أجراً لأنه أجر الاستمتاع، وهذا نص على أن المهر يُسمَّى أجراً، وذلك دليل على أنه في مقابلة البضع، لأن ما يقابل المنفعة يُسمَّى أجراً (1) 363.

وقال الطبري في تفسيره: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وأعطوهن مهورهن كما حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: وآتوهن أجورهن: الصداق (2) 364.

وقال أيضاً: وأما قوله

إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ

فإن الأجر العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها، وهو المهر كما حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح ... عن ابن عباس في قوله آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني مهورهن (3) 365.

وقال: في تفسير قوله تعالى

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ:

يعني اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى، كما حدثني محمد بن عمرو ... عن مجاهد قوله:

أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ

قال: صدقاتهن (4) 366.

وقال ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى

وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ

أي وادفعوا مهورهن بالمعروف (5) 367.

وقال أيضاً: وقوله تعالى

إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ

أي مهورهن (6) 368.


1- الجامع لأحكام القرآن 5/ 129.
2- تفسير الطبري 5/ 19.
3- المصدر السابق 6/ 69.
4- المصدر السابق 22/ 20.
5- تفسير القرآن العظيم 1/ 476.
6- المصدر السابق 2/ 22.

ص: 231

وقال الإمام الشافعي: فأمر الله عز وجل الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو الصداق، والصداق هو الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء (1) 369.

وقال البخاري في صحيحه: أجورهن: مهورهن (2) 370.

وكلماتهم التي صرَّحوا فيها بأن الأجر هو الصداق والمهر لا تكاد تحصى.

ومن المناسب للمقام أن ننقل للقارئ الكريم فتاوى بعض أعلام أهل السنة المتعلقة بالإجارة في النكاح.

1- قال القرطبي في تفسيره: وقال أبو الحسن الكرخي: إنّ عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز، لقوله تعالى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... وقال أبو القاسم: ينفسخ قبل البناء، ويثبت بعده (3) 371.

ومراده أنه إذا دخل بالمرأة صحَّ العقد وثبت النكاح، وإن لم يدخل بها انفسخ.

2- وقال أيضاً: استدل أصحاب الشافعي بقوله إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح ... وقال علماؤنا في المشهور: ينعقد النكاح بكل لفظ. وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد (4) 372.

قلت: معنى انعقاد النكاح بكل لفظ أنه ينعقد بلفظ الإجارة أو بالهبة أو بالتمليك أو بغيرها، وعلماء الشيعة لا يصحِّحون هذه الأنكحة، لأنهم قصروا الصحة على لفظي: زوَّجتُ وأنكحتُ.

3- أفتى أبو حنيفة بأن الرجل إذا استأجر المرأة للوطء، ولم يكن بينهما عقد نكاح، فليس ذلك بزنا، ولا حدَّ فيه، والزنا عنده ما كان مطارفة أي عن رغبة


1- أحكام القرآن 1/ 196.
2- صحيح البخاري 4/ 1682.
3- الجامع لأحكام القرآن 13/ 273.
4- المصدر السابق.

ص: 232

وميل، وأما ما فيه عطاء فليس بزنا (1) 373.

4- قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: إذا آجر الرجل الدار لأجل بيع الخمر واتخاذها كنيسة أو بيعة، لم يجز قولًا واحداً، وبه قال الشافعي، كما لا يجوز أن يُكْري أمته أو عبده للفجور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك (2) 374.

وكيف كان فقد اتضح من كل ما قلناه أن المهر يسمَّى أجراً، فيكون معنى (مستأجرات) في الحديث المزبور: مَمْهُورات، أي دُفِعتْ لهنَّ المهور التي يُستحَل بها نكاحهن.

وبهذا يتضح أنه لا إشكال في الحديث أصلًا مع أنه ضعيف السند كما قلنا فيماتقدم.

قال الكاتب: 7- إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات من الشباب والشابات في لصق ما عندهم من فجور بالدين، وأدى ذلك إلى تشويه صورة الدين والمتدينين.

وأقول: هذه دعاوى مجردة عن الدليل لا قيمة لها، وإلا فالساقطون والساقطات لا يحتاجون للمتعة لتبرير ممارستهم للرذيلة، وكانوا ولا يزالون بعيدين عن تعاليم الدين وأحكامه، فأي شي ء يلصقونه بالدين.

وإذا كان الساقطون والساقطات من الشيعة هكذا يصنعون، فما يصنع أمثالهم من أهل السنة وغيرهم؟ هل احتاجوا لحكم شرعي لتبرير فعلهم للرذيلة؟ أم أن التبريرات الدينية خاصة بفسقة الشيعة، وأما فسقة أهل السنة فهم لا يبالون بتبرير فجورهم؟


1- المحلى 12/ 196.
2- اقتضاء الصراط المستقيم، ص 236.

ص: 233

ولو سلَّمنا بأن الفسقة من الشيعة يتزوجون المتعة التي يعتقدون بحلِّيتها، فإنهم بلا ريب خير من الساقطين من أهل السنة الذين يُقْدِمون على ارتكاب الزنا المجمع على تحريمه.

واتخاذ نكاح المتعة وسيلة للفجور لا يحرِّم هذا النكاح، وإلا لحرم النكاح الدائم أيضاً، وذلك لأن الفسقة وأصحاب المآرب الدنيئة قد اتخذوا النكاح الدائم وسيلة للفجور أيضاً، فإن بعض النساء قد اتخذنه غطاءاً للزنا والإنجاب المحرَّم، ومن الناس من اتخذه وسيلة للتكسب بالبغاء ... أو لغير ذلك مما هو معروف.

فهل يرى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة تحريم النكاح الدائم للسبب نفسه الذي حرَّم من أجله نكاح المتعة؟!

قال الكاتب: وبذلك يتبين لنا أضرار المتعة دينياً واجتماعياً وخُلُقياً، ولهذا حُرِّمَتِ المتعة، ولو كان فيها مصالح لما حُرِّمَت، ولكن لما كانت كثيرةَ المفاسد حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرمها أمير المؤمنين رضي الله عنه.

وأقول: لقد اتضح بما لا يدع مجالًا للشك أن ما زعمه الكاتب من المفاسد المترتبة على نكاح المتعة بسبب الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعضهم باسم المتعة، هي بعينها مترتِّبة على النكاح الدائم أيضاً، إلا أن مثل تلكم الممارسات لا تحرِّم الحلال الذي ثبتت حلّيته بالدليل الصحيح، وإلا لكانت أكثر الأمور المحلّلة بل العبادات الثابتة كلها محرَّمة، وهذا لا يقول به أحد.

وقد اتّضح أيضاً أن ما زعمه الكاتب من الأضرار الدينية والاجتماعية والخُلُقية ما هو إلا دعاوى فارغة، لا تستند إلى دليل، ولا تنهض بها حجة.

وأما زَعْمه أن تحريم نكاح المتعة كان ناشئاً من وجود المفاسد الدينية

ص: 234

والاجتماعية والخُلُقية فهو واضح البطلان، وذلك لأن النزاع معه إنما هو في ثبوت التحريم والنسخ، وهو لم يثبت بدليل صحيح كما مرَّ بيانه.

ويكفي في دفع ما زعمه الكاتب من مضار نكاح المتعة ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس رضي الله عنه من أنه (لولا نهي عمر عنها لما زنا إلا شقي)، وأنها رحمة رحم الله بها أمَّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن نفس تشريعها دال على ما فيها من المنافع العظيمة والفوائد الكبيرة.

قال الكاتب: تنبيه: سألتُ الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر، وعن قول أبي عبد الله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وآله؟ فقال: إن قول أمير المؤمنين رضي الله عنه في تحريم المتعة يوم خيبر إنما يشمل تحريمها في ذلك اليوم فقط لا يتعدى التحريم إلى ما بعده. أما قول أبي عبد الله للسائل، فقال الإمام الخوئي: إنما قال أبو عبد الله ذلك تَقِيَّة، وهذا متفق عليه بين فقهائنا.

وأقول: هذه النقولات لا قيمة لها لعدم وثاقة ناقلها، مضافاً إلى أن ما نسبه للخوئي كذب مفضوح وافتراء مكشوف لا يخفى حتى على صغار طلبة العلم، لأنه لا يصدر من فاضل فضلًا عن أستاذ الفقهاء والمجتهدين، ولا سيما مع وضوح ضعف سند الرواية ومعارضتها للأحاديث الكثيرة المتواترة الناصَّة على حلّية نكاح المتعة كما أوضحناه فيما تقدَّم.

والحديث الآخر مضافاً إلى ضعف سنده فإنا أوضحنا المراد منه فيما مرَّ، فراجعه إذ لا حاجة لتكرار الكلام فيه.

ص: 235

قال الكاتب: قلت: والحق أن قول فقهائنا لم يكن صائباً، ذلك أن تحريم المتعة يوم خيبر صاحبت تحريم لحوم الحمر الأهلية، وتحريم لحوم الحمر الأهلية جرى العمل عليه من يوم خيبر إلى يومنا هذا وسيبقى إلى قيام الساعة. فدعوى تخصيص تحريم المتعة بيوم خيبر فقط دعوى مجردة لم يقم عليها دليل، خصوصاً وأن حرمة لحوم الحمر الأهلية والتي هي قرينة المتعة في التحريم بقي العمل عليها إلى يومنا هذا.

وأقول: إن ما نسبه زوراً لفقهاء الشيعة ليس صحيحاً، وذلك لأنا نقلنا ما قاله الشيخ الطوسي قدس سره في كتابيه التهذيب والاستبصار حول هذا الحديث، فقد ذكر أنه حديث خرج تقيّة لموافقته للعامة.

وقال الحر العاملي في وسائل الشيعة: حَمَله الشيخ وغيره على التقيّة، يعني في الرواية، لأن إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية (1) 375.

وقال الفيض الكاشاني في الوافي: نسبة التقية إلى أمير المؤمنين عليه السلام في مثل هذااللفظ لا يخلو من بُعد، وإنما يستقيم إذا نُسبت إلى بعض الرواة في وضع الحديث (2) 376.

هذه هي أقوال علماء الشيعة، وليس فيها ما نسبه للخوئي قدس سره من الهذيان الباطل.

وأما أكل لحوم الحمر الأهلية فهو محلَّل عند الإمامية، وليس بمحرَّم كما ظنَّه مدَّعي الاجتهاد والفقاهة، وهذه سقطة عظيمة من سقطاته الكثيرة، وإلا فما كان ليخفى على فقيه أن حلّية أكل لحوم الحمر الأهلية قد ادُّعي فيها الإجماع، فكيف غابت معرفة مسألة إجماعية عن فقيه مجتهد؟!

وإليك بعضاً من أقوال علماء الطائفة في حلّية أكل لحوم الحمر الأهلية على كراهةٍ.


1- وسائل الشيعة 14/ 441.
2- الوافي 3/ 55 في أبواب النكاح.

ص: 236

قال السيد المرتضى قدس سره: ومما انفردت به الإمامية وإن كان الفقهاء قد رووا عن ابن عباس رحمه الله موافقتها في ذلك تحليل لحوم الحمر الأهلية، وحرَّمها سائر الفقهاء (1) 377.

وقال الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه (الخلاف): يجوز أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال، وإن كان فيها بعض الكراهية إلا أنه ليس بمحظور، وبه قال ابن عباس في الحمار (2) 378، والحسن البصري في البغال، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: حرام أكلها (3) 379. دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (4) 380. وأيضاً: الأصل الإباحة، والحظر يحتاج إلى دليل. وأيضاً: قوله تعالى

قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا

إلى قوله

أَوْ لحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا (5) 381

، فالظاهر أن ما عدا هذه مباح إلا ما أخرجه الدليل (6) 382.

وقال صاحب الجواهر قدس سره: (يكره الخيل والبغال والحمير الأهلية) في الثلاثة، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، كما عن الانتصار والغنية أنه من متفردات الإمامية في الأول والثالث، للأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة أو المقطوع بمضمونها. قال محمد بن مسلم: سألت أبا جعفر عليه السلام عن لحوم الخيل والبغال والحمير، فقال:


1- الانتصار، ص 193.
2- أحكام القرآن للجصاص 3/ 17. المغني لابن قدامة 11/ 66. الشرح الكبير 11/ 66. بداية المجتهد 3/ 25.
3- راجع شرح مسلم للنووي 12/ 168، 13/ 91. تحفة الأحوذي 5/ 415. عون المعبود 10/ 286. شرح معاني الآثار 4/ 210. أحكام القرآن للجصاص 3/ 17. المبسوط للسرخسي 11/ 232. فتح الباري 9/ 539. المحلى 6/ 78- 79. المغني لابن قدامة 11/ 66. الشرح الكبير 11/ 65. كتاب الأم 2/ 251. سبل السلام 4/ 146. بداية المجتهد 3/ 25. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 250.
4- راجع الكافي 6/ 245، 246. التهذيب 9/ 41. الاستبصار 4/ 73- 74.
5- سورة الأنعام، الآية 145.
6- كتاب الخلاف 6/ 80.

ص: 237

حلال، ولكن الناس يعافونها ... (1) 383.

وقال السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل: (ويكره الخيل والحمير والبغل) ولا يحرم بلا خلاف يظهر في الأولين، بل جعل الحكم في الأخيرين في الانتصار والغنية من متفردات الإمامية، وعلى الأظهر في الثالث، وهو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر. وفي الخلاف الإجماع عليه وعلى الأولين أيضاً، مضافاً إلى الإجماعين المتقدمين، وهو الحجة، مضافاً إلى أصالتي البراءة والإباحة المستفادتين من الأدلة القطعية العقلية والنقلية كتاباً وسنة وإجماعاً مستفيضة، بل متواترة، وظواهر الصحيحة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها (2) 384.

قلت: يظهر من بعض الأخبار الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى الناس عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، لأنها كانت تحملهم يومئذ، ولم يحرِّمها عليهم.

من هذه الأخبار صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنهما سألاه عن أكل لحوم الحمر الأهلية، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكلها يوم خيبر، وإنما نهى عن أكلها ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس، وإنما الحرام ما حرَّم الله في القرآن.

وعن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن المسلمين كانوا جهدوا في خيبر، فأسرع المسلمون إلى دوابِّهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإكفاء القدور، ولم يقل: إنها حرام. وكان ذلك إبقاءاً على الدواب (3) 385.

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهى عنها من أجل ظهورها، مخافة أن يفنوها، وليست الحمير بحرام. ثم قرأ هذه الآية

قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ

إلى


1- جواهر الكلام 36/ 265.
2- رياض المسائل 8/ 231.
3- وسائل الشيعة 16/ 323.

ص: 238

آخر الآية (1) 386.

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمار الأهلي يوم خيبر، وكان الناس احتاجوا إليها (2) 387.

وعن ابن عباس قال: لا أدري، إنما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أوْ حرَّمه في يوم خيبر. لحوم الحمر الأهلية (3) 388. اه

وهذه الأخبار واضحة الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهى الناس عن أكل لحوم الحمر الأهلية لحاجتهم يومئذ لظهورها، ولم يحرِّمها عليهم حرمة تشريعية، إلا أن بعضهم قد توهَّم أن هذا النهي نهي تحريم، فأفتى فيها بالحرمة.

ولو تأملنا أحاديث القوم في كتبهم الستة وغيرها التي رَوَوْها عن سائر الصحابة في تحريم الحمر الأهلية لرأيناها- رغم كثرتها- خالية من ذكر تحريم المتعة يوم خيبر، باستثناء حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا يدل على أن النهي عن المتعة قد دُسَّ في الحديث دسًّا كما لا يخفى (4) 389.

ولو سلّمنا بصحَّة الحديث بالنحو الذي رووه عن أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه لا يراد بالنهي فيه التحريم، إذ لعل المراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهاهم عن المتعة من أجل أخذ الأهبة لقتال اليهود حذراً من الانشغال عن العدو بمباضعة النساء، والله أعلم.


1- المصدر السابق 16/ 324.
2- صحيح مسلم 3/ 1538.
3- نفس المصدر 3/ 1539.
4- راجع صحيح البخاري 3/ 1282- 1283. صحيح مسلم 3/ 1537- 1541. سنن الترمذي 4/ 254. سنن أبي داود 3/ 356. سنن النسائي 7/ 230- 233. سنن ابن ماجة 2/ 1064- 1066. سنن الدارمي 1/ 517.

ص: 239

قال الكاتب: وفوق ذلك لو كان تحريم المتعة خاصًّا بيوم خيبر فقط، لورد التصريح من النبي صلى الله عليه وآله بنسخ تلك الحرمة، على أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن علة إباحة المتعة هي السفر والحرب، فكيف تحرم في تلك الحرب والمقاتل أحوج ما يكون إليها خصوصاً وأنه في غربة من أهله وما ملكت يمينه، ثم تباح في السلم؟

إن معنى قوله رضي الله عنه أنها حُرِّمَت يوم خيبر أي أنَّ بداية تحريمها كان يوم خيبر، وأما أقوال فقهائنا إنما هي تلاعب بالنصوص لا أكثر.

وأقول: لقد أجبنا عن ذلك كله فيما مرَّ بما لا مزيد عليه، فراجعه.

والتلاعب بالنصوص قد صدر ممن يأخذ بعض النصوص ويترك بعضها الآخر، أو يعمل بالضعيف، ويترك العمل بالصحيح المجمع عليه، أو يصرف النصوص عما يراد بها.

قال الكاتب: فالحق أن تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية متلازمان، نزل الحكم بحرمتهما يوم خيبر، وهو باق إلى قيام الساعة، وليس هناك من داع لتأويل كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه من أجل إشباع رغبات النفس وشهواتها في البحث الدائم عن الجميلات والفاتنات من النساء للتمتع بهن، والتلذذ باسم الدين، وعلى حسابه.

وأقول: لقد أوضحنا المسألة بتمامها فيما تقدَّم، وقلنا: إن أخبار حلّية لحوم الحمر الأهلية متواترة عندنا، وكذا أخبار حلّية نكاح المتعة، وأن النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية إنْ صحَّ- إنما كان من أجل الحاجة إلى ظهورها، فلا أدري لمَ يتشبَّث هذا الكاتب المدّعي للتشيع بأخبار العامة ويترك روايات أهل البيت عليهم السلام، ويتمسَّك بحديث ضعيف، ويغض النظر عن الأحاديث المتواترة عنهم عليهم السلام؟!

وأما دعواه بأن ابتداء تحريم المتعة هو يوم خيبر، واستمر التحريم إلى الأبد،

ص: 240

فهو قول لا يوافقه عليه أحد، بل هو مخالف لما اتفق عليه علماء أهل السنة من أن المتعة أُبيحت بعد يوم خيبر، ثم حُرِّمت مراراً، والأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك عندهم كثيرة.

منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن إياس بن سلمة عن أبيه، قال: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً، ثم نهى عنها (1) 390.

ومنها: ما أخرجه مسلم أيضاً بسنده عن سبرة الجهني، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها (2) 391.

ولا بأس أن أنقل للقارئ الكريم ما حكاه ابن حجر في تلخيص الحبير عن الشافعي في الجمع بين الأخبار الدالة على تحليل المتعة في الوقائع المختلفة وتحريمها، فإنه قال:

وقد اجتمع من الأحاديث في وقت تحريمها أقوال ستة أو سبعة نذكرها على الترتيب الزماني:

الأول: عمرة القضاء، قال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن عمرو عن الحسن، قال: ما حلَّت المتعة قط إلا ثلاثاً في عمرة القضاء، ما حلَّت قبلها ولا بعدها. وشاهده ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سبرة بن معبد، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضينا عمرتنا قال لنا: ألا تستمتعوا من هذه النساء. فذكر الحديث.

الثاني: خيبر، متفق عليه عن علي بلفظ: (نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر)،


1- صحيح مسلم 2/ 1023. صحيح ابن حبان 9/ 458. وأوطاس هو موضع بين مكة والطائف. مسند أحمد 4/ 55. سنن الدارقطني 3/ 258. قال البيهقي في سننه الكبرى 7/ 204: وعام أوطاس وعام الفتح واحد، فأوطاس وإن كانت بعد الفتح، فكانت في عام الفتح بعده بيسير، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما، أو إلى الآخر.
2- صحيح مسلم 2/ 1025.

ص: 241

واستشكله السهيلي وغيره، ولا إشكال فيه ...

الثالث: عام الفتح، رواه مسلم من حديث سبرة بن معبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في يوم الفتح عن متعة النساء. وفي لفظ له: أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم يخرج حتى نهانا عنها. وفي لفظ له: إن رسول الله قال: يا أيها الناس إني كنت أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة.

الرابع: يوم حنين، رواه النسائي من حديث علي ... وفي رواية لسلمة بن الأكوع أن ذلك كان في عام أوطاس. قال السهيلي: هي موافقة لرواية من روى عام الفتح وأنهما كانا في عام واحد.

الخامس: غزوة تبوك، رواه الحازمي من طريق عباد بن كثير عن ابن عقيل عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام، جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برجالنا، فسألَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن وأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ، ولم نعد ولانعود فيها أبداً، فبها سُمِّيت يومئذ (ثنية الوداع)، وهذا إسناد ضعيف، لكن عند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ما يشهد له، وأخرجه البيهقي من الطريق المذكورة بلفظ: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فنزلنا ثنية الوداع. فذكره ...

السادس: حجة الوداع، رواه أبو داود من طريق الربيع بن سبرة، قال: أشهدُ على أبي أنه حدَّث أن رسول الله نهى عنها في حجة الوداع (1) 392.

هذه هي أحاديثهم التي رووها في تحريم نكاح المتعة، فانظر أيها القارئ العزيز إلى أي مدىً بلغ اضطرابها وتعارضها واختلافها.


1- تلخيص الحبير 3/ 155- 156.

ص: 242

قال الكاتب: وأما أن قول أبي عبد الله رضي الله عنه في جوابه للسائل كان تقية، أقول: إن السائل كونه من شيعة أبي عبد الله فليس هناك ما يبرر القول بالتقية خصوصاً وأنه يوافق الخبر المنقول عن الأمير رضي الله عنه في تحريم المتعة يوم خيبر.

وأقول: لقد أوضحنا الجواب عن هذه الرواية الضعيفة السند، وعن حملها على التقية، فراجع ما قلناه فيما سبق، ولا حاجة للإعادة والتكرار.

قال الكاتب: إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد لا حصر له من النسوة، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد.

وأقول: إن المتعة التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبعه عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأخذها شيعتهم منهم، لم تُحَد بعدد من النسوة، وحالها كحال ملك اليمين، وقد مرَّ علينا آنفاً بيان أن رواية (التمتع بألف امرأة) ضعيفة السند، فلا تغفل عماقلناه.

ثم إن الدليل الذي حصر الزوجات بأربع إنما هو مخصوص بالنكاح الدائم، وأما ما عدا ذلك من صنوف النكاح كالتسرِّي بالإماء ونكاح المتعة فالأدلة فيهما مطلقة، غير مخصَّصة بأربع نسوة، ولهذا كانوا لا يرون تحديد التسري بأربع إماء.

قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم: وقوله تعالى أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي، ولهذا قال: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (1) 393.

وأخرج عبد الرزاق في مصنَّفه عن ابن جريج قال: سألت عطاء: أيستمتع الرجل بأكثر من أربع جميعاً؟ وهل الاستمتاع إحصان؟ وهل يحل استمتاع المرأة


1- تفسير القرآن العظيم 1/ 474.

ص: 243

لزوجها إن كان بتَّها؟ فقال: ما سمعت فيهن بشي ء، وما راجعت فيهن أصحابي.

قلت: ولو كانت أحكام النكاح الدائم جارية على نكاح المتعة لكان الجواب معلوم عنده، ولا يحتاج لمراجعة أصحابه.

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى أن ابن جريج كان يرى حلِّية المتعة، وقيل: إنه تمتع بستين أو بتسعين امرأة (1) 394.

قال الكاتب: وكم من مُتَمَتِّع جمع بين المرأة وأمها، وبين المرأة وأُختها، وبين المرأة وعمّتها أو خالتها وهو لا يدْري.

جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو السيد حسين الصدر كان قد تمتع بها قبل أكثر من عشرين سنة، فحملت منه، فلما أشبع رغبته منها فارقها، وبعد مدة رُزِقَتْ ببنت، وأقسمت أنها حملت منه هو إذ لم يتمتع بها وقتذاك أحد غيره.

وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج، اكتشفت الأم أن ابنتها حبلى، فلما سألتها عن سبب حملها، أخبرتها البنت أن السيد المذكور استمتع بها فحملت منه، فدهشت الأم وفقدت صوابها، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها، وأخبرتها القصة، فكيف يتمتع بالأم، واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته هو؟

ثم جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتهامنه.

وأقول: هذه قصة من القصص الخرافية التي لا يُعوَّل عليها ولا يُعتنى بها،


1- قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 170: وقال جرير: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج ستين امرأة. وقال: قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلباً للجماع.

ص: 244

ودليلها هو نقل كاتبها الذي لا يوثق بنقله.

مع أن هذه القصة تحوطها كثير من علامات الاستفهام، وإلا فلماذا أخبرت تلك المرأة مدَّعي الاجتهاد والفقاهة بالذات؟ هل كانت ترجو منه حلًا لهذه المعضلة؟ أو أنها كانت تريد منه أن يسجِّل قصّتها الخرافية في كتابه (لله ثم للتاريخ)؟ أو أنها كانت تريد فقط أن تشنِّع بالسيد المذكور؟

ولماذا لم يحتمل الكاتب أن تلك المرأة كانت مستأجرة لتشويه سمعة السيِّد حسين الصدر، لا أكثر ولا أقل؟

ولماذا صدَّق الكاتب كلامها وهو لا يعرفها، فجعل كلامها دليلًا، مع أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتثبت في نقل الأخبار والتبيّن من صحّتها لئلا نصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين؟ وأي جهالة أعظم من نسبة مثل هذه القبائح لرجل بري ء من كل ذلك؟

ثم إن السيد حسين الصدر رجل عقيم لا يُنجب كما هو معروف عنه، ويعرف ذلك عنه كثير من أهل الكاظمية في العراق، كما حدَّثني بذلك بعض الثقات الصادقين.

ثم هل من المتوقّع أن تنجب تلك المرأة فتاة من السيد حسين الصدر ولا تخبر ابنتها بذلك، وتتكتم في أمر ابنتها لهذه الدرجة، مع أن تلك الفتاة يشرِّفها أن يكون السيِّد والدها؟

ثم لو سلّمنا بوقوع مثل هذه القضية الخرافية فليس على المرء غضاضة أن ينكح امرأة من محارمه وهو لا يعلم، فإن ذلك ليس محرَّماً عليه ولا على الفتاة التي تمتع بها إذا وقع ذلك منهما من غير علمهما.

وإذا كانت هذه الحادثة لا يستحيل وقوعها، فكذلك لا يستحيل وقوع مثلها في النكاح الدائم.

ص: 245

ولا ينقضي العجب من ادعاء الكاتب كثرة وقوع أمثال هذه الحوادث من غير دليل عنده إلا هذه القصة الخرافية التي ساقها، ودليل كذبها معها، مع أنا نجزم بأن أمثال هذه الوقائع إما أنها لا تقع عادة، وإما أنها نادرة الوقوع ندرة عظيمة كما هو الحال في النكاح الدائم.

قال الكاتب: إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له فيما بعد أنها أخته من المتعة، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه. وفي إيران الحوادث من هذا القبيل لا يستطيع أحد حصرها.

وأقول: هذه مجرد دعاوى فارغة وأكاذيب واضحة، ودليل كذبها أن الكاتب لم يسندها لمصدر صحيح، وكان على الكاتب أن يستدل على صحَّة كلامه بإسناده لمصدر واحد على الأقل، أو أن يوثَّق قضية واحدة من القضايا التي يزعم أنها كثيرة، أما نثر الدعاوى هكذا مجردة عن الدليل فلا قيمة لها في مقام البحث والإثبات.

قال الكاتب: وقد رأينا ذلك بقوله تعالى: ولْيَسْتَعْفِفِ الذينَ لا يَجِدونَ نِكَاحاً حتى يُغْنِيَهُم اللهُ من فضلِه (النور 23) كذا فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع الزواج. فلو كانت المتعة حلالًا لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج، بل لأَرْشَدَهُ إلى المتعة كي يقضي وَطَرَهُ بدلًا من المكوث والتحرق بنار الشهوة.

وأقول: إن نكاح المتعة نكاح، فقوله تعالى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا شامل لمن لم يجد النكاح الدائم ونكاح المتعة، فكما أن النكاح الدائم يحتاج إلى بذل مال، فكذلك نكاح المتعة.

ص: 246

ومنه يتضح أن من تمكن من نكاح المتعة فهو ممن يجدون نكاحاً، فلا وجه لأمره بالصبر والاستعفاف.

ولو سلّمنا جدلًا بأن المراد بالنكاح في الآية هو النكاح الدائم فقط، فحينئذ يكون المراد بالاستعفاف في الآية هو الاستعفاف بالحلال، لا بالصبر عن النكاح، فيكون المعنى: وليستعفف الذين لا يتمكنون من النكاح الدائم لما فيه من المهر والنفقة بنكاح المتعة الذي يكون المهر فيه أقل، ولا تجب فيه نفقة.

وقد ورد هذا المعنى في بعض الأخبار، ففي خبر حريز عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قرأ:

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا- بالمتعة- حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ (1) 395.

وعن الفتح بن يزيد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة، فقال: هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة ...

(2) 396 وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجل وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ، قال: يتزوَّجوا حتى يغنيهم الله من فضله (3) 397.

قلت: فالمعنى هو أن من لم تكن عنده امرأة ينحكها فليستعفف، أي فليطلب العفة بالتزويج، ليغنيه الله من فضله، فإن من تزوَّج وسَّع الله عليه من فضله كما دلَّت على ذلك الأخبار الكثيرة.

ويشبه هذا المعنى الذي قلناه من أن المراد بالاستعفاف هو الاستعفاف بالحلال، ما جاء في تفسير ابن كثير، حيث قال: قال عكرمة في قوله تعالى وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا قال: هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي، فإن


1- مستدرك الوسائل 14/ 448.
2- الكافي 5/ 452.
3- المصدر السابق 5/ 331.

ص: 247

كانت له امرأة فليذهب إليها وليقضِ حاجته منها (1) 398.

وما أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم، عن أبي روق: وَلْيَسْتَعْفِف يقول: عما حرَّم الله عليهم حتى يرزقهم الله.

وعن ابن عباس في قوله وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا الآية، قال: ليتزوج من لا يجد، فإن ذلك سيغنيه (2) 399.

ومن كل ذلك يتضح أن الأمر بالاستعفاف لا ينافي حلّية نكاح المتعة كما زعمه الكاتب.

قال الكاتب: وقال الله تعالى: وَمَن لم يستطع منكم طَوْلًا أن ينكحَ المحصناتِ المؤمناتِ فَمِن مَّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات إلى قوله تعالى: ذلك من خشي العنتَ منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم (النساء 25).

فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا ما ملكت أيمانهم، ومن عجز حتى عن ملك اليمين، أمره بالصبر، ولو كانت المتعة حلالًا لأرشده إليها.

وأقول: هذه الآية إنما جاءت في كتاب الله بعد آية المتعة، وهي الآية 24 من سورة النساء.

قال تعالى وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَ


1- تفسير القرآن العظيم 3/ 287. ونقلها السيوطي في الدر المنثور 6/ 189.
2- الدر المنثور 6/ 189.

ص: 248

اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) 400.

فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أنه يجب المهر بنكاح المتعة، ذكر أن من لم يستطع لضيق ذات يده أن ينكح امرأة دواماً أو متعةً ويبذل لها مهرها ونفقتها، فلينكح أَمَةً من إماء المؤمنين، وذلك لأن مهر الأمة دون مهر الحرّة، ومؤونتها دون مؤونة الحرّةعادة.

ومنه يتضح أن الآية فيها دلالة على أن نكاح الإماء إنما هو لمن لم يتمكّن من نكاح الحرائر متعةً أو دواماً، ولم يكن عنده مهر يبذله لهن، فإن لم يتمكن من نكاح الإماء فليصبر حتى يرزقه الله ما يتمكن به من نكاح غيرهن.

قال الكاتب: ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم السلام في إثبات تحريم المتعة:

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن المتعة فقال: (لا تُدَنِّسْ نفسَك بها) بحار الأنوار 100/ 318.

وهذا صريح في قول أبي عبد الله رضي الله عنه أَن المتعةَ تُدَنِّسُ النفْسَ، ولو كانت حلالًا لما صارت في هذا الحكم.

وأقول: إنما تدنّس النفس إذا كانت مع الفواجر والفواحش، وأما إذا كانت مع


1- سورة النساء، الآيتان 24، 25.

ص: 249

المصونات والعفائف فلا تدنيس فيها.

فلا أدري كيف يدنِّس الرجل نفسه إذا تزوَّج امرأة مؤمنة عفيفة، يعف بها نفسه، ويحصن بها فرجه؟

ولعل المتعة كان لا يفعلها في المدينة في زمن الإمام الصادق عليه السلام إلا الفواجر، فلهذا صارت مُدَنِّسة لمن يفعلها آنذاك، لأن الفواجر مدنَّسات بفجورهن، ومدنِّسات لمن يتزوَّج بهن.

فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في نوادره عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ما تفعلها عندنا إلا الفواجر (1) 401.

أو لعل تدنيسها للرجل بسبب ما يلحقه من الشنعة أو اللوم أو المؤاخذة بسببها.

ولا ينقضي العجب ممن يطعن في المتعة بهذا الطعن أو بأنها زنا أو ما شابههما من الطعون التي تستلزم الطعن في أصل تشريعها المجمع عليه، بل في مشرِّعها سبحانه وتعالى.

لأن لازم وصف نكاح المتعة بذلك هو أن الله سبحانه يجوز عليه أن يبيح للناس الفواحش والرذائل الخلقية التي تدنّس النفوس والأعراض.

كما أن لازم ذلك هو اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رخَّص للمسلمين في فترات مختلفة بعض المساوئ القبيحة التي يستنكف منها كل مؤمن غيور، واعتقاد أن الصحابة كانوا يعملون هذه الفاحشة في غزواتهم وأسفارهم.

قال الكاتب: ولم يكتف الصادق رضي الله عنه بذلك بل صرح بتحريمها: عن عمار


1- النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ص 87.

ص: 250

قال: قال أبو عبد الله رضي الله عنه لي ولسليمان بن خالد: (قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة) فروع الكافي 2/ 48، وسائل الشيعة 14/ 450.

وأقول: لقد بتر الكاتب ذيل الرواية وحرَّف بعض ألفاظها، فجاءت مشعرة بتحريم المتعة، ولكنها ليست كذلك.

وإلى القارئ الكريم نص الرواية ليعلم أن الكاتب ليس بمؤتَمن في نقله، وليس صادقاً مع قارئه.

فقد روى الكليني عليه الرحمة في الكافي عن عدة من أصحابه، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، ومحمد بن الحسين جميعاً، عن الحكم بن مسكين، عن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد: قد حرَّمتُ عليكما المتعة من قِبَلي مادمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول عليَّ، فأخاف أن تؤخذا، فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر (1) 402.

والرواية واضحة الدلالة، فإن الإمام عليه السلام إنما حرَّمها عليهما مِنْ قِبَله- أي منعهما منها من جهته- لأنهما من شيعته عليه السلام، وكانا يتردَّدان عليه كثيراً، فخشي الإمام عليه السلام أن يؤخذا فيُنكَّل بهما، ويُشَنَّع عليه بأن أصحابه عليه السلام يعملون المحرَّمات بزعمهم، فنهاهما عنها ما داما في المدينة.

ومما قلناه يتضح أن الرواية- على العكس- تدل على حلّية المتعة لا حرمتها، وذلك لأن أصحاب الإمام عليه السلام كانوا يمارسونها بعلم من الإمام عليه السلام، وإنما نهى هذين الرجلين ما داما في المدينة تجنباً لبعض المحاذير فقط.

هذا مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها سهل بن زياد، وقد مرَّ بيان حاله. ومنهم الحكم بن مسكين، وهو مجهول الحال، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.


1- الكافي 5/ 467.

ص: 251

فأين التحريم الصريح الذي زعمه مدَّعي الفقاهة والاجتهاد؟!

قال الكاتب: وكان رضي الله يُوَبِّخُ أصحابه ويُحَذِّرُهُمْ من المتعة، فقال: أما يستحي أحدُكم أن يُرى في موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟ الفروع 2/ 44، وسائل الشيعة 14/ 450.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها صالح بن أبي حماد.

قال النجاشي في رجاله: صالح بن أبي حماد أبو الخير الرازي، واسم أبي الخير (زاذويه)، لقي أبا الحسن العسكري عليه السلام، وكان أمره ملبساً، يعرف وينكر (1) 403.

وقال ابن الغضائري: صالح بن أبي حماد الرازي أبو الخير، ضعيف (2) 404.

ومن جملة الرواة ابن سنان، وهو محمد بن سنان، بقرينة رواية صالح بن أبي حماد عنه في غير موضع (3) 405، وليست له رواية عن عبد الله بن سنان.

ومحمد بن سنان ضعيف على المشهور المنصور، فقد قال فيه النجاشي: وهو رجل ضعيف جداً لا يُعوَّل عليه، ولا يُلتفت إلى ما تفرد به، وقد ذكر أبو عمرو في رجاله، قال: أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري، قال: قال أبو محمد الفضل ابن شاذان: لا أحل لكم أن ترووا أحاديث محمدبن سنان (4) 406.

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: محمد بن سنان، له كتب، وقد طُعن عليه وضُعِّف (5) 407.

(6) 408


1- رجال النجاشي 1/ 441.
2- رجال ابن الغضائري، ص 70.
3- راجع الكافي 5/ 153، 305. الاستبصار 3/ 70.
4- رجال النجاشي 2/ 208.
5- الفهرست، ص 219.
6- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 252

وقال ابن الغضائري: ضعيف غالٍ، يضع الحديث، لا يُلتَفَت إليه (1) 409.

وعليه، فالحديث ضعيف السند، لا يُحتج به في شي ء.

ومع الإغماض عن سند الحديث فليس المراد به تحريم المتعة، وإنما المراد به هو الحث على الكف عنها إذا كانت بمرأى ومسمع ممن يرى تحريمها ويعيبها، فيكون فعلها سبباً للعيب على فاعلها وعلى إخوانه الشيعة المعتقدين لحلّيتها.

ولهذا قال في الحاشية نقلًا عن كتاب مرآة العقول: أي يراه الناس في موضع يعيب من يجدونه فيه، لكراهتهم للمتعة، فيصير ذلك سبباً للضرر عليه وعلى إخوانه وأصحابه الموافقين له في المذهب.

قال الكاتب: ولما سأل علي بن يقطين أبا الحسن رضي الله عنه عن المتعة أجابه: (ما أنت وذاك؟ قد أغناك الله عنها) الفروع 2/ 43، الوسائل 14/ 449.

نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم.

وأقول: لقد بَتَر الكاتب هذه الرواية كعادته، ليوهم القارئ بأن الرواية تدل على مطلوبه.

ونص الرواية هو: عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المتعة، فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. قلت: إنما أردتُ أن أَعْلَمها. فقال: هي في كتاب علي عليه السلام. فقلت: نزيدها وتزداد؟ فقال: وهل يطيبه إلا ذاك.

وفي هامش المطبوعة بيان معنى الحديث منقولًا عن مرآة العقول، قال: (وهل يطيبه) الضمير راجع إلى عقد المتعة، ومراد السائل أنه يجوز لنا بعد انقضاء المدة أن نزيدها في المهر وتزداد المرأة في المدة؟ أي تزويجها بمهر آخر مدة أخرى من غير عدة


1- رجال ابن الغضائري، ص 92.

ص: 253

وتربُّص؟ فقال عليه السلام: العمدة في طيب المتعة وحسنها هو ذلك، فإنه ليس مثل الدائم بحيث يكون لازماً له ... بل يتمتعها مدة، فإن وافقه يزيدها وإلا يتركها، وعلى هذا يحتمل أن يكون ضمير (يطيبه) راجعاً إلى الرجل، أي هذا سبب لطيب نفس الرجل وسروره بهذا العقد، ويحتمل أن يكون المعنى: لا يحل ولا يطيّب ذلك العقد إلا ذكْرُ هذا الشرط فيه كما ورد في خبر الأحول في شروطها: (فإن بدا لي زدتك وزدتني)، ويكون محمولًا على استحباب ذكره في ذلك العقد. وفي بعض النسخ (نريدها ونزداد)، أي نريد المتعة ونحبّها ونزداد منها، فقال عليه السلام: طيبه والتذاذه في إكثاره (1) 410.

قلت: ومنه يتضح أن الإمام عليه السلام نهى علي بن يقطين عن نكاح المتعة، لأن الله سبحانه وتعالى قد أغناه عنها، ولعلَّ السبب في نهيه عنها هو أن علي بن يقطين كان وزيراً لهارون الرشيد، فخشي الإمام عليه السلام أن يكون ذلك سبباً لانكشاف أمره ومعرفة هارون أنه واحد من الشيعة، فيصيبه البلاء بسبب ذلك. فلما أخبر الإمام عليه السلام بأنه إنما يريد أن يعرف حكمها فقط، أخبره بأنها في كتاب علي عليه السلام، وأنها مباحة، فسأل ابن يقطين: هل نزيدها فتزداد؟ فأجابه الإمام عليه السلام: وهل يطيبه إلا ذاك؟ وقد تقدم آنفاً بيان معنى هذا السؤال وجوابه.

والنتيجة أن الحديث يدل بوضوح على حلّية نكاح المتعة كما أوضحناه، ولا يدل على حرمتها كما أراد الكاتب أن يوهم قُرَّاءه بذلك.

قال الكاتب: ولهذا لم يُنْقَلْ أَن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم السلام، فلو كان حلالًا لفعلن، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر رضي الله عنه: (يسرك أنَّ نساءَك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟- أي يتمتعن- فأعرض عنه أبو جعفر رضي الله عنه حين ذكر نساءه وبنات عمه) الفروع 2/ 42، التهذيب 2/ 186.


1- عن هامش الكافي 5/ 452.

ص: 254

وأقول: إن حلّية المتعة وغيرها من المحلَّلات إنما تُعرف من النصوص الصحيحة، وليس شرطاً أن يمارسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تصدر من امرأة من أهل البيت عليهم السلام، فإن اشتراط ذلك لم يقل به أحد، وقد مرَّ بيان ذلك فيما سبق.

وأكثر أحكام الشريعة لا يوجد دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلها، ولهذا أجمع أهل السُّنة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أباح نكاح المتعة ثم حرَّمها، ولم يرووا أنه تمتَّع في وقت حلّيتها بامرأة قط، ورووا ذلك عن بعض الصحابة.

وأجمعوا على أن الزانية يحل نكاحها، بشرط توبتها عند أحمد بن حنبل (1) 411، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوج من زانية قط.

وأجمعوا على أن من طلَّق زوجته قبل الدخول رجع عليها بنصف المهر، ولم يرووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلق ورجع بنصف المهر.

وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز، وهو أن يعقد النكاح دون صداق (2) 412، مع أنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله.

بل إنهم اتفقوا على حلّية أمور نصّوا على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها، بل كرهها.

منها: حكمهم بحلّية أكل لحم الضب مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكله، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال: سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب، فقال: لا آكله ولا أحرِّمه (3) 413.

وعن توبة العنبري سمع الشعبي، سمع ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتُوا بلحم ضبٍّ، فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لحم ضب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُوا، فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي (4) 414.


1- راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 396.
2- راجع بداية المجتهد 3/ 61.
3- صحيح مسلم 3/ 1542.
4- نفس المصدر.

ص: 255

وعن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب، فأبى أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعلَّه من القرون التي مُسِختْ (1) 415.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً لا حاجة لاستقصائها، وهي دالة بأوضح دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلَّل لهم الضب مع أنه لم يأكله. ولهذا أفتى الأئمة الأربعة بحلّية أكل لحم الضب، على كراهة عند مالك فقط (2) 416.

ومنها: أنهم أجمعوا على حلّية أكل الثوم، ومع ذلك رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يأكل منه، لأنه كان ينزل عليه الوحي.

ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بطعام أكل منه، وبعث بفضلِهِ إلي، وإنه بعث إليَّ يوماً بفضلةٍ لم يأكل منها، لأن فيها ثوماً، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه (3) 417.

وفي حديث آخر قال: أحرام هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ولكني أكرهه. قال: فإني أكره ما تكره أو ما كرهت. قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤتى (4) 418.

ومن كل ذلك يتضح أنه لا يلزم للحكم بحلّية شي ء أن يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من أهل بيته.

هذا مع أنا ذكرنا فيما تقدَّم بعض الأحاديث التي جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام قد تزوجا متعة، فراجع.

وأما إعراض الإمام الباقر عليه السلام عن عبد الله بن عمير فلعله بسبب جهله، عملًا بقوله تعالى وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ، أو لعله أعرض عنه لما تبين له عناده ومجادلته


1- نفس المصدر 3/ 1545.
2- راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 251.
3- صحيح مسلم 3/ 1623.
4- نفس المصدر. و (يؤتى) أي تأتيه الملائكة وينزل عليه الوحي.

ص: 256

بالباطل، والله العالم.

قال الكاتب: وبهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم السلام.

والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة- إن كان طالباً للحق مُحبَّا له- لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعَارضتها لصريح القرآن وصريح السنة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام، ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بَيَّنَا شيئاً منها فيما مضى.

وأقول: لقد تقدَّم أن القرآن الكريم قد نصَّ على حلّية نكاح المتعة بقوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.

وقد اعترف جمع من علماء أهل السنة بأن المراد بالاستمتاع في الآية نكاح المتعة.

قال القرطبي: وقال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عباس وأُبَيّ وابن جبير: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن)، ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم (1) 419.

وقال الطبري: وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتّعتم به منهن بأجرٍ تمتُّعَ اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بوليٍّ وشهود ومهر. ذِكْر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثنا أسباط عن السدي: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما


1- الجامع لأحكام القرآن 5/ 129.

ص: 257

تراضيتم به من بعد الفريضة)، فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمَّى، ويُشهد شاهدين، وينكح بإذن وليِّها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.

حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ قال: يعني نكاح المتعة.

حدثنا أبو كريب قال: ثنا يحيى بن عيسى قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث قال: ثني حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً، فقال: هذا على قراءة أُبَيّ. قال أبو بكر: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير، فيه: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا حميد بن مسعدة قال: ثنا بشر بن المفضل قال: ثنا داود عن أبي نضرة قال: سألتُ ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى. قال: فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى)؟ قلت: لا، لو قرأتُها هكذا ما سألتك. قال: فإنها كذا ...

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال: قرأتُ هذه الآية على ابن عباس (فما استمتعتم به منهن)، قال ابن عباس: (إلى أجل مسمَّى). قال: قلت: ما أقرؤها كذلك. قال: والله لأنزلها الله كذلك (ثلاث مرات) ...

حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: في قراءة أُبَي ابن كعب (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى).

حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) إلى هذا الموضع (فما استمتعتم به منهن) أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا

ص: 258

أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن) (1) 420.

قلت: يتضح من هذا كله أن المراد بهذه الآية هي نكاح المتعة، وادِّعاء نسخها بالسنة غير تام، وذلك لتعارض الأخبار بين مُثبِتٍ ونافٍ لهذا النكاح، فلا يصح نسخ الآية المحكمة بأخبار متعارضة.

وأما ما قاله الكاتب من ثبوت تحريم المتعة بالسنة فقد ذكرنا فيما تقدَّم الأحاديث الصحيحة التي رواها أهل السنة الدالة على حلّيتها، فراجع.

وأما ما نقله الكاتب عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، واستدل به على حرمة نكاح المتعة، فإنه نقل رواية واحدة ضعيفة السند معارضة بروايات متواترة صحيحة، فكيف يصح طرح المتواتر من أجل رواية ضعيفة؟!

وأما الروايات الأخرى التي بترها الكاتب ليوهم القارئ أنها تدل على تحريم المتعة، فقد ذكرناها كاملة وأوضحنا المراد منها، وبيَّنَّا أنها دالَّة على حلّية نكاح المتعة لا على حرمته.

وبهذا يتضح عدم تمامية كل ما تمسَّك به الكاتب في الاستدلال على حرمة المتعة مع خياناته الكثيرة بتقطيع الأحاديث بما يخل بمعناها، ويغيِّر المراد منها.

قال الكاتب: إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهي عن الرذائل، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بها حياتهم، ولا شك أن المتعة


1- تفسير الطبري 5/ 9- 10.

ص: 259

مما لا تستقيم بها الحياة، إن حققت للفرد مصلحة واحدة- افتراضاً- فإنها تسبب له مفاسد جمة أجملناها في النقاط الماضية.

وأقول: لا ريب في أن نكاح المتعة ليس من الرذائل الخُلُقية، وذلك لأنه نكاح جامع لشرائط النكاح الصحيح، بمهر وعقد وعِدَّة وتراضٍ من الرجل والمرأة، مع لزوم كونه بإذن الولي إن كانت المرأة بكراً، واستحبابه إن كانت ثيباً، ومع لحوق الأنساب به، وإمكان النفقة والتوارث مع الشرط فيه.

فكل خصائص النكاح الدائم متوفرة في نكاح المتعة، اللهم إلا أن النكاح الدائم ينقضي بالطلاق، ونكاح المتعة ينتهي بانقضاء المدّة المسمّاة، وأن النكاح الدائم يجب فيه الإنفاق على الزوجة، ويترتب عليه التوارث بين الزوجين، بخلاف نكاح المتعة، وهذه الفروق لا تجعل نكاح المتعة رذيلة أو سفاحاً، وقد مرَّ الكلام في ذلك مفصلًا، فراجعه.

ولو كان نكاح المتعة رذيلة لما أباحها الإسلام مراراً كما أثبتوه في كتبهم وأقرُّوا به، ولما فعلها أجلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمثال جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره.

ثم إن نكاح المتعة لو لم تكن فيه مصالح مهمة لما أباحه الإسلام مراراً بزعمهم، وحسبك أنه يحد من تفشّي الزنا وانتشاره في البلاد الإسلامية، كما مرَّ في كلام أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس من أنه لولا نهي عمر عن المتعة لما زنا إلا شقي.

وذلك لأنه لولا تحريم المتعة لما كانت هناك أسباب داعية للزنا والفساد، ولو كانت المتعة محلَّلة عندهم لما زنا منهم إلا أراذلهم، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

وأما المفاسد التي زعمها الكاتب فقد أجبنا عليها مفصلًا وأوضحنا فسادها فيما تقدم، فراجعها.

ص: 260

قال الكاتب: إن انتشار العمل بالمتعة جَرَّ إلى إعارة الفَرْجِ، وإعارة الفرج معناها أن يعطي الرجل امرأته أو أَمَتَه إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها ما يريد، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه أو أي شخص كان يختاره، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء طيلة مدة سفره. والسبب معلوم حتى يطمئن الزوج على امرأته لئلا تزني في غيابه (!!)

وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج، إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم فيحل له منها كل شي ء.

وأقول: إنك لا تجد مسلماً يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر يعطي امرأته لرجل آخر يصنع بها ما يريد، بل لا تجد رجلًا عنده شي ء يسير من المروءة والشرف يصنع ذلك.

فما قاله الكاتب ما هو إلا أكاذيب ملفقة واضحة لا تخفى على كل من خالط الشيعة وعرفهم، فضلًا عمن يدَّعي أنه منهم، ودليل كذب مدّعي الاجتهاد والفقاهة أنه لم ينقل مزاعمه من فتاوى علماء الشيعة، واقتصر على نقل حكايات لا يُعرف صحّتها من فسادها، ويفسِّرها على حسب ما يريد.

ومن الواضح أنك لا تجد فرقة من فرق المسلمين على كثرتها تمارس أمثال هذه الممارسات الشنيعة التي أطبق المسلمون على حرمتها، واعتبارها زنا من غير شبهة.

وهلا ساءَلَ مدَّعي الاجتهاد نفسَه: هل أن ما قاله قد وقع لصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أباح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم المتعة؟ فهل أعاروا فروج نسائهم لغيرهم؟

ألا يفقه مدَّعي الاجتهاد أن نكاح المتعة لا يحل مع امرأة متزوجة، أو ذات عدّة؟! وأنه يشترط في صحَّته أن تكون المرأة خلِيَّة من البعل حالها حال الزواج الدائم؟

ص: 261

ولا أخفي على القارئ الكريم أني كلما اطَّلعت على أمثال هذه الاتهامات التي يُلصقها كُتّاب أهل السنة بالشيعة، حمدتُ الله كثيراً على نعمة الهداية، وعلمت أن هؤلاء القوم لو كانت عندهم مطاعن صحيحة يطعنون بها في مذهب الشيعة لما احتاجوا إلى أمثال هذه الافتراءات المكشوفة والأكاذيب المفضوحة.

لكنهم- هداهم الله- لما عجزوا عن مقارعة الشيعة بالحجج والأدلة لجأوا إلى مقارعتهم بالأكاذيب الملفَّقة والتُّهَم الباطلة.

قال الكاتب: وللأسف يَرْوون في ذلك روايات ينسبونها إلى الإمام الصادق رضي الله عنه وإلى أبيه أبي جعفر سلام الله عليه.

روى الطوسي عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: (الرجل يُحِلُّ لأخيه فرج جاريته؟ قال: نعم لا بأس به له ما أحل له منها) الاستبصار 3/ 136.

وروى الكليني والطوسي عن محمد بن مضارب قال: قال لي أبو عبد الله رضي الله عنه: (يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتُصيبُ منها، فإذا خرجت فارددها إلينا) الكافي، الفروع 2/ 200، الاستبصار 3/ 136.

وأقول: إن الكاتب استدل بهاتين الروايتين على أن الأئمة أباحوا فروج الزوجات، مع أن موضوع الروايتين هو تحليل الإماء والجواري فقط، لا الحرائر المحصنات من النساء.

ومنه يتضح أن الكاتب مضافاً إلى أنه لم يكن أميناً في نقله، فإنه يحاول الضحك على عقول القرَّاء، فيستدل على ما ألصقه بالشيعة زوراً وظلماً بروايات لا تدل عليه من قريب ولا بعيد.

وهذه الروايات الواردة في تحليل الجواري والإماء لا ترتبط الآن بواقعنا، ولا

ص: 262

يضر الشيعي الجهل بأحكامها، لعدم الابتلاء بها.

ولكن لا بأس بنقل ما ورد في كتب أهل السنة مما يرتبط بتحليل الجواري، ليتضح للقارئ الكريم أنها مسألة فقهية وقع الخلاف فيها بين الفقهاء، فنقول:

أخرج الترمذي والنسائي وأبو داود في السنن وغيرهم عن حبيب بن سالم قال: رُفِع إلى النعمان بن بشير رجل وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن كانت أحلَّتها له لأجلدنّه مائة، وإن لم تكن أحلَّتها له رجمته (1) 421.

وأخرج الحاكم في المستدرك وصحَّحه ووافقه الذهبي، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل أتى جارية امرأته، قال: إن كانت حلَّلتها له جُلد مائة، وإن لم تكن أحلَّتها له رجمتُه (2) 422.

وأخرج أحمد في مسنده، والنسائي في سننه الصغرى والكبرى والدارمي في سننه، بأسانيدهم عن النعمان بن بشير: أن رجلًا يقال له عبد الرحمن بن حنين، ويُنبز قرقوراً، أنه وقع بجارية امرأته، فرُفع إلى النعمان بن بشير فقال: لأقضينَّ فيها بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلَّتها لك جلدتُك مائة، وإن لم تكن أحلّتها لك رجمتك بالحجارة. فقالت: أحللتُها له. فجُلد مائة. فكتبتُ إلى حبيب بن سالم، فكتب إلي بهذا (3) 423.

وهذه الأخبار كلها تدل على أن المرأة إن حلَّلت جاريتها لزوجها فإنه يُجلد مائة جلدة، وإلا فيُرجم.


1- سنن الترمذي 4/ 54. سنن أبي داود 4/ 157، 158. سنن النسائي 6/ 433، 434. سنن ابن ماجة 3/ 853. مسند أحمد 4/ 275. مصنف ابن أبي شيبة 5/ 511. شرح معاني الآثار 3/ 145.
2- المستدرك 4/ 406.
3- مسند أحمد 4/ 276. السنن الكبرى للنسائي 3/ 329. سنن النسائي 6/ 434. سنن الدارمي 2/ 624.

ص: 263

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (لئن كانت أحلتها له) أي إن كانت امرأته جعلت جاريتها حلالًا، وأذنت له فيها، (لأجلدنّه مائة) وفي رواية أبي داود: (جلدتك مائة). قال ابن العربي: يعني أدَّبته تعزيراً، أو أبلغ به الحد تنكيلًا، لا أنه رأى حدّه بالجلد حداً له. قال السندي بعد ذكر كلام ابن العربي هذا: لأن المحصن حدّه الرجم لا الجلد، ولعل سبب ذلك أن المرأة إذا أحلَّت جاريتها لزوجها فهو إعارة الفروج، فلا يصح، لكن العارية تصير شبهة ضعيفة، فيُعزَّر صاحبها انتهى (1) 424.

ولأجل أن المحصن حدّه الرجم والحديث ظاهره يدل على خلاف ذلك، وقع أهل السنة في خلط وخبط، وأراحوا أنفسهم بالإعراض عنه وترك العمل به.

قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته، فروي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم علي وابن عمر أنّ عليه الرجم، وقال ابن مسعود: ليس عليه حدّ، ولكن يُعزَّر. وذهب أحمد وإسحاق إلى ما روى النعمان ابن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) 425.

قلت: والإشكال المهم في الحديث هو أنه إذا كان التحليل غير مشروع في الدين ولا أثر له، فكيف حصل به دفع الحدّ عمن وقع على جارية امرأته، ووجب الاكتفاء بتعزيره؟

هذا مع أن عروض الشبهة حينئذ يقتضي دفع التعزير عنه أيضاً، فلم وجب تعزيره؟!

وهذا دليل واضح على أن التحليل كان معروفاً عندهم، وأنه كان جائزاً في الدين، فيجوز للمرأة أن تحلِّل جاريتها لزوجها يصيب منها ما يشاء.

إلا أن هذه المرأة لما جاءت تشكو زوجها أنه وقع على جاريتها، فقد عُرِف أنها


1- تحفة الأحوذي 5/ 11.
2- سنن الترمذي 4/ 55.

ص: 264

لم تحلِّلها له، وإلا لو حلَّلتها له لما جاءت تشكوه، لكن النعمان بن بشير حكم بأنها إن كانت أحلَّتها له فيما مضى فلعلّه وطأها بشبهة التحليل السابق فيُعزَّر، لاستخفافه بالإقدام على وطء الجارية من غير يقين بالحلّية، وإن لم تكن حلَّلتها له فيما مضى، فهو زانٍ يجب رجمه، لكونه محصَناً.

ومما قلناه يتضح أن الحديث يدل على جواز تحليل الأمة، ولهذا ذهب إلى جواز التحليل جمع من أعلام أهل السنة.

فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عطاء أنه قال: كان يُفعل، يُحِلّ الرجل وليدته- أي جاريته- لغلامه وابنه وأخيه وأبيه والمرأة لزوجها، وما أحب أن يفعل ذلك، وما بلغني عن ثبت، وقد بلغني أن الرجل يُرسِل وليدته إلى ضيفه (1) 426.

قلت: لا ريب في أن عطاء لم يكن يتحدَّث عن أحوال الروافض، وإنما كان يتحدث عما يصنعه أهل السنة في ذلك الوقت، وقوله: (كان يُفعل) ظاهر في أن التحليل كان متعارفاً عندهم، يعملونه من غير نكير بينهم.

وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاووس أنه قال: هي أحل من الطعام، فإن وَلَدَتْ فولدها للذي أُحلّتْ له، وهي لسيِّدها الأول.

وعن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووساً يقول: قال ابن عباس: إذا أحلَّت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليُصِبْها، وهي لها، قال ابن عباس: فليجعل به بين وركيها (2) 427.


1- المصنف لعبد الرزاق 7/ 169. المحلى لابن حزم 12/ 206.
2- قال ابن حزم في المحلى 12/ 208: أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاووس في غاية الصحة، ولكنا لا نقول به، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: مراده أن القول بالتحليل منقول بسند في غاية الصحة عن ابن عباس وطاووس، ولكن ابن حزم لا يقول به، لأن قولهما ليس حجة في نفسه، وهذا من مهازلهم فإنهم يأخذون بقول الصحابي متى شاؤوا، ويتركونه متى شاؤوا من غير ضابطة صحيحة.

ص: 265

وعن معمر قال: قيل لعمرو بن دينار: إن طاووساً لا يرى به بأساً. فقال: لا تُعار الفروج.

وعن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاووس عن أبيه: كان لا يرى بأساً، قال: هو حلال، فإن وَلَدَتْ فولدها حر، والأمة لامرأته، لا يغرم زوجها شيئاً.

وعن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن قيس عن الوليد بن هشام أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال: امرأتي أحلَّت جاريتها لابنها. قال: فهي له (1) 428.

قلت: وهو ظاهر في صحة التحليل عنده، إلا أنه يرى أن التحليل مضافاً إلى أنه محلِّل لفرج الجارية فهو ناقل لملكيتها لمن حُلِّلتْ له.

وقال ابن حزم: وبه- أي وبجواز التحليل- يقول سفيان الثوري (2) 429.

قال الكاتب: قلت: لو اجتمعت البشرية بأسرها فَأَقْسَمَتْ أن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام قالا هذا الكلام ما أنا بمصدق.

إن الإمامين سلام الله عليهما أجَلُّ وأَعظم من أن يقولا مثل هذا الكلام الباطل، أو يبيحا هذا العمل المقزز الذي يتنافى مع الخلق الإسلامي الرفيع بل هذه هي الديَاثَة، ولا شك أن الأئمة سلام الله عليهم ورثوا هذا العلم كابراً عن كابر فنسبة هذا القول وهذا العمل إليهما إنما هو نسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو إذن تشريع إلهي.

وأقول: لقد أوضحنا آنفاً أن الإمامين الصادقين عليهما السلام لم يُبيحا تحليل فروج


1- المصنف لعبد الرزاق 7/ 169- 170. ونقل السيوطي جملة من هذه الأخبار عن عبد الرزاق في تفسيره الدر المنثور 6/ 89. وراجع كتاب المحلى لابن حزم 12/ 206.
2- المحلى 12/ 206.

ص: 266

المحصنات أو الحرائر، والحديثان اللذان ذكرهما الكاتب إنما يدلّان على تحليل الإماء والجواري فقط، ولا يدلّان على تحليل غيرهن للضيوف والرجال الأجانب كما زعمه الكاتب.

ونقلنا من أقوالهم أن تحليل الإماء قد ذهب إلى جوازه بعض الصحابة كابن عباس، وبعض أعلام أهل السنة كسفيان الثوري وعطاء وطاووس وغيرهم، ومن منعه لم يستند إلى حجة صحيحة في المنع. ورَدُّ الأحاديث لا يكون بالاستحسانات الموروثة والتقليد لعلماء أهل السنة الذين لم يَنقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً واحداً في حرمة تحليل الإماء، وإنما رووا أقوالًا متضاربة عن زيد وعمرو وبكر، وهي لا تنفع في المقام مع نقل أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام.

قال الكاتب: في زيارتنا للهند ولقائنا بأئمة الشيعة هناك كالسيد النقوي وغيره مررنا بجماعة من الهندوس وَعَبَدة البقر والسيخ وغيرهم من أتباع الديانات الوثنية، وقرأنا كثيراً فما وجدنا ديناً من تلك الأديان الباطلة يبيح هذا العمل، وَيُحلهُ لأتباعه.

فكيف يمكن لدين الإسلام أن يبيح مثل هذا العمل الخسيس الذي يتنافى مع أَبسط مقومات الأخلاق؟

وأقول: سيأتي الكلام في زيارة المصنف إلى الهند ولقائه بالسيد النقوي، وسيتضح أنها سقطة عظيمة من سقطات الكاتب، وأنها القَشَّة التي قصمت ظهر البعير، فانتظر ولا تعجل.

وما قاله من أن الهندوس وعَبَدة البقر والسيخ وغيرهم من أتباع الديانات الوثنية لا يستحلون لأنفسهم أن يحلِّلوا فروج زوجاتهم وبناتهم للرجال الأجانب حجّة عليه، لأنه إذا ثبت أن الهندوس وغيرهم من عُبّاد الأوثان لا يحلِّلون فروج

ص: 267

نسائهم فكيف بطائفة عظيمة من طوائف المسلمين، يشهدون الشهادتين، ويقيمون الصلاة، ويصومون شهر رمضان، ويحجُّون إلى بيت الله الحرام، ويحرِّمون الزنا واللواط والاستمناء والقبائح، ويُظهرون كل شعائر الإسلام، هل يصدّق عاقل بأنهم يبيحون تحليل فروج نسائهم للرجال الأجانب؟!

لقد قلنا سابقاً: إن ما ألصقه بالشيعة يدل على خوائه وإفلاسه، وأنه لو كان عنده دليل صحيح يبطل به مذهب الشيعة وعقائدهم لما لجأ إلى هذه الأكاذيب الرخيصة المكشوفة.

قال الكاتب: زرنا الحوزة القائمية في إيران فوجدنا السادة هناك يبيحون إعارة الفُروج، وممن أفتى بإباحة ذلك السيد كذا لطف الله الصافي وغيره، ولذا فإن موضوع إعارة الفرج منتشر في عموم إيران، واستمر العمل به حتى بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوى ومجي ء آية الله العُظْمَى الإمام الخميني الموسوي، وبعد رحيل الإمام الخميني أيضاً استمر العمل عليه وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى فشل أول دولة شيعية في العصر الحديث كان الشيعة في عموم بلاد العالم يتطلعون إليها، مما حدا بمعظم السادة إلى التبرؤ منها، بل ومهاجمتها أيضاً.

وأقول: الظاهر أنه يريد بالحوزة القائمية حوزة قم المقدسة، بقرينة ذكر الشيخ لطف الله الصافي في البين، فإنه في قم لا في غيرها.

ولا يوجد واحد من علماء الشيعة- لا الشيخ لطف الله الصافي ولا غيره- يفتي بجواز إعارة فروج الزوجات والأخوات والبنات، ولو رأى الكاتب فتوى لصغير أو كبير لطبل بها وزمَّر، ولذكرها بنصِّها في كتابه هذا الذي سوَّده بالأكاذيب الكثيرة.

ومن الكذب المفضوح زعمه أن إعارة الفروج منتشرة في عموم إيران، وأنها أحد الأسباب التي أدَّت إلى فشل حكومة إيران الحالية، ولا أدري ما هو ارتباط

ص: 268

مسألة إعارة الفروج بفشل أي دولة من الدول؟

هل يرى الكاتب أن إعارة الفروج قد أثّرت سلباً على السياسة الداخلية أو الخارجية لحكومة إيران؟!

إن مثل هذا التفكير الهزلي يدل على ضحالة فكر الكاتب وسذاجته، وهو مثَلٌ واضح لتمادي هذا الكاتب في قول الزور والافتراء بكل جهده وطاقته، حتى لو لم يصدِّق كلامه أحد.

قال الكاتب: ومما يُؤْسَفُ له أن السادة هنا أفْتَوْا بجواز إعارة الفرج، وهناك كثير من العوائل في جنوب العراق وفي بغداد في منطقة الثورة ممن يمارس هذا الفعل بناء على فتاوى كثير من السادة منهم: السيستاني والصدر والشيرازي والطباطبائي والبروجردي وغيرهم، وكثير منهم إذا حَلَّ ضيفاً عند أحد منهم استعار امرأته إذا رآها جميلة، وتبقى مُستعارةً عنده حتى مغادرته.

وأقول: هذا من الأكاذيب التي لا تخفى على كل منصف، فإنه لم يُفْتِ أحد من علماء الشيعة بجواز إعارة فروج النساء الحرائر كما مرَّ، فأين تلك الفتاوى المزعومة وهذه كتب الفتاوى منتشرة في الآفاق؟

ولو كان الكاتب صادقاً مع نفسه لنقل لقارئه فتوى واحدة تدل على صحة زعمه، وأنّى له بهذه الفتوى.

ومن الأدلة على أن هذا الكاتب بعيد عن أجواء الحوزة وأهل العلم أنه ذكر البروجردي المتوفى سنة 1380 ه-، مع أنه قدس سره لا يُعرَف له الآن مقلّدون، ولا تُتَداوَل رسالته العملية، ولا تُعرَف له فتاوى محفوظة عند الناس، وهو- كغيره من العلماء- لا يفتي بجواز إعارة فروج الحرائر.

ص: 269

والظاهر أنه لا يريد بالبروجردي المرجع الديني المشهور السيد حسين البروجردي قدس سره، بل يريد به شخصاً آخر غير معروف، لأنه وصفه في كلامه الآتي بأنه كان يدير عمليات نشر الفساد في مدينة الثورة (1) 430 ببغداد!!

وأما إعارة الزوجة للضيف فهو كذب فاضح لا يخفى على من تأمَّله.

قال الكاتب: إن الواجب أن نحذر العوام من هذا الفعل الشنيع، وأن لا يقبلوا فتاوى السادة بإباحة هذا العمل المقزز الذي كان للأصابع الخفية التي تعمل من وراء الكواليس الدور الكبير في دَسِّهِ في الدين ونَشْرِهِ بين الناس.

وأقول: بما أن كل كلام هذا الكاتب في هذه المسألة لا يعدو كونه أكاذيب مفتراة، فلا حاجة لتحذير العوام من الانتهاء عن عمل هم منه برآء، وفطرتهم وغيرتهم تمنعهم منه وتصدهم عنه.

وكما قلنا آنفاً: إنه لا فتاوى في إباحة هذا العمل ولا مُفتون، والحمد لله رب العالمين.

ولا بأس أن أنبِّه القارئ العزيز إلى أن أهل السنة دأبوا على اختلاق الافتراءات التي تمس العِرْض والشرف، إمعاناً في الكيد للشيعة والمحاربة لهم، وهو أسلوب قذر لا يلجأ إليه إلا المبطلون الضعفاء المضعضَعون، الذين استنفدوا كل أسلحتهم وحُجَجهم، وتلقوا من خصمهم الضربات الموجعة.

وفي الواقع أن علماء الشيعة قد أبطلوا كل حجج القوم وزيفوا مذاهبهم بالأدلةالواضحة المتينة والحجج الجلية القويمة، ولم يُبْقوا لهم من مذاهبهم قشَّة


1- هي أكبر أحياء مدينة بغداد، وسكنتها أغلبهم من الشيعة، تأسست في زمن رئيس العراق الأسبق عبد الكريم قاسم.

ص: 270

يتمسكون بها.

ومن أجل ذلك لجأ بعض علماء أهل السنة وكُتَّابهم إلى اتباع الأساليب القذرة الرخيصة في حربهم مع الشيعة، فألصقوا بمذهب الشيعة ما شاؤوا من الأكاذيب والافتراءات المفضوحة التي لا يخفى بطلانها على من تأمَّلها، ولا تنطلي إلا على أتباعهم المغفَّلين وغيرهم من الجهَّال بمذهب الشيعة الإمامية.

قال الكاتب: ولم يقتصر الأمر على هذا، بل أباحوا اللواطة كذا بالنساء، وَرَوَوْا أيضاً روايات نسبوها إلى الأئمة سلام الله عليهم، فقد روى الطوسي عن عبد الله بن أبي اليعفور كذا قال: (سألتُ أبا عبد الله رضي الله عنه عن الرجل يأتي المرأة من دبرها. قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أَنَّى شِئْتُم الاستبصار 3/ 243 ...

ثم ذكر الكاتب روايتين أخريين في هذه المسألة.

وأقول: بغض النظر عن أسانيد هذه الأحاديث التي فيها ما هو ضعيف السند، فإن مسألة إتيان النساء من أدبارهن مسألة مختلَف فيها بين العلماء، وقد وقع الأخذ فيها والرَّد، فمنَعها مَن منَعها، وجوَّزها مَن جوَّزها، وقد ذهب إلى جوازه بعض الصحابة والتابعين وأئمة مذاهب أهل السنة.

قال القرطبي: وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون، وحُكي ذلك عن مالك في كتاب له يُسمَّى كتاب السر، وحُذّاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ... وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من

ص: 271

الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب (جماع النسوان وأحكام القِرَان)، وقال الكياالطبري: وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً (1) 431.

وقال ابن قدامة في المغني: ورُويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال (2) 432.

ولا بأس بنقل ما ذكره السيوطي في الدر المنثور مع طوله، فإن فيه فوائد كثيرة.

قال السيوطي: أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري وابن جرير عن نافع قال: قرأت ذات يوم نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ قال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.

وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال: في الدبر.

وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبد الله الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال: إن شاء في قُبُلها، وإن شاء في دبرها.

وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال: إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

الآية رخصة في إتيان الدبر.

وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن


1- الجامع لأحكام القرآن 3/ 93.
2- المغني 8/ 132.

ص: 272

عن ابن عمر: أن رجلًا أصاب امرأته في دبرها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك الناس، وقالوا: أثفرها. فأنزل الله

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

الآية.

وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فأنزل الله

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

الآية.

وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلًا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.

وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي ... عن عبدالله بن عمر بن حفص وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال: قال لي ابن عمر: امسك على المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ،

قال لي: أتدري يا نافع فيمَ نزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ

الآية. قلت له: مِن دُبرها في قُبُلها؟ قال: لا، إلا في دبرها.

وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني: نبأنا أبو أحمد بن عبدوس، نبأنا علي بن الجعد، نبأنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها، فأنزل الله

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ.

قال: فقلت لابن أبي ذئب: ما تقول أنت في هذا؟ قال: ما أقول فيه بعد هذا؟

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال: قرأ ابن عمر هذه السور، فمرَّ بهذه الآية

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

الآية، فقال: تدري فيمَ أُنزلت هذه الآية؟ قال: لا. قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن.

ص: 273

وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب وإسحاق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر أنه قال: يا نافع أمسك على المصحف. فقرأ حتى بلغ

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

الآية، فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية.

قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك. وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة.

وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.

وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس، أنه قيل له: يا أبا عبدالله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العِلْج على أبي، فقال مالك: أشهدُ على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإن الحارث ابن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبدالرحمن إنّا نشتري الجواري، أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر له الدبر، فقال ابن عمر: أف أف، أيفعل ذلك مؤمن؟ أو قال: مسلم؟ فقال مالك: أشهدُ على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع.

قال الدارقطني: هذا محفوظ عن مالك صحيح.

وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها.

وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب

ص: 274

القرظي، فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال: هذا شيخ من قريش فسَلْه. يعنى عبد الله بن علي بن السائب. فقال: قذر ولو كان حلالًا.

وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمدبن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهدُ على محمد لأخبرني أنه يفعله.

وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سُئل عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: قد أردتُه من جارية لي البارحة، فاعتاصتْ عليَّ، فاستعنتُ بِدُهن.

وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال: سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر، فقال لي: الساعة غسلتُ رأسي منه.

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك أنه مباح.

وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الله بن القاسم قال: ما أدركتُ أحداً أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال- يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ

ثم قال: فأيُّ شي ء أَبْيَنُ من هذا؟

وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي سُئل عنه، فقال: ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شي ء، والقياس أنه حلال.

وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم أن الشافعي ناظَرَ محمد بن الحسن في ذلك، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرَّماً؟ فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها، أفي ذلك حرث؟ قال: لا. قال: أفيحرم؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به؟ (1) 433


1- الدر المنثور 1/ 635- 638. وذكر الطبري بعض هذه الأخبار في تفسيره 2/ 233- 234، فراجعها.

ص: 275

قلت: هذه جملة وافرة من أحاديثهم الدالة على جواز إتيان المرأة في دبرها، منقولة عن بعض الصحابة والتابعين وأئمة مذاهبهم، وما تركناه أكثر مما نقلناه.

ولا بأس أن نختم الكلام بما ذكره الراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء، حيث ذكر أبياتاً من الشعر لهمام القاضي الذي أراد أن يطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك، فنظم لها رغبته في هذه الأبيات:

ومَذعورةٍ جاءتْ على غيرِ موعدٍتقنَّصْتُها والنَّجمُ قد كادَ يطلعُ

فقلتُ لها لما استمرَّ حديثُهاونفسي إلى أشياءَ منها تَطَلَّعُ

أَبِيْني لنا: هل تُؤمِنين بمالكٍ؟فإني بِحُبِّ المالكيَّةِ مُولَعُ

فقالتْ: نَعَمْ إني أدينُ بدينِهِ ومذهبُه عَدلٌ لديَّ ومُقْنِعُ

فبِتْنا إلى الإصباحِ ندعو لمالكٍ.ونُؤْثرُ فتياهُ احتساباً ونتبعُ

(1) 434.

قال الكاتب: لا شك أن هذه الأخبار معارضة لنص القرآن، إذ يقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونك عن المحيض قل هو أَذى، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يَطْهُرْنَ (البقرة/ 222) فلو كان إتيان الدبر مباحاً لأمر باعتزال الفرج فقط ولقال (فاعتزلوا فروجَ النساء في المحيض). ولكن لما كان الدبر مُحَرَّما إتيانه أمر باعتزال الفروج والأدبار في محيض النساء بقوله ولا تقربوهن.

وأقول: على هذا الاستدلال يحرم الاستمتاع بالحائض بأي نحو من أنحاء الاستمتاع، سواءاً أكان في الفرج أم في الدبر أم في غيرهما، وهذا لا يقول به أحد، وتردّه أقوال علماء أهل السنة الذين يعتقد بهم الكاتب، فإنهم نصُّوا على أنه يجوز مباشرة الحائض، ويجب اجتناب خصوص الفرج.


1- محاضرات الأدباء 2/ 268 ط دار مكتبة الحياة.

ص: 276

فقد قال ابن كثير في تفسيره: فقوله

فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي المَحِيضِ

يعني الفرج، لقوله: (اصنعوا كل شي ء إلا النكاح). ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج. قال أبو داود أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً (1) 435.

وقال القرطبي في تفسيره: وقد اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها ...

إلى أن قال: وقال الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي: يجتنب موضع الدم، لقوله عليه السلام: (اصنعوا كل شي ء إلا النكاح)، وقد تقدَّم، وهو قول داود، وهو الصحيح من قول الشافعي، وروى أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال: سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقالت: كل شي ء إلا الفرج. قال العلماء: مباشرة الحائض وهي مُتَّزرة (2) 436 على الاحتياط والقطع للذريعة، ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك منه ذريعة إلى موضع الدم المحرَّم بإجماع، فأُمر بذلك احتياطاً، والمحرَّم نفسه موضع الدم، فتتَّفق بذلك معاني الآثار ولا تَضادّ (3) 437.

وقال ابن قدامة في المغني: مسألة: قال ويُستمتَع من الحائض بما دون الفرج، وجملته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السُّرَّة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرَّم بهما. واختُلف في الاستمتاع بما بينهما، فذهب أحمد رحمه الله إلى إباحته، وروي ذلك عن عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق، ونحوه قال الحَكَم، فإنه قال: لا بأس أن تضع على فرجها ثوباً ما لم يدخله. وقال أبو حنيفة


1- تفسير القرآن العظيم 1/ 258.
2- دفع توهم أنه إذا جاز كل شي ء إلا خصوص الفرج ما معنى ما ورد في بعض الآثار من أن للرجل من امرأته حال الحيض ما فوق السُّرَّة فقط؟
3- الجامع لأحكام القرآن 3/ 86- 87.

ص: 277

ومالك والشافعي: لا يباح، لما روي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض. رواه البخاري. وعن عمر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: فوق الإزار.

ولنا قول الله تعالى

فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي المَحِيضِ،

والمحيض اسم لمكان الحيض، كالمقيل والمبيت، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيماعداه.

إلى أن قال: اللفظ- يعني المحيض- يحتمل المعنيين- يعني الحيض، ومكان الحيض، وهو الفرج-، وإرادة مكان الدم أرجح، بدليل أمرين:

أحدهما: أنه لو أراد الحيض لكان أمراً باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية، والإجماع بخلافه.

والثاني: أن سبب نزول الآية أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شي ء غير النكاح. رواه مسلم في صحيحه (1) 438، وهذا تفسير لمراد الله تعالى، ولا تتحقق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض، لأنه يكون موافقاً لهم.

إلى أن قال: وما رووه عن عائشة دليل على حِل ما فوق الإزار لا على تحريم غيره، وقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض المباح تقذّراً، كتركه أكل الضب والأرنب، وقد روى عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً. ثم ما ذكرناه منطوق، وهو أولى من المفهوم (2) 439.

وقال الطبري في تفسيره: وعلَّة قائل هذه المقالة قيام الحجة بالأخبار المتواترة


1- صحيح مسلم 1/ 246. صحيح ابن حبان 4/ 196. سنن ابن ماجة 1/ 211. مسند أحمد 3/ 132.
2- المغني لابن قدامة 1/ 384.

ص: 278

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حُيَّض، ولو كان الواجب اعتزال جميعهن لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صحَّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُلِم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي المَحِيضِ هو اعتزال بعض جسدها دون بعض، وإذا كان كذلك وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قبُلها دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها (1) 440.

وبه يتضح أن المراد باعتزال النساء هو ترك وطئهن في الفرج، وأما سائر الاستمتاعات فالآية لا تدل على حرمتها، بل دلَّت على حلّيتها أحاديث صحيحة عندهم ذكرنا بعضاً منها، وإليك غيرها.

فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض (2) 441.

وأخرج أيضاً بسنده عن عائشة قالت: كنتُ أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جُنُب، وكان يأمرني فأَتَّزِر، فيباشرني وأنا حائض (3) 442.

ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده عن ميمونة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّض (4) 443.

وعن عائشة، قالت: كان إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار ثم يباشرها (5) 444.

وفي حديث آخر قالت: كان إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن


1- تفسير القرطبي 2/ 226.
2- صحيح البخاري 2/ 602.
3- نفس المصدر 1/ 114.
4- صحيح مسلم 1/ 243.
5- المصدر السابق 1/ 242.

ص: 279

تأتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيّكم يملك إِرْبَه (1) 445 كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه (2) 446.

ومنها: ما أخرجه الترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضتُ يأمرني أن أتَّزر، ثم يباشرني.

قال الترمذي: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق (3) 447.

والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا حاجة لاستقصائها.

ولو نظرنا إلى فتاوى علماء أهل السنة في هذه المسألة لوجدناها مشتملة على شي ء من التفصيل والإيضاح.

فقد روى الدارمي في سننه بسنده عن عبد الله بن عدي، قال: سألت عبدالكريم عن الحائض، فقال: قال إبراهيم: لقد علمتْ أم عمران أني أطعن في إليتها. يعني وهي حائض (4) 448.

وعن إبراهيم، قال: الحائض يأتيها زوجها في مَرَاقّها (5) 449 وبين أفخاذها، فإذا دفق غسلتْ ما أصابها، واغتسل هو (6) 450.


1- أي حاجته وشهوته، والمراد: أنه كان أملككم لنفسه، فيأمن من الوقوع في وطء الحائض في فرجها.
2- صحيح مسلم 1/ 242.
3- سنن الترمذي 1/ 239.
4- سنن الدارمي 1/ 255.
5- قال ابن منظور في لسان العرب (مادة رقق) 10/ 122: ومراق البطن: أسفله وما حوله مما استرقَّ منه، ولا واحد لها. التهذيب: والمراق ما سفل من البطن عند الصفاق أسفل السُّرّة.
6- سنن الدارمي 1/ 259.

ص: 280

وعن مالك بن مغول، قال: سأل رجلٌ عطاء عن الحائض، فلم يرَ بما دون الدم بأساً.

وعن مجاهد قال: لا بأس أن تُؤتَى الحائض بين فخذيها أو في سُرَّتها (1) 451.

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال: لا بأس أن يلعب على بطنها، وبين فخذيها (2) 452.

وعن الحكم قال: لا بأس أن تَضَعَه على الفرج، ولا تدخله (3) 453.

وعن الشعبي قال: إذا لفَّتْ على فرجها خرقة يباشرها (4) 454.

فإذا اتضح كل ما قلناه من أن المراد باعتزال النساء هو ترك وطئهن في الفرج، يتبيَّن أن باقي الاستمتاعات الأخرى جائزة كما ذهب إليه عامّة الفقهاء.

وأما مسألة الوطء في الدبر فبما أنها مكروهة كراهة شديدة عندنا، ولا يفعلها إلا الأراذل من الناس، ومباحة عند بعض علماء أهل السنة، فلا وجه حينئذ للأمر بها، ولا معنى للتنصيص على اجتناب خصوص الفرج فقط إلا الحث على إتيان الدبر، مع أنه لا يصح الحث عليه إلا إذا كان محبوباً للمولى ومستحباً في الشريعة المقدسة، وهذا لم يقل به أحد.

قال الكاتب: ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك من أَين يأتي الرجل امرأته فقال تعالى: فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حيثُ أَمرَكُمُ اللهُ (البقرة/ 222).


1- نفس المصدر 1/ 256.
2- مصنف ابن أبي شيبة 3/ 525.
3- سنن الدارمي 1/ 259. مصنف ابن أبي شيبة 3/ 524.
4- مصنف ابن أبي شيبة 3/ 524.

ص: 281

والله تعالى أمر بإتيان الفروج فقال: نِساؤكم حَرْث لكم فأتوا حرثكم أَنَّى شِئْتُم (البقرة/ 223) والحرث هو موضع طلب الولد.

وأقول: إن الأمر بإتيان الزوجة من حيث أمر الله سبحانه وتعالى، أو في موضع الحرث وهو الفرج، لا يدل على حرمة الإتيان في غيره كما مرَّ عن الشافعي في مناظرته مع محمد بن الحسن الشيباني، فإنه يجوز للرجل أن يأتي أهله بين فخذيها وفي أعكانها وغير ذلك، فإن الأمر بالشي ء لا يدل على النهي عما عداه كما قرَّره علماء الأصول.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الوطء في الدبر، فإنه لا دلالة في الآيتين المباركتين على النهي عنه كما هو واضح لمن كان عنده حظ من معرفة استنباط الأحكام الشرعية وفهم آيات الكتاب العزيز والسنة المطهَّرة.

هذا مضافاً إلى وقوع الخلاف بين المفسِّرين في تفسير قوله تعالى أَنَّى شِئْتُمْ على أقوال متعددة، فذهب قوم إلى أن المراد: (كيف شئتم) أي فأتوا نساءكم بأية كيفية شئتم: مُقْبِلات أو مُدْبِرات أو مضطجعات أو قائمات أو منحرفات إذا كان في الفرج خاصة.

وذهب آخرون إلى أن المراد (متى شئتم) من الليل والنهار.

وقال آخرون: المعنى (أين شئتم وحيث شئتم) أي في القبُل أو الدبر، وقد مرَّ بنا ذكر الآثار المنقولة عن ابن عمر في ذلك، فراجعها.

قال الكاتب: إن رواية أبي اليعفور كذا عن أبي عبد الله مفهومها أن طلب الولد يكون في الفروج لقوله في قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم هذا في طلب الولد، فمفهوم الرواية تخصيص الفروج لطلب الولد، وأما قضاء الوطر والشهوة فهو

ص: 282

في الأدبار، وسياق الرواية واضح في إعطاء هذا المفهوم.

وهذا غلط لأن الفروج ليست مخصصة لطلب الولد فقط بل لقضاء الوطر والشهوة أيضاً، وهذا واقع العشرة بين الأزواج من لدن آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبو عبد الله أجل وأرفع من أن يقول هذا القول الباطل.

وأقول: إن معنى الرواية واضح جداً، فإن ابن أبي يعفور، سأل الإمام عليه السلام عن إتيان المرأة في دبرها، فأجابه الإمام بأنه جائز إن رضيتْ به المرأة. فقال له: فأين قول الله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ؟ وذلك لأنه توهَّم أن المكان الذي أمر الله أن يُؤتَى منه هو الفرج فقط، وما عداه وهو- الدبر- فهو محرَّم. فقال عليه السلام: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، وهو الفرج المباح لكم.

ثم أوضح له الإمام عليه السلام دليل حلِّية الإتيان في الدبر، فقال: إن الله تعالى يقول نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي في أيِّ مكان شئتم، في القبُل أو في الدبر.

وهذا المعنى هو عين ما قاله عبد الله بن عمر وغيره في تفسير الآية وسبب نزولها كما مرَّ.

وبهذا الذي قلناه يتبيَّن فساد ما زعمه الكاتب من أن الرواية تدل بمفهومها على أن موضع اللذة هو الدبر، وأن الفرج موضع الولد فقط.

قال الكاتب: ولو افترضنا جواز إتيان الدبر لما كان هناك معنى للآية الكريمة: فإذا تَطَهّرْنَ فأتوهُنَّ من حيثُ أمرَكمُ اللهُ، لأنه قد علم- على الافتراض المذكور- أن الإتيان يكون في القُبُلِ والدُّبُر وليس هناك موضع ثالث يمكن إتيانه، فلم يبق أي معنى للآية ولا للأمر الوارد فيها.

ص: 283

وأقول: بل يكون للآية معنى صحيح واضح، وهو أنه وإن جاز وطء الزوجة من دبرها، إلا أنه مكروه كراهة شديدة لا تصل إلى حد الحرمة، فإذا تطهَّرت المرأة من حيضها جاز إتيانها في الموضع الذي أمر الله سبحانه، وهو الفرج، وأما الدبر فهو وإن جاز إتيان الزوجة فيه، إلا أن الله لم يأمر به، ولكن أباحه على كراهة شديدة.

قال الكاتب: ولكن لمَاَّ كان أحد الموضعين مُحَرَّماً لا يجوز إتيانه، والآخر حلالًا احتيج إلى بيان الموضع الذي يجب أن يُؤْتَى، فكان أمر الله تعالى بإتيان الحرث، والحرث هو موضع طلب الولد، وهذا الموضع يُؤْتَى لطلب الولد، ولقضاء الوَطَرِأيضاً.

وأقول: لقد قلنا فيما مرَّ: إن الأمر بالإتيان في موضع الحرث وهو الفرج، لا يدل على تحريم غيره، وإلا لحرم التفخيذ وغيره مما وقع الإجماع على جوازه.

ولا يلزم من عدم الأمر بإتيان الزوجة في دبرها أن يكون إتيانها فيه محرَّماً، بل قد يكون مكروهاً، فإن الله سبحانه وتعالى كما لا يأمر بمحرَّم كالوطء في حال الحيض، كذلك لا يأمر بمكروه كالوطء في الدبر، وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة.

قال الكاتب: أما الرواية المنسوبة إلى الرضا رضي الله عنه في إباحة اللواطة كذا بالنساء واستدلاله بقول لوط عليه السلام (1) 455. أقول: إن تفسير آية قول الله تعالى: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (هود/ 78) قد ورد في آية أخرى في قوله تعالى: ولوطا إذ قال


1- هذه الجملة غير تامة، فإنها اشتملت على مبتدأ من دون خبر.

ص: 284

لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين، إئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل (العنكبوت/ 28).

وأقول: إن الآية الثانية لم تفسِّر الآية الأولى كما هو واضح، وذلك لأن الآية الأولى ظاهرة في عَرْض لوط عليه السلام تزويج بناته للقوم، ولا يخفى أنهم كانوا يريدون اللواط بأضيافه عليه السلام، فرأى لوط عليه السلام أن يزوِّجهم بناته اضطراراً، لدفع الأفسد بالفاسد، وهذا الفعل منه عليه السلام فيه إشارة واضحة إلى حلّية الوطء في الدبر، لأنه علم أن القوم لا يريدون الفرج.

وأما الآية الثانية فهي ظاهرة في توبيخ لوط عليه السلام للقوم على إتيان الرجال شهوة من دون النساء.

ومن الواضح أن موضوع الآية الأولى هو وطء الزوجة في دبرها، وموضوع الآية الثانية هو اللواط المحرَّم بالرجال، فكيف تكون الآية الثانية مفسِّرة للآية الأولى وموضوعهما مختلف ومتغاير؟!

قال الكاتب: وقطع السبيل لا يعني ما يفعله قطَّاع الطرق وحدهم .. لا، وإنما معناه أيضاً قطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد، أي في الأدبار، فلو استمر الناس في إتيان الأدبار- أدبار الرجال والنساء- وتركوا أيضاً طلب الولد لانقرضت البشرية، وانقطع النسل.

وأقول: إن تفسير الكاتب قطع السبيل بقطع النسل في الإتيان في غير موضع طلب الولد وإن كان معقولًا إلا أنه خلاف ما قاله بعض مفسِّري أهل السنة.

قال ابن كثير في تفسير الآية: يقول تعالى مخبراً عن نبيّه لوط عليه السلام إنه أنكر على قومه سوء صنيعهم، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال في إتيانهم الذكران من

ص: 285

العالمين، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم، وكانوا مع هذا يكفرون بالله، ويكذّبون رسوله ويخالفون، ويقطعون السبيل، أي يَقِفُون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم (1) 456.

وقال القرطبي في تفسيره:

وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ

قيل: كانوا قُطَّاع الطريق. قاله ابن زيد، وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة. حكاه ابن شجرة، و قيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال. قاله وهب بن منبه، أي استغنوا بالرجال عن النساء.

قلت- والقائل القرطبي-: ولعل الجميع كان فيهم، فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة، ويستغنون عن النساء بذلك (2) 457.

وقال الطبري: يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل لوط لقومه: أَئِنَّكُمْ أيها القوم لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ في أدبارهم، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ يقول: وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث، وذلك أنهم فيما ذكر عنهم كانوا يفعلون ذلك بمن مرَّ عليهم من المسافرين ومن وَرَدَ بلادهم من الغرباء. ذِكْر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله

وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ

قال: السبيل: الطريق. المسافر إذا مرَّ بهم، وهو ابن السبيل قطعوا به، وعملوا به ذلك العمل الخبيث (3) 458.

ومن كل ما مرَّ يتضح أن الكاتب فسَّر الآية بما فسَّره وهب بن منبّه دون غيره من المفسِّرين، وتفسير وهب ليس حجة على غيره، ولو سلّمنا به فمراد وهب هو أن قوم لوط عليه السلام استغنوا بالرجال عن النساء فهجروهن بتاتاً، فقطعوا نسلهم بذلك، ونحن لا نتكلم في فرض كهذا، وإنما نتكلم في جواز إتيان النساء في أدبارهن، لا في


1- تفسير القرآن العظيم 3/ 411.
2- الجامع لأحكام القرآن 13/ 341.
3- جامع البيان في تفسير القرآن 20/ 93.

ص: 286

إتيان الرجال، وبما لا قطع فيه للنسل، أي في بعض الأحايين التي لا ينقطع بها النسل. فأين هذا مما نحن فيه؟

قال الكاتب: فالآية الكريمة تعطي هذا المعنى أيضاً وبخاصة إذا لاحظنا سياق الآية مما قبلها. ولا مرية أن هذا لا يخفى على الإمام الرضا رضي الله عنه، فثبت بذلك كذب نسبة تلك الرواية إليه.

وأقول: ما زعمه الكاتب من السياق كله هراء من القول، لأن الآية الأولى جاءت في سياق قوله تعالى وَلمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِي ءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (1) 459.

والآية الثانية جاءت بعد قوله تعالى

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (2) 460.

فأين السياق الذي يدل على أن إتيان النساء في أدبارهن يقطع النسل؟!

وعليه فلا محالة يثبت أن تكذيب نسبة الرواية إلى الإمام الرضا عليه السلام لم يستند


1- سورة هود، الآيات 77- 83.
2- سورة العنكبوت، الآية 28.

ص: 287

إلى دليل صحيح، لأن الكاتب اعتمد على سياق لا وجود له، وعلى قول واحد من المفسِّرين لم يفهمه على وجهه الصحيح.

قال الكاتب: إن إتيان النساء في أدبارهن لم يقل به إلا الشيعة وبالذات الإمامية الاثنا عشرية.

وأقول: لقد مرَّ بيان من قال بجواز إتيان النساء في أدبارهن من الصحابة ومنهم ابن عمر، ومن غيرهم سعيد بن المسيب ونافع ومحمد بن كعب القرظي وعبدالملك بن الماجشون وزيد بن أسلم، ومن أئمة المذاهب مالك بن أنس، والشافعي في القديم.

وقد رووا أن بعض الصحابة أتوا نساءهم من أدبارهن، كما رووا ذلك عن محمد بن المنكدر، وابن أبي مليكة، ومالك بن أنس إمام المذهب، وقد نقلنا ذلك فيما سبق من مصادرهم المعتمدة وبالأسانيد، فراجعه.

قال الكاتب: واعلم أن جميع السادة كذا في حوزة النجف والحوزات الأخرى، بل وفي كل مكان يمارسون هذا الفعل!!

وكان صديقنا الحجة السيد كذا أحمد الوائلي يقول بأنه منذ أن اطلع على هذه الروايات بدأ ممارسة هذا الفعل، وقليلًا ما يأتي امرأة في قُبُلِها.

وأقول: أما قوله: (إن جميع السادة في حوزة النجف والحوزات الأخرى يمارسون هذا الفعل) فهو فرية بلا مرية، وذلك لأن مثل هذه الأمور على فرض وقوعها لا يبوح بها رجل شريف، فكيف تأتّى لهذا الكاتب أن يطَّلع على كل السَّادة،

ص: 288

ويعلم أنهم يمارسون هذا الفعل مع زوجاتهم؟!

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي بيته من زجاج كيف يرمي بيوت الناس بالحجارة، فيفتري هذه الفرية الفاضحة، مع أنه لا يستطيع أن يثبت لنا برواية واحدة مسندة- حتى لو كانت ضعيفة- أن واحداً من أولئك (السادة) وطأ امرأته في دبرها، فضلًا عن أن يستطيع أن يثبت أن واحداً من أئمة الشيعة وعلمائهم مارس هذاالفعل.

في حين أنّا نقلنا فيما مرَّ غيضاً من فيض مما دلَّ على أن جملة من علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم كانوا يطأون زوجاتهم في أدبارهم!! وما تركناه أكثر مما ذكرناه.

وأما قوله: إن الشيخ الوائلي حفظه الله قال: (إنه يمارس هذا الفعل وقليلًا ما يأتي امرأة في قُبُلها)، فهو كغيره من الأكاذيب المفضوحة التي سوَّد بها هذا الكاتب كتابه، فإن الشيخ الوائلي لا يصدر منه هذا الكلام السخيف، والكل يعرفه.

وحسبك دليلًا على كذب القضية أن الكاتب وصف الشيخ الوائلي بأنه (صديقه) ليمهد للقارئ أنه خصَّه بهذا الأمر الخاص جداً، مع أنه لو كان صديقاً للشيخ الوائلي لعرف على الأقل أن الوائلي شيخ لا سيِّد، وهذا من بديهيات كونه صديقاً للشيخ، بل إن عوامّ الشيعة يعرفون أن الوائلي شيخ، ولا يختلف في ذلك منهم اثنان، فكيف غاب هذا الأمر الواضح عمن يدَّعي أنه صديق الشيخ؟!

والعجيب أن هذا الكاتب لا يخجل من نفسه، إذ يدَّعي أنه صديق للشيخ الوائلي، ومع ذلك يذكر عنه مثل هذا الأمر المخزي، وأقل ما ينطبع في ذهن القارئ أن الكاتب لو كان صادقاً في زعمه- وهو ليس بصادق- فإنه ليس محلًا لأن يخصّه أحد بِسِرّ، لأنه إذا أباح سِرَّ صديقه- كما يزعم- فإباحته لسِرِّ غيره ستكون بطريق أولى.

ص: 289

قال الكاتب: وكلما التقيت واحداً من السادة، وفي كل مكان فإني أسأله في حرمة إتيان النساء في الأدبار أو حله؟ فيقول لي بأنه حلال، ويذكر الروايات في حِلِّيَتِها منها الروايات التي تقدمت الإشارة إليها.

وأقول: لقد أضحكني هذا الكاتب المتخصِّص في مسألة (الوطء في الدبر)، لأنه أخبر عن نفسه أنه كلما التقى واحداً من السادة سأله عن هذه المسألة، من دون أن يستثني واحداً من السادة أو بعضاً من الأمكنة!!

ولا ريب في أن الكاتب الذي له هذا العمر المديد قد رزقه الله حجَّ بيته الحرام، وأنه التقى بعض السادة يطوفون حول الكعبة المشرفة، أو يُصلّون خلف المقام، أو يسعون بين الصفا والمروة، أو يبتهلون إلى الله في عرفات أو المزدلفة، أو يرمون الجمار في منى، فهل سألهم عن الوطء في الدبر في هذه المشاعر الشريفة وهم يؤدّون مناسكهم؟!

ولو سلَّمنا بما قاله هذا الكاتب فلا ندري لمَ لا يخجل من سؤال كل مَن لقيه من السادة حول الوطء في الدبر والإلحاح في هذه المسألة، مع أنه يزعم أنه فقيه مجتهد قد ناهز عمره الثمانين أو تجاوزها، ولا سيما أن العُرْف السائد في الحوزة يعيب أمثال هذه التصرفات التي لا تليق بصغار طلبة العلم فضلًا عن علماء الحوزة وفقهائها؟!

ومع الإغماض عن كل ما في حكايته، وتسليم أن الكاتب كان يود التحقيق في هذه المسألة، وكان يسأل السادة عن الوطء في الدبر فيجيبونه بالحلِّية، ألا يعلم أن جوابهم لا يعني أنهم كانوا يمارسون هذا الفعل، ولا سيما مع كراهته الشديدة، والتصريح في بعض الأخبار بأنه لا يفعله إلا أراذل الشيعة.

وفي مقابل ذلك فإن بعض علماء أهل السنة وأئمة مذاهبهم- كما مرَّ- كانوا يُسألون عن هذه المسألة فيجيبون بالحلِّية، ويعترفون بأنهم يفعلون هذا الفعل، ويمارسونه مع زوجاتهم وإمائهم.

ص: 290

قال الكاتب: ولم يكتفوا بإباحية اللواطة كذا بالنساء، بل أباح كثير منهم حتى اللواطة بالذكور وبالذات المردان.

وأقول: هذا من الافتراءات الواضحة، فإنه لا أحد يبيح اللواط بالذكور بعد نص القرآن الكريم على التحريم والنهي الشديد، وهذه فتاوى علماء الشيعة واضحة في هذه المسألة.

فقد قال الشيخ الصدوق في كتابه المقنع: واعلم أن اللواط أشد من الزنا، والزنا يقطع الرزق، ويقصر العمر، ويخلد صاحبه في النار، ويقطع الحياء من وجهه.

إلى أن قال: واعلم أن اللواط هو ما بين الفخذين، فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم، واعلم أن حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج، لأن الله أهلك أمة بحرمة الدبر، ولم يهلك أحداً بحرمة الفرج. واعلم أن عقوبة من لاط بغلام أن يُحرق بالنار، أو يُهدم عليه حائط، أو يُضرب ضربة بالسيف (1) 461.

وقال الشيخ المفيد في كتابه (المقنعة): واللواط هو الفجور بالذُّكران، وهو على ضربين: أحدهما: إيقاع الفعل فيما سوى الدبر من الفخذين، ففيه جلد مائة للفاعل والمفعول به إذا كانا عاقلين بالغين، ولا يُراعى في جلدهما عدم الإحصان ولا وجوده كما يراعى ذلك في الزنا، بل حدُّهما الجلد على هذا الفعل دون ما سواه. والثاني: الإيلاج في الدبر، ففيه القتل، سواءاً كان المتفاعلان على الإحصان أو على غير الإحصان (2) 462.

وقال السيد المرتضى في الانتصار: ومما انفردت به الإمامية القول بأن حد اللوطي إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به،


1- المقنع، ص 429.
2- المقنعة، ص 785.

ص: 291

إذا كانا معاً عاقلين بالغين، لا يُراعى في جلدهما وجود الإحصان، كما روعي في الزنا، فأما الإيلاج في الدبر فيجب فيه القتل من غير مراعاة أيضاً للإحصان فيه (1) 463.

وقال صاحب الجواهر في جواهره: (أما اللواط فهو وطء الذكران) من الآدمي (بإيقاب وغيره)، واشتقاقه من فعل قوم لوط، وحرمته من ضروري الدين، فضلًا عما دلَّ عليه في الكتاب المبين، وسُنة سيّد المرسلين، وآله الطيبين الطاهرين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من جامع غلاماً جاء جُنباً يوم القيامة، لا ينقيه ماء الدنيا، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدَّ له جهنم، وساءت مصيراً. ثم قال: إن الذكر ليركب الذكر فيهتز العرش لذلك، وإن الرجل لو أُتِيَ في حقبه (2) 464 فيحبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، ثم يؤمر به إلى جهنم، فيُعذب بطبقاتها طبقةً طبقة حتى يرد إلى أسفلها، ولا يخرج منها. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لو كان ينبغي لأحد أن يُرجَم مرتين لَرُجم اللوطي. وفي آخر عنه عليه السلام أيضاً: اللواط ما دون الدبر، والدبر هو الكفر (3) 465.

وكلمات العلماء في هذه المسألة متضافرة، وكلها دالة على أن حرمة اللواط مما أجمع عليه علماء الشيعة الإمامية، بل المسلمون كافة.

ومنه يتضح أن مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يكن أميناً في نقله، ولا منصفاً في زعمه مع تواتر الأخبار وإجماع العلماء الأخيار على تحريم اللواط، ولهذا لم ينقل- وأنى له- ولو فتوى واحدة لعالم واحد بحلّية ذلك، وجعل المسألة هكذا مرسلة من غير مصدر.


1- الانتصار، ص 251.
2- أي في دبره.
3- جواهر الكلام 41/ 374- 375. وراجع أخبار الباب في كتاب وسائل الشيعة 18/ 416- 424.

ص: 292

قال الكاتب: كنا أحد الأيام في الحوزة فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد، وسيصل إلى الحوزة ليلتقي سماحة الإمام آل كاشف الغطاء، وكان السيد شرف الدين قد سطع نجمه عند عوام الشيعة وخواصهم، خاصة بعد أن صدر بعض مؤلفاته كالمراجعات والنص والاجتهاد.

وأقول: لقد توهَّم الكاتب- لبعده عن الحوزة وأهلها- أن الحوزة مبنى خاص في النجف الأشرف، ولهذا قال: (كنا أحد الأيام في الحوزة)، وقال: (وسيصل إلى الحوزة)، وسيأتي قريباً قوله: (ولما وصل النجف زار الحوزة)، وهو توهُّم يعرف فساده كل من عاش في النجف ولو أياماً قلائل، فكيف بمن يدَّعي أنه عاش في النجف ودرس في الحوزة العلمية، فإن الحوزة هي نظام الدرس في النجف، فمن يقول: (درستُ في الحوزة)، يريد درستُ العلوم الدينية المتعارفة، سواءاً أكانت دراسته في مسجد أو في منزل أو مدرسة.

قال الكاتب: ولما وصل النجف زار الحوزة، فكان الاحتفاء به عظيماً من قبَلِ الكادر الحوزي علماءً كذا وطُلَّاباً، وفي جلسة له في مكتب السيد كذا آل كاشف الغطَاء ضمت عدداً من السادة، وبعض طلاب الحوزة، وكنت أحد الحاضرين.

وأقول: لقد كرَّر الكاتب نفس أغلاطه السابقة، فوصف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في كل كلامه بأنه (سيِّد)، بل غلَّط السائل أيضاً في ذلك، فجعله يخاطب الشيخ ب- (سيّد) كما سيأتي قريباً.

كما أنه وقع في سقطة أخرى كبيرة، فزعم أن الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله كان له مكتب في النجف الأشرف، مع أن الأمر ليس كذلك كما نبَّهنا عليه فيما تقدّم.

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الكاتب في كل كتابه لم يصف

ص: 293

(النجف) بالأشرف، مع أن علماء الشيعة حتى صغار طلبة العلم يلتزمون بوصف النجف بهذا الوصف في كتاباتهم.

فلا ندري لمَ تنكَّر الكاتب لمدينة أمير المؤمنين عليه السلام التي يدَّعي أنه تلقى فيها كل علومه؟!

قال الكاتب: وفي أثناء هذه الجلسة دخل شاب في عنفوان شبابه، فسلم فَرَدَّ الحاضرون السلام، فقال للسيد كذا آل كاشف الغطاء: سيد، عندي سؤال. فقال له السيد: وجه سؤالك إلى السيد شرف الدين.

فأحاله إلى ضيفه السيد شرف الدين تقديراً وإكراماً له.

قال السائل: سيد، أنا أدرس في لندن للحصول على الدكتوراه، وأنا ما زلت أعزب غير متزوج، وأريد امرأة تعينني هناك- لم يُفْصحْ عن قصده أول الأمر-.

قال له السيد شرف الدين: تَزَوَّجْ ثم خُذ زوجتك معك.

فقال الرجل: صعب علي أن تسكن امرأة من بلادي معي هناك.

فعرف السيد شرف الدين قصده، فقال له: تريد أن تتزوج امرأة بريطانية إذن؟ قال الرجل: نعم. فقال له شرف الدين: هذا لا يجوز، فالزواج باليهودية أو النصرانية حرام.

وأقول: هذا من الأكاذيب المفضوحة، فإن السيد شرف الدين قدس سره يفتي بجواز نكاح الكتابية، وقد نصَّ على ذلك في كتابيه (مسائل فقهية)، و (أجوبة مسائل جار الله)، حيث قال:

نكاح المتعة وفيه فصول: 1- حقيقة هذا النكاح: إنما حقيقته أن تزوِّجك المرأةُ الحرة الكاملة المسلمة أو الكتابية نفسَها، حيث لا يكون لك مانع في دين الإسلام عن

ص: 294

نكاحها، مِن نَسَبٍ أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدَّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، ككونها معقوداً عليها لأحد آبائك، وإن كان قد طلَّقها أو مات عنها قبل الدخول بها، وككونها أختاً لزوجتك مثلًا، أو نحو ذلك (1) 466.

وهذه العبارة فيها تصريح بجواز نكاح الكتابية متعة، فهل يصدِّق منصف بعد ذلك هذه الحكاية الملفَّقة؟!

قال الكاتب: فقال الرجل: كيف أصنع إذن؟

فقال له السيد شرف الدين: ابحث عن مسلمة مقيمة هناك عربية أو هندية أو أي جنسية أخرى بشرط أن تكون مسلمة.

فقال الرجل: بحثت كثيراً فلم أجد مسلمات مقيمات هناك تصلح إحداهن زوجة لي، وحتى أردت أن أتمتع فلم أجد، وليس أمامي خيار إما الزنا وإما الزواج وكلاهما متعذر علي. أما الزنا فإني مبتعد عنه لأنه حرام، وأما الزواج فمتعذر علي كما ترى وأنا أبقى هناك سنة كاملة أو أكثر ثم أعود إجازة لمدة شهر، وهذا كما تعلم سفر طويل فماذا أفعل؟

وأقول: لقد قلنا آنفاً: إن السيد رحمه الله يفتي بجواز التمتع بالكتابية، وحينئذ فإن كان هذا الشاب مقلِّداً للسيد شرف الدين فيجوز له أن يتمتع بكتابية، وإن كان مقلّداً للشيخ كاشف الغطاء فيجوز له أن يتزوج بكتابية دواماً أو متعة كما أفتى بذلك في كتابه (تحرير المجلة) حيث قال: أما الكتابية- يهودية أو نصرانية بل ومجوسية- فإن أسلم دونها فهي على نكاحه قبل الدخول وبعده، دائماً ومنقطعاً، كتابياً أو غيره. وأما في الابتداء فقيل بالحرمة، وقيل: يجوز منقطعاً لا دائماً. وقيل:


1- مسائل فقهية، ص 72. ونحو هذه العبارة في أجوبة مسائل جار الله، ص 85.

ص: 295

يجوز مطلقاً. وهو مقتضى ظاهر قوله تعالى في سورة المائدة التي لا نسخ فيها

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ

إلى قوله عز شأنه

وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ

، ويمكن حمل النواهي في السنة المطهرة على التنزيه (1) 467.

وبذلك تنحل القضية من رأس.

إلا أن الكاتب لما وضع هذه القصة لم يلتفت إلى فتاوى هذين العلَمين، وأن المسألة محلولة عندهم، فافتعل القصة بالصورة التي يظن أنه يستطيع بها أن يموِّه على العوام، ولكن لله كشف زيفه وكذبه.

ولو سلَّمنا أن هذا الشاب لا يستطيع أن يتزوج هناك بامرأة مسلمة أو كتابية، لا دواماً ولا متعة، فيجب عليه حينئذ أن يمنع نفسه من الوقوع في الحرام، فيكفّ نفسه عن الزنا واللواط وغيرهما من المحرَّمات، وإلا فيجب عليه ترك المكث والدراسة في تلك البلاد، والرجوع إلى بلده.

ومثل هذه المسألة البسيطة لا تخفى على السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء قدِّس سرُّهما.

قال الكاتب: سكت (2) 468 السيد شرف الدين قليلًا ثم قال: إن وَضْعَكَ هذا مُحْرِجٌ فِعلًا .. على أية حال أذكرُ أني قرأت رواية للإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، إذ جاءه رجل يسافر كثيراً ويتعذر عليه اصطحاب امرأته أو التمتع في البلد الذي يسافر إليه بحيث إنه يعاني مثلما تعاني أنت، فقال له أبو عبد الله رضي الله عنه: (إذا طال بك السفر فعليك


1- تحرير المجلة 5/ 24.
2- هنا حاشية للكاتب سيأتي الجواب عنها قريباً.

ص: 296

بنَكْحِ الذكر) (1) 469!! هذا جواب سؤالك.

وأقول: هذا من أكاذيبه الواضحة، فإن مثل هذه الرواية لا توجد في كتب الشيعة، فكيف يمكن للسيد شرف الدين قدس سره أن يفتي على طبقها من غير أن ينظر في سندها ويتأكد من صحَّتها؟

إن الكاتب يظن أن الفقيه يمكنه استنباط الأحكام الشرعية بمجرد وجود رواية من غير النظر إلى سندها وما يعارضها من أخبار كما صنع هو في كل كتابه، ولهذا لفَّق مثل هذه القضية على السيد شرف الدين.

وهذه الفتوى في الأصل منقولة عن بعض المفتين من أهل السنة، وقد نقلها صاحب كتاب مطالع الأنوار كما في كتاب الأربعين للشيخ محمد طاهر القمي الشيرازي عن أبي حنيفة، حيث قال:

وأعظم من هذا قوله يعني أبا حنيفة: إن نكاح الأم وإن علَتْ، والبنت وإن نزلتْ، والأخت وبنت الأخت والعمة والخالة، جائز بشرط لف الحريرة. وإذا اشترى الرجل أُمَّه وأخته وقرابته جاز له نكاحهن، والأجير إذا استأجره جاز له أن يلوط به بلف الخرقة، وقال في المشتري بأنه لا يجوز له ذلك إلا بشرط كونه غير محصن، وقال ناظمهم:

وجائزٌ نَيْكُ الغُلامِ الأَمْرَدِمُجَوَّزٌ لِلرَّجُلِ المجرَّدِ

هذا إذا كانَ وحيداً في السَّفَرْولم يَجِدْ أنثى تَفِي إلا الذكَرْ (2) 470.

ولا ندري هل كان أبو حنيفة يفتي بذلك، أو أن ذلك مما هو منقول عنه من غير تثبُّت وتحقيق.


1- هنا حاشية له أخرى سيأتي الجواب عنها كذلك.
2- كتاب الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين، ص 647.

ص: 297

قال الكاتب: خرج الرجل وعليه علامات الارتياب من هذا الجواب، وأما الحاضرون ومنهم السيد كذا زعيم الحوزة فلم يلفظ أحد منهم ببنت شَفَه.

وأقول: لا ريب في أن علامات الارتياب ترتسم على كل من يسمع هذه القصة الخرافية.

وكل من عرف فتاوى علماء الشيعة ولا سيما فتاوى السيد شرف الدين والشيخ كاشف الغطاء في هذه المسألة يجزم باختلاق هذه القصة من أساسها، لما فيها من تحليل الحرام المجمع على حرمته عند علماء الإمامية.

وعذر الكاتب المفلس وغيره ممن يسلك هذا المنهج في الطعن في مذهب وعلماء الإمامية هو أنهم لم يجدوا مطعناً صحيحاً يتشبثون به، فلجأوا إلى ترويج الأكاذيب المفضوحة واختلاق القصص الخرافية للوصول إلى غاياتهم الدنيئة.

قال الكاتب في حاشية له في هذا الموضع: يبدو أنه احتار في جواب السائل، ولما سنحت لي فرصة الانفراد بالسيد كذا آل كاشف الغطاء سألته عن هذه الرواية التي ذكرها السيد شرف الدين، فقال لي: لم أقف عليها فيما قرأت. ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أجد مصدر تلك الرواية في كل ما قرأت وكلما وقع بيدي من كتب الأخبار فلم أعثر على مصدر لها، وأظن أنه ارتجلها لئلا يحرج بالجواب أمام الحاضرين.

وأقول: إن مثل هذه المسألة البسيطة لا يحتار في الجواب عنها واحد من صغار طلبة العلم فضلًا عمن هو مثل السيد شرف الدين قدس سره.

والسيد رحمه الله لا يمكن أن يكذب على الإمام الصادق عليه السلام بافتراء رواية بهذا النحو من السخف والبذاءة، لمجرد التخلص من الإحراج المزعوم.

والكاتب قد اعترف بأن هذه الرواية لا وجود لها في كتب الشيعة، وأنها مختلقة

ص: 298

عليهم، ونحن نعرف من اختلقها، ومع ذلك فسيأتي قريباً تصريحه في بعض حواشيه بأنه قرأ في بعض (المنظومات) التي كان يقرؤها نصاً لا شبهة فيه، وهو قول الناظم: (وجائز نكاح الغلام الأمرد)، فالحمد لله الذي كشف تهافت كلامه وتضارب أقواله.

وقال الكاتب في حاشية أخرى له في هذا الموضع أيضاً: أخبرني بعض تلاميذ السيد شرف الدين أنه في زيارته لأوروبا كان يتمتع بالأوروبيات كثيراً وبخاصة الجميلات منهن، فكان يستأجر كل يوم واحدة، وكان متزوجاً من شابة مسيحية مارونية اسمها نهار كتابيات أيضاً كذا، فلماذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟

وأقول: الظاهر أن مراد الكاتب أن السيِّد شرف الدين نفسه هو الذي ذهب إلى أوروبا وكان يتمتَّع بالأوروبيات كما هو ظاهر قوله: (فلماذا يحل لنفسه ما يحرِّمه على غيره؟).

ولا ريب في وضوح هذه الفرية، وذلك لأن السيد شرف الدين قدس سره لم يسافر إلى أوروبا، وترجمته موجودة في أكثر كتبه، وأسفاره رحمه الله معروفة، وهي لا تتعدى مصر والحجاز وفلسطين والشام والعراق وإيران، فمتى سافر السيِّد إلى أوروبا؟ ومتى تمتع بالأوروبيات؟

ثم من هو راوي هذه القصة الذي وصفه الكاتب بأنه أحد تلامذة السيد؟ ولماذا لم يصرِّح الكاتب باسمه حتى يُعرف سند هذه الرواية؟

ومن الواضح أن الكاتب لم يذكر اسم هذا الراوي لأنه لا يمكنه أن يذكر اسماً يفتضح بذكره، فجعل اسم الراوي مبهماً هكذا، وهذا دأبه في أكثر قصصه الخرافية في هذا الكتاب، فتأملها تجدها منقولة عن شخصيات مجهولة لم تذكر أسماؤها.

ص: 299

قال الكاتب: ضُبِطَ أحدُ السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد من الدارسين في الحوزة. وصل الخبر إلى أسماع الكثيرين، وفي اليوم التالي بينما كان السيد المشار إليه يتمشى في الرواق، اقترب منه سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً- وكان قد بلغه الخبر- فخاطبه بالفُصْحَى مازحاً: سيد، ما تقول في ضَرْبِ الحلق؟ (1) 471 فأجابه السيد الأول بمزاح أشد قائلًا له وبالفصحى أيضاً: يُسْتَحْسَنُ إدخال الحشفة فقط، وقهقه الاثنان بقوة!!؟؟

وأقول: أنا أعجب من هذا الكاتب كيف لا يستحيي أن ينقل أمثال هذه القصص المكذوبة التي لا دليل على صحَّتها إلا نقل كاتبها الذي لا يوثق به؟

وعلماء الشيعة أجل وأتقى من أن يصدر منهم أمثال هذه الرذائل والموبقات، بل نحن ننزّه كل شريف عن أمثال هذه الأفعال القبيحة، سُنّياًكان أم شيعياً، فضلًا عن أن يكون عالماً من العلماء أو فاضلًا من الفضلاء.

هذا مع أن نقل أمثال هذه الأمور- لو سلَّمنا بوقوعها- مندرج في باب إشاعة الفاحشة في المسلمين الذي هو منهي عنه بنصِّ الكتاب العزيز.

قال الله تعالى

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (2) 472.

قال ابن كثير في تفسيره: وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئاً من الكلام السيِّئ، فقام بذهنه شي ء منه وتكلم به، فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه، فقد قال تعالى

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (3) 473.


1- يريد بذلك حَلَقة الدبر (حاشية من الكاتب).
2- سورة النور، الآية 19.
3- تفسير القرآن العظيم 3/ 275.

ص: 300

قال الكاتب: وهناك سيد من علماء الحوزة مشهور باللواطة كذا، رأى صبياً يمشي مع سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً، فسأله: من هذا الصبي الذي معك؟ فأجابه: هذا ابني فلان.

فقال له: لِمَ لا ترسله إلينا لنقوم بتدريسه وتعليمه كي يصبح عالماً مثلك؟ فأجابه ساخراً: أيها السافل الحقير، أتريد أن آتيك به لتفعل به (كذا وكذا)!؟

وهذه الحادثة حدثني بها أحد الثقات من أساتذة الحوزة (1) 474.

وأقول: هذه القضية كسابقاتها من القضايا المكذوبة التي لا سند لها ولا هوية معروفة لأشخاصها.

وهل من المعقول أن يطلب شخص مشهور باللواط من رجل يعرفه بهذه الصفة أن يحضر له ابنه لتعليمه بكل هذه الجرأة والوقاحة؟

ولكن الكذوب مهما ظن أنه أتقن كذبه فلا بد أن يكون في كلامه خلل يفضحه ويكشف زيفه.

ثم مَن هو هذا الثقة الذي أخبر الكاتب بهذه الحكاية؟ لمَ لمْ يذكره الكاتب، ولا سيما أن ذكره لا يستلزم محذوراً ولا حرَجاً لأحد، باعتبار أنها قصة قد خلتْ من ذِكر الأسماء وتعيين الأشخاص.

قال الكاتب: في حاشية له في هذا الموضع: وليس بغريب ولا عجيب، فإن بعض المنظومات كذا التي كنا نقرؤها تنص على ذلك نصاً لا شبهة له، ألم يقل الناظم: «وجائز نكاح الغلام الأمرد ....».


1- هنا حاشية له سيأتي الجواب عنها قريباً.

ص: 301

وأقول: بعد إطباق الشيعة بل كل المسلمين على حرمة اللواط كيف لا يكون فعل اللواط ممن ينتسب للعلم وأهله عجيباً وغريباً؟!

ثم ما هي هذه المنظومات التي قرأها الكاتب وتنصّ على جواز نكاح الغلام الأمرد؟ ومن كاتبها؟ وعمّن ينقل هذه الفتوى؟

والظاهر أن الكاتب نسي ما كتبه سابقاً في هذه المسألة، فإنه زعم أن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قال له: (لم أقف عليها- أي على الرواية- فيما قرأت). وقال هو نفسه: (ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أجد مصدر تلك الرواية في كل ما قرأت وكلما وقع بيدي من كتب الأخبار فلم أعثر على مصدر لها).

وهو لم يذكر في هذا الموضع أو ذاك مصدراً واحداً لهذه الرواية المكذوبة، مع أنا نقلناها منسوبة إلى أبي حنيفة كما مرَّ، فراجع.

قال الكاتب: لقد رأينا الكثير من هذه الحوادث، وما سمعناه أكثر بكثير حتى أن صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جداً، وَدوَّنَها بتفاصيلها وتواريخها وأسماء أصحابها، وهو ينوي إصدارها في كتاب أراد أن يسميه (فضائح الحوزة العلمية في النجف)، لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس، ولا يعلمون ما يفعله السادة، فيرسل أحدهم امرأته أو بنته أو أخته لغرض الزيارة، أو لطلب الولد، أو لتقديم (مراد للحسين) فيستلمها السادة وخاصة إذا كانت جميلة ليفجروا بها ويفعلوا بها كل منكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأقول: لا ندري كيف تسنَّى للكاتب وهو من العلماء القدامى بزعمه الذين نالوا درجة الاجتهاد (بتفوق) أن يرى الكثير من حوادث اللواط؟

ص: 302

هل كان أحد أطراف تلك الحوادث؟

أو كان يُدعى في كل جلسة للشهادة؟

أو أن التوفيق كان يحالفه في الاطلاع على هذه الحوادث؟

أو أن طلبة العلم يلوطون ويُلاط بهم في الطرقات والأزقة بحيث تسنَّى للكاتب أن يطلع عليها كغيره من الناس؟

هذه أسئلة تحتاج من الكاتب إلى جواب مقنع!!

ثم إن (صديقه المفضال السيد عباس) كيف تأتّى له أيضاً معرفة هذه الحوادث والوقوف عليها حتى استطاع أن يجمع كتاباً في حوادث اللواط التي رآها بنفسه، وسجَّلها بتواريخها وأسماء أصحابها؟

ولا أدري هل يعتقد مدَّعي الاجتهاد والفقاهة وذلك السيد المفضال أنه يجوز لهما أن يكتبا كتاباً مشتملًا على أمثال هذه القضايا التشهيرية بالأسماء والتواريخ على فرض صحَّتها ووقوعها؟

وعلى كل حال فالذي نعتقده أن ذِمَم القوم واسعة، وأنهم يمكنهم أن يلفِّقوا قضايا مكذوبة ويلصقوها بالأبرياء من الشيعة، فإن هذا هو ديدنهم، وهذه هي طريقتهم التي تلقوها من أسلافهم.

فهنيئاً لهم بمذاهبهم التي لا تنهض إلا بقذف الأبرياء، ولا يمكن تشييدها إلا باختلاق الحوادث وافتراء الأكاذيب التي عجزوا عن إثباتها بدليل صحيح، فصارت عاراً عليهم في الدنيا، وخزياً لهم في الآخرة.

ثم هل من يرسل ابنته أو زوجته أو أخته لغرض الزيارة يسلّمها إلى السادة ليعبثوا بها؟ هل يتصور هذا الكاتب أن أعراض الناس يسهل تناولها بكل هذه البساطة؟ وهل يظن أن النساء دُمى يُتَصرَّف فيهن وهن لا يدفعن يد لامس؟

وعلى كل حال، فأمثال هذا الكلام غير مستغرب ممن تجمدت عقولهم مئات

ص: 303

السنين، وعاشوا على فتات أكاذيب ابن تيمية وأضرابه ممن يستحلون اتهام الشيعة بماشاؤوا، لا يردعهم رادع، ولا يمنعهم مانع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إن مذهباً يعتمد على الأكاذيب والافتراءات في الأعراض

لحرب خصمه لا يمكن أن يكون حقاً وليس حَرِياً بالاتباع

ص: 304

الخمس

قال الكاتب: إن الخمس استُغِلَّ هو الآخر استغلالًا بَشعاً من قبَلِ الفقهاء والمجتهدين، وصار مورداً يُدرُّ على السادة والمجتهدين أموالًا طَائلة جداً، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عَوام الشيعة في حِل من دَفع الخمس، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه، وإنما يتصرفون فيه كما يتصَرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين، وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم.

وأقول: لقد بدا واضحاً لأهل السنة أن الخمس له دور بارز في قوةالشيعة واستقلالهم واستقلال علمائهم عن أن يكونوا تابعين لسلاطين الجور كما هو حال علماء أهل السنة منذ عصر الخلفاء الأوائل إلى هذا اليوم.

ولهذا حرص من كتب في نقد عقائد الشيعة على محاولة إبطال مشروعية الخمس، وتحريض الشيعة على الكف عن دفع الخمس إلى العلماء، لمحاولة جر البساط من تحت أقدام علماء الشيعة الذين كانوا وما يزالون يكتسبون القوة المالية من جهةالخمس.

ص: 305

وما محاولات الكاتب اليائسة إلا واحدة من محاولات عديدة باءت بالفشل الذريع، وانتهت بالخيبة والخسران بحمد الله ونعمته.

وسيلاحظ القارئ العزيز أن الكاتب قد فشلت كل مساعيه مع أنه رمى كل سهم في كنانته، وقذف كل حجر في جُعْبته، فصار يخبط خبط عشواء، ويتخبط في الظلمات على غير هدى.

وسيتضح من خلال ردِّنا على مزاعمه الفاسدة أن الخمس يجب دفعه على سائر المكلفين من أرباح المكاسب وأرباح التجارات وغيرها مما هو مذكور في محلِّه.

قال الكاتب: وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس، وتطوره تاريخياً وندعم بذلك نصوص الشرع، وأقوال الأئمة وفتاوى المجتهدين الذين يُعْتَدُّ بهم، وَيُعَوَّلُ على كلامهم:

1- عن ضريس الكناني (1) 475 قال أبو عبد الله رضي الله عنه: من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت: لا أدري جُعلْتُ فداك، قال من قبَلِ خُمْسنا أهل البيت إلا شيعتنا الطيبين فإنه مُحَلَّلٌ لهَم لميلادهم. أصولَ الكَافي 2/ 502 شرح الشيخ مصطفى.

وأقول: قال المازندراني رحمه الله في شرح الحديث:

قوله: (قال من قبل خمسنا) لا يجوز لغير الشيعة أن يطأ الأمة التي سباها المقاتل بغير إذن الإمام، ولا أن يشتريها، ولا أن يجعل مهور النساء من منافع أنواع الاكتساب، لدخول حق الإمام في جميع ذلك، بل بعضها بالتمام حقّه، فلو فعل كان غاصباً وزانياً، وجرى في الولد حكم ولد الزنا عند الله تعالى، وجاز جميع ذلك للشيعة قبل إخراج حقه وحق مشاركيه من الهاشميين بإذنه، ليطيب فعلهم، وتزكو


1- بل هو (الكناسي) لا الكناني.

ص: 306

ولادتهم (1) 476.

وقال صاحب الجواهر قدس سره:

في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح، هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعم، بل وفي أنه المناكح خاصة، أو هي والمتاجر والمساكن؟ (2) 477 ثم ذكر أقوال جملة من العلماء الماضين قدَّس الله أسرارهم، ثم قال: وفي السرائر بعد أن ذكر الأنفال وأنها للنبي صلى الله عليه وآله ثم للقائم مقامه، قال: (فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه السلام من أعدائه خوفاً على نفسه، فقد رخَّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بدَّ لهم منه من المناكح والمتاجر، والمراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم السلام ويتَّجر في ذلك، فلا يتوهَّم متوهِّم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئاً لا يخرج منه الخمس، فليُحصَّل ما قلناه فربما اشتبه. والمساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال) إلى آخره. وتبعهم في هذا التعبير وهذا الإجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم (3) 478.

قلت: المناكح إما أن تحصل بملك اليمين أو بالتزويج، وملك اليمين إما أن يحصل بالسبي أو بالشراء، فإن حصل بالسبي بغير إذن الإمام عليه السلام، فالجواري ملك طِلْق للإمام عليه السلام، والإمام لا يبيح لغير الشيعة وطأهنَّ، فمن وطأهن من غيرهم فإن وطأه لهن سفاح.

وإن حصل ملك اليمين بالشراء، فلا ريب في أن خمس المال الذي دُفع ثمناً للجارية هو للإمام عليه السلام، لأنه من أرباح المكاسب، وهذا يستلزم أن تكون الجارية مشتركة بين الإمام عليه السلام وبين المشتري، وحيث إنه لا يجوز لأحد الشريكين أن يطأ


1- شرح أصول الكافي 7/ 411.
2- جواهر الكلام 16/ 145.
3- جواهر الكلام 16/ 147.

ص: 307

الجارية المشتركة إلا بإذن الآخر، فإن الإمام عليه السلام لم يأذن لغير شيعته بذلك، فمن وطأها من غير الشيعة فإن وطأه أيضاً سفاح.

وأما إن حصلت المناكح بالتزويج فإن الأموال التي تُدفع منها المهور قد تعلق بها الخمس لا محالة، لأنها من أرباح المكاسب أيضاً، فتكون مشتركة بين الإمام وبين أصحابها، والإمام عليه السلام لا يجيز التصرف فيها لغير شيعته، فتكون المهور المأخوذة منها مغصوبة.

والظاهر أن المراد بالزنا في الحديث هو الزنا المجازي الوارد في بعض الأحاديث الدالة على أن لكل عضو حظاً من الزنا، فالعين زناها النظر، والأذن زناها السمع، واللسان زناه الكلام ... وهكذا (1) 479.

وإلا فلا ريب في أن كل أولئك لا يمكن أن يكونوا زناة حقيقة، وذلك لأن نكاحهم إن كان باطلًا فوطؤهم وطء شبهة كما لا يخفى.

ويرشد إلى ما قلناه وصف الشيعة في الحديث بأنهم الأطيبون، فإن فيه إشعاراً بأن غيرهم طيِّب، ولكن الشيعة أطيب.

والحاصل أن الذي يقتضيه الجمع بين أحاديث الإباحة وأحاديث التغليظ في


1- أخرج مسلم في صحيحه 4/ 2046، 2047 بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مُدْرِكٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصدِّق ذلك الفرجُ ويُكذِّبه. وروي بألفاظ متقاربة في مصادر كثيرة، فراجع: صحيح البخاري 4/ 1964، 2068. المستدرك 1/ 55، 2/ 470 وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. سنن أبي داود 2/ 246، 247. صحيح ابن حبان 10/ 267- 270. مسند أحمد 2/ 276، 317، 344، 349، 372، 379، 411، 431، 528، 535، 536. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 89. السنن الكبرى للنسائي 6/ 473. مجمع الزوائد 6/ 256. شعب الإيمان 4/ 365- 366. الترغيب والترهيب 3/ 8- 9. شرح السنة للبغوي 1/ 137- 138.

ص: 308

لزوم دفع الخمس هو أن المراد بإباحتها للشيعة إباحة التصرف لهم فيها ثم إخراج خمسها، لا إسقاط الخمس الواجب عليهم فيها.

قال الكاتب: 2- عن حكيم مؤذن بن عيسى قال: سألتُ أبا عبد الله عن قوله تعالى:

وَاعْلَمُوا أَنما غنِمْتُم مِن شيْ ءٍفَأنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

(الأنفال/ 41) فثنى أبو عبد الله رضي الله عنه بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده فقال: (هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حِلٍّ ليزكوا). الكافي 2/ 499.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وهو ضعيف، وقد مرَّ بيان ضعفه.

ومن جملة رواة الحديث حكيم مؤذن بن عيسى كما في الكافي، أو حكيم مؤذن بني عبس كما في التهذيب والاستبصار، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وعليه فالرواية لا يعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.

ومع الإغماض عن ضعف سندها فهي كسابقتها دالة على أن الإمام الباقر سلام الله عليه قد أباح لشيعته أن يتصرفوا في أموالهم التي تعلق بها الحق الشرعي في مناكحهم قبل إخراج الخمس منها، ويكون تصرفهم حينئذ جائزاً لهم.

قال المازندراني في شرح الحديث:

قوله: (هي والله الإفادة) دلَّ على أن الغنيمة تطلق على ما يستفاد بالاكتساب، وهي بهذا المعنى أعم منها بالمعنى المصطلح، وهو ما حازه المسلمون من أموال أهل الحرب إذا حواها العسكر، والمقصود أن ما استفيد بالاكتساب على أنواعه من التجارة والزراعة والصناعة وغيرها داخل الغنيمة، ويجب فيه الخمس.

إلى أن قال: وفي قوله عليه السلام: (إلّا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا) دلالة

ص: 309

واضحة على أنه يجوز للشيعي أن يجعل منافع الاكتساب مهراً للزوجة وثمناً للجارية قبل إخراج الخمس مطلقاً كما هو المشهور بين الأصحاب، والمخالف نادر (1) 480.

قال الكاتب: 3- عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسلماً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالًا، فَرَدَّهُ أبو عبد الله .. إلى أن قال: يا أبا سيار قد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضُمَّ إليك مالك، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا. أصول الكافي 2/ 268.

وأقول: قال المازندراني في شرح الحديث:

قوله (يا أبا سيار قد طيَّبناه لك) دلَّ على أن الإمام لا يجب عليه قبول الخمس، وله الإبراء، كما كان ذلك لكل ذي حق.

إلى أن قال: قوله: (وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا عليه السلام) أشار هنا بعدما ذكر أن الأرض كلها لهم إلى أن شيعتهم في حِلٍّ من التصرف فيها وفي حاصلها ومن خراجها، حتى يظهر القائم عليه السلام، فيأخذ منهم خراجها ويتركها في أيديهم (2) 481.

قلت: وبعبارة أوضح: إن الإمام الصادق عليه السلام قد أبرأ أبا سيار من حقّه في أمواله، والإمام لا يجب عليه أخذ الخمس، بل يجوز له أن يبرئ من شاء مما شاء من حقّه.

وإبراء الإمام عليه السلام أبا سيار من حقه المعيَّن لا يدل على إبراء غيره من الخمس في كل شي ء، ولهذا قال عليه السلام: (قد طيبناه لك) خاصة. ولم يقل: طيبناه لكم.

(3) 482


1- شرح أصول الكافي 7/ 407.
2- المصدر السابق 7/ 37.
3- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 310

وأما قول الإمام عليه السلام: (وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلَّلون حتى يقوم قائمنا)، فهو مخصوص بالأراضي فقط دون غيرها من الأموال، فأجاز عليه السلام لهم التصرُّف فيها، وأخذ حاصلها وخراجها، لكنه عليه السلام لم يُسقط عنهم خمس حاصلها وخمس أموالهم الأخرى كما هو واضح.

قال الكاتب: 4- عن محمد بن مسلم عن أحدهما رضي الله عنه: قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتهم ولتزكو ولاداتهم. أصول الكافي 2/ 552.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها محمد بن سنان، وقد مرَّ بيان ضعفه.

ومن جملة الرواة صباح الأزرق، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.

وقد مرَّ بيان معنى تطييب الخمس للشيعة لتطيب ولاداتهم وتزكو، وأوضحنا أنه ليس المراد بذلك إسقاط الخمس عنهم بالكلية، فراجع ما قلناه.

قال الكاتب: 5- عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: (إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا (1) 483 إلا أَنَّا أحللنا شيعتنا من ذلك) من لا يحضره الفقيه 2/ 243.

وأقول: هذه الرواية رواها الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) بسنده إلى داود بن كثير الرقي، وطريق الصدوق إليه ضعيف.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب الفقيه: وإلى داود الرقي: فيه


1- كذا في نسخة الكتاب، والصحيح كما في المصدر: مظلمتنا.

ص: 311

الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، ولم يوثَّق، وعبد الله بن أحمد الرازي، ولم يذكره غير (صه) (1) 484 بأن عنده فيه توقف، وجرير بن صالح، وهو غير مذكور (2) 485.

وقال الخوئي: وكيف كان فطريق الصدوق إليه: الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الرازي، عن جرير بن صالح، عن إسماعيل بن مهران، عن زكريا بن آدم، عن داود بن كثير الرقي، والطريق ضعيف، فإن فيه مجاهيل (3) 486.

وعليه، فالرواية ضعيفة السند.

وأما من جهة متن الرواية فقد أوضحنا المراد بتحليل الشيعة، وعدم دلالته على إسقاط الخمس عنهم، فراجعه فيما مرَّ.

قال الكاتب: 6- عن يونس بن يعقوب قال: كنتُ عند أبي عبد الله رضي الله عنه فدخل عليه رجل من القناطين فقال: (جُعِلُتُ فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات، ونعرف أن حقكم فيهَا ثابت، وأنّا عن ذلك مقصرون، فقال رضي الله عنه: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) من لا يحضره الفقيه 2/ 23.

وأقول: هذا الحديث رواه الشيخ الصدوق عن يونس بن يعقوب، وهو وإن كان ثقة إلا أن طريق الصدوق إليه ضعيف، فإن فيه الحكم بن مسكين، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال الأردبيلي في جامع الرواة في بيان طرق كتاب من لا يحضره الفقيه: وإلى


1- أي العلّامة الحلي في رجاله المعروف بالخلاصة.
2- جامع الرواة 2/ 534.
3- معجم رجال الحديث 7/ 126.

ص: 312

يونس بن يعقوب، فيه الحكم بن مسكين (1) 487.

والنتيجة أن الرواية ضعيفة السند.

ومع الإغماض عن سند الرواية فهي واضحة الدلالة على أن الخمس يجب إخراجه على الشيعة، وذلك لأن القناط قال: تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات، ونعرف أن حقكم فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصِّرون.

وقوله فيه دلالة واضحة على أن وجوب الخمس وإخراجه من أرباح الأموال والتجارات كان مرتكزاً عند الشيعة، متسالماً عليه بينهم.

والإمام عليه السلام لم ينكر عليه قوله، وإنما قال له: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.

يعني أنا لو كلَّفناكم بإخراجه فوراً من غير تأخير لما كنا منصفين معكم، إذ قابلناكم بالشدَّة في أخذ حقّنا منكم وعدم الإمهال، مع أنكم كنتم تقابلوننا بالمحبة والمودّة والموالاة.

والحديث بالمعنى الذي أوضحناه لا يدل على إسقاط الخمس عن الشيعة، بل يدل على عكس ذلك كما هو واضح.

ومن خيانات الكاتب أنه أسقط كلمة (اليوم) من ذيل الحديث، فإن الوارد فيه هو قوله: (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) على ما رواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، والشيخ الطوسي في (الاستبصار) (2) 488. ولكن غرض الكاتب هو بيان تحليل الخمس للشيعة مطلقاً لا ذلك الوقت فقط، ولهذا أسقط كلمة (اليوم) حتى يلتئم الحديث مع مراده، فتأمل في أساليب القوم للوصول إلى أهدافهم غير المشروعة.


1- جامع الرواة 2/ 542.
2- من لا يحضره الفقيه 2/ 28. الاستبصار 2/ 59. وسائل الشيعة 6/ 380.

ص: 313

قال الكاتب: 7- عن علي بن مهزيار أنه قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر رضي الله عنه جاءه رجل يسأله أن يجعله في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب رضي الله عنه بخطه: (من أعوزه شي ء من حقي فهو في حل) من لا يحضره الفقيه 2/ 23.

وأقول: هذه الرواية تدل أيضاً على وجوب الخمس على الشيعة، وإلا فلا معنى لأن يأتي الرجل ويسأل الأمام عليه السلام أن يجعله في حِلٍّ من الخمس المتعلق بالمأكل والمشرب إذا لم يكن واجباً عليه، ولا وجه للتحليل منه حينئذ.

والإمام عليه السلام لم يُنكر على الرجل وجوب الخمس عليه، وإنما أباح لمن كان شديد الحاجة من الشيعة بمقدار ما يسدّ حاجته، وهو أمر جائز للإمام عليه السلام كما مرَّ، لأن الإمام عليه السلام له أن يُسقِط حقَّه كلًا أو بعضاً عمن شاء وكيف شاء، وهذا لا يدل بأية دلالة على سقوط الخمس بكامله عن كل الشيعة في كل العصور حتى مع عدم العوز والحاجة.

على أنه لم يظهر من الرواية أن الإمام عليه السلام جعل ذلك الرجل في حِلٍّ من مأكله ومشربه من الخمس، لأن الإمام عليه السلام أحل من كان معوزاً، ولم يظهر أن الرجل كان صاحب عوز وحاجة.

قال الكاتب: 8- جاء رجل إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه، قال: أصبتُ مالًا أَرْمَضْتُ (1) 489 فيه، أفَلِي توبة؟ قال: (آتني بخمسي (2) 490، فأتاه بخمسه، فقال رضي الله عنه: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) 2/ 22 من لا يحضره الفقيه.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، لأنها مرسلة قد رواها الصدوق من غير


1- كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: أغمضت.
2- كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: بخمسه.

ص: 314

سند عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ومع الإغماض عن سندها فإن معناها أن الرجل قال لأمير المؤمنين عليه السلام: (أصبتُ مالًا أغمضتُ فيه)، أي أغمضت عينيَّ في جمعه، فجمعته كيفما اتّفق، من حلال أو حرام.

قال الطريحي في مجمع البحرين: أي تساهلتُ في تحصيله، ولم أجتنب فيه الحرام والشبهات، ومحصّله جمعتُه من حرام أو حلال وشبهة، وأصله من إغماض العين (1) 491.

وقال ابن الأثير في النهاية: الإغماض: المسامحة والمساهلة (2) 492.

فأمره الإمام عليه السلام أن يأتيه بخمس هذا المال، فإن إخراج خمسه مطهِّر لباقيه، فلما أتاه بالخمس قال له الإمام عليه السلام: هو لك. أي باقي المال لك حلال لا شبهة فيه، (إن الرجل إذا تاب)، أي أن الرجل إذا تاب إلى الله من الكسب المشتبه بالحرام فأخرج خمسه، إذ به تتحقق التوبة الصحيحة، (تاب ماله معه) أي رجع إليه باقي ماله، فطهر مما كان فيه من الشبهة، فصحَّ له التصرّف فيه.

وهذا الحديث كما أوضحناه يدل دلالة واضحة على وجوب إخراج الخمس، ولهذا أمره الإمام عليه السلام بالإتيان به، وما زعمه الكاتب من دلالة الحديث على إباحة الخمس غير صحيح، وذلك لأنه أرجع الضمير (هو) إلى الخمس، مع أنه يرجع إلى باقي المال.

ولو سلّمنا برجوع الضمير إلى الخمس فإن دلالة الحديث على المراد باقية، وذلك لأن أمْرَ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للرجل بالإتيان بالخمس يدل على وجوبه عليه، وإبراء الإمام له أو هبته له كما مرَّ جائز للإمام عليه السلام، وهو واضح لا يحتاج إلى إطالة كلام.


1- مجمع البحرين 4/ 219.
2- النهاية في غريب الحديث 3/ 387.

ص: 315

قال الكاتب: فهذه الروايات وغيرها كثير صريحة في إعفاء الشيعة من الخمس، وأنهم في حل من دفعه، فمن أراد أن يستخلصه لنفسه، أو أن يأكله ولا يدفع منه لأهل البيت شيئاً فهو في حل من دفعه، وله ما أراد ولا إثم عليه، بل لا يجب عليهم الدفع حتى يقوم القائم في الرواية الثالثة.

وأقول: لقد أوضحنا أن جملة من هذه الروايات ضعيفة السند، والصحيح منها لا يدل على إعفاء الشيعة من الخمس مطلقاً، بل منها ما دل على أن الإمام عليه السلام قد أباح لهم ما تصرَّفوا فيه من أموالهم التي أنفقوها في المناكح قبل إخراج الخمس الواجب عليهم، ومنها ما دل على أن الإمام عليه السلام قد أباح للشيعة التصرف في رقاب الأراضي وحاصلها، مع لزوم إخراج خمسها، ومنها ما دل على أن الإمام الباقر عليه السلام أجاز للمعوزين من شيعته أن يأخذوا منه بمقدار ما يسدُّون به حاجاتهم، ومنها ما دل على أن الأئمة عليهم السلام لا يُلزمون شيعتهم بالإسراع في إخراج الخمس إذا كان في ذلك حرج عليهم.

وكل تلك الروايات تدل باللازم على وجوب الخمس على الناس، وإلا فلا معنى لإباحة التصرف فيه للمعوزين بمقدار ما تسدّ حاجتهم، ولا وجه لعدم إيجاب المبادرة في الإخراج التي تتحقق معها المشقة عليهم، وكل ذلك أوضحناه فيما تقدم بحمد الله وفضله.

والغريب أن الكاتب تمسَّك بهذه الروايات وتعامى عن الروايات الأخرى الكثيرة الدالة على وجوب دفع الخمس إليهم عليهم السلام، وأنهم سلام الله عليهم لا يبيحونه لأحد.

منها: صحيحة إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بِقُم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حل، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم و فقرائهم

ص: 316

وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يجي ء فيقول: (اجعلني في حل)، أتراه ظن أني أقول: (لا أفعل)، والله ليسألنَّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثاً (1) 493.

ومنها: رواية محمد بن زيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا (2) 494، تمحضونا بالمودة بألسنتكم، وتزوون عنا حقًّا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس!! لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حل (3) 495.

ومنها: موثقة عبد الله بن بكير عن الصادق عليه السلام قال: إني لآخذ من أحدكم الدرهم وإني لمن أكثر أهل المدينة مالًا، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا (4) 496.

ومنها: خبر أحمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن زيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهم، لا يحِل مال إلا من وجه أحلَّه الله، وإن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام (5) 497.

والأحاديث المعتبرة الدالة على وجوب إخراج الخمس كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.


1- الكافي 1/ 548. الاستبصار 2/ 60.
2- من المحل: وهو المكر والكيد. أو من التمحل: وهو الاحتيال. أو من المحال، فيكون معنى العبارة هو استبعاد وقوع الفعل.
3- الكافي 1/ 548. الاستبصار 2/ 60. التهذيب 4/ 140.
4- من لا يحضره الفقيه 2/ 27. وسائل الشيعة 6/ 337.
5- الكافي 1/ 547. التهذيب 4/ 123. الاستبصار 2/ 59.

ص: 317

قال الكاتب: ولو كان الإمام موجوداً فلا يُعْطَى له حتى يقوم قائم أهل البيت، فكيف يمكن إذن إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين؟!

وأقول: بل يجب إخراج الخمس وإعطاؤه للإمام عليه السلام كما دلَّت عليه الأخبار المتقدمة، ودلَّت أخبار أخر صحيحة غيرها على وجوب خمس أرباح المكاسب.

منها: صحيحة علي بن مهزيار، عن محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع، وكيف ذلك؟ فكتب عليه السلام بخطه: الخمس بعدالمؤنة (1) 498.

ومنها: موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال عليه السلام: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (2) 499.

ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقِّك، فأعلمتُ مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شي ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال عليه السلام: يجب عليهم الخمس. فقلت: في أي شي ء؟ فقال: في أمتعتهم وضياعهم وصنائعهم. قلت: والتاجر عليه، والصانع بيده؟ فقال عليه السلام: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (3) 500. ما

ومنها: صحيحة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام: الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: بعد المؤونة (4) 501.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه سُئل عن معادن


1- التهذيب 4/ 123. الاستبصار 2/ 55. وسائل الشيعة 6/ 348.
2- الكافي 1/ 545. وسائل الشيعة 6/ 350.
3- تهذيب الأحكام 4/ 123. وسائل الشيعة 6/ 348.
4- الكافي 1/ 545.

ص: 318

الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر، فقال: عليها الخمس (1) 502.

ومنها: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال عليه السلام: عليه الخمس (2) 503.

ومنها روايات أخرى كثيرة دالة على وجوب دفع الخمس وعدم إباحته.

وقد أوضح الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيرهما وجه الجمع بين الأخبار التي ربما يُتصور التعارض فيما بينها.

قال الشيخ الطوسي في كتابه الاستبصار: فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما كان يذهب إليه شيخنا رحمه الله (3) 504، وهو أن ما ورد من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم السلام، لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يرد في الأموال، وما ورد من التشدّد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال (4) 505.

قلت: والأخبار المذكورة كلها تشهد بصحة هذا الجمع، فإن أحاديث إباحة الخمس كلها ذكرت العلة في ذلك، وهي تحليل المناكح وتطييب الشيعة، وأما الأخبار الأخرى التي اشتملت على التشديد في دفع الخمس وعدم التهاون فيه فهي واردة في سائر الأموال الأخرى.

وقال المحقق الخوئي بعد أن ذكر روايات إباحة الخمس:

وهذه الروايات مضافاً إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين، غير قابلة للتصديق في نفسها، ولا يمكن التعويل عليها.

أولًا: من أجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسدّ حاجات السادة والفقراء


1- الكافي 1/ 544. تهذيب الأحكام 4/ 121.
2- الكافي 1/ 548.
3- يعني الشيخ المفيد.
4- الاستبصار 2/ 60.

ص: 319

من آل محمد صلى الله عليه وآله، إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة، والمفروض امتناع أهل السنة وإنكارهم لهذا الحق، فمن أين يعيش فقراء السادة، والمفروض حرمة الزكاة عليهم، فلا يمكن الأخذ بإطلاق هذه النصوص جزماً.

وثانياً: أنها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرقة والأجناس المتعددة، كقوله عليه السلام: (خذ من أموال الناصب ما شئت، وادفع إلينا خمسه)، أو (مَن أخذ ركازاً فعليه الخمس)، وما ورد في أرباح التجارات من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها. فلو كان مباحاً للشيعة وساقطاً عنهم فلماذا يجب عليهم الخمس؟ وما معنى الأمر بالدفع في هذه النصوص المتكاثرة؟ وهل ترى أن ذلك لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ مرحلة الفعلية بقرينة نصوص التحليل؟

هذا مضافاً إلى معارضتها بالطائفة الثانية الظاهرة في نفي التحليل مطلقاً، مثل ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل، وكان يتولى الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حِل، فإني قد أنفقتها. فقال له: أنت في حِل. فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال (حق) آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فيأخذه ثم يجي ء فيقول: اجعلني في حِل. أتراه ظن أني أقول: (لا أفعل)؟ والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثاً. فإن الظاهر بمقتضى القرائن الموجودة فيها أن المراد من الأموال هو الخمس كما لا يخفى ... إلى آخر ما قاله قدس سره (1) 506.

وقال السيد الحكيم قدس سره في المستمسك بعد أن ذكر مَن ذهب إلى تحليل الخمس: اعتماداً على نصوص تضمَّنت تحليل الخمس، التي هي مع قصور دلالة جملة منها، وإعراض الأصحاب عنها، معارَضة بما يوجب طرحها، أو حملها على بعض المحامل التي لا تأباها، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل كتاب الخمس، مضافاً إلى أن


1- مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس)، ص 343.

ص: 320

الإباحة المدَّعاة مالكية لا شرعية (1) 507، وحينئذ تكون الشبهة موضوعية، والرجوع إلى أخبار الآحاد فيها غير ظاهر (2) 508.

قال الكاتب: فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء، في إباحة الخمس للشيعة، وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقوم قائم أهل البيت:

1- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفي 676 ه-:

أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال: لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها. انظر كتاب شرائع الإسلام ص 182- 183 كتاب الخمس.

وأقول: لقد بتر الكاتب عبارة المحقق الحلي رحمه الله التي صرَّح فيها بأن الإباحة إنما هي في المناكح والمتاجر والمساكن فقط، دون باقي ما يجب فيه الخمس.

قال المحقق الحلي في شرائع الإسلام: الثالثة: ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة، وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه (3) 509.


1- الإباحة المالكية يراد بها أن الإمام عليه السلام الذي كان مالكاً للخمس في زمن إمامته قد أباحه في بعض الموارد، وأما الإباحة الشرعية فيراد بها أنه مباح شرعاً لكل أحد، وهذه الإباحة هي محل النزاع، لا تلك.
2- مستمسك العروة الوثقى 9/ 579.
3- شرائع الإسلام 1/ 184.

ص: 321

وكلامه صريح في أن الإباحة إنما هي في الأمور الثلاثة المذكورة فقط دون غيرها.

ولهذا ذكر في المسألة اللاحقة مجمل الأقوال في التصرّف في الخمس في زمن الغيبة، واختار وجوب إخراجه وصرفه كله على السادة الكرام.

قال قدس سره: الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده. ومع عدمه، قيل: يكون مباحاً. وقيل: يجب حفظه ثم يُوصَى به عند ظهور أمارة الموت. وقيل: يُدفن. وقيل: يُصرف النصف إلى مستحقيه، ويحُفظ ما يختص به بالوصاة أو الدفن. وقيل: بل تُصرف حصّته إلى الأصناف الموجودين أيضاً، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته، وهو الأشبه (1) 510.

وكلامه قدس سره صريح في عدم القول بإباحة الخمس للشيعة كما نسبه الكاتب إليه.

قال الكاتب: 2- يحيى بن سعيد الحلي المتوفى 690 ه-:

مال إلى نظرية إباحة الخمس وغيره للشيعة كرما من الأئمة وفضلًا كما في كتابه الجامع للشرائع ص 151.

وأقول: نصُّ عبارة يحيى بن سعيد الحلي قدس سره في الجامع للشرائع وفي الصفحة التي ذكرها الكاتب هي:

(ولا يجوز لأحد التصرف في ذلك إلا بإذن الإمام حال حضوره، فأما حال الغيبة فقد أحلّوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من الأخماس وغيرها من المناكح والمتاجر والمساكن).


1- نفس المصدر.

ص: 322

وعبارته واضحة في أن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا لشيعتهم أن يتصرفوا في حقوقهم في المناكح والمتاجر والمساكن، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم.

قال الكاتب: 3- الحسن بن المطهر الحلي الذي عاش في القرن الثامن أفتى بإباحة الخمس للشيعة، بإعفائهم من دفعه كما في كتاب تحرير الأحكام ص 75.

وأقول: قال العلامة الحلي قدس سره في كتابه (تحرير الأحكام): السابع: اختلف علماؤنا في الخمس في حال غيبة الإمام، فأسقطه قوم، ومنهم من أوجب دفنه، ومنهم من يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب، ومنهم من يرى عزله، فإن خشي من الموت وصَّى به إلى من يثق بدينه وعقله ليسلمه إلى الإمام إن أدركه، وإلا وصَّى به كذلك إلى أن يظهر، ومنهم من يرى صرف حصته إلى الأصناف الموجودين أيضاً، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وهو حكم يجب مع الحضور والغيبة، وهو أقوى (1) 511.

وعبارته قدس سره واضحة في أنه يرى وجوب إخراج الخمس وصرفه بكامله في زمن الغيبة على السادة الفقراء.

قال الكاتب: 4- الشهيد الثاني المتوفى 966 ه- قال في مجمع الفائدة والبرهان 4/ 355- 358 ذهب الى إباحة الخمس بشكل مطلق وقال: أن الأصح هو ذلك كما في كتاب مسالك الافهام ص 68.

وأقول: لا يوجد في مجمع الفائدة والبرهان نقل رأي الشهيد الثاني بإباحة


1- تحرير الأحكام 1/ 444.

ص: 323

الخمس بشكل مطلق، كما أن الشهيد الثاني لم يذهب إلى هذا القول في كتابه مسالك الأفهام، بل اكتفى بشرح عبارة شرائع الإسلام المتقدمة في إباحة المناكح والمتاجر والمساكن، ولم يعلق عليها بشي ء (1) 512.

بل صرَّح في شرح اللمعة وهو كتاب كتبه بعد مسالك الأفهام أن الخمس في عصر الغيبة يُعطى للفقيه الجامع للشرائط، فقال:

(ويقسَّم) الخمس (ستة أقسام) على المشهور، عملًا بظاهر الآية وصريح الرواية، (ثلاثة) منها (للإمام عليه السلام) وهي سهم الله ورسوله وذي القربى، وهذا السهم وهو نصف الخمس (يُصرف إليه إن كان حاضراً، أو إلى نوَّابه) وهم الفقهاء العدول الإماميون الجامعون لشرائط الفتوى، لأنهم وكلاؤه، ثم يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم (2) 513، فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف (3) 514 على سبيل التتمة كما هو المشهور بين المتأخرين منهم يصرفه على حسب ما يراه، من بَسْطٍ وغيره، ومن لا يرى ذلك يجب عليه أن يستودعه له إلى ظهوره ...

واستثنى المناكح وغيرها، فقال: والمشهور بين الأصحاب ومنهم المصنف في باقي كتبه وفتاواه استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك، فتباح هذه الثلاثة مطلقاً (4) 515، والمراد من الأول الأمة المسبية حال الغيبة وثمنها، ومهر الزوجة من الأرباح، ومن الثاني ثمن المسْكن منها أيضاً، ومن الثالث الشراء ممن لا يعتقد الخمس، أو ممن لا يخمّس، ونحو ذلك. وتركه هنا إما اختصاراً، أو اختياراً، لأنه قول لجماعة من الأصحاب، والظاهر الأول (5) 516، لأنه ادعى في البيان إطباق الإمامية عليه،


1- راجع مسالك الأفهام 1/ 475.
2- أي على حسب آرائهم في كيفية التصرف في الخمس في غيبة الإمام عليه السلام.
3- وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل من الذرية الطاهرة.
4- أي في حال حضور الإمام وفي حال غيبته.
5- أي أنه تركه اختصاراً مع ذهابه إلى استثناء هذه الثلاثة، لأن الشهيد رحمه الله ادّعى إجماع الإمامية عليه في كتابه (البيان).

ص: 324

نظراً إلى شذوذ المخالف (1) 517.

قلت: هذا ما صرح به الشهيد الثاني في الروضة البهيّة، وقد أفصح فيه عن رأيه، وما نسبه الكاتب إلى الشهيد في المسالك غير صحيح كما أوضحنا.

قال الكاتب: 5- المقدس الأردبيلي المتوفى 993 ه- وهو أفقه فقهاء عصره حتى لقبوه بالمقدس قال بإباحة مطلق التصرف في أموال الغائب للشيعة خصوصاً مع الاحتياج، وقال: إن عموم الأخبار تدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب والحتم لعدم وجود دليل قوي على الأرباح والمكاسب ولعدم وجود الغنيمة.

قلت: وقوله هذا مستنبط من قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شي ء (الأنفال/ 41) ثم بين أن هناك روايات عن المهدي تقول أبحنا الخمس للشيعة.

وأقول: نص عبارة المقدَّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان هي: واعلم أن عموم الأخبار الأُوَل يدل على السقوط بالكلية زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب الحتمي، فكأنهم عليهم السلام أخبروا بذلك، فعُلم عدم الوجوب الحتمي.

إلى أن قال بعد ذلك: وهذه الأخبار هي التي دلَّت على السقوط حال الغيبة، وكون الإيصال مستحبًّا كما هو مذهب البعض، مع ما مرَّ من عدم تحقق محل الوجوب إلا قليلًا، لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة (2) 518.

قلت: لقد كان المقدَّس الأردبيلي قدس سره يتحدَّث عن دلالة الأخبار التي ذكرها أولًا، لا عن حاصل رأيه في المسألة، لكن الكاتب بتر الكلام، فألصق أول الكلام بآخره، وحذف كلمة (الأُوَل) ليشعر القارئ بأن هذا هو دلالة الأخبار كلها، لا دلالة


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3/ 107- 116.
2- مجمع الفائدة والبرهان 4/ 355.

ص: 325

أخبار مخصوصة كما صرَّح الأردبيلي قدَّس الله نفسه.

مع أن الأردبيلي قدس سره ذكر حاصل رأيه في المسألة فقال: هذا ولكن ينبغي الاحتياط التام وعدم التقصير في إخراج الحقوق، خصوصاً حصة الأصناف الثلاثة من كل غنيمة عدّوها (1) 519، لاحتمال الآية على الظاهر، وبعض الروايات، وأصل عدم السقوط (2) 520، وبُعْد سقوط حقهم، مع تحريم الزكاة عليهم وكون ذلك عوضها (3) 521، وبُعْد إسقاطهم عليهم السلام ذلك مع عدم كونه مخصوصاً بهم عليهم السلام بظاهر الآية والأخبار (4) 522، وعدم صحة كل الأخبار وصراحتها بذلك (5) 523، واحتمال الحمل على العاجز كما مرَّ (6) 524، والتقية في البعض (7) 525، والتخصيص بحقوقهم بعد التصرف، وعدم إمكان الإيصال (8) 526 وغير ذلك. وكذا من باقي الأقسام مع الشرائط المذكورة، من غير نظر إلى ما ذكرناه من الشبهة المحتملة، والعمل بالأمر الثابت حتى يعلم المسقط (9) 527.


1- يعني حتى من أرباح المكاسب، فإنهم عدّوها غنيمة بمعناها اللغوي.
2- أي أن الأصل عدم سقوط الخمس بعد العلم بثبوته بالدليل القطعي.
3- يعني يجب دفع الخمس ولا سيما بعد الحكم بتحريم الزكاة عليهم، وأن الخمس عوض لها، ولو قلنا بسقوط الخمس لسقط حقهم كلية، وهذا لا يمكن المصير إليه.
4- يعني أن الأئمة إذا أسقطوا حقّهم لا يسقط حق غيرهم من الأصناف المستحقة للخمس وهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
5- أي وأن الأخبار التي دلّت على إباحة الخمس ليست كلها صحيحة، والصحيح منها ليس صريحاً في المطلوب.
6- أي ويحتمل حمل أخبار إباحة الخمس على إباحته للعاجزين من الشيعة، لا مطلقاً لكل أحد.
7- أي ويُحمل بعض الأخبار المبيحة للخمس على التقية، ولعله لتجنب سخط الخلفاء الذين كانوا يستاؤون من جمع الأموال للأئمة، فإذا صدر من الأئمة ما يدل على أنهم قد أباحوا الخمس لشيعتهم، فإن ذلك يحول دون وقوع السوء عليهم من خلفاء عصرهم.
8- أي يحتمل أن يكون إباحة الخمس إنما هو مخصوص بمن تصرف بحقوقهم ولا يستطيع الآن إيصاله لهم، فهم قد جعلوه في حل منها، لا أنه لا يجب على من يستطيع إيصال الحق إليهم.
9- أي يجب العمل بالأمر الثابت وهو وجوب الخمس حتى يُعلم المسقط له، وهو الإباحة.

ص: 326

إلى أن قال: وبالجملة أظن كون صرفه في الذرية المحتاجين أولى من باقي الاحتمالات، لما فُهم من الأخبار من عدم المؤاخذة بالتقصير مطلقاً في ذلك والصرف في نفسه، فكيف يُتصور المؤاخذة بالصرف فيهم، مع ما مرَّ من ثواب صلة الذرية والمؤمن المحتاج، وأن صلة المؤمن صلتهم عليهم السلام.

ثم قال: وأظن عدم المؤاخذة وإن فعل ذلك المالك بنفسه من غير إذن الحاكم لما مرَّ، لكن إن أمكن الإيصال إلى الفقيه العدل المأمون فهو الأولى، لما قال في المنتهى: إذا قلنا بصرف حصَّته عليه السلام في الأصناف: إنما يتولاه مَن إليه النيابة عنه عليه السلام في الأحكام، وهو الفقيه المأمون المحتاط الجامع لشرائط الفتوى والحكم- على ما يأتي تفصيله- من فقهاء أهل البيت عليهم السلام ... (1) 528.

وكلامه قدس سره صريح في أن مقتضى الاحتياط هو دفع الخمس للذرية الطاهرة، وتسليمه إلى الفقيه الإمامي العدل المأمون الجامع لشرائط الفتوى.

قال الكاتب: 6- العلامة سلار قال: إن الأئمة قد أحلّوا الخمس في زمان الغيبة فضلًا وكرماً للشيعة خاصة. انظر كتاب المراسيم (2) 529 ص 633.

وأقول: لم يقل سلّار في (المراسم) ما نقله الكاتب عنه، وإنما قال:

والأنفال له أي للإمام أيضاً خاصّة، وهي كل أرض فُتحتْ من غير أن يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب، والأرض الموات، وميراث الحربي، والآجام والمفاوز والمعادن و القطائع، ليس لأحد أن يتصرَّف في شي ء من ذلك إلا بإذنه، فمن تصرَّف فيه بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد، وللإمام الخمس. وفي هذا الزمان قد أحلّونا فيما


1- مجمع الفائدة والبرهان 4/ 357.
2- الاسم الصحيح للكتاب هو (المراسم)، وهذا دليل آخر يضاف إلى ما سبق من الأدلة الدالة على أن الكاتب قد حصل على درجة الاجتهاد (بتفوق).

ص: 327

نتصرف فيه من ذلك كرماً وفضلًا لنا خاصة (1) 530.

وهذه العبارة واضحة في بيان مراده، وهو أن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا لشيعتهم التصرف في الأنفال المذكورة دون غيرهم.

ولكن الكاتب حرَّف العبارة ونقلها على غير وجهها المراد، وهذا دأبه فيما ينقله من كلمات العلماء كما مرَّ ويأتي.

فإذا كانت هذه طريقته في نقل العبارات من كتب موجودة يمكن مراجعتها، فكيف يمكن تصديقه في حوادث يدّعي فيها المشاهدة؟

وأما رأي سلار الديلمي رحمه الله في الخمس فقد أوضحه بقوله:

المأثور عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه واجب في كل ما غُنم بالحرب وغيرها من الأموال والسلاح والرقيق والمعادن والكنوز والغوص والعنبر، وفاضل أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة وكفاية طول عامه إذا اقتصد.

إلى أن قال: فأما بيان القسمة فيقسِّمه الإمام عليه السلام ستة أسهم، منها ثلاثة: له سهمان وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسهم حقه. وثلاثة أسهم: سهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. ويقسم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام عليه السلام، وما نقص تممه من حقه (2) 531.

فأين ما زعمه الكاتب من أن سلار يرى إباحته للشيعة في عصر الغيبة؟!

قال الكاتب: 7- السيد محمد علي طباطبائي المتوفى أول القرن الحادي عشر قال: إن الأصح هو الإباحة. مدارك الأفهام ص 344.


1- المراسم، ص 140.
2- المراسم، ص 139- 140.

ص: 328

وأقول: ما نقله الكاتب عن صاحب المدارك- الموسوي، لا الطباطبائي- فيه من التزوير ما فيه، فإنه بعد أن ذكر أدلّة مَنْ أوجب الخمس في أرباح المكاسب ومن قال بإباحته، صرَّح بالاحتياط في هذه المسألة بدفع الخمس، حيث قال:

وبالجملة فالأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة جداً، بل الظاهر أنها متواترة كما ادَّعاه في المنتهى، وإنما الإشكال في مستحقِّه، وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه، فإن في بعض الروايات دلالة على أن مستحقّه مستحقّ خمس الغنائم، وفي بعض آخر إشعاراً باختصاص الإمام عليه السلام بذلك، ورواية علي بن مهزيار مفصّلة كما بينّاه، ومقتضى صحيحة الحارث بن المغيرة النضري، وصحيحة الفضلاء وما في معناهما العفو عن هذا النوع كما اختاره ابن الجنيد، والمسألة قوية الإشكال، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه (1) 532.

نعم، بعد أن ذكر صاحب المدارك قدس سره ما قاله العلّامة الحلي والشهيد والشيخ الطوسي وابن إدريس من إباحة المناكح والمساكن والمتاجر قال: والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام عليه السلام من ذلك خاصَّة، للأخبار الكثيرة الدالة عليه، كصحيحة علي بن مهزيار ... إلى آخر كلامه (2) 533.

وكلامه واضح جداً في أن الإباحة إنما هي في حقه عليه السلام في الأمور الثلاثة المذكورة لا في كل ما يجب فيه الخمس من أرباح المكاسب وغيرها، فإنها يجب الاحتياط فيها بدفع خمسها في زمان الغيبة.

قال الكاتب: 8- محمد باقر السبزواري المتوفى أواخر القرن الحادي عشر قال: المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة وصحيحة


1- مدارك الأحكام 5/ 383.
2- المصدر السابق 5/ 421.

ص: 329

الفضلاء، ورواية محمد بن مسلم ورواية داودي كذا بن كثير برواية إسحق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة كريب: إباحة الخمس للشيعة.

وتصدى للرد على بعض الإشكالات الواردة على هذا الرأي وقال: إن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة.

وبالجملة فإن القول بإباحة الخمس في زمان الغيبة لا يخلو من قوة. انظر كتاب ذخيرة المعاد ص 292.

وأقول: ما نقله الكاتب صحيح، لكنه- خلافاً للأمانة العلمية- لم يكمل العبارة الأخيرة، فإن السبزواري قدس سره قال:

وبالجملة القول بإباحة الخمس مطلقاً في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة، ولكن الأحوط عندي صرف الجميع في الأصناف الموجودين (1) 534 بتولية الفقيه العدل الجامع لشرايط الإفتاء. وينبغي أن يُراعَى في ذلك البَسْط بحسب الإمكان، ويُكتفى بمقدار الحاجة من المأكول والملبوس والمسكن والأشياء الضرورية، بل المنكح أيضاً على تقدير الحاجة، ولا يزيد على مؤونة السنة، وينبغي أن يُراعَى تقديم الأعجز والأحوج والأرامل والضعفاء، وينبغي أن يُقسَّم النصف أقساماً ثلاثة، يُصرف ثلثه في المساكين، وثلثه في الأيتام، وثلثه في أبناء السبيل، ويراعى في النصف الآخر الحاجة أيضاً، والاعتبارات العقلية والشواهد النقلية مطابقان على حسن هذا القول ورجحانه.

إلى أن قال: وبالجملة ظني أن هذا الوجه أولى وأحوط. (ولو فرَّقه) أي النصف المختص بالإمام (غيرُ الحاكم) وهو الفقيه الإمامي العدل الجامع لشرائط الإفتاء، (ضَمِنَ) لأنه منصوب من قِبَل الإمام عليه السلام، فيكون له تولّي ذلك دون غيره،


1- أي صرف جميع الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل من السادة الكرام.

ص: 330

ونقل الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب صرفه في الأصناف على ذلك، ويلوح من كلام المفيد في الرسالة الغرية جواز تولي المالك بنفسه، والأول أحوط، وعلى القول بوجوب الصرف أقرب (1) 535.

هذا كلامه قدس سره، وهو وإن كان يرجِّح القول بإباحة الخمس مطلقاً في عصر الغيبة، إلا أنه يحتاط بلزوم دفعه وصرفه على الأصناف الثلاثة المذكورة، بتسليمه إلى الفقيه الإمامي الجامع لشرائط الفتوى.

9- محمد حسن الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشريعة كذا ص 229 مفتاح رقم 260 اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي، قال: لتحليل الأئمة ذلك للشيعة.

وأقول: قال الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشرائع في المورد المشار إليه بعد أن ذكر اختلاف الآراء في وجوب الخمس في زمان الغيبة: الأصح عندي سقوط ما يختص به عليه السلام، لتحليلهم ذلك لشيعتهم، ووجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع عنه، ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن، ولكن يتولَّى ذلك الفقيه المأمون بحق النيابة، كما يتولى عن الغائب (2) 536.

وينبغي التنبيه على أن الكاتب أدرج الفيض الكاشاني في القائلين بسقوط الخمس، مع أن كلمته المزبورة واضحة الدلالة في وجوب دفع حق السادة إليهم، بل الأحسن والأحوط صرف الخمس كله إليهم، ولكن يتولَّى ذلك الفقهاء المأمونون، وقد دلَّس الكاتب على القارئ فقال: (اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي)، ليوهم القارئ أن الفيض الكاشاني يرى سقوط الخمس كله، وإن كانت عبارته مع


1- ذخيرة المعاد، ص 492 ط حجرية.
2- مفاتيح الشرائع 1/ 229.

ص: 331

التدقيق لا تدل على ذلك.

قال الكاتب: 10- جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1227 ه- في كشف الغطاء ص 364: ذكر إباحة الأئمة للخمس وعدم وجوب دفعه إليهم.

وأقول: ما ذكره الشيخ جعفر الكبير من آل كاشف الغطاء قدس سره في الصفحة المشار إليها هو قوله:

وكل شي ء يكون بيد الإمام مما اختصَّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات، لأنهم أحلّوا ذلك للإمامية من شيعتهم (1) 537.

وكلامه قدس سره ظاهر في أن المباح هو ما يأخذونه من يد السلطان الجائر بنحو الهبة أو الشراء أو الإجارة أو أية معاوضة أخرى.

وعباراته رحمه الله في كتابه كشف الغطاء تدل بوضوح على وجوب الخمس عنده في زمن الغيبة ولزوم تسليمه إلى المجتهد الجامع للشرائط.

قال قدس سره: وسهم الإمام يُوصَل إليه مع حضوره وإمكان الوصول إليه، ومع عدم الإمكان لتقية ونحوها أو غيبته يُعطى للأصناف الثلاثة على الأقوى، ويتولى أمره المجتهد، والأحوط تخصيص الأفضل، ويتولى إيصاله إلى مصرفه، وإذا تعذر الوصول إليه ولم يمكن حفظ المال حتى يصل الخبر تولاه عدول المسلمين، ولو دفع أحد إلى غيره وغير وكيله أو مأذونه مع الإمكان وجبت الإعادة، وللمجتهد الإجازة، والأحوط البناء على الإعادة، ولو دفع إلى من ظنَّه مجتهداً فظهر خلافه، فإن بقيت العين استُرجعت منه، وإن تلفت وكان عالماً بأنه حق الصاحب ضمن، وإن تعذر


1- كشف الغطاء 2/ 364 ط حجرية.

ص: 332

إرجاعها وكان الدافع معذوراً فلا ضمان عليه، وإلا ضمن (1) 538.

ومنه يتضح أن ما نسبه الكاتب للشيخ كاشف الغطاء أيضاً غير صحيح.

قال الكاتب: 11- محمد حسن النجفي المتوفى 1266 في جواهر الكلام 16/ 141 قطع بإباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة، وبين أن الأخبار تكاد تكون متواترة.

وأقول: قد صرَّح صاحب الجواهر قدس سره في مواضع من كتابه أنه لا يقول بإباحة الخمس، فإنه بعد أن استجود ما ذهب إليه المحقق الحلي من أن نصف الخمس يُصرَف إلى مستحقِّيه، وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، قال: وأما حقه عليه السلام فالذي يجول في الذهن أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح على بعضها، وإن كانوا هم أولى وأولى عند التساوي، أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعيُّن صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه، إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له (2) 539.

وكلماته قدس سره واضحة في أنه إنما يرى تحليل الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام فقط دون الخمس، حيث قال: إطلاق كثير من الأخبار تحليل حقّهم عليهم السلام الشامل للأرض وغيرها من الأنفال كصحيحة الحرث النضري عن الصادق عليه السلام ...

وبعد أن ذكر بعض الأخبار الدالة على تحليل الأنفال للشيعة قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يقدح في الاستدلال بما فيها من التعليل والتعميم لسائر حقوقهم


1- كشف الغطاء، ص 363.
2- جواهر الكلام 16/ 177.

ص: 333

اشتمال بعضها على تحليل تمام الخمس الذي لا نقول به.

وقال: على أنه قد يُدَّعى ظهوره في إرادة الأموال التي في أيدي مخالفينا مما لم يخرجوا منها الخمس ولا غيره من حقوقهم عليهم السلام، بمعنى إباحة سائر التصرفات لنا فيها من مأكل ومشرب ولباس وبيع وغيره وإن كان محرَّماً عليهم، لا إرادة إباحة الخمس المتعلِّق في أموال الشيعة بسبب اكتساب أو عثور على كنز أو نحو ذلك من أسبابه المتقدمة. وكيف وقد أكدوا صلوات الله عليهم وجوبه (1) 540 وشدَّدوا النكير على من ترك إخراجه، بل في بعض الأخبار لعنه كما سيأتي إن شاء الله ذكر جملة منها، وبذلك حينئذ يُجمع بين أخبار الإباحة وأخبار الحث على إخراجه وإيصاله إلى أهله (2) 541، وإن أشكل ذلك على كثير من الأصحاب حتى وقعوا من جهته في كمال الاضطراب على ما ستعرف إن شاء الله.

وقال: وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم عليهم السلام شيعتهم زمن الغيبة، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطِها سائرَ حقوقهم عليهم السلام في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين، ثم صار في أيدي غيرهم من أعدائهم (3) 542 كما نصَّ عليه الأستاذ في كشفه (4) 543، ولقد أجاد حيث قال بعد تعداده الأنفال: (وكل شي ء يكون بيد الإمام عليه السلام مما اختصَّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره


1- أي كيف نقول بالإباحة وهم قد أكدوا وجوب الخمس المتعلق في أموال الشيعة.
2- يريد بأن تحمل أخبار الإباحة على الأراضي والأنفال، وأخبار الحث على إخراجه على سائر أموال الأخرى.
3- أي أن الأخبار المتواترة تجعل الفقيه يقطع بأن الأئمة أباحوا لشيعتهم حقوقهم من الأنفال وغير الأنفال مما هو مشترك بين المسلمين مما كان في أيدي الأئمة، ثم صار في أيدي أعدائهم، فيجوز للشيعة شراؤه والمعاوضة عليه واستئجاره وقبوله هدية ممن هو في يده.
4- أي الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء في كتابه (كشف الغطاء).

ص: 334

من الهبات والمعاوضات والإجارات، لأنهم أحلّوا ذلك للإمامية من شيعتهم) إلى آخره (1) 544.

إلى غير ذلك من كلماته الكثيرة قدس سره الدالّة بوضوح على أنه كان يرى أن الأئمة عليهم السلام أباحوا لشيعتهم التصرف في الأراضي والأنفال دون خمس الأموال والمكاسب وغيرها.

قال الكاتب: 12- وأختم بالشيخ رضا الهمداني المتوفى 1310 ه- في كتابه مصباح الفقيه ص 155: فقد أباح الخمس حال الغيبة، والشيخ الهمداني هذا متأخر جداً قبل حوالي قرن من الزمان أو أكثر.

وأقول: لقد أفتى الفقيه الهمداني في كتابه المذكور بوجوب الخمس على الشيعة في عصر الغيبة، فإنه قدس سره بعد أن ذكر الروايات التي ظاهرها وجوب الخمس، وأتبعها بالروايات الظاهرة في إباحة الخمس، قال:

ولا يخفى عليك أن هذه الروايات وإن كثرت ولكن لا يصلح شي ء منها ما عدا الخبر الأخير أي التوقيع المروي عن صاحب الأمر عجَّل الله فرجه لمعارضة الأخبار المتقدمة النافية لها، فإن ظاهر جلّها إباحة مطلق الخمس، وهذا مما يمتنع إرادته إلى آخر الأبد، لمخالفته للحكمة المقتضية لشرعه من استغناء بني هاشم به عن وجوه الصدقات، فالمراد بها (2) 545 إما تحليل قسم خاص منه، وهو ما يتعلق بطيب الولادة كأمهات الأولاد ونحوهما كما يشعر بذلك التعليل الواقع في جملة منها، ويومي إليه قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الفضيل: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم،


1- جواهر الكلام 16/ 138- 140.
2- أي بالأخبار التي ظاهرها تحليل الخمس للشيعة.

ص: 335

لتطيبوا. أو تحليل مطلقه (1) 546 في عصر صدور الروايات لحكمة مقتضية له، وهي شدة التقية، فإن أخبار التحليل جلّها لولا كلها صدرت عن الصادقَين عليهما السلام، وقد كانت التقية في زمانهما مقتضية لإخفاء أمر الخمس وإغماض مستحقيه عن حقِّهم، وإلا لم يكونوا مأمونين على أنفسهم ولا على شيعتهم الذين يؤدّون إليهم حقوقهم، فأباحوه لهم كي لا يقيموا على حرام، ويطيب مأكلهم ومشربهم ومولودهم. ومن هنا يظهر قصور تلك الأخبار في حد ذاتها عن إفادة إباحته على الإطلاق حتى بالنسبة إلى مثل هذه الأعصار التي لا مانع عن إيصاله إلى مستحقيه ولا مقتضي لإخفاء أمره كما لا يخفى، بل بعضها ظاهر في إرادة العفو عنه في خصوص تلك الأزمنة لبعض العوارض المقتضية له وراء الجهة المزبورة، كقوله عليه السلام في خبر يونس: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم. والحاصل أن من تدبَّر في تلك الأخبار، والتفت إلى العوارض المقتضية للعفو عن الخمس الموجودة في عصر صدورها، لرأى قصوراً عليها عن إفادة الإباحة المطلقة. نعم بعضها كرواية أبي خديجة نصٌّ في ذلك، ولكن لا عموم لها من حيث المورد، بل هي واردة في المناكح والمتاجر والمواريث والعطايا، وستعرف استثناء هذه الأمور عما يجب فيه الخمس، كما أن جملة من الأخبار الواردة في تحليل أمهات الأولاد أيضاً ظاهرة في ذلك، وهو مما نلتزم به كما ستعرف. ثم لو سلم ظهور الأخبار في العفو عن مطلق الخمس أو خصوص الأرباح مطلقاً لوجب رفع اليد عنه بالأخبار المتقدمة الصادرة عن أبي الحسن الرضا ومَن بعده من الأئمة المعصومين صلوات عليهم أجمعين، الصريحة في عدم رضاهم بالمسامحة في أمر الخمس، ووجوب إيصاله إلى مستحقيه، مضافاً إلى ما عُلم مِن حالهم مِن نَصْب الوكلاء لقبض حقوقهم من الأخماس وغيرها (2) 547.

وقال في موضع آخر: قد عرفت في مبحث خمس الأرباح أنه لا بد من حمل


1- أي تحليل مطلق الخمس في وقت صدور الرواية.
2- مصباح الفقيه 3/ 126.

ص: 336

عمومات أخبار التحليل إما على حقوقهم المغصوبة في أيدي المخالفين كما هو منصرَف أغلبها، أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية لوجوب الخمس بالفعل على الشيعة فيما يستفيدونه من أرباح التجارات وغيرها مما يتعلق به الخمس، فراجع (1) 548.

قال الكاتب: وهكذا نرى أن القول بإباحة الخمس للشيعة، وإعفائهم من دفعه هو قول مشتهر عند كل المجتهدين المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد جرى العمل عليه إلى أوائل القرن الرابع عشر فضلًا عن كونه مما وردت النصوص بإباحته، فكيف يمكن والحال هذه دفع الخمس إلى الفقهاء والمجتهدين؟ مع أن الأئمة سلام الله عليهم رفضوا الخمس، وأرجعوه إلى أصحابه، وأعفوهم من دفعه، أيكون الفقهاء والمجتهدون أفضل من الأئمة سلام الله عليهم؟

وأقول: لقد اتَّضح من كل ما تقدَّم نقله من كلمات الأعلام أن الكاتب لم يكن أميناً في نقله، ولا مصيباً في زعمه، ولهذا بتر بعضاً من كلمات الأعلام، فلم ينقلها كاملة على وجهها الصحيح، وحرَّف بعضاً آخر، فنقلها على خلاف المراد، وأشار إلى المصادر في أكثر الأحيان دون أن ينقل نصوص كلامهم قدَّس الله أسرارهم، ولكنا لمارجعنا إلى المصادر المذكورة رأينا خلاف زعم الكاتب كما أوضحناه مفصَّلًا للقارئ الكريم.

فما نقول في رجل لفَّق على الأعلام ما لم يقولوه، وزوَّر عليهم ما لم يذهبوا إليه؟ هل هو أهل لأن يوثق به في نقل، أو يُعتمد عليه في قول؟

وأما زعمه أن المشهور عند الشيعة هو إباحة الخمس للشيعة فهو غير صحيح، وحسبه أنه لم ينقل هذه الشهرة عن واحد من علماء الطائفة، وقد نقلنا للقارئ العزيز بعضاً من كلمات علماء الشيعة الإمامية الدالة على أن المشهور عندهم هو القول بعدم


1- المصدر السابق 3/ 156.

ص: 337

الإباحة إلا في المناكح والمساكن والمتاجر بالمعاني التي أوضحناها.

ولا بأس أن ننقل للقارئ ما يدل على صحة ما قلناه مضافاً إلى ما نقلناه فيما تقدَّم:

1- قال السيد المرتضى (ت 436 ه-) في كتابه (الانتصار):

ومما انفردتْ به الإمامية القول بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنَة على اقتصاد (1) 549.

2- قال الشيخ الطوسي (ت 460 ه-) في كتابه الخلاف:

يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها، بعد إخراج حقوقها ومؤنتها، وإخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة، ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء (2) 550.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارها، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا أخرج الخمس عما ذكرناه كانت ذمّته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمّته خلاف (3) 551.

3- قال ابن زهرة الحلبي (ت 585 ه-) في كتابه (غنية النزوع):

ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط (4) 552.

4- قال العلّامة الحلي (ت 726 ه-) في كتابه (منتهى المطلب):


1- الانتصار، ص 86.
2- يعني فقهاء أهل السنة.
3- كتاب الخلاف 2/ 118.
4- غنية النزوع، ص 129.

ص: 338

الصنف الخامس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات فواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤونة السنة على الاقتصاد، وهو قول علمائنا أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافة. لنا: قوله تعالى وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ الآية، ووجه الاستدلال أنه تعالى أوجب الخمس في كل ما يُغنم، وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول غيرها، فالتخصيص من غير دليل باطل (1) 553.

وقال في تذكرة الفقهاء: الخامس أرباح التجارات والزراعات وساير الصنايع وساير الاكتسابات بعد إخراج مؤونة السنَة له ولعياله على الاقتصاد من غير إسراف ولا تقتير عند علمائنا كافة، خلافاً للجمهور كافة، لعموم

وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم

وقوله

أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ

، والمتواتر المستفاد من الأئمة عليهم السلام (2) 554.

5- قال الشهيد الأول (ت سنة 786 ه-) في كتابه (البيان):

وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع، وأنه لا خمس فيه، والأكثر على وجوبه، وهو المعتمد، لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما، واشتهار الروايات فيه (3) 555.

6- قال السيد محمد علي الموسوي العاملي (ت سنة 1009 ه-) في كتابه (مدارك الأحكام):

البحث في هذه المسألة يقع في مواضع: الأول: في وجوب الخمس في هذا النوع، وهو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب، بل ادّعى عليه العلّامة في التذكرة


1- منتهى المطلب 1/ 548.
2- تذكرة الفقهاء 1/ 253 ط حجرية.
3- عن كتاب مدارك الأحكام 5/ 378.

ص: 339

والمنتهى الإجماع وتواتر الأخبار (1) 556.

7- وقال الميرزا القمي في غنائم الأيام (ت سنة 1231 ه-):

السادس: أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغوت والزراعات عن مؤونة السنة على الاقتصاد، وهو قول علمائنا أجمع، وقد خالف فيه الجمهور كافة (2) 557.

8- وقال السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل (ت سنة 1231 ه-):

(و) زادوا أيضاً كما فيها (أرباح التجارات) والزراعات والصنايع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤنة السنة على الاقتصاد، وفي الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى وعن التذكرة والشهيد: عليه الإجماع. ولعله كذلك، لعدم وجود مخالف فيه ظاهر ولا محكي، إلا العماني والإسكافي حيث حُكي عنهما القول بالعفو عن هذا النوع، وفي استفادته من كلاميهما المحكي إشكال. نعم ربما يستفاد منهما التوقف فيه، ولا وجه له، لاستفاضة الروايات بل تواترها كما عن التذكرة والمنتهى بالوجوب، ولذا لم يتأمل في أصل الوجوب أحد من المتأخرين ولا متأخريهم (3) 558.

9- قال الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر قدس سره (ت سنة 1266 ه-):

(الخامس) مما يجب فيه الخمس (ما يفضل عن مؤونة السنة) على الاقتصاد (له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الإجماع عليه، بل في ظاهر الانتصار والسرائر أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضاً، بل في الأخيرين من


1- مدارك الأحكام 5/ 378.
2- غنائم الأيام 4/ 314.
3- رياض المسائل 3/ 291.

ص: 340

الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة عليهم السلام (1) 559.

10- وقال الشيخ مرتضى الأنصاري في كتاب الخمس (ت سنة 1281 ه-):

(و) يجب الخمس أيضاً (فيما يفضل عن مؤونة السنة) على الاقتصاد (له) فيما يحتاج إليه شرعاً أو عُرفاً، بحسب حاله (ولعياله) الواجبي النفقة وغيرهم، سواء كان الفاضل (من أرباح التجارات عموم الحكم لأنواع الاستفادات والصناعات والزراعات) كما هو الغالب، ولذا اقتصر عليها، أم كان من غيرها من أنواع الاكتسابات والاستفادات على المعروف بين الأصحاب، بل عن صريح الانتصار والخلاف والغنية وظاهر المنتهى والتذكرة ومجمع البيان وكنز العرفان ومجمع البحرين: الإجماع عليه (2) 560.

وغير هؤلاء كثير، وكلماتهم كلها صادحة بأن إخراج الخمس من أرباح المكاسب وفاضل المؤونة مما انعقد عليه الإجماع أو هو المشهور شهرة عظيمة كما رأيت في كلماتهم.

قال الكاتب: إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان لأنه هو القول الراجح في المسألة، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة عليهم السلام.


1- جواهر الكلام 16/ 45.
2- كتاب الخمس، ص 71.

ص: 341

وأقول: لقد اتضح مما نقلناه إجماع العلماء على وجوب إخراج الخمس من أرباح المكاسب ومن فاضل المؤونة، وقد نقلنا كلمات الأعلام وإجماعاتهم، وهي كافية في معرفة الحق وبيان أن مزاعم الكاتب كلها أكاذيب وافتراءات لم تستند على النقل الصحيح من أقوال وكلمات العلماء، وإنما هي دعاوى مجردة عن كل ما يُثبِتها، ونحن بحمد الله وفضله قد أثبتنا كذبها كلها كما مرَّ مفصَّلًا.

قال الكاتب: ولنأخذ فَتوَيَيْنِ لِعَلَمَيْنِ من أعلام المنهج الشيعي هما: الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، قال الشيخ المفيد:

قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك- أي الخمس- عند الغيبة، وقد ذهب كل فريق منهم إلى مقال (ثم يذكر عدد المقالات) منها قوله:

منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام (1) 561، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار، وبعضهم يوجب كنزه- أي دفنه- ويتأول خبراً ورد: (أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وأنه إذا قام دلَّه الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان) ثم يختار قولًا منها فيقول:

يُعْزَلُ الخمس لصاحب الأمر- يعني المهدي- فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وَصَّى به إلى مَن يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام إن أدرك قيامه، وإلا وَصَّى به إلى من يقوم مقامه بالثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يقوم الإمام، قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبة (2) 562 رسماً يجب الانتهاء إليه.


1- يعني إذا كان الإمام غائباً فلمن يعطيه؟ (حاشية من الكاتب).
2- كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: غيبته.

ص: 342

ثم قال: ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم (1) 563 عند حلولها مستحقّها، فلا يجب عند ذلك سقوطها، وقال: إذا ذهب ذاهب الى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص للإمام، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن.

قال: من فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب. انظر المقنعة ص 46.

وأقول: ما نقله عن الشيخ المفيد صحيح (2) 564، وهذا هو مذهبه في الخمس، وهو على نحو الإجمال أنه يجب على المكلَّف أن يخرج خمس مكاسبه وفاضل مؤونته، ويدفع نصف الخمس إلى الأصناف الثلاثة من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وأما النصف الآخر الخاص بالإمام عليه السلام فيجب عليه حفظه إلى حين خروجه، فإذا قرب موت المكلف أوصى به إلى رجل مأمون يدفعه للإمام عليه السلام إذا أدرك خروجه، وهكذا.

وهو دالٌّ بوضوح على القول بوجوب دفع الخمس في زمان الغيبة وعدم العفو عنه، وقد صرَّح قدس سره بذلك قبل هذا الكلام، فإنه بعد أن نقل الأخبار الدالة على التحليل والإباحة والأخبار الدالة على لزوم دفعه، قال: واعلم أرشدك الله أن ما قدَّمتُه في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصّة، للعلّة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم السلام، لتطيب ولادة شيعتهم، ولم يَرِد في الأموال، وما أخَّرته (3) 565 عن المتقدِّم مما جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يختص بالأموال (4) 566.


1- كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: يُعْدَم.
2- تجد كلامه مفصّلًا في المقنعة، ص 285.
3- أي وأخبار وجوب دفع الخمس التي أخَّرتُ ذكرها عن أخبار الإباحة هي كلها واردة في الأموال لا في المناكح.
4- المقنعة، ص 285.

ص: 343

هذا هو رأي المفيد قدس سره، وهو على الكاتب لا له.

قال الكاتب: وقال الشيخ الطوسي المتوفي 460 ه- مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم لها: بعد أن ذكر أحكام الخمس قال: هذا في حال ظهور الإمام (1) 567.

ثم قال: فأما في حال الغيبة فقد رَخَّصُوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتاجر والمساكن. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس نص معين (2) 568 إلا أن كل واحد منهم- أي فقهاء الشيعة- قال قولًا يقتضيه الاحتياط.

وأقول: مع أن الكاتب لم يذكر مصدر كلام الشيخ الطوسي قدس سره إلا أن هذا الكلام قاله الشيخ في كتابيه (المبسوط) و (النهاية)، وهذا نص كلامه قدس سره:

وأما حال الغيبة فقد رخَّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم فيما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بدّ له من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرّف فيه على حال، وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز والمعادن وغيرهما


1- للكاتب حاشية في هذا الموضع هي: يعني ذلك أن الخمس في حال ظهور الإمام له حكم، وفي حال غيبة الإمام أو عدم تمكنه فله حكم آخر. وأقول: كلام الشيخ في كتابه المبسوط 1/ 263 إنما هو في الأنفال، لا في الخمس، فراجعه. ثم إنه لا فرق في وجوب الخمس بين حال ظهور الإمام عليه السلام وحال غيبته، وإنما اختلاف الحكم إنما هو في كيفية التصرف في الخمس في حال الغيبة.
2- للكاتب حاشية في هذا الموضع، وهي: قوله: (لعدم وجود نص معين) فيه نظر، ذلك أن هناك نصوصاً كثيرة في إباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة، وقد أسلفنا بعضها. وأقول: مراد الشيخ الطوسي هو أنه لا نص في كيفية التصرف في سهم الإمام عليه السلام في زمن الغيبة، لا أنه لا نصَّ في وجوب الخمس في زمان الغيبة.

ص: 344

في حال الغيبة فقد اختلف أقوال الشيعة في ذلك، وليس فيه نصٌّ معيَّن، فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر، وهذا لا يجوز العمل عليه، لأنه ضد الاحتياط، وتصرّف في مال الغير بغير إذن قاطع. وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيًّا، فإذا حضرته الوفاة وصَّى به إلى من يثق به من إخوانه، ليُسلَّم إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر، ويوصي به كما وُصِّي إليه، إلى أن يصل إلى صاحب الأمر. وقال قوم: يجب دفنه، لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القايم. وقال قوم: يجب أن يقسَّم الخمس ستة أقسام، فثلاثة أقسام للإمام، يُدفَن أو يودَع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة أقسام الأخر تُفرَّق على أيتام آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لأنهم المستحقون لها وهم ظاهرون. وعلى هذا يجب أن يكون العمل، لأن مستحقها ظاهر، وإنما المتولي لقبضها أو تفرّقها وهو الإمام عليه السلام ليس بظاهر، فهو مثل الزكاة في أنه يجوز تفرّقها، وأنه يجوز تفرقة الخمس مثل الزكاة إذا كان المتولي عليه السلام لقبضها ليس بظاهر بلا خلاف، وقد تقدم في بحث الزكاة، وإن كان الذي يجي ء (1) 569 حمل الصدقات إليه ليس بظاهر، وإن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس. فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال (2) 570.

هذا تمام كلامه قدس سره، وقد نقلناه بطوله ليرى القارئ العزيز أن الكاتب قد حرَّف كلام الشيخ الطوسي، ونسب إليه ما لم يقله، وسيأتي قريباً مزيد بيان، فانتظر.

قال الكاتب: ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة:

1- قال بعضهم إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أُبيح لنا من المناكح والمتاجر- يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شي ء مباح- وهذا هو أصح الأقوال لأنه


1- كذا في المطبوعة، والظاهر هو: وإن كان الذي يُجْبَى حمل الصدقات إليه ... الخ.
2- المبسوط 1/ 263. النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، ص 200.

ص: 345

موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء.

2- وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً، فإذا حضرته الوفاة وَصَّى به إلى مَن يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا حضر، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر.

3- وقال قوم: يجب دفنه لأن الأَرَضِينَ تُخِرجُ كنوزها عند خروج القائم.

4- وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: ثلاثة أقسام للإمام تُدْفَنُ أو تُوَدع عند مَن يُوثَق به، وهذا القول قد اختاره الطوسي.

والأقسام الثلاثة الأخرى توزع على مستحقيها من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وهذا مما ينبغي العمل عليه.

وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة.

ثم يقول: (ولو أن الإنسان استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من إجزاء الدفن، أو الوصاة لم يكن مأثوماً) انتهى بتصرف يسير.

وأقول: لقد اتضح من كلام الشيخ الطوسي قدس سره أنه لا يرتضي القول الأول وهو القول بإباحة الخمس للشيعة، حيث قال: (وهذا لا يجوز العمل عليه، لأنه ضد الاحتياط، وتصرّف في مال الغير بغير إذن قاطع).

مع أن الكاتب زعم النقل عن الشيخ أو أوهم القارئ أن الشيخ قال: (وهذا هو أصح الأقوال، لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء).

وهذا دليل واضح يضاف إلى ما سبق من أن الكاتب ليس أميناً في نقله، وليس صادقاً في نفسه، لأنه اعتمد تزوير النصوص وتحريف الكلام والكذب والافتراء، وليس هذا دأب طالب الحق.

ص: 346

قال الكاتب: لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال الأربعة المتقدمة، واختار هو القول الرابع منها (1) 571، وبين أن الإنسان إذا اختار أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً.

وأقول: إن الشيخ الطوسي قدس سره لم يجوِّز العمل بالقول الأول كما مرَّ، حيث قال بعد اختيار القول الرابع: (وإن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس، فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال)، ومع ذلك فإن الكاتب حرَّف كلام الشيخ، ونسب إليه جواز العمل بالأقوال الأربعة التي من ضمنها القول الأول، وهو القول بإباحة الخمس للشيعة في حال الحضور والغيبة.

فمرحباً بهذا الكاتب الذي اعتمد في انقلابه إلى مذهب أهل السنة- بزعمه- على اختلاق الأكاذيب والافتراءات وتحريف النصوص، وهنيئاً لأهل السنة بهكذا قوم لا يتسنَّنون- بزعمهم- إلا بسلوك المعاصي الكبيرة والرذائل العظيمة.

قال الكاتب: ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة، فهي وإن اختلف بينها في بعض التفاصيل لكنها أجمعت على شي ء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال- أي الخمس- التي هي حق الإمام الغائب، أو حق غيره لا تُصْرَفُ للسادة، ولا المجتهدين.

رغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمس إلا أنها ليس فيها تلميح فضلًا عن التصريح بوجوب وإباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة والمجتهدين.

وأقول: إنَّ صَرْف نصف الخمس على يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء


1- وهو قول كثير من الفقهاء. (حاشية من الكاتب).

ص: 347

سبيلهم هو صَرْف على السَّادة، لأن السَّادة هم المنتسبون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء لهم شطر الخمس كما مرَّ، فهل يريد الكاتب تصريحاً أكثر من هذا التصريح؟!

إلا أن عذر الكاتب الذي يزعم كذباً وزوراً أنه سيِّد هو أنه لا يعرف المعنى الصحيح لهذه الكلمة، فهو يظن كما ألمحنا إليه فيما تقدَّم أن الشيعة يريدون بالسيِّد: (العالِم الديني)، ولهذا نراه يطلق على العلماء سادة، وكل عالم عنده سيِّد، فصار يخبط خبط عشواء، ويصف كل شيخ بأنه سيّد، حتى رفع وصف (الشيخ) من قاموسه الملي ء بالأغلاط الفاضحة والأخطاء المكشوفة، وهذا واضح في كل كلماته التي مرَّت ويأتي غيرها، إلا أن كلمته هنا صريحة في الدلالة على هذا المعنى.

فهل يعقل من رجل يزعم أنه ينتسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويطلق على نفسه اسم (السيد حسين الموسوي) ولا يعرف معنى كلمة (سيّد)، ولا يعرف أن السَّادة هم المنتسبون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

والحاصل أن الشيخ وغيره صرَّحوا في كلماتهم المزبورة أن نصف الخمس لأيتام السَّادة ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وقد نقلنا فيما مرَّ بعض كلماتهم الدالّة على ذلك فراجعها.

ولا بأس بالتذكير بما قاله الشيخ صاحب الجواهر قدس سره في هذه المسألة، فإنه قال: (و) أما ما (قيل) من أنه (يُصرَف النصف إلى مستحقِّيه (1) 572، ويُحفَظ ما يختص به (2) 573 بالوصاية أو الدفن) فهو جيد جداً بالنسبة للشق الأول منه (3) 574، موافق للمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً نقلًا وتحصيلًا إن لم يكن المجمع عليه، وللأصول والكتاب والسُّنة التي قد علمت قصور أخبار التحليل عن مقاومتها، بل يجب تنزيلها على ماذكره غير واحد ناقلًا له عن الأصحاب من إباحة المناكح أو هي والقسمين


1- وهم الأصناف الثلاثة: اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من السَّادة الكرام.
2- أي بالإمام المعصوم عليه السلام.
3- وهو صرف نصف الخمس إلى الأصناف الثلاثة من السادة الكرام.

ص: 348

الآخرين معها (1) 575.

وكلامه قدس سره صريح في أن صرف نصف الخمس للسَّادة الكرام هو المشهور عند العلماء قديماً وحديثاً إن لم يكن مجمعاً عليه.

فكيف يزعم الكاتب إجماع العلماء على أن الخمس لا يدفع إلى السَّادة؟!

وأما دفعه للمجتهدين فيمكن إيضاحه بأمور:

1- أنه قد مرَّ نقل أقوال علماء الطائفة وتصريحهم بأنه يجب دفع حق الإمام عليه السلام للفقيه العدل المأمون الجامع لشرائط الفتوى، فراجعها.

وعلة ذلك أن العلماء- رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين- هم المأمونون عليه، العارفون بصرفه في مصارفه الصحيحة، دون غيرهم.

2- أن التصرُّف في سهم الإمام عليه السلام في زمن الغيبة مسألة اجتهادية، وكانت وما زالت مسرحاً لآراء الفقهاء والمجتهدين.

ولئن كانت الأقوال في زمن الشيخ الطوسي أربعة فلا يمنع ذلك من تجدّد آراء أخر في العصور اللاحقة لزمان الشيخ قدّس الله نفسه.

وقد نقلنا ما قاله صاحب الجواهر قدس سره من أنه يجب التصرف فيه بما يُحرَز به رضا الإمام الغائب عجَّل الله فرجه الشريف، وذلك لأن دفنه إتلاف له، والوصاية به تعريض له للتلف، وكلاهما غير جائزين، فتعين التصرف فيه بالنحو المذكور، وهذا القول هو القول الذي استقرَّت عليه آراء المتأخرين، لأنه أسد الآراء وأصوبها.

قال المحقق الخوئي قدس سره: الأقوال في تعيين الوظيفة بالإضافة إلى سهم الإمام عليه السلام كثيرة، وأكثرها واضحة الضعف، بل غير قابلة للتعرّض، كالقول بوجوب دفنه إلى أن يظهر الحجة عجل الله تعالى فرجه ويستخرجه، أو القول بوجوب عزله وإيداعه والإيصاء به عند ظهور أمارات الموت، أو القول بإلقائه في البحر، ونحو


1- جواهر الكلام 16/ 168.

ص: 349

ذلك مما يستلزم ضياع المال وإتلافه والتفريط فيه، ولا سيما بالنسبة إلى الأوراق النقدية مما ليست بذهب ولا فضة، إذ كيف يمكن إيداعها والاحتفاظ عليها، ولربما تبلغ من الكثرة الملايين، إلا أن تُودَع في المصارف الحكومية التي هي تحت سيطرة الأيادي الجائرة، فتكون وقتئذ إلى الضياع أقرب وبالوبال أنسب، وليس من بين تلك الوجوه والأقوال- بعد البناء على عدم السقوط والإباحة فإن ذلك أمر آخر سيأتي التعرّض له في خاتمة بحوث الخمس إن شاء الله تعالى- ما يستأهل البحث إلا وجهين.

وبعد أن ذكر الوجه الأول قال:

ثانيهما: أن يُصرف في موارد يُحرَز فيها رضا الإمام عليه السلام قطعاً أو اطميناناً، بحيث كان الصرف في تلك الجهة مرضيًّا عنده، كالمصالح العامّة، وما فيه تشييد قوائم الدين ودعائم الشرع المبين، وبث الأحكام، ونشر راية الإسلام التي مِن أبرز مصاديقها في العصر الحاضر إدارة شؤون الحوزات العلمية ومؤونة طلبة العلوم الدينية، وهذا هو الصحيح (1) 576.

3- أن كثيراً من العلماء وطلبة العلم المنتسبين للذرية الطاهرة ينطبق عليهم أحد الأوصاف الثلاثة التي بها يستحقون قبض الخمس والتصرف فيه، وهو كونهم فقراء محتاجين، فإنهم نذروا أنفسهم لطلب العلم، وصرفوا أعمارهم في تعلّم وتعليم فقه آل محمد، وليست لهم صنعة يتكسبون بها، أو أموال يتعيشون بها.

فإذا كانوا كذلك جاز للمكلف أن يسلِّمها لهم، وجاز لهم صرفها في مصارفهم الخاصة.

ولقد علمتُ أن بعض مراجع الدين وحفظة شريعة سيِّد المرسلين تمر عليه الأيام الكثيرة التي لا يملك فيها قوت يومه، فيتملك لنفسه بعضاً من الحقوق الشرعية التي في حوزته باعتبار أنه أحد مصارف الخمس، ثم يهبها إلى طلبة العلم


1- مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس)، ص 325.

ص: 350

الذين لا ينتسبون للذرية الطاهرة.

قال الكاتب: إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه الشيعة والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة.

ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين؟

وأقول: إذا كان القول الرابع هو الذي عليه الشيعة فلمَ زعم الكاتب فيما تقدَّم أن علماء الشيعة كلهم أو جلّهم قالوا بإباحة الخمس للشيعة في حال الحضور والغيبة؟

فإنهم إذا كانوا يقولون بلزوم الوصاية بالخمس لتسليمه لصاحب الزمان عليه السلام فلازمه أنهم لا يرون إباحته، ويرون وجوب دفعه، فالحمد لله الذي كشف زيفه، وأوضح للقارئ الكريم تهافت كلامه.

وأما قوله: (ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين؟).

فيردّه أن ذهاب المتأخرين في مسألة إلى خلاف ما كان يقوله المتقدّمون لا يعني أن المتقدّمين كانوا مخطئين فيها، فإن الفقيه يلزمه اتباع الدليل الصحيح وكفى، ولعلَّ الدليل الصحيح قد وصل إلى المتقدمين ولم يصل إلى من جاء بعدهم، والواجب هو العمل بالدليل الواصل وبما هو حجة معتبرة، والشهرة عند المتقدمين ليستْ دليلًا صحيحاً يجب اتباعه، ما لم تكن تلك الشهرة مستلزمة للعلم بالحكم الشرعي، كأن تكون متصلة بعصور الأئمة عليهم السلام، بحيث يُعلم أن العلماء المتقدمين قد أخذوا الحكم المشهور عندهم عن الأئمة عليهم السلام يداً بيد وطبقة بعد طبقة.

ولو سلَّمنا بأن مخالفة المتقدِّمين تستلزم تخطئتهم، فإن تخطئتهم في المسائل الاجتهادية والفتاوى الفقهية لا محذور فيها، ولهذا خالف المتأخرون المتقدّمين في

ص: 351

مسائل كثيرة رأوا أن الدليل على ما ذهب إليه المتقدّمون غير تام عندهم، وهذا لا يستلزم تضليلًا ولا جرحاً كما هو واضح، وذلك لأن علماء المسلمين كلهم سُنَّةً وشيعة قد اختلفوا في أكثر المسائل الفقهية، ولم يحكموا بتضليل المخالف لهم كما لايخفى.

قال الكاتب: فهذه فتوى أول زعيم للحوزة العلمية النجفية.

وَلْنَرَ فتوى آخر زعيم للحوزة نفسها مولانا الإمام الراحل أبي القاسم الخوئي لِتَتَّضحَ لنا الفتوى بين أول زعيم للحوزة، وفتوى آخر زعيم لها.

قال الإمام الخوئي في بيان مستحق الخمس ومصرفه: يقسم الخمس في زماننا زمان الغيبة نصفين: نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (عج) وجعل أرواحنا فداه. ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل ..

إلى أن قال: النصف الذي يرجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه، أو الاستئذان منه .. إلخ. انظر كتاب ضياء كذا الصالحين مسألة 1259 ص 347.

وأقول: يَرِد على ما قاله الكاتب أمور:

1- أن الشيخ الطوسي والسيد الخوئي قد اتفقا في بيان مستحقي الخمس، وأنه يقسَّم إلى قسمين، إلا أنهما اختلفا في التصرّف في سهم الإمام عليه السلام في عصر الغيبة كيف يكون؟

وبما أن التصرف في سهم الإمام عليه السلام مسألة لا نص فيها كما أفاده الشيخ الطوسي والشيخ المفيد وغيرهم، فإن الخلاف فيها أمر متوقَّع ولا محذور فيه.

ص: 352

2- أن اختلاف العلماء في فتاواهم غير قابل للإنكار، ولا محذور فيه كما قلنا آنفاً، ولهذا اختلف أئمة المذاهب الأربعة فيما بينهم في أكثر المسائل الفقهية، فهل يرى الكاتب في ذلك غضاضة على فقيه خالف غيره ممن تقدَّمه؟

3- أنا أوضحنا فيما مرَّ فتوى صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266 ه-، وهي بعينها فتوى السيِّد الخوئي قدّس الله نفسه، ولعلَّ هناك من سبق صاحب الجواهر في هذه الفتوى، والله العالم.

4- لقد أجاب الشيخ الأنصاري قدس سره عن هذا الإيراد بقوله:

قد عرفت اعتراف المفيد ومن تبعه قدَّس الله أسرارهم بعدم النص في المسألة، وعرفت أن العبرة عندنا في الصرف برضائه عليه السلام بشاهد الحال، فيجب مراعاته، ولا يجوز التخطّي عنه، وليس الحكم تعبدياً (1) 577.

ولا بأس أن نلفت النظر إلى أن مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يميِّز بين كتاب (منهاج الصالحين) للسيد الخوئي، وكتاب (ضياء الصالحين) للحاج محمد صالح الجواهرجي، فنسب الكتاب الثاني للسيد الخوئي مع أنه كتاب أدعية وزيارات، لا كتاب فتاوى وأحكام كما هو حال الكتاب الأول.

وهذه السقطة العظيمة لا يقع فيها عوام الشيعة فضلًا عن طلبة العلم، فضلًا عن عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء.

فهل يعقل أن يخلط فقيه غير مصاب بالاختلاط بين هذين الكتابين؟!

قال الكاتب: إن فتوى الإمام الخوئي تختلف عن فتوى الشيخ الطوسي، فالشيخ الطوسي لا يقول بإعطاء الخمس أو شي ء منه إلى الفقيه المجتهد وقد عمل


1- كتاب الطهارة، ص 522. كتاب الخمس، ص 339.

ص: 353

بنص فتواه جماهير الشيعة المعاصرون له.

بينما نرى فتوى مولانا الراحل الإمام الخوئي تنص على إعطاء الخمس أو جزء منه للفقيه والمجتهد.

وأقول: إن كثيراً من علماء الشيعة كانوا يرون إعطاء الخمس للفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى، لصرفه في موارده وعلى مستحِقِّيه، وإليك بعض فتاواهم:

1- قال أبو الصلاح الحلبي (374- 447 ه-) في كتابه (الكافي):

يجب على كل من تعين عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله سبحانه، أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذر أو آثر المكلف تولَّى ذلك نفسه (1) 578.

قلت: أبو الصلاح الحلبي من أعاظم علماء الإمامية، وقد وُلد بعد عصر الغيبة الصغرى بحوالي خمس وأربعين سنة (2) 579.

قال ابن داود في رجاله: تقي بن نجم الدين الحلبي أبو الصلاح، عظيم القدر، من علماء مشايخ الشيعة (لم) (جخ) (3) 580. قال الشيخ: قرأ علينا وعلى المرتضى، وحاله شهير (4) 581.

وقال الخونساري في روضات الجنات: تقي الدين بن نجم بن عبيدالله الحلبي الثقة العين الفاضل الإمامي، كان من مشاهير فقهاء حلب، ومنعوتاً بخليفة المرتضى في علومه، لكونه منصوباً في البلاد الحلبية من قبل أستاذه السيد المرتضى رضي الله عنه ... أو


1- الكافي في الفقه، ص 172.
2- قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: أبو الصلاح تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين ابن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي ولد بحلب 374، وتوفي بها سنة 447.
3- يعني ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يروِ عنهم.
4- رجال ابن داود، ص 58.

ص: 354

لنيابته عنه في التدريس ... وناهيك له بذلك منزلة ومقاماً (1) 582.

وقال المحدِّث النوري في خاتمة المستدرك: تقي الدين نجم بن عبيد الله الحلبي، الفقيه النبيه المعروف، خليفة شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي في البلاد الشامية، صاحب كتاب (الكافي في الفقه)، المنقول فتاواه في الكتب المبسوطة، و (شرح الذخيرة)، وكتاب (تقريب المعارف) الذي قد أكثر المجلسي في فتن البحار النقل عنه، وغيرها، وهو المراد بالحلبي إذا أطلق في كلمات الفقهاء (2) 583.

2- وقال القاضي ابن البراج (ت 481 ه-) في كتابه (المهذب البارع):

وأما ما يختص به عليه السلام من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شي ء منه، ويجب على من وجب عليه حمله إلى الإمام عليه السلام ليفعل فيه ما يراه، فإن كان عليه السلام غائباً فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس أن يقسِّمه ستة أسهم على ما بيّناه، ويدفع منها ثلاثة إلى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف، والثلاثة الأخر للإمام عليه السلام، ويجب عليه أن يحتفظ بها أيام حياته، فإن أدرك ظهور الإمام عليه السلام دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، ووصَّى بدفع ذلك إلى الإمام عليه السلام إن أدرك ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصَّى إلى غيره بذلك (3) 584.

وابن البراج هو الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج، كنيته أبو القاسم، كان من تلامذة السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وهو من كبار فقهاء الإمامية، بل هو خليفة الشيخ الطوسي في البلاد الشامية، لُقِّب بالقاضي لتولّيه قضاء طرابلس مدة عشرين أو ثلاثين سنة (4) 585.


1- روضات الجنات 2/ 109.
2- خاتمة المستدرك 3/ 35.
3- المهذب البارع 1/ 180.
4- ترجم في: فهرست منتجب الدين، ص 74. معالم العلماء، ص 115. جامع الرواة 1/ 460. الفوائد الرجالية 3/ 60. لؤلؤة البحرين، ص 331. تنقيح المقال 2/ 156. أعيان الشيعة 8/ 18. خاتمة المستدرك 3/ 36. الأعلام 4/ 15. الكنى والألقاب 1/ 224.

ص: 355

قال الحر العاملي في أمل الآمل: وجه الأصحاب وفقيههم، وكان قاضياً بطرابلس، وله مصنفات، منها (المهذب)، (المعتمد)، (الروضة)، (المقرب) ... (1) 586.

وقال التفرشي في نقد الرجال: عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز المعروف بابن البراج، أبو القاسم، من غلمان المرتضى رضي الله عنه، له كتب في الأصول والفروع (معالم العلماء)، فقيه الشيعة الملقب بالقاضي، وكان قاضياً بطرابلس (2) 587.

وقال الخونساري في روضات الجنات: وفي رياض العلماء نقلًا عن بعض الفضلاء: إن ابن البراج قرأ على المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربعمائة، إلى أن مات المرتضى، وكل قراءته على الشيخ الطوسي، وعاد إلى طرابلس في سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وأقام بها إلى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقد نيف على الثمانين، وكان مولده بمصر وبها منشؤه (3) 588.

3- وقال المحقق الحلي (ت سنة 676 ه-) في كتابه (المعتبر):

وقال المفيد رحمه الله في الرسالة الغرية: ومتى فُقِد إمام الحق ووصل إلى إنسان ما يجب فيه الخمس، فليخرجه إلى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، وليوفر قسط ولد أبي طالب، لعدول الجمهور عن صلتهم، ولمجي ء الرواية عن أئمة الهدى بتوفر ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم وأيتامهم وأبناء سبيلهم.

وما ذكره المفيد رحمه الله حسن، لما أسلفناه من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصته عند وجوده، وإذا كان هذا لازماً له في حضوره كان لازماً في غيبته، لأن ما


1- أمل الآمل 2/ 152.
2- نقد الرجال 3/ 67.
3- روضات الجنات 4/ 199.

ص: 356

وجب بحق الله مطلقاً لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك، لكن يجب أن يتولَّى صرف ما يحتاجون إليه مِن حصته مَنْ له النيابة عنه في الأحكام، وهو (الفقيه المأمون) من فقهاء أهل البيت عليهم السلام على وجه التتمَّة لمن يقصر حاصله من مستحقه عما يضطر إليه لاغير (1) 589.

4- وقال العلّامة الحلي في كتابه (مختلف الشيعة):

إن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق خصوصاً إذا كان الحق لله تعالى. إذا ثبت هذا فإن المتولِّي لتفريق ما يخصه عليه السلام في محاويج الذرّية مَن إليه الحكم عن الغائب، لأنه قضاء حق عليه، كما يقضى عن الغائب، وهو الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى والحكم، فإن تولى ذلك غيره كان ضامناً (2) 590.

5- وقال الشهيد الأول (734- 786 ه-) في كتابه (البيان):

يجوز للمالك دفع الزكاة بنفسه، والأفضل صرفها إلى الإمام وخصوصاً في الأموال الظاهرة، وقال المفيد وأبو الصلاح: (يجب حملها إلى الإمام أو نائبه، ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون). وطرد أبو الصلاح الحكم في الخمس، والأصح الاستحباب في الجميع (3) 591.

6- وقال السيد محمد علي العاملي (ت 1009 ه-) في (مدارك الأحكام):

والذي جزم به المصنف ومَن تأخَّر عنه صرْف الجميع إلى الأصناف الموجودين مع احتياجهم إليه، أما النصف المستحق لهم فظاهر، وأما ما يختص به عليه السلام فلِما ذكره المصنف من وجوب إتمام ما يحتاجون إليه من حصّته مع ظهوره عليه السلام، وإذا كان هذا لازماً له في حال حضوره كان لازماً له في غيبته، لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك، ويتولّاه المأذون له على سبيل العموم، وهو الفقيه المأمون من فقهاء أهل


1- المعتبر 2/ 641.
2- مختلف الشيعة 3/ 354.
3- البيان، ص 200.

ص: 357

البيت عليهم السلام (1) 592.

إلى غير ذلك من كلماتهم الدالة على لزوم دفع الخمس للفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى، لصرفه في موارده الصحيحة، لأنه أعرف بها من غيره.

وأما أقوالهم الدالة على وجوب دفع الزكاة للفقيه المأمون لصرفها على مستحقّيها فهي كثيرة جداً، ولا حاجة لاستقصائها بعدما عرفنا ما قالوه في الخمس.

ومنه يتّضح أن ما ذهب إليه السيّد الخوئي قدس سره من وجوب دفع الخمس للفقيه الجامع لشرائط الفتوى قد سبقه إليه غيره من الفقهاء قديماً وحديثاً.


1- مدارك الأحكام 5/ 426.

ص: 358

ص: 359

لله وللحقيقة

رد على كتاب (لله ثم للتاريخ)

ص: 360

ص: 361

ص: 362

ص: 363

ملخص تطور نظرية الخمس

قال الكاتب: القول الأول: بعد انقطاع سلسلة الإمامية كذا، وغيبة الإمام المهدي هو أن الخمس من حق الإمام الغائب، وليس للفقيه، ولا للسيد، ولا للمجتهد حق فيه، ولهذا ادَّعَى أكثر من عشرين شخصاً النيابة عن الإمام الغائب، من أجل أن يأخذوا الخمس فقالوا: نحن نلتقي الإمام الغائب، ويمكننا إعطاؤه أخماس المكاسب التي ترد.

وكان هذا في زمن الغيبة الصغرى وبقي بعدها مدة قرن أو قرنين من الزمان ولم يكن الخمس يُعْطَى للمجتهد أو السيد، وفي هذه الفترة ظهرت الكتب الأربعة المعروفة بالصحاح الأربعة الأُولى، وكلها تنقل عن الأئمة إباحة الخمس للشيعة وإعفائهم منه.

ولم تكن هناك أية فتوى في إعطاء الأخماس للسادة والمجتهدين.

وأقول: إن كلام الكاتب فيه من التضارب والتهافت ما لا يخفى، وذلك لأنه يدَّعي أن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا الخمس للشيعة، وفي نفس الوقت يصرِّح بأن الخمس هو من حق الإمام الغائب عليه السلام، ولهذا ادَّعى النيابة عن الإمام عليه السلام أكثر من عشرين

ص: 364

شخصاً بزعمه.

فكيف يكون الخمس مباحاً للشيعة وفي نفس الوقت يكون حقًّا للإمام الغائب عليه السلام؟! فإن القول بأن الخمس من حق الإمام المنتظر عليه السلام يستلزم الاعتراف بعدم إباحة الخمس كما هو الصحيح.

وإذا كان الخمس حقًّا للإمام المنتظر عليه السلام فحينئذ لا بدّ من دفعه إلى نوَّابه والقائمين مقامه في غيبته، وهم الفقهاء المأمونون، وإلا كان تكليف الشيعة بدفع الخمس تكليفاً بغير المقدور، وذلك لأن دفعه للإمام عليه السلام متعذِّر، ودفعه لنائبه غير جائز، مع بقاء الواجب على وجوبه.

وأما زعمه بأن الذين ادَّعوا النيابة في الغيبة الصغرى أكثر من عشرين شخصاً فهو باطل جزماً، وذلك لأن نوّاب الإمام عليه السلام كانوا أربعة معروفين، ولم يدّعِ النيابة عن الإمام إلا أفراد قلائل يطلبون بذلك الزعامة والمكانة عند الشيعة.

فقد ذكر الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغَيْبة) أن الذين ادّعوا البابية هم: الشريعي، ومحمد بن نصير النميري، وأحمد بن هلال الكرخي، ومحمد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلاج، وأبي بكر البغدادي.

وهؤلاء ستة لا أكثر، وكلهم ورد التوقيع من الإمام عليه السلام بلعنهم والبراءة منهم، وقد صدر منهم الكفر البواح والانحراف عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، ونصَّ الشيخ على أن الذي ادّعى الوكالة طمعاً في المال هو محمد بن علي بن بلال فقط، وأما غيره فإنما ادّعوا الوكالة لطلب المكانة عند الشيعة لا لجمع الأموال (1) 593.

وأما باقي كلامه فيَرِد عليه أنا أوضحنا فيما تقدَّم وجه الجمع بين الأخبار الدالة على وجوب الخمس، وبين الأخبار التي ظاهرها إباحة الخمس للشيعة، وقلنا: إنه يتعيَّن حمل الأخبار المبيحة على إباحة المناكح فقط، أو هي مع المتاجر والمكاسب،


1- راجع كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي، ص 244- 256.

ص: 365

بقرينة التعليل في تلكم الأحاديث، وهي تطييب ولادة الشيعة، فلا حاجة للإعادة.

ونحن قد أوضحنا فيما مرَّ أن السَّادة الكرام لهم نصف الخمس، للآية المباركة وللأخبار الكثيرة الناصَّة على ذلك.

وأما دفع الخمس للمجتهدين والفقهاء فقد نقلنا الأقوال فيه، فراجعها، ومن ضمن من قال بوجوب دفع الخمس للمجتهد بعد الغيبة بيسير أبو الصلاح الحلبي والقاضي ابن البراج، وهما من أعاظم علماء الإمامية، ومن تلامذة الشيخ الطوسي رحمه الله كما مرَّ بيانه.

قال الكاتب: القول الثاني:

ثم تطور الأمر، بعد أن كان الشيعة في حل من دفع الخمس في زمن الغيبة كما سبق بيانه، تطور الأمر فقالوا بوجوب إخراج الخمس، إذ أراد أصحاب الأغراض التخلص من القول الأول، فقالوا يجب إخراج الخمس على أن يُدْفَنَ في الأرض حتى يخرج الإمام المهدي.

وأقول: لقد ذكرنا الروايات الدالة على وجوب دفع الخمس، وأن الأئمة عليهم السلام نصبوا لهم وكلاء لقبضه من الناس كما مرَّ، وهذا كله دال على أن وجوب الخمس كان معروفاً عند الشيعة في زمن الأئمة عليهم السلام، لا كما ادّعى الكاتب من أن الشيعة كانوا في حل من دفعه في زمن الغيبة.

وأما القول بدفن الخمس فقد كان من ضمن الأقوال المعروفة زمن الشيخ المفيد (336- 413 ه-) كما مرَّ نقله عن كتابه (المقنعة)، أي بعد انتهاء الغيبة الصغرى بسنين قليلة، ولا ريب أن هذه المسألة كانت في تلك السنين تعتبر مستحدثة، لأن الابتلاء بها إنما حصل بعد غيبة الإمام الكبرى، ولعلّ هناك من أفتى بها عقيب غيبة

ص: 366

الإمام المنتظر عليه السلام مباشرة، مع أن مفاد كلام الكاتب هو أن القول بفرض الخمس حصل بعد انتهاء الغيبة الصغرى بقرن أو قرنين، ثم تطورت المسألة فجاءت الفتوى بدفنه، فلا بد أن تكون الفتوى بالدفن جاءت بعد أكثر من قرن أو قرنين، وهو كلام واضح البطلان كمامرَّبيانه.

قال الكاتب: القول الثالث:

ثم تطور الأمر فقالوا: يجب أن يُودَعَ عند شخص أمين، وأفضل من يقع عليه الاختيار لهذه الأمانة هم فقهاء المذهب، مع التنبيه على أن هذا للاستحباب وليس على سبيل الحتم والإلزام، ولا يجوز للفقيه أن يتصرف به، بل يحتفظ به حتى يوصله إلى المهدي.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن القول بحفظ الخمس كان من ضمن الأقوال التي كانت معروفة في عصر الشيخ المفيد، بل هو اختيار الشيخ المفيد نفسه كما نقله الكاتب نفسه عن المقنعة، فأين هذا التطور المزعوم مع أن المسألة كانت مستحدثة في ذلك الوقت كما مرَّ؟!

قال الكاتب: وهنا ترد ملاحظة مهمة وهي: مَنْ منَ الفقهاء حفظ الأموال المودَعَة عنده ثم بعد موته قال ذووه عنها انها أموال مُودَعَة عنده يجب أن تودع عند مَن يأتي بعده؟

لا شك أن الجواب الصحيح هو: لا يوجد مثل هذا الشخص، ولم نسمع أو نقرأ عن شخص كهذا ثبت أن أموال الناس- أعني الخمس- كانت مودعة عنده ثم

ص: 367

انتقلت إلى من يأتي بعده.

والصواب: أن كل من أُودِعَتْ عندهم الأموال جاء ورثتهم فاقتسموا تلك الأموال بينهم على أنها مال موروث من آبائهم، فذهب خمس الإمام إلى ورثة الفقيه الأمين، هذا إذا كان الفقيه أميناً، ولم يستخلص ذلك المال لنفسه!!

وأقول: ما قاله الكاتب ههنا نردّه بأمور:

1- أن تصرّف العلماء السابقين في الحقوق لم نطّلع عليه ولم نشهده، والله سبحانه وتعالى لم يكلّفنا به، فلا نستطيع أن نجزم فيه بأمر، ولكنا نعلم علماً جزماً بأنهم قدّس الله أسرارهم- لتقواهم وورعهم- لم يفرِّطوا في تلك الأموال، ولم يتهاونوا في حفظها.

وما قاله الكاتب ما هو إلا رجم بالغيب وتخرّص وظن لا يغنيان من الحق شيئاً، وإلا فكيف علم بما صنعه السابقون وأن أبناءهم ورثوها بعد موتهم؟

2- أن أمثال هذه الأمور لا يباح بها ولا تُعلَن للناس وتُسجَّل في الكتب حتى يُعلم أنهم أوصوا بها لمن بعدهم من العلماء أو لا، فكيف يتأتى لنا الاطلاع على ما صنعه الأقدمون والحال هذه؟

3- أن الأقوال في التصرف في الخمس كثيرة، ولم يذهب كل العلماء إلى وجوب حفظه، والوصية به إلى أمين يحفظه إذا ظهرت أمارات الموت، بل إن جملة من العلماء كانوا يرون وجوب دفعه بكامله إلى الأصناف الثلاثة من السادة الكرام كما مرَّ، وبعضهم كان يرى جواز صرفه على فقراء الشيعة كالشيخ المفيد في كتابه (المقنعة)، حيث قال كما مرَّ: (وبعضهم يرى صلة الذرّية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب، ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب) (1) 594.

فلعلّ من كان يرى وجوب دفعه للسّادة الكرام كان يدفع إليهم كل ما يصل


1- كتاب المقنعة، ص 286.

ص: 368

إليه، حتى لو وصل إليه لحفظه وتسليمه لصاحب الزمان عليه السلام.

فإذا كان الحال هكذا فإنه لا يبقى من الحقوق الشرعية شي ء إلا ودُفع للسّادة الكرام، ولا سيما أن الحقوق الشرعية لم تكن أموالًا طائلة في العصور الماضية.

4- أن الحقوق الشرعية منذ زمن صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266 ه- وربما قبله كانت كلها تُصرف لترويج الدين، وما كانت تُكنَز وتُدَّخر حتى تبقى لورثة المرجع، ولا سيما إذا علمنا أن الحقوق الشرعية كانت قليلة، ومصارفها كثيرة ومتعدّدة، فكيف يبقى منها شي ء؟

5- لو كان الكاتب كما يزعم وثيق الصلة بمراجع التقليد المتأخرين لعلم كيف يُتصرَّف بالحقوق الشرعية بعد موت المرجع، ولكنه بعيد عن هذا الجو، فكيف يسمع بأمثال هذه الأمور؟

ولقد سمعت بأُذنَي وسمع غيري كذلك من المرجع الديني آية الله الميرزا علي الغروي قدَّس الله نفسه أن الحقوق الشرعية التي كانت عند السيد الخوئي قدس سره كلها تحوَّلت بعد موته إلى مرجع آخر ذكر لنا اسمه لا أحب التصريح به.

ولعلَّ من يتتبع أمثال هذه الحوادث يقف على الشي ء الكثير منها، مع أنها خارجة عن أصل تشريع الخمس وأصل وجوبه، فإن أحكام الشرع تُعرف بالأدلة الصحيحة، ولا يصح إبطالها بسوء التصرفات التي تصدر من الناس، وحال الخمس من هذه الناحية حال الزكاة التي يعبث بها الآن سلاطين الجور وأعوانهم ويتصرفون بها كيفما شاؤوا، من دون أن يستلزم ذلك إبطال مشروعيتها أو التشنيع على من يرى وجوبها.

قال الكاتب: ومن الجدير بالذكر أن القاضي ابن بهراج أو براج طَوَّرَ هذا الأمر

ص: 369

من الاستحباب إلى الوجوب فكان أول من قال بضرورة إيداع سهم الإمام عند مَن يُوثَقُ به من الفقهاء والمجتهدين حتى يسلمه إلى الإمام الغائب إن أدركه، أو يوصي به إلى مَن يثق به ممن يأتي بعده ليسلمه للإمام، وهذا منصوص عليه في كتاب المهذب 8/ 180 وهذه خطوة مهمة جداً.

وأقول: لقد سبق ابنَ البراج إلى هذه الفتوى أبو الصلاح الحلبي كما مرَّ بيانه، وأبو الصلاح كما مرَّ وُلد بعد انتهاء الغيبة الصغرى بحوالي خمس وأربعين سنة، ولا ريب في أن هذه المسألة كانت مستحدثة في تلك الفترة كما قلنا فيما تقدّم، فأين هذا التطور المزعوم في نظرية الخمس؟!

على أن مَن سبق ابن البراج كان يفتي بوجوب إيداع الخمس عند رجل مأمون يوصله إلى صاحب الزمان عليه السلام إذا أدرك ظهوره، أو يوصي لمن يوصله إليه إن ظهرت عليه أمارات الموت، من غير فرق بين أن يكون فقيهاً أو عامّيًّا، ولا ريب في أن الفقيه المأمون أفضل أفراد مَن يؤتمن على حق الإمام عليه السلام.

فهذه الفتوى في الحقيقة ليست مغايرة لما سبقها إلا في اختيار فرد من أفراد من يؤتمنون لإيصال الخمس إلى الإمام عليه السلام، وكلمات من سبق أبا الصلاح شاملة لكل من يؤتمن من دون تعيين.

قال الكاتب: القول الرابع:

ثم جاء العلماء المتأخرون فطوروا المسألة شيئاً فشيئاً حتى كان التطور قبل الأخير فقالوا بوجوب إعطاء الخمس للفقهاء لكي يقسّموه بين مستحقيه من الأيتام والمساكين من أهل البيت، والمرجح أن الفقيه ابن حمزة هو أول من مال إلى هذا القول في القرن السادس كما نص على ذلك في كتاب الوسيلة في نيل الفضيلة ص 682

ص: 370

واعتبر هذا أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه وبخاصة إذا لم يكن يحسن القسمة.

وأقول: إن كلام ابن حمزة إنما هو في تقسيم سهم السّادة بين الأصناف الثلاثة، وحيث إنه يرى لزوم التقسيم بالسوية بين الذكر والأنثى، وبين الوالد والولد، وبين الصغير والكبير، ويراعى فيه العدالة والإيمان ... إلى غير ذلك، فإن ذلك ربما يحتاج لرجل عارف لتقسيمه بينهم، ولهذا أوجب على المكلف غير العارف دفعه إلى من يحسن قسمته من أهل العلم والفقه (1) 595.

وهذا أجنبي عن المسألة التي نتكلم فيها، وهي كيفية التصرف في سهم الإمام عليه السلام في زمان الغيبة.

على أن هذه الفتوى ليست جديدة، فإن الفقهاء السابقين لابن حمزة كالمفيد والشيخ الطوسي قدّس سرّهما وغيرهما يرون أن الإمام عليه السلام يقسِّم نصف الخمس على الأصناف الثلاثة من السّادة الكرام، فما فضل فهو له، وما نقص أتمّه من حقّه (2) 596.

وحيث إن الفقيه هو نائب للإمام عليه السلام وقائم مقامه فله أن يصنع مثل ذلك، فيقسِّم نصف الخمس في أيتام السَّادة ومساكينهم وأبناء سبيلهم، فإن نقصهم شي ء أتمه من سهم الإمام عليه السلام.

وأما رأي ابن حمزة في التصرف في سهم الإمام عليه السلام فهو تقسيمه على فقراء الشيعة الصلحاء، وهذا ما أوضحه بقوله: وينقسم ستة أقسام: سهم لله تعالى، وسهم لرسوله صلوات الله عليه وآله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة للإمام، وسهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، وإذا لم يكن الإمام حاضراً فقد ذكر فيه أشياء، والصحيح عندي أنه يُقسَّم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل


1- راجع كتاب (الوسيلة إلى نيل الفضيلة)، ص 148- 149.
2- راجع كتاب المقنعة، ص 278. والنهاية، ص 199.

ص: 371

الفقر والصلاح والسداد (1) 597.

قلت: وهذا هو أحد الآراء التي ذكرها المفيد فيما مرَّ من أنه يقسَّم على السَّادة وفقراء الشيعة.

فأين هذا التطور الذي زعمه الكاتب في نظرية الخمس؟!

قال الكاتب: القول الخامس:

واستمر التطور شيئاً فشيئاً في الأزمنة المتأخرة- وقد يكون قبل قرن من الزمان- حتى جاءت الخطوة الأخيرة، فقال بعض الفقهاء بجواز التصرف بسهم الإمام في بعض الوجوه التي يراها الفقيه مثل الإنفاق على طلبة العلم، وإقامة دعائم الدين وغير ذلك كما أفتى به السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقي 9/ 584.

وأقول: لقد أوضحنا أن المسألة لا نصَّ فيها، فلهذا كانت مسرحاً للآراء، فاختلف العلماء في كيفية التصرّف في سهم الإمام عليه السلام بعد ذهاب المشهور إلى وجوب دفع الخمس في زمن الغيبة.

واختلاف الآراء لا غضاضة فيه بعد أن يكون المهم هو الوصول إلى ما هو الصحيح في المسألة.

ونحن عندما نستعرض الآراء في هذه المسألة قديماً وحديثاً نجد أن رأي المتأخرين هو الأقرب للصواب، بل هو الصحيح، وهو الموافق للاحتياط كما هو واضح لمن كان عنده أدنى ذوق فقهي.

والعجيب من الكاتب أنه نسب هذا القول إلى السيد محسن الحكيم قدَّس الله نفسه، مع أنه قول مشهور منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً.


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، ص 148.

ص: 372

قال الكاتب: هذا مع قوله: عدم الحاجة في الرجوع إلى الفقيه في صرف حصة الإمام. وهذا يعني أن صرف حصة الفقيه، هي قضية ظهرت في هذه الأزمان المتأخرةجداً.

وأقول: لا محذور في ظهور هذه الفتوى قبل قرن ونصف أو قرنين من الزمان بعدما كانت موافقة للموازين الشرعية والأدلة الصحيحة.

وأما ذهاب السيّد الحكيم قدس سره في المستمسك إلى عدم الحاجة إلى استئذان صرف سهم الإمام فيما يُحرز فيه رضا الإمام عليه السلام فقد ذكر وجهه في محلّه، فقال:

وكيف كان فلم يتضح ما يدل على تعيين صرف سهمه عليه السلام في جهة معينة، فيشكل التصرف فيه، إلا أن يُحرز رضاه عليه السلام بصرفه في بعض الجهات كما في زماننا هذا، فإنه يُعلم فيه رضاه عليه السلام بصرفه في إقامة دعائم الدين، ورفع أعلامه وترويج الشرع الأقدس، ومؤونة طلبة العلم الذين يترتب على وجودهم أثر مهم في نفع المؤمنين بالوعظ والنصيحة، وبث الحلال والحرام.

إلى أن قال: ومن ذلك يظهر أن الأحوط إن لم يكن الأقوى إحراز رضاه عليه السلام في جواز التصرف، فإذا أحرز رضاه عليه السلام بصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك، بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي كما عن غرية المفيد، وفي الحدائق الميل إليه لعدم الدليل على ذلك، كما اعترف به في الجواهر أيضاً (1) 598.

قلت: ولا يخفى أن عدم الحاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي إنما هي مع إحراز رضا الإمام عليه السلام بصرف سهمه المبارك في جهة خاصّة.

إلا أن الإحراز المذكور ربما لا يتيسَّر لأكثر العوام في هذا العصر، ولا سيما مع قلة الحقوق الشرعية وكثرة مصالح الدين المختلفة التي تستلزم أموالًا طائلة، فتتزاحم


1- مستمسك العروة الوثقى 9/ 582.

ص: 373

تلك المصالح، فلا يلتفت العامي إلى ما هو الراجح فيها، فنرجع بالنتيجة إلى لزوم دفع الحق المبارك إلى الفقيه الذي هو أعرف بمصارفه التي يحرز بها رضا الإمام عليه السلام.

قال الكاتب: فهم ينظرون إلى واقعهم فيرون مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات.

وكذلك ينظرون في حاجاتهم الشخصية، فكيف يمكنهم معالجة هذا كله وتسديد هذه الحاجات؟ علماً أن هذا يتطلب مبالغ طائلة.

فكانت نظرتهم إلى الخمس كأفضل مورد يسد حاجاتهم كلها، ويحقق لهم منافع شخصية وثروات ضخمة جداً، كما نلاحظه اليوم عند الفقهاء والمجتهدين.

وأقول: إن الدليل كما رأينا ليس هو ما زعمه الكاتب من المصالح الشخصية والحاجات الفردية، وإنما هو ما يُحرَز به رضا الإمام عليه السلام، ولا ريب في إحراز رضا الإمام في إنفاق سهمه المبارك في ترويج الدين ودعم الحوزات العلمية، وعلى طلبة العلم الذين صرفوا أعمارهم الشريفة في سبيل ترويج أحكام الدين والذب عن شريعة سيّد المرسلين.

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يزعم أن العلماء ينظرون إلى مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات، فيعمدون إلى الخمس لسد هذه النفقات، مع أنّا لم نسمع بعالم في العراق كانت عنده مطبعة، مضافاً إلى أن نفقات المطابع تسد من بعض دخلها.

ولقد رأينا بعض مراجع التقليد الذين ينفقون الأموال الطائلة في تشييد الدين لا يملكون إلا ما يقيتهم.

وقد حدثني آية الله الشيخ محي الدين المامقاني دام ظله أنه دخل ذات يوم على

ص: 374

مرجع الشيعة في عصره السيد محسن الحكيم قدس سره فرآه مغتماً، فسأله عن سبب همِّه فقال: منذ ثلاثة أيام والعيال ليس عندهم ما يأكلونه. قال: فقلت له: لمَ لا تُنفق عليهم من سهم السادة، فهم سادة وفقراء؟ فقال: لا أحب أن أنفق شيئاً من الحقوق الشرعية على نفسي ولا على عيالي.

قال: ثم دخل علينا رجل من مقلِّدي السيد، فقدَّم للسيد عشرة آلاف دينار، وقال له: أرجو أن تقبل مني هذه الهدية الخالصة من كل حق. فقبلها منه السيد، ودعاله.

وهذا أنموذج واحد من نماذج كثيرة لا داعي لاستقصائها.

وإني لأعجب من هذا الكاتب وأمثاله من الذين لا يرون غضاضة في صرف الحكومات الجائرة لأموال المسلمين الطائلة على الجامعات والكليات التي لا نفع فيها كالكليات المختلطة للموسيقى والفنون والرقص والرسم والرياضة البدنية وغيرها، ويرون حرمة صرف أموال صاحب الزمان عليه السلام المباركة على من يروِّجون أحكام الدين وشرائعه، فما لهم كيف يحكمون؟!

قال الكاتب: إن القضية مرت في أدوار وتطورات كثيرة حتى استقرت أخيراً على وجوب إعطاء أخماس المكاسب للفقهاء والمجتهدين، وبذلك يتبين لنا أن الخمس لم ينص عليه كتاب ولا سنة ولا قول إمام، بل هو قول ظهر في الزمن المتأخر، قاله بعض المجتهدين وهو مخالف للكتاب والسنة وأئمة أهل البيت ولأقوال وفتاوى الفقهاء والمجتهدين المعتد بهم. (1) 599

قول: بل ظهر للقارئ الكريم أن وجوب دفع الخمس في عصر الحضور والغيبة هو رأي كافة الفقهاء المعروفين كالشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 375

الطوسي، والمحقق والعلّامة الحلّيين، وابن إدريس، وابن حمزة، وأبي الصلاح وابن زهرة الحلبيين، والقاضي ابن البراج، والشهيدين، وصاحب الجواهر، والشيخ مرتضى الأنصاري، وكافة المحققين وغيرهم من العلماء قديماً وحديثاً كما مرَّ بيانه.

وقد نُسب القول بتحليل الخمس لثلاثة أو خمسة من العلماء لم تثبت صحة النسبة إلى بعضهم كما مرَّ، وأما من نسب الكاتب هذا القول إليهم فقد عرفت أقوالهم مفصلًا، وأن ما قاله الكاتب كله كذب فاضح وافتراء واضح.

كما ظهر للقارئ العزيز أن القول بوجوب الخمس في عصور الأئمة عليهم السلام وما بعدها هو الموافق للكتاب العزيز، وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، وسيرتهم في نصب الوكلاء وقبض الحقوق الشرعية في كل أزمانهم.

وأما أحاديث التحليل فهي محمولة على إباحة المناكح فقط أو هي والمتاجر والمساكن كما مرَّ بيانه مفصلًا، جمعاً بين الأخبار، وعملًا بالسيرة القطعية في زمن الأئمة عليهم السلام.

وأما ما زعمه الكاتب من أن الخمس مرَّ في أدوار وتطورات فهو غير صحيح، وما ذكره كله راجع إلى مسألة التصرف في سهم الإمام عليه السلام في عصر الغيبة لا إلى أصل وجوب الخمس، وقد أوضحنا أن الاختلاف في هذه المسألة نشأ من عدم وجود نصّ صريح فيها، وأن أصح الأقوال فيها هو ما ذهب إليه المتأخرون من وجوب التصرف في سهم الإمام عليه السلام فيما يُحرَز به رضا الإمام عليه السلام، وقد مرَّ بيان ذلك مفصَّلًا، فلا حاجة لإعادته.

قال الكاتب: وإني أهيب بإخواني وأبنائي الشيعة أن يمتنعوا عن دفع أخماس مكاسبهم وأرباحهم إلى السادة المجتهدين، لأنها حلال لهم هم وليس للسيد أو الفقيه

ص: 376

أي حق فيها، ومن أعطى الخمس إلى المجتهد أو الفقيه فإنه يكون قد ارتكب إثماً لمخالفته لأقوال الأئمة، إذ أن الخمس ساقط عن الشيعة حتى يظهر القائم.

وأقول: هل يتصوّر الكاتب النبيه أن الشيعة سينقادون إليه زرافاتٍ ووحداناً بكلمة (أهيبُ)، وسيتركون أقوال وفتاوى أساطين الطائفة منذ عصر الغيبة وإلى يومنا هذا؟! ولا سيما مع وضوح هويّة الكاتب السُّنّية، وأنه بعيد عن الاجتهاد والفقاهة التي جهل أبسط مبادئها، وهي معرفة الصحيح من الضعيف من الأحاديث، ومعرفة وجه الجمع بين الأخبار المتعارضة.

وأما زعمه أن الأخماس حلال للشيعة فقد أوضحنا بطلانه مفصَّلًا فيما تقدّم، فلا حاجة لتكراره.

وأما زعمه أن من يدفع الخمس يكون آثماً، لأنه يخالف بذلك أقوال الأئمة عليهم السلام، فهو أوضح بطلاناً من سابقه، وذلك لأن الخمس كما مرَّ واجب في عصر الغيبة، فمن أخرجه فقد امتثل أمر الله سبحانه بإخراجه، وأبرأ ذمّته مما تعلق بها من الحق الشرعي، وأحيى فرضاً جحده الناس، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذرّيته، وأعان على إقامة دعائم الدين، وترويج شريعة سيّد المرسلين.

ولو سلّمنا جدلًا بأن الأئمة عليهم السلام قد أباحوا الخمس للشيعة، فأقصى ما هناك أن من أخرجه لا يثاب عليه بعنوان الخمس، ولكنه يثاب عليه بعنوان الصدقة على الفقراء والمساكين من الذرية الطاهرة، أو الإنفاق في سبيل الله، وحسبك بهذا منفعة عظيمة وفائدة جليلة.

قال الكاتب: وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العُظْمَى الإمام الخميني في المسألة، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة

ص: 377

عام 1389 ه- ثم جمعها في كتاب الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه.

فكان مما قال: يقصر النظر لو قلنا إن تشريع الخمس جاء لتأمين معايش ذرية الرسول صلى الله عليه وآله فحسب. إنه يكفيهم ويزيدهم جزء ضئيل من آلاف- كذا قال- جزء من هذه المالية الضخمة بل تكفيهم أخماس سوق واحد كسوق بغداد مثلًا من تلك الأسواق التجارية الضخمة كسوق طهران ودمشق وإسلام بول وما أشبه ذلك، فماذا يصبح حال بقية المال؟

ثم يقول: إنني أرى الحكم الإسلامي العادل، لا يتطلب تكاليف باهظة في شؤون تافهة أو في غير المصالح العامة.

ثم يقول: لم تكن ضريبة الخمس جباية لتأمين حاجة السادة آل الرسول صلى الله عليه وآله فحسب، أو الزكاة تفريقاً على الفقراء والمساكين، وإنما تزيد على حاجاتهم بأضعاف. فهل بعد ذلك يترك الإسلام جباية الخمس والزكاة وما أشبه نظراً إلى تأمين حاجة السادة والفقراء، أو يكون مصير الزائد طعمة في البحار أو دفناً فى التراب، أو نحو ذلك؟

كان عدد السادة ممن يجوز لهم الارتزاق بالخمس يومذاك- يعني في صدر الإسلام- لم يتجاوز المائة، ولو فرضنا عددهم نصف مليون، ليس من المعقول أن نتصور اهتمام الإسلام بفرض الخمس هذه المالية الضخمة، التي تتضخم وتزداد في تضخمها كلما تَوَسَّعَتْ التجارات والصناعات كما هي اليوم، كل ذلك لغاية إشباع آل الرسول صلى الله عليه وآله؟

كلا. انظر كتابه المذكور 1/ 39- 40- 42 طبعة مطبعة الآداب في النجف.

وأقول: كل ما نقله عن السيِّد الخميني قدس سره دال على أن الله لم يشرّع الخمس كله للسادة فقط، بل جزء منه للسّادة، والباقي لمصالح الدين والأمة، وذلك لأن ما زاد على حاجة السّادة يكون للإمام عليه السلام كما مرَّ عن غير واحد من الأعلام.

ص: 378

وهذا هو عين ما قلناه فيما مرَّ من البحوث، ولا إشكال فيه.

قال الكاتب: إن الإمام الخميني يصرح بأن أموال الخمس ضخمة جداً، هذا في ذلك الوقت لما كان الإمام يحاضر في الحوزة، فكم هي ضخمة إذن في يومنا هذا؟ ويصرح الإمام أيضاً أن جزءاً واحداً من آلاف الأجزاء من هذه المالية الضخمة يكفي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فماذا يفعل بالأجزاء الكثيرة المتبقية؟؟ لا بد أن توزع على الفقهاء والمجتهدين حسب مفهوم قول الإمام الخميني.

وأقول: بل لا بد من صرفها فيما يُحرَز به رضا الإمام عليه السلام، أي في ترويج الدين وإقامة دعائمه كما مرَّ مفصَّلًا.

قال الكاتب: ولهذا فإن الإمام الخميني كان ذا ثروة ضخمة جداً في إقامته في العراق حتى أنه لما أراد السفر إلى فرنسا للإقامة فيها فإنه حول رصيده ذاك من الدينار العراقي إلى الدولار الأميركي وأودعه في مصارف باريس بفوائد مصرفية ضخمة.

وأقول: نحن لا نعلم أن السيِّد الخميني قدس سره كانت عنده ثروة ضخمة، ومن المعروف أن والد السيد- الذي لم يكن من أهل العلم- كان ثريًّا جداً، فإن كان عند السيد ثروة ضخمة كما زعم الكاتب فهي من أمواله الخاصة التي ورثها من أبيه، ولم تكن من الحقوق الشرعية أصلًا.

قال الكاتب: إن فساد الإنسان يأتي من طريقين: الجنس والمال، وكلاهما متوافر

ص: 379

للسادة. فالفُروج والأدبار عن طريق المتعة وغيرها، والمال عن طريق الخمس وما يُلقى في العَتبات والمشاهد، فمن منهم يصمد أمام هذه المغريات، وبخاصة إذا علمنا أن بعضهم ما سلك هذا الطريق إلا من أجل إشباع رغباته في الجنس والمال؟؟!!

وأقول: لو درس الكاتب في الحوزة العلمية- كما يزعم- وخالط العلماء لعلم أنهم أزهد الناس في هذه الأمور، وزهدهم وتقواهم أشهر من أن يُذكر، ولو كانوا كما زعم الكاتب منغمسين في الجنس ومتكالبين على جمع الأموال لاشتهر ذلك عنهم وشاع، لأن أمثال هذه الأمور لا يمكن أن تخفى مع كثرة العلماء وتفرّقهم في البلدان.

ولو سلَّمنا أن العلماء كانوا يتمتعون بالنساء فهذا لا يُعيبهم بعدما ثبت أن المتعة كانت مستحبَّة في الإسلام وفعلها أجلاء الصحابة.

وفساد المرء لا يحصل بفعل المستحبات والمباحات الشرعية، وإنما يتحقق باتباع الهوى المُردي الذي يوقع المرء في المحارم والموبقات كما هو واضح.

ولا ريب في أن جملة من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثرت أموالهم وزاد ثراؤهم، فامتلكوا الذهب والفضة والجواري والإماء (1) 600، فهل أصيبوا بالفساد والانحراف من جراء ذلك؟


1- ذكر البخاري في صحيحه 2/ 963 أن جميع مال الزبير خمسون مليون ومائتا ألف (لا يعلم هل هو دينار أو درهم). وأما طلحة فروى الحاكم في المستدرك 3/ 369 أنه لما مات كان في يد خازنه مليون ومائتا ألف درهم، وقُوِّمت أصوله بثلاثين مليون درهم. وروى النسائي في السنن الكبرى 5/ 359، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/ 565 عن عائشة أن أموال أبي بكر في الجاهلية كانت ألف ألف أوقية. وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 76 أن عثمان كان عنده يوم قتل ثلاثون مليون درهم، وخمسمائة وخمسون ألف دينار، وألف بعير بالربذة، وصدقات قيمتها مائتا ألف دينار. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 171 أن عبد الرحمن بن عوف ترك من الذهب ما كان يكسر بالفؤوس، وترك ألف بعير ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع، وصولحت واحدة من نسائه الأربع من ربع الثمن بثمانين ألفاً ... إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وللمزيد راجع كتاب الغدير للأميني 8/ 282- 286.

ص: 380

قال الكاتب: تنبيه: لقد بدأ التنافس بين السادة والمجتهدين للحصول على الخمس، ولهذا بدأ كل منهم بتخفيض نسبة الخمس المأخوذة من الناس حتى يتوافد الناس إليه أكثر من غيره فابتكروا أساليب شيطانية، فقد جاء رجل إلى السيد السيستاني فقال له: إن الحقوق- الخُمس- المترتبة عَلَيّ خمسة ملايين، وأنا أريد أن أدفع نصف هذا المبلغ أي أريد أن أدفع مليونين ونصف فقط، فقال له السيد السيستاني: هات المليونين والنصف، فدفعها إليه الرجل، فأخذها منه السيستاني، ثم قال له: قد وهبتها لك- أي أرجع المبلغ إلى الرجل- فأخذ الرجل المبلغ، ثم قال له السيستاني: ادفع المبلغ لي مرة ثانية، فدفعه الرجل إِليه، فقال له السيستاني: صار الآن مجموع ما دفعته إليَّ من الخمس خمسة ملايين، فقد برئت ذمتك من الحقوق. فلما رأى السادة الآخرون ذلك، قاموا هم أيضاً بتخفيض نسبة الخمس واستخدموا الطريقة ذاتها بل ابتكروا طُرُقاً أُخرى حتى يتحول الناس إليهم، وصارت منافسة (شريفة!) بين السادة للحصول على الخمس، وصارت نسبة الخمس أشبه بالمناقصة، وكثير من الأغنياء قام بدفع الخمس لمن يأخذ نسبة أقل.

وأقول: أي تنافس في هذه المسألة والحال أن كل مكلَّف يدفع الحقوق الشرعية للمرجع الذي يرجع إليه في التقليد؟!

ولهذا لا تجد شيعياً يدفع خمساً لمرجع آخر لا يقلّده بغض النظر عن كونه يأخذ أقل أو أكثر.

وأما القصة التي نقلها عن السيد السيستاني فهي كسائر رواياته التي لا يعوَّل عليها لعدم وثاقة ناقلها.

ولو سلمنا بوقوعها فإن مثل هذه الأمور قد تحدث أحياناً عندما لا يكون المكلف قادراً على دفع ما اشتغلت به ذمّته، فإن المرجع يتسلَّم منه مقداراً من الخمس،

ص: 381

ثم يقرضه إياه (1) 601، ثم يقبضه منه مرة ثانية خمساً، لتبرأ ذمّة المكلف عما في ذمّته من الخمس الذي لا يقدر على سداده، ويحل للمكلف بعد ذلك أن يتصرف في ماله، لأن رقبة المال حينئذ لم يتعلق بها شي ء من الخمس، والمتعلق بذمَّته إنما هو الدين لا الخمس.

هذا هو وجه المسألة التي لم يفهم مدّعي الاجتهاد حقيقتها، فاختلق منها قصة، لا أن المسألة مسألة تنافس وتخفيض نسبة الخمس كما افتراه الكاتب.

قال الكاتب: ولما رأى زعيم الحوزة أن المنافسة على الخمس صارت شديدة، وأن نسبة ما يرده هو من الخمس صارت قليلة، أصدر فتواه بعدم جواز دفع الخمس لكل من هبَّ ودَبَّ من السادة، بل لا يُدْفَعُ إلا لشخصيات معدودة، وله حصة الأسد أو لوكلائه الذين وزعهم في المناطق.

وأقول: إن عدم جواز إعطاء الخمس إلا للوكلاء أمر جار على القاعدة، وذلك لأنه لا يجوز لكل من هبَّ ودَرَج أن يتصرَّف في الحقوق الشرعية كيفما يحلو له، وإنما يصرفها الفقيه المأمون فيما يحرز به رضا الإمام عليه السلام كما مرَّ.

ومن أجل ذلك صدرت من كثير من العلماء فتاوى بتحريم إعطاء الخمس إلا للوكلاء المعروفين، من أجل الحيلولة دون تلاعب من تسوِّل له نفسه بأن يخدع العوام ويأخذ منهم الحقوق الشرعية بغير حق.

وكل من راجع السيّد السيستاني يعرف أنه دام ظله لا يقبض الحقوق الشرعية من أهل العراق، وقد أعطى إذناً عاماً لكل من في ذمَّته حق شرعي أن يصرفه على


1- لأنه إذا أقرضه إياه جاز له التصرف في أمواله باعتبار أنها صارت مخمَّسة، وما يجب عليه دفعه يصير ديناً للمرجع يسدّده إليه وقت استطاعته.

ص: 382

فقراء بلده، فإذا كان هذا حال السيِّد فكيف تصدر منه هذه الألاعيب التي افتراها الكاتب من أجل تجميع الخمس؟!

قال الكاتب: وبعد استلامه هذه الأموال، يقوم بتحويلها إلى ذهب بسبب وضع العملة العراقية الحالية، حيث يملك الآن غرفتين مملوئتين بالذهب. وأما ما يسرقه الوكلاء دون علم السيد فَحَدِّثْ ولا حَرَجَ.

وأقول: هذه فرية باردة واضحة البطلان، فإن عصر تجميع الذهب في الغُرَف قد مضى وفات، ولو أن الكاتب زعم أن السيد يحول المبالغ إلى بنوك سويسرا لأمكن تصديق فريته، وأما الكذب بهذه الصورة المفضوحة فلا يمكن أن يصدّقه إلا الحمقى والمغفّلون.

وإذا كان السيد قد جمع كل هذا الذهب في هاتين الغرفتين فلا أظن أنه سيبقى ذهب في كل العراق أصلًا.

ثم إن من اطَّلع على أحوال السيِّد علم أن بيت السيّد ضيق جداً، ولا يسعه أن يجعل فيه ما يحتاجه من الكتب فكيف يسعه أن يجمع فيه كل هذا الذهب؟

ثم كيف تسنّى للكاتب أن يطّلع على هاتين الغرفتين المزعومتين دون غيره من الناس؟!

وأنا أجزم بأن الكاتب لو كان عنده دليل واحد على مزاعمه الباطلة لذكره، ولكن هذا الخبر قد جاء به من جراب النورة المملوء بالافتراءات والأباطيل، وكم فيه من عجائب وغرائب!!

وأما اتهام وكلاء السيد بأنهم يسرقون الخمس من دون علمه فلا قيمة له، لأن كل كلام لا دليل عليه لا يُعتنى به، والكاتب لم يذكر اسم وكيل واحد سرق من

ص: 383

أموال الخمس.

ولو سلمنا جدلًا بحصول ذلك من بعضهم فالسيّد لا يحاسَب على ما لم يطَّلع عليه، ونحن لا ننزّه كل الناس عن الخيانة، فإن التاريخ حدّثنا بأن بعض وكلاء الأئمة عليهم السلام قد خانوا أماناتهم، فأخذوا ما بحوزتهم من الأموال، كما حصل لبعض وكلاء الإمام الكاظم عليه السلام الذين جحدوا إمامة الرضا عليه السلام لئلا يدفعوا إليه ما بحوزتهم من الأموال.

ولهذا لزم التأكيد على العوام بألا يدفعوا حقوقهم إلا لمن يعرفونه بالصلاح والأمانة والتقوى والورع، دون غير المعروف بذلك.

قال الكاتب: قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: (طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءَها طيباً، والقرآن شعاراً، والدعاء دِثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح .. إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلا أن يكون عَشَّاراً أو عريفاً أو شرطياً) نهج البلاغة 4/ 24.

قارن بين كلام الأمير رضي الله عنه وبين أحوال السادة واحكم بنفسك، إن هذا النص وغيره من النصوص العظيمة ليس لها أي صدى عند السادة والفقهاء، وحياة الترف والنعيم والبذخ التي يعيشونها أَنْسَتْهُم زهد أمير المؤمنين، وأعمت أبصارهم عن تدبر كلامه، والالتزام بمضمونه.

وأقول: لقد اطّلعتُ على أحوال من وسعني معرفتهم من علماء النجف ومراجعها فرأيتهم يعيشون حياة الزهد في الدنيا، والانصراف عن ملذاتها مع ما بأيديهم من الأموال التي لم يستغلوها لمآربهم الشخصية ومصالحهم الذاتية.

ص: 384

فما ورد في حديث أمير المؤمنين عليه السلام منطبق عليهم أتمَّ الانطباق، مع شدّة هذا الزمان المملوء بالمغريات والملذات، فإنهم لو أرادوا أن يستمتعوا بالدنيا لوسعهم ذلك من غير أن يتكلفوا أية مؤونة، ولكنهم ضربوا بكل ذلك عرض الجدار، مؤثرين دار البقاء، وزاهدين في دار الفناء.

ومن أراد أن يطلع على زهد العلماء وانصرافهم عن الدنيا وملذاتها فليطالع الكتب المتكفلة بذلك، ففيها الكثير من قضاياهم وأحوالهم، وليس هذا موضع بيانها.

ونحن بهذه المناسبة ندعو كل منصف لزيارة مراجع النجف الأشرف وقم المقدسة ليطَّلع بنفسه على أحوالهم وزهدهم وانصرافهم عن الدنيا، وليعلم أن كل ما قاله الكاتب ما هو إلا افتراءات مفضوحة وأكاذيب مكشوفة.

قال الكاتب: إن العَشّار هو الذي يأخذ ضريبة العُشر، فلا يستجاب دُعاؤه كما قال رضي الله عنه، فكيف بالخماس؟ الذي يأخذ الخمس من الناس؟ إن الخَمَّاس لا يستجاب له من باب أولى لأن ما يأخذه من الخمس ضعف ما يأخذه العَشَّار، نسأل الله العافية.

وأقول: إنما لا يستجاب دعاء العشَّار لأنه من أعوان الظالمين الذين يجمعون لهم الأموال من الناس بالقهر وبغير حق.

وأما من يقبض الخمس فإنه يقبضه من أهله بحق، ويصرفه في محلّه بحق، فكيف يكون ملعوناً أو مذموماً؟!

ولهذا لا يقال لجابي الزكاة للإمام العادل (إنه عشَّار) مع أنه قد يأخذ العشر وقد يأخذ نصف العشر، وذلك لأنه يأخذها بحق، ويدفعها للإمام العادل الذي يصرفها على مستحقيها.

فبين الأمرين فرق واضح، وليس كل من يتسلّم مالًا فهو عشّار أو ملعون أو

ص: 385

لا يستجاب دعاؤه.

قال الكاتب: تنبيه آخر:

عرفنا مما سبق أن الخمس لا يُعْطَى للفقهاء ولا المجتهدين واتضح لنا هذا الأمر من خلال بحث الموضوع من كل جوانبه، ويحسن بنا أن ننتبه إلى أن الفقهاء والمراجع الدينية يزعمون أنهم من أهل البيت، فترى أحدهم يروي لك سلسلة نسبه إلى الكاظم رضي الله عنه. اعلم أنه يستحيل أن يكون هذا الكم الهائل من فقهاء العراق وإيران وسورية ولبنان ودول الخليج والهند وباكستان وغيرها من أهل البيت، ومَن أحصى فقهاء العراق وجد أن من المحال أن يكون عددهم الذي لا يُحْصَى من أهل البيت، فكيف إذا ما أحصينا فقهاء البلاد الأخرى ومجتهديها؟ لا شك أن عددهم يبلغ أضعافاً مضاعفة، فهل يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً من أهل البيت؟؟

وأقول: من الأخطاء الواضحة التي وقع فيها الكاتب ونحن نبَّهنا عليها فيما سبق أنه يظن أن كل العلماء بل كل طلبة العلم سادة، ولهذا رأيناه يطلق عليهم كلمة (سادة)، كما أنه أطلق في كلامه هنا على طلبة العلم كلمة (فقهاء)، مع أن الأمر ليس كذلك.

وبسبب هذا الظن الفاسد رتّب النتائج التي ذكرها في كلامه، فاستبعد أن يكون كل هؤلاء العلماء وطلبة العلم من السَّادة.

وهذا دليل واضح على أن الكاتب بعيد كل البعد عن جو الحوزة، وأجنبي عن معرفة مصطلحاتها، لأنه لو كان من أهلها لعلم أن بعض أهل العلم سادة، وبعضهم ليسوا كذلك، وبه يندفع إشكاله، وذلك لأن غير السّادة في الحوزة أكثر بكثير من السادة.

ص: 386

قال الكاتب: وفوق ذلك إن شجرة الأنساب تُبَاعُ وتَشْتَرَى في الحوزة، فَمَن أراد الحصول على شرف النسبة لأهل البيت فما عليه إلا أن يأتي بأخته أو امرأته إذا كانت جميلة إلى أحد السادة ليتمتع بها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال، وسيحصل بإحدى الطريقتين على شرف النسبة. وهذا أمر معروف في الحوزة.

وأقول: إن أنساب كثير من السّادة محفوظة ومعروفة ولا سيّما في العراق التي لا تزال فيها العشائر العراقية محافظة على أنسابها وأصولها العربية حتى لو لم تكن منتسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أمر معروف في العراق لا يخفى على أحد.

والسيّادة إنما تثبت بالعلم، أو بالبيّنة، أو بالشهرة بين الناس.

وبهذا أيضاً تثبت سائر الأنساب، وأما الشجرة المزعومة التي يكتبها زيد أو عمرو فلم يقل أحد باعتبارها.

وليس من السهل في الأوساط الشيعية أن يدّعي السيّادة من هو غير معروف بها، وذلك لأن الأسر المنتسبة للذرية الطاهرة معروفة ومحفوظة بحمد الله وفضله.

وأما المهزلة التي ذكرها الكاتب من أن من أراد شجرة نسب فإنه يأتي بأخته أو امرأته إلى أحد السادة ليتمتع بها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال ... فهذا كلام لا يخفى ما فيه من الكذب، ولا يقوله من يخاف الله سبحانه، والكاتب نفسه يعرف أنه باطل مكذوب، فإن عقول الناس ليست بهذه السذاجة، وبذل الأعراض ليست بهذه السهولة التي صوَّرها الكاتب، ولكن:

لي حيلةٌ في مَنْ يَنُمُ وليسَ في الكذَّابِ حيلهْ

مَنْ كانَ يخلقُ مَا يَقُولُ فحيلتي فيه قليلهْ.

ولا ندري لمَ قطع الكاتب بأنه سيِّد وأنه منتسب لأهل البيت عليهم السلام، وشك في

ص: 387

انتساب غيره من الناس؟! هل كانت عنده شجرة نسب صحيحة؟ أم أن شجرة نسبه قد اشتراها من بعض السادة ببعض الأثمان؟! ولا ريب في أن التشكيك في نسب غيره يستلزم التشكيك في نسبه هو أيضاً سواءاً بسواء.

قال الكاتب: لذلك أقول لا يغرنكم ما يصنعه بعض السادة والمؤلفين عندما يضع أحدهم شجرة نسبه في الصفحة الأولى من كتابه ليخدع البسطاء والمساكين كي يبعثوا له أخماس مكاسبهم.

وأقول: إن من يجعل شجرة نسبه في كتابه لا يريد من الناس خمساً، لأنه إذا كان عالماً فإنه يتمكَّن من قبض الحقوق الشرعية من دون حاجة لشجرة النسب.

على أنك لا تكاد تجد عالماً ذكر شجرة نسبه في كتابٍ له إلا القلة القليلة، ولعل الكاتب اطلع على بعض كتب السيد عبد الحسين شرف الدين قدَّس الله نفسه الشريفة، فرأى أن السيد قد أدرج شجرة نسبه في جملة منها، فظن أن كل العلماء هكذا يصنعون للغاية التي تخيلها.

مع أن ذكْر شجرة النسب إما أن يكون من أجل التشرّف بذكر الانتساب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو من أجل تثبيت النسب والمحافظة عليه من النسيان والضياع، أو من أجل دفع توهم من ينفي سيادة صاحب الكتاب، أو لغير ذلك.

قال الكاتب: وفي ختام مبحث الخمس لا يفوتني أن أذكر قول صديقي المناضل الشاعر البارع المجيد أحمد الصافي النجفي رحمه الله، والذي تعرفت عليه بعد حصولي على درجة الاجتهاد فصرنا صديقين حميمين رغم فارق السن بيني وبينه إذ

ص: 388

كان يكبرني بنحو ثلاثين سنة أوأكثر.

وأقول: إذا كان أحمد الصافي النجفي رحمه الله يكبر الكاتب بثلاثين سنة أو أكثر فهذا يعني أن الكاتب وُلد سنة 1344 ه- أو بعدها، لأن الصافي النجفي ولد سنة 1314 ه- وتوفي سنة 1397 ه- (1) 602، فيكون عمْر الكاتب لما نال درجة الاجتهاد بزعمه أقل من ثلاثين سنة، إذا قلنا بأن الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قدس سره أعطاه إجازة الاجتهاد في سنة وفاته وهي سنة 1373 ه-، وأما لو قلنا إن الشيخ أعطاه الاجتهاد قبل وفاته بخمس سنين مثلًا، فإن الكاتب يكون قد بلغ رتبة الاجتهاد وعمره أقل من خمس وعشرين سنة، وهذا نادر جداً يكاد يكون ممتنعاً في عصرنا، ولم يُسمع بواحد من أهل كربلاء حصل على الاجتهاد في هذه السن.

قال الكاتب: عندما قال لي: ولدي حسين، لا تُدَنِّسْ نَفْسَكَ بالخُمس، فإنه سُحْتُ، وناقشني في موضوع الخمس حتى أقنعني بحرمته، ثم ذكر لي أبياتاً كان قد نظمها بهذا الخصوص احتفظتُ بها في محفظة ذكرياتي، وأنقلها للقراء الكرام بنصها، قال رحمه الله:

عجبتُ لقوم شَحذُهم باسم دينِهم وكيف يَسوغُ الشَّحذُ للرجلِ الشَّهمِ

لَئِنْ كان تحصيلُ العلومِ مُسَوِّغًالِذاكَ فإنّ الجهلَ خيرٌ من العِلم!!

وهل كان في عهدِ النبيِّ عِصابَةٌيعيشونَ من مالِ الأنامِ بذا الاسمِ؟

لَئِنْ أوجبَ اللهُ الزكاةَ فلم تَكُنْ لِتُعْطَى بِذُلٍّ بل لِتُؤْخَذَ بالرَّغْمِ

أتانا بها أبناءُ ساسانَ حِرْفَةًولم تكن في أبناءِ يَعْرُبَ مِن قدمِ.

وأقول: إن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من الشعراء، والمكلف يجب عليه اتباع


1- معجم رجال الفكر والأدب في النجف 2/ 793.

ص: 389

النصوص الصحيحة المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، لا قصائد الشعراء.

هذا مع أن القصيدة لا دلالة فيها على ما قاله الكاتب، لأن الشاعر ذمَّ أناساً تزيَّوا بزي العلم، واتخذوا الاستجداء من الناس لهم حرفة، فصاروا يقتاتون بهذه الأموال التي يأخذونها بالذُّل.

وأين هذا من الخمس الذي لا يؤخذ بالاستجداء ولا بالذل، وإنما يدفعه الناس للعلماء بالاختيار وبالإجلال والتعظيم؟!

ولو سلّمنا أن المرحوم أحمد الصافي النجفي قال ذلك وقصَدَه فلا ريب في خطئه واشتباهه، وكلامه لا يعوّل عليه بعد وضوح الأدلة واشتهار النصوص الصحيحة الثابتة عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام الناصَّة على وجوب دفع الخمس في حال الحضور والغيبة كما مرَّ بيانه مفصَّلًا.

ص: 390

الكتب السّماوية

قال الكاتب: لا شك عند المسلمين جميعهم أن القرآن هو الكتاب السماوي المنزل من عند الله على نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلوات الله عليه. ولكن كثرة قراءتي ومطالعتي في مصادرنا المعتبرة، أوقفتني على أسماء كتب أخرى يدعي فقهاؤها كذا أنها نزلت على النبي صلوات الله عليه، وأنه اختص بها أمير المؤمنين رضي الله عنه.

وأقول: ما نسبه الكاتب إلى فقهاء الشيعة من أن تلك الكتب نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس صحيحاً، وإنما بعضها من إملاء رسول الله على أمير المؤمنين عليه السلام، وبعضها من إملاء الملك، وبعضها من تأليف أمير المؤمنين عليه السلام كما سيأتي بيانه قريباً، وليس فيها صحيفة واحدة يُدَّعى أنها أُنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير القرآن الكريم كما سيتضح ذلك قريباً للقارئ الكريم.

قال الكاتب: وهذه الكتب هي: 1- الجامعة:

عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: أبا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما

ص: 391

الجامعة؟! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟

قال: صحيفة طولها سبعون ذراعًا بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شي ء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش .. الخ انظر الكافي 1/ 239، بحار الأنوار 26/ 22.

وهناك روايات أخرى كثيرة تجدها في الكافي والبحار وبصائر الدرجات ووسائل الشيعة إنما اقتصرنا على رواية واحدة رَوْمًا للاختصار.

ولست أدري إذا كانت الجامعة حقيقة أم لا، وفيها كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة!! فلماذا أُخْفِيَتْ إذن؟ وحُرِمنا منها ومما فيها مما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة من حلال وحرام وأحكام؟ أليس هذا كتمان العلم؟

وأقول: لقد عنون الكاتب هذا الفصل بالكتب السماوية، أي الكتب النازلة من السماء، وقال في مقدّمته: (كتب أخرى يدَّعي فقهاؤها أنها نزلت على النبي صلوات الله عليه).

لكن نص الرواية التي نقلها يدل بوضوح على أن (الجامعة) ليست كتاباً سماوياً، وإنما هي من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتابة أمير المؤمنين عليه السلام بخطّه.

وهذا الحديث الذي نقل بعضه فيه بيان ما خُصَّ به أهل البيت عليهم السلام من الصحائف والكتب وما عندهم من العلوم الشرعية والمعارف الإلهية التي لم تكن عند غيرهم من الناس.

و (الجامعة): هي صحيفة أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام، طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والظاهر من الأخبار أنها تشتمل على كل الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وكل ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش كما نصَّ عليه هذا الحديث وغيره (1) 603.


1- راجع بحار الأنوار 25/ 116، 26/ 18، 20، 21، 22، 23، 33، 34، 35، 36، 38، 39، 41، 45، 46، 48، 47/ 26.

ص: 392

ولا أدري لمَ يستعظم الكاتب وجود مثل هذه الصحيفة ويستبعده، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خصَّ أمير المؤمنين عليه السلام بما لم يخص به غيره، وهذا مروي في كتبهم، فقد أخرج الترمذي بسنده عن جابر، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه (1) 604.

وأخرج أحمد والحاكم وغيرهما عن أم سلمة، قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: عدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة بعد غداة، يقول: (جاء علي؟) مراراً. قالت فاطمة: كان بعثه في حاجة. قالت: فجاء بعد. قالت: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكبَّ عليه عليٌّ فجعل يسارُّه ويناجيه، ثم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك، فكان عليٌّ أقرب الناس به عهداً (2) 605.

وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والهيثمي وغيرهم عن ابن عباس قال: كنا نتحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره (3) 606.


1- سنن الترمذي 5/ 639، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الملا علي القاري في شرح الحديث في مرقاة المفاتيح 10/ 471: والمعنى أني بلَّغته عن الله ما أمرني أن أبلّغه إياه على سبيل النجوى. و قال: قال الطيبي رحمه الله: كان ذلك أسراراً إلهية وأموراً غيبية جعله من خزَّانها. قلت: وعند الطبراني في معجمه الكبير 2/ 186 أن الذي قال: (لقد طالت نجواه مع ابن عمه) هو أبو بكر. وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/ 584، والخطيب في تاريخ بغداد 7/ 402.
2- مسند أحمد 6/ 300. المستدرك 3/ 138 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. فضائل الصحابة 2/ 686.
3- الطبقات الكبرى 2/ 338. حلية الأولياء 1/ 68. مجمع الزوائد 9/ 113. المعجم الصغير للطبراني 2/ 69. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 550.

ص: 393

فلا محذور بعد هذا كله في أن يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام بما شاء من العلوم، ولا استبعاد في أن يكتب علي عليه السلام شيئاً مما خصَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم به في صحيفة أسماها أو سُمّيتْ بعد ذلك الصحيفة الجامعة، ولا سيما أن غيره من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يكتبون بعض مسموعاتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كعبد الله بن عمرو بن العاص، كما في حديث البخاري الذي رواه عن أبي هريرة حيث قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولاأكتب (1) 607.

هذا مع نص بعض أعلام أهل السنة على أن عليًّا عليه السلام كان من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين يكتبون حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن الصلاح: اختلف الصدر الأول في كتابة الحديث، فمنهم من كرِه كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه، ومنهم من أجاز ذلك ...

إلى أن قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعَله علي وابنه الحسن وأنس وعبدالله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين (2) 608.

وقال السيوطي: وأباحها- أي كتابة الحديث- طائفة وفعلوها، منهم عمر وعلي وابنه الحسن وابن عمرو وأنس وجابر وابن عباس وابن عمر أيضاً، والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبدالعزيز، وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين (3) 609.

والعجب أن هذا الكاتب وبعض أهل السنة ينكرون حيازة أمير المؤمنين عليه السلام مثل هذه الصحيفة، ولا ينكرون حيازة أبي هريرة لمثل ذلك، فإنهم رووا أن أبا هريرة


1- صحيح البخاري 1/ 38 كتاب العلم، باب كتابة العلم.
2- مقدمة ابن الصلاح، ص 87- 88.
3- تدريب الراوي 2/ 65.

ص: 394

كان عنده وعاءان من العلم بثَّ أحدهما وكتم الآخر.

فقد أخرج البخاري في صحيحه عنه أنه قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثْتُه، وأما الآخر فلو بثثْتُه قُطع هذا البلعوم (1) 610.

فإذا صحَّ عندهم مثل هذا في حق أبي هريرة فكيف لا يصح مثله على الأقل في حق علي عليه السلام الذي صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره إلى أن التحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه، بينما لم تزد صحبة أبي هريرة أكثر من ثلاث سنين قضى أكثرها في البحرين؟! (2) 611 ولا سيما أن أمير المؤمنين عليه السلام كان شديد الحرص على تحصيل العلوم، فكان يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمور الدين والدنيا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على تعليمه كما أخرج الترمذي وحسَّنه عن عبد الله بن عمرو بن هند الحبلي، قال: قال علي: كنت إذا سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني، وإذا سكتُّ ابتدأني (3) 612.

وأخرج ابن سعد عن علي عليه السلام أنه قيل له: مالَك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتُّ ابتداني (4) 613.

فهل يبقى بعد هذا كله استبعاد أو غرابة في أن يملي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام صحيفة جامعة في الحلال والحرام، ولا سيما أن بعض الأحاديث الصحيحة قد نصَّت على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب للأمّة كتاباً، فحِيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب؟

فقد أخرج البخاري- واللفظ له- ومسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن ابن


1- صحيح البخاري 1/ 64.
2- أخرج البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة 4/ 239، بسنده عن أبي هريرة، قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سِنِيَّ أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن.
3- سنن الترمذي 5/ 640.
4- الطبقات الكبرى 2/ 338. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق 2/ 456.

ص: 395

عباس، قال: لما حُضِر (1) 614 رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمربن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده. فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلُّوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (2) 615.

وأخرج مسلم عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس. ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده. فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر (3) 616.

والذي احتمله النووي وغيره أن الذي أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الكتاب هو أن يكتب مهمات أحكام الدين، أو ينص على الخلفاء من بعده (4) 617.

فإن صح الاحتمال الأول (5) 618 فليس بمستبعَد أن يملي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً على أمير


1- أي حضره الموت.
2- صحيح البخاري 7/ 155- 156 كتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني. 9/ 137 كتاب الاعتصام، باب كراهية الخلاف. 6/ 11 كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، 4/ 121 كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 4/ 185 كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم. صحيح مسلم 3/ 1259. مسند أحمد 1/ 324- 325، 336. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 201.
3- صحيح مسلم 3/ 1259. مسند أحمد 1/ 355. وراجع مسند أحمد 1/ 222، 293. المستدرك 3/ 477. مجمع الزوائد 4/ 214، 5/ 181.
4- صحيح مسلم بشرح النووي 11/ 90.
5- الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن ينص على أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده، وذلك لأن مهمات الأحكام كانت مبيَّنة وموضحة في ذلك الحين، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة قبل هذا اليوم، ولأن النص على الخلفاء أهم من إعادة كتابة أحكام مبيَّنة، وبالنص على الخلفاء يندفع كل اختلاف وبلاء وتضليل، ولأن من خفيت عليه مهمات الأحكام فخالفها لا يكون ضالًا بل حتى لو خالفها وهو بها عالم، فإنه يكون فاسقاً لا غير، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يكتب مهمات الأحكام لما حدث اللغط والاختلاف ونسبة الهجر إليه، وما سبب اللغط إلا علمهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد أن ينص على الخلفاء من بعده، ثم إن المناسب في ذلك الوقت- وهو قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأيام قليلة- مع شدة وجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانشغاله بنفسه أن ينص على من يقوم بالأمر من بعده لا كتابة مهمات الأحكام في ذلك الوقت الحرج.

ص: 396

المؤمنين عليه السلام، بعدما حيل بينه وبين كتابةذلك الكتاب، فكتب علي عليه السلام من إملائه صلى الله عليه وآله وسلم صحيفةجامعة مشتملة على كل أحكام الدين من الحلال والحرام.

ثم إنهم رووا أن ابن عباس كان عنده حمل بعير كتباً فيما أخرجه ابن سعد في الطبقات عن موسى بن عقبة، قال: وضع عندنا كُريب حِمْل بعيرٍ أو عِدْل بعيرٍ من كتب ابن عباس، قال: فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا. قال: فينسخها، فيبعث إليه بإحداها (1) 619.

فلا أدري لمَ لا يستعظمون أمثال هذه الأمور عندما تُنسَب إلى كل الصحابة ولا ينكرونها، ويستعظمون أمثالها إذا نُسبَت لعلي بن أبي طالب عليه السلام وينكرونها؟

وأما مسألة كتمان العلم التي أشكل بها الكاتب فليست بمحرَّمة على إطلاقها، فإن العقل والنقل يدلّان على رجحان كتمان العلم عن غير أهله، وعند عدم النفع في إظهاره ونشره، كما يدلّان على وجوبه حال الخوف على النفس أو المال أو العرض، ولهذا لم يعاود النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابة الكتاب بعد أن قال القوم ما قالوا.

وإذا صح وجود (الجامعة) عند أمير المؤمنين عليه السلام فمن الواضح أنه لا يجب عليه بذلها للقوم، وذلك لأنهم لما ردّوا كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته كيف يقبلونه من أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟


1- الطبقات الكبرى 5/ 293.

ص: 397

هذا مع أن أهل السنة رووا كتمان بعض الصحابة لما عندهم من العلوم خشية حصول الضرر عليهم بالإفشاء، ومن ذلك ما مرَّ من كلام أبي هريرة.

وأخرج الطبراني بسنده عن حذيفة قال: والله لو شئت لحدّثتكم ألف كلمة تحبّوني عليها أو تتابعوني وتصدّقوني براً من الله ورسوله، ولو شئت لحدّثتكم ألف كلمة تبغضوني عليها، وتجانبوني وتكذبوني (1) 620.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة عندهم لا حاجة لاستقصائها كلها.

قال الكاتب: 2- صحيفة الناموس:

عن الرضا رضي الله عنه في حديث علامات الإمام قال: وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة. انظر بحار الأنوار 25/ 117، ومجلد 26 ففيه روايات أخرى.

وأنا أتساءل: أية صحيفة هذه التي تتسع لأسماء الشيعة إلى يوم القيامة؟؟!! لو سجلنا أسماء شيعة العراق في يومنا هذا لاحتجنا إلى مائة مجلد في أقل تقدير. فكيف لو سجلنا أسماء شيعة إيران والهند وباكستان وسورية ولبنان ودول الخليج وغيرها؟ بل كم نحتاج لو سجلنا أسماء جميع الذين ماتوا من الشيعة وعلى مدى كل القرون التي مضت منذ ظهور التشيع وإلى عصرنا ...

إلى آخر ما قاله الكاتب في استبعاد أو استحالة اشتمال كتاب واحد على هذه الأسماء الكثيرة جداً.

وأقول: بغض النظر عن أسانيد تلك الروايات التي تذكر هذه الصحيفة


1- المعجم الكبير للطبراني 3/ 180. مجمع الزوائد 1/ 182. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.

ص: 398

المشتملة على أسماء شيعة أهل البيت عليهم السلام وأسماء أعدائهم، فيمكننا الإجابة على ما أشكل به الكاتب بأمور:

1- أن الظاهر من بعض الأخبار أن أسماء الشيعة مكتوبة في صحائف كثيرة، لا في صحيفة واحدة، بل في بعضها أنها مكتوبة في حِمْل بعير.

فقد روى محمد بن حسن الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما وَادَع الحسن عليه السلام معاوية وانصرف إلى المدينة صحبته في منصرفه، وكان بين عينيه حمل بعير لا يفارقه حيث توجَّه، فقلت له ذات يوم: جُعلتُ فداك يا أبا محمد، هذا الحِمْل لا يفارقك حيث ما توجهت؟ فقال: يا حذيفة أتدري ما هو؟ قلت: لا. قال: هذا الديوان. قلت: ديوان ماذا؟ قال: ديوان شيعتنا، فيه أسماؤهم. قلت: جعلت فداك فأرني اسمي. قال: اغد بالغداة. قال: فغدوت إليه ومعي ابن أخ لي، وكان يقرأ ولم أكن أقرأ، فقال: ما غدا بك؟ قلت: الحاجة التي وعدتني. قال: ومَن ذا الفتى معك؟ قلت: ابن أخ لي، وهو يقرأ ولستُ أقرأ. قال: فقال لي: اجلس. فجلست، فقال: عليَّ بالديوان الأوسط. قال: فأُتي به، قال: فنظر الفتى فإذا الأسماء تلوح، قال: فبينما هو يقرأ إذ قال: هو يا عماه، هو ذا اسمي. قلت: ثكلتك أمك انظر أين اسمي؟ قال: فصفح ثم قال: هو ذا اسمك. فاستبشرنا، واستشهد الفتى مع الحسين بن علي عليه السلام (1) 621.

فإذا كانت هذه الصحائف حمل بعير، وأسماء الشيعة مكتوبة مجرّدة عن كل شي ء، فلا امتناع في كونها حاوية على أسماء الشيعة كلهم.

2- لعل المراد بالشيعة هم الموالون لهم حقيقةً المتَّبِعون لأحكامهم عليهم السلام، لا كل من وُلد من أبوين شيعيين، فالشيعة المكتوبة أسماؤهم هم الذين وصفهم الإمام الصادق عليه السلام بقوله: شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى وأهل الخير وأهل الإيمان وأهل الفتح والظفر.


1- بصائر الدرجات، ص 192.

ص: 399

وعنه عليه السلام قال: إياك والسَّفَلة، فإنما شيعة عليٍّ من عفَّ بطنه وفرجه، واشتدَّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

وعنه عليه السلام قال: إن شيعة علي كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة وعلم وحلم، يُعرفون بالرهبانية، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد (1) 622.

والشيعة الموصوفون بهذه الصفات هم الكُمَّل من الشيعة، وليسوا هم بدرجة من الكثرة التي صوَّرها الكاتب، فلا يستبعد أن تكون أسماؤهم مكتوبة في حمل بعير من الكتب.

3- أن أهل السنة رووا في كتبهم ما هو أدهى من ذلك وأعظم، فقد رووا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج للناس كتابين فيهما أسماء كل أهل الجنة، وأسماء كل أهل النار، ولا ريب في أن هذين الكتابين سيكونان حاويين لكل أسماء من خلقهم الله سبحانه وتعالى منذ أن خلق الخليقة، لأن كل واحد من الناس إما أن يكون في الجنة أو في النار، وهذا أعظم من الكتاب الذي أنكره الكاتب.

فقد أخرج الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده، والطبراني في معجمه الأوسط، وأبو نعيم في حليته، وغيرهم، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم ولا يُنقص منهم أبداً. ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم ولا يُنقص منهم أبداً. فقال أصحابه: ففيمَ العمل يا رسول الله إن كان أمْرٌ قد فُرغ منه؟ فقال: سَدِّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يُختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أيَّ عمل، وإن صاحب


1- الكافي 2/ 233.

ص: 400

النار يخُتم له بعمل أهل النار وإن عمل أيَّ عمل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير.

قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب صحيح (1) 623.

ولنا ههنا أن نسأل الكاتب وغيره من أهل السنة: أين صار هذان الكتابان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

ألا يمكن أن يحتفظ بهما أهل بيته ويبقيان عندهم يتوارثونهما، وفيهما أسماء شيعتهم وأسماء أعدائهم؟

4- لو كان المراد بالشيعة هم كل هؤلاء الذين ذكرهم الكاتب فلا استحالة في أن يكون كتاب واحد حاوياً لكل أسمائهم على كثرتها، إذ يحتمل أن يكون مثل هذا الكتاب مكتوباً لا بالطريقة التي نكتب بها كتبنا الآن حتى لا نتصور استيعاب كتاب واحد لكل هذه الأسماء الكثيرة، أو لعله كان حاوياً لكل تلك الأسماء بنحو الإعجاز.

وبهذا يمكن تصحيح اشتمال هذا الكتاب وكتابَي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كل تلك الأسماء الكثيرة مع صغر أحجام هذه الكتب.

قال الكاتب: 3- صحيفة العبيطة:

عن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: وأيم الله إن عندي لصحف كذا كثيرة قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته وأن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة، وما ورد على العرب


1- سنن الترمذي 4/ 449. مسند أحمد بن حنبل 2/ 167. مجمع الزوائد 7/ 187. تفسير الطبري 25/ 7. تفسير القرآن العظيم 4/ 107. حلية الأولياء 5/ 168. جامع العلوم والحكم 1/ 59. كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 154 وعلق عليه الألباني بقوله: إسناده حسن، وهو مخرج في الصحيحة (848). سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 503. الفتح الكبير للنبهاني 1/ 40. صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 79 وقال الألباني: صحيح.

ص: 401

أشد منها، وان فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، مالها في دين الله من نصيب. بحار الأنوار 26/ 37.

إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس فيها كذا نصيب في دين الله فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب.

ثم تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي يُشَمُّ منه رائحة الشعوبية، وسيأتي توضيح ذلك في فصل قادم.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند جداً، فإن راويها هو أبو أراكة، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

ومن جملة رواتها علي بن ميسرة، وأبو الحسن العبدي وهما مجهولا الحال كذلك.

ومنهم: محمد بن علي بن أسباط وهو مهمل في كتب الرجال.

ومنهم: أبو عمران الأرمني وهو موسى بن زنجويه، وهو ضعيف، ضعّفه النجاشي وابن الغضائري (1) 624.

ومنهم: يعقوب بن إسحاق وهو الضبي بقرينة روايته عن أبي عمران الأرمني، وهو أيضاً مجهول لم يوثق في كتب الرجال.

ومنهم: محمد بن حسان وهو الرازي بقرينة رواية الصفار عنه، وهو لم يثبت توثيقه، بل ضعَّفه ابن الغضائري، وقال فيه النجاشي: يُعرَف ويُنكَر بين بين، يروي عنه الضعفاء (2) 625.


1- رجال النجاشي 2/ 342. رجال ابن الغضائري، ص 91. راجع معجم رجال الحديث 19/ 43.
2- رجال النجاشي، ص 239 ط حجرية. رجال ابن الغضائري، ص 95.

ص: 402

هذه هي الرواية التي احتج بها الكاتب، وهي ضعيفة جداً اشتملت على مجاهيل وضعفاء ومهملين، فكيف يصح الاحتجاج بها والتعويل عليها؟!

ومع الإغماض عن سند الرواية فلا بد من حمل القبيلة في الرواية على ما يشمل البطن والفخذ، كبني هاشم وبني أمية مثلًا، بل وعلى مايشمل الفصيلة أيضاً كبني العباس مثلًا، وذلك بقرينة ذكر ستين قبيلة.

ولا ريب في أن بطون القبائل وأفخاذها وفصائلها كثيرة جداً (1) 626، وحينئذ فليس بمستبعد أن يكون ستون من قبائل العرب بالمعنى الذي قلناه ليس لها في الإسلام نصيب، وذلك لأن المسلمين تفرَّقوا إلى مذاهب كثيرة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه.

وأما ذكر القبائل العربية بالخصوص فلأن بعضها لها في الإسلام نصيب، وبعضها ليست كذلك، وأما غير العرب فلم يكن لأحد منهم في دين الله نصيب.

قال الكاتب: 4- صحيفة ذؤابة السيف:

عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف. قال أبو بصير: قال أبو عبد الله: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة. بحار الأنوار 26/ 56.

قلت: وأين الأحرف الأخرى؟ أَلا يُفْتَرَضُ أن تُخْرَجَ حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟ أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها علي بن أبي حمزة، وهو


1- راجع كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) للسويدي لتقف على تفاصيل بطون وأفخاذ القبائل العربية الكثيرة جداً.

ص: 403

البطائني رأس الواقفية، الذي أنكر إمامة مولانا الرضا عليه السلام.

قال ابن الغضائري: علي بن أبي حمزة لعنه الله، أصل الوقف، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام (1) 627.

وقال علي بن الحسن بن فضال: علي بن أبي حمزة كذاب، واقفي متّهم ملعون، وقد رويتُ عنه أحاديث كثيرة، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً (2) 628.

وضعَّفه ابن داود في رجاله، والعلامة في الخلاصة، والمجلسي في الرجال والوجيزة وغيرهم (3) 629.

وروى ابن داود في رجاله عن الرضا عليه السلام أنه قال: أَمَا استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن مريم؟

ومن رواة هذا الخبر القاسم بن محمد وهو الجوهري، بقرينة روايته عن علي بن أبي حمزة، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

وعليه فالرواية ضعيفة السند، لا يصح التعويل عليها في شي ء.

ومع الغض عن سندها فالظاهر أن الرواية لا إشكال فيها عند الكاتب إلا من جهة قوله: (فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة)، وذلك لأن هذه الصحيفة قد ذكرها أهل السنة في كتبهم بأسانيد صحيحة، إلا أنهم ذكروا أنها كانت معلَّقة في قراب سيف أمير المؤمنين عليه السلام، ولا منافاة في البين، فلعلها كانت في قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم صارت إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فعلّقها في قراب سيفه.


1- رجال ابن الغضائري، ص 83.
2- رجال العلامة، ص 231.
3- رجال ابن داود، ص 259. رجال العلامة، ص 231. الوجيزة، ص 118. رجال المجلسي، ص 255.

ص: 404

فقد أخرج البخاري- واللفظ له- ومسلم وأحمد والنسائي وابن حبان والبيهقي والحاكم وأبو نعيم وأبو عوانة والحميدي وغيرهم بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلَّقة، فقال: والله ما عندنا من كتاب يُقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة. فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلًا. وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلًا، وإذا فيها: مَنْ والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولاعدلًا (1) 630.

وفي بعضها أنه عليه السلام ذكر أن عنده صحيفة، لكنه لم ينص على أنها في قراب السيف، وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة عندهم.

منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه، وأبو داود وابن ماجة والنسائي والدارمي في سننهم، وأحمد في مسنده، وغيرهم، بأسانيدهم عن الشعبي عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يُقتل مسلم بكافر (2) 631.


1- صحيح البخاري 4/ 2278. صحيح مسلم 2/ 995، 1147، 3/ 1567. صحيح ابن حبان 13/ 216. المستدرك على الصحيحين 4/ 153 ط حيدرآباد. مسند أحمد 1/ 118، 119، 152. سنن البيهقي الكبرى 8/ 29، 9/ 250. سنن النسائي 8/ 392. السنن الكبرى للنسائي 2/ 486، 5/ 208. مسند أبي عوانة 3/ 239، 240، 5/ 76. شعب الإيمان 6/ 189. حلية الأولياء 4/ 131. مسند الحميدي 1/ 23.
2- صحيح البخاري 1/ 62، 2/ 937، 4/ 2154، 2156. سنن النسائي بشرح السيوطي 8/ 392. سنن أبي داود 2/ 216. سنن ابن ماجة 2/ 887. السنن الكبرى للنسائي 4/ 220. سنن الدارمي 2/ 633. مسند أحمد 1/ 79، السنن الكبرى للبيهقي 9/ 226.

ص: 405

وأخرج البخاري في صحيحه، والترمذي في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم، بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شي ء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرَمٌ ما بين عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَل منه صرف ولا عدل، وقال: ذمَّة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (1) 632.

وأكثر تلكم الروايات المروية عندهم ظاهرة في أن تلك الصحيفة كانت مشتملة على أمور أخرى غير ما ذُكر في الحديث، بدليل تفاوت الأحاديث طولًا وقصراً في بيان ما حوتْه تلك الصحيفة.

ومن غير البعيد أن تحتوي تلك الصحيفة على قواعد كلية عامة عُبِّر عنها في الحديث ب- (أحرف يَفْتَح كلُّ حرف منها ألفَ حرف).

ولعل المراد بالحرفين اللذين خرجا قاعدة (لا يُقتل مسلم بكافر)، وقاعدة (من تولَّى قوماً بغير إذن مواليه)، فإنهما قاعدتان ينفتح منهما مسائل كثيرة متشعبة.

وأما العلة التي من أجلها أخفى الإمام عليه السلام باقي ما في الصحيفة إلا اليسير الذي خرج منها، فلا ندري بها، والإمام عليه السلام أعرف بتكليفه، وهو عليه السلام أدرى بأهل عصره، ونحن لسنا مكلَّفين به على فرض تحقّقه.

هذا مع أن أحاديث أهل السنة ظاهرها أنه عليه السلام أظهر شيئاً منها لا كلّها، وعليه فالإشكال نفسه يرد عليهم، بل وروده عليهم أولى باعتبار صحَّة أحاديث الصحيفة عندهم، وعدم اعتقادهم بأن الإمام عليه السلام كان يتَّقي من أهل عصره.


1- صحيح البخاري 1/ 553، 2/ 979، 981، 4/ 2110. سنن الترمذي 4/ 438. السنن الكبرى للبيهقي 5/ 196. مسند أحمد 1/ 81.

ص: 406

قال الكاتب: 5- صحيفة علي، وهي صحيفة أُخرى وُجِدَتْ فى ذؤابة السيف:

عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة مَن قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه، ومن أحدث حدثاً أو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صَرْفاً ولا عَدْلًا. بحار الأنوار 27/ 65، 104/ 375.

وأقول: إن الكاتب ذكر أن هذه الصحيفة كانت لعلي عليه السلام وُجِدَت في ذؤابة سيفه، مع أن الرواية نصَّت على أنها كانت في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد ذلك في الرواية السابقة.

وقد ذكر أيضاً أنها صحيفة أخرى لعلي عليه السلام، مع أن هذا لا يظهر من الرواية التي ساقها، فلعلّ هذه الصحيفة هي عين تلك الصحيفة.

قال الكاتب: 6- الجفر: وهو نوعان: الجفر الأبيض والجفر الأحمر:

عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن عندي الجفر الأبيض.

قال: قلت: أي شي ء فيه؟

قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام .. وعندي الجفر الأحمر.

قال: قلت: وأي شي ء في الجفر الأحمر؟

قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.

ص: 407

فقال له عبد الله بن أبي اليعفور كذا: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم. أصول الكافي 1/ 24.

وأقول: أما الجفر الأبيض فلا نرى ما يدعو إلى إنكار وجوده عند أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك لأنَّا تلقَّينا من الثقات الأَثبات أن الكتب المذكورة كانت عندهم عليهم السلام وفي حوزتهم، فكيف يجوز لنا ردّه وإنكاره ولا سيما مع ورود النهي عن ردّ ما قاله أهل الكتاب مما لم تثبت صحَّته ولم يتّضح بطلانه.

فقد أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَيكُم الآية (1) 633.

وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أبي نملة الأنصاري،


1- صحيح البخاري 9/ 136 كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شي ء، 3/ 237 كتاب الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، 6/ 25 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة. تنبيه: الرواية التي نقلناها بلفظ البخاري من كتاب الاعتصام فيها تصريح بأن قوله (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم) آية من القرآن، ولهذا عقّب الجملة بقوله: (الآية) كما في الطبعة المصرية، مطابع الشعب سنة 1378، وإن كانت كلمة (الآية) قد حُذفت من الطبعة المحققة بتحقيق الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري 4/ 2296، طبع المكتبة العصرية في لبنان، سنة 1417 ه-، مع أنهما أدرجا الجملة بين قوسين قرآنيين، وأشارا في الحاشية إلى أنها الآية 136 من سورة البقرة مع إدراج كلمة (إليكم) داخل القوسين بغير الخط القرآني. وهذا يدل أنهما قد تنبَّها إلى أن كلمة (إليكم) ليست من الآية، لكنهما لم ينبِّها القارئ على ذلك ستراً على البخاري، وخشية من فضيحة أهل السنة الذين يرونه كله صحيحاً.

ص: 408

عن أبيه: أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود مرَّ بجنازة، فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أعلم. فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا بالله ورسله. فإن كان باطلًا لم تصدّقوه، وإن كان حقاً لم تكذّبوه (1) 634.

ولا ندري لمَ استحل أهل السنة تكذيب شيعة أهل البيت عليهم السلام ورواة أحاديثهم، ولم يستحلوا تكذيب أخبار اليهود والنصارى ورواتهم، مع أن العلة المانعة من التكذيب متحققة في الموردين على السواء؟!

هذا مع أنهم رووا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عنده زاملتان (2) 635 من كتب أهل الكتاب.

فقد قال ابن كثير في تفسيره: كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما (3) 636.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن عمرو: وقد روى عبدالله أيضاً عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وسراقة بن مالك، وأبيه عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي الدرداء، وطائفة، وعن أهل الكتاب، وأدمن النظر في كتبهم، واعتنى بذلك (4) 637.

وقال في تذكرة الحفاظ: وكان أصاب جملة من كتب أهل الكتاب، وأدمن النظر فيها، ورأى فيها عجائب (5) 638.


1- سنن أبي داود 3/ 318 حديث 3644. مسند أحمد 4/ 136. المستدرك على الصحيحين 3/ 358. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 52. شرح السنة 1/ 268.
2- الزاملة: هو البعير الذي يحمل عليه الرجل متاعه وطعامه. والزاملتان حمل بعيرين.
3- تفسير القرآن العظيم 1/ 4.
4- سير أعلام النبلاء 3/ 81.
5- تذكرة الحفاظ 1/

ص: 409

وقال ابن حجر: إن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدِّث منها، فتجنَّب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين (1) 639.

فلا ندري بعد هذا لمَ صدّقوا بحيازة عبد الله بن عمرو لهذه الكتب وأنكروا حيازة أئمة أهل البيت عليهم السلام لها؟

وأما الجفر الأحمر فهو السلاح كما ورد في الخبر، وحيازتهم عليهم السلام للسلاح ليس أمراً مستغرباً حتى تتوجّه أصابع الاتهام للرواة بالتكذيب.

وكيف كان فلا نرى في ثبوت حيازتهم عليهم السلام للجفر الأبيض والجفر الأحمر غرابة، ولا منافاة لآية محكمة أو سُنّة ثابتة حتى يصر أهل السُّنّة على إنكارها والتشنيع بها.

قال الكاتب: وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر، من الذي يفتحه ودم مَن الذي يُراق؟

فقال: يفتحه صاحب الزمان عجل الله فرجه، ويريق به دماء العامة النواصب- أهل السنة- فيمزقهم شذَرَ مَذَرَ، ويجعل دماءَهم تجري كدجلة والفرات، وَلَيَنْتَقِمَنَّ من صَنَمَيّ قريش- يقصد أبا بكر وعمر- وابنتيهما- يقصد عائشة وحفصة- ومن نعتل كذا- يقصد عثمان- ومن بني أمية والعباس فينبش قبورهم نبشا.

وأقول: ما نقله عن السيّد الخوئي قدّس الله نفسه الزكيّة غير صحيح، وهو مِثْل نقولاته السابقة التي لا يُعوَّل عليها ولا يؤخذ بها.

مضافاً إلى أن هذا الكلام مخالف لفتاوى السيد الخوئي المعروفة، لأنه قدس سره لا


1- فتح الباري 1/ 167. ونقله المباركفوري عن ابن حجر في تحفة الأحوذي 7/ 359.

ص: 410

يرى أن أهل السنّة كلهم نواصب (1) 640، بل يفرِّق بين الناصبي والمخالف، ولا يعتبر كل مخالف ناصبياً، ولهذا حكم بنجاسة النواصب وكفرهم وعدم حرمة دمائهم وأموالهم، دون المخالفين.

قال قدس سره في بحث درسه تعليقاً على قول صاحب العروة: (لا أشكال في نجاسة الغلاة والنواصب):

وهم- أي النواصب- الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتُظهر البغضاء لأهل البيت عليهم السلام ... ولا شبهة في نجاستهم وكفرهم، وهذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب، لأن الكفر فيها إنما هو في مقابل الإيمان، ولم يُرَد منه ما يقابل الإسلام، بل لما رواه ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (وإياك أن تغتسل من غُسالة الحمَّام، ففيها تجتمع غُسالة اليهودي، والنصراني، والمجوسي، والناصب لنا أهل البيت، فهو شرّهم، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه). حيث إن ظاهرها إرادة النجاسة الظاهرية الطارئة على أعضاء الناصب لنَصبه وكفره، وهذا من غير فرق بين خروجه على الإمام عليه السلام وعدمه، لأن مجرد نَصب العدواة وإعلانها على أئمة الهدى عليهم السلام كافٍ في الحكم بكفره ونجاسته، وقد كان جملة من المقاتلين للحسين عليه السلام من النُّصَّاب، وإنما أقدموا على محاربته من أجل نَصبهم العدواة لأمير المؤمنين وأولاده. ثم إن كون الناصب أنجس من الكلب لعلّه من جهة أن الناصب نجس من جهتين، وهما جهتا ظاهرِه وباطنه، لأن الناصب محكوم بالنجاسة الظاهرية لنصبه، كما أنه نجس من حيث باطنه وروحه، وهذا بخلاف الكلب، لأن النجاسة فيه من ناحية ظاهره فحسب (2) 641.


1- الناصبي: هو من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، بحربهم أو قتلهم أو ضربهم أو سبّهم أو إهانتهم أو تنقيصهم أو جحد مآثرهم المعلوم ثبوتها لهم، أو نحو ذلك.
2- التنقيح في شرح العروة الوثقى 2/ 75.

ص: 411

وكلامه قدس سره واضح في أنه يرى كفر الناصبي ونجاسته، دون المخالفين للشيعة، وهم أهل السنة وغيرهم من غير الفِرَق الإسلامية الأخرى كالزيدية والإسماعيلية والمعتزلة وغيرهم.

وأما ما نسبه للسيّد الخوئي قدس سره من أن صاحب الزمان سيقتل أهل السُّنة إذا خرج، وسيفرّقهم شذر مذر، فهي نسبة باطلة، وذلك لأن الأخبار لا تدل على ذلك، وإنما دلَّت الأحاديث المتواترة عند الفريقين على أنه عليه السلام سيملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنه سينشر الحق في أرجاء المعمورة، وسيمحق كل ضلال وباطل، لتبقى كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

ولا ريب في أن تحقق هذا الأمر لا يتأتى إلا بحرب سلاطين الجور وأعوانهم، فإنهم لن يُسَلّموا له طواعية واختياراً، بل سيحاربونه بما لديهم من عَدَدٍ وعُدَّة، وأما الذين اتّبعوا الحق ورضوا به فلا شأن له بهم، سُنّة كانوا أم غيرهم.

والطريف أنه في الوقت الذي لا نرى رواية واحدة عند الشيعة تخبر أن الإمام المهدي عليه السلام سيقتل أصحاب المذاهب الأخرى ومنهم أهل السنة، نجد أن بعض الروايات السُّنّية تنص على أن أتباع السفياني- وهم من أهل السنة- سيقتلون شيعة أهل البيت عليهم السلام في الكوفة.

فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن أبي رومان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم ينفتق عليهم فتق من خلفهم، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، ويقتلون شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي (1) 642.


1- المستدرك على الصحيحين 4/ 501 ط حيدرآباد.

ص: 412

قال الكاتب: قلت: إن قول الإمام الخوئي فيه إسراف إذ أن أهل البيت عليهم السلام، أجل وأعظم من أن ينبشوا قبر ميت مضى على موته قرون طويلة.

إن الأئمة سلام الله عليهم كانوا يقابلون إساءة المسي ء بالإحسان إليه والعفو والصفح عنه، فلا يعقل أن ينبشوا قبور الأموات لينتقموا منهم ويقيموا عليهم الحدود فالميت لا يُقامُ عليه حد، وأهل البيت سلام الله عليهم عُرِفُوا بالوداعة والسماحة والطيب.

وأقول: صحيح أن أهل البيت عليهم السلام رحمة مهداة لهذه الأمة كجدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنا لا نحتم عليهم بشي ء ولا نعلّمهم تكليفهم، فهم أعرف بما يصنعون، وأما نبش القبور فهو راجع إليهم، فإن صنعه صاحب الزمان عليه السلام فهو حق، وإن تركه فهو أيضاً حق، وعِلْمه عند الله سبحانه، ولسنا مكلَّفين باعتقاد أو ردّ هذه الحوادث، لأنها من علم الغيب الذي لا يلزمنا الجزم فيه بشي ء.

ومن الواضح أن الكاتب أخذ بعض ما نسبه للخوئي من بعض المرويات التي لم يحقّق في أسانيدها، وأضاف إليها بعضاً آخر من عنده، فنسب الجميع للخوئي قدّس الله نفسه زوراً وبهتاناً.

قال الكاتب: 7- مصحف فاطمة:

أ- عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: (وعندنا مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله وخط علي رضي الله عنه بيده) بحار الأَنوار 26/ 41.

ب- وعن محمد بن مسلم عن أحدهما رضي الله عنه (.. وَخَلَّفَتْ فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط

ص: 413

علي) البحار 26/ 42.

ج- عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله رضي الله عنه (.. وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام، أما والله ما فيه حرف من القرآن ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وخط علي) البحار 26/ 48.

وأقول: مصحف فاطمة عليها السلام هو كتاب فيه علم ما يكون وأسماء من يملكون إلى قيام الساعة، بإملاء جبرئيل عليه السلام وبخط علي بن أبي طالب عليه السلام، كما دلَّت عليه الأخبار الكثيرة كخبر حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيّه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزَّ وجل، فأرسل الله إليهاملَكاً يسلّي غمّها ويحدّثها، فشكَت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إذا أحسستِ بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كل ما سمع، حتى أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شي ء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون (1) 643.

وفي صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام (2) 644.

فإن قال قائل: إن ادِّعاء تكليم الملائكة غير الأنبياء باطل، فلا يصح ادعاء سماع فاطمة وعلي عليه السلام كلام الملائكة عامة أو جبريل خاصة.


1- الكافي 1/ 240.
2- المصدر السابق 1/ 241.

ص: 414

أجبناه على ذلك بأمور:

1- أن الأحاديث التي أخرجها حفَّاظ الحديث من أهل السنة قد دلَّت على أن الناس لو استقاموا لصافحتهم الملائكة.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والحميدي والطيالسي وابن حبان وغيرهم عن حنظلة التميمي الأسيدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا حنظلة، لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم أو في طُرُقكم (1) 645.

وفي رواية أخرى، قال: لو كنتم تكونون إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكُفِّها، ولزارتكم في بيوتكم (2) 646.

وعلى ذلك يُحمل تكليم الملائكة لمريم عليها السلام فيما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز، إذ قال

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (3) 647.

وعليه فهل يحق لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينفي عن أمير المؤمنين عليه السلام


1- صحيح مسلم 4/ 2106- 2107. سنن الترمذي 4/ 666 وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة 2/ 1416. مسند أحمد 2/ 305، 3/ 175، 4/ 178، 346، الجامع الصغير 2/ 428 حديث رقم 7418، 7419. مسند أبي داود الطيالسي، ص 191. شرح السنة 1/ 167. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/ 240- 241. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 415- 416، وصحيح الجامع الصغير 2/ 931، 1190، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 606.
2- مسند أبي داود الطيالسي، ص 337.
3- سورة مريم، الآيات 16- 21.

ص: 415

وسيدة نساء العالمين عليها السلام الاستقامة التي تؤهّلهما لأن تتحدَّث معهما الملائكة في بيتهما؟!

2- أن بعض أحاديثهم وأقوالهم تطابقت على أن بعض صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت الملائكة تسلِّم عليه وتصافحه ويراهم عياناً.

ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عمران بن حصين- في حديث- قال: وقد كان يُسَلَّم عليَّ حتى اكتويتُ فتُرِكْتُ، ثم تَركْتُ الكَيّ فعاد (1) 648.

وأخرج ابن سعد عن قتادة: أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فتَنَحَّتْ (2) 649.

قال الذهبي في ترجمة عمران بن حصين: وكان ممن يسلّم عليه الملائكة ...

وقال: وكان به داء الناصور فاكتوى لأجله، فقال: اكتوينا فما أفلحن ولا أنجحن. وروينا أنه لما اكتوى انقطع عنه التسليم مدة ثم عادإليه (3) 650.

وقال ابن حجر: وكانت الملائكة تصافحه قبل أن يكتوي (4) 651.

وقال النووي: كانت الملائكة تسلّم عليه ويراهم عياناً كما جاء مصرحاً به في صحيح مسلم (5) 652.

إلى غير ذلك مما لا يُحصى كثرة، ولا نحتاج إلى تتبّعه واستقصائه (6) 653.


1- صحيح مسلم 2/ 899.
2- الطبقات الكبرى 4/ 288.
3- تذكرة الحفاظ 1/ 29- 30.
4- تهذيب التهذيب 8/ 112.
5- تهذيب الأسماء واللغات 2/ 36.
6- راجع إن شئت سنن أبي داود 4/ 5. مسند أحمد 4/ 427. المستدرك 3/ 472. أسد الغابة 4/ 138. الإصابة 3/ 26، 27. سير أعلام النبلاء 2/ 508، 510، 511. شذرات الذهب 1/ 58. تاريخ الإسلام 3/ 275، 276. البداية والنهاية 8/ 62.

ص: 416

3- أن الأحاديث المروية الدالة على سماع جمع من الصحابة كلام الملائكة ورؤيتهم وسلامهم عليهم وكلامهم معهم لا تُحصى كثرة.

منها: ما أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما أنا أصلّي إذ سمعتُ متكلماً يقول: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، بيدك الخير كله، إليك يرجع الأمر كله، علانيته وسرّه، فأهل أن تُحمد، إنك على كل شي ء قدير، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملًا زاكياً ترضى به عني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك ملَك أتاك يعلِّمك تحميد ربك (1) 654.

ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابنا (كشف الحقائق)، فإنا ذكرنا هناك جملة وافرة منها (2) 655.

ومن كل ذلك نخلص إلى أن سماع أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين حديث الملَك أو جبرئيل عليه السلام ممكن الوقوع، بل إن ذلك غير مستبعد منهما، ولا سيما بعدما رأينا بعض الأحاديث الصحيحة عندهم التي دلَّت على تكليم الملائكة وسلامهم ومصافحتهم لمن هو دونهما، فالجرأة على إنكار سماع علي وفاطمة صوت الملَك خطأ بيِّن فاحش لا يجوز لمسلم أن يقدم عليه، لأنه طعن واضح في العترة النبوية الطاهرة، أعاذنا الله من ذلك.

قال الكاتب: قلت: إذا كان الكتاب من إملاء رسول الله صلوات الله عليه وخط علي، فلم كتمه عن الأمة؟ والله تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وآله أن يبلغ كل ما أنزل إليه قال الله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بَلَّغْتَ


1- مسند أحمد 5/ 396.
2- كشف الحقائق، ص 136- 139.

ص: 417

رسالته (المائدة/ 67).

فكيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن؟ وكيف يمكن لأمير المؤمنين رضي الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم؟!

وأقول: الأمر بالتبليغ في الآية لم يتعلّق بتبليغ كل ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما المراد هو تبليغ أمرٍ مخصوص أُريد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبليغه للناس، وإلا لو كان المراد هو تبليغ الرسالة كلها لكان معنى الآية متهافتاً، فإنه لا معنى لأن يقال: بلِّغْ كل ما أنزل إليك، فإن لم تبلغ كل ذلك فإنك حينئذ لم تبلغ رسالته، فإنه من البديهي أنه إذا لم يبلغ كل ما أُنزل إليه فهو لم يبلغ الرسالة.

ومنه يتضح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أُمر بتبليغ شي ء مخصوص، وهو تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده كما دلَّت عليه بعض الأحاديث التي سنذكر بعضها، وبما أن هذا ليس هو موضوع بحثنا فلا داعي للخوض فيه وإثباته، ولا سيما بعد دلالة بعض أحاديث أهل السنةعليه.

ثم كيف يكون المراد بالتبليغ ما ذكره الكاتب والآية من سورة المائدة التي نزلت في أخريات الدعوة.

قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: المائدة مدنية.

وأخرج أحمد وأبو عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي وابن المنذروالحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال: حججتُ فدخلتُ على عائشة فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحِلّوه، وما وجدتم من حرام فحرِّموه.

وأخرج أحمد والترمذي وحسَّنه والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في

ص: 418

سننه عن عبد الله بن عمرو قال: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح (1) 656.

فلا مناص حينئذ من أن يكون التبليغ في الآية متعلقاً بأمر مهم أريد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيانه في نهاية دعوته، وإلا فلا معنى لتهديده بأنه إذا لم يبلغ ذلك الأمر فحاله حال من لم يبلغ الرسالة.

ثم إن وعده صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله سيعصمه من الناس يدل على أن الأمر صعب وأنه ثقيل على الناس بحيث يُتوقَّع حصول الضرر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من جراء هذا التبليغ.

وليس هناك شي ء كهذا إلا أمر الخلافة والنص على أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا المعنى هو ما رواه القوم في كتبهم.

قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها لرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليًّا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (2) 657.

ولو سلَّمنا بأن مفاد الآية هو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ الرسالة كلها فلا ينافي التبليغ تخصيص بعض الصحابة بعلوم وأسرار خاصة، فإن ذلك نوع تبليغ، لأن التبليغ إما أن يكون للناس كافة أو إلى أفراد مخصوصين.

ولهذا ناجى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليًّا عليه السلام، فطالت نجواه معه في يوم الطائف فيما أخرجه الترمذي في سننه عن جابر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انتجيته


1- الدر المنثور 3/ 3.
2- نفس المصدر 3/ 117.

ص: 419

ولكن الله انتجاه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأجلح، وقد رواه غير ابن فضيل عن الأجلح. ومعنى قوله: (ولكن الله انتجاه) يقول: إن الله أمرني أن أنتجي معه.

هذا مع أنهم رووا في أحاديث الصحيفة التي سبق ذكرها أنه صلى الله عليه وسلم قد اختص عليًّا عليه السلام بها، فكيف جاز ذلك هناك ولم يجز هنا، مع أن ما في الصحيفة هو أحكام شرعية تحتاج إليها الأمة، وأما مصحف فاطمة عليها السلام فيحتوي على أخبار ما كان وما يكون كما مرَّ، وهي أمور لا يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبليغها للأمة، وإنما يجب عليه تبليغ الشريعة فقط.

قال الكاتب: 8- التوراة والإنجيل والزبور:

عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسيريانية. انظر الحجة من الكافي 1/ 207 باب إن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل، وإنهم يعرفونها كلها على اختلاف ألسنتها.

وأقول: لا يوجد حديث بهذا اللفظ في كتاب الكافي في الباب المذكور، ولا يشتمل هذا الباب إلا على حديثين ضعيفين:

الحديث الأول: أحد رواته الحسن بن إبراهيم، وهو مجهول الحال.

قال المولى محمد باقر المجلسي قدس سره: في سنده مجهول (1) 658.

والحديث الثاني: من رواته سهل بن زياد، وبكر بن صالح، ومحمدبن سنان.

أما سهل بن زياد ومحمد بن سنان فقد مرَّ بيان حالهما.


1- مرآة العقول 3/ 24.

ص: 420

وأما بكر بن صالح فقد ضعَّفه النجاشي في رجاله، فقال: بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبة، روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام، ضعيف (1) 659.

وقال ابن الغضائري: بكر بن صالح الرازي ضعيف جداً، كثير التفرد بالغرائب (2) 660.

وضعَّفه العلَّامة في الخلاصة بنحو ما قاله ابن الغضائري (3) 661.

قال المامقاني قدس سره: ضعْف بكر بن صالح الضبي الرازي الراوي عن الكاظم عليه السلام مما لا ينبغي الريب فيه، واشتراك غيره معه من دون تمييز صحيح يُسقِط كل رواية لبكر بن صالح- أيّ بكر كان- عن الاعتبار (4) 662.

ولو سلَّمنا بصحة الحديثين فلا محذور فيهما، وذلك لأن الحديث الأول ظاهر في جواز الاحتجاج على النصارى بالإنجيل، والإمام موسى بن جعفر قرأ على بُرَيْه ما يحجُّه ويلزمه، ولهذا أسلم في الحال، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل على نبوّة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه العزيز إذ قال:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ الآية (5) 663.

قال ابن كثير: هذه صفة محمد في كتب الأنبياء، بشَّروا أُممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم (6) 664.


1- رجال النجاشي 1/ 270.
2- رجال ابن الغضائري، ص 44.
3- رجال العلامة الحلي، ص 207.
4- المصدر السابق 1/ 179.
5- سورة الأعراف، الآية 157.
6- تفسير القرآن العظيم 2/ 251.

ص: 421

والاحتجاج بالتوراة والإنجيل على أهل تلك الملل جائز لا ضير فيه، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر (رض) أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا: نُحمِّمُهما (1) 665 ونضربهما. فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مِدْراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفَّه على آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم. فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يجنأ عليها (2) 666، يقيها الحجارة (3) 667.

ولهذا أفتى مَن وقفنا على فتاواه من العلماء بجواز اقتناء التوراة والإنجيل، بل كتب الضلال كلها لنقضها أو للاحتجاج بها على من يعتقدبها.

وعليه، فلعل اقتناء أهل البيت عليهم السلام لهذه الكتب كان لأجل هذه الغاية، فلا يستخرجون شيئاً منها إلا وقت الحاجة إليه، كما صنع الإمام عليه السلام مع بُريه.

وقد ورد ما يشهد لذلك في كتبهم، فقد أخرج أبو عمرو الداني في سُننه، عن ابن شوذب قال: إنما سُمّي المهدي لأنه يُهدَى إلى جبل من جبال الشام، يستخرج منه أسفار التوراة، يحاج بها اليهود، فيسلم على يديه جماعة من اليهود (4) 668.

وعن كعب قال: إنما سُمّي المهدي لأنه يهدى إلى أسفار من أسفار التوراة، يستخرجها من جبال الشام، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة،


1- أي نسكب عليهما الماء الحميم، وقيل: نجعل في وجوههما الحمَّة، أي السواد.
2- أي يحني ظهره عليها.
3- صحيح البخاري 6/ 46 كتاب التفسير، سورة آل عمران، 9/ 205 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر، باب الرجم في البلاط، وصفحة 214 باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم 3/ 1326.
4- العرف الوردي في أخبار المهدي (المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي) 2/ 81.

ص: 422

ثم ذكر نحواً من ثلاثين ألفاً (1) 669.

ومما ينبغي بيانه ههنا أن الكتب السماوية التي في أيدي الناس لا ريب في كونها من كتب الضلال، بسبب ما دخلها من التحريف، وأما ما عند أهل البيت عليهم السلام من كتب الأنبياء السابقين فهي وإن كانت منسوخة قد انتهى أمد العمل بها، إلا أنها لا تشتمل على ضلال، لأن الله سبحانه لا يقول إلا الحق، ولا يُنْزل إلى الناس باطلًا.

قال صاحب الجواهر أعلى الله مقامه: ليس من كتب الضلال كتب الأنبياء السابقين، ما لم يكن فيها تحريف، إذ النسخ لا يُصيُرها ضلالًا، ولذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام، وربما أخرجوها لبعض أصحابهم، بل ما كان منها مثل الزبور ونحوه من أحسن كتب الرشاد، لأنها ليست إلا مواعظ ونحوها على حسب ما رأينا، والله أعلم (2) 670.

قلت: وقد ورد مثل ذلك في بعض أحاديث أهل السنة، فقد أخرج الآجري وغيره أن أبا ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالًا كلها: (أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردّها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات، ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكّر فيها في صنع الله عزَّ وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألا يكون ظاعناً إلا في ثلاث: تزوُّد لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذَّة في غير محرَّم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلًا على شانه، حافظاً للسانه، ومن عَدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعينه). قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عِبَراً كلها: (عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها


1- الفتن لنعيم بن حماد، ص 251.
2- جواهر الكلام 22/ 60.

ص: 423

بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم هو لا يعمل). قال: قلت: يا رسول الله فهل في أيدينا شي ء مما كان في يدي إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال: نعم، اقرأ يا أبا ذر قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (1) 671.

فإذا كانت كتب مواعظ وعِبَر فما المحذور في اقتنائها؟!

قال الكاتب: 9- القرآن:

والقرآن لا يحتاج لإثباته نص ولكن كتب فقهائنا وأقوال جميع مجتهدينا تنص على أنه مُحَرَّفٌ، وهو الوحيد الذي أصابه التحريف من بين كل تلك الكتب.

وأقول: نسبة القول بتحريف القرآن إلى كل علماء الشيعة كذب فاضح، فإن من قال بالتحريف عدد قليل من علماء الشيعة لا كل الفقهاء وجميع المجتهدين كمازعم.

هذا مع أن زعمه أنهم يقولون: (إن القرآن هو الوحيد الذي أصابه التحريف) فرية أخرى، فإنهم أطبقوا على أن كل أو جل الكتب السماوية قد أصابتها يد التحريف والخيانة.

ويكفي في بطلان مزاعمه أنه لم يثبت كلتا الدعويين، ونقْلُ القول بالتحريف عن بعض لا يثبت قول الكل به.

ومع أن الميرزا النوري رحمه الله قد بذل غاية جهده في تكثير القائلين بالتحريف في كتابه (فصل الخطاب) في المقدمة الثالثة صفحة 25 (في ذكر أقوال علمائنا رضوان الله


1- تفسير القرطبي 20/ 24.

ص: 424

تعالى عليهم أجمعين في تغيير القرآن وعدمه)، حيث نسب القول بالتحريف لجماعة منهم الشيخ الكليني وعلي بن إبراهيم القمي والعياشي ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار، والشيخ الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج، لوجود روايات في كتبهم ظاهرة في التحريف، أو لوجود عناوين أبواب فُهم منها القول بالتحريف.

كما أنه نسب القول بالتحريف للشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، مع أنه يصرّح كما سيأتي في كتابه (أوائل المقالات) بعدم القول بالتحريف.

وحاول أن يتصيد من كلمات بعض الأعلام ما يُستظهَر منه القول بالتحريف مع أنه لا دلالة في كل ذلك، كما نسبه إلى الفضل بن شاذان ونقل عبارته التي يحتج فيها على أهل السنة بأنهم كانوا يقولون بضياع بعض القرآن دون بعض السنة، فجعل هذا الكلام دليلًا على قول الفضل بن شاذان بالتحريف.

ولهذا نسب القول بالتحريف إلى علي بن أحمد الكوفي، ومحمد بن الحسن الشيباني، والشيخ يحيى تلميذ الكركي، والمولى محمد صالح المازندراني، والمجلسيين، والسيد علي خان، والمولى مهدي النراقي، والمحقق القمي، والشيخ أبي الحسن الشريف جد صاحب الجواهر، والشيخ علي بن محمد المقابي، والشيخ مرتضى الأنصاري، وظاهر ابن طاووس في فلاح السائل وسعد السعود.

ونسبه إلى جماعة ذُكر في فهرست الشيخ الطوسي أو رجال النجاشي أن لهم كتباً في التحريف كالبرقي صاحب كتاب المحاسن، ووالده الذي له كتاب (التنزيل والتغيير)، وعلي بن الحسن بن فضال الذي له كتاب (التنزيل من القرآن والتحريف)، وأحمد بن محمد بن سيار الذي له كتاب في القراءات سمَّاه الشيخ حسن بن سليمان الحلي (التنزيل والتحريف)، وأبي طاهر عبد الواحد بن عمر القمي له كتاب في قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه.

ص: 425

كما نسب القول بالتحريف لمجاهيل لا يعرفهم النوري نفسه، منهم صاحب كتاب (تفسير القرآن وتأويله وتنزيله وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وزيادات حروفه وفضايله وثوابه وروايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين)، كما في سعد السعود لابن طاووس، ومنهم صاحب كتاب ذكر ابن طاووس في الكتاب المذكور أن فيه قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب والحسن الحسين وعلي بن الحسين ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى ابن جعفر صلوات الله عليهم.

وهؤلاء دون الثلاثين مع صحة النسبة إليهم وهي لا تصح، لأنها كانت بالظنون غير الصحيحة، وحمل الكلام على غير وجهه، وتأويل كلماتهم على خلاف ما يريدون.

ولو كان مجرد ذكر الرواية في الكتاب كافياً لِصحَّة نسبة القول بالتحريف لعُدّ من القائلين به البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو داود الطيالسي، والحميدي، والدارمي، وابن حبان، والهيثمي، وابن المنذر، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، والضياء المقدسي، والبيهقي، وابن سعد، والسيوطي، والمتقي الهندي، والطبراني، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والبزار، وأبو نعيم الأصفهاني، وابن الأثير صاحب جامع الأصول، والقرطبي صاحب التفسير، وابن جرير الطبري، وابن كثير الدمشقي، والمحاملي، وابن حجر العسقلاني، وابن عبد البر، والخطيب البغدادي، ويوسف بن موسى الحنفي صاحب كتاب معتصر المختصر، وأبو بكر الشيباني صاحب كتاب الآحاد والمثاني، وابن رجب الحنبلي صاحب كتاب جامع العلوم والحكم، وابن قدامة المقدسي، ومحمد بن علي الشوكاني، وأبو الحسن الآمدي صاحب كتاب (الإحكام)، وابن حزم الأندلسي، والإمام الشافعي في مسنده، وغيرهم.

ص: 426

وهؤلاء أكثر من أربعين شخصاً من أعلام أهل السنة قد رووا أخبار التحريف في كتبهم المعروفة، وما تركناه أكثر مما أحصيناه، مع أن أهل السنة لا يلتزمون بأن هؤلاء يقولون بالتحريف مع تصحيحهم لأحاديث صريحة تدل على ذلك.

ومن الطريف أن الكاتب الذي نقل عن الميرزا النوري قوله بتحريف القرآن قد تعامى عن أدلّته قدس سره في إثبات تحريف التوراة والإنجيل في الصفحات 35- 53، فلا أدري لمَ لمْ يرَ الكاتب كل تلكم الصفحات، ونسب القول بعدم تحريف الكتب السماوية لكافة علمائنا، مع أن علماء الشيعة مطبقون على القول بتحريف تلك الكتب لفظاً ومعنى.

فقد قال الميرزا النوري قدس سره: الأمر الأول: وقوع التغيير والتحريف في الكتابين، وأن الموجود بأيدي اليهود والنصارى غير مطابق لما نزل على موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهما السلام، وهو بمكان من الوضوح، بل هو مقطوع به بعد ملاحظة الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة وإجماع المسلمين، بل ملاحظتهما في أنفسهما كافية في إثبات المطلوب، ومغنية عن الاستدلال عليه بها (1) 672.

في حين أن البخاري قد صرَّح في صحيحه بأن تحريف كل الكتب السماوية إنما هو في المعاني والتأويل، لا في الألفاظ والكلمات.

فقد قال في كتاب التوحيد، باب بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ قال قتادة: مكتوب يَسْطُرُونَ يخطّون فِي أُمِّ الْكِتَابِ جملة الكتاب وأصله مَا يَلْفِظُ ما يتكلم من شي ء إلا كتب عليه، وقال ابن عباس: يُكتب الخير والشر يُحَرِّفُونَ يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عزَّ وجل، ولكنهم يحرِّفونه يتأولونه على غير تأويله (2) 673.

قال ابن حجر في فتح الباري: قال شيخنا ابن الملقن في شرحه: هذا الذي قاله


1- فصل الخطاب، ص 35.
2- صحيح البخاري 4/ 2360.

ص: 427

أحد القولين في تفسير هذه الآية، وهو مختاره أي البخاري، وقد صرَّح كثير من أصحابنا بأن اليهود والنصارى بدَّلوا التوراة والإنجيل، وفرَّعوا على ذلك جواز امتهان أوراقهما، وهو يخالف ما قاله البخاري هنا. انتهى، وهو كالصريح في أن قوله: (وليس أحد) إلى آخره من كلام البخاري، ذيَّل به تفسير ابن عباس (1) 674.

هذا مضافاً إلى أن القول بسلامة التوراة من التحريف في ألفاظها قول معروف لابن تيمية.

قال ابن حجر في فتح الباري عند ذكر اختلاف الأقوال في تحريف التوراة والإنجيل:

ثالثها: وقع أي التحريف في اليسير منها أي من التوراة والإنجيل ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتابه (الرد الصحيح على من بدَّل دين المسيح). رابعها: إنما وقع التبديل والتغيير في المعاني لا في الألفاظ، وهو المذكور هنا، وقد سُئل ابن تيمية عن هذه المسألة مجرداً فأجاب في فتاويه أن للعلماء في ذلك قولين، واحتج للثاني (2) 675 من أوجه كثيرة، منها قوله تعالى لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ (3) 676.

قال الكاتب: وقد جمع المحدّث النوري الطبرسي في إثبات تحريفه كتاباً ضخم الحجم سماه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف، وجمع فيه أقوال جميع الفقهاء وعلماء الشيعة في التصريح بتحريف القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين، حيث أثبت أن جميع


1- فتح الباري 13/ 448.
2- وهو أن التحريف وقع في معاني التوراة والإنجيل، لا في كلماتهما.
3- فتح الباري 13/ 449.

ص: 428

علماء الشيعة وفقهاءهم المتقدمين منهم والمتأخرين يقولون: إن هذا القرآن الموجود اليوم بين أيدي المسلمين محرف.

وأقول: الكتاب (الضخم) الذي ذكره الكاتب لا يتجاوز 375 صفحة بالحجم المتوسط (الوزيري).

فهل يصدِّق القارئ العزيز أن كتاباً بهذا الحجم يحتوي على أكثر من ألفي رواية تنص على التحريف، ناهيك عما في الكتاب أيضاً من مناقشات واحتجاجات وجمع الأقوال، وذِكْر طائفة كبيرة جداً من روايات أهل السنة وأقوال علمائهم.

مضافاً إلى أن الميرزا النوري قدس سره قد كرَّر كثيراً من الروايات، فذكرها تارة مسندة، وتارة من غير إسناد كما ذكره الشيخ محمد جواد البلاغي قدس سره في كتابه (آلاء الرحمن)، حيث قال في مقام الرد على تلك الروايات:

هذا وإن المحدِّث المعاصر جهد في كتاب (فصل الخطاب) في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة، وكثَّر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل عن الأئمة عليهم السلام في الكتب، كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبِّع المحقِّق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد، وفي جملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسَّر احتمال صدقها، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض، وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين. هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار، وقد وصف علماء الرجال كلًا منهم إما بأنه ضعيف الحديث، فاسد المذهب مجفو الرواية، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب يُعرَف حديثه ويُنكَر، ويروي عن الضعفاء، وإما بأنه كذّاب متَّهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً وأنه معروف بالوقف، وأشدّ الناس عداوة للرضا عليه السلام، وإما بأنه كان غالياً كذّاباً، وإما بأنه ضعيف لا يُلتفت إليه ولا يُعوَّل عليه ومن الكذابين، وإما بأنه فاسد الرواية يُرمى بالغلو. ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير، لوجب من دلالة

ص: 429

الروايات المتعدِّدة أن ننزّلها على أن مضامينها تفسير للآيات أو تأويل، أو بيان لما يُعلم يقيناً شمول عموماتها له، لأنه أظهر الأفراد وأحقّها بحكم العام، أو ما كان مراداً بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل، أو ما كان هو المورد للنزول، أو ما كان هو المراد باللفظ المبهم. وعلى أحد هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة يحتمل ما ورد فيها أنه تنزيل أو أنه نزل به جبريل كما يشهد به نفس الجمع بين الروايات، كما يُحمَل التحريف فيها على تحريف المعنى، ويشهد لذلك مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي، ففيها: (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرَّفوا حدوده). وكما يُحمَل ما فيها من أنه كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام أو ابن مسعود، ويُنزَّل على أنه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل، ومما يشهد لذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام للزنديق كما في نهج البلاغة وغيره: وقد جئتهم بالكتاب كملًا مشتملًا على التنزيل والتأويل (1) 677.

ثم بعد أن ذكر تأويل بعض الروايات التي استدل بها المحدِّث النوري على التحريف قال: فتكون هذه الرواية وأمثالها قاطعة لتشبثات (فصل الخطاب) بما حشده من الروايات التي عرفت حالها إجمالًا، وإلى ما ذكرناه وغيره يشير ما نقلناه من كلمات العلماء الأعلام قُدّست أسرارهم. فإن قيل: إن هذه الرواية ضعيفة، وكذا جملة من الروايات المتقدمة. قلنا: إن جل ما حشده فصل الخطاب من الروايات هو مثل هذه الرواية وأشد منها ضعفاً كما أشرنا إليه في وصف رواتها، على أن ما ذكرناه من الصِّحاح فيه كفاية لأولي الألباب (2) 678.

وكيف كان فالمهم الذي ينبغي الكلام فيه هو تحريف القرآن نفياً أو إثباتاً، وأما التشبث ببعض الأقوال أو الروايات دون بعض من دون مرجّح فليس من دأب طلاب الحق المنصفين.


1- آلاء الرحمن، ص 26.
2- نفس المصدر، ص 29.

ص: 430

قال الكاتب: قال السيد هاشم البحراني (1) 679: وعندي في وضوح صحة هذا القول- أي القول بتحريف القرآن- بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مقاصد (2) 680 غصب الخلافة، فتدبر. مقدمة البرهان الفصل الرابع ص 49.

وأقول: كيف يمكن الحكم بأن القول بتحريف القرآن من ضروريات مذهب الشيعة مع إنكار أساطين الطائفة له؟! فإن الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الصدوق والطبرسي وغيرهم من أعلام الطائفة كلهم نصّوا على سلامة القرآن من كل زيادة ونقيصة، فهل غاب عن كل هؤلاء ما هو ضروري في مذهب الشيعة؟!

وصحة أخبار التحريف لا تستلزم القول به، للزوم تأويلها جمعاً بينها وبين غيرها من الأحاديث الصحيحة، كأحاديث الحث على التمسك بالكتاب، وأحاديث العَرْض على كتاب الله وغيرها، وإلا لَلَزم أن يقول بالتحريف مَنْ ذكرنا أسماءهم من علماء أهل السنة وغيرهم، لصحة أحاديث التحريف التي أخرجوها في كتبهم.

قال الكاتب: وقال السيد نعمة الله الجزائري رداً على من يقول بعدم التحريف: (إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يُفْضِي إلى طرح الأخبار المستفيضة مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها)


1- هذه الكلمة لأبي الحسن العاملي، وقد التبس على الكاتب فنسبها للسيد هاشم البحراني، بسبب طبع مقدمة تفسير (مرآة الأنوار) للعاملي كمقدمة لتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني.
2- كذا في نسخة الكتاب، والموجود في المصدر: (مفاسد)، ولعل الكاتب تعمد تغيير اللفظ مراعاة لمقامات الخلفاء الثلاثة.

ص: 431

الأنوار النعمانية 2/ 357.

وأقول: مع حصول الجزم بتواتر القرآن فلا محذور في طرح الأخبار المستفيضة التي ذكرها، وذلك لأن المتواتر قطعي الصدور، وأما الحديث المستفيض فهو ظني الصدور، ولا يمكن رفع اليد عن المتواتر القطعي لأجل الأخبار الظنية.

على أنه يمكن تأويل تلك الأخبار كما مرَّ في كلام الشيخ البلاغي قدس سره بما لا يستلزم القول بالتحريف.

هذا مع أن كثيراً من تلك الأخبار ضعاف الأسانيد، ومعارضة بما هو أصحّ منها سنداً وأوضح دلالة، فكيف يمكن التعويل عليها؟!

وإطباق الأصحاب على صحَّتها في الجملة- لو سلَّمنا به- لا يستلزم القول بتحريف القرآن كما مرَّ بيانه، ولهذا لم يطبقوا على القول بالتحريف.

قال الكاتب: ولهذا قال أبو جعفر كما نقل عنه جابر: (ما ادَّعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزل إلا عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده) الحجة من الكافي 1/ 26.

ولا شك أن هذا النص صريح في إثبات تحريف القرآن الموجوداليوم عند المسلمين. والقرآن الحقيقي هو الذي كان عند علي والأئمة من بعده عليهم السلام حتى صار عند القائم عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام.

وأقول: هذا الحديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته عمرو بن أبي المقدام، وهو مختلف فيه، ولم تثبت وثاقته.

قال المجلسي قدس سره: الحديث الأول في سنده مختلف فيه (1) 681.


1- مرآة العقول 3/ 30.

ص: 432

والذي يظهر من كلمات الأعلام أن الأكثر ذهب إلى تضعيفه (1) 682.

وكيف كان فالرجل لم تثبت وثاقته بدليل معتمد، ولا سيما مع اضطراب كلام العلماء فيه، فإن ابن الغضائري وثّقه في أحد قوليه، وضعَّفه في قوله الآخر (2) 683، وذكره العلّامة قدس سره مرّة في القسم الأول من خلاصته في الثقات، وذكره مرة ثانية في القسم الثاني منها في الضعفاء (3) 684، وكذلك صنع ابن داود في رجاله (4) 685، وعليه فالرجل لا يُعتمد حديثه لجهالته.

على أنه ليس المراد بجمع القرآن وحفظه كما أُنزل هو جمع سوره وآياته في مصحف كما توهّمه الكاتب، بل المراد بجمعه أحد معنيين:

المعنى الأول: هو العلم بتفسيره ومعرفة ما فيه من أحكام ومعارف.

ويدل على ذلك قوله عليه السلام في الحديث الآخر الذي رواه الكليني رحمه الله في نفس الباب: ما يستطيع أحد أن يدَّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء.

فإنه ظاهر فيما قلناه، وإلا لو كان المراد بجمع القرآن في الحديث جمع ألفاظه في مصحف لكان أكثر هذه الأمّة يدّعون أن عندهم جميع القرآن كلّه، أما ادِّعاء العلم بالقرآن وفهم آياته ومعانيه الظاهرة والباطنة كما أنزلها الله سبحانه فهذا لم يدَّعه أحد من هذه الأمة إلا أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وقوله: (ظاهره وباطنه) يرشد إلى ذلك، فإن ظاهر القرآن وباطنه مرتبطان بمعانيه لا بألفاظه (5) 686، وجمع الظاهر والباطن يعني الإحاطة بمعاني آيات الكتاب


1- راجع تنقيح المقال 2/ 324. رجال العلّامة، ص 241.
2- راجع رجال ابن الغضائري، ص 73، 111.
3- رجال العلامة، ص 120، 241.
4- راجع تنقيح المقال 2/ 324.
5- الظاهر: ما ظهر معناه، والباطن: ما خفي تأويله.

ص: 433

العزيز كلها، أو أن الظاهر هو لفظه، والباطن معناه، فيكون المعنى أنه لا يستطيع أحد أن يدَّعي أن عنده علماً بألفاظ القرآن ومعانيه كاملة إلا الأوصياء عليهم السلام.

ولو كان المراد بجمع القرآن جمع ألفاظه كلها في مصحف لما صحَّ لنا أن نقول: (إن غير علي عليه السلام من أئمة أهل البيت عليهم السلام قد جَمَعه)، لأنه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد جمعه قبلهم، فكيف يتأتى لهم أن يجمعوا ما كان مجموعاً؟!

هذا مضافاً إلى أن الظاهر من أحاديث الباب أنها جاءت تؤكِّد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام علموا تفسير القرآن، وفهموا معانيه كلها، وعرفوا أحكامه كما أرادها الله سبحانه، وأن أحداً غيرهم من هذه الأمة لا يستطيع أن يدَّعي علم ذلك كله.

المعنى الثاني: أن المراد بجمع القرآن كما أُنزل هو جمعه في مصحف رُتِّب فيه المنسوخ قبل الناسخ، والمكّي قبل المدني، والسابق نزولًا قبل اللاحق، وهكذا، وجمع القرآن بهذا النحو لم يتأتَّ لأحد من هذه الأمّة إلا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقد أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى، وابن أبي داود في كتاب المصاحف، وابن عبد البر في الاستيعاب والتمهيد، وغيرهم عن محمد بن سيرين، قال: لمَّا توفي النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليٌّ عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهتَ إمارتي؟ فقال: لا، ولكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. فزعموا أنه كتبه على تنزيله، فقال محمد: لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم (1) 687.

وقال السيوطي: وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه- يعني عليًّا عليه السلام- كتَب في مصحفه الناسخ والمنسوخ، وأن ابن سيرين قال: تطلَّبتُ ذلك الكتاب، وكتبتُ فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه (2) 688.


1- الطبقات الكبرى 2/ 338. المصاحف ص 16. الاستيعاب 3/ 974. التمهيد 6/ 31. وراجع تاريخ الخلفاء، ص 173، الإتقان في علوم القرآن 1/ 127، كنز العمال 2/ 558، حلية الأولياء 1/ 67، الفهرست لابن النديم، ص 41.
2- الإتقان في علوم القرآن 1/ 127.

ص: 434

وبهذا كله يتضح أن ما استدل به الكاتب مخدوش سنداً ودلالة.

قال الكاتب: ولهذا قال الإمام الخوئي في وصيته لنا وهو على فراش الموت عندما أوصانا كادر التدريس في الحوزة:

(عليكم بهذا القرآن حتى يظهر قرآن فاطمة).

وقرآن فاطمة الذي يقصده الإمام هو المصحف الذي جمعه علي رضي الله عنه والذي تقدمت الإشارة إليه آنفاً.

وأقول: هذه الرواية من الأكاذيب المكشوفة، وذلك لأن الخوئي قدّس الله نفسه لم يمرض قبل موته حتى يوصي وهو على فراش الموت، وإنما مات فجأة، وهذا يعرفه كل من كان محيطاً بالسيّد، بل هو أمر مشهور يعرفه كثير من الناس.

ثم إن مثل هذا الكلام لا يصدر من السيّد الخوئي جزماً، وذلك لأن السيّد قد صرَّح في كتبه بسلامة القرآن من الزيادة والنقيصة، فأي قرآن يُظهره صاحب الزمان؟!

ثم ما هي العلاقة بين المصحف الموجود بين أيدينا ومصحف فاطمة عليها السلام؟! فإنهما كتابان متغايران، وذلك لأن مصحف فاطمة كتاب فيه ما كان وما يكون من الحوادث كما مرَّ بيانه، وليس هو بقرآن، أو مشتمل على آيات وأحكام.

كما أن الأخبار لم تدل على أن صاحب الزمان عليه السلام سيظهر للناس مصحف فاطمة عليها السلام، وإنما دلَّت على أنه سيظهر لهم المصحف الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام، المشتمل على التنزيل والتأويل كما مرَّ.

ويكفي في الدلالة على افتعال هذه القضية هي زعمه أن السيّد الخوئي قدس سره قد أطلق على الكتاب اسم (قرآن فاطمة)، مع أنه (مصحف فاطمة)، وهذا خطأ فادح لا

ص: 435

يقع فيه صغار طلبة العلم فضلًا عن السيّد الخوئي قدس سره.

قال الكاتب: إن من أغرب الأمور وأنكرها أن تكون كل هذه الكتب قد نزلت من عند الله، واختص بها أمير المؤمنين سلام الله عليه والأئمة من بعده، ولكنها تبقى مكتومة عن الأمة وبالذات عن شيعة أهل البيت، سوى قرآن بسيط قد عبثت به الأيادي فزادت فيه ما زادت، وأنقصت منه ما أنقصت- على حد قول فقهائنا-!!

وأقول: لقد أوضحنا أن كل تلك الكتب ما عدا التوراة والإنجيل والزبور لم تكن منزلة من عند الله سبحانه، وإنما كان بعضها من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها الآخر من إملاء الملَك.

وعلى كل حال فلا غضاضة كما مرَّ في إخفاء هذه الكتب عن سائر الناس، لأن منها ما لا يحتاجون إليه، كمصحف فاطمة عليها السلام المشتمل على بيان الحوادث والوقائع، والمصلحة تدعو إلى إخفائه وكتمانه وعدم بذله للناس.

وما يحتاج إليه الناس من تلك الكتب فهو عند الأئمة عليهم السلام، وهم سلام الله عليهم سيعرِّفونهم بما فيها من أحكام دينهم وتعاليمه، فالناس بالنتيجة يستفيدون منها ولكن بالواسطة وبتعريف الأئمة عليهم السلام لهم، وهذا لا محذور فيه.

وأما زعمه أن القرآن بسيط فهو جناية كبيرة على كتاب الله سبحانه وعلى الشيعة في آن واحد، فإن علماء الشيعة قديماً وحديثاً قد جعلوه المصدر الأول من مصادر التشريع واستنباط الأحكام والمعتقدات، وضربوا عرض الجدار بكل الأخبار التي تعارضه وإن كانت صحيحة السند، وهذا أمر لا يخفى على صغار طلبة العلم فضلًا عمَّن يدّعي الاجتهاد والفقاهة.

ثم إن ما زعمه الكاتب من أن القرآن عبثت به الأيدي فزادت فيه ما زادت،

ص: 436

زعم باطل، لأنا لم نجد بعد تتبع الأقوال من يقول بزيادة شي ء في المصحف الذي هو عند الناس، ومن زعم تحريف القرآن إنما قال بتحريف النقصان لا الزيادة، وهو أمر معلوم لا يخفى على مَن تتبع الأقوال في المسألة.

قال الكاتب: إذا كانت هذه الكتب قد نزلت من عند الله حقاً، وحازها أمير المؤمنين صدقاً، فما معنى إخفائها عن الأمة وهي من أحوج ما تكون إليها في حياتها وفي عبادتها لربها؟

عَلَّلَ كثير من فقهائنا ذلك: لأجل الخوف عليها من الخصوم!!

ولنا أن نسأل: أيكون أمير المؤمنين وأسد بني هاشم جباناً بحيث لا يستطيع أن يدافع عنها؟! أَيُكَتمُ أمرها ويحرم الأمة منها خوفاً من خصومه؟! لا والذي رفع السماء بغير عمد، ما كان لابن أبي طالب أن يخاف غير الله.

وأقول: لقد أوضحنا آنفاً أنه لا محذور في إخفائها كلها، فلا حاجة للإعادة.

والعجب أن الكاتب نسب إلى كثير من علماء الشيعة أن الإخفاء كان للتقية والخوف من الخصوم، ولم يذكر مَن مِن العلماء ذكر ذلك.

وعلى أيّة حال فنحن غير مطالبين بمعرفة السبب من إخفاء هذه الكتب عن الشيعة خاصة وعن الناس عامة، ونحن نجزم بأن الأئمة عليهم السلام لا يتصرفون إلا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة، وهم سلام الله عليهم أعرف بها، ولهذا فنحن من هذه الجهة في راحة.

ثم إن الكاتب صار يطبِّل ويزمِّر ويصيح بأعلى عقيرته بأن الأئمة لا يصح منهم أن يخفوا هذه الكتب، مع أن أهل السنة قد ذكروا أن أبا بكر جمع القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قراطيس، فكانت عنده حتى توفي، ثم كانت عند عمر حتى

ص: 437

توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل إليها عثمان، فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنَّها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ عثمان هذه المصاحف ثم ردَّها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها (1) 689.

ففي صحيح البخاري قال زيد بن ثابت في حديث يذكر فيه قصة جمع القرآن: فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه (2) 690.

وبسنده عن أنس قال في حديث آخر: فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصُّحُف ننسخها ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف (3) 691.

فلماذا أخفى أبو بكر وعمر كتاب الله عن المسلمين حتى ماتا؟!

ولماذا صار هذا المصحف إلى حفصة مع أنه حق للمسلمين كلهم؟

ولماذا أخفته حفصة كل تلك المدة، ثم أبت أن تدفعه لعثمان في أول الأمر؟

هذا مع شدة حاجة المسلمين للمصحف كاملًا، لتلاوته والتعبّد بما فيه والعمل بأحكامه، واختلاف المصاحف المتداولة عند الناس!!

وكل ما يمكن أن يقال في توجيه إخفاء أبي بكر وعمر وحفصة للمصحف المجموع، يقال مثله بالأولوية في توجيه إخفاء أئمة أهل البيت عليهم السلام تلك الكتب التي


1- التمهيد 6/ 30.
2- صحيح البخاري 3/ 1609، 4/ 2248. سنن الترمذي 5/ 283، 284 وصحّحه. صحيح ابن حبان 10/ 360، 364. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 41. السنن الكبرى للنسائي 5/ 7، 9. مسند أبي يعلى 1/ 51، 59. المعجم الكبير للطبراني 5/ 146، 147، 148. شعب الإيمان 1/ 196.
3- صحيح البخاري 3/ 1610.

ص: 438

لا تسامي القرآن ولا تدانيه، وقد مرَّ الكلام في ذلك.

فما أعجب هذا الكاتب الذي شنَّع على الشيعة قولهم بإخفاء أئمة أهل البيت عليهم السلام تلك الكتب عن الناس، كيف تعامى عن إخفاء أبي بكر وعمر كتاب الله عن الأمة مدة خلافتهما حتى ماتا!!

فلِمَ لا يشنِّع عليهما خاصة وعلى أهل السنة عامة؟!

قال الكاتب: وإذا سألنا: ماذا يفعل أمير المؤمنين والأئمة من بعده بالزبور والتوراة والإنجيل حتى يتداولوها فيما بينهم ويقرأونها كذا في سرّهم؟

إذا كانت النصوص تدعي أن أمير المؤمنين وحده حاز القرآن كاملًا وحاز كل تلك الكتب والصحائف الأخرى، فما حاجته إلى الزبور والتوراة والإنجيل؟ وبخاصة إذا علمنا أن هذه الكتب نُسِخَتْ بنزول القرآن؟

وأقول: لماذا لا يسائل الكاتب نفسه عن السبب الذي كان يدعو جملة من الصحابة للنظر في كتب أهل الكتاب والاعتناء بها، فإنهم ذكروا كما مرَّ أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان عنده حمل بعيرين من كتب أهل الكتاب ينظر فيها؟

ولماذا لا يُشكِل على أهل السنة الذين مُلئت كتبهم بروايات عبد الله بن عمرو ابن العاص الذي كان يحدِّث من كتب أهل الكتاب كما تقدَّم، وبروايات كعب الأحبار الذي كان ينقل لهم ما يجده في التوراة من الدعاء والتفسير وغيرهما، حتى كان بعض الصحابة بل بعض الخلفاء يسألونه ويعتنون بكلامه؟

وعلى كل حال فيمكن أن نوجز الدواعي لحيازة الأئمة عليهم السلام هذه الكتب في نقاط:

1- أن تلك الكتب من مواريث الأنبياء، فلا يصح التفريط فيها وإهمالها، وإنما

ص: 439

يجب الحفاظ عليها وصيانتها.

2- أن تلك الكتب قد تفيد في الاحتجاج بها على أهل الملل الأخرى، كما احتجَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود بالتوراة في إثبات رجم الزاني والزانية.

وكما يحتج المسلمون على النصارى بنبوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي ذكر اسمه في الإنجيل كما نصَّ القرآن الكريم بذلك في قوله جل شأنه وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (1) 692. (2) 693

قد كان اليهود والنصارى يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألون أئمة المسلمين في مسائل شتى، ويناظرونهم في مختلف الأحكام والعقائد، ولا ريب في أن معرفة ما في التوراة والإنجيل يعين على إفحامهم وإقامة الحجة عليهم.

3- أن حيازة تلك الكتب قد تنفع في الحكم بين اليهود والنصارى الذين كانوا في بلاد الإسلام، ولهذا أُثِر عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والله لو ثُنيتْ لي الوسادة لقضيتُ بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم (3) 694.

وقد أخرج أبو نعيم في كتاب الفتن بسنده عن كعب قال: المهدي يُبعث بقتال الروم، يُعطى فقه عشرة، يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية فيه التوارة التي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أنزله الله عزَّ وجل على عيسى عليه السلام، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم (4) 695.


1- سورة الصف، الآية 6.
2- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..
3- كتاب التوحيد للصدوق، ص 305. أمالي الشيخ الطوسي، ص 523. الاحتجاج 1/ 384، 391. مناقب آل أبي طالب 2/ 47. بحار الأنوار 26/ 153، 183، 28/ 4، 30/ 672، 35/ 391، 40/ 126، 144، 153، 89/ 78، 95،
4- الفتن لنعيم بن حماد، ص 249.

ص: 440

4- أن تلك الكتب مشتملة على مواعظ وعِبَر كما مرَّ روايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا محذور حينئذ في اقتنائها للانتفاع بما فيها من تلك المواعظ والعبر.

هذا مع أنهم رووا أن المهدي إنما سُمّي المهدي لأنه يُهدَى إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها (أنطاكية).

ورووا أن المهدي يُخرج التوراة غضة- أي طرية- من أنطاكية (1) 696.

فلماذا لا يسأل الكاتب نفسه: ماذا يصنع المهدي بالتوراة والإنجيل المنسوخين وعنده كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟!

ولماذا يحكم بين أهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل التوراة بتوراتهم ولا يحكم بينهم بحكم الإسلام؟

فإذا جاز ذلك للمهدي عليه السلام الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلًا جاز بالأولوية لغيره من الخلفاء والأئمة الذين لم يكلَّفوا بما كُلّف به المهدي.

قال الكاتب: إني أشم رائحة أَيد خبيثة فهي التي دَسَّت هذه الروايات، وكذبت على الأئمة، وسيأتي إثبات ذلك في فصل خاص إن شاء الله.

وأقول: إن ادّعاء شم الروائح ليس دليلًا علميًّا في أمثال هذه الأمور المهمة التي يترتب عليها إحقاق مذهب وإبطال مذهب آخر، وإنما الدليل هو النصوص الصحيحة الثابتة بما لها من المعاني الصحيحة، لا بما يفسِّرها مُغرِض أو يؤوِّلها مُفتِن.

والكاتب كما رأينا في كل كلامه السابق كان يتعقَّب الروايات الضعيفة ويحتج بها على الشيعة، أو ينقل الروايات الصحيحة التي لا يعلم بصحَّتها ويدفعها بغير حجة صحيحة، أو يفسِّرها تفسيراً خاطئاً ثم يحتج بها على الشيعة.


1- نفس المصدر، ص 249، 250.

ص: 441

وكل هذه الأساليب غير صحيحة في معالجة النصوص من أجل الوصول إلى الحق من خلالها.

على أننا لا ننكر أن هناك أحاديث مكذوبة على الأئمة عليهم السلام، ولا نزعم أن كتب الشيعة خالية من كل كذب ودسّ، بل فيها الصحيح والضعيف، والغث والسمين، ووظيفة الفقيه هي تمحيص تلكم الأحاديث وغربلتها، والأخذ بالصحيح منها وطرح الضعيف.

وفي حال تعارض الأحاديث الصِّحاح يجب الجمع بينها بالجمع العرفي الصحيح إن أمكن، وإلا فلا بد من إعمال المرجِّحات السندية والدِّلالية، ومع فقد المرجِّحات وعدم إمكان الترجيح بينها فلا مناص حينئذ من الحكم بتساقطها وترك العمل بها.

قال الكاتب: نحن نعلم أن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم، وأما تعدد الكتب فهذا من خصائص اليهود والنصارى كما هو واضح في كتبهم المقدسة المتعددة.

فالقول بأن أمير المؤمنين حاز كتباً متعددة، وأن هذه الكتب كلها من عند الله، وأنها كتب حوت قضايا شرعية هو قول باطل، أدخله إلينا بعض اليهود الذين تستروا بالتشيع.

وأقول: إن أراد بقوله: (إن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد وهو القرآن الكريم)، أنه لا كتاب منزل من الله في الإسلام إلا القرآن، فكلامه حق لا نختلف معه فيه، إلا أن الشيعة لا يقولون: (إن الكتب التي في حوزة أهل البيت عليهم السلام كانت منزلة من السماء)، والأحاديث التي ساقها كلها لا تدلّ على سماوية تلك الكتب كما

ص: 442

مرَّبيانه.

وإن أراد أنه لا كتاب يصح التعبد به في الإسلام إلا القرآن فهذا قول باطل، لأن أهل السنة وغيرهم تعبَّدوا بكتب كثيرة لا يزالون يقدِّسونها ويقدِّسون كُتَّابها، كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث المعتبرة عندهم.

بل إنهم غلوا في أمثال هذه الكتب حتى قال الإمام القدوة- على حد تعبير ابن حجر- أبو محمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري: قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقَرّ لهم بالفضل: إن صحيح البخاري ما قُرئ في شدة إلا فُرجتْ، ولا رُكِبَ به في مركب فغرق. قال: وكان- أي البخاري- مجاب الدعوة، وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى ... (1) 697.

ورَوَوا عن الترمذي أنه قال: صنَّفتُ هذا الكتاب- يعني سنن الترمذي- فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم (2) 698.

وقال زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وسنن أبي داود عهد الإسلام (3) 699.

إلى غير ذلك مما قالوه في كتبهم الكثيرة التي تعاهدوها بالرعاية والعناية، واحتجوا بما فيها حتى جعلوها عِدْلًا للقرآن الكريم كما لا يخفى على أحد.

فلا ندري ما هو الإشكال في حيازة كتب مشتملة على أحاديث نبوية ومعارف دينية وأحكام شرعية كما هو حال الصحيفة المعلقة بذؤابة سيف أمير المؤمنين عليه السلام التي تقدَّم الكلام فيها؟! أو في حيازة كتب الملاحم والفتن والحوادث كما هو حال


1- مقدمة فتح الباري، ص 11.
2- تذكرة الحفاظ 2/ 634. سير أعلام النبلاء 13/ 274. الحطة في ذكر الصحاح الستة، ص 207.
3- تذكرة الحفاظ 2/ 593.

ص: 443

مصحف فاطمة عليها السلام؟ أو في حيازة التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية غير المحرَّفة؟! مع التنبيه على أن أهل السنة لم يروا بأساً في حيازة كتب أهل الكتاب المحرَّفة والتحديث منها، فإن جملة من الصحابة كانوا يحدِّثون بما في التوراة وغيرها من كتب اليهود والنصارى، أو يحدِّثون عن كعب الأحبار وغيره وينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

من هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان عنده زاملتان أو حمل بعيرين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما.

قال ابن كثير في تفسيره بعد أن ساق حديثاً مروياً عن عبد الله بن عمرو: والأشبه- والله أعلم- أن يكون هذا موقوفاً على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب (1) 700.

وقال أيضاً بعد أن ساق حديثاً آخر: هذا حديث غريب جداً، وسنده ضعيف، ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك (2) 701.

وذكر مثل ذلك في مواضع متفرِّقة من تفسيره، فراجع (3) 702.

قلت: إن عبد الله بن عمرو بن العاص من أكثر الصحابة حديثاً عند أهل السنة (4) 703، وأحاديثه مبثوثة في صحاحهم، وهي معمول بها عندهم، فيا ترى كم من


1- تفسير القرآن العظيم 1/ 383.
2- المصدر السابق 2/ 195.
3- المصدر نفسه 3/ 102، 4/ 237.
4- لقد اعترف أبو هريرة- وهو أكثر الصحابة حديثاً- بأن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أكثر حديثاً منه، فقد رووا عن أبي هريرة أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب. (راجع صحيح البخاري 1/ 62. سنن الترمذي 5/ 40، 686 وصحّحه. مسند أحمد 2/ 248، 403. صحيح ابن حبان 16/ 103. المستدرك 1/ 105. سنن الدارمي 1/ 132. السنن الكبرى للنسائي 3/ 434. شرح معاني الآثار 4/ 320).

ص: 444

تلك الأحاديث كان مأخوذاً من كتب أهل الكتاب؟ وكم من عقائد أهل السنة وأحكامهم كان مأخوذاً من الزاملتين المذكورتين وهم لا يعلمون؟

فإذا اتضح كل ذلك للقارئ العزيز، وعُلم أن الكتب التي كانت في حيازة أئمة أهل البيت عليهم السلام لم تكن كتباً سماوية، وإنما كتبها أمير المؤمنين عليه السلام بخطه، فلا غرابة في هذا الأمر ولا وجه لإنكاره، خصوصاً مع نص بعض أعلام أهل السُّنة على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يرى جواز كتابة حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد نقلنا أقوالهم في ذلك فيما تقدَّم، فراجعه.

ص: 445

نظرة الشيعة إلى أهل السنة

قال الكاتب: عندما نطالع كتبنا المعتبرة وأقوال فقهائنا ومجتهدينا نجد أن العدو الوحيد للشيعة هم أهل السنة، ولذا وصفوهم بأوصاف وسمّوهم بأسماء فسمّوهم (العامّة) وسمّوهم (النواصب).

وأقول: ما ذكره الكاتب من أن العدو الوحيد للشيعة هم أهل السنة كذب واضح وافتراء فاضح، ولهذا لم ينقل عبارة واحد من علماء الشيعة تدل على فريته، كيف وعلماء الشيعة في كتبهم يصفون أهل السنة بأنهم إخوانهم، وأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام تحث على حسن معاشرة أهل السنة والتودد إليهم.

ففي صحيحة معاوية بن وهب، قال: قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون كما يصنعون، فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم (1) 704.

وفي صحيحة زيد الشحام، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ على من ترى أنه


1- الكافي 2/ 636.

ص: 446

يطيعني ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برًّا أو فاجراً، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدَّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري. فيسرُّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدَبُ جعفر. وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدَبُ جعفر. فوالله لَحدَّثني أبي عليه السلام أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرةَ عنه، فتقول: مَن مثل فلان؟ إنه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث (1) 705.

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً، ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصَلُّوا معهم في مساجدهم ... (2) 706.

وفي خبر أبي علي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لنا إماماً مخالفاً وهو يبغض أصحابنا كلهم. فقال: ما عليك من قوله، والله لئن كنتَ صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه، فكن أول داخل وآخر خارج، وأحسن خلقك مع الناس، وقُلْ خيراً (3) 707.

وعن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام قال: يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صَلُّوا في مساجدهم، وعُودوا مرضاهم، واشهدوا جنايزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله


1- المصدر السابق.
2- كتاب المحاسن للبرقي، ص 18. وسائل الشيعة 5/ 382.
3- وسائل الشيعة 5/ 382.

ص: 447

جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدِّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه (1) 708.

وعن حماد بن عثمان أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصف الأول (2) 709.

وعن إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قلت: نعم. قال: صلِّ معهم، فإن المصلّي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله (3) 710.

والعجيب أن الكاتب أخذ مساوئ أهل السنة فألصقها بالشيعة، فإن أهل السنة هم الذين يعادون الشيعة ويكفّرونهم، وينبزونهم بالروافض، فيستحلون بذلك دماءهم، ويحرِّمون مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وقد نصَّ على ذلك جمع من علمائهم.

قال ابن حجر بعد أن ساق قوله تعالى

مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، إلى قوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ الآية (4) 711: ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأن الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر.

وقال ابن حجر: وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر الآية، ومن ثم وافقه الشافعي رضي الله عنه في قوله بكفرهم، ووافقه جماعة من الأئمة (5) 712.

وقال القرطبي: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ على الله رب العالمين، وأبطل شرائع


1- من لا يحضره الفقيه 1/ 267. وسائل الشيعة 5/ 477.
2- من لا يحضره الفقيه 1/ 266.
3- تهذيب الأحكام 3/ 277. وسائل الشيعة 5/ 382.
4- سورة الفتح، الآية 29.
5- الصواعق المحرقة، ص 243. وراجع تفسير القرآن العظيم 4/ 204.

ص: 448

الإسلام (1) 713.

وأخرج الخلال في كتاب السنة بسنده عن علي بن عبد الصمد قال: سألت أحمدبن حنبل عن جار لنا رافضي يُسَلِّمُ عليَّ، أرُدُّ عليه؟ قال: لا. إسناده صحيح.

وعن إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل سُئل عن رجل له جار رافضي يُسلّم عليه؟ قال: لا، وإذا سلَّم عليه لا يرد عليه. إسناده صحيح.

وعن الحسن بن علي بن الحسن أنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن صاحب بدعة يسلم عليه؟ قال: إذا كان جهمياً أو قدرياً أو رافضياً داعية فلا يُصلَّى عليه ولا يسلم عليه. إسناده صحيح (2) 714.

ومن المفارقات العجيبة أن بعض علماء أهل السنة حلَّلوا ذبائح اليهود والنصارى وحرَّموا ذبائح الشيعة الذين يشهدون الشهادتين ويقيمون شعائر الإسلام.

فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والإرشاد في المملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز ردًّا على سؤال ورد لهم هذا نصه:

إن السائل وجماعة معه في الحدود الشمالية مجاورون للمراكز العراقية، وهناك جماعة على مذهب الجعفرية، ومنهم من امتنع عن أكل ذبائحهم، ومنهم من أكل، ونقول: هل يحل لنا أن نأكل منها، علماً بأنهم يدعون علياً والحسن والحسين وسائر ساداتهم في الشدّة والرخاء؟

فجاء جواب الفتوى رقم (1661) كما يلي:


1- الجامع لأحكام القرآن 16/ 296.
2- السنة للخلال 3/ 493 وما بعدها.

ص: 449

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وساداتهم فهم مشركون مرتدون عن الإسلام والعياذ بالله، لا يحل الأكل من ذبائحهم، لأنها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله.

وورد لهم سؤال آخر هذا نصُّه:

أنا من قبيلة تسكن في الحدود الشمالية ومختلطين نحن وقبائل من العراق، ومذهبهم شيعة وثنية، يعبدون قبباً، ويسمّونها بالحسن والحسين وعلي، وإذا قام أحدهم قال: (يا علي يا حسين). وقد خالطهم البعض من قبائلنا في النكاح وفي كل الأحوال، وقد وعظتهم ولم يسمعوا، وهم في القرايا والمناصيب، وأن ما عندي أعظهم بعلم، ولكن أكره ذلك، ولا أخالطهم، وقد سمعت أن ذبحهم لا يؤكل، وهؤلاء يأكلون ذبحهم، ولم يتقيدوا، ونطلب من سماحتكم توضيح الواجب نحو ما ذكرنا.

فجاء الرد عليه في الفتوى رقم (3008) ما نصّه:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:

إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليًّا والحسن والحسين ونحوهم، فهم مشركون شركاً أكبر يخرجهم من ملة الإسلام، فلا يحل أن نزوّجهم المسلمات، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم، ولا يحل لنا أن نأكل من ذبائحهم. قال الله تعالى

وَلَا تَنكِحُواْ المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُواْ المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (1) 715.

بينما أباحوا ذبائح أهل الكتاب، وجوزوا الأكل منها كما في الفتوى رقم


1- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 2/ 264.

ص: 450

(6991) التي ورد فيها ما يلي:

أباح الله للمسلمين أن يأكلوا من طعام الذين أوتوا الكتاب وهو ذبائحهم، بقوله في سورة المائدة

وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ، فاشترط في الزواج بالكتابيات أن يكنَّ حرائر عفيفات، سواء كن يهوديات أو نصرانيات مع أن الله تعالى أخبر عن اليهود والنصارى في نفس السورة بأنهم كفار (1) 716.

قلت: فأي عداء أعظم من هذا؟ فإنهم كفَّروا الشيعة وحكموا بأنهم مشركون، وفضَّلوا اليهود والنصارى على الشيعة في حلّية الذبائح والمناكحة!!

هذا مع أن الشيعة كانوا وما زالوا يتودّدون لأهل السُّنة ويعاملونهم بالحسنى، كما أوصاهم بذلك أئمتهم الأطهار عليهم السلام، وقد اعترف بذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية)، حيث قال: والاثنا عشرية يوجَدون الآن في العراق، فالشيعة في العراق، وهم عدد كثير يقارب النصف، يسيرون على مقتضى المذهب الاثني عشري في عقائدهم ونظمهم في الأحوال الشخصية والمواريث والوصايا والأوقاف والزكوات والعبادات كلها، وكذلك أكثر أهل إيران، ومنهم من ينبثون في بقاع من سوريا ولبنان وكثير من البلاد الإسلامية، وهم يتودَّدون إلى من يجاورونهم من السنّيين ولا ينافرونهم (2) 717.

قال الكاتب: وما زال الاعتقاد عند معاشر الشيعة أن لكل فرد من أهل السنة


1- المصدر السابق 3/ 299.
2- تاريخ المذاهب الإسلامية 1/ 48.

ص: 451

ذيلًا في دبره، وإذا شتم أحدهم الآخر وأراد أن يغلظ له في الشتيمة قال له: (عظم سني في قبر أبيك) وذلك لنجاسة السني في نظرهم إلى درجة لو اغتسل ألف مرة لما طهر ولما ذهبت عنه نجاسته.

وأقول: إن كثيراً من أهل السنة في السعودية وغيرها يعلمون أن ما قاله الكاتب ما هي إلا معتقدات غرسها بعض جهلة أهل السنة في عوامّهم، وقد سمعت أنا بنفسي من بعض أهل القصيم أن الناس هناك يعتقدون بأن الشيعة لهم أذناب.

وسمعت من الدكتور عبد الهادي الفضلي أنه لما ذهب إلى فلسطين قبل سنة 1967 م، ورآه بعض أهل السنة هناك، وكان الدكتور لابساً العمامة قال له: أنتم الشيعة لكم أذناب.

ولكن لما كان مثل هذا التفكير وصمة تدل على سخف العقول وسفاهة الأحلام، أراد الكاتب أن يقلب المسألة، ليتَّهم بها الشيعة، مع أن الشيعة يتندرون بأمثال هذه القضايا التي ينسبها إليهم أهل السنة.

وليت الكاتب المدّعي سلوك الحق ذكر دليلًا واحداً على أن الشيعة يعتقدون بأمثال هذه المعتقدات السخيفة ولو من أقوال أشخاص معروفين يمكن الرجوع إليهم، ولكنه لم يفعل لئلا يقع في الفضيحة.

قال الكاتب: ما زلت أذكر أن والدي رحمه الله التقى رجلًا غريباً في أحد أسواق المدينة، وكان والدي رحمه الله محباً للخير إلى حد بعيد، فجاء به إلى دارنا ليحل ضيفاً عندنا في تلك الليلة، فأكرمناه بما شاء الله تعالى، وجلسنا للسمر بعد العشاء، وكنت وقتها شاباً في أول دراستي في الحوزة، ومن خلال حديثنا تبين أن الرجل سني المذهب ومن أطراف سامراء جاء إلى النجف لحاجة ما، بات الرجل تلك الليلة، ولما أصبح أتيناه

ص: 452

بطعام الإفطار، فتناول طعامه ثم هَمّ بالرحيل فعرض عليه والدي رحمه الله مبلغاً من المال فلربما يحتاجه في سفره، شكر الرجل حسن ضيافتنا، فلما غادر أمر والدي بحرق الفراش الذي نام فيه، وتطهير الإناء الذي أكل فيه تطهيراً جيداً لاعتقاده بنجاسة السني، وهذا اعتقاد الشيعة جميعاً، إذ أن فقهاءَنا قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير، وجعلوه من الأعيان النجسة.

وأقول: القصة التي نقلها عن والده- إن صحَّت وهي لا تصح قطعاً، لأن الكاتب سُنّي ابن سُني- تدل على مدى جهل والده المرحوم، فإنه مضافاً إلى أن الفقهاء قد أفتوا بإسلام المخالفين وطهارتهم، لا بنجاستهم ونجاسة رطوباتهم، فإن سريان النجاسة إنما يتحقق بانتقال الرطوبة المسرية، والسامرائي إنما قعد ونام على الفراش، وهذا لا يستلزم الحكم بنجاسة الفراش بأي حال من الأحوال، ولو فرض وقوع رطوبة منه على الفراش فهذا لا يستدعي إحراق الفراش على القول بنجاسة المخالفين، وإنما تزول نجاسته بتطهيره بالماء كما طهّر الإناء، فلا ندري وجه تفريق والده المرحوم بين الإناء وبين الفراش في تطهير الأول دون الثاني.

هذا مع أن الكاتب قد ذكر في أول كتابه أنه من أهل كربلاء، وأن منزل والده في كربلاء، فكيف استضاف والدُه هذا السامرائي في منزله في النجف؟

ولكن صَدَقَ مَن قال: لا حافظة لكذوب.

وأما قوله: (وهذا اعتقاد الشيعة جميعاً، إذ أن فقهاءَنا قرنوا السني بالكافر والمشرك والخنزير، وجعلوه من الأعيان النجسة) فهو يدل على قلة معرفة مدعي الاجتهاد والفقاهة بأقوال الفقهاء، وذلك لأن المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً هو القول بطهارة المخالفين وإسلامهم، ولا عبرة بالأقوال الشاذة النادرة، فإنك لا تعدم من يفتي بالفتاوى الشاذة من علماء كل المذاهب.

ص: 453

قال الكاتب: ولهذا:

1- وجب الاختلاف معهم:

فقد روى الصدوق عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا رضي الله عنه: يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك؟ قال: فقال: أحْضِرْ فقيه البلد فاستفته في أمرك، فإذا أفتاك بشي ء فخذ بخلافه فإن الحق فيه) عيون أخبار الرضا 1/ 275 ط طهران.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها أحمد بن محمد السياري، وهو مذموم في كتب الرجال.

قال النجاشي: أحمد بن محمد بن سيّار ... ويعرف بالسياري، ضعيف الحديث فاسد المذهب، ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله ابن الغضائري، مجفو الرواية، كثير المراسيل (1) 718.

وقال ابن الغضائري: ضعيف متهالك، غال منحرف، استثنى شيوخ القميّين روايته من كتاب (نوادر الحكمة) (2) 719.

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية، كثير المراسيل (3) 720.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإن الظاهر منها هو أن تجويز مخالفة قاضي البلد إنما هو في حال الجهل بالحكم الشرعي، وفي حال الاضطرار إليه، ولا سبيل إلى معرفته.

ومثل هذا الفرض إنما يقع في حالات نادرة جداً لا يصح جعلها ضابطة لكل


1- رجال النجاشي 1/ 211.
2- رجال ابن الغضائري، ص 40.
3- الفهرست للطوسي، ص 66.

ص: 454

أحكام الشيعة في الأحوال العادية.

وبما أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حاصل في كل الأحكام الشرعية غير الضرورية تقريباً، فإن من المتوقَّع أن يكون الحكم المطلوب أيضاً مخالفاً لهم، فلهذا أرشد السائل إلى طريقة يكون اتباعها موصلًا للحق غالباً.

قال الكاتب: وعن الحسين بن خالد عن الرضا أنه قال: (شيعتنا، المسلِّمون لأمرنا، الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا، فمن لم يكن كذلك فليس منا) الفصول المهمة 225 ط قم.

وعن المفضل بن عمر عن جعفر أنه قال: (كذب مَن زعم أنه من شيعتنا وهو متوثق بعروة غيرنا) الفصول المهمة 225.

وأقول: هذان الحديثان معناهما ظاهر ولا إشكال فيه، فإن شيعة أهل البيت عليهم السلام لا بد أن يسلِّموا لهم، ويأخذوا بأقوالهم، ويخالفوا أعداءهم، وإلا فليسوا بشيعة لهم، لأن الشيعة هم الأتباع، والمتابعة لا تحصل إلا بهذه الأمور.

أما أن أعداءهم هم أهل السنة أو غيرهم فهذه مسألة أخرى، ونحن لا نقول بذلك، وإنما نقول: (إن أعداءهم هم النواصب)، ونحن قد أوضحنا فيما تقدَّم معنى الناصبي، وقلنا: إنه هو المتجاهر بالعداء لأهل البيت عليهم السلام، لا مطلق المخالف وإن لم يتجاهر بعداوتهم.

فإن كان الكاتب يرى أن كل أهل السنة نواصب فلا مناص حينئذ من القول بأنهم كلهم أعداؤهم، وإلا فليسوا لهم بأعداء، وهو أمر واضح جداً لا يحتاج إلى تجشم إيضاح.

ص: 455

قال الكاتب: 2- عدم جواز العمل بما يوافق العامة ويوافق طريقتهم:

وهذا باب عقده الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة فقال:

والأحاديث في ذلك متواترة .. فمن ذلك قول الصادق رضي الله عنه في الحديثين المختلفين: اعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه.

وقال الصادق رضي الله عنه: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.

وقال رضي الله عنه: خذ بما فيه خلاف العامة، وقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.

وأقول: هذا الباب ليس من أبواب كتاب (وسائل الشيعة)، وإنما هو الباب الثلاثون من أبواب أصول الفقه، من كتاب (الفصول المهمة) للحر العاملي، وهو: باب عدم جواز العمل بما يوافق العامة وطريقتهم، ولو من أحاديث الأئمة عليهم السلام مع المُعارِض ... (1) 721.

والكاتب نقل عنوان هذا الباب مبتوراً، فخالف الأمانة العلمية من جهتين: من جهة نسبته إلى وسائل الشيعة، ومن جهة بتر ذيله، ليُوهم قارئه أن مخالفة العامة هي بنفسها دليل على الأحكام عند الشيعة.

وكما هو ظاهر من عنوان الباب ومن الأحاديث التي نقلها الكاتب أن عدم جواز العمل بالأحاديث الموافقة للعامة إنما هو في حال معارضتها لأحاديث أخر لا توافقهم، وهذا يعني أن مخالفة العامة ليست بنفسها دليلًا يستعمله الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية كما ذكره الكاتب، وإنما هي أحد المرجِّحات الدِّلالية التي يُرجِّح بها الفقيه أحد الحديثين المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع العرفي بينهما.

ووجه الترجيح بمخالفة العامة أن الأئمة سلام الله عليهم لا تصدر منهم الأحكام المتعارضة والفتاوى المتضاربة، لعصمتهم عليهم السلام المانعة من ذلك، فكل ما


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة 1/ 575.

ص: 456

رُوي عنهم متعارضاً إما أن يكون مكذوباً عليهم أو محمولًا على التقية.

ولتمييز ما صدر منهم تقية عن غيره يُنظر فيما وافق العامة من الحديثين المتعارضين فيُطرح، لأنه هو الذي تُحتمل فيه التقية دون ما خالفهم، فإن الأئمة عليهم السلام كانوا يحذَرون سلاطين الجور وأعوانهم، وكانوا يتحاشون معارضة فتاوى قضاتهم وعلماء بلاطهم، فيفتون أحياناً بما يوافقهم تقيَّةً، وبهذا وغيره نشأت أخبار التقية في أحاديث الأئمة عليهم السلام.

ولئن كانت مخالفة العامة قاعدة للترجيح بين الأخبار المتعارضة فقط، دون أن تكون بنفسها قاعدة لاستنباط الحكم الشرعي كما قلنا، فإن أهل السنة جعلوا مخالفة الروافض قاعدة يطرحون لأجلها حتى الأحكام التي صحَّ عندهم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن تيمية: إذا كان في فعلٍ مستحب مفسدة راجحة لم يَصِر مستحباً، ومن هنا ذهب مَن ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم، فلا يتميز السُّنّي من الرافضي، ومصلحة التميُّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب، وهذا الذي ذُهب إليه يُحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب (1) 722.

قلت: وأما فتاواهم في ذلك فهي كثيرة، وإليك بعضاً منها:

قال ابن حجر في فتح الباري: اختُلف في السلام على غير الأنبياء، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقاً. وقيل: بل تبعاً، ولا يُفرد لواحد، لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.

وقال الزمخشري في الكشاف: القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وقوله تعالى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهمْ وقوله


1- منهاج السنة 4/ 154.

ص: 457

صلى الله عليه وسلم: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى. ولكن للعلماء تفصيلًا في ذلك، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك: (صلى الله على النبي وآله) فلا كلام فيها، وأما إذا أُفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يُفرد هو فمكروه، لأن ذلك صار شعاراً لذِكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يؤدِّي إلى الاتهام بالرفض (1) 723.

وقال مصنّف كتاب الهداية وهو من الأحناف: المشروع التختم في اليمين، لكن لمَّا اتّخذته الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار (2) 724.

وقال الرافعي في فتح العزيز: ثم الأفضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم. ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله: التسنيم أفضل. لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه إبراهيم، وعن القاسم بن محمد قال: (رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مُسَطَّحة)، وقال ابن أبي هريرة: إن الأفضل الآن العدول من التسطيح إلى التسنيم، لأن التسطيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة، ومثله ما حكي عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعاراً لهم فالمستحب الإسرار بها مخالفة لهم (3) 725.

وقال محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتابه (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة): السُّنَّة في القبر التسطيح، وهو أولى من التسنيم على الراجح من مذهب الشافعي، وقال الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد: التسنيم أولى، لأن التسطيح صار من شعائر الشيعة (4) 726.

وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة: فهل المشروع إرخاؤه


1- الكشاف 3/ 246 في تفسير قوله تعالى إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ سورة الأحزاب، الآية 56.
2- عن الصراط المستقيم 2/ 510. ومنهاج الكرامة، ص 108. وكتاب الغدير 10/ 210.
3- فتح العزيز 5/ 229.
4- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 155.

ص: 458

من الجانب الأيسر كما هو المعتاد، أو الأيمن لشرفه؟ لم أرَ ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن، ثم يردّها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا أنه صار شعار الإمامية، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (1) 727.

وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه (المعلم بفوائد مسلم): إن زيداً كبَّر خمساً على جنازة، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكبِّرها. وهذا المذهب الآن متروك، لأنه صار علَماً على القول بالرفض (2) 728.

وفي التذكرة: قال الشافعي وأحمد والحكَم: المسح على الخفّين أولى من الغسل، لما فيه من مخالفة الشيعة (3) 729.

وقال إسماعيل البروسوي في تفسيره (روح البيان) عند ذِكر يوم عاشوراء: قال في عقد الدرر واللئالي (4) 730: ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبَّه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة الروافض والخوارج أيضاً، يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبَّه بيزيد الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح، فإن ترك السُّنّة سُنّة إذا كانت شعاراً لأهل البدعة، كالتختم باليمين، فإنه في الأصل سُنة، لكنه لما صار شعار أهل البدعة والظلمة صارت السُّنة أن يُجعَل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا، كما في شرح القهستاني (5) 731.


1- شرح المواهب للزرقاني 5/ 13.
2- عن الصراط المستقيم 2/ 510.
3- عن المصدر السابق.
4- عقد الدرر واللئالي في فضل الشهور والأيام والليالي، للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي، الشهير بابن الرسام (عن كتاب الغدير 10/ 211). ولد بحماة سنة 773 ه-، ولي قضاء حماة ثم قضاء حلب، وتوفي سنة 844 ه- تقريباً، له ترجمة في شذرات الذهب 7/ 252، الضوء اللامع 1/ 249، ومعجم المؤلفين 1/ 174.
5- روح البيان 4/ 142 (عن كتاب الغدير 10/ 211).

ص: 459

إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

قال الكاتب: وقال رضي الله عنه: ما أنتم والله على شي ء مما هم فيه، ولا هم على شي ء مما أنتم فيه، فخالفوهم، فما هم من الحقيقة (1) 732 على شي ء.

وقوله رضي الله عنه: والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غيرنا، وإن من وافقنا خالف عدونا، ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه.

وأقول: هذان الحديثان ضعيفا السند.

أما الحديث الأول فمن رواته علي بن أبي حمزة البطائني، وهو من رؤوس الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وقد مرَّ بيان حاله فيماتقدم.

وأما الحديث الثاني فهو حديث مُرسَل، لا يُعرف راويه عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام.

ومع الإغماض عن سند الحديثين، نقول:

إن الفرقة الناجية من فِرَق هذه الأمَّة هي واحدة كما نصَّ عليه حديث افتراق الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهي الفرقة التي أخبر بهاالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة، حيث قال: يا أيّها الناس، إني قدتركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي (2) 733.

فلو كانت كل فِرَق المسلمين موافقة لطريقة أهل البيت عليهم السلام لكانت كلها


1- كذا في نسخة الكتاب، والمذكور في الحديث: فما هم من الحنيفية على شي ء.
2- سنن الترمذي 5/ 622. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذُكر في مشكاة المصابيح 3/ 1735، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 356 وقال الألباني: الحديث صحيح. وطرقه كثيرة ذكرناها في كتابنا (مسائل خلافية)، ص 92- 97، فراجعه.

ص: 460

ناجية، ولما كان للحث على اتباعهم والتمسك بهم أي معنى.

ومنه يتضح أن تخصيصهم بالاتباع دليل على أنهم على الحنيفية البيضاء دون غيرهم من الناس، فمن وافقهم فلا بد أن يخالف غيرهم، ومن وافق غيرهم فلا بد أن يخالفهم، لأنهم هم المحقّون وغيرهم هم المبطلون.

وهذا المعنى المستفاد من حديث الثقلين قد أوضحه هذان الحديثان اللذان ذكرهما الكاتب.

هذا مع أن الحديثين المذكورين لم ينصَّا على أن أهل السُّنة هم أعداء أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، فإنه من غير المعقول إطلاقاً أن يُدرَج في أعداء أهل البيت عليهم السلام أقوام من أهل السنة يحبّونهم، ويروون فضائلهم، ويصلّون عليهم، ولا يجحدون شيئاً من مآثرهم، ولا يعلمون أن طريقتهم مخالفة لهم.

قال الكاتب: وقول العبد الصالح رضي الله عنه في الحديثين المختلفين: خذ بما خالف القوم، وما وافق القوم فاجتنبه.

وقول الرضا رضي الله عنه: إذا ورد عليكم خبران متعارضان، فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه، وانظروا بما يوافق أخبارهم فدعوه.

وأقول: لقد تكلمنا في الحديثين المتعارضين، وأوضحنا الوجه في الأخذ بما خالف العامّة دون ما وافقهم، فراجعه.

قال الكاتب: وقول الصادق رضي الله عنه: والله ما بقي في أيديهم شي ء من الحق إلا استقبال القبلة. انظر الفصول المهمة 325، 326.

ص: 461

وأقول: هذا حديث مرسل رواه الحر العاملي في الفصول المهمة، فلا يصح الاحتجاج به.

ولو سلّمنا بصحة الحديث فهو متَّفق مع ما رواه أهل السنة في كتبهم من أنه لم يبق عندهم شي ء كان على زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الصلاة، وقد أحدثوا فيها ما أحدثوا.

فقد أخرج البخاري في صحيحه، والمقدسي في الأحاديث المختارة، وغيرهما، بأسانيدهم عن الزهري أنه قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعتْ.

وفي رواية أخرى، قال: ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيَّعتم ما ضيَّعتم فيها؟! (1) 734

وأخرج الترمذي في سننه، وأحمد بن حنبل في المسند عن أنس أنه قال: ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: أين الصلاة؟ قال: أوَلم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم؟ (2) 735

وأخرج مالك بن أنس في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركتُ عليه الناس إلا النداء للصلاة (3) 736.

وأخرج أحمد في المسند عن أم الدرداء أنها قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: مَن أغضبك؟ قال: والله لا أعرف منهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا


1- صحيح البخاري 1/ 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها. الأحاديث المختارة 5/ 103. شعب الإيمان 3/ 134.
2- سنن الترمذي 4/ 633. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد بن حنبل 3/ 101، 208.
3- الموطأ، ص 42.

ص: 462

أنهم يصلّون جميعاً (1) 737.

وفي رواية أخرى قال: إلا الصلاة (2) 738.

وأخرج أحمد في مسنده عن أنس أيضاً أنه قال: ما أعرف شيئاً مما عهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم. فقال أبو رافع: يا أبا حمزة، ولا الصلاة؟ فقال: أوَليس قد علمت ما صنع الحَجَّاج في الصلاة؟

وأخرج أحمد في المسند، والبغوي في شرح السنة، والبوصيري في مختصر الإتحاف، والمقدسي في الأحاديث المختارة، بأسانيدهم عن أنس قال: ما أعرف فيكم اليوم شيئاً كنتُ أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قولكم: لا إله إلا الله. قال: فقلت: يا أبا حمزة، الصلاة؟ قال: قد صليت حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... (3) 739.

وأخرج الطيالسي في المسند، والبوصيري في مختصر الإتحاف عن أنس أنه قال: والله ما أعرف اليوم شيئاً كنت أعرفه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: يا أبا حمزة، والصلاة؟ قال: أوليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم؟

(4) 740.

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أنهم ضيَّعوا كل شي ء في الدين إلا شهادة ألا إله إلا الله كما في بعضها، أو الصلاة كما في بعضها الآخر، أو الأذان للصلاة كما في بعض ثالث، أو الصلاة جماعة كما في بعض رابع.

ونحن قد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا (مسائل خلافية) (5) 741، فراجعه


1- مسند أحمد بن حنبل 6/ 443، 5/ 195.
2- المصدر السابق 6/ 443.
3- مسند أحمد بن حنبل 3/ 270. شرح السنة 14/ 394. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/ 307. الأحاديث المختارة 5/ 102.
4- () مسند أبي داود الطيالسي، ص 271. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/ 307.
5- () مسائل خلافية، ص 154- 211.

ص: 463

فإنه مهم.

قال الكاتب: وقال الحر عن هذه الأخبار بأنها: (قد تجاوزت حد التواتر، فالعجب من بعض المتأخرين حيث ظن أن الدليل هنا خبر واحد).

وأقول: نحن لا ننكر ورود الأخبار الصحيحة الدالة على أن مِن مرجِّحات باب التعارض هو الأخذ بما خالف العامة للسبب الذي أوضحناه فيما مرَّ، وسواء ثبتت هذه المسألة بالتواتر أم بأخبار الآحاد فكلاهما حجة يعمل بها، وهذه مسألة أصولية لا وجه للخوض فيها هنا.

قال الكاتب: وقال أيضاً: (واعلم أنه يظهر من هذه الأحاديث المتواترة بطلان أكثر القواعد الأصولية المذكورة في كتب العامة) الفصول المهمة ص 326.

وأقول: هذا على مسلك صاحب الوسائل رحمه الله، فإنه محدِّث لا يرى حجية القواعد الأصولية التي لم تروَ من طريق الأئمة عليهم السلام، وهو خطأ واضح، وليس هنا موضع بحث هذه المسألة.

قال الكاتب: 3- إنهم لا يجتمعون مع السنة على شي ء:

قال السيد نعمة الله الجزائري: (إنا لا نجتمع معهم- أي مع السنة- على إله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربَّهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته من بعده أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن

ص: 464

الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا) (1) 742 الأنوار الجزائرية 2/ 278 باب نور في حقيقة كذا دين الإمامية والعلة التي من أجلها يجب الأخذ بخلاف ما تقوله العامة.

وأقول: إن كلام السيِّد نعمة الله الجزائري قدس سره واضح جداً، فإنه يريد بهذا الكلام لازمه، وهو نفي خلافة أبي بكر لا أكثر ولا أقل، فمراده بقوله (إن النبي الذي نصب أبا بكر خليفة لا نعتقد به) هو أنه لا يوجد نبي هكذا حتى نعتقد به، فالقضية سالبة بانتفاء موضوعها، فإن نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم لم ينصب أبا بكر خليفة.

وكذلك لا يوجد رب قد أرسل نبيًّا كان خليفته أبا بكر حتى نؤمن به، فإن ربَّنا سبحانه لم يرسل نبيًّا هكذا.

وهذا نظير قول من يقول: (إن الشيعة لا يجتمعون مع أهل السنة في رب ولا في نبي ولا في خليفة)، فإن مراده أن أهل السنة يعتقدون في الله أن له صورة كصورة آدم عليه السلام، ويداً ورِجلًا ووجهاً وساقاً وعيناً وأنه في مكان وأن صفاته كصفات الآدميين، والشيعة لا يعتقدون بأن ربّهم هكذا، بل هم ينزِّهونه عن كل ذلك.

وأهل السنة يعتقدون في النبي أنه غير معصوم فيما لا يرتبط بالتشريع، وأنه يسب ويلعن من لا يستحق، ويخرج إلى الناس وبُقَع المني في ثيابه، وأنه يبول واقفاً، ويأكل ما ذُبح على النُّصُب، وأنه أبدى عورته للناس وأمثال هذه الأمور، والشيعة ينزِّهونه عن كل ذلك.

ولا يمتنع عند أهل السنة أن يكون خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضعيفاً لا يهتدي إلى الحق إلا أن يُهدى، أو يجتهد برأيه كيف شاء، فلا يدري أصاب أم أخطأ، بل لا غضاضة عندهم في أن يحتاج هذا الخليفة إلى رعيَّته ليقوِّموه إذا أخطأ، وأن يكون له شيطان يعتريه ويستفزّه، وغير ذلك.


1- للكاتب هنا حاشية، سيأتي ذكرها وبيان ما فيها.

ص: 465

ومما قلناه يتضح أن نفي الاتفاق في هذه الأمور يراد به نفي الصفات المذكورة عن الله سبحانه، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يراد به نفي الاعتقاد بالله، أو التصديق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما لا يخفى على من يعرف أساليب الكلام.

إلا أن الإنصاف يقتضي أن نقول: إن تعبير السيّد الجزائري قدس سره: (أنّا لا نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام) بالمعنى الذي أوضحناه تعبير غير حسن، لا يحسن صدوره منه ولا من غيره وإن كان المراد منه صحيحاً وواضحاً، وذلك لأن المغرضين قد اتّخذوه وسيلة للتشويش به على العوام وإيهامهم بأن الشيعة لا يعتقدون بالله سبحانه ولا بنبوّة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما صنع الكاتب وغيره، فكان الأولى بالسيّد رحمه الله أن يذكر المعنى المراد بعبارات غير موهمة.

وللكاتب هنا حاشية نصّها: إن الواقع يثبت أن الله تعالى هو رب العالمين، ومحمد كذا صلى الله عليه وآله هو نبيّه، وأبو بكر كذا خليفة محمد على الأمة، سواء كانت خلافته شرعية أم لا.

وأقول: إن الواقع لا يثبت خلافة أبي بكر، فإنه لم يقم على خلافته أي دليل صحيح، وإنما أقام القوم عليها خيالات واهية ركيكة اعتبروها أدلة.

ولا أدري كيف يُثْبِت الواقع خلافة أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء كانت خلافته شرعية أم لا؟ فإنه إن كان الواقع يثبت خلافته فلا بد أن تكون شرعية، وإلا فهي غير شرعية.

فإن أراد الكاتب بقوله: (إن الواقع يثبت خلافة أبي بكر) مجرد تولي الحكم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا لا نتنازع فيه، وإنما النزاع في استحقاقه للخلافة وأهليته لها وشرعية تلك الخلافة.

وقال الكاتب أيضاً في تلك الحاشية: فكلام السيّد الجزائري خطير للغاية، فهو يعني: إذا ثبت أن أبا بكر خليفة محمد، ومحمد نبي الله، فإن السيّد الجزائري لا يعترف

ص: 466

بهذا الإله ولا نبيه محمد، والواقع يثبت أن أبا بكر خليفة محمد سواء كانت خلافته شرعية أم لا.

وأقول: إن كلام السيّد الجزائري واضح جداً، وقد مرَّ بيانه، وهو قدس سره قد علق نفي الألوهية ونفي النبوة على أمر محال، وهو ثبوت شرعية خلافة أبي بكر، فلا إشكال في البين، ولا نفي للألوهية والنبوة بالنتيجة.

وأما أن الواقع يثبت خلافة أبي بكر فقد أجبنا عنه.

ثم قال الكاتب: وقد عرضت الأمر على الإمام الخوئي، فسألته عن الحكم الشرعي في الموضوع بصورة غير مباشرة في قصة مشابهة، فقال: إن من يقول هذا الكلام فهو كافر بالله ورسوله وأهل البيت عليهم السلام.

وأقول: ما نسبه للخوئي قدس سره غير صحيح، ولا يمكن أن يكفّر الخوئي قائل ذلك، لما أوضحناه من معنى العبارة، ونحن لا نعلم ما هي هذه القصة المشابهة التي زعم الكاتب نقلها للخوئي، ولو سلّمنا بوقوع هذه القضية فلعل من قال كلاماً آخر يشبه كلام الجزائري يكون كافراً، لعدم كونه تعليقاً على محال، بخلاف كلام الجزائري رحمه الله.

قال الكاتب: عقد الصدوق هذا الباب في علل الشرايع فقال: عن أبي إسحق الإرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله رضي الله عنه: أتدري لم أُمِرْتم بالأخذ بخلاف ما تقوله العامة؟

فقلت: لا ندري.

فقال: (إن عليَّا لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأُمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين رضي الله عنه عن الشي ء الذي لا يعلمونه، فإذا

ص: 467

أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس) ص 531 طبع إيران.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإنها مضافاً إلى كونها مرفوعة، فقد رواها أبو إسحاق الأرجاني، وهو مهمل في كتب الرجال.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإنها تدل على أن أعداء أمير المؤمنين عليه السلام كانوا يسألونه ويخالفونه، وهو أمر ليس بمستغرَب ولا مستبعد منهم، فإن القوم قد بالغوا في عداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام حتى حاربوه بسيوفهم، وأعلنوا سبّه على المنابر سنين كثيرة، فهل يستبعد منهم مخالفة فتاواه؟!

فإذا تحقق ذلك أمكن استكشاف الحق أحياناً بالأخذ بما خالف العامة، لأنه حينئذ موافق لقول أمير المؤمنين عليه السلام.

ولا بد أن نذكِّر ههنا بأن ذلك إنما يكون في حال تعارض الأخبار وإرادة ترجيح بعضها على بعض، أو في حال فقدان النص وعدم التمكن من معرفة الحكم مع الاضطرار للمعرفة كما هو ظاهر بعض الأخبار.

قال الكاتب: ويتبادر إلى الأذهان السؤال الآتي:

لو فرضنا أن الحق كان مع العامة في مسألة ما أيجب علينا أن نأخذ بخلاف قولهم؟ أجابني السيد محمد باقر الصدر مرة فقال: نعم يجب الأخذ بخلاف قولهم، لأن الأخذ بخلاف قولهم، وإن كان خطأ فهو أهون من موافقتهم على افتراض وجود الحق عندهم في تلك المسألة.

وأقول: لم يذكر الكاتب كيف يُعلم أن الحق مع العامة في تلك المسألة؟

وكيف كان فجواب مسألته هو أن الذي أجمع عليه علماء الشيعة قديماً وحديثاً أنه لو فرض حصول العلم بالحكم الموافق للعامة، أو قام الدليل الصحيح على ما

ص: 468

يوافقهم، فإنه يجب حينئذ الأخذ به، وموافقتُه لهم لا تضر به، لأن الحق أحق أن يُتَّبع.

ونحن قد أوضحنا فيما مرَّ أن الأخذ بخلاف قول العامة إنما هو في حال وجود خبرين أو أخبار متعارضة، بعضها موافق لهم، وبعضها مخالف لهم، فلا مناص حينئذ من حمل الموافق على التقية وطرحه، والعمل بالمخالف، لا من أجل كونه مخالفاً، بل لأن الموافقة لهم دليل على صدوره من الأئمة عليهم السلام تقية.

وأما ما نسبه للسيد محمد باقر الصدر قدس سره فهو غير صحيح، لأنه مخالف لكلامه في كتبه وأبحاثه، فإنه ذكر أن مخالفة العامة ما هو إلا مرجِّح عند تعارض الأدلة الشرعية من أجل استكشاف الحكم الشرعي الصادر عنهم عليهم السلام لا على جهة التقية، وأما مع وضوح الحكم الشرعي فلا معنى للترجيح حينئذ بمخالفة العامة (1) 743.

ومجمل القول أنك لا تجد واحداً من علماء الشيعة يجوِّز طرح الحكم الشرعي الثابت بالأدلة الصحيحة من أجل مخالفة العامة، وإنما هو قول بعض علماء أهل السنة الذين جوَّزوا طرح السُّنة الثابتة لأنها صارت شعاراً للروافض كما تقدَّم بيانه.

ولكن الكاتب دأب في هذا الكتاب على إلصاق بعض مخازي القوم بعلماء الشيعة، لأجل تبرئة أهل السنة مما ابتُلوا به، إلا أنه فشل في مسعاه، وخاب في مبتغاه، لأنه جعل أدلَّته النقولات القولية المكذوبة التي لا تنفق في سوق إثبات الأحكام الشرعية والمسائل الخلافية.

قال الكاتب: إن كراهية الشيعة لأهل السنة ليست وليدة اليوم، ولا تختص بالسنة المعاصرين، بل هي كراهية عميقة تمتد إلى الجيل الأول لأهل السنة، وأعني الصحابة ما عدا ثلاثة منهم وهم أبو ذر والمقداد وسلمان، ولهذا روى الكليني عن أبي


1- راجع كتابه (تعارض الأدلة الشرعية)، ص 34، 358، 415 وغيرها.

ص: 469

جعفر قال: (كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري) روضة الكافي 8/ 246.

وأقول: إن الكراهية بين المذاهب كانت متأصلة منذ العصور الأولى، بسبب الحوادث والفتن التي حصلت بين أتباعها، والتاريخ يحدّثنا عن فتن وقعت بين الشيعة وأهل السنة، بل حوادث وفتن وقعت بين أتباع مذاهب أهل السُّنة أنفسهم من أحناف وموالك وشوافع وحنابلة.

إلا أن الشيعة كانوا أبعد الطوائف عن تأجيج نائرة الفتن، لأنهم كانوا يعملون بوصايا أئمتهم بحسن معاشرة أهل السنة وقد ذكرنا بعضها، وكانوا يمارسون التقية الشديدة التي فرضها عليهم قمع الولاة لهم، وكانوا ضعفاء مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس.

وقد نقلنا للقارئ العزيز فيما تقدم شهادة الشيخ محمد أبو زهرة بأن الشيعة الإمامية يتوددون إلى أهل السنة ولا ينافرونهم، وهو سُنّي لا يُتَّهم في هذه الشهادة.

ولو سلَّمنا أن الشيعة يبغضون أهل السنة فلا أعتقد أن الكاتب يزعم أن أهل السُّنة يحبُّون الشيعة ويودُّونهم مع ما نقلناه سابقاً من فتاوى بعض علمائهم بكفر الروافض وحرمة ذبائحهم وعدم جواز مناكحتهم والسلام عليهم وغير ذلك.

ومع كل تلك الفتاوى الصادرة من بعض علمائهم إلا أنك لا تجد في أحاديث الشيعة وفتاوى علمائهم حثًّا على بغض أهل السنة ومعاداتهم، بل ما تجده هو عكس ذلك كما مرَّ بيانه مفصَّلًا فيما تقدَّم.

قال الكاتب: لو سألنا اليهود: من هم أفضل الناس في مِلَّتِكُم؟

لقالوا: إنهم أصحاب موسى.

ص: 470

ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في أمتكم؟

لقالوا: إنهم حواريو عيسى.

ولو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم؟

لقالوا: إنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.

وأقول: هذا الكلام قد اقتبسه الكاتب من رواية طويلة رواها عبدالرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، عن الشعبي، وهي رواية ضعيفة عن الشعبي كما اعترف بذلك ابن تيمية في كتابه منهاج السنة (1) 744 وأبو بكر الخلال في كتاب السنة (2) 745.

وسواء ثبت ذلك عن الشعبي أم لم يثبت فهو هذيان لا يصلح أن يكون حُجَّة على الشيعة في شي ء، وقد استوفينا الرد عليه في كتابنا (عبدالله بن سبأ)، فراجعه ففيه فوائد جمَّة.

وأما ما نقله الكاتب من سؤال اليهود والنصارى والروافض، فهو تصوّرات واحتمالات لا تصلح دليلًا في مقام البحث والمناظرة.

ونحن لا ندري ما يقوله اليهود والنصارى في المسألة، فلعلّهم يقولون خلاف ذلك، ويثبتون الأفضلية لغير أصحاب موسى وعيسى، ولا سيما أنهم طعنوا في موسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم السلام وألصقوا بهم الفظائع.

ولو سلّمنا بأن اليهود يرون أن خير أهل ملّتهم هم أصحاب موسى، وأن النصارى يرون أن خير أهل ملَّتهم هم حواريو عيسى، فهذا لا يصلح دليلًا على أن أصحاب نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم هم خير هذه الأمّة، لأن ثبوت الأفضلية لأصحاب موسى وعيسى لا يستلزم ثبوتها لأصحاب الأنبياء الآخرين، وهذا واضح جداً لا يماري فيه إلا جاهل أو متعصب.


1- منهاج السنة 1/ 8، ط أخرى 11، 12.
2- كتاب السنة 3/ 498، قال الخلال: إسناده لا يصح.

ص: 471

ثم لماذا غيَّر الكاتب صيغة السؤال؟ فلمَ لا يُسأل الشيعة: (من خير أهل ملّتكم؟)، كما سُئل اليهود والنصارى؟

ولا ريب في أن الشيعة لو سُئِلوا هذا السؤال فإنهم سيجيبون بأن خير أهل الملة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا الجواب لا يستلزم أي إشكال على الشيعة، وإنما يلزم منه ثبوت القدح في أهل السنة الذين سفكوا دماءهم، وأزاحوهم عن مناصبهم، وجحدوا مآثرهم، وأنكروا فضائلهم، والكاتب إنما أراد بافتراض هذه الأسئلة مجرد الطعن في الشيعة لا غير، فلا بد له من تغيير صيغة السؤال ليتم له مطلوبه.

قال الكاتب: إن أصحاب محمد هم أكثر الناس تعرضاً لسب الشيعة ولعنهم وطعنهم وبالذات أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة زوجتا النبي صلوات الله عليه، ولهذا ورد في دعاء صنمي قريش: (اللهم العن صنمي قريش- أبو بكر وعمر- وجِبْتَيْهِما وطاغوتيهما كذا، وابنتيهما- عائشة وحفصة ... الخ) وهذا دعاء منصوص عليه في الكتب المعتبرة، وكان الإمام الخميني يقوله بعد صلاة صبح كل يوم.

وأقول: إن الشيعة لا يقولون بعدالة كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما يقولون بعدالة من ثبتت عدالته عندهم كائناً من كان، ومن يراهم أهل السُّنة أجلاء ويعتبرونهم من كبار الصحابة قد لا يراهم الشيعة كذلك، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي اجتهد فيها الصحابة وغيرهم، ولهذا كفَّر مشهور أهل السنة صحابياً جليلًا يراه الشيعة من أعاظم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجلَّائهم، واتفق الكل على أنه لم يألُ جهداً في بذل النصرة لرسول الله والدفاع عنه، وفي الذب عن الإسلام في مهده، وهو أبو طالب عليه السلام، ومع ذلك لم يرَ أهل السنة في الحكم بتكفيره أية غضاضة

ص: 472

عليهم، ولم يجعل الشيعة ذلك ذريعة لتكفير أهل السنة.

وأما خصوص أبي بكر وعمر وعثمان، فإن الحكم فيهم تعديلًا أو جرحاً من توابع مسألة الخلافة، وذلك لأن خلافتهم إن كانت صحيحة وشرعية، وكانت مرضية لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا مناص حينئذ من الحكم بعدالتهم وجلالتهم.

وأما إذا كانت خلافتهم غير شرعية، وكان الخليفة الشرعي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فلا ريب حينئذ في عذر من لا يقول بعدالتهم وجلالتهم.

وبما أن مسألة الخلافة لا تزال محل جدال ونزاع بين أهل السنة والشيعة، فليس من المنطقي أن يحتدم النزاع في تقييم الخلفاء من دون حل الأساس الذي يبتني عليه هذا الأمر، وهو مسألة الخلافة.

وأما مسألة عائشة وحفصة فهي أيضاً مسألة اجتهادية، ولا دليل صحيحاً عندنا يدل على ما يعتقده أهل السُّنة فيهما.

فإذا صحَّحنا الروايات التي نصَّت على أن عليًّا عليه السلام لا يبغضه إلا منافق، ولا يحبّه إلا مؤمن، وأن حربه حرب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه إمام مفترض الطاعة، فلا مناص حينئذ من الحكم بنفاق كل الذين حاربوه أو كانوا يبغضونه، أو الحكم بكونهم فسَّاقاً على الأقل، وإلا فلا يجوز الإقدام على تكفير مسلم أو الحكم بنفاقه من غير دليل صحيح.

وكذا إذا قلنا: (إن كل من خرج على أمير المؤمنين عليه السلام فهو هالك)، فلا مناص من الحكم بهلاك بعض الصحابة الذي خرجوا عليه، ومنهم عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم، وإلا فلا يصح الحكم على مسلم بالهلاك إلا بدليل صحيح.

والحاصل أن جرح أو تعديل بعض الصحابة أو بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصح فيه الاجتهاد، لأنه لا دليل متواتراً يدل على تعديل كل الصحابة وكل نساء النبي

ص: 473

صلى الله عليه وآله وسلم، والحكم بنفاق بعضهم لا يخرج المجتهد فيه عن الإسلام، ولا يخل بالعدالة إذا كان الحكم مستنداً إلى دليل ربما يكون صحيحاً.

قال الكاتب: عن حمزة بن محمد الطيار أنه قال: ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله رضي الله عنه فقال: (رحمه الله وصلى عليه، قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين يوماً من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أو ما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مُفْتَرَضٌ طاعته، وأن أبي (يريد أبا بكر أباه) في النار- رجال الكشي ص 61.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن راويها هو حمزة بن محمد الطيار، وهو مهمل، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

قال المامقاني: حمزة بن محمد الطيار، عدَّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام، وقال: (كوفي). وظاهره كونه إمامياً، إلا أن حاله مجهول (1) 746.

ومن جملة رواة هذا الخبر زُحَل عمر بن عبد العزيز، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل وصفه النجاشي بالتخليط، ووصفه الفضل بن شاذان بأنه يروي المناكير.

قال النجاشي: عمر بن عبد العزيز عربي، بصري، مخلط (2) 747.

وقال الكشي: أبو حفص، عمر بن عبد العزيز أبي بشار، المعروف بزُحَل. محمد ابن مسعود قال: حدثني عبد الله بن حمدويه البيهي، قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول: زُحَل أبو حفص يروي المناكير، وليس بغالٍ (3) 748.


1- تنقيح المقال 1/ 377.
2- رجال النجاشي 2/ 127.
3- اختيار معرفة الرجال 2/ 748.

ص: 474

وقال المامقاني: هو إمامي مجهول الحال من حيث العدالة والضبط وعدمهما، لكن الإنصاف أن مثله يُسمَّى ضعيفاً اصطلاحاً (1) 749.

ومع الإغماض عن ضعف الحديث والتسليم بصحَّته، فإنه يدل على أن محمدبن أبي بكر كان يعتقد أن أباه من أهل النار، وأنه بايع أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك، وهو أعرف بأبيه منا، واعتقاده لا يُدان به الشيعة في شي ء.

ثم إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد قبل منه هذه البيعة فلا بد أن تكون عقيدته في أبيه إما صحيحة أو لا تضر ببيعته، وذلك لأن كثيراً من الصحابة لم يكونوا يعتقدون في أبي بكر وعمر وعثمان ما يعتقده أهل السنة فيهم القداسة العظيمة التي لا يجوز معها تخطئتهم في أي موقف من مواقفهم.

قال الكاتب: وعن شعيب عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: (ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمدبن أبي بكر) الكشي ص 61.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، فإن من جملة رواتها موسى بن مصعب، وهو مهمل في كتب الرجال.

ومع الإغماض عن السند، فإن الرواية في نفسها لا تصح، وذلك لأن من المقطوع به أن بيوتاً كثيرة ليس فيها نجيب، مع أن الرواية نصَّت على أن كل بيت لا يخلو من نجيب.

ثم إن الرواية وإن كان مساقها المدح لمحمد بن أبي بكر، إلا أنها مع التدقيق فيها لا تدل على مدحٍ ذي شأن، وذلك لأنها دلَّت على أنه أنجب النجباء من أهل


1- تنقيح المقال 2/ 345.

ص: 475

بيوت السوء، لا أنجب النجباء مطلقاً، والنجباء من بيوت السوء قلائل جداً، فيكون هو أنجبهم، وهذا ليس مدحاً في واقعه كما هو واضح.

قال الكاتب: وأما عمر فقال السيد نعمة الله الجزائري:

(إن عمر بن الخطاب كان مُصاباً بداء في دُبُرِهِ لا يهدأُ إلا بماءِ الرجال) الأنوار النعمانية 1/ 63.

وأقول: لم يقل السيّد نعمة الله الجزائري رحمه الله ذلك، وإنما نقل ما قاله علماء أهل السنة في كتبهم، فقال:

وأما أفعاله- يعني عمر- الجميلة فلقد نقل منها مُحبّوه ومتابعوه ما لم ينقله أعداؤه، منها ما نقله صاحب كتاب الاستيعاب ...

إلى أن قال: ومنها: ما قاله المحقق جلال الدين السيوطي في حواشي القاموس عند تصحيح لغة الأُبْنَة، وقال هناك: (وكانت في جماعة في الجاهلية، أحدهم سيّدنا عمر). وأقبح منه ما قاله الفاضل ابن الأثير، وهما من أجلاء علمائهم، قال: (زعمت الروافض أن سيِّدنا عمر كان مخنَّثاً. كذبوا، ولكن كان به داء دواؤه ماء الرجال). وغير ذلك مما يُستقبح منا نقله، وقد قصَّروا في إضاعة مثل هذا السر المكنون المخزون، ولم أرَ في كتب الرافضة مثل هذا ... وقد نَقَلتْ أهل السنة ههنا عن إمامهم ما هو أقبح من هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1) 750.

قلت: ومما نقلناه يتَّضح للقارئ العزيز أن السيّد الجزائري رحمه الله إنما نقل هذه الأمور عن كتب أهل السُّنة لا عن كتب الشيعة، بل إنه قد صرَّح كما رأينا بخلو كتب الشيعة عن أمثال هذه المثالب، ووَصَفَ ذِكر أمثال هذه الأمور بأنها قبائح، وحوقل في


1- الأنوار النعمانية 1/ 63.

ص: 476

ختام كلامه.

فالعجب من أمانة الكاتب الذي نسب هذا القول للسيِّد الجزائري مع أنه كان مجرد ناقل لا أكثر ولا أقل.

ولا أدري لمَ استاء الكاتب من هذا النقل، مع أن ظاهر العبارة الأولى التي نقلها السيد الجزائري عن السيوطي أن الأمر كان في الجاهلية، وأهل الجاهلية كانوا يفعلون كل قبيح ومنكر، ولم يقل أهل السنة: (إن عمر بن الخطاب كان في الجاهلية يتحاشى عن بعض أفعالها)، ولهذا رووا في كتبهم أن عمر كان في الجاهلية يعبد الأوثان ويشرب الخمر ويئد البنات وغيرها، ولم يرَوا في نقل هذه القبائح غضاضة عليه، لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله.

قال الكاتب: واعلم أن في مدينة كاشان الإيرانية في منطقة تسمى (باغي فين) مشهداً على غرار الجندي المجهول فيه قبر وهمي لأبي لؤلؤة فيروز الفارسي المجوسي قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، حيث أطلقوا عليه ما معناه بالعربية (مرقد بابا شجاع الدين) وبابا شجاع الدين هو لقب أطلقوه على أبي لؤلؤة لقتله عمر بن الخطاب، وقد كتب على جدران هذا المشهد بالفارسي (مرك بر أبو بكر، مرك بر عمر، مرك بر عثمان) ومعناه بالعربية: الموت لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان.

وهذا المشهد يُزَارُ من قبَلِ الإيرانيين، وتُلْقَى فيه الأموال والتبرعات، وقد رأيت هذا المشهد بنفسي، وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد باشرت بتوسيعه وتجديده وفق كذا ذلك قاموا بطبع صورة المشهد على كارتات تستخدم لإرسال الرسائل والمكاتيب.

وأقول: لو سلَّمنا بصحَّة ما نقله الكاتب فمن الواضح أنه لا عبرة بتصرفات

ص: 477

العوام، وهي لا تدل على معتقد الشيعة، وإنما العبرة بما قاله أساطين علماء الشيعة في كتبهم المعتمدة، وإلا فما أكثر البدع والمستحدثات التي يعملها أهل السُّنة في بلدانهم، ومن أراد الاطلاع على كثرتها فليرجع إلى كتبهم المعدَّة لبيان ذلك، كأحكام الجنائز وبدعها لمحمد ناصر الدين الألباني، و (معجم البدع) لرائد بن صبري بن أبي علفة، وغيرهما.

قال الكاتب: روى الكليني عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: (... إن الشيخين- أبا بكر وعمر- فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين رضي الله عنه، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) روضة الكافي 8/ 246.

وأقول: هذا الحديث ضعيف السند، فإن الكليني رحمه الله رواه عن حنَّان بلا واسطة، وهو لم يدرك حنَّاناً، لأن حنَّاناً كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، والكليني عاش في عصر الغيبة الصغرى (1) 751.

وحيث إن الكليني عليه الرحمة يروي عن حنان بواسطة أو واسطتين، وفي بعضها عبد الرحمن بن حماد، وفي بعضها السياري، وفي بعض آخر محمد بن علي الهمداني، وفي غيرها سهل بن زياد، ومنصور بن العباس، وفي بعضها عبد الله بن الخطاب، وسلمة بن الخطاب، وفي بعضها صالح السندي، وهؤلاء كلهم لم تثبت وثاقتهم في كتب الرجال، فلا يصح التعويل على ما رواه الكليني عن حنان من دون ذكر الواسطة.

هذا مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة والد حنان، وهو سدير الصيرفي وإن وثَّقه جملة من علمائنا رضوان الله عليهم.


1- راجع معجم رجال الحديث 6/ 300.

ص: 478

ومع الإغماض عن سند الحديث فإنه لا دلالة فيه على أن المراد بالشيخين أبو بكر وعمر، فلعلّهما طلحة والزبير، أو معاوية وعمرو بن العاص، أو شيخان آخران لا نعرفهما، ومع تسليم أن المراد بهما أبو بكر وعمر وثبوت الخبر عن الصادقين عليهم السلام فلا مناص لنا من الأخذ به والتعويل عليه، لأنا مأمورون باتباعهم دون من سواهم.

قال الكاتب: وأما عثمان فعن علي بن يونس البياضي: كان عثمان ممن يُلْعَبُ به، وكان مُخَنّثاً. الصراط المستقيم 2/ 30.

وأقول: إن البياضي العاملي رحمه الله قد نقل هذا الكلام عن الكلبي في كتاب المثالب (1) 752، وهو كتاب ذكر فيه مثالب قريش، ومن ضمنهم عثمان بن عفان.

ولعل المراد بقوله: (يُلعَب به) أن مروان بن الحكم وغيره كانوا يسوقون عثمان كيفما شاؤوا، ويقودونه إلى ما يريدون، وهو ضعيف أو يتضعَّف، لا أنه كان يُعبَث به جنسيًّا.

قال الطبري في حوادث سنة 35 ه- من تاريخه: قال علي: عياذ الله يا للمسلمين، إني إن قعدت في بيتي قال لي عثمان: (تركتني وقرابتي وحقّي)، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان، فصار سيِّقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر سنّه وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) 753.

أو أن المراد أنهم لا يعتنون بقوله، ولا يمتثلون أمره، كما ورد في رواية ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارحموا ثلاثة: غني قوم افتقر، وعزيزاً ذل، وعالماً يلعب به الحمقى والجهال (3) 754.


1- الصراط المستقيم 2/ 334.
2- تاريخ الطبري 3/ 398.
3- مسند الشهاب 1/ 427.

ص: 479

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن، والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، لعزيز ذل، وغني افتقر، وعالم يلعب به الجهال (1) 755.

وأما المخنَّث فهو من فيه انخناث وهو التكسّر والتثني كما في النساء، ولا يراد به الذي يُلاط به كما قد يفهمه بعض العوام.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وليس المخنَّث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة وتُنسب إليه، وإنما المخنَّث شدة التأنيث في الخلقة، حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة وفي العقل والفعل، وسواء كانت فيه عاهة الفاحشة أم لم تكن، وأصل التخنّث التكسّر واللين (2) 756.

ثم إن الذي ذكره ابن الكلبي أن عثمان كان يتخنَّث، أي يتشبَّه في اللين والكلام بالمرأة، لا أنه كان مخنَّثاً بالفعل كما نقله الكاتب.

قال الكاتب: وأما عائشة فقد قال ابن رجب كذا البرسي: (إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة) مشارق أنوار اليقين ص 86.

وأقول: هذا الخبر رواه الحافظ رجب البرسي مرسلًا، ورواه غيره بسند فيه: علي بن الحسين المقري الكوفي، ومحمد بن حليم التمار، والمخول بن إبراهيم، عن زيدبن كثير الجمحي، وهؤلاء كلهم مجاهيل، لا ذكر لهم في كتب الرجال.

قال المجلسي قدس سره: وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول (3) 757.


1- الفردوس بمأثور الخطاب 2/ 14.
2- التمهيد 13/ 269.
3- بحار الأنوار 32/ 107.

ص: 480

ومع الإغماض عن سند الرواية، فالخيانة فيها لا يراد بها ارتكاب الفاحشة كما أراد الكاتب أن يوهم قُرَّاءه به، لأن الخيانة خلاف الأمانة، وهي أخذ المال أو التصرُّف فيه بغير وجه حق.

ثم إن خيانة كل امرأة بحسبها، فقد تكون في المال وقد تكون في غيره.

قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث البخاري (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها): فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زيَّن لها إبليس حتى زينتْه لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش، حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة، وحسَّنتْ ذلك لآدم عُدَّ ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها، وقريب من هذا حديث: (جحد آدم فجحدت ذريته) (1) 758.

ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى عن امرأة نوح وامرأة لوط بأنهما خانتا زوجيهما في قوله تعالى ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (2) 759.

ولا ريب في أنه لا يراد بالخيانة هنا ارتكاب الفاحشة، فإن نساء الأنبياء منزَّهات عن ذلك، حتى مَن كانت منهن من أصحاب النار.

قال القرطبي في تفسيره: وقوله فَخَانَتَاهُمَا يعني في الدِّين، لا في الفراش، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون، وذلك أنها قالت له: أمَا ينصرك ربك؟ فقال لها: نعم. قالت: فمتى؟ قال: إذ فار التنور. فخرجت تقول لقومها: يا قوم والله


1- فتح الباري 6/ 283.
2- سورة التحريم، الآية 10.

ص: 481

إنه لمجنون، ويزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور هذا التنور. فهذه خيانتها، وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف (1) 760.

ومما قلناه يتضح أنه لا محذور في وقوع أمثال هذه الخيانات من أزواج الأنبياء والصلحاء.

هذا مع أن الخبر لم ينسب الخيانة لعائشة، وإنما وصف المال بأنه جُمع من خيانة، وأما الخائن فهو غير مذكور في الرواية.

فلعلّ خيانة المال- لو قلنا بصحّة الخبر- كانت صادرة من معاوية الذي كان يتصرَّف في أموال المسلمين كيفما شاء، فلعلّه وهب لعائشة بعض الأموال لتفرِّقها في أعداء أمير المؤمنين عليه السلام، والله أعلم.

ولا ينقضي العجب من هذا الكاتب الذي يحاول إدانة الشيعة بهذا الخبر الضعيف الذي لم يفهم معناه، ويتعامى عن الأحاديث الكثيرة الصريحة المخزية التي رواها أهل السنة في مصادرهم المعتمدة وصحَّحوها، والتي ينسبون فيها لعائشة أموراً قبيحة، كتهمتها بالزنا التي ذكروا كل تفاصيلها في الحديث المعروف بحديث الإفك (2) 761، وكذا روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يباشرها وهي حائض (3) 762، وأنه كان يقبِّلها ويمص لسانها وهو صائم (4) 763، وأنه كان يغتسل معها في إناء واحد (5) 764، وأنها كانت تحك المني


1- الجامع لأحكام القرآن 9/ 47.
2- صحيح البخاري 3/ 1490. سنن الترمذي 5/ 332. مسند أحمد 6/ 59.
3- تقدم تخريجه في الجزء الأول، صفحة 278- 279.
4- سبق تخريجه في الجزء الأول، صفحة 174- 175.
5- صحيح البخاري 1/ 102، 104، 106، 114، 120، 2/ 573، 4/ 1886. صحيح مسلم 1/ 255- 257. صحيح ابن خزيمة 1/ 118، 119، 124. صحيح ابن حبان 3/ 395، 467، 468، 476، 4/ 74، 75. سنن الترمذي 1/ 91، 4/ 233. سنن أبي داود 1/ 20، 62. سنن النسائي 1/ 138، 139، 140- 142، 220، 221، 222. سنن ابن ماجة 1/ 133- 134، 198. مسند الشافعي، ص 9.

ص: 482

من ثوبه (1) 765، وأنه كان يجامعها من غير إنزال أحياناً فيغتسل (2) 766، وأنها كانت تكشف له عن فخذها وهي حائض، فيضع خدّه وصدره على فخذها، فتحني عليه فينام (3) 767.

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف بسنده عن عائشة أنها شوَّفَتْ (4) 768 جارية وطافت بها. وقالت: لعلنا نصطاد بها شباب قريش (5) 769.

إلى غير ذلك مما لا يحسن ذِكره.

ولا بأس أن نختم الكلام بنقل ما قاله بعض علماء الشيعة الإمامية في تنزيه نساء الأنبياء عن فعل الفواحش.

فقد قال السيد المرتضى قدس سره في أماليه في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة، وإنما وُلد على فراشه: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم (6) 770.

وقال العلامة الطباطبائي في الرد أيضاً:

وفيه: أنه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء عليهم السلام، والذوق


1- سبق تخريجه في الجزء الأول، صفحة 101- 102.
2- صحيح مسلم 1/ 272. صحيح ابن حبان 3/ 451، 452، 456، 458. سنن الترمذي 1/ 181. سنن ابن ماجة 1/ 199. السنن الكبرى للنسائي 1/ 108، 5/ 352. مسند أحمد 6/ 68، 110، 161. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 164. سنن الدارقطني 1/ 111، 112. مسند الشافعي، ص 160.
3- سنن أبي داود 1/ 70. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 313. الأدب المفرد، ص 54. تفسير ابن كثير 1/ 259.
4- أي: زيَّنَتْ.
5- المصنف لابن أبي شيبة 4/ 49.
6- أمالي المرتضى 1/ 503.

ص: 483

المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل، أنه ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور، فليس في القصة إلا قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، وليس بظاهر فيما تجرَّأوا عليه، وقوله في امرأة نوح: امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا، التحريم: 10، وليس إلا ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين، تواليان أعداء زوجيهما، وتسران إليهم بأسرارهما، وتستنجدانهم عليهما (1) 771.

وقال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان في تفسير قوله تعالى ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا:

قال ابن عباس: (كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما، وما زنت امرأة نبي قط)، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولًا لمحصِّل (2) 772.

قال الكاتب: وإني أتساءل: إذا كان الخلفاء الثلاثة بهذه الصفات فَلِمَ بايعهم أمير المؤمنين رضي الله عنه؟ ولم صار وزيراً لثلاثتهم طيلة مدة خلافتهم؟ أكان يخافهم؟ معاذالله.

وأقول: بغض النظر عن الأخبار الضعيفة التي ذكرها الكاتب، فإنه لم يثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام قد بايع القوم بطيب نفسه وباختياره وقناعته، بل جاء في صحيح البخاري ومسلم أن أمير المؤمنين عليه السلام قد امتنع عن مبايعة أبي بكر ستة أشهر.

ففي حديث طويل أخرجاه في الصحيحين بسندهما عن عائشة قالت: إن


1- الميزان في تفسير القرآن 10/ 235.
2- التبيان في تفسير القرآن 10/ 52.

ص: 484

فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خُمس خيبر ...

إلى أن قالت: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرتْه فلم تكلمه حتى توفيتْ، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلًا، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكر، وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ... (1) 773.

ونحن نسأل الكاتب وغيره: لماذا امتنع أمير المؤمنين عليه السلام عن مبايعة أبي بكر كل هذه المدّة؟

هل كان يراه أهلًا للخلافة وأنه مستحق لها فلم يبايعه، فيكون متخلّفاً عن واجب مُهِم من الواجبات الدينية؟

أو أنه كان لا يراه أهلًا لها كل هذه المدة، فكيف تجددت له الأهليّة للخلافة بعد ستة أشهر؟

ولو سلَّمنا أنه عليه السلام بايع القوم فلعلّه عليه السلام بايعهم من أجل لَمِّ الشمل ورأب الصدع حذراً من رجوع الكفر وبزوغ النفاق.

فهل تدل بيعته إذا كانت لهذه الغاية على كفاءتهم وأهليتهم للخلافة واستحقاقهم لها؟

وهل يرى الكاتب أن ترك أمير المؤمنين عليه السلام للخلاف ومنابذة القوم بالسيف مع عدم وجود الناصر دالٌّ على أهليَّتهم وشرعية خلافتهم؟

ثم إن الخلفاء الثلاثة كانوا يستشيرونه فيما يلم بهم من قضايا، وكانوا يستفتونه فيما يجهلونه من أحكام، ثم يصدرون عن قوله، ويأخذون بحكمه، ولم يكن عليه السلام


1- صحيح البخاري 3/ 1286. صحيح مسلم 3/ 1380. صحيح ابن حبان 11/ 153، 573.

ص: 485

يتبعهم في أحكامهم، أو يقلّدهم في فتاواهم، فهل كان نصحه لهم من أجل الإسلام واتباعهم له دليلًا على شرعية خلافتهم وأهليتهم لها؟

هذا مضافاً إلى أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أوضح موقفه في خطبته الشقشقية بما لا يدع مجالًا للريب حيث قال: أما والله لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القُطب من الرَّحى، ينحدر عني السَّيْل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلتُ دونها ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتَئي بين أن أَصول بِيَد جذَّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً (1) 774.

فهل يصح لقائل بعد هذا كله أن يقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان راضياً بخلافتهم، ومعتقداً بأهليَّتهم؟!

قال الكاتب: ثم إذا كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مُصَاباً بداء في دبره ولا يهدأ إلا بماء الرجال كما قال السيد الجزائري، فكيف إذن زوجه أمير المؤمنين رضي الله عنه ابنته أم كلثوم؟ أكانت إصابته بهذا الداء، خافية على أمير المؤمنين رضي الله عنه وعرفها السيد الجزائري؟! .. إن الموضوع لا يحتاج إلى أكثر من استعمال العقل للحظات.

وأقول: لقد أوضحنا فيما مرَّ أن السيّد نعمة الله الجزائري رحمه الله لم يقل: (إن عمر كان مصاباً بالأبنة)، وإنما نقل ذلك من بعض كتب أهل السُّنة، ونفى أن يكون مذكوراً في كتب الشيعة، فعهدته عليهم لا على الشيعة.


1- نهج البلاغة، ص 32. علل الشرائع 1/ 181. معاني الأخبار، ص 361. الإرشاد للمفيد، ص 153. الجمل للمفيد، ص 92. أمالي الطوسي، ص 372. الاحتجاج للطبرسي 1/ 282. مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب 2/ 232. الطرائف لابن طاووس، ص 418.

ص: 486

وأما مسألة تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته أم كلثوم لعمر فقد تكلمنا فيها فيما تقدم فلا حاجة لإعادتها، وأوضحنا هناك أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مُكرَهاً للأسباب التي ذكرناها، بغض النظر عن أن عمر كان مصاباً بذلك الداء أو لم يكن مصاباً به، فإن ذلك لا يغيِّر شيئاً في المسألة.

قال الكاتب: روى الكليني: (إن الناس كلهم أولاد زنا أو قال بغايا ما خلا شيعتنا) الروضة 8/ 135.

وأقول: هذا الحديث ضعيف السَّند، فإن من جملة رواته علي بن العباس، وهو الخراذيني أو الجراذيني، وهو ضعيف.

قال النجاشي في رجاله: علي بن العباس الخراذيني الرازي، رُمي بالغلو وغُمز عليه، ضعيف جداً (1) 775.

وقال ابن الغضائري: علي بن العباس الجراذيني، أبو الحسن الرازي، مشهور، له تصنيف في الممدوحين والمذمومين يدل على خبثه وتهالك في مذهبه، لا يُلتفت إليه ولا يُعبَأ بما رواه (2) 776.

ومنهم: الحسن بن عبد الرحمن، وهو مهمل في كتب الرجال.

وعليه فلا يصح الاحتجاج بهذه الرواية الضعيفة؟!

هذا مع أن علماء الإمامية قد ذهبوا إلى صحة أنكحة الكفار والمخالفين، فكيف يكونون أبناء زنا؟!

قال السيّد المرتضى قدَّس الله نفسه الزكية:


1- رجال النجاشي 2/ 78.
2- رجال ابن الغضائري، ص 79.

ص: 487

فأما الناصب ومخالف الشيعة فأنكحتهم صحيحة ... وكيف يجوز أن نذهب إلى فساد عقود أنكحة المخالفين ونحن وكل مَن كان قبلنا من أئمتنا عليهم السلام وشيوخنا نسبوهم إلى آبائهم، ويدعونهم إذا دعوهم بذلك؟ ونحن لا ننسب ولد زنية إلى مَنْ خُلق مِن مائه ولا ندعوه به، وهل عقود أنكحتهم إلا كعقود قيناتهم؟ ونحن نبايعهم ونملك منهم بالابتياع، فلولا صحَّة عقودهم لما صحَّت عقودهم في بيع أو إجارة أو رهن أو غير ذلك ... وهذا مما لا شبهةفيه (1) 777.

ولا بأس أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن الكاتب قد حرَّف الحديث الذي نقله كما هي عادته، فإن العبارة الواردة في الحديث هي: (إن الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا)، وليس في الحديث أن الناس أولاد زنا، فراجعه.

والفرق بين كونهم أولاد زنا وأولاد بغايا، أن أولاد الزنا هم الذين تولَّدوا من زنا، وأما إذا كانت أمهاتهم بغايا فلا يلزم أن يكون تولُّدهم من الزنا، إذ يمكن أن يولدوا من بغايا ولكن بنكاح صحيح.

ولو سلَّمنا بصحة الحديث فلعل المراد بالبغايا الإماء، فإن الأمة يُطلق عليها بَغِي، سواءاً أكانت فاجرة أم لا.

قال ابن الأثير في النهاية: ويقال للأَمة بَغِيٌّ وإن لم يُرَدْ به الذم، وإن كان في الأصل ذمًّا (2) 778.

وقال ابن منظور في لسان العرب: قال أبو عبيد: البغايا الإماء، لأنهن كنَّ يَفجُرْن. يقال: قامت على رؤوسهم البغايا، يعني الإماء، الواحدة بَغِي، والجمع بغايا ... ثم كثر في كلامهم حتى عَمُّوا به الفواجر، إماءاً كنَّ أو حرائر (3) 779.

فلعل الإمام عليه السلام- إن صحَّ الحديث- يريد جماعة مخصوصة موصوفين بأن


1- رسائل السيد المرتضى 1/ 400.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 144.
3- لسان العرب 14/ 77.

ص: 488

أمهاتهم إماء أو فواجر، واستثنى منهم من كانوا من شيعة أهل البيت عليهم السلام، والله أعلم.

قال الكاتب: ولهذا أباحوا دماء أهل للسنة وأموالهم، فعن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه: ما تقول في قتل الناصب؟ فقال: (حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل) وسائل الشيعة 18/ 463، بحار الأنوار 27/ 231.

وأقول: إن علماء الشيعة لم يبيحوا دماء أهل السُّنة وأموالهم كما مرَّ، والحديث الذي استشهد به الكاتب يدل على إباحة دم الناصبي، وهو المتجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، وليس كل سُنّي ناصبياً كما مرَّ، فدليل الكاتب مغاير لدعواه، ونحن تكلّمنا في هذه المسألة فيما تقدَّم فلا حاجة لتكرار الكلام فيها.

قال الكاتب: وعلق الإمام الخميني على هذا بقوله: فإن استطعت أن تأخذ ماله فخذه وابعث إلينا بالخمس.

وأقول: بما أن هذه الرواية- كباقي رواياته- غير مسندة فلا قيمة لها حتى نرد عليها.

ونحن قلنا فيما مرَّ: إن الناصبي هو المتجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، وهو حلال الدم والمال ولا حرمة له ولا كرامة، لأنه كافر جزماً، لكن ليس المراد به السُّنّي كما أوضحناه فيما تقدم.

ص: 489

قال الكاتب: وقال السيد نعمة الله الجزائري: (إن علي بن يقطين وزير الرشيد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمئة رجل) الأنوار النعمانية 2/ 308.

وأقول: هذه الرواية مرسلة لم نجدها في كتب الأخبار المعروفة وغيرها، فكيف صحَّ للكاتب أن يعوِّل عليها في إدانة الشيعة؟!

هذا مع أن الكاتب بتر الرواية كعادته، ولم ينقلها كاملة، وفيها أن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أمره بأن يكفِّر عن كل واحد قتله بتيس، وهذا دليل على أن علي بن يقطين قد ارتكب محرَّماً، وإلا لما وجبت عليه الكفارة.

ثم لماذا تناسى الكاتب كم شيعي قتله الأمويون والعباسيون وغيرهم على مرّ العصور؟

ألم يقرأ الكاتب كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني الأموي، الذي أورد فيه جرائم الأمويين والعباسيين في حق العلويين فضلًا عن شيعتهم ومواليهم؟!

ونحن في غنى عن نبش التاريخ والبحث فيه عن الشيعة الذين قتلهم حُكَّام أهل السُّنة من غير جرم ولا جناية، ابتداءاً من معاوية وزياد بن أبيه والحجَّاج، ومروراً بباقي الخلفاء الأمويين والعباسيين، وانتهاءاً بما وقع في العصر الحاضر من مجازر ومذابح لا تخفى على الكاتب الذي هو من أدرى الناس بأمثال هذه الحوادث.

قال الكاتب: وتُحَدِّثُنا كتب التاريخ عما جرى في بغداد عند دخول هولاكو فيها، فإنه ارتكب أكبر مجزرة عرفها التاريخ، بحيث صبغ نهر دجلة باللون الأحمر

ص: 490

لكثرة من قتل من أهل السنة، فأنهارٌ من الدماء جرت في نهر دجلة حتى تغير لونه فصار أحمر، وصبغ مرة أخرى باللون الأزرق لكثرة الكتب التي ألقيت فيه، وكل هذا بسبب الوزيرين القصير كذا الطوسي ومحمد بن العلقمي فقد كانا وزيرين للخليفة العباسي، وكانا شيعيين وكانت تجري بينهما وبين هولاكو مراسلات سرية حيث تمكنا من إقناع هولاكو بدخول بغداد، وإسقاط الخلافة العباسية التي كانا وزيرين فيها، وكانت لهما اليد الطُّولى في الحكم، ولكنهما لم يرتضيا تلك الخلافة لأنها تدين بمذهب أهل السنة، فدخل هولاكو بغداد، وأسقط الخلافة العباسية، ثم ما لبثا حتى صارا وزيرين لهولاكو مع إن هولاكو كان وثنياً.

وأقول: كان ينبغي على الكاتب أن يذكر مصادر هذه القصة التي اعتمدها، وأن يثبت أن أسانيدها صحيحة، حتى يصح اتهام الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي بإقناع هولاكو بدخول بغداد، وأما ترديد ما يقوله أعداء الشيعة واعتباره حقائق من دون تحقيق وإثبات فهو غير مقبول في مقام البحث العلمي.

والمعروف أن الخلافة العباسية في نهاياتها قد استولى عليها الأتراك والمماليك والنساء وغيرهم، وصار الخليفة العباسي مجرد اسم لا يحل ولايعقد.

هذا مع انشغال الخلفاء بالمجون والشراب والبذخ وغيرها من المظاهر المعلومة التي كانت هي السبب الحقيقي وراء سقوط الدولة العباسية، لا مجرّد مكاتبة كتبها ابن العلقمي الذي وصفوه بالرافضي، وحمَّلوا آثامه كل الشيعة في كل الأزمنة الماضية واللاحقة.

على أن الذهبي قد ذكر أن مؤيد الدين ابن العلقمي أراد أن ينتقم بسيف التتار من السنة والشيعة واليهود والنصارى.

فقال في كتابه سير أعلام النبلاء: وكان أبو بكر ابن المستعصم والدويدار الصغير قد شدَّا على أيدي السُّنّة، حتى نُهب الكرخ، وتمَّ على الشيعة بلاء عظيم،

ص: 491

فحنق لذلك مؤيَّد الدين بالثأر بسيف التتار من السُّنّة، بل ومن الشيعة واليهود والنصارى (1) 780.

هذا مع أن دور ابن العلقمي الذي ذكره ابن العبري المتوفى سنة 685 ه-، وهو ممن عاصر أحداث سقوط بغداد، مختلف جداً عما ذكره بعض مؤرّخي أهل السنة.

فقد قال في كتابه (تاريخ مختصر الدول): لما فتح هولاكو تلك القلاع- أي قلاع الإسماعيلية- أرسل رسولًا إلى الخليفة، وعاتبه على إهماله تسيير النجدة، فشاوروا الوزير- ابن العلقمي- فيما يجب أن يفعلوه، فقال: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبّار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه، وعندما أخذوا في تجهيز ما يسيرونه قال الدويدار الصغير وأصحابه: (إن الوزير إنما يدبِّر شأن نفسه مع التتار، وهو يروم تسليمنا إليهم، فلا تمكّنه من ذلك)، فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة، واقتصر على شي ء نزر لا قدر له، فغضب هولاكو وقال: (لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسيِّر أحد ثلاثة نفر: إما الوزير، وإما الدويدار، وإما سليمان شاه)، فقدم الخليفة إليهم بالمضي فلم يركنوا ... فسير غيرهم فلم يجديا عنه (2) 781.

والذي يظهر أن اتّهام الوزير ابن العلقمي كان بسبب التحاسد واختلاف المذاهب بين ابن الخليفة والدويدار، لا بسبب أن ابن العلقمي كاتب هولاكو وحرضه على غزو بغداد.

ومن الملاحظ أن الكاتب لم يعتمد على مصادر تاريخية موثّقة تُدِين ابن العلقمي إلا كتابات أهل السُّنة التي تناقلوها من غير توثيق، والتي يظهر منها أنهم أرادوا باتهام ابن العلقمي الشيعي إلقاء تبعة سقوط خلافتهم على الشيعة بدلًا من الاعتراف بالتسبب فيها وتحمل تبعاتها.

ولو كان ابن العلقمي قد كاتب هولاكو كما يزعمون لأصبح له شأن بعد


1- سير أعلام النبلاء 23/ 362.
2- تاريخ مختصر الدول، ص 269.

ص: 492

سقوط بغداد، مع أنهم ذكروا أن ابن العلقمي مات بعد ذلك بثلاثة أشهر، ومات أخوه قبله بأيام، ومات ابنه محمد بعده (1) 782.

كما أن من المستبعد جداً أن يحاول ابن العلقمي الثأر من أهل السنة بمكاتبة هولاكو لدخول بغداد من غير معاهدة بينهما على الكف عن الشيعة، لأنا لم نرَ أحداً من مؤرخي أهل السنة- حتى غير المنصفين منهم- قد ذكر أن هولاكو عاهد ابن العلقمي على ذلك، أو أن الذين قتلهم التتار كانوا من أهل السنة فقط.

ثم أين كانت جيوش الخلافة العباسية؟ وأين كان قوَّاد الجيش ورجالات الدولة؟ وكيف استطاع ابن العلقمي أن يعبث بعقول هؤلاء كلهم، فيمكِّن هولاكو من دخول بغداد واحتلالها بدون أية مقاومة تذكر؟

كل هذا يؤكِّد أن ابن العلقمي كان بريئاً مما ألصقوه به من تُهم وافتراءات، وأن سبب سقوط خلافتهم هو انغماس الخلفاء في المجون والشهوات، وصيرورة أمور الخلافة بيد المماليك والأتراك والنساء والخدم.

وأما نصير الدين الطوسي قدس سره فلم أطَّلع على من اتّهمه منهم بالضلوع في الخيانة وتمكين التتار من الاستيلاء على بغداد كما اتّهموا العلقمي بذلك، فلا أدري من أين جاء الكاتب بذلك؟!

نعم ذكر ابن كثير أنه كان مع هولاكو، إلا أنه لم يذكر أن له ضلعاً في أحداث بغداد، حيث قال: النصير الطوسي محمد بن عبد الله الطوسي، كان يقال له: المولى نصير الدين، ويقال: الخواجا نصير الدين، اشتغل في شبيبته وحصَّل علم الأوائل جيداً، وصنَّف في ذلك في علم الكلام، وشرح الإشارات لابن سينا، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان معه في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة، فالله أعلم، وعندي أن


1- سير أعلام النبلاء 23/ 362.

ص: 493

هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل، وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه، وقال: كان عاقلًا فاضلًا كريم الأخلاق ... (1) 783.

قال الكاتب: ومع ذلك فإن الإمام الخميني يترضى على ابن يقطين والطوسي والعلقمي ويعتبر ما قاموا به يُعد من أعظم الخدمات الجليلة لدين الإسلام.

وأقول: هذه الحكاية كغيرها من حكاياته التي لا قيمة لها، ولا أدري كيف يزعم أن السيد الخميني قدّس سره يعتبر قتل خمسمائة رجل في السجن أو إسقاط بغداد بيد التتار من أعظم الخدمات للإسلام؟!

ومع عدم ثبوت أي دور لنصير الدين الطوسي في أحداث بغداد كيف يمكن ادّعاء أن ما قام به خدمة من أعظم الخدمات؟!

قال الكاتب: وأختم هذا الباب بكلمة أخيرة وهي شاملة وجامعة في هذاالباب قول السيد نعمة الله الجزائري في حكم النواصب (أهل السنة) فقال: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شرّ من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه في الإمامة) الأنوار النعمانية/ 206، 207.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم أن النواصب هم المتجاهرون بعداوتهم وببغضهم لأهل البيت عليهم السلام، ولا يراد بهم أهل السنة كما أصرَّ عليه الكاتب.

هذا مع أن الكاتب قد حرَّف كلام السيِّد نعمة الله الجزائري أشد التحريف،


1- البداية والنهاية 13/ 283.

ص: 494

فجاء به مختلفاً بالكلية.

وإليك ما قاله السيّد الجزائري في كلامه في الناصبي، حيث قال:

وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين:

الأول: في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه نجس وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي، وأنه كافر نجس بإجماع علماء الشيعة الإمامية رضوان الله عليهم، فالذي ذهب إليه أكثر الأصحاب هو أن المراد به من نصب العداوة لآل بيت محمد صلى الله عليه وآله، وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر، ورتَّبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصب بهذا المعنى.

إلى أن قال: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن علامة النواصب تقديم غير علي عليه. وهذه خاصة شاملة لا خاصة، ويمكن إرجاعها أيضاً إلى الأول، بأن يكون المراد تقديم غيره عليه على وجه الاعتقاد والجزم، ليخرج المقلِّدون والمستضعفون، فإن تقديمهم غيره عليه إنما نشأ من تقليد علمائهم وآبائهم وأسلافهم، وإلا فليس لهم إلى الاطلاع والجزم بهذا سبيل (1) 784.

وكلامه قدس سره واضح، فإنه صرَّح بأن الناصب هو المتجاهر بالعداوة والبغض لأهل البيت عليهم السلام، وحصر النواصب في الخوارج وبعض ما وراء النهر، وذكر أن هذا هو مذهب أكثر علماء الإمامية، إلا أنه رحمه الله أشار إلى رواية تدل على أن الناصب هو من قدَّم غير علي عليه السلام عليه، وهو لم يصحِّحها أو يعوِّل عليها، بل احتمل أن التقديم المستلزم للنصب هو ما كان عن اعتقاد وجزم، وأغلب أهل السنة مقلِّدون لعلمائهم، فلا يمكن الحكم عليهم بأنهم نواصب حتى لو صحّت هذه الرواية.


1- الأنوار النعمانية 2/ 306- 307.

ص: 495

قال الكاتب: وهكذا نرى أن حكم الشيعة في أهل السنة يتلخص بما يأتي: إنهم كفار، أنجاس، شر من اليهود والنصارى، أولاد بغايا، يجب قتلهم وأخذ أموالهم، لا يمكن الالتقاء معهم في شي ء لا في رب، ولا في نبي، ولا في إمام ولا يجوز موافقتهم في قول أو عمل، ويجب لعنهم وشتمهم وبالذات الجيل الأول أولئك الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، والذين وقفوا مع رسول الله صلوات الله عليه في دعوته وجهاده، وإلا فقل لي بالله عليك من الذي كان مع النبي صلوات الله عليه في كل المعارك التي خاضها مع الكفار؟ فمشاركتهم في تلك الحروب كلها دليل على صدق إيمانهم وجهادهم فلا يلتفت إلى ما يقوله فقهاؤنا.

وأقول: لقد اتضح من كل ما قلناه فساد ما ألصقه الكاتب بالشيعة واتّهمهم به، وأنه إنما اعتمد على نقل أخبار إما ضعيفة أو حملها على غير ما يراد منها، أو نقل عن بعض علماء الشيعة خلاف ما أرادوه بأن حرَّف كلامهم ونسب إليهم ما هم منه براء.

كما اتضح من كلامنا السابق أن الكاتب زعم أن الشيعة يعتبرون كل أهل السنة نواصب، وأنهم يجرون عليهم أحكام النواصب من الحكم بكفرهم ونجاستهم وعدم حلِّية التزاوج معهم، وهذا زعم باطل قد أوضحنا عواره كله بحمد الله وفضله.

قال الكاتب: لما انتهى حكم آل بهلوي في إيران على أثر قيام الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني زمام الأمور فيها، توجب على علماء الشيعة زيارة وتهنئة الإمام بهذا النصر العظيم لقيام أول دولة شيعية في العصر الحديث يحكمها الفقهاء.

وكان واجب التهنئة يقع عليَّ شخصياً أكثر من غيري لعلاقتي الوثيقة بالإمام

ص: 496

الخميني. فزرت إيران بعد شهر ونصف- وربما أكثر- من دخول الإمام طهران اثر عودته من منفاه باريس، فَرَحَّبَ بي كثيراً، وكانت زيارتي منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق.

وأقول: مما يدل على بطلان هذه الحكاية أن السيد الخميني قدّس سره لما قدم من باريس لم يسكن في طهران، وإنما مكث في قم أكثر من عام، ثم انتقل بعد ذلك إلى طهران.

فالسيد كان في قم في الوقت الذي زعم الكاتب أنه زاره في طهران.

ثم إن الكاتب زعم أن زيارته كانت منفردة عن زيارة وفد علماء الشيعة في العراق، مع أن الكل يعلم أن علماء العراق لم يشكِّلوا وفداً لزيارة السيد الخميني في إيران.

ولا ندري لماذا لم يوضح الكاتب سبب إصراره على هذه الجلسات الخاصة المتكررة التي يدَّعيها مع المراجع والعلماء؟!

قال الكاتب: وفي جلسة خاصة مع الإمام قال لي: سيد حسين، آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة صلوات الله عليهم، سنسفك دماء النواصب نقتل أبناءهم ونَسْتْحِيي نساءهم، ولن نترك أحداً منهم يُفْلِتُ من العقاب، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت، وسنمحو مكة والمدينة من وجه الأرض لأن هاتين المدينتين صارتا معقل الوهابيين، ولا بد أن تكون كربلاء أرض الله المباركة المقدسة، قبلة للناس في الصلاة وسنحقق بذلك حلم الأئمة عليهم السلام. لقد قامت دولتنا التي جاهدنا سنوات طويلة من أجل إقامتها، وما بقي إلا التنفيذ!!

وأقول: هذه قصة باطلة مكذوبة واضحة الاختلاق، ولا تستحق الاعتناء بها

ص: 497

ولا الرد عليها، لأن محتواها لا يصدر من مسلم، مع اشتمالها على كلام مخالف لما صرَّح به السيد الخميني في كتبه.

ومما يدل على بطلان هذه الحكاية أن هذه الخيالات التي زعمها الكاتب لم تسْعَ الحكومة الإيرانية كل هذه السنين لتحقيقها، ولو كانت هناك خطة كهذه لَوَقَع بعضها على الأقل، ولا سيما في داخل إيران إن لم يتأتَّ في خارجها.

فلا ندري ما يقوله الكاتب في الموانع التي منعت من تحقيق ولو شي ء يسير من تلك الأوهام والخرافات؟!

قال الكاتب: ملاحظة:

اعلم أن حقد الشيعة على العامة- أهل السنة- حقد لا مثيل له، ولهذا أجاز فقهاؤنا الكذب على أهل السنة، وإلصاق التهم الكاذبة بهم، والافتراء عليهم ووصفهم بالفضائح.

وأقول: هذا من الأكاذيب الواضحة، ولهذا لم يستطع الكاتب أن يأتي بفتوى واحدة لعالم من علماء الشيعة تجيز الكذب على أهل السنة وإلصاق التهم الكاذبة بهم والافتراء عليهم، مع أن الكاتب قد دأب على الاحتجاج على مزاعمه بالنصوص التي يعثر عليها من أحاديث الشيعة وأقوال العلماء، فما باله ترك الاستشهاد على أكاذيبه ولو بفتوى واحدة لعالم واحد من العلماء؟!

والعلماء قد ذكروا في كتبهم حرمة الكذب مطلقاً، وذكروا ما يستثنى من الكذب الجائز، فحصروه في أمرين: في حال الخوف على النفس والمال، وفي حال الإصلاح بين المؤمنين.

قال السيد الحكيم، والسيّد الخوئي، والسيّد محمد الروحاني، والسيد عبد

ص: 498

الأعلى السبزواري، قدَّس الله أسرارهم، والسيد علي السيستاني، والشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظلهما، وغيرهم في منهاج الصالحين:

يحرم الكذب: وهو: الإخبار بما ليس بواقع، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل ... كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل يجوز الحلف كاذباً حينئذ، ويجوز الكذب أيضاً للإصلاح بين المؤمنين، والأحوط استحباباً الاقتصار فيهما على صورة عدم إمكان التورية (1) 785.

هذه هي فتاوى علماء الشيعة، ولولا خشية الإطالة لنقلنا المزيد، وقد انكشف بها زيف ما افتراه الكاتب عليهم من تجويز الكذب على أهل السنة وإلصاق التُّهَم بهم.

قال الكاتب: والآن ينظر الشيعة إلى أهل السنة نظرة حاقدة بناء على توجيهات صدرت من مراجع عليا، وصدرت التوجيهات إلى إرفاد ظ أفراد الشيعة بوجوب التغلغل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وبخاصة المهمة منها كالجيش والأمن والمخابرات وغيرها من المسالك المهمة فضلًا عن صفوف الحزب.

وأقول: هلا ذكر الكاتب نص هذه التوجيهات المزعومة، وأين صدرت؟ وممَّن صدرت؟ ومتى صدرت؟

ومن الواضح أنه لو كان ثمة مثل هذه التوجيهات المزعومة إلى أفرادالشيعة لما أمكن إخفاؤها، ولظهرت للعيان لكل أحد، ولا سيما أن الكاتب هو أحد الكادر التدريسي في الحوزة العلمية كما يزعم، فلا بد أن تكون عنده نسخة منها، ولكن


1- منهاج الصالحين للحكيم 2/ 15. منهاج الصالحين للخوئي 2/ 10. منهاج الصالحين للروحاني 2/ 10. منهاج الصالحين للسبزواري 2/ 10. منهاج الصالحين للسيستاني 2/ 15. منهاج الصالحين للفياض 2/ 114.

ص: 499

الكاتب كعادته يرسل الاتهامات التي يفتريها على الشيعة إرسال المسلَّمات، لإيهام القارئ بأنها حقيقة واقعة، مع أنها ليست كذلك.

هذا مع أن فتاوى العلماء قد نصَّت على أنه لا يجوز العمل في الحكومات الجائرة إذا كان العمل محرَّماً في نفسه، كالتجسس، وأخذ الضرائب للدولة، ومعاقبة الناس، وسجنهم، ومصادرة أموالهم، وتغريمهم، وما شاكل ذلك، فلا يجوز إطاعة غير الله سبحانه في فعل محرم أو ترك واجب إلا لضرورة أو تقيّة.

قال الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره في (عقائد الإمامية) تحت عنوان (عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة): إذا كانت معاونة الظالمين ولو بشق تمرة، بل حب بقائهم، من أشد ما حذّر منه الأئمة عليهم السلام، فما حال الاشتراك معهم في الحكم، والدخول في وظائفهم وولاياتهم؟ بل ما حال من يكون من جملة المؤسِّسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم والمنغمسين في تشييد حكمهم؟ (وذلك أن ولاية الجائر دروس الحق كله، وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد) كما جاء في حديث تُحَف العقول عن الصادق عليه السلام (1) 786.

وفي سؤال وُجِّه للسيد الخوئي قدس سره نصه:

هل يجب إطاعة النظام في جميع قوانينه وإن كان بعضها مخالفاً للشرع؟

أجاب عنه بالحرف الواحد: إذا كان مخالفاً للشرع فلا يجوز في حد نفسه (2) 787.

وعندما سُئل عليه الرحمة هذا السؤال: الرسوم التي تُجبى من أصحاب المحلات من قبل الجهات المختصة مقابل خدمة معينة، هل هي مشروعة؟ وإذا كان الجواب بالنفي فما هو موقف الموظفين المباشرين أو غير المباشرين المكلفين بتولي تلك الرسوم مع العلم أن هذا يعتبر جزءاً من عملهم لا محيص عنه؟

(3) 788


1- عقائد الإمامية، ص 157.
2- صراط النجاة 1/ 436.
3- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 500

أجاب بما يلي: لا يجوز التوظيف لمثل ذلك، والله العالم (1) 789.

وفي الجواب عن سؤال وُجّه لميرزا جواد التبريزي دام ظله نصّه:

هل يجوز دخول المؤمنين في مجلس تشريعي، يضع القوانين للبلاد، مع العلم بأن نظامه نظام الأخذ بالأغلبية، ويقطع المؤمن بأن الأغلب يوافق على التشريعات غير الإسلامية، وفي عُرْف هؤلاء يُعتبر أنه قد أقرَّ على نفسه بقبول القانون وإن لم يوافق على التصويت، لأنه وافق بدخوله المجلس على نظام الأغلبية الذي يعني ذلك في نظرهم؟

فأجاب مُدَّ ظله بقوله: لا يجوز ذلك إلا في مورد التزاحم، بأن يكون هناك تكليف أهم من حرمة الدخول بالمشاركة التشريعية، والله العالم (2) 790.

والحاصل أن من يتأمل في فتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً يرى أنهم لا يجوِّزون إعانة السلطان الجائر في حكمه، ولا يجوزون العمل في وظائفه التي فيها ارتكاب لمحرَّم شرعي.

وبه يتضح أن ما قاله الكاتب من (صدور أوامر وتعليمات من مراجع عُليا بالتغلغل في أجهزة الدولة خاصة المخابرات والأمن والجيش والحزب) كله غير صحيح، فإنهم إذا لم يجوزوا أخذ الضرائب من الناس فكيف يجوزون الانضمام في بعض الأجهزة المبتنية على التجسس على الناس وظلمهم؟!

قال الكاتب: وينتظر الجميع بفارغ الصبر- ساعة الصفر لإعلان الجهاد والانقضاض على أهل السنة، حيث يتصور عموم الشيعة أنهم بذلك يقدمون خدمة


1- صراط النجاة 1/ 433.
2- صراط النجاة 3/ 411.

ص: 501

لأهل البيت صلوات الله عليهم، ونسوا أن الذي يدفعهم إلى هذا أناس يعملون وراء الكواليس ستأتي الإشارة إليهم في الفصل الآتي.

وأقول: هذا الكلام أيضاً من الاتهامات الباطلة التي دأب الكاتب على إلصاقها بالشيعة بلا دليل، ولهذا لم يذكر ما يوثِّق كلامه من أي مصدر شيعي، وإنما هي مجرد تلفيقات واضحة وأكاذيب فاضحة لا تخفى على من رآها.

والخدمة التي يقدّمها الشيعي لمذهب أهل البيت عليهم السلام لا تكون بالانقضاض على أهل السنة وقتلهم كما قال الكاتب، وإنما تكون بدعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمعاشرة الطيبة، وبالأخلاق السامية التي أمر بها أئمة أهل البيت عليهم السلام وحثّوا شيعتهم عليها.

ففي صحيحة أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليك بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاع وعصيتُ، وسجد وأبيتُ (1) 791.

وفي صحيحة ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية (2) 792.

وأما ساعة الصفر التي ينتظرها الشيعة وأهل السنة فهي ظهور المهدي المنتظرعليه السلام الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، والذي يُظهِر الله به الحق، ويُدحِض به الباطل، ويُعِزُّ الله به المسلمين، ويذل به الكفار والمنافقين.


1- الكافي 2/ 77.
2- نفس المصدر 2/ 78.

ص: 502

اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، واجعلنا من أنصاره، والمجاهدين تحت لوائه، والمستشهدين بين يديه، إنك سميع الدعاء قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.

ص: 503

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع

قال الكاتب: عرفنا في الفصل الأول من هذا الكتاب دور اليهودي عبد الله بن سبأ في صنع التشيع، وهذه حقيقة يتغافل عنها الشيعة جميعاً من عوامهم وخواصهم.

وأقول: لقد أوضحنا في بدايات هذا الكتاب أن عبد الله بن سبأ لا يمت إلى التشيع بصلة، وأن ثبوت وجوده لا يدل على أن له أيّة علاقة بالشيعة كثبوت بعض الشخصيات المنحرفة، ولا توجد رواية واحدة تثبت علاقة عبد الله بن سبأ بالشيعة إلا روايات سيف بن عمر الوضَّاع الكذَّاب الذي اتفق حفاظ الحديث على ضعفه.

هذا وقد أثبتنا كل ذلك بالأدلة الواضحة في كتابنا (عبد الله بن سبأ)، فراجعه.

قال الكاتب: لقد فكرتُ كثيراً في هذا الموضوع، وعلى مدى سنوات طوال فاكتشفت كما اكتشف غيري أن هناك رجالًا لهم دور خطير في إدخال عقائد باطلة، وأفكار فاسدة إلى التشيع.

وأقول: لقد حاول أعداء الشيعة جهدهم لتشويه مذهب أهل البيت عليهم السلام،

ص: 504

فوضعوا أحاديث باطلة ونسبوها إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، إلا أن أئمة الهدى عليهم السلام قد أوضحوا لشيعتهم جملة من هؤلاء الوضَّاعين، فلعنوهم وتبرَّؤوا منهم، وحذَّروا شيعتهم منهم.

كما قام علماء الطائفة قدَّس الله أسرارهم بجمع الأخبار وتنقيحها، وتوضيح حال الرواة وتمييزها، فصرفوا زهرة أعمارهم في ذلك، وصنّفوا الكتب التي اعتنوا بضبطها وتحريرها، فجاءت بحمد الله وافية شافية، تغني الفقيه وتكفيه في استنباط الأحكام الشرعية والمعتقدات الإسلامية، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء على ما بذلوه وأتعبوا فيه أنفسهم الشريفة.

وأما الاتهامات التي سيذكرها الكاتب فهي خواء وهباء، وسيتضح للقارئ الكريم بعون الله تعالى زيف ادعاءاته في الطعن في أجلاء الرواة وثقات أصحاب الأئمة عليهم السلام.

قال الكاتب: إن مكوثي هذه المدة الطويلة في حوزة النجف العلمية التي هي أم الحوزات، واطلاعي على أمهات المصادر جعلني أقف على حقائق خطيرة يجهلها، أو يتجاهلها الكثيرون واكتُشِفَتْ شخصيات مُريبة كان لها دور كبير في انحراف المنهج الشيعي إلى ما هو عليه اليوم، فما فعله أهل الكوفة بأهل البيت وخيانتهم لهم كما تقدم بيانه يدل على أن الذين فعلوا ذلك بهم كانوا من المتسترين بالتشيع، والموالاة لأهل البيت.

وأقول: سيرى القارئ العزيز إن شاء الله تعالى أن الكاتب قد جاء ببعض الأخبار الضعيفة وترك ما صحَّ سنده، لا لأجل شي ء إلا لما اشتملت عليه تلك الأخبار من الطعن في أجلاء الرواة، ولو كان الكاتب مجتهداً كما يزعم، ومنصفاً كما

ص: 505

ينبغي له، لكان اللازم عليه أن ينظر في أسانيد هذه الأخبار، فيأخذ الصحيح منها، ويطرح الضعيف، ومع صحّتها يلزمه أن يُعمِل المرجحات السندية والدلالية لترجيح بعضها على بعض، لا أن يختار بعضها ويتغافل عن بعضها الآخر لغاية في نفسه، من غير أن يلتزم في الاختيار بالمنهج العلمي المعروف عند العلماء.

قال الكاتب: ولنأخذ نماذج من هؤلاء المتسترين بالتشيع:

هشام بن الحكم، وهشام هذا حديثه في الصحاح الثمانية !! وغيرها.

وأقول: لا ريب في أن زعم الكاتب أن الشيعة عندهم صحاح ثمانية غريب جداً، لأن هذا القول لم يقله أحد قبله.

والعجيب أن بعض أهل السنة قد جعل من جملة الطعون على الشيعة أنهم لا صحاح عندهم، بينما نرى الكاتب يثبت للشيعة ثمانية صحاح؟!

ثم إنّا لا ندري ماذا يريد بهذه الصحاح الثمانية؟

هل يريد بها الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه)، مع كتاب الوسائل والوافي وبحار الأنوار، بضميمة كتاب جامع أحاديث الشيعة؟ أو يريد غيرها؟

وغير خفي أن كل مؤالف ومخالف يعرف أن الشيعة لم يجمعوا أحاديثهم الصِّحاح في كتاب متفق عليه عندهم كما هو الحال عند أهل السنة الذين اتفقوا على صحة أحاديث البخاري ومسلم.

فلا ندري من أين جاءت لهم هذه الصحاح الثمانية التي زعمها الكاتب؟!

ص: 506

قال الكاتب: إن هشام كذا تسبب في سجن الإمام الكاظم، ومن ثم قتله، ففي رجال الكشي: (إن هشام بن الحكم ضال مضل شارك في دم أبي الحسن رضي الله عنه) ص 229.

وأقول: هذه الرواية دالة على مدح هشام بن الحكم لا على ذمِّه، وإليك نص الحديث:

وحدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا محمد بن عيسى العبيدي، قال: حدثني جعفر بن عيسى، قال: قال موسى بن الرقي لأبي الحسن الثاني عليه السلام: جعلتُ فداك روى عنك ... (1) 793 وأبو الأسد أنهما سألاك عن هشام بن الحكم، فقلت: (ضال مضل شرك في دم أبي الحسن عليه السلام) فما تقول فيه يا سيدي نتولاه؟ قال: نعم. فأعاد عليه: نتولاه على جهة الاستقطاع؟ قال: نعم تولوه، نعم تولوه، إذا قلت لك فاعمل به ولا تريد أن تغالب به، اخرج الآن فقل لهم: (قد أمرني بولاية هشام بن الحكم). فقال المشرقي لنا بين يديه وهو يسمع: ألم أخبركم أن هذا رأيه في هشام بن الحكم غير مرة (2) 794.

والحديث واضح الدلالة في أن الإمام عليه السلام قد أمر القوم بأن يتولوا هشام بن الحكم، وأن يخبروا غيرهم بأن هذا هو رأي الإمام عليه السلام فيه، خلافاً لما نقله موسى بن صالح وأبو الأسد، فإن كلامهما لا قيمة له ولا اعتبار به.

بل إن الإمام عليه السلام قد أنكر ما نسباه إليه في رواية أخرى رواها الكشي بسنده عن هشام بن إبراهيم في حديث طويل وصفه السيّد الخوئي في المعجم بأنه صحيح السند (3) 795، جاء فيه: فقال جعفر: جُعِلتُ فداك إن صالحاً وأبا الأسد ختن علي بن


1- هنا بياض في النسخة وبقرينة روايات- منها رواية سيأتي ذكرها- يظهر أنه سقط اسم: موسى ابن صالح كما في اختيار معرفة الرجال 2/ 789.
2- اختيار معرفة الرجال 2/ 544.
3- معجم رجال الحديث 4/ 90.

ص: 507

يقطين حكيا عنك أنهما حكيا لك شيئاً من كلامنا فقلتَ لهما: (ما لكما والكلام بينكما ينسلخ إلى الزندقة)، فقال: ما قلت لهما ذلك، أأنا قلتُ ذلك؟ والله ما قلتُ لهما. وقال يونس: جعلت فداك إنهم يزعمون أنا زنادقة. وكان جالساً إلى جنب رجل، وهو يتربع رِجْلًا على رجْل ساعة بعد ساعة، يمرغ وجهه وخديه على بطن قدمه اليسرى. قال له: أرأيتك أن لو كنت زنديقاً فقال لك: (هو مؤمن)، ما كان ينفعك من ذلك؟ ولو كنت مؤمناً، فقال: (هو زنديق) ما كان يضرّك منه؟ (1) 796.

وإنكار الإمام ما نسباه إليه من القول دليل على أنهما يتقوَّلان على الإمام عليه السلام ما لم يقل، ومِن تقوُّلهما ما نسباه للإمام عليه السلام في هشام بن الحكم.

والعجيب أن الكاتب نقل الكلام وكأنه قول الإمام عليه السلام، ولم ينقل الحديث بتمامه ليتضح للقارئ أن الحديث قد ورد في مدح هشام بن الحكم لا في ذمِّه كما هوواضح.

قال الكاتب: (قال هشام لأبي الحسن رضي الله عنه: أوصني، قال: أوصيك أن تتقي الله في دمي) رجال الكشي ص 226.

وقد طلب منه أبو الحسن رضي الله عنه أن يمسك عن الكلام، فأمسك شهراً، ثم عاد فقال له أبو الحسن: (يا هشام، أيَسُرُكَ أَنْ تشترك في دم امرئٍ مسلم؟). قال: لا. قال: وكيف تشترك في دمي؟ فإن سكتَّ وإلا فهو الذبح. (فما سكت حتى كان من أمره ما كان صلى الله عليه) رجال الكشي ص 231.

أيمكن لرجل مخلص لأهل البيت أن يتسبب في قتل هذا الإمام رضي الله عنه؟

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جعفر بن معروف،


1- اختيار معرفة الرجال 2/ 789.

ص: 508

وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، سواءاً قيل باتحاده أم بتعدّده، لأنه إما السمرقندي، وهو قد ضعَّفه ابن الغضائري، فقال: جعفر بن معروف أبو الفضل السمرقندي، يروي عنه العياشي كثيراً، كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه يُعرف تارة وينكر أخرى (1) 797.

وإما لأنه الكشي، وهو لم يثبت توثيقه وإنْ أكثر الكشي صاحب الرجال من الرواية عنه.

ومنهم إسماعيل بن زياد الواسطي، وهو مجهول (2) 798.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإنها لا تدل على أن هشام بن الحكم قد تسبَّب في مقتل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وذلك لأن الإمام عليه السلام قد حذَّره من مناظرة أهل الخلاف في تلك الفترة، وهشام قد ترك الكلام شهراً ثم عاد إليه، إلى أن حصل للإمام عليه السلام ما حصل، والرواية ليست ظاهرة في الدلالة على أن ما حصل للإمام عليه السلام كان بسبب هشام كما هو واضح وكما هو معروف من سيرة الإمام عليه السلام.

قال الكاتب: اقرأ معي هذه النصوص:

عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن رضي الله عنه أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم- لجواليقي- في الصورة. فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان. أصول الكافي 1/ 105، بحار الأنوار 3/ 288، الفصول المهمة ص 51.

لقد زعم هشام بن الحكم أن الله جسم، وزعم هشام بن سالم أن الله صورة.


1- رجال ابن الغضائري، ص 47.
2- راجع معجم رجال الحديث 19/ 287، فإن الخوئي قدس سره قد ضعَّف هذه الرواية.

ص: 509

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، لأنها مرفوعة، فإن الكليني رحمه الله قال: محمدبن علي رفعه عن محمد بن الفرج الرخجي.

ومحمد بن الفرج من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وأما علي بن محمد الذي يروي عنه الكليني كثيراً فهو علي بن محمد بن عبد الله بن بندار الثقة، وهو لا يروي عن محمد بن الفرج الرخجي لبُعْد الطبقة.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإن هذه الرواية لا بد أن تحمل على وجوه صحيحة، حتى لا تتعارض مع ما هو الثابت عن الإمام الصادق والكاظم من إجلالهما لهشام بن الحكم وتقديمهما له على شيوخ أصحابهما.

ولا بأس أن ننقل كلام الشيخ المجلسي قدس سره في هذا المقام، فإنه كافٍ ووافٍ بالمراد.

قال قدس سره: لا ريب في جلالة قدر الهشامين وبراءتهما عن هذين القولين، وقد بالغ السيد المرتضى قدّس الله روحه في براءة ساحتهما عما نُسب إليهما في كتاب الشافي مستدلًا عليها بدلائل شافية، ولعل المخالفين نسبوا إليهما هذين القولين معاندة، كما نسبوا المذاهب الشنيعة إلى زرارة وغيره من أكابر المحدِّثين.

إلى أن قال: فظهر أن نسبة هذين القولين إليهما إما لتخطئة رواة الشيعة وعلمائهم، لبيان سفاهة آرائهم، أو أنهم لما ألزموهم في الاحتجاج أشياء إسكاتاً لهم نسبوها إليهم، والأئمة عليهم السلام لم ينفوها عنهم إبقاءاً عليهم، أو لمصالح أخر، ويمكن أن يحمل هذا الخبر على أن المراد: ليس القول الحق ما قال الهشامان بزعمك. أو ليس هذا القول الذي تقول ما قال الهشامان، بل قولهما مباين لذلك. ويحتمل أن يكون هذان مذهبهما قبل الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام والأخذ بقولهم، فقد قيل: إن هشام بن الحكم قبل أن يلقى الصادق عليه السلام كان على رأي جهم بن صفوان، فلما تبعه عليه السلام تاب ورجع إلى الحق، ويؤيّده ما ذكره الكراجكي في كنز الفوائد من الرد على القائلين بالجسم بمعنييه، حيث قال: وأما موالاتنا هشاماً رحمه الله فهي لما شاع عنه واستفاض من تركه

ص: 510

للقول بالجسم الذي كان ينصره، ورجوعه عنه وإقراره بخطئه فيه وتوبته منه، وذلك حين قصد الإمام جعفر بن محمد إلى المدينة فحجبه وقيل له: إنه أمرنا أن لا نوصلك إليه ما دمت قائلًا بالجسم. فقال: والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي عليه السلام، فإما إذ أنكره عليَّ فإني تائب إلى الله منه. فأوصله الإمام عليه السلام إليه، ودعا له بخير (1) 799.

وقال المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي:

واعلم أنه بالَغَ العلامة في الخلاصة في مدح الهشامين وتوثيقهما، وقال ابن طاووس رضي الله عنه: الظاهر أن هشام بن سالم صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع، وقال بعض العلماء: ما رواه الكشي من أن هشام بن سالم يزعم أن لله عزَّ وجل صورة، وأن آدم مخلوق على مثال الرب، ففي الطريق محمد بن عيسى الهمداني، وهو ضعيف. وقال بعض أصحابنا: لما رأى المخالفون جلالة قدر الهشامين نسبوا إليهما ما نسبوا ترويجاً لآرائهم الفاسدة. وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: لا حاجة في الاعتذار عما نسب إلى هشام بن سالم إلى ما ذكروه من ضعف الرواية (2) 800.

قال الكاتب: وعن إبراهيم بن محمد الخراز، ومحمد بن الحسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا رضي الله عنه، فحكينا له ما روي أن محمداً رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضره، وقلنا: (إن هشام بن سالم، وصاحب الطاق، والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد ... الخ) أصول الكافي 1/ 101، بحار الأنوار 4/ 40.

وأقول: قال المجلسي في مرآة العقول: الحديث الثالث- يعني هذا الحديث-


1- مرآة العقول 2/ 3، 5.
2- شرح أصول الكافي للمازندراني 3/ 230.

ص: 511

ضعيف (1) 801.

وذلك لأن أحد رواة هذا الحديث إبراهيم بن محمد الخزاز، وهو مهمل في كتب الرجال.

ومن الرواة أيضاً بكر بن صالح، وهو بكر بن صالح الرازي الضبّي، وهوضعيف، ضعَّفه النجاشي وابن الغضائري، وقد مرَّ بيان حاله فيماتقدَّم.

ومن جملة الرواة الحسين بن الحسن، وهو ابن برد الدينوري.

قال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث: الحسين بن الحسن في إسناد هذه الروايات إذا كان راويه محمد بن إسماعيل فهو الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، ومحمد بن إسماعيل هو البرمكي الرازي بقرينة ما يأتي في الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، وقد ذكر محمد بن يعقوب بإسناده عن محمد بن إسماعيل عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح.

إلى أن قال: فمن الغريب أنه لم يُتعرَّض للرجل في شي ء من الكتب الرجالية (2) 802.

فإذا كان هذا هو حال رواة هذا الخبر فكيف يعوِّل عليه مدَّعي الاجتهاد والفقاهة في تضعيف هشام بن سالم وغيره، ويتغافل عن الروايات الصحيحة المادحةله؟!

ومع الإغماض عن سند الرواية فإن الراويين نسبا القول بالتجسيم لهشام بن سالم ومؤمن الطاق والميثمي، والإمام سلام الله عليه تعرّض لبيان بطلان هذا القول، ولم يتعرّض لصحة تلك النسبة لهم ولا عدمها، وهذا يشعر بتكذيب هذه النسبة لهم، وإلا لذمَّهم على ما هو دأبهم عليهم السلام من ذمِّ المبطلين والتحذير من ضلالاتهم.

قال المجلسي قدس سره: وأما نسبة هذا القول إلى هؤلاء الأكابر فسيأتي القول فيه،


1- مرآة العقول 1/ 347.
2- معجم رجال الحديث 5/ 211.

ص: 512

ولعلّه عليه السلام إنما تعرَّض لإبطال القول، ولم يتعرَّض لإبطال نسبته إلى القائلين لنوع من المصلحة (1) 803.

قال الكاتب: فهل يعقلُ أن الله تعالى في هيئة شاب في سن ثلاثين سنة، وأنه أجوف إلى السرة؟؟ إن هذا الكلام يوافق بالضبط قول اليهود في توراتهم أن الله عبارة عن إنسان كبير الحجم وهذا منصوص عليه في سفر التكوين من توراة اليهود. فهذه آثار يهودية أُدْخِلَتْ إلى التشيع على يد هشام بن الحكم المتسبب والمشترك في مقتل الإمام الكاظم رضي الله عنه، ويد هشام بن سالم وشيطان الطاق كذا والميثمي علي بن إسماعيل صاحب كتاب الإمامة.

ولو نظرنا في كتبنا المعتبرة كالصحاح الثمانية !! وغيرها لوجدنا أحاديث هؤلاء في قائمة الصدارة.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدم ضعف الأحاديث التي ساقها الكاتب، فكيف يصح الاحتجاج بها على إثبات صحة ما نُسب إلى الهشامين ومؤمن الطاق وغيرهم؟

هذا مضافاً إلى أن مفاد الروايات التي ذكرها الكاتب هو أن بعضهم نسب القول بالتجسيم والصورة وغيرهما إلى هؤلاء الأجلاء، لا أن تلك الأقوال كانت مروية عنهم وأن نسبتها إليهم ثابتة، وقد مرَّ بيان ما ينفع في ذلك آنفاً.

والعجيب من الكاتب أنه نسب القول بالتجسيم إلى هؤلاء مع أن تجسيم أهل السنة لا يمكن ردّه وإنكاره، فإنهم رووا أحاديث صحيحة كثيرة دالَّة على أن الله سبحانه يُرى يوم القيامة كما يرى البدر ليلة تمامه، وأن له صورة يعرفها به الأنبياء، وأن له قدماً ووجهاً وعيناً وغير ذلك، وعليك بمراجعة كتاب التوحيد لابن خزيمة


1- مرآة العقول 1/ 348.

ص: 513

فإنه أوفى على الغاية، وإليك عناوين بعض أبواب كتابه المذكور مع ذكر أرقامها وترك المكرَّر:

4- ذكر البيان من خبر النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات النفْس لله عز وجل.

6- باب ذكر إثبات وجه الله.

8- باب ذكر صورة ربنا عزَّ وجل.

10- باب ذكر إثبات العين لله جلَّ وعلا.

13- باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جلَّ وعلا.

21- باب ذكر سُنَّة ثامنة تبيِّن وتوضح أن لخالقنا جلَّ وعلا يدين.

27- باب ذكر إمساك الله تبارك وتعالى اسمه وجلَّ ثناؤه السماوات والأرض وما عليها على أصابعه.

28- باب إثبات الأصابع لله عز وجلَّ.

29- باب ذكر إثبات الرِّجْل لله عزَّ وجل.

33- باب ذكر الدليل على أن الإقرار بأن الله عزَّ وجل في السماء.

34- باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جلَّ وعلا.

48- باب ذكر البيان أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخلياً به عزَّ وجل.

52- باب ذكر إثبات ضحك ربِّنا عز وجل.

وهذا كله موافق لما في التوراة من إثبات كل ذلك لله سبحانه وأكثر.

قال صاحب (المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب):

أما في موضوع التشبيه والتجسيم فاليهود يقولون في أوصاف الله سبحانه مايلي:

ص: 514

1- أن له وجهاً: قال الله لموسى: (لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش).

2- وله عينين: جاء في سفر الملوك الثاني: (افتح يا رب عينيك وانظر).

3- وله أجفاناً: جاء في المزامير: (الرب في السماء كريم، وله عينان تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم).

4- وأذنين: في سفر العدد: (كان الشعب كأنهم يشتكون شراً في أذني الرب).

5- وأنفاً: (يا رب بريح أنفك تراكمت المياه).

6- وفماً: (أما عبدي موسى فليس هكذا، فماً إلى فم وعيناً أتكلم معه).

7- وله ذراعاً: في سفر الخروج: (يا رب بعظمة ذراعك يصمتون).

8- وله إصبعاً: في سفر التثنية: (أعطاني الرب لَوْحَي الحجر المكتوبين بإصبع الله).

9- وقدمين: قال اشعيا النبي: (أهكذا قال الرب؟ السماوات كرسيي، والأرض موطن قدمي).

10- وقلباً: في أخبار اليوم: (قال الله: قد اخترتُ وقدّستُ هذا البيت، ليكون اسمي إلى الأبد، وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام).

11- وله صوتاً: جاء في سفر التكوين: (إن آدم وحواء سمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة).

12- والله يسكن في السماء وكأنه بعيد عن الأرض: (قال الرب لموسى: أنتم رأيتم أنني في السماء تكلمت).

13- ويسكن في الضباب: في سفر أخبار اليوم: (حينئذ قال الرب: إنه يسكن في الضباب).

14- ويسكن فوق الجبال والمرتفعات: (ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي

ص: 515

عَوْني معونتي من عند الرب).

15- وقيل: إنه يسكن في سحابة تظهر فوق خيمة الاجتماع: سفر العدد: (وحين كان الله يقود اليهود في صحراء سيناء كان ينتقل أمامهم في سحابة تظهر فوق خيمة الاجتماع من موضع إلى موضع).

16- وأنه يسكن فوق غطاء تابوت العهد الموضوع داخل خيمة الاجتماع.

17- وقيل: إنه كان يسكن في هيكل أورشليم الذي بناه سليمان.

18- وإنه يجلس على كرسي: في سفر الملوك: (رأيت الرب جالساً على كرسيه).

والخلاصة ... أن الله تعالى على مثال الكائن البشري ذي الجسم المحدود، فهو يجلس، وينزل ويصعد، ويجي ء ويذهب، ويدخل ويخرج، ويحل ويرتحل، ويسير ويلاقي ويقابل، ويسر ويفرح، ويحزن ويأسف، ويتضايق ويندم، ويغضب ويسخط، ويستهزئ ويضحك مستهزئاً، ويخادع (1) 804.

قلت: ومن عقائدهم الموافقة لليهود هو أن الله خلق آدم على صورته.

فقد أخرج البخاري ومسلم وابن حبان في صحاحهم، وأحمد وأبو عوانة وعبدبن حميد في مسانيدهم وغيرهم بأسانيدهم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلِّم على أولئك النفر، وهم من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذرّيتك. قال: فذهب، فقال: (السلام عليكم). فزادوه (ورحمة الله)، قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن (2) 805.


1- المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب 1/ 185.
2- صحيح البخاري 2/ 1023، 4/ 1959. صحيح مسلم 4/ 2183. مسند أحمد بن حنبل 2/ 315، 323. مسند أبي عوانة 1/ 188. صحيح ابن حبان 14/ 33. مسند عبد بن حميد، ص 417.

ص: 516

وأخرج مسلم في صحيحه، وأحمد في المسند، وابن حبان وابن أبي عاصم والحميدي وغيرهم، بأسانيدهم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته (1) 806.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في المسند، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، بأسانيدهم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم: (قبَّح الله وجهك ولا وجه مَن أشبه وجهك)، فإن الله خلق آدم على صورته (2) 807.

وأخرج ابن أبي عاصم بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة وجهه (3) 808.

أقول: وهذا مطابق لعقيدة اليهود، فقد جاء في العهد القديم، في سفر التكوين، الإصحاح الأول قوله: وقال الله: (نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلّطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدبّ على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم).

وفي الإصحاح الخامس من سفر التكوين: (يوم خلق الله الإنسان على شبه الله


1- صحيح مسلم 4/ 2017. صحيح ابن حبان 12/ 420، 13/ 18. مسند أحمد 2/ 244، 463، 519. مسند عبد بن حميد، ص 283. مسند الحميدي 2/ 476. كتاب السنة 1/ 227- 230. اعتقاد أهل السنة 3/ 423. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 518. قال الألباني في تعليقته على كتاب السنة: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف، وهو ثقة.
2- الأدب المفرد، ص 71. مسند أحمد 2/ 251، 434. كتاب السنة 1/ 229. مسند الحميدي 2/ 476. اعتقاد أهل السنة 3/ 422، 423. تاريخ بغداد 2/ 220، 3/ 74. الصفات للدارقطني 2/ 35. قال الألباني في تعليقته على كتاب السنة: إسناده حسن صحيح ورجاله ثقات. وحسَّنه أيضاً في صحيح الأدب المفرد، ص 85.
3- كتاب السنة 1/ 227- 228 قال الألباني في تعليقته: إسناده حسن صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف، وهو ثقة. المعجم الأوسط 6/ 21.

ص: 517

عمله. ذكراً وأنثى خلقه، وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق).

فما يقول الكاتب في أمثال هذه الطامات التي مُلِئَت بها كتب أهل السنة من عقائد اليهود؟

ومن أراد الاطلاع على المزيد من ذلك فليرجع إلى كتابنا (عبد الله بن سبأ)، فإنا ذكرنا في هذا الموضوع ما لا مزيد عليه.

وأما قول الكاتب: (ولو نظرنا في كتبنا المعتبرة كالصحاح الثمانية وغيرها لوجدنا أحاديث هؤلاء في قائمة الصدارة)، فيردّه أن روايات هشام بن الحكم في الكتب الأربعة قد بلغت 167 رواية (1) 809، وروايات مؤمن الطاق قليلة لا تبلغ عشر روايات (2) 810، وروايات علي بن إسماعيل الميثمي بلغت 26 رواية (3) 811، فكيف صارت أحاديث هؤلاء الرواة في قائمة الصدارة؟!

قال الكاتب: زرارة بن أعين:

قال الشيخ الطوسي: (إن زرارة من أُسرة نصرانية، وإن جده سنسن وقيل سبسن كان راهباً نصرانياً، وكان أبوه عبداً رومياً لرجل من بني شيبان) الفهرست ص 104.

وأقول: ما قاله الكاتب تحريف لكلام الطوسي، وإن كان بعضه صحيحاً، وإليك نص كلامه قدس سره:

قال: زرارة بن أعين، واسمه عبد ربه، يكنى أبا الحسن، وزرارة لقب له، وكان


1- راجع معجم رجال الحديث 19/ 295.
2- راجع المصدر السابق 17/ 303- 304.
3- راجع المصدر السابق 11/ 278.

ص: 518

أعين بن سنسن عبداً رومياً لرجل من بني شيبان، تعلم القرآن ثم أعتقه، فعرض عليه أن يدخل في نسبه فأبى أعين أن يفعله، وقال: أقرَّني على ولائي ... (1) 812.

فلم يذكر الشيخ رحمه الله أن أسرة زرارة كانت نصرانية، بل إن تعلم أبيه للقرآن وعَرْض مولاه عليه إدخاله في نسبه دليل على كونه مسلماً، ولا يُعرف عن أم زرارة أنها كانت نصرانية.

نعم، قد كان جدّه راهباً نصرانياً في بلاد الروم، وهذا لا يعني أن أسرة زرارة التي نشأ فيها كانت نصرانية.

ولا ريب في أن هذا لا يضر بزرارة بعد إسلام أبيه ونشأته على الإسلام، فإن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وقد كان أكثر صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان- عبدة أوثان في الجاهلية، وكان من الصحابة اليهودي والنصراني، ومع ذلك حكم أهل السنة بعدالتهم وحسن إسلامهم، بل واعتقدوا فيهم أنهم أمناء الله على حلاله وحرامه، وهذا غير قابل للإنكار.

وإذا كان الكاتب قد استعظم قبول رواية زرارة مع أنه لم يثبت أنه وأباه كانا نصرانيين، وإن كان جدّه راهباً، فلِمَ لا يستعظم قبول روايات عبدالله بن سلام وتميم الداري ووهب بن منبّه وكعب الأحبار وغيرهم ممن كانوا يهوداً؟!

وإذا كانت أسرة زرارة النصرانية تشينه فلِمَ لمْ تُشِنْ أبا حنيفة أسرته، فإن أبا حنيفة أيضاً كان من أسرة نصرانية.

فقد روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن محبوب بن موسى قال: سمعت ابن أسباط يقول: وُلد أبو حنيفة وأبوه نصراني.

وعن الساجي قال: سمعت محمد بن معاوية الزيادي يقول: سمعت أبا جعفر يقول: كان أبو حنيفة اسمه عتيك بن زوطرة، فسمَّى نفسه النعمان، وأباه ثابتاً.


1- الفهرست، ص 133.

ص: 519

وعن محمد بن أيوب الذارع قال: سمعت يزيد بن زريع يقول: كان أبو حنيفة نبطياً (1) 813.

ومن حفاظ الحديث عند أهل السنة الذين نشأوا في أُسَر نصرانية زكريا بن عدي.

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: (م ت س ق) زكريا بن عدي بن الصلت بن بسطام: الحافظ المجود العبد الصالح أبو يحيى التيمي مولاهم الكوفي، نزيل بغداد، ولاؤه لبني تيم الله، كان أبوه نصرانياً. وقيل: يهودياً فأسلم، وهو أخو يوسف بن عدي نزيل مصر، حدَّث عن حماد بن زيد وشريك القاضي وأبي المليح الرقي وابن المبارك ويزيد بن زريع وجعفر بن سليمان وطبقتهم بالعراق والجزيرة، وعنه البخاري خارج صحيحه، وابن راهويه والدارمي ومعاوية بن صالح الأشعري وعباس الدوري وعبد بن حميد وخلق، وحديثه في الكتب سوى سنن أبي داود، وكان أحد الأثبات، استُخف بأمره، ولم يخبره أبو نعيم، فقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: قال أبو داود النحوي ليحيى بن معين وأنا أسمع: سمعت أبا نعيم وذُكر له زكريا بن عدي، فقال له: ما له وللحديث؟ ذاك بالتوراة أعلم. فقال ابن معين: كان زكريا لا بأس به، وكان أبوه يهودياً فأسلم (2) 814.

ومن أولئك الحفاظ عبد الله بن أبي الحسن الجبائي.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام القدوة أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج الشَّامي الجُبَّائي من قرية الجُبَّة من أعمال طرابلس، كان أبوه نصرانياً فأسلم هو في صغره، وحفظ القرآن، وقدم بغداد سنة أربعين وخمسمائة وله إحدى وعشرون سنة، فصحب الشيخ عبد القادر، وسمع من ابن الطلاية وابن ناصر، وبأصبهان من أبي الخير الباغبان ومسعود الثقفي وخلق، وحصَّل الأصول، ثم


1- تاريخ بغداد 13/ 324- 325.
2- تذكرة الحفاظ 1/ 395.

ص: 520

استوطن أصبهان، وكان ذا قبول ومنزلة وصدق وتأله (1) 815.

ومنهم: داود بن عبد الرحمن العطار.

قال ابن حبان في كتاب الثقات: داود بن عبد الرحمن العطار من أهل مكة، كنيته أبو سليمان، يروي عن ابن خثيم وعمرو بن دينار، روى عنه ابن المبارك وأحمدبن يونس، وكان متقناً، مات سنة أربع وسبعين ومائة، وكان أبوه نصرانياً يتطيب فأسلم، وهو من أهل الشام، وقدم مكة ووُلد له بها داود ابنه سنة مائة، وصار من فقهاء أهل مكة ومحدِّثيهم (2) 816.

ومنهم: الحسن بن داود بن بابشاد.

قال الخطيب البغدادي: الحسن بن داود بن بابشاد بن داود بن سليمان أبو سعيد المصري، قدم بغداد ودرس فقه أبي حنيفة على القاضي أبي عبد الله الصيمري، وتوجه فيه حتى درَّس، وكان مفرط الذكاء حسن الفهم، يحفظ القرآن بقراءات عدة، ويحفظ طرفاً من علم الأدب والحساب والجبر والمقابلة والنحو، وكَتَب الحديث بمصر عن أبي محمد بن النحاس وطبقته، كُتبت عنه أحاديث، وكتب عني، وكان ثقة حسن الخلق وافر العقل، وكان أبوه يهودياً، ثم أسلم وحسن إسلامه، وذُكر بالعلم، وهو فارسي الأصل (3) 817.

وغير هؤلاء كثيرون لا نرى فائدة في استقصائهم، وفيما ذكرناه كفاية، وهؤلاء وإن لم يكونوا عند أهل السنة بمنزلة زرارة عند الشيعة إلا أن الغاية من ذكرهم هي بيان أن هؤلاء وغيرهم لم يُزْرِ بهم عند أهل السنة أن آباءهم كانوا يهوداً أو نصارى، فكيف أزرى بزرارة أن جدّه كان نصرانياً؟


1- سير أعلام النبلاء 21/ 488.
2- كتاب الثقات 6/ 286.
3- تاريخ بغداد 7/ 307.

ص: 521

قال الكاتب: وزرارة هو الذي قال: (سألت أبا عبد الله عن التشهد ... إلى أن قال: فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً) رجال الكشي ص 142.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدَّم من هذا الكتاب أن هذه الرواية ضعيفة السند، وذكرنا وجهها بما لا قدح فيه على زرارة، وأوضحنا المراد بكلمته تلك، فراجع.

قال الكاتب: وقال زرارة أيضاً: (والله لو حَدَّثْتُ بكل ما سمعتهُ من أبي عبد الله لانتَفَخَتْ ذكور الرجال على الخشب. رجال الكشي ص 123.

وقال في حاشية في هذا الموضع: وهذا اتهام منه لأبي عبد الله، ومراده أن أبا عبد الله قد حدَّثه بقضايا مخزية تثير شهوة الرجال بحيث لا يمكنهم ضبط النفس عند سماعهم ذلك، إلا إذا قضى أحدهم شهوته ولو على خشبة.

وأقول: مع الغض عن سند هذا الحديث فإن المراد بقوله: (لانتَفَخَتْ ذكور الرجال على الخشب) هو أن الذكور من الرجال- وهم الأشداء منهم، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف- ينتفخون على الخشب، أي أنهم يُصلبون ويُتركون حتى تنتفخ أبدانهم.

وهذا المعنى هو الذي أفاده السيِّد ابن طاووس في الإقبال، فإنه بعد أن ساق قول الصادق عليه السلام ليونس بن يعقوب: يا يونس ليلة النصف من شعبان يُغفر لكل من زار الحسين عليه السلام من المؤمنين ما قدّموا من ذنوبهم، وقيل لهم: استأنفوا العمل. قال: قلت: هذا كله لمن زار الحسين عليه السلام في ليلة النصف من شعبان؟ قال: يا يونس لو خبَّرتُ الناس بما فيها لمن زار الحسين عليه السلام لقامت ذكور رجالٍ على الخشب.

قال قدَّس الله نفسه: أقول: لعل معنى قوله عليه السلام: (لقامت ذكور رجالٍ على الخشب)، أي كانوا قد صُلبوا على الأخشاب، لعظيم ما كانوا ينقلونه ويروونه في

ص: 522

فضل زيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان، من عظيم فضل سلطان الحساب، وعظيم نعيم دار الثواب، الذي لا يقوم بتصديقه ضعاف الألباب (1) 818.

واستجوده المجلسي قدس سره في البحار، حيث قال:

بيان: أقول: على ما أفاده رحمه الله يكون إضافة الذكور إلى الرجال للمبالغة في وصف الرجولية وما يلزمها من الشدّة والإقدام على أمور الخير وعدم التهاون فيها ...

وقيل: المعنى أنهم يركبون على الأخشاب عند عدم المراكب مبالغة في اهتمامهم بذلك. وقيل: إنهم لكثرة استماع ما يعجبهم من وصف المناكح والمشتهيات تقوم ذكورهم على نحو الخشب. أو أنهم لكثرة ما يسمعون من تلك الفضايل يتكلمون عليها ويجترئون بعد الإتيان بها على المعاصي، فيقوم ذكرهم على كل خشب، مبالغة في جرأتهم وعدم مبالاتهم. والأوجه ما أفاده السيد رحمه الله (2) 819.

ومنه يتّضح أن ما ذكره الكاتب في معنى هذه العبارة من حديث زرارة لا معنى له، وذلك لأنه لا معنى لقضاء الشهوة على الخشب، بل معنى كلام زرارة هو أنه لو حدَّثتكم بكل ما سمعته من أبي عبد الله عليه السلام لصُلب بسبب ذلك الأشداء من الرجال، بسبب إذاعته للمخالفين وعدم الحرص على كتمانه.

قال الكاتب: عن ابن مسكان قال: سمعت زرارة يقول: (رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة).

فقلت له: وما حمل زرارة على هذا؟ (قال: حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه) الكشي ص 131.


1- إقبال الأعمال، ص 225- 226. والحديث مروي في وسائل الشيعة 10/ 366.
2- بحار الأنوار 101/ 95.

ص: 523

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها جبريل بن أحمد الفاريابي، وهو لم تثبت وثاقته في كتب الرجال.

ومن جملة رواة هذا الخبر محمد بن عيسى وهو العبيدي، وهو مختلف في وثاقته، بل إن أكثر الروايات الطاعنة في زرارة مروية عنه، ولهذا قال السيد أحمد بن طاووس في كتابه (حل الإشكال): ولقد أكثر محمد بن عيسى من القول في زرارة حتى لو كان بمقام عدالة كادت الظنون تسرع إليه بالتهمة، فكيف وهو مقدوح فيه (1) 820.

ثم إن الوارد في الخبر هو قوله: (فإن في قلبي عليه لَعَنَّة)، لا (لفتة) كما ذكره الكاتب.

قال المير داماد في شرح هذه العبارة:

قوله رحمه الله: (فإن في قلبي عليه لَعَنَّة) بفتح اللام للتأكيد وإهمال العين مفتوحة أو مضمومة وتشديد النون، أي أن في قلبي عليه لَعَنَّة، أي أن في قلبي لعارضاً واعتراضاً عليه، عَنَّ للنفس وعرض للقلب وهجس في الصدر وخطر في الضمير معتناً معترضاً، أو أن في قلبي شدة وملاجة وهيجاناً في المعانة والاعتنان، أي المعارضة والاعتراض، والعنن أي اللجاج والمحاجة والمؤاخذة عليه، أو لعارضة وغايلة عليه فجأة لست أدري ما سببها، من قولهم: أعننت بعنة ما أدري ما هي، أي تعرضت لشي ء ما أعرفه. قال في مجمل اللغة: ولقيته عين عنة، أي فجاءة (2) 821.

وأما قوله: (لأن أبا عبد الله عليه السلام أخرج مخازيه) فهو من كلام الراوي لا من كلام الإمام عليه السلام، ولعل مراده بالمخازي هو ما صدر من الإمام الصادق عليه السلام من القدح في زرارة مما سيأتي بيان وجهه إن شاء الله تعالى.


1- التحرير الطاووسي، ص 127.
2- تعليقة المير داماد المطبوعة في ذيل اختيار معرفة الرجال 1/ 356.

ص: 524

قال الكاتب: ولهذا قال أبو عبد الله فيه: (لعن الله زرارة) ص 133. وقال أيضاً: وقال أبو عبد الله: لعن الله بريداً، لعن الله زرارة ص 134.

وأقول: سيأتي قريباً إن شاء الله بيان وجه هذا اللعن، وأنه إنما صدر من الإمام عليه السلام خوفاً على زرارة وتقيَّة عليه، فانتظر.

قال الكاتب: وقال أبو عبد الله رضي الله عنه أيضاً: اللهم لو لم يكن جهنم إلا سكرجة (1) 822 لوسعها آل أعين بن سنسن ص 133.

وأقول: هذا الخبر ضعيف السند، فإن الكشي رواه عن أبي الحسن محمد بن بحر الكرماني الرهني الترماشيري، وقال: وكان من الغلاة الحنقين.

وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: محمد بن بحر الرهني من أهل سجستان، كان متكلماً عالماً بالأخبار فقيهاً، إلا أنه متهم بالغلو (2) 823.

وقال ابن الغضائري: محمد بن بحر الرهني الشيباني أبو الحسين النرماشيري: ضعيف، في مذهبه ارتفاع (3) 824.

وقال النجاشي: محمد بن بحر الرهني أبو الحسين الشيباني ساكن ترماشير من أرض كرمان، قال بعض أصحابنا: إنه كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه قريب من السلامة، ولا من أين قيل (4) 825.

ومن رواة هذا الخبر أبو العباس المحاربي الجزري، وهو مهمل في كتب


1- سكرجة: هو إناء صغير يؤكل في الشي ء القليل، وهذه كلمة فارسية معرَّبة (من الكاتب).
2- الفهرست للطوسي، ص 208.
3- رجال ابن الغضائري، ص 98.
4- رجال النجاشي 2/ 303، ط حجرية، ص 271.

ص: 525

الرجال.

ومن الرواة الفضيل الرسان، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

هذا مع أن الكشي رحمه الله عقب على هذا الحديث بقوله: محمد بن بحر هذا غالٍ، وفضالة ليس من رجال يعقوب، وهذا الحديث مزاد فيه، مغيَّر عن وجهه (1) 826.

فكيف يعوَّل على مثل هذا الحديث في تضعيف زرارة وغيره؟!

وقال أيضاً: لا يموت زرارة إلا تائهاً عليه لعنة الله ص 134.

وأقول: هذا حديث ضعيف السند، فإن من جملة رواته جبريل بن أحمد وهو الفريابي كما مرَّ، ولم يثبت توثيقه في كتب الرجال.

ومن جملتهم العبيدي وهو محمد بن عيسى وقد تقدَّم أنه مختلف في وثاقته.

قال الكاتب: وقال أبو عبد الله أيضاً: هذا زرارة بن أعين، هذا والله من الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز: وَقَدِمْنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً (الفرقان/ 23) رجال الكشي ص 136.

وأقول: سند هذه الرواية هو: حدثني محمد بن مسعود، قال: حدثني جبرئيل ابن أحمد، عن موسى بن جعفر، عن علي بن أشيم، قال: حدَّثني رجل عن عمار الساباطي.

فهي ضعيفة السند بالإرسال، مضافاً إلى أن من رواتها جبرئيل بن أحمد، وقد


1- اختيار معرفة الرجال 1/ 363.

ص: 526

مرَّ بيان حاله.

ومنهم علي بن أشيم، وهو علي بن أحمد بن أشيم، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل صرح الشيخ الطوسي رحمه الله بأنه مجهول. وضعَّفه جملة من علمائنا، منهم المحقق الحلي في المعتبر، ونسب تضعيفه إلى النجاشي في كتاب المصنفين، وابن فهد في المهذب البارع، والشهيد الثاني في المسالك، ونسبه للمتأخرين، وغيرهم (1) 827.

ومنهم موسى بن جعفر، وهو أيضاً لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، فإنه مشترك بين جماعة لم يوثّق منهم أحد (2) 828.

وقال الكاتب: إن قوماً يُعارون الإيمان عارية، ثم يُسْلَبُونَه، فيقال لهم يوم القيامة (المعارون)، أما إن زرارة بن أعين منهم ص 141.

وأقول: سند هذا الحديث: محمد بن يزداد، قال: حدثني محمد بن علي بن الحداد، عن مسعدة بن صدقة.

وأكثر روايات الكشي عن محمد بن يزداد إنما كانت بواسطة محمد بن مسعود العياشي الثقة (3) 829، أو بواسطة محمد بن الحسن وعثمان بن حامد الكشّيين (4) 830، وهما لم تثبت وثاقتهما في كتب الرجال.

وحيث إن الكشي رحمه الله قد دأب في كتابه على إسقاط بعض الوسائط من غير إشعار كما يلاحظه من سبر غور هذا الكتاب وتأمله، فمن المطمأن به أن الكشي إنما


1- المعتبر 1/ 292. المهذب البارع 1/ 182. مسالك الأفهام 3/ 394.
2- راجع معجم رجال الحديث 19/ 31- 37.
3- اختيار معرفة الرجال 1/ 288.
4- نفس المصدر 1/ 288، 340، 2/ 492، 515، 596، 606، 652، 712، 853. وروى عن محمد بن الحسن فقط في 2/ 853.

ص: 527

روى عن محمد بن يزداد بواسطة ما، وهي إما العياشي الثقة أو الآخران اللذان لم تثبت وثاقتهما، وعليه فالرواية من هذه الجهة تعاني من الإرسال.

ومن الرواة محمد بن علي الحداد، وهو لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، ومسعدة بن صدقة، فيه كلام، فقد صرَّح السيِّد أحمد بن طاووس رحمه الله بأنه عامي المذهب (1) 831.

قال الكاتب: وقال أيضاً: إنْ مرض فلا تَعُدْهُ وإن مات فلا تَشْهَدْ جنازته. فقيل له: زرارة؟ متعجباً، قال: نعم زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، إن الله قد نكس زرارة.

وأقول: سند هذه الرواية هو: محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام.

وهي رواية مرسلة، فإن رجال علي بن الحكم لا يُعرف من هم؟

وقوله: (إن الله قد نكس زرارة)، ليس جزءاً من هذا الحديث، بل هو جزء من حديث آخر، جاء فيه: فما ذنبي أن الله قد نكس قلب زرارة كما نكست هذه الجارية هذا القمقم.

وهي رواية ضعيفة أيضاً، سندها هو: علي، قال: حدثني يوسف بن السخت، عن محمد بن جمهور، عن فضالة بن أيوب، عن ميسر.

ويوسف بن السخت قد مرَّ تضعيفه.

ومحمد بن جمهور ضعيف.

قال النجاشي: محمد بن جمهور أبو عبد الله العمّي، ضعيف في الحديث، فاسد


1- التحرير الطاووسي، ص 128.

ص: 528

المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها (1) 832.

وقال ابن الغضائري: محمد بن جمهور، أبو عبد الله العَمِّي، غالٍ، فاسد الحديث، لا يُكتب حديثه (2) 833.

وقال الشيخ الطوسي في رجاله: محمد بن جمهور العمي، عربي بصري غال (3) 834.

وقال الكاتب: إن زرارة قد شك في إمامتي فاستوهبته من ربي ص 138.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، فإن سندها: محمد بن قولويه قال: حدَّثني سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن هلال، عن أبي يحيى الضرير، عن درست بن أبي منصور الواسطي.

وهذا السند فيه الحسن بن علي بن موسى، وأبو يحيى الضرير، وهما مجهولان.

وفيه أحمد بن هلال، وهو العبرتائي.

قال الشيخ الطوسي في الفهرست: أحمد بن هلال العبرتائي ... وُلد سنة ثمانين ومائة، ومات سنة سبع وستين ومائتين، وكان غالياً مُتَّهماً في دينه (4) 835.

وقال النجاشي: أحمد بن هلال، أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية، يُعرف منها ويُنكر، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري عليه السلام (5) 836.

ومن جملة الرواة درست بن أبي منصور، وهو واقفي، ولم يثبت توثيقه.


1- رجال النجاشي 2/ 225.
2- رجال ابن الغضائري، ص 92.
3- رجال الطوسي، ص 364 رقم 17.
4- الفهرست، ص 83.
5- رجال النجاشي 1/ 218.

ص: 529

قال الشيخ الطوسي في رجاله: درست بن أبي منصور الواسطي، واقفي، روى عن أبي عبد الله عليه السلام (1) 837.

هذا مع أن الرواية لا ذمَّ فيها لزرارة، بل هي على العكس من ذلك، وذلك لأن مفاد الرواية هو أن زرارة كان قد شك في إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فاستوهبه الإمام عليه السلام من الله، فوهبه له وأعطاه إياه، فقال بإمامته.

ولهذا قال السيد أحمد بن طاووس رحمه الله في كتابه حل الإشكال: والذي أقول ههنا: إن هذا السند ضعيف بأحمد بن هلال، ويُضرب من هذا، وفيه شاهد بنجاته (2) 838.

وللكاتب هنا حاشية قال فيها: إن عامة مراجعنا وعلمائنا يفسِّرون قول أبي عبد الله وطعنه في زرارة على أنه من باب التقية، فماذا يكون قول زرارة وطعنه في أبي عبد الله عندما قال لعنه الله بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله أهو تقية أيضاً؟؟

والجواب: أنا أوضحنا فيما تقدم أن الكاتب لا يعرف المراد بالتقية، ولهذا كرَّرها في كتابه مريداً بها غير معناها.

وأما ما روي من الطعن في زرارة فهو محمول على عدة وجوه سيأتي بيانها قريباً.

ولا ندري ما هي العلاقة بين ما روي عن الصادق عليه السلام من الطعن في زرارة وبين قول زرارة المذكور، فإن قول زرارة- مضافاً إلى ضعف سنده كما مرَّ- لا يدل على أن تلك الطعون على فرض صحَّتها لم تصدر عن الصادق عليه السلام تقية.

ثم قال الكاتب في حاشيته: لا إن هذا يثبت لنا أنَّ قطيعة كانت بين أبي عبد الله وزرارة سببها أقوال زرارة وأفعاله الشنيعة وبدعه المنكرة، وإلا لما قال فيه أبو عبد الله ما قال.


1- رجال الشيخ الطوسي، ص 336 رقم 3.
2- التحرير الطاووسي، ص 124.

ص: 530

وأقول: إن الروايات الضعيفة لا تثبت شيئاً، فإن كل ما روي في الطعن في زرارة ضعيف السند كما اتضح مما سبق، ولا يصح أن نطرح الروايات الصحيحة المادحة له لأجل هذه الروايات الضعيفة.

وكان ينبغي على الكاتب لتصح دعواه أن يذكر رواية واحدة صحيحة تدل على أن زرارة صدرت منه أفعال شنيعة أو بِدَع منكرة، أو كانت بينه وبين الإمام الصادق عليه السلام قطيعة أو جفوة، إلا أنه لم يفعل شيئاً من ذلك.

قال الكاتب: قلت: فإذا كان زرارة من أسرة نصرانية، وكان قد شك في إمامة أبي عبد الله، وهو الذي قال بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله، وقال عنه لا يفلح أبداً، فما الذي نتوقع أن يقدمه لدين الإسلام؟؟.

إن صحاحنا !! طافحة بأحاديث زرارة، وهو في مركز الصدارة بين الرواة، وهو الذي كذب على أهل البيت، وأدخل في الإسلام بدعاً ما أدخل مثلها أحد كما قال أبو عبد الله، ومن راجع صحاحنا !! وجد مصداق هذا الكلام، ومثله بريد حتى أن أبا عبد الله رضي الله عنه لعنهما.

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز ضعف كل الأخبار التي احتج بها الكاتب على ما أراده من تضعيف زرارة، ويمكننا أن نزيد هذه المسألة إيضاحاً فنقول:

أولًا: أن كل الروايات التي وردت في ذم زرارة أو أكثرها قد رواها الكشي فقط في كتابه، ولم ينقلها غيره من العلماء، وهذا في حد ذاته موهن لها.

ثانياً: أن كل تلك الروايات أو أكثرها ضعيف السند، وقد أوضحنا ذلك فيما مرَّ، فكيف يصح الاحتجاج بها؟!

ثالثاً: أنها معارضة بروايات أخر صحيحة مادحة لزرارة.

ص: 531

منها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشِّر المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد ابن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة واندرست (1) 839.

وصحيحة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما أجد أحداً أحيى ذِكْرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبُرَيد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حُفَّاظ الدين وأمناء أبي عليه السلام على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة.

وعن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أحب الناس إليَّ أحياءاً وأمواتاً أربعة: بُرَيد بن معاوية العجلي، وزرارة، ومحمد بن مسلم، والأحول، وهم أحب الناس إليَّ أحياءاً وأمواتاً.

وعن المفضل بن عمر، أن أبا عبد الله عليه السلام قال للفيض بن المختار في حديث: فإذا أردتَ حديثنا فعليك بهذا الجالس. وأومى إلى رجل من أصحابه، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين.

وعن إبراهيم بن عبد الحميد وغيره قالوا: قال أبو عبد الله عليه السلام: رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه السلام.

وعن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: زرارة، وأبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد، من الذين قال الله تعالى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ.

والأحاديث في ذلك كثيرة، فمن أرادها فليطلبها من مظانها.


1- اختيار معرفة الرجال 1/ 398.

ص: 532

رابعاً: أن بعض الروايات الأخر قد كشفت عن أن ما صدر من الإمام الصادق عليه السلام من ذم زرارة وغيره من أجلاء الرواة إنما كان تقيَّة عليهم لئلا تتوجه إليهم أنظار المخالفين فيلحقوهم بالأذى والضرر.

ومن تلك الروايات ما رواه الكشي بسنده عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ مني على والدك السلام، وقل له: إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قرَّبناه وحمدنا مكانه، لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقرِّبه، يرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوّه منا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرتَ بنا ولِمَيْلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر، لمودتك لنا ولميلك إلينا، فأحببتُ أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دافع شرّهم عنك، يقول الله جل وعز أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَا ء هُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (1) 840، هذا التنزيل من عند الله صالحة، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملِك ولا تعطب على يديه، ولقد كانت صالحة، ليس للعيب منها مساغ والحمد الله. فافهم المثل يرحمك الله، فإنك والله أحب الناس إليَّ، وأحب أصحاب أبي عليه السلام حيًّا وميتاً، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، إن من ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترِدُ من بحر الهدى، ليأخذها غصباً ثم يغصبها وأهلها، فرحمة الله عليك حيًّا، ورحمته ورضوانه عليك ميتاً، ولقد أدَّى إليَّ ابناك الحسن والحسين رسالتك، حاطهما الله وكَلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين، فلا يضيقنَّ صدرك من الذي أمرك أبي عليه السلام وأمرتك به، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق، ولو أُذِنَ لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به،


1- سورة الكهف، الآية 79.

ص: 533

فردوا إلينا الأمر، وسلِّموا لنا، واصبروا لأحكامنا وارضوا بها، والذي فرَّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها، فإن شاء فرَّق بينها لتسلم، ثم يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوها في آثار ما يأذن الله، ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده. عليكم بالتسليم والرد إلينا، وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم ... (1) 841.

وعن الحسين بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أبي يقرأ عليك السلام ويقول لك: جعلني الله فداك، إنه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران أنك ذكرتني وقلت فيَّ. فقال: اقرأ أباك السلام، وقل له: أنا والله أحب لك الخير في الدنيا، وأحب لك الخير في الآخرة، وأنا والله عنك راضٍ، فما تبالي ما قال الناس بعدهذا (2) 842.

وعن حمزة بن حمران، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بلغني أنك برئت من عمي- يعني زرارة. قال: فقال: أنا لم أبرأ من زرارة، لكنهم يجيئون ويذكرون ويروون عنه، فلو سكتُّ عنه ألزمونيه، فأقول: من قال هذا فأنا إلى الله منه بري ء (3) 843.

والأحاديث الدالة على مدح زرارة وبراءته كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.

ومن كل ذلك يتضح أن ما ساقه الكاتب من الأحاديث لا يمكن التمسك به في الطعن في زرارة بن أعين رحمه الله.

قال الكاتب: أبو بصير ليث بن البختري:

أبو بصير هذا تَجَرّأ على أبي الحسن موسى الكاظم رضي الله عنه عندما سُئِلَ رضي الله عنه


1- اختيار معرفة الرجال 1/ 349.
2- المصدر السابق 1/ 352.
3- نفس المصدر 1/ 358.

ص: 534

عن رجل تزوج امرأة لها زوج، ولم يعلم.

قال أبو الحسن رضي الله عنه: (تُرْجَمُ المرأة، وليس على الرجل شي ء إذا لم يعلم) ... فضرب أبو بصير المرادي على صدره يحكها وقال: أظن صاحبنا ما تكامل علمه. رجال الكشي ص 154.

أي أنه يتهم الكاظم رضي الله عنه بقلة العلم!!

وأقول: سند هذه الرواية هو: علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسن، عن صفوان، عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي.

وهو سند ضعيف.

قال المحقق الخوئي في معجم رجال الحديث:

أقول: الرواية ضعيفة، فإن علي بن محمد لم يوثّق، ومحمد بن أحمد مجهول، ومحمد بن الحسن الذي يروي عن صفوان لم يوثق، فالمتحصل أن الروايات الذامَّة لم يتم سندها فلا يعتد بها. نعم، روى الشيخ هذه الرواية الأخيرة بسند معتبر مع اختلاف يسير في المتن، فقد روى بإسناده عن علي بن الحسن، عن أيوب بن نوح، والسندي بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... إلى أن قال: قال: فذكرت ذلك لأبي بصير، فقال لي: والله لقد قال جعفر عليه السلام: تُرجم المرأة ويُجلد الرجل الحد. وقال بيده على صدره يحكّه (صدري فحكه): ما أظن صاحبنا تكامل علمه. التهذيب: الجزء 7، باب الزيادات في فقه النكاح، الحديث 1957، والاستبصار: الجزء 3، باب الرجل يتزوج بامرأة ثم علم بعد ما دخل بها أن لها زوجاً، الحديث 687. وروى هذا المضمون أيضاً بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة لها زوج، قال: يُفرَّق بينهما. قلت: فعليه ضرب؟ قال: لا. ماله يضرب؟! فخرجتُ من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب، فأخبرتُه بالمسألة والجواب، فقال لي:

ص: 535

أين أنا؟ فقلت: بحيال الميزاب. قال: فرفع يده، فقال: ورب هذا البيت، أو رب هذه الكعبة، لسمعت جعفراً يقول: إن عليًّا عليه السلام قضى في الرجل تزوَّج امرأة لها زوج، فرجم المرأة، وضرب الرجل الحد، ثم قال: لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة. ثم قال: ما أخوفني ألا يكون أوتي علمه. التهذيب: الجزء 10، باب حدود الزنا، الحديث 76.

أقول- والقائل الخوئي-: هاتان الروايتان لا بد من رد علمهما إلى أهله، فإن الرجل إذا لم يثبت أنه كان عالماً بأن المرأة لها زوج، فما هو الوجه في ضربه الحد؟ ومجرد احتمال أنه كان عالماً لا يجوِّز إجراء الحد عليه، هذا من جهة نفس الرواية، وأما من جهة دلالتهما على ذم أبي بصير فغاية الأمر أنهما تدلان على أنه كان قاصراً في معرفته بعلم الإمام عليه السلام في ذلك الزمان لشبهة حصلت له، وهي تخيله أن حكمه عليه السلام كان مخالفاً لما وصل إليه من آبائه عليهم السلام، وهذا- مع أنه لا دليل على بقائه واستمراره- لا يضر بوثاقته، مضافاً إلى أن الظاهر أن المراد بأبي بصير في الرواية يحيى بن القاسم دون ليث المرادي، فإنك ستعرف أنه لم يثبت كون ليث من أصحاب الكاظم عليه السلام، والله العالم (1) 844.

وما قاله السيّد قدّس الله نفسه متين، وقد بلغ به الغاية.

قال الكاتب: ومرة تذاكر ابن أبي اليعفور كذا وأبو بصير في أمر الدنيا، فقال أبو بصير: أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها، فأغفى- أبو بصير- فجاء كلب يريد أن يشغر (2) 845 عليه، فقام حماد بن عثمان ليطرده فقال له ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنيه. ص 154 رجال الكشي.


1- معجم رجال الحديث 14/ 149.
2- رفع رجله ليبول (حاشية من الكاتب).

ص: 536

أي أنه يتهم أبا عبد الله بالركون إلى الدنيا وحب الاستِئْثَار بها، فعاقبه الله تعالى بأن أرسل كلباً فبال بأذنيه جزاءً له على ما قال في أبي عبدالله.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة، وسندها: علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان.

وعلي بن أحمد لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، ومحمد بن أحمد مجهول كما مرَّ في كلام السيد الخوئي قدس سره.

على أن قوله: (صاحبكم) ليس صريحاً في أنه يريد به الإمام الصادق عليه السلام وإن كان ذلك محتملًا، والمظنون قوياً أنه كان يريد به شخصاً آخر، لأنه لو أراد الإمام عليه السلام لقال: (صاحبنا)، فإن ذلك هو التعبير المتعارف في الإشارة إلى الإمام عليه السلام.

قال الكاتب: وعن حماد الناب قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبدالله رضي الله عنه ليطلب الإذن، فلم يُؤْذَنْ له، فقال: لو كان معنا طبق لأَذِنَ، قال فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير، فقال- أبو بصير-: أفُ أفُ كذا ما هذا؟ (1) 846. فقال له جليسه: هذا كلب شغر في وجهك رجال الكشي ص 155.

أي أنه يتهم أبا عبد الله رضي الله عنه بحب الثريد والطعام اللذيذ بحيث لا يأذن لأحد بالدخول عليه إلا إذا كان معه طبق طعام، لكن الله تعالى عاقبه أيضاً فأرسل كلباً فبال في وجهه عِقاباً له على ما قاله في أبي عبد الله رضي الله عنه.

وأقول: هذه الرواية ضعيفة السند أيضاً، وسندها: محمد بن مسعود، قال: حدثني جبرئيل بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس عن حماد الناب.

وقد مرَّ أن جبرئيل بن أحمد لم يثبت توثيقه في كتب الرجال.


1- لأنه كان أعمى البصر (حاشية من الكاتب).

ص: 537

قال المحقق الخوئي: جبرئيل بن أحمد لم يوثَّق، على أن الظاهر أن المراد بأبي بصير فيها يحيى بن القاسم، فإنه كان ضريراً، وأما المرادي فلم نجد ما يدل على كونه ضريراً، ومجرد التكنية بأبي بصير لا يدل عليه كما هو ظاهر (1) 847.

هذا مع أنه يحتمل ضبط كلمة (لأُذِن) في الحديث بالمبني للمفعول، فيُراد بفاعل الإذن أهل الدار، أو خادم الإمام عليه السلام، لا أن يكون ضبط الكلمة هو (أَذِن) بالمبني للمعلوم كما ضبطها الكاتب ليعود الضمير فيها على الإمام عليه السلام.

وعليه فلا إشكال في كلام أبي بصير إلا اتهام خادم الإمام عليه السلام بالاستعجال في الإذن له لو كان معه طبق من طعام، ومثل هذا لا يكون فيه طعن ذي بال في أبي بصير.

قال الكاتب: ولم يكن أبو بصير موثوقاً في أخلاقه، ولهذا قال شاهداً على نفسه بذلك: كنتُ أقرِئُ امرأةً كنت أُعلمها القرآن، فمازَحْتُها بِشَي ء!! قال: فَقَدِمَتْ على أبي جعفر رضي الله عنه- أي تَشْتَكِيه- قال: فقال لي أبو جعفر: يا أبا بصير أي شي ء قلتُ للمرأة؟ قال: قلتُ بيدي هكذا، وغَطَّى وجهه!!

قال: فقال أبو جعفر: لا تعودن عليها رجال الكشي ص 154.

أي أن أبا بصير مد يده ليلمس شيئاً من جسدها بغرض المداعبة (!!) والممازحة، مع أنه كان يُقْرِؤُها القرآن!!!

وأقول: قال الخوئي قدس الله نفسه: لا دلالة في الرواية على الذم، إذ لم يُعلَم أن مزاحه كان على وجهٍ محرَّم، فمن المحتمل أن الإمام عليه السلام نهاه عن ذلك حمايةً للحمى، لئلا ينتهي الأمر إلى المحرَّم، والله العالم (2) 848.


1- معجم رجال الحديث 14/ 149.
2- معجم رجال الحديث 14/ 148.

ص: 538

والكاتب قد ضبط النص بما يدل على أن المرأة جاءت للإمام عليه السلام تشكو أبا بصير، مع أن النص لا دلالة فيه على ذلك، بل الضبط هو: (فقَدمْتُ على أبي جعفر فقال لي ...)، لكن الكاتب أراد أن يهوِّل ما صنعه أبو بصير من جهة، وأن ينفي عن الإمام عليه السلام علمه بالحادثة من دون مُخبِر من جهة ثانية، فضبط النص بما يدل على أن المرأة جاءت للإمام عليه السلام لتشكو أبا بصير.

والعجيب من الكاتب وأضرابه أنه أراد تضعيف أبي بصير لأنه مازح امرأة ولم يُعلَم أن مزاحه معها كان على وجهٍ محرَّم أم لا، ولم يضعفوا خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة ونزا على زوجته، ولا المغيرة بن شعبة الذي زنا بأم جميل، ولا طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ممن خرجوا على الخليفة الحق وحاربوه، وقُتل بسببهم عشرات الألوف من المسلمين من غير ذنب.

فهنيئاً لهم بهذه المعايير المعكوسة في التضعيف والتوثيق!!

قال الكاتب: وكان أبو بصير مخلطاً:

فعن محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن عن أبي بصير فقال: أبو بصير كان يُكنى أبا محمد وكان مولى لبني أسد، وكان مكفوفاً.

فسألته هل يُتَّهَمُ بالغُلُوُّ؟ كذا فقال: أَما الغُلُوُّ فلا، لم يكن يُتَّهَم، ولكن كان مخلطاً. رجال الكشي ص 154.

قلت: أحاديثه في الصحاح !! كثيرة جداً، وفيها عجب عجاب، فإذا كان مخلطاً فماذا أدخل في الدين من تخليط؟!! إن أحاديثه فيها عجب عجاب أليست هي من تخليطه؟؟!!

وأقول: صدر الرواية الذي لم يذكره الكاتب هو:

ص: 539

محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن أبي بصير، فقال: وكان اسمه يحيى بن أبي القاسم، فقال: أبو بصير يكنَّى أبامحمد، وكان مولى لبني أسد، وكان مكفوفاً. فسألته: هل يُتَّهم بالغلو ... الخ.

ومن الواضح أن السؤال كان عن أبي بصير يحيى بن القاسم الأسدي المكفوف، لا عن أبي بصير ليث المرادي الذي عقد له الكاتب هذا الفصل، إلا أن الكاتب بتر صدر الرواية ليوهم القارئ أن أبا بصير المذموم في الرواية هو ليث المرادي، مع أنه يحيى بن القاسم أو ابن أبي القاسم.

ولعل مدَّعي الاجتهاد والفقاهة لم يميِّز بينهما، فظن أن أبا بصير واحد لا متعدِّد، مع أن من يدَّعي الاجتهاد ينبغي أن يميِّز بين هذين الرجلين فلا يخلط بينهما.

هذا مع أن كلام ابن فضال في أبي بصير هذا (يحيى بن القاسم) معارض بما قاله النجاشي فيه، حيث قال: يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي، وقيل أبو محمد، ثقة وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله، وقيل: يحيى بن أبي القاسم، واسم أبي القاسم إسحاق ... ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة (1) 849.

ومعارض بما رواه الكشي نفسه في صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشي ء، فمِمّن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي. يعني أبا بصير (2) 850.

ومعارض بما صرَّح به الكشي نفسه من أن أبا بصير الأسدي من أصحاب الإجماع الذين أجمعت الطائفة على العمل برواياتهم.

قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة،


1- رجال النجاشي 2/ 411.
2- اختيار معرفة الرجال 1/ 400.

ص: 540

ومعروف بن خربوذ، وبُرَيد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي (1) 851.

على أنه يمكن حمل التخليط على محمل لا يضر بوثاقة أبي بصير.

قال المحقق الخوئي: وأما قول ابن فضال: (إنه كان مخلطاً) فلا ينافي التوثيق، فإن التخليط معناه أن يروي الرجل ما يُعرَف ويُنكر، فلعل بعض روايات أبي بصير كانت منكرة عند ابن فضال، فقال: إنه مخلط (2) 852.

قال الكاتب: علماء طبرستان:

لقد ظهر في طبرستان جماعة تظاهروا بالعلم، وهم ممن اندسوا في التشيع لغرض الفساد والإفساد. من المعلوم أن الإنسان تشهد عليه آثاره، فإن كانت آثاره حسنة فهذا دليل حسن سلوكه وخُلُقِه واعتقاده وسلامة سَريرَته، والعكس بالعكس فإن الآثار السيئة تدل على سوء من خَلَّفَها سواء في سلوكه أو في خلقه أو اعتقادِه وتدل على فساد سريرته.

إن بعض علماء طبرستان تركوا مخلفات تثير الشكوك حول شخصياتهم.

وأقول: سيتضح للقارئ العزيز بحمد الله وفضله أن كل ما جاء به الكاتب ما هو إلا شكوك باطلة، وخيالات فاسدة، وتحامل على بعض علماء الطائفة من غير مبرِّر صحيح.

والذين ذكرهم الكاتب علماء أجلاء لا تُنكَر خدماتهم الجليلة على مذهب الشيعة الإمامية، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وسيتضح كل ذلك


1- المصدر السابق 2/ 507.
2- معجم رجال الحديث 20/ 83.

ص: 541

قريباً إن شاء الله تعالى.

على أنه يمكننا أن نقول عين ما قاله الكاتب في حق أكثر علماء أهل السنة حرفاً بحرف، فنعمد إلى كل من خالف آراءنا أو طعن فينا فنتَّهمه بأنه مدسوس في مذاهب أهل السنة لغرض الفساد والإفساد، أو بث الفرقة بين المسلمين، أو تشويه عقائدهم، أو تشكيكهم فيها، أو صرف ولائهم عن أئمة الهدى عليهم السلام إلى سلاطين الجور، أو ترويج عقائد اليهود والنصارى على أنها عقائد من صميم الإسلام، أو غير ذلك مما يمكن اتهامهم به.

قال الكاتب: وَلْنَأخذْ ثلاثة من أشهر مَن خرج من طبرستان:

1- الميرزا حسين بن تقي النوري الطبرسي مؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية من كتب الشيعة ليثبت بها تحريف القرآن الكريم. وجمع أقوال الفقهاء والمجتهدين، وكتابه وصمة عارٍ في جبين كل شيعي.

وأقول: إن كتاب (فصل الخطاب) لا يمكن أن يكون وصمة عار على جبين كل شيعي، لأنه كتاب عبَّر فيه الكاتب عن رأيه الخاص، ورأيه لا يلزم الشيعة كلهم حتى يكون عاراً عليهم، ولا سيما مع تخطئتهم له وردهم عليه، ونحن قد أجبنا عن ذلك فيما تقدم من بحوث هذا الكتاب، فلا وجه لإعادة الكلام فيه مرة ثانية.

قال الكاتب: إن اليهود والنصارى يقولون بأن القرآن مُحَرَّفٌ، فما الفرق بين كلام الطبرسي وبين كلام اليهود والنصارى؟ وهل هناك مسلم صادق في إسلامه

ص: 542

يشهد على الكتاب الذي أنزله الله تعالى وَتَكَفَّلَ بحفظه، يشهد عليه بالتحريف والتزوير والتبديل؟؟.!!

وأقول: بغض النظر عما يقوله اليهود والنصارى، فإن قولهم لا قيمة له عندنا، وموافقتهم ومخالفتهم عندنا ليست دليلًا على الحق.

والميرزا حسين النوري رحمه الله له جهود مشكورة وآثار مشهورة في نصرة الإسلام والذب عنه، وهفوته في هذا الكتاب لا تجعلنا نتجاهل كل جهوده، ولا تسقط شيئاً من اعتباره، فإن لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة.

هذا مع أنه لم يقل: (إن القرآن الموجود بين أيدينا محرَّف تحريف الزيادة والتبديل)، وإنما قال: (إن بعض كلمات أو آيات القرآن سقطت من القرآن الموجود بين أيدينا).

قال آغا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة:

(912: فصل الخطاب في تحريف الكتاب) لشيخنا الحاج ميرزا حسين النوري الطبرستاني ابن المولى محمد تقي بن الميرزا علي محمد النوري ... أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها مما تحقق ووقع في غير القرآن، ولو بكلمة واحدة لا نعلم مكانها، واختار في خصوص ما عدا آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين، بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله، بل يعلم إجمالًا من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصلًا ثبوت النقص فقط. وردَّ عليه الشيخ محمود الطهراني الشهير بالمعرب، برسالة سماها (كشف الارتياب عن تحريف الكتاب)، فلما بلغ ذلك الشيخ النوري كتب رسالة فارسية مفردة في الجواب عن شبهات (كشف الارتياب) كما مر في 10/ 220، وكان ذلك بعد طبع (فصل الخطاب) ونشره، فكان شيخنا يقول: لا أرضى عمن يطالع (فصل الخطاب) ويترك النظر إلى تلك الرسالة. ذكر في أول الرسالة الجوابية ما معناه: إن الاعتراض مبني على المغالطة في لفظ

ص: 543

التحريف، فإنه ليس مرادي من التحريف التغيير والبديل، بل خصوص الإسقاط لبعض المنزل المحفوظ عند أهله، وليس مرادي من الكتاب القرآن الموجود بين الدفتين، فإنه باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان، لم يلحقه زيادة ولا نقصان، بل المراد الكتاب الإلهي المنزل. وسمعت عنه شفاها يقول: إني أَثبتُّ في هذا الكتاب أن هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باقٍ على ما كان عليه في أول جمعه كذلك في عصر عثمان، ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل كما وقع على سائر الكتب السماوية، فكان حريًّا بأن يسمَّى (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب)، فتسميته بهذا الاسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي خطأ في التسمية، لكني لم أرد ما يحملوه عليه، بل مرادي إسقاط بعض الوحي المنزل الإلهي، وإن شئت قلت اسمه (القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل) (1) 853.

قلت: وهذا هو مذهب جمع من الصحابة الذين نُقِلتْ أقوالهم في الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة التي دلَّت على أن بعض الصحابة كانوا يرون التحريف.

منها: ما أخرجه مسلم ومالك والترمذي وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عائشة، أنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن (عَشر رضعات معلومات يُحرِّمن) ثم نُسخن ب- (خمس معلومات)، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن (2) 854.

قلت: هذا الحديث واضح الدلالة على أن عائشة كانت تعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 16/ 231.
2- صحيح مسلم 2/ 1075. الموطَّأ، ص 324. سنن الترمذي 3/ 456. سنن أبي داود 2/ 223- 224. سنن النسائي 6/ 100. السنن الكبرى للنسائي 3/ 289. سنن ابن ماجة 1/ 625. صحيح سنن أبي داود 2/ 389. صحيح سنن النسائي 2/ 696. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 328. إرواء الغليل 7/ 218. سنن الدارمي 2/ 157. السنن الكبرى 7/ 454. صحيح ابن حبان 10/ 35، 36. شرح السنة 9/ 80. سنن الدارقطني 4/ 181. مسند أبي عوانة 3/ 119. تفسير القرآن العظيم 1/ 469. كتاب الأُم 5/ 26. مسند الشافعي، ص 220.

ص: 544

توفي وتحريم خمس رضعات كان مما يُقرأ من القرآن، إلا أنه سقط بعد ذلك، لعدم وجوده في القرآن الذي بأيدينا.

ومنها: ما أخرجه ابن ماجة وأحمد والدارقطني والطبراني في الأوسط وغيرهم عن عائشة، قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخَلَ داجن (1) 855 فأكلها (2) 856.

قلت: وهذا كلام واضح الدلالة على أن عائشة تعتقد أن ضياع آية الرجم ورضاعة الكبير كان بسبب الداجن، لا لنسخ التلاوة كما زعم القوم.

ومنها: ما أخرجه ابن حبان، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والطيالسي وعبدالرزاق والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم، عن زر بن حبيش قال: لقيت أُبَي ابن كعب فقلت له: إن ابن مسعود كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول: إنهما ليستا من القرآن، فلا تجعلوا فيه ما ليس منه، قال أُبَي: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا، فنحن نقول (3) 857.

قال ابن كثير في تفسيره: وهذا مشهور عند كثير من القُرَّاء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم


1- الداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقد يطلق على غير الشاة مما يألف البيوت كالطير وغيرها.
2- سنن ابن ماجة 1/ 625- 626. مسند أحمد 6/ 269. سنن الدارقطني 4/ 179. الدر المنثور 2/ 471 في تفسير الآية 23 من سورة النساء. المعجم الأوسط للطبراني 6/ 10. مسند أبي يعلى 4/ 144. حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 328، وقال ابن حزم في المحلى 12/ 177: هذا حديث صحيح.
3- صحيح ابن حبان 10/ 274. مسند أحمد 5/ 129. المعجم الكبير للطبراني 9/ 268، 269. مجمع الزوائد 7/ 149 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. تفسير القرآن العظيم 4/ 571. موارد الظمآن 2/ 786. مسند الحميدي 1/ 185. وفي صحيح البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة الناس 3/ 1604 إشارة إلى ذلك، فراجعه.

ص: 545

يتواتر عنده (1) 858.

وقال الفخر الرازي: إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر.

قال: وهذا عقدة عصبة (2) 859.

ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه، وغيرهم- في حديث- أن عمر بن الخطاب قال: لولا أن يقول الناس: (زاد عمر في كتاب الله) لكتبتُ آية الرَّجْم بيدي (3) 860.

وفي رواية الموطأ، ومسند الشافعي، والسنن الكبرى للبيهقي وغيرها قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، يقول قائل: (لا نجد حدَّين في كتاب الله)، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا يقول الناس: (زاد عمر في كتاب الله) لكتبتها: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة)، فإنا قد قرأناها (4) 861.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: ظاهر قوله: (لولا أن يقول الناس ... الخ) أن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من الخارج ما يمنعه، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأن هذا شأن المكتوب (5) 862.

قلت: إذا كانت من القرآن فيجب كتابتها، وإلا فلا تجوز، والحديث واضح الدلالة على أن عمر كان يعتقد أنها من القرآن، ولكن يمنعه من كتابتها فيه كلام


1- تفسير القرآن العظيم 4/ 572.
2- فتح الباري 8/ 604.
3- صحيح البخاري 4/ 2241. سنن أبي داود 4/ 144- 145. صحيح ابن حبان 2/ 147. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 835، وإرواء الغليل 8/ 3.
4- الموطأ، ص 458. مسند الشافعي، ص 163. السنن الكبرى للبيهقي 8/ 212.
5- البرهان في علوم القرآن 2/ 36.

ص: 546

الناس، وهذا عذر غير مقبول منه، ولا سيما أنه كان حاكماً مهاباً لا يقدر أحد على معارضته.

ومنها: ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي الأسود، قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرَّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرَّاؤهم، فاتلوه ولا يطولَنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنا نقرأ سورة، كنا نشبِّهها في الطول والشدة ببراءة، فأُنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبِّحات (1) 863 فأُنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، فتُكتب شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة (2) 864.

قلت: قوله: (فأُنسيتُها) يدل على أن السورتين اللتين أشار إليهما أبو موسى لم تنسخ تلاوتهما، وإنما نسيهما أبو موسى وغيره من الصحابة فلم تُكتبا في المصحف المتداول عند المسلمين، ولولا ذلك لقال: (فنُسختا)، ولما كان في نسيانهما قساوة قلب، وأبو موسى ساق ذلك لبيان آثار قساوة القلب التي ابتُلي بها هو وغيره.

ومنها: ما أخرجه الحاكم بسنده عن حذيفة رضي الله عنه، قال: ما تقرأون ربعها يعني براءة، وإنكم تسمُّونها سورة التوبة، وهي سورة العذاب (3) 865.

وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه أيضاً، قال: التي تسمُّون سورة التوبة هي سورة العذاب، وما يقرأون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها (4) 866.


1- هي السور التي افتُتحت بسبحان وسبَّح ويسبِّح وسبِّح.
2- صحيح مسلم 2/ 726.
3- المستدرك 2/ 331. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. الدر المنثور 4/ 120.
4- المعجم الأوسط للطبراني 1/ 365. مجمع الزوائد 7/ 28. وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

ص: 547

ومنها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه وأحمد- واللفظ له- والسيوطي والبيهقي والطيالسي وغيرهم، عن زر بن حبيش قال: قال لي أُبَي بن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كائن تعدُّها؟ قال: قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال: قط؟ لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله، والله عليم حكيم (1) 867.

وفي لفظ آخر له: قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية. قال: لقد قرأتُها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر، وإن فيها آية الرجم (2) 868.

قلت: والأحاديث الدالة على سقوط سُوَر وآيات من كتاب الله كثيرة جداً في مصادرهم، لا نرى ضرورة لاستقصائها، لأن ذلك يخرجنا عن موضوع الكتاب.

وللخروج من هذا المأزق الذي وقع فيه أهل السنة قالوا بأنها كانت قرآناً، ولكن نُسخت تلاوتها من كتاب الله.

قال ابن كثير بعد أن ذكر أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة: وهذا إسناد حسن، وهو يقتضي أنه قد كان فيها قرآن ثم نُسِخَ لفظه وحُكْمه أيضاً، والله أعلم (3) 869.

وقال البيهقي بعد أن ذكر آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وساق جملة من رواياتهم الدالة على أنها كانت في القرآن، وأنها سقطت أو أُسقطت منه،


1- المستدرك 4/ 359 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مسند أحمد 5/ 132. السنن الكبرى 8/ 211. كنز العمال 2/ 480. مسند أبي داود الطيالسي، ص 73. الدر المنثور 6/ 558 عن عبد الرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني في الأفراد والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة.
2- مسند أحمد 5/ 132.
3- تفسير القرآن العظيم 3/ 465.

ص: 548

قال: في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً (1) 870.

وقال الزرقاني في شرح قول عائشة: كان فيما أُنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يُحَرِّمْنَ)، ثم نُسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيما يُقرَأ من القرآن.

قال: (فيما يُقرأ من القرآن) المنسوخ، فالمعنى أن العَشْر نُسخت بخَمس، ولكن هذا النسخ تأخَّر حتى توفي صلى الله عليه وسلم (2) 871، وبعض الناس لم يبلغه النسخ، فصار يتلوه قرآناً، فلما بلغه تَرَك، فالعَشْر على قولها منسوخة الحكم والتلاوة، والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم ... وليس المعنى أن تلاوتها كانت ثابتة وتركوها، لأن القرآن محفوظ (3) 872.

وقال الآمدي في الإحكام: المسألة السادسة: اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم، وبالعكس، ونسخهما معاً، خلافاً لطائفة شاذة من المعتزلة، ويدل على ذلك العقل والنقل.

إلى أن قال: وأما النقل أما نسخ التلاوة والحكم فيدل عليه ما روت عائشة أنها قالت: (فيما أنزل عشر رضعات محرمات فنسخت بخمس)، وليس في المصحف عشر رضعات محرمات ولا حكمها، فهما منسوخان (4) 873.

وكلماتهم في جواز نسخ التلاوة ووقوعه كثيرة جداً، وفيما ذكرناه كفاية.


1- السنن الكبرى للبيهقي 8/ 211.
2- هذا من مهازل التبريرات التي لهج بها علماء أهل السنة لتبرير روايات التحريف التي امتلأت بها كتبهم، ونحن لم نكن نتصور أن نجد من يزعم أن النسخ تأخر إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الزرقاني هنا، فإن هذا لم يقل به أحد.
3- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/ 321.
4- الإحكام 3/ 154.

ص: 549

وهذا الذي ذكروه من نسخ التلاوة متَّفِق في النتيجة مع ما قاله الميرزا النوري قدس سره، فإن نتيجة كلا القولين هي وقوع النقص في القرآن، غاية الأمر أنهم سمَّوه نسخ تلاوة، والميرزا النوري سمَّاه تحريفاً، وإلا فالمؤدَّى واحد، والاختلاف إنما هو في التسمية، وتسميتهم أقل شناعة من تسمية الميرزا النوري، ولهذا شنَّعوا عليه أعظم تشنيع، مع أن ما شنَّعوا عليه به هم يقولون به كما أوضحناه.

قال الكاتب: 2- أحمد بن علي بن أبي طالب (1) 874 الطبرسي صاحب كتاب (الاحتجاج).

وقال في حاشية له هنا: أطلق على نفسه هذا الاسم لقصد التمويه، حتى يتسنَّى له بَثّ سمومه، وإلا فإن مثله لا يصح أن ينسب نفسه للتراب الذي كان يدوسه أمير المؤمنين صلوات الله عليه. علماً أنه لا يُعْرَفُ له أصلٌ، ولا تُعْرَفُ له ترجمة.

وأقول: إنه لم يُطلِق على نفسه هذا الاسم كما زعم الكاتب، فلا يراد بعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام كما تصوَّره الكاتب، وإنما هو اسم أبيه وجدّه حقيقة، والتشابه في الأسماء غير عزيز ولا بمحرَّم.

والعجيب من مدَّعي الاجتهاد والفقاهة أنه زعم أن الطبرسي لا يُعرف له أصل و لا تعرف له ترجمة، مع أن كتاب الاحتجاج موشَّح بترجمة ضافية له، وقد ترجمه تلميذه ابن شهراشوب في كتابه (معالم العلماء)، ص 25، والحر العاملي صاحب وسائل الشيعة في كتابه (أمل الآمل) 2/ 17، والشيخ يوسف البحراني في كتابه (لؤلؤة البحرين)، ص 341، وغيرهم.

وأما مسألة سلسلة نسبه فمن المعلوم أن العرب يُنسبون إلى قبائلهم، والعجم


1- للكاتب هنا حاشية أدرجناها في المتن للرد عليها.

ص: 550

يُنسبون إلى بلادهم، فكانت نسبة الطبرسي إلى بلده من غير أن ينسب إلى قبيلته، وهذا جار في كثير من مشاهير الخاصة والعامة.

ولو جئنا إلى جملة من أعلام أهل السنة لما رأينا في تراجمهم ذكراً لسلسلة نسبهم، ولا سيما إذا لم تتوفر الدواعي لنقل أنسابهم والعناية بها، كما هو حال الطبرسي الذي اشتهر بكتابه في الاحتجاج.

ومن العجيب أن الكاتب يتكلم في أصول الأنساب مع أن بعض أئمة مذاهب أهل السنة وحفَّاظ الحديث عندهم لا تُعرف أنسابهم.

ونحن سنأخذ مثالين اثنين حذراً من الإطالة: واحد من أئمة مذاهبهم، وواحد من حفاظ الحديث عندهم.

أما الأول فهو أبو حنيفة النعمان، فإنه لا يُعرف أصله ولا يُعرف من أي البلادهو.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:

الإمام فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، يقال: إنه من أبناء فارس (1) 875.

إلى أن قال: قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمي من رهط حمزة الزيات، كان خزَّازاً يبيع الخز.

وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت على الإسلام، وكان زوطى مملوكاً لبني تيم الله بن ثعلبة، فأُعتق، فولاؤه لهم، ثم لبني قفل ...

وقال النضر بن محمد المروزي: عن يحيى بن النضر قال: كان والد أبي حنيفة من نسا.


1- سير أعلام النبلاء 6/ 390.

ص: 551

وروى سليمان بن الربيع عن الحارث بن إدريس: أبو حنيفة أصله من ترمذ.

وقال أبو عبد الرحمن المقري: أبو حنيفة من أهل بابل.

وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه عن جدّه، قال: ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار.

ثم نقل أن أبا حنيفة اسمه النعمان بن ثابت بن المرزبان (1) 876.

قلت: انظر رحمك الله كيف اختلفوا في أصل واحد من أئمة مذاهبهم الأربعة على أقوال متعددة، فما بالك بغيره.

وأما الثاني فهو ابن ماجة صاحب السنن المشهور، فإنهم لا يزيدون في ذِكْر نَسَبه إلا على أنه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة (2) 877.

وقال الرافعي في تاريخ قزوين: وماجة لقب يزيد، والد أبي عبد الله، وكذلك رأيت بخط أبي الحسن القطان وهبة الله بن زاذان، وقد يقال: محمدبن يزيد بن ماجة، والأول أثبت (3) 878.

وعليه، فابن ماجة لا يعرف إلا باسمه واسم أبيه فقط.

ولا ريب في أن مقام الطبرسي صاحب الاحتجاج عند الشيعة ليس كمقام أبي حنيفة وابن ماجة عند أهل السنة، فلا ندري بعد هذا لماذا شكَّك الكاتب في أصل الطبرسي، وجعل ذلك طعناً فيه، وتعامى عما ذكرناه آنفاً وغيره مما تركناه من الطعون الصحيحة في أئمتهم وحفاظ أحاديثهم.


1- سير أعلام النبلاء 6/ 390 وما بعدها.
2- راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء 13/ 277. المنتظم 12/ 258. البداية والنهاية 11/ 56. تهذيب التهذيب 9/ 468. طبقات الحفاظ، ص 278. تذكرة الحفاظ 2/ 636. النجوم الزاهرة 3/ 70. مرآة الجنان 2/ 140. وفيات الأعيان 4/ 279. الوافي بالوفيات 5/ 220.
3- التدوين في أخبار قزوين، ص 165.

ص: 552

قال الكاتب: أورد في كتابه روايات مصرحة بتحريف القرآن، وأورد أيضاً روايات زعم فيها أن العلاقة بين أمير المؤمنين والصحابة كانت سيئة جداً، وهذه الروايات هي التي تتسبب في تمزيق وحدة المسلمين، وكل من يقرأ هذا الكتاب يجد أن مؤلفه لم يكن سليم النية.

وأقول: إذا كان مجرد ذكر روايات تدل على تحريف القرآن كافياً في إدانة الكاتب واتّهامه بأنه لم يكن سليم النية، فهذا وارد بعينه على البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وابن ماجة ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وأبي داود الطيالسي والبيهقي والهيثمي والسيوطي وابن جرير الطبري وغيرهم من حفاظ الحديث وأعلام أهل السنة الذين رووا أحاديث التحريف ودوَّنوها في كتبهم (1) 879.

وإن كانت إدانة الكاتب إنما هي بسبب اعتقاده بتحريف القرآن دون مجرد ذكر روايات التحريف فالطبرسي لم يصرِّح في كتابه بأنه يقول بالتحريف، ولم يُنقل عنه الذهاب إلى هذا القول، وعلى الكاتب حينئذ أن يدين جملة من الصحابة الذين روي عنهم القول بالتحريف كما دلَّت عليه روايات أهل السنة في كتبهم المعتبرة.

وأما طعن الكاتب في الطبرسي بأنه روى في الاحتجاج ما يدل على أن العلاقة بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين بعض الصحابة كانت سيِّئة جداً، فهو غير وارد، لأن أهل السنة رووا في كتبهم الكثير من ذلك.

فقد أخرج أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، وأبو نعيم في حلية الأولياء، وغيرهم بأسانيدهم عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى عليًّا الناسُ، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تَشْكُوا عليًّا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله (2) 880.


1- راجع روايات تحريف القرآن المنقولة من مصادر أهل السنة في كتابنا (كشف الحقائق)، ص 67- 75.
2- مسند أحمد 3/ 86. المستدرك على الصحيحين 3/ 133 ط حيدر آباد 3/ 134 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. مجمع الزوائد 9/ 129. حلية الأولياء 1/ 68. فضائل الصحابة 2/ 679.

ص: 553

وأخرج الترمذي في سُننه وحسَّنه، والحاكم في المستدرك وصحَّحه، بأسانيدهم عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السَّرِية سلَّموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يُعرَف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليًّا مني وأنا منه، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي (1) 881.

وأخرج مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمَرَ معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبَّه، لأَن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم ... الحديث (2) 882.

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن سعد، فأمره أن يشتم عليًّا، قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: (لعن الله أبا التراب). فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دُعي بها ... الحديث (3) 883.


1- سنن الترمذي 5/ 632. مسند أحمد 4/ 437. المستدرك 3/ 119، ط حيدرآباد 3/ 111. صحيح ابن حبان 15/ 374. السنن الكبرى للنسائي 5/ 132. موارد الظمآن 2/ 986. مسند الطيالسي، ص 111. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 605. خصائص أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب للنسائي، ص 109. حلية الأولياء 6/ 294. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. مسند أبي يعلى 1/ 184. المعجم الكبير للطبراني 18/ 128.
2- صحيح مسلم 4/ 1871. سنن الترمذي 5/ 638 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
3- صحيح مسلم 4/ 1874.

ص: 554

وأخرج الترمذي في سُننه وحسَّنه، عن البراء، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشين، وأمَّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: إذا كان القتال فعليٌّ. قال: فافتتح علي حصناً، فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشي به، قال: فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الكتاب فتغيَّر لونه، ثم قال: ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وإنما أنا رسول. فسكت (1) 884.

وأخرج الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وأبو يعلى في مسنده، عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه قال: إن سعد بن مالك قال: بلغني أنكم تُعْرَضون على سب علي رضي الله عنه بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله. قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في علي شيئاً لو وُضع المنشار على مِفْرَقي على أن أسبّه ما سببته أبداً (2) 885.

وأخرج الضياء المقدسي، وأبو يعلى وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان يُعْرَف في وجهه الغضب، فتعوَّذتُ بالله من غضبه، فقال: مالكم ومالي؟ من آذى عليًّا


1- سنن الترمذي 5/ 638، 4/ 207.
2- الأحاديث المختارة 3/ 274. مسند أبي يعلى 1/ 328. مجمع الزوائد 9/ 130 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن. السنن الكبرى للنسائي 5/ 133. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. كتاب السنة لابن أبي عاصم، ص 590.

ص: 555

فقد آذاني (1) 886.

قلت: والأحاديث الدالة على أن كثيراً من الصحابة كانوا يبغضون أمير المؤمنين عليه السلام ويسبّونه وينتقصونه كثيرة جداً تفوق حد الحصر، وإنكارها كإنكار الشمس في وضح النهار، وما ذكرناه فيه كفاية وزيادة.

وعليه، فيلزم الكاتب أن يطعن في كثير من أعلام أهل السنة الذين رووا أمثال هذه الأمور، كما يلزمه أن يطعن فيمن روى ما هو أعظم من ذلك.

فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما- واللفظ للبخاري- بسندهما عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نُوْرَث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال)، وإني والله لا أغيِّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدَتْ (2) 887 فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرَتْه فلم تكلِّمه حتى تُوفِّيتْ، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما تُوفِّيتْ دفنها زوجُها عليٌّ ليلًا، ولم يُؤْذِنْ (3) 888 بها أبا بكر، وصلَّى عليها، وكان لعليٍّ من الناس وجه حياةَ فاطمة، فلما تُوفِّيتْ استنكر عليٌّ وجوهَ الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك. كراهةً لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك. فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن


1- الأحاديث المختارة 3/ 267. مسند أبي يعلى 1/ 325. مجمع الزوائد 9/ 129 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.
2- أي غضبت.
3- أي لم يخبر أبا بكر بالأمر.

ص: 556

يفعلوابي ... (1) 889.

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نُوْرَث، ما تركنا صدقة). فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى تُوفِّيتْ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لستُ تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملتُ به، فإني أخشى إن تركتُ شيئاً من أمره أن أزيغ، فأما صدَقَتُه بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس، وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمْرهما إلى وَلِيِّ الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم (2) 890.

وأخرج مسلم في صحيحه- في حديث طويل- عن عائشة أنها قالت: فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، فغلبه عليٌّ عليها، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه ... (3) 891.

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن الزهري أن مالك بن أوس حدَّثَه، قال:


1- صحيح البخاري 3/ 1286. صحيح مسلم 3/ 1380. وأخرج هذا الحديث بألفاظ متقاربة أحمد في المسند 1/ 6. وابن حبان في صحيحه 11/ 152، 14/ 573. والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 300. وعبد الرزاق في المصنف 5/ 327 ط أخرى 5/ 471. وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 315.
2- صحيح البخاري 2/ 952، 3/ 1286.
3- صحيح مسلم 4/ 1382.

ص: 557

أرسل إليَّ عمر بن الخطاب، فجئته حين تعالى النهار ...

إلى أن قال: فجاء يَرْفَأ (1) 892 فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن ابن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم. فأذن لهم فدخلوا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي؟ قال: نعم. فأذن لهما، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرِحْهم. فقال مالك بن أوس: يخيل إليَّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك، فقال عمر: اتَّئِدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نُوْرَثُ، ما تركنا صدقة)؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نُوْرَثُ، ما تركنا صدقة)؟ قالا: نعم.

إلى أن قال: قال- أي عمر-: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئتما، تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نُوْرَث، ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر، وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق، فوَلِيْتُها، ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا، فقلت: إن شئتم دفعتُها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما؟ ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرُدَّاها إلي (2) 893.

فما يقول الكاتب في أمثال هذه الأخبار الصحيحة عند القوم؟


1- هو حاجب عمر بن الخطاب.
2- صحيح مسلم 4/ 1377.

ص: 558

ألا تدل روايتها في صحاحهم على أن نيَّات كُتَّابها لم تكن سليمة؟

ألا يدل ذلك على أن أهل بخارى وسمرقند ونيسابور وترمذ وسجستان وغيرها أرادوا تشويه علاقات الصحابة مع أهل البيت عليهم السلام؟

الجواب يعرفه الكاتب وكل من صدَّق كلامه واغترَّ به.

قال الكاتب: 3- فضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن، ذلك التفسير الذي شحنه بالمغالطات والتأويل المُتَكَلَّف، والتفسير الجاف المخالف لأبسط قواعد التفسير.

وأقول: كان على الكاتب لو كان منصفاً أن يسوق بعض الأمثلة الدالة على أن الطبرسي صاحب مجمع البيان شحن كتابه بالمغالطات والتأويلات المتكلفة، لا أن يرسل الكلام هكذا من غير دليل ولا حجة. (1) 894

ا مع أن كتاب مجمع البيان قد جمع فيه الطبرسي رحمه الله أقوال مفسِّري أهل السنة، وربما ذكر ما روي عن الصادقِينَ عليهم السلام، فهو أقرب إلى تفاسير أهل السنة منه إلى التفاسير الشيعية الأخرى التي أغفلت أقوال أهل السنة وآراءهم.

ولهذا قال الدكتور محمد حسين الذهبي- وهو من أهل السنة- في كتابه (التفسير والمفسرون): والحق أن تفسير الطبرسي- بصرف النظر عما فيه من نزعات تشيعية وآراء اعتزالية- كتاب عظيم في بابه، يدل على تبحُّر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل، وهو يجيد في كل ناحية من النواحي التي يتكلم فيها، فإذا تكلم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلم عن وجوه الإعراب أجاد، وإذا شرح المعنى الإجمالي أوضح المراد، وإذا تكلم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 559

الأقوال وأفاض، وإذا تكلم عن الأحكام تعرض لمذاهب الفقهاء، وجهر بمذهبه ونصره وإن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وربط بين الآيات وآخى بين الجمل، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال، وهو ينقل أقوال من تقدَّمه من المفسِّرين معزوَّة لأصحابها، ويرجِّح ويوجِّه ما يختار منها.

إلى أن قال: غير أنه- والحق يقال- ليس مغالياً في تشيعه، ولا متطرِّفاً في عقيدته، كما هو شأن كثير من علماء الإمامية الاثني عشرية (1) 895.

وتحت عنوان (اعتداله في تشيعه) قال: والطبرسي معتدل في تشيعه غير مغالٍ فيه كغيره من متطرفي الإمامية الاثني عشرية، ولقد قرأنا في تفسيره فلم نلمس عليه تعصباً كبيراً، ولم نأخذ عليه أنه كفَّر أحداً من الصحابة، أو طعن فيهم بما يذهب بعدالتهم ودينهم. كما أنه لم يغالِ في شأن علي بما يجعله في مرتبة الإله أو مصاف الأنبياء وإن كان يقول بالعصمة.

إلى أن قال: وكل ما لاحظناه عليه من تعصّبه أنه يدافع بكل قوة عن أصول مذهبه وعقائد أصحابه، كما أنه إذا روى أقوال المفسِّرين في آية من الآيات ونقل أقوال المفسرين من أهل مذهبه، نجده يرتضي قول علماء مذهبه، ويؤيِّده بما يظهر له من الدليل.

وختم كلامه بقوله: وبعد أفلا ترى معي أن هذا التفسير يجمع بين حسن الترتيب وجمال التهذيب، ودقة التعليل، وقوة الحجة؟ أظن أنك معي في هذا. وأظن أنك معي في أن الطبرسي وإن دافع عن عقيدته ونافح عنها لم يغلُ غلو غيره، ولم يبلغ به الأمر إلى الدرجة التي كان عليها المولى الكازراني وأمثاله من غلاة الإمامية الاثني عشرية (2) 896.


1- التفسير والمفسرون 2/ 76.
2- المصدر السابق.

ص: 560

قال الكاتب: إن منطقة طبرستان والمناطق المجاورة لها مليئة بيهود الخزر، وهؤلاء الطبرسيون هم من يهود الخزر المتسترين بالإسلام.

وأقول: قال ياقوت الحموي في معجم البلدان تحت عنوان (طبرستان): والنسبة إلى هذا الموضع الطَبَري ... وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يُحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه (1) 897.

وقال السمعاني في الأنساب في مادة (الطبري): هذه النسبة إلى طبرستان، وهي آمل وولايتها ... والنسبة إليها طبري، وخرج من آمل جماعة كثيرة من العلماء والفقهاء والمحدِّثين ...

وقال: وجماعة من أهل طبرستان قديماً وحديثاً حدَّثوا وكتب عنهم الناس، وقد يُنسب واحد إلى طبرية الشام طبرياً، والنسبة الصحيحة إليها طبراني وقد ذكرناه.

ثم عدَّ جماعة من أهل طبرستان من مشاهير العلماء، منهم: أبو جعفر محمدبن جرير الطبري المشهور، صاحب التفسير والتاريخ المعروفين، قال: وكان أحد الأئمة العلماء، يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسُّنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور (تاريخ الأمم والملوك) وكتاب التفسير، لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه (تهذيب الآثار) لم يُرَ سواه في معناه، إلا أنه لم يتمّه ...

وعدَّ منهم أبا بكر الخوارزمي، وأبا مروان الحكم بن محمد الطبري، وإسحاق


1- معجم البلدان 4/ 13.

ص: 561

ابن إبراهيم الطبري، وأبا الطيِّب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري، وأبا غالب محمد بن أحمد بن عمر بن الطَّبر الجريري الطبري، وأبا القاسم هبة الله بن أحمد الطبري، وأبا بكر محمد بن عمير الطبري، وأبا عبد الله محمد بن غصن الطبري من القدماء، روى عن وكيع وعبدالرزاق (1) 898.

قلت: وعدَّ اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من علماء طبرستان ممن رُسم بالإمامة في السُّنة إسماعيل بن سعيد الشالنجي، والحسين بن علي الطبري، وأبا نعيم عبد الملك بن عدي الاستراباذي، وعلي بن إبراهيم بن سلمة القطان القزويني (2) 899.

وهنا نسأل الكاتب:

هل محمد بن جرير الطبري وغيره من أهل السنة من أهل طبرستان هم أيضاً من يهود الخزر الذين تستَّروا بالإسلام واندسوا بين المسلمين؟!

فإن أجاب بالنفي فلا ندري لِمَ لَمْ يندس يهود الخزر بين أهل السنة الذين كانوا أصحاب الوظائف والمناصب، واكتفوا بالاندساس بين الشيعة الذين كانوا مضطهدين مقهورين؟!

ثم إن المستفاد من كلام البستاني في دائرة المعارف وياقوت الحموي في معجم البلدان وغيرهما أن بلاد الخزر تقع شمال جبال القوقاز على ضفتي نهر الفولغا، وهو واقع شمال غرب بحر قزوين (بحر الخزر).

قال البستاني: خزرKhazares : أمّة سكيثية من أوروبا الشرقية، كانوا في القرن الخامس للميلاد قاطنين على ضفتي فولغا الأسفل عند بحر الخزر، ثم تقدموا نحو الغرب، وافتتحوا بلاد الأفارة سنة 634 وهي روسيا الجنوبية إلى نهر دنيبر وأوكا،


1- الأنساب 4/ 45- 48.
2- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 54.

ص: 562

وثبتت مملكتهم قرنين، وكانوا كل هذه المدة محالفين اليونان (1) 900.

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: هي بلاد التُّرك خلف باب الأبواب المعروف بالدربند قريب من سد ذي القرنين ... وقال أحمد بن فضلان رسول المقتدر إلى الصقالبة في رسالة له ذكر ما شاهده بتلك البلاد فقال: الخزر اسم إقليم من قصبة تسمَّى إتِل، وإتِل اسم لنهر يجري إلى الخزر من الروس وبلغار، وإتل مدينة، والخزر اسم المملكة لا اسم مدينة، والإتل قطعتان: قطعة على غربي هذا النهر المسمى إتل وهي أكبرهما، وقطعة على شرقيِّه (2) 901.

قلت: هذا هو معنى كلام البستاني، والظاهر أن نهر فولغا كان يُسمّى سابقاًإتِل.

فعلى هذا يتضح بُعْد المسافة بين طبرستان وبين منطقة الخزر، ولا يُعلَم أن يهود الخزر قصدوا منطقة طبرستان واستوطنوا فيها، وبالذات ليندسوا بين المسلمين فيها ويتستروا بالإسلام بزعم الكاتب، مع أن ياقوت الحموي قد ذكر أن منطقة الخزر فيها مسلمون ونصارى وعبدة أوثان، وأقل الفرق فيها اليهود (3) 902، فكان بإمكانهم أن يتستَّروا بين المسلمين القاطنين في منطقة الخزر نفسها، دون شيعة طبرستان.

ولا بأس أن ننبِّه القارئ الكريم إلى أن البيهقي المعروف بابن فندق المعاصر لأمين الإسلام الطبرسي صاحب مجمع البيان، قد ذكر في كتابه (تاريخ بيهق) أن الطبرسي (صاحب مجمع البيان) منسوب إلى طبرس الواقعة بين أصفهان وكاشان (4) 903، وبه يتضح بُعْد الطبرسي عن طبرستان أيضاً ونواحيها.


1- دائرة معارف البستاني 7/ 371.
2- معجم البلدان 2/ 367.
3- نفس المصدر 2/ 368.
4- عن مقدمة كامل سليمان لكتاب جوامع الجامع 1/ 7.

ص: 563

قال الكاتب: فمؤلفاتهم من أكبر الكتب الطاعنة بدين الإسلام بحيث لو قارنا بين (فصل الخطاب) وبين مؤلفات المستشرقين الطاعنة بدين الإسلام لرأينا (فصل الخطاب) أشد طعناً بالإسلام من مؤلفات أولئك المستشرقين. وهكذا مؤلفات الآخرين.

وأقول: لقد أوضحنا فيما تقدم أن الكتب الثلاثة المذكورة (الاحتجاج ومجمع البيان وفصل الخطاب) لم تشتمل على شي ء خلتْ منه كتب أهل السنة، بل إن الأمر بالعكس، فراجع ما قلناه فيما تقدم.

ومن المنكرات العظيمة وصف هؤلاء الأجلاء بأنهم من يهود الخزر، وهل هذا إلا مخالفة واضحة لقوله تعالى وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا (1) 904.

ولا بأس أن أنقل للقارئ الكريم بعضاً من ترجمة صاحب كتاب (فصل الخطاب) الميرزا حسين النوري الطبرسي قدس سره الذي تحامل عليه الكاتب أكثر من غيره كما نقلها شاهد عصره آغا بزرك الطهراني رحمه الله.

قال قدس سره: كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر، فقد امتاز بعبقرية فذّة، وكان آية من آيات الله العجيبة، كمنتْ فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهَّلته لأن يُعدّ في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرَّسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة، وهو في مجموع آثاره ومآثره إنسان فرض لشخصه الخلود على مر العصور، وألزم المؤلِّفين والمؤرِّخين بالعناية به والإشادة بغزارة فضله، فقد نذر نفسه لخدمة العلم، ولم يكن يهمّه غير البحث والتنقيب والفحص والتتبع، وجمع شتات الأخبار، وشذرات الحديث، ونظم متفرقات الآثار، وتأليف شوارد السير، وقد رافقه التوفيق، وأعانته المشيئة الإلهية، حتى ليظن الناظر في تصانيفه أن الله شمله بخاصة


1- سورة النساء، الآية 94.

ص: 564

ألطافه ومخصوص عنايته، وادخر له كنوزاً قيمة لم يظفر بها أعاظم السلف من هواة الآثار ورجال هذا الفن، بل يخيل للواقف على أمره أن الله خلقه لحفظ البقية الباقية من تراث آل محمد عليه وعليهم السلام وذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

تشرَّفتُ بخدمته للمرة الأولى في سامراء في (1313) بعد وفاة المجدِّد الشيرازي بسنة، وهي سنة ورودي العراق، كما أنها سنة وفاة السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، وذلك عندما قصدت سامراء زائراً قبل ورودي إلى النجف، فوُفِّقتُ لرؤية المترجَم له بداره، حيث قصدتُها لاستماع مصيبة الحسين عليه السلام، وذلك يوم الجمعة الذي ينعقد فيه مجلس بداره، وكان المجلس غاصًّا بالحضور، والشيخ على الكرسي مشغول بالوعظ، ثم ذكر المصيبة وتفرَّق الحاضرون، فانصرفتُ وفي نفسي ما يعلمه الله من إجلال وإعجاب وإكبار لهذا الشيخ، إذ رأيت فيه حين رأيته سمات الأبرار من رجالنا الأُوَل. ولما وصلت إلى النجف بقيتُ أُمنِّي النفس لو أن تتفق لي صلة مع هذا الشيخ لأستفيد منه عن كثب، ولما اتفقت هجرته إلى النجف في (1314) لازمته ملازمة الظل ست سنين، حتى اختار الله له دار إقامته، ورأيتُ منه خلال هذه المدة قضايا عجيبة لو أردت شرحها لطال المقام، وبودي أن أذكر مجملًا من ذلك، ولو كان في ذلك خروج عن خطتنا الإيجازية، فهذا- وأيم الحق- مقام الوفاء، ووقت إعطاء النَّصَف، وقضاء الحقوق، فإني لعلى يقين من أنني لا ألتقي بأستاذي المعظم ومعلِّمي الأول بعد موقفي هذا إلا في عرصات القيامة، فما بالي لا أفي حقه وأغنم رضاه.

كان- أعلى الله مقامه- ملتزماً بالوظائف الشرعية على الدوام، وكان لكل ساعة من يومه شغل خاص لا يتخلف عنه، فوقت كتابته من بعد صلاة العصر إلى قرب الغروب، ووقت مطالعته من بعد العشاء إلى وقت النوم، وكان لا ينام إلا متطهِّراً، ولا ينام من الليل إلا قليلًا، ثم يستيقظ قبل الفجر بساعتين، فيجدِّد وضوءه،

ص: 565

ولا يستعمل الماء القليل، بل كان لا يتطهر إلا بالكُر، ثم يتشرف قبل الفجر بساعة إلى الحرم المطهر، ويقف- صيفاً وشتاءاً- خلف باب القبلة، فيشتغل بنوافل الليل إلى أن يأتي السيِّد داود نائب خازن الروضة، وبيده مفاتيح الروضة، فيفتح الباب ويدخل شيخنا، وهو أول داخل لها وقتذاك، وكان يشترك مع نائب الخازن بإيقاد الشموع، ثم يقف في جانب الرأس الشريف، فيشرع بالزيارة والتهجد إلى أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح جماعة مع بعض خواصِّه من العبَّاد والأوتاد، ويشتغل بالتعقيب، وقبل شروق الشمس بقليل يعود إلى داره، فيتوجَّه رأساً إلى مكتبته العظيمة المشتملة على ألوف من نفائس الكتب والآثار النادرة العزيزة الوجود أو المنحصرة عنده، فلا يخرج منها إلا للضرورة، وفي الصباح يأتيه من كان يعينه على مقابلة ما يحتاج إلى تصحيحه ومقابلته مما صنفه أو استنسخه من كتب الحديث وغيرها، كالعلَّامتين الشيخ علي بن إبراهيم القمي، والشيخ عباس بن محمد رضا القمي، وكان معينه على المقابلة في النجف وقبل الهجرة إلى سامراء وفيها أيضاً المولى محمد تقي القمي الباوزئيري الذي ترجمناه في القسم الأول من هذا الكتاب ص 238.

وكان إذا دخل عليه أحد في حال المقابلة اعتذر منه أو قضى حاجته باستعجال، لئلا يزاحم وروده أشغاله العلمية ومقابلته، أما في الأيام الأخيرة وحينما كان مشغولًا بتكميل (المستدرك) فقد قاطع الناس على الإطلاق، حتى إنه لو سُئل عن شرح حديث أو ذكر خبر أو تفصيل قضية أو تأريخ شي ء أو حال راو أو غير ذلك من مسائل الفقه والأصول، لم يُجِبْ بالتفصيل، بل يذكر للسائل مواضع الجواب ومصادره فيما إذا كان في الخارج، وأما إذا كان في مكتبته فيخرج الموضوع من أحد الكتب، ويعطيه للسائل ليتأمله، كل ذلك خوف مزاحمة الإجابة الشغل الأهم من القراءة أو الكتابة (1) 905، وبعد الفراغ من أشغاله كان يتغذى بغداء معين كمًّا وكيفاً، ثم


1- كان ذلك من الله، فكأن هاتفاً هتف في أذنه، وأمره بترك أشغاله، لأنه توفي بعد تتميم الكتاب بقليل. (منه قدس سره).

ص: 566

يقيل ويصلي الظهر أول الزوال، وبعد العصر يشتغل بالكتابة كما ذكرنا.

أما في يوم الجمعة فكان يغيِّر منهجه، ويشتغل بعد الرجوع من الحرم الشريف بمطالعة بعض كتب الذكْر والمصيبة، لترتيب ما يقرؤه على المنبر بداره، ويخرج من مكتبته بعد الشمس بساعة إلى مجلسه العام، فيجلس ويحيِّي الحاضرين ويؤدِّي التعارفات، ثم يرقى المنبر فيقرأ ما رآه في الكتب بذلك اليوم، ومع ذلك يحتاط في النقل بما لم يكن صريحاً في الأخبار الجزمية، وكان إذا قرأ المصيبة تنحدر دموعه على شيبته، وبعد انقضاء المجلس يشتغل بوظائف الجمعة من التقليم والحلق وقص الشارب والغُسل والأدعية والآداب والنوافل وغيرها، وكان لا يكتب بعد عصر الجمعة على عادته، بل يتشرف إلى الحرم، ويشتغل بالمأثور إلى الغروب. كانت هذه عادته إلى أن انتقل إلى جوار ربِّه.

ومما سنَّه في تلك الأعوام: زيارة سيد الشهداء مشياً على الأقدام، فقد كان ذلك في عصر الشيخ الأنصاري من سُنن الأخيار وأعظم الشعائر، لكن تُرك في الأخير وصار من علائم الفقر وخصائص الأدنين من الناس، فكان العازم على ذلك يتخفى عن الناس لما في ذلك من الذُّل والعار، فلما رأى شيخنا ضعف هذا الأمر اهتم له والتزمه، فكان في خصوص زيارة عيد الأضحى يكتري بعض الدواب لحمل الأثقال والأمتعة، ويمشي هو وصحبه، لكنه لضعف مزاجه لا يستطيع قطع المسافة من النجف إلى كربلاء بمبيت ليلة كما هو المرسوم عند أهله، بل يقضي في الطريق ثلاث ليال، يبيت الأولى في (المصلى)، والثانية في (خان النصف)، والثالثة في (خان النخيلة)، فيصل كربلاء في الرابعة، ويكون مشيه كل يوم ربع الطريق، نصفه صبحاً ونصفه عصراً، ويستريح وسط الطريق لأداء الفريضة وتناول الغذاء في ظلال خيمة يحملها معه، وفي السنة الثانية والثالثة زادت رغبة الناس والصلحاء في الأمر، وذهب ما كان في ذلك من الإهانة والذل إلى أن صار عدد الخيم في بعض السنين أزيد من ثلاثين لكل واحدة بين العشرين والثلاثين نفراً، وفي السنة الأخيرة يعني زيارة عرفة

ص: 567

(1319)- وهي سنة الحج الأكبر التي اتفق فيها عيد النيروز والجمعة والأضحى في يوم واحد، ولكثرة ازدحام الحجيج حصل في مكة وباء عظيم هلك فيه خلق كثير- تشرَّفتُ بخدمة الشيخ إلى كربلاء ماشياً، واتفق أنه عاد بعد تلك الزيارة إلى النجف ماشياً أيضاً ... وفي تلك السفرة بدأ به المرض الذي كانت فيه وفاته يوم خروجه من النجف ... وابتلي بالحمى، وكان يشتد مرضه يوما فيوماً، إلى أن توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الثانية (1320) (1) 906.

قلت: من اطلع على سيرة هذا الشيخ العظيم ونظر في مؤلفاته النافعة، كيف يحق له أن يصفه بما وصفه به الكاتب ظلماً وبهتاناً؟!

ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال الكاتب: توفي أحد السادة المدرسين في الحوزة النجفية، فغسلتُ جثمانَه مُبْتَغياً بذلك وجهَ الله، وساعدني في غسله بعض أولاده، فاكتشفت أثناء الغسل أن الفقيد الراحل غير مختون!! ولا أستطيع الآن أن أذكر اسم هذا (الفقيد) لأن أولاده يعرفون من الذي غسل أباهم، فإذا ذكرته عرفوني، وعرفوا بالتالي أني مؤلف هذا الكتاب، واكتُشِفَ أمري، ويحصل ما لا تُحْمَدُ عقباه.

وأقول: هذه إحدى قصص الكاتب الخرافية التي لا قيمة لها.

ولو كان الكاتب يَعْقِل ما يكتب لما نقل مثل هذه القصة، لأنها كاشفة عن جهله وقلة معرفته، لأنه- على فرض صحَّتها- كيف جوَّز الكاتب لنفسه أن ينظر إلى عورة الميت ويتفحَّصها ليعلم أنه كان غير مختون؟ فإن النظر إلى عورة المسلم حرام حتى في حال التغسيل، فيجب على المغسِّل أن يستر عورة الميت، ويغسلها من تحت الثياب.


1- مستدرك الوسائل 1/ 43 وما بعدها.

ص: 568

قال الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الخلاف:

مسألة 469: يستحب أن يُغسل الميت عرياناً، مستور العورة، إما بأن يترك قميصه على عورته، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. وقال الشافعي: يغسَّل في قميصه، وقال أبو حنيفة: ينزع قميصه ويُترك على عورته خرقة. دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم على أنه مخير بين الأمرين (1) 907.

وقال المحقق الحلي في كتاب المعتبر:

وقال في الخلاف: يستحب غسله عرياناً مستور العورة، إما بقميصه، أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. ومعنى قوله رحمه الله: (بقميصه) أن يخرج يديه من القميص ويجذبه منحدراً إلى سرته، ويجمعه على عورته، ويجرِّد ساقيه، فيصير كالعاري عدا العورة (2) 908.

وقال الشيخ يوسف البحراني قدس سره في الحدائق الناضرة:

(الثالثة): اختلف الأصحاب في أنه هل الأفضل تغسيل الميت عرياناً مستور العورة، أو في قميص يدخل الغاسل يده تحته؟ قال في المختلف: المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت، ثم يترك على عورته ما يسترها واجباً، ثم يغسله الغاسل.

إلى أن قال: وقد ظهر من كلامه أن المشهور هو استحباب غسله مكشوف البدن ما عدا العورة، وكلام ابن أبي عقيل ظاهر في استحباب التغسيل في قميص، وهو ظاهر من الأخبار كصحيحة ابن مسكان المذكورة وصحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة وصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة أيضاً، بل ظاهر صحيحة يعقوب الوجوب، ويعضدها أيضاً الأخبار المتقدمة في تغسيل الزوجين المتكاثرة بكونه من وراء الثياب (3) 909.


1- كتاب الخلاف 1/ 692.
2- المعتبر 1/ 270.
3- الحدائق الناضرة 3/ 447.

ص: 569

وقال النجفي في جواهر الكلام:

(و) كذا يستحب أن (يستر عورته) حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب، كما لو كان المغسِّل أعمى، أو واثقاً من نفسه بعدم النظر، أو كان المغسَّل بالفتح ممن يجوز النظر إلى عورته، كما لو كان طفلًا أو زوجاً، وإلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم (1) 910.

وقال السرخسي في المبسوط:

ويُطرح على عورته خرقة، لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حيًّا وميتاً، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. وفي ظاهر الرواية قال: يَشق عليهم غَسل ما تحت الإزار، فيكتفى بستر العورة الغليظة بخرقة، ثم يوضأ وضوءه للصلاة (2) 911.

وقال الكاشاني في بدائع الصنائع:

وتستر عورته بخرقة، لأن حرمة النظر إلى العورة باقية بعد الموت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنظروا إلى فخذ حيّ ولا ميت). ولهذا لا يباح للأجنبي غسل الأجنبية. دلَّ عليه ما روي عن عائشة أنها قالت: (كسْر عظم الميت ككسْره وهو حي)، ليعلم أن الآدمي محترم حيًّا وميتاً، وحرمة النظر إلى العورة من باب الاحترام. وقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤزر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال. والصحيح ظاهر الرواية، لأنه يشق عليهم غسل ما تحت الإزار، ثم الخرقة ينبغي أن تكون ساترة ما بين السرة إلى الركبة، لأن كل ذلك عورة، وبه أمر في الأصل حيث قال: (وتطرح على عورته خرقة)، هكذا ذكر عن أبي عبد الله البلخي نصًّا في نوادره، ثم تغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة، كذا ذكر البلخي، لأن حرمة مَسِ


1- جواهر الكلام 4/ 149.
2- المبسوط 2/ 59.

ص: 570

عورة الغير فوق حرمة النظر، فتحريم النظر يدل على تحريم المس بطريق الأولى (1) 912.

قلت: بعد أن عرفنا هذا كله نسأل: ما الذي سوَّغ لمدَّعي الاجتهاد والفقاهة أن ينظر إلى عورة الميت المزعوم ويتفحَّصها؟

ولماذا يخاف الكاتب من معرفة اسمه وشخصه مع أنه يدَّعي الآن أنه صار سُنِّيًّا، فيلزمه حينئذ ألا يعمل بالتقية الممقوتة عند أهل السنة، فلا يجوز له أن يخفي نفسه في النجف متستِّراً باللباس الشيعي، ومتظاهراً بأنه لا يزال شيعياً.

قال الكاتب: وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات تثير الشكوك حولهم والريب، وأنا والحمد لله دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم.

وأقول: لا ندري ما هي هذه الملاحظات المزعومة التي أثارت شكوك الكاتب حول من سمَّاهم سادة في الحوزة؟

ثم ما الذي جوَّز للكاتب أن يتحرَّى ويبحث في حقيقة أولئك السادة؟ فإن هذا الفعل إما أن يندرج تحت عنوان التجسس المنهي عنه بقوله تعالى وَلا تَجَسَّسُوا؟

أو يندرج تحت عنوان تتبّع عورات المسلمين المنهي عنه في الأخبار الكثيرة، ففي موثقة إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمُّوا المسلمين، ولا تتبَّعوا عوراتهم، فإنه من تتبَّع عوراتهم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته.

وفي موثَّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن


1- بدائع الصنائع 1/ 300.

ص: 571

يواخي الرجلُ الرجلَ على الدين، فيحصي عليه زلَّاته، ليعيِّره بها يوماً ما.

وفي صحيحة محمد بن مسلم أو الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإن من تتبَّع عثرات أخيه تتبَّع الله عثراته، ومن تتبَّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته (1) 913.

وأخرج الترمذي وأبو داود وأحمد وأبو يعلى وغيرهم بأسانيدهم عن ابن عمر، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتبَّعوا عوراتهم، فإنه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله (أو بيته) (2) 914.

ومن غير المستبعد أن يكون ذلك قد نشأ من سوء ظنِّ الكاتب بالناس الكاشف عن سوء الطوية وخبث السريرة.

قال المناوي في فيض القدير: ومن أساء الظن بمن ليس محلًّا لسوء الظن به دلَّ على عدم استقامته في نفسه، كما قيل:

إذا سَاءَ فِعْلُ المرءِ سَاءَتْ ظنُونُه وصَدَّقَ مَا يَعْتَادُه مِنْ تَوَهُّمِ (3) 915


1- انظر هذه الأحاديث في الكافي 2/ 354- 355.
2- سنن الترمذي 4/ 378 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. سنن أبي داود 4/ 270. مسند أحمد 4/ 420، 424. مجمع الزوائد 6/ 246. مسند أبي يعلى 2/ 146، 6/ 266. المطالب العالية 2/ 365. شعب الإيمان 7/ 108، 521. مشكاة المصابيح 3/ 1402. الترغيب والترهيب 3/ 152، 153 وقال: رواه أبو يعلى بإسناد حسن. صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 923.
3- فيض القدير 1/ 330.

ص: 572

قال الكاتب: ولنر لوناً آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع، فقد عبثت هذه العناصر بكتبنا المعتبرة، ومراجعنا المهمة، وَلْنَأْخُذ نماذج يطلع القارئ من خلالها على حجم هذا العَبَث ومداه.

إن كتاب الكافي هو أعظم المصادر الشيعية على الإطلاق، فهو موثق من قبل الإمام الثاني عشر المعصوم الذي لا يُخْطِئ ولا يغلط، إذ لما ألف الكليني كتاب الكافي عرضه على الإمام الثاني عشر في سردابه كذا في سامراء، فقال الإمام الثاني عشر سلام الله عليه: (الكافي كاف لشيعتنا). انظر مقدمة الكافي ص 25.

وأقول: أما أن كتاب الكافي من أهم المصادر الشيعية فهو صحيح، وأما أنه موثَّق من قبل الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرَجه الشريف فهو غير صحيح، لأن ذلك لم يثبت عنه بسند معتبر، وإنما هو كلام قيل، ولا أصل له.

والمذكور في مقدمة الطبعة الجديدة من كتاب الكافي للدكتور حسين علي محفوظ هو أن بعض العلماء يعتقد أن الكافي عُرض على القائم عليه السلام فاستحسنه، وقال: كافٍ لشيعتنا.

وهو خبر ضعيف بالإرسال، بل هو باطل في نفسه، لأن كتاب الكافي ليس كافياً للشيعة، ولهذا اعتنى العلماء بغيره من كتب الحديث الأخرى المكمِّلة له، وهذا أمر معلوم غير قابل للإنكار.

على أن مقدمة الكافي المزبورة لم يَرِد فيها أن الكافي عُرض على القائم عليه السلام في السرداب كما قاله الكاتب، ولكن لما أراد الكاتب أن يطعن في الإمام المنتظر عليه السلام طعناً مبطَّناً، ذكر قضية العرض في السرداب التي لا يقول بها أحد، وهذا دليل يضاف إلى ما سبق من الأدلة على أن كاتب كتاب (لله ثم للتاريخ) لم يكن شيعياً، فضلًا عن أن يكون واحداً من علماء الشيعة.

ص: 573

قال الكاتب: قال السيد المحقق كذا عباس القمي: (الكافي هو أجل الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يُعْمَلْ للإمامية مثله)، قال المولى محمد أمين الاسترابادي في محكي فوائده: (سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يُدانيه). الكني والانقاب كذا 3/ 98.

وأقول: أما أن كتاب الكافي لم يصنَّف مثله فلا إشكال فيه ولا ريب يعتريه، وليس هذا مقام إثباته وبيانه، ولكن نود أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن مدعي الاجتهاد والفقاهة قد أخطأ في تسمية الكتاب الذي نقل عنه، فذكره على غير الوجه الصحيح، مع أن اسمه الصحيح: (الكُنَى والألقاب).

ثم إن الشيخ عباس القمي رحمه الله ليس سيِّداً، كما أنه ليس محقِّقاً، وإنما هو على جلالته محدِّث، وهذه أول مرة أرى من يصف الشيخ عباس القمي بهذا الوصف الغريب في حقه رحمه الله، وهذا كاشف على بُعْد الرجل عن الجو الحوزوي كما صرَّحنا به مكرَّراً.

قال الكاتب: ولكن اقرأ معي هذه الأقوال:

قال الخوانساري: (اختلفوا في كتاب الروضة الذي يضم مجموعة من الأبواب: هل هو أحد كتب الكافي الذي هو من تأليف الكليني، أو مزيد عليه فيما بعد؟) روضات الجنات 6/ 118.

وأقول: لم نعثر على هذه الكلمة في روضات الجنات في ترجمة الكليني قدس سره، مع أنّا عثرنا على الكلمة الآتية التي نقلها الكاتب عن السيد حسين الكركي، فكان من اللازم أن نجد كلمة الخوانساري بعد أربع صفحات من كلمة الكركي بناءاً على أرقام الصفحات التي ذكرها الكاتب، إلا أنّا لم نر لها عيناً ولا أثراً.

ص: 574

وعلى فرض وجودها فيه فمعناها هو أن بعضهم أنكر كون كتاب الروضة أحد أجزاء الكافي، وادَّعى أنه أُلحق بأجزاء الكافي مع أنه كان كتاباً آخر مستقلًا للكليني رحمه الله، وهذا لا إشكال فيه على مضامين كتاب الروضة، وإنما هو تشكيك في أن الروضة من ضمن الكافي أو مستقل عنه.

نعم ذكر الخوانساري في روضات الجنات نقلًا عن صاحب كتاب التوضيح قوله: (وقد يُنكر كون كتاب الروضة أيضاً من جملة كتب الكليني، من جهة عدم اتصال سندنا إليه أو غير ذلك) (1) 916.

وجوابه: أن ما ذكره صاحب كتاب التوضيح مجرد احتمال، لا أنه قول في المسألة.

ثم إن النجاشي والشيخ الطوسي قد ذكرا كتاب الروضة في جملة كتب الشيخ الكليني رحمه الله، وساقا سندهما إلى كتب الكليني كلها (2) 917، فلا يعتد حينئذ بما قاله غيرهما، ولا سيما أنّا لم نعرف صاحب كتاب التوضيح من هو، فإن الخوانساري لم يذكره باسمه، وإنما قال إنه ذكره في ذيل ترجمة أبي العباس الضرير، مع أنه قدس سره لم يذكر ترجمةً لأبي العباس الضرير (أحمد بن الحسن الإسفرائني، أو أحمد بن إصفهبد القمي)، فراجع وتأمل.

قال الكاتب: قال الشيخ الثقة السيد كذا حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي المتوفى 460 ه-: (إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة عليهم السلام) روضات الجنات 6/ 114.

بينما يقول السيد كذا أبو جعفر الطوسي المتوفي 460 ه-:


1- روضات الجنات 6/ 111.
2- رجال النجاشي 2/ 291، 292. الفهرست للطوسي، ص 210- 211.

ص: 575

(إن كتاب الكافي مُشْتَمِلٌ على ثلاثين كتاباً). الفهرست ص 161.

يتبين لنا من الأقوال المتقدمة أن ما زيد على الكافي ما بين القرن الخامس والقرن الحادي عشر، عشرون كتاباً وكل كتاب يضم الكثير من الأبواب، أي أن نسبة ما زيد في كتاب الكافي طيلة هذه المدة يبلغ 40% عدا تبديل الروايات، وتغيير ألفاظها، وحذف فقرات، وإضافة أخرى، فمن الذي زاد في الكافي عشرين كتاباً؟ ... أيمكن أن يكون إنساناً نزيهاً؟؟!!

وهل هو شخص واحد أم أشخاص كثيرون تتابعوا طيلة هذه القرون على الزيادة والتغيير والتبديل والعبث به؟؟!!

ونسأل: أما زال الكافي مُوَثّقاً من قِبَلِ المعصوم الذي لا يخطئ ولا يغلط؟؟!!

وأقول: من المضحكات أن الكاتب وصف الشيخ الطوسي قدس سره بأنه (سيِّد)، ووصف الشيخ حسين الكركي العاملي بأنه الشيخ الثقة السيد.

فكيف يكون الرجل شيخاً وسيِّداً في آن واحد؟!

فهل يبقى بعد هذا أدنى شك عند منصف بأن هذا الكاتب ليس شيعياً، وإنما هو مدلِّس نفسه في الشيعة؟

وأما ما يرتبط بزعمه زيادة أحاديث في كتاب الكافي فنقول: ليت مدَّعي الاجتهاد والفقاهة قد بذل بعض الجهد فنظر هل كتاب الكافي الموجود بين أيدينا خمسون كتاباً أو ثلاثون، ليتبين له ولغيره بالدليل أن الكافي قد زيد فيه هذا الكم الهائل الذي ادَّعاه.

وليته ساق لنا هذه الكتب التي زعم أنها زيدت في الكافي، وذكر لنا عدد أحاديثها، بدلًا من حساب الأحاديث بالأبواب، ولا سيما أن أبواب كتاب الكافي تتفاوت في عدد أحاديثها، وحساب الأحاديث لن يكلّفه مزيد مؤونة، لأن طبعة كتاب الكافي المتداولة قد اشتملت على حصر أحاديث كل كتاب.

ص: 576

ولعل السبب في ذلك أن الكاتب يعلم أن عدد أبواب الكافي لا يزال ثلاثين كما ذكر الشيخ الطوسي، لم يُزَد فيها ولم يُنقَص منها، وما نُقل عن الكركي من أنها خمسون كتاباً هو اشتباه محض.

وحتى يتضح الأمر للقارئ العزيز فإني سأنقل كلمة الشيخ الطوسي في الفهرست التي ذكر فيها أبواب كتاب الكافي، وسأرقِّم الأبواب التي ذكرها على حسب ترتيب أبواب الكافي المذكورة في الطبعة المتداولة المحقَّقة بواسطة علي أكبر الغفاري، والمطبوعة سنة 1380 ه-، لنرى هل بينهما تطابق أو اختلاف، فأقول:

قال الشيخ الطوسي في الفهرست:

محمد بن يعقوب الكليني، يُكنَّى أبا جعفر، ثقة عارف بالأخبار، له كتب، منها: كتاب الكافي، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً: أوله (1) كتاب العقل (2) وفضل العلم، (3) وكتاب التوحيد، (4) وكتاب الحجة، (5) وكتاب الإيمان والكفر، (6) وكتاب الدعاء، (7) وكتاب فضل القرآن، (8) وكتاب الطهارة والحيض، (10) وكتاب الصلاة، (11) وكتاب الزكاة، (12) وكتاب الصوم، (13) وكتاب الحج، (16) وكتاب النكاح، (17) وكتاب الطلاق، (18) وكتاب العتق والتدبير والمكاتبة، (29) وكتاب الأيْمان والنذور والكفارات، (15) وكتاب المعيشة، (27) وكتاب الشهادات، (28) وكتاب القضايا والأحكام، (9) وكتاب الجنائز، (*) وكتاب الوقوف والصدقات، (19) وكتاب الصيد والذبايح، (20) وكتاب الأطعمة والأشربة، (22) وكتاب الدواجن والرواجن، (21) وكتاب الزي والتجمل، (14) وكتاب الجهاد، (23) وكتاب الوصايا، (24) وكتاب الفرائض، (25) وكتاب الحدود، (26) وكتاب الديات، (30) وكتاب الروضة آخر كتاب الكافي (1) 918.

وأما أجزاء كتاب الكافي وما اشتملت عليه من كتب فهي كالتالي:


1- الفهرست، ص 210.

ص: 577

الجزء الأول: أحاديثه 1437 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

1- كتاب العقل والجهل: من صفحة 10- 29.

2- كتاب فضل العلم: من صفحة 30- 71.

3- كتاب التوحيد: 72- 167.

4- كتاب الحجة: من صفحة 168 إلى آخر الجزء.

الجزء الثاني: أحاديثه 2346 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

5- كتاب الإيمان والكفر: من صفحة 2- 464.

6- كتاب الدعاء: من صفحة 596 465.

وهذا الكتاب لم يذكره النجاشي، ولكن ذكره الشيخ الطوسي، ولعله سقط من تعداد النجاشي، أو سقط من النساخ، أو لعله رأى أنه مندرج في كتاب الإيمان والكفر.

7- كتاب فضل القرآن: من صفحة 596- 634.

- كتاب العشرة: من صفحة 635 إلى آخر الجزء. وهو كتاب لم يذكره الشيخ الطوسي، ولكن ذكره النجاشي في رجاله (1) 919.

الجزء الثالث: أحاديثه 2049 حديثاً، وهو يشتمل على الأبواب التالية:

8- كتاب الطهارة: من صفحة 1- 74.

كتاب الحيض: من صفحة 75- 110.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ كتاباً واحداً، فقال: كتاب الطهارة والحيض.

9- كتاب الجنائز: من صفحة 111- 263.

10- كتاب الصلاة: من صفحة 264- 495.

11-


1- رجال النجاشي 2/ 210.

ص: 578

كتاب الزكاة: من صفحة 496.

الجزء الرابع: أحاديثه 2188 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

تتمة كتاب الزكاة (أبواب الصدقة): من صفحة 2- 60.

12- كتاب الصيام: من صفحة 62- 183.

13- كتاب الحج: من صفحة 184 إلى آخر الجزء.

الجزء الخامس: أحاديثه 2200 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

14- كتاب الجهاد: من صفحة 2- 64.

15- كتاب المعيشة: من صفحة 65- 319.

16- كتاب النكاح: من صفحة 320 إلى آخر الجزء.

الجزء السادس: أحاديثه 2655 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

- كتاب العقيقة: من صفحة 2- 53، وهو كتاب لم يذكره الشيخ الطوسي، ولكن ذكره النجاشي مع كتاب النكاح، فقال: كتاب النكاح والعقيقة (1) 920.

17- كتاب الطلاق: من صفحة 54- 176.

18- كتاب العتق والتدبير والمكاتبة: من صفحة 177- 201.

19- كتاب الصيد: من صفحة 202- 226.

كتاب الذبائح: من صفحة 227- 241.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ كتاباً واحداً.

20- كتاب الأطعمة: من صفحة 242- 379.

كتاب الأشربة: من صفحة 380- 437.

وهذان الكتابان جعلهما الشيخ أيضاً كتاباً واحداً.


1- رجال النجاشي 2/ 210.

ص: 579

21- كتاب الزي والتجمل والمروءة: من صفحة 438- 534.

22- كتاب الدواجن: من صفحة 535 إلى آخر الجزء.

الجزء السابع: أحاديثه 1704 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:

23- كتاب الوصايا: من صفحة 2- 69.

24- كتاب المواريث: من صفحة 70- 176. والشيخ أسماه: كتاب الفرائض.

25- كتاب الحدود: من صفحة 174- 270.

26- كتاب الديات: من صفحة 271- 377.

27- كتاب الشهادات: من صفحة 378- 405.

28- كتاب القضاء والأحكام: من صفحة 406- 433.

29- كتاب الأيمان والنذور والكفارات: من ص 434 إلى آخر الجزء.

الجزء الثامن:

30- كتاب الروضة: أحاديثه 597 حديثاً.

هذه هي كل أبواب الكافي، والشيخ رحمه الله لم يذكر كتاب العشرة وكتاب العقيقة، وزاد كتاباً واحداً لا يوجد في الطبعة الموجودة بأيدينا، وهو كتاب الوقوف والصدقات، فعدَّها ثلاثين كتاباً.

والحاصل أن أبواب كتاب الكافي الموجود بأيدينا قد ذكرها الشيخ الطوسي كلها في كتاب الفهرست، إلا كتاب العشرة وكتاب العقيقة، وهماكتابان قد ذكرهما النجاشي في رجاله، وهذا دليل على أنهما لم يزادا بأخرة.

بينما زاد الشيخ كتاباً لا ذكر له في الطبعة الموجودة أيدينا، وهو كتاب الوقوف والصدقات، وهو كتاب لم يذكره النجاشي في جملة أبواب كتاب الكافي، وهذا إن ثبت دلَّ على نقصان الطبعة المتداولة عندنا لا زيادتها، إلا أن الظاهر أنه اشتباه من الشيخ،

ص: 580

والمعوَّل على ما نقله النجاشي، لأنه أضبط من الشيخ في نقله.

وبهذا كله يتضح أن الكافي لم يُزد فيه كتاب واحد فضلًا عن عشرين كتاباً كما زعم الكاتب.

قال الكاتب: وَلْنَأْخُذ كتاباً آخر يأتي بالمرتبة الثانية بعد الكافي وهو أيضاً أحد الصحاح كذا الأربعة الأولى، إنه كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي مُؤَسِّس حوزة النجف، فإن فقهاءَنا وعلماءَنا يذكرون على أنه الآن (13590) حديثاً، بينما يذكر الطوسي نفسه مؤلف الكتاب- كما في عدة الأصول- أن تهذيب الأحكام هذا أكثر من (5000) حديث، أي لا يزيد في كل الأحوال عن (6000) حديث، فمن الذي زاد في الكتاب بهذا الكم الهائل من الأحاديث الذي جاوز عدده العدد الأصلي لأحاديث الكتاب؟

وأقول: عبارة الشيخ الطوسي في كتاب العدة هي: وقد ذكرتُ ما ورد عنهم عليهم السلام من الأحاديث المختلفة التي تختص بالفقه في كتابي المعروف الاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث، وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها، وذلك أشهر من أن يخفى (1) 921.

وكلامه قدَّس الله نفسه واضح جداً، فإنه إنما عنى الأحاديث المتعارضة المختلفة التي ذكرها في كلا الكتابين المذكورين، ولم يُرِدْ بيان عدد أحاديث كتابيه كلها كما هو واضح من عبارته، فإن جملة وافرة من أحاديث التهذيب والاستبصار لا تعارض فيها، وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد بحث.

ومن المؤسف حقًّا أن يحرِّف الكاتب كلمة الشيخ الطوسي ليتوصل بها إلى


1- عدة الأصول 1/ 356.

ص: 581

غرضه السيِّئ، ويكشف عن سوء نيَّته أنه لم ينقل عبارة الشيخ الطوسي بنصِّها، وإنما نقلها بالصورة المحرَّفة التي رأيناها، والله المستعان على ما يصفون.

قال الكاتب: مع ملاحظة البلايا التي رُويَتْ في الكافي وتهذيب الأحكام وغيرهما، فلا شك أنها إضافاتِ لأَيْدٍ خَفيَّةٍ تسترت بالإسلام، والإسلام منها بري ء، فهذا حال أعظم كتابين فَمَا بالك لو تابعنا حال المصادر الأخرى ماذا نجد؟؟

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز أن مزاعم الكاتب بشأن الكتابين المذكورين كلها أوهام فاسدة وخيالات كاسدة، وما زعمه من وجود بلايا في الكافي والتهذيب يحتاج منه إلى بيان وإثبات، وأما التعمية بهذه الصورة وهو في مقام الإثبات فهي غير مقبولة ولا قيمة لها، لأن كل ادّعاء لم يستند على دليل صحيح فحقّه أن يُضرب به عرض الجدار، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى إطالة.

قال الكاتب: ولهذا قال السيد هاشم معروف الحسني:

(وضع قُصَّاصُ الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيراً من هذا النوع للأئمة الهُدَاة) وقال أيضاً:

(وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم) الموضوعات ص 165، 253.

وأقول: من الواضح المعلوم أن علماء الشيعة لا يرون صحَّة كل أحاديث الكافي أو الوافي أو غيرهما من مجاميع الحديث عندهم، بل إنهم يرون أنها لا تخلو من

ص: 582

أحاديث ضعيفة أو موضوعة، وهذا أمر لا نتنازع فيه، إلا أنه لا يستلزم إسقاط هذه الكتب عن الاعتبار والحجية، فإن العلماء جزاهم الله خير الجزاء محَّصوا هذه الأحاديث ونقَّحوها، فعرفوا الصحيح من الضعيف، وميَّزوا السليم من السقيم، وحال هذه الكتب حال أكثر كتب أهل السنة التي جمعت الصحيح والضعيف والمكذوب والموضوع، فلم يمنع اشتمالها على أحاديث موضوعة من العمل بما فيها من أحاديث صحيحة معتبرة.

قال الكاتب: وقد اعترف بذلك الشيخ الطوسي في مقدمة التهذيب فقال: (ذاكرني بعض الأصدقاء .. بأحاديث أصحابنا، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما يُنافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا) ورغم حرص الطوسي على صيانة كتابه إلا أنه تعرض للتحريف كما رأيت.

وأقول: إن الاختلاف والتباين بين الأحاديث أمر لا يُنكر، ونحن لا نتنازع فيه، وذلك لأن الأحاديث المتعارضة كثيرة في كتب الشيعة وأهل السنة، وحسبك أن تنظر في كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد، لتعرف مدى تعارض الأحاديث عند أهل السنة، وما ترتب على ذلك من اختلاف الفتاوى فيما بينهم.

وكثرة الأحاديث المتعارضة في كتب الفريقين لا يضر، لأن الفقيه يمكنه تمييز الصحيح من الضعيف والسليم من السقيم، كما يمكنه الترجيح بين الأحاديث المعتبرة بالمرجِّحات السندية والدلالية، والأخذ بالراجح وطرح المرجوح.

أما أن كتاب الشيخ الطوسي قد تعرَّض للتحريف فقد أوضحنا بطلانه آنفاً، فلا حاجة لإعادته.

ص: 583

قال الكاتب: في زيارتي للهند التقيت السيد دلدار علي فأهداني نسخة من كتابه (أساس الأصول) جاء في ص 51: (إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يُوجَد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده) وهذا الذي دفع الجم الغفير إلى ترك مذهب الشيعة.

وأقول: هذه الحكاية هي القشَّة التي قصمتْ ظهر البعير، فإنها كذبة صلعاء لا يمكن توجيهها بوجه، وذلك لأن الكاتب لا يمكن أن يدرك السيد دلدار علي الذي مضى على وفاته عند كتابة الكاتب لكتابه (لله ثم للتاريخ) مائة وخمس وثمانون سنة.

قال البحاثة المتتبع آغا بزر الطهراني في كتابه (الذريعة إلى تصانيف الشيعة):

أساس الأصول: في الرد على الفوائد المدنية الاسترابادية، للعلامة السيد دلدار علي بن محمد معين النقوي النصير آبادي اللكهنوي، المجاز من آية الله بحر العلوم، والمتوفى سنة 1235 ... (1) 922.

وعليه فلو فرضنا أن الكاتب رأى السيد دلدار في سنة وفاته، وكان الكاتب في أول بلوغه، أي أن عمره كان خمس عشرة سنة، فإن عُمْر المؤلف حين كتب كتابه (لله ثم للتاريخ) سيكون مائتي (200) سنة.

مع أن الكاتب قد صرَّح فيما تقدَّم أن الشاعر أحمد الصافي النجفي يكبره بحوالي ثلاثين سنة، والصافي النجفي من مواليد سنة 1314 ه-، وعليه فيكون الكاتب من مواليد 1344 ه-، فيكون عمره في سنة 1420 ه- هو 76 سنة، فما أبعد التفاوت في كلامه الدال على عدم وثاقته، ولهذا حقَّ لنا إسقاط كل حكاياته التي ذكرها في كتابه، وادَّعى فيها المشاهدة.

وأما قوله: (وهذا الذي دفع الجم الغفير إلى ترك مذهب الشيعة)، فيردُّه أنّا لم


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 4.

ص: 584

نسمع عن شخص معروف أنه ترك مذهب الشيعة وتحوَّل إلى مذاهب أهل السنة، بخلاف الذين تركوا التسنُّن فهم كثيرون جداً، وقد كتب الشيخ هشام آل قطيط المتشيِّع كتاباً في ثلاثة مجلدات باسم (المتحوِّلون: حقائق ووثائق)، ذكر فيه العشرات من العلماء والمفكرين الذين تشيَّعوا، وكتبوا كتباً يذكرون فيها الأسباب التي دعتهم لترك مذاهبهم والتحوُّل إلى مذهب الشيعة الإمامية.

ولا بأس أن أسرد لك قائمة بأسماء بعض المتشيعين مع ذكر بعض مؤلفاتهم:

1- الشيخ محمد مرعي الأنطاكي الحلبي: ذكر قصة تشيعه في كتابه (لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت عليهم السلام).

2- الشيخ محمد أمين الأنطاكي الحلبي: ذكر قصة تشيعه في كتابه (في طريقي إلى التشيع).

3- الداعية الدكتور السيد محمد التيجاني السماوي (تونس): ذكر قصة تشيعه في كتابه (ثم اهتديت).

4- مروان خليفات (الأردن): ذكر قصة تشيعه في كتابه (وركبتُ السفينة).

5- المحامي أحمد حسين يعقوب (الأردن): ألف سلسلة من الكتب التي ينتصر فيها لمذهب الشيعة الإمامية، منها (نظرية عدالة الصحابة) و (النظام السياسي في الإسلام)، و (المواجهة مع رسول الله وآله)، وغيرها.

6- الشيخ معتصم سيد أحمد (السودان): ذكر قصة تشيعه في كتابه (الحقيقة الضائعة: رحلتي نحو مذهب آل البيت عليهم السلام).

7- السيد إدريس الحسيني (المغرب): ذكر قصة تشيعه في كتابه (لقد شيعني الحسين عليه السلام).

8- الباحث العراقي صائب عبد الحميد: له كتب كثيرة، منها (منهج في الانتماء المذهبي) وغيره.

ص: 585

9- الكاتب المصري صالح الورداني: ذكر قصة تشيعه في كتابه (الخدعة: رحلتي من السنة إلى الشيعة)، وله مجموعة من الكتب النافعة.

10- السيدة لمياء حمادة (سوريا): ذكرتْ قصة تشيعها في كتابها (وأخيراً أشرقت الروح).

11- السيد حسين الرجا (سوريا): ذكر قصة تشيعه في كتابه (دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة).

12- الشيخ هشام آل قطيط (سوريا): ذكر قصة تشيعه في كتابه (ومن الحوار اكتشفت الحقيقة).

13- الدكتور أسعد وحيد القاسم (فلسطين): ذكر قصة تشيعه في كتابه (حقيقة الشيعة الاثني عشرية).

14- المحامي محمد علي المتوكل (السودان): ذكر قصة تشيعه في كتابه (ودخلنا التشيع سُجَّداً).

15- الدكتور سعيد أيوب (مصر): له كتاب (وجاء الحق) وغيره.

قال الكاتب: ولننظر في القول بتحريف القرآن، فإن أول كتاب نص على التحريف هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت 90 ه-) فإنه أورد روايتين فقط، وهو أول كتاب ظهر للشيعة، ولا يوجد فيه غير هاتين الروايتين.

ولكن إن رجعنا إلى كتبنا المعتبرة، والتي كُتِبَتْ بعد كتاب سليم بن قيس بدهور فإن ما وصل إلينا منها طافح بروايات التحريف، حتى تسنى للنوري الطبرسي جمع أكثر من ألْفَيْ رواية في كتابه (فصل الخطاب).

وأقول: إن الكاتب هنا اعتبر كتاب سليم بن قيس أول كتاب ظهر للشيعة ولا

ص: 586

يحتوى إلا على روايتين فقط دالَّتين على التحريف، بينما سيأتي قريباً في كلامه تصريحه بأن كتاب سليم بن قيس كتاب اختلقه أبان بن أبي عياش ونسبه لسليم.

وأما روايات التحريف فقد أجبنا عليها فيما سبق، ولا حاجة لتكرار الكلام فيها، ونقلنا فيما مرَّ قول آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي في كتابه (آلاء الرحمن)، الذي أوضح به أن الميرزا النوري جمع الرواية الواحدة من مصادر مختلفة بحيث أشعر القارئ أنها روايات مختلفة، بينما هي رواية واحدة، فراجع كلمته فإنها مفيدة جداً.

وأما وجود روايات ظاهرة في التحريف في المصادر المعتمدة عند الشيعة فهذا لا يضر، لوجود أضعافها في كتب أهل السنة، وقد اشتمل صحيحا البخاري ومسلم وغيرهما من كتبهم الحديثية المعتمدة على كثير من تلك الروايات، ووجود هذه الروايات لا يستلزم القول بالتحريف كما أوضحنا فيما مرَّ.

قال الكاتب: فمن الذي وضع هذه الروايات؟ وبخاصة إذا رجعنا إلى ما ذكرناه آنفاً في بيان ما أُضيف إلى الكتب، وبالذات الصحاح تبين أن هذه الروايات وُضعَتْ في الأزمان المتأخرة عن كتاب سليم بن قيس، وقد يكون في القرن السادس، أو السابع، حتى أن الصدوق المتوفى 381 ه- قال: (إن مَن نسب للشيعة مثل هذا القول- أي التحريف- فهو كاذب) لأنه لم يُسْمَعْ بمثل هذه الروايات، ولو كانت موجودة فعلا لَعُلِمَ بها أو لَسُمعَ.

وكذلك الطوسي أنكر نسْبَةَ هذا الأمر إلى الشيعة كما في تفسير (التبيان في تفسير القرآن) ط النجف 1383 ه- وأما كتاب سليم بن قيس فهو مكذوب على سليم بن قيس وضعه إبان بن أبي عياش، ثم نسبه إلى سليم. وابان هذا قال عنه ابن المطهر الحلي والأردبيلي: (ضعيف جداً، وَينْسِبُ أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه) انظر الحلي ص 206، جامع الرواة للأردبيلي 1/ 9.

ص: 587

وأقول: أنا أتعجب من هذه الاستدلالات الغريبة، فإن الكاتب استدل على أن روايات التحريف لم يُسمع بها في زمان الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بأنهما نفيا تحريف القرآن، وجعل ذلك دليلًا على أن تلك الروايات لم يكن لها وجود في زمانهما، وإنما اختُلقت بعدهما بمدة مديدة، مع أن الروايات المزبورة كانت موجودة في زمانهما بل قبله، ولهذا أشار إليها الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه- والمعاصر للصدوق في كتابه (أوائل المقالات) كما مرَّ النقل عنه.

ولعل الكاتب نسي أنه قد ذكر قبل سطور قليلة أن تلك الروايات مذكورة في كتاب سليم بن قيس، وهو مكتوب قبلهما بسنين كثيرة، ونسي أنه ذكر فيما مرَّ روايات نقلها عن الكافي للكليني (ت 329 ه-) دالة عنده على التحريف.

وإذا كان الكاتب قد جزم بأن روايات تحريف القرآن مدسوسة في كتب الأحاديث الشيعية في العصور المتأخرة، فلا بد من الجزم أيضاً بأن أحاديث التحريف المروية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث عند أهل السنة قد زيدت فيها في العصور المتأخرة، وذلك لأن البخاري ومسلم ومالك وأصحاب السنن الأربعة والمعاصرين لهم لم يكونوا يقولون بالتحريف مع وجود روايات التحريف الكثيرة الصريحة في كتبهم، وهذا يدل- بميزان الكاتب- أن تلك الروايات قد زيدت فيما بعد في كتبهم، وإلا لو رأوها لقالوا بالتحريف.

قال الكاتب: ولما قامت الدولة الصفوية صار هناك مجال كبير لوضع الروايات وإلصاقها بالإمام الصادق وبغيره من الأئمة سلام الله عليهم.

وأقول: هذا كلام غريب، وما أكثر الغرائب في كلام هذا الكاتب، فإن المجاميع الحديثية الشيعية كلها كُتِبتْ في العصور التي سبقت الدولة الصفوية (حوالي

ص: 588

900 ه-- 1134 ه-) (1) 923، فإن الكليني صاحب الكافي توفي سنة 329 ه-، والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه توفي سنة 381 ه-، والشيخ الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار توفي سنة 460 ه-، فما أبعد أزمانهم عن زمان الدولة الصفوية.

وأما من جاء بعدهم كالفيض الكاشاني مؤلِّف كتاب الوافي المتوفى سنة 1091 ه-، والحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104 ه-، فإنهما جمعا روايات الكتب الأربعة ورتَّباها وبوَّباها لا أكثر.

وأما المجلسي صاحب بحار الأنوار المتوفى سنة 1111 ه-، فإنه جمع في كتابه من الأخبار والآثار ما تفرَّق في الكتب الكثيرة التي كتبها أساطين المذهب، والتي يُخشى اندثارها كما اندثر غيرها من كتب الحديث، فأوعز كل ما نقله إلى مصدره، وجاءت الطبعة الحديثة من هذا الكتاب مزدانة ببيان المصادر التي نقل المجلسي عنها بأرقام المجلدات والصفحات.

وأما الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل المتوفى سنة 1320 ه- فإنه استدرك على كتاب وسائل الشيعة ما لم يذكره الحر العاملي رحمه الله في الوسائل مما هو مذكور في الكتب الأخرى المعروفة التي كتبها العلماء السابقون، وقد طُبع هذا الكتاب طبعة جديدة محقَّقة ذُكرت فيها المصادر بأرقام المجلدات والصفحات.

فإذا اتضح ذلك يُعلم زيف مزاعم الكاتب وبطلان دعاويه، ويتبين أن كل كتب الحديث إما أنها كانت مكتوبة قبل قيام الدولة الصفوية، أو مصادرها كانت مكتوبة كذلك.

قال الكاتب: بعد هذا الموجز السريع تبين لنا أن مصنفات علمائنا لا يُوثَقُ بها،


1- راجع دائرة المعارف الإسلامية 14/ 234. دائرة المعارف للبستاني 10/ 736.

ص: 589

ولا يُعْتَمَدُ عليها إذ لم يُعْتَنَ بها، ولهذا عَبِثَت بها أيدي العِدَى، فكان من أمرها ما قدعرفتَ.

وأقول: بل تبيَّن للقارئ العزيز أن كل ما قاله الكاتب ما هو إلا أوهام وخيالات، لا تستند على دليل ولا تنهض بها حجَّة، وأن الكاتب لم يعتمد في كلامه على الإثبات، وإنما تشبث بخيوط من سراب، فجمع ما ظن أنه يصل به إلى غايته، ويحقق به بُغيته، فباء بالخسران، ورجع بالخيبة والخذلان.

إن الكاتب لم يستطع أن يثبت بدليل واحد أن ثمة أحاديث زيدت في الكتب المعروفة، فيذكرها بأعيانها بعد مقارنة النُّسَخ القديمة بالنُّسَخ الحديثة من الكتب المذكورة، ولم يتمكن من التدليل على أنها عُبث بها، مع أنها لو زيد فيها لسهل على الباحث اكتشاف ذلك، بسبب أن النَّقَلَة عنها كثيرون، والمعتنون بها لا يحصَون، فكيف يخفى عن كل هؤلاء ذلك العبث، أو يتواطأ كل أولئك على قبول ذلك العبث والرضا به؟!

قال الكاتب: والآن نريد أن نُعَرِّجَ على لَونٍ آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع.

إنها قضية الإمام الثاني عشر، وهي قضية خطيرة جداً.

لقد تناول الأخ الفاضل السيد كذا أحمد الكاتب هذا الموضوع فبين أن الإمام الثاني عشر لا حقيقة له، ولا وجود لشخصه، وقد كفانا الفاضل المذكور مهمة البحث في هذا الموضوع، ولكني أقول: كيف يكون له وجود وقد نصت كتبنا المعتبرة على أن الحسن العسكري- الإمام الحادي عشر- توفي ولم يكن له ولد، وقد نظروا في نسائه وجواريه عند موته فلم يجدوا واحدة منهن حاملًا أو ذات ولد، راجع لذلك كتاب

ص: 590

الغيبة للطوسي ص 74، الإرشاد للمفيد ص 354، أعلام الورى للفضل الطبرسي ص 380، المقالات والفرق للأشعري القمي ص 102.

وأقول: هذا من غرائب الأكاذيب، فإن الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة قد أثبت ولادة الإمام المهدي بأدلة كثيرة، ولهذا قال في الصفحة المذكورة، ص 74:

والخبر بولادة ابن الحسن عليه السلام وارد من جهات أكثر مما يثبت به الأنساب في الشرع، ونحن نذكر طرفاً من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما إنكار جعفر بن علي- عم صاحب الزمان عليه السلام- شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن بن علي وُلِد في حياته، ودفعه بذلك وجوده بعده، وأخذه تركته وحوزه ميراثه، وما كان منه في حمل سلطان الوقت على حبس جواري الحسن عليه السلام واستبدالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد نفيه لولد أخيه، وإباحته دماء شيعتهم بدعواهم خلفاً له بعده كان أحق بمقامه، فليس بشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصِّلين، لاتفاق الكل على أن جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء، فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه.

انتهى كلامه قدس سره، وهو واضح في أنه كان في صدد إثبات ولادة المهدي عليه السلام، والظاهر أن الكاتب قد نسب إنكار جعفر بن علي ولادة الإمام المهدي عليه السلام للشيخ الطوسي رحمه الله، وهذا غير بعيد منه.

وأما الشيخ المفيد قدس الله نفسه فإنه نصَّ في كتابه الإرشاد على إمامة الإمام المهدي عليه السلام بعد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فقال:

وكان الإمام بعد أبي محمد عليه السلام ابنه المسمَّى باسم رسول الله صلى الله عليه وآله، المكنَّى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره، وخلفه غائباً مستتراً على ما قدَّمنا ذكره، وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وأمّه أم ولد يقال لها نرجس، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل

ص: 591

الخطاب، وجعله آية للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيًّا، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيًّا (1) 924.

ثم ذكر أن الأخبار بغيبته مستفيضة قبل ولادته، وأن له غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وعقد باباً في ذكر طرف من الدلائل على إمامته، وباباً في ما جاء من النص على إمامته، وباباً في ذكر من رآه، وباباً في كراماته ومعجزاته ... إلى آخر ما ذكره، وكله صريح في نفي ما نسبه الكاتب إليه من القول بعدم ولادته.

وأما الشيخ الطبرسي في إعلام الورى فإنه عقد فصولًا في ترجمة الإمام المهدي عليه السلام، فعقد فصلًا في ذكر اسمه وكنيته ولقبه، وفصلًا آخر في ذكر مولده واسم أمّه، وفصلًا ثالثاً في ذكر من رآه، وفصلًا آخر في ذكر الدلائل على إثبات غيبته وصحَّة إمامته، وفصلًا آخر في ذكر أسماء الذين شاهدوه ورأوا دلائله وخرج إليهم من توقيعاته ... إلى آخر ما ذكره من الفصول الدالة على بطلان ما نسبه إليه الكاتب من نفي ولادته.

وبقول مختصر فإن كل من نسب إلى واحد من علمائنا المعروفين أنه يقول بعدم ولادة الإمام المهدي عليه السلام فهو كاذب مفتر، لا يستحيي ولا يخجل، وذلك لأن أقوالهم معروفة، وكتبهم مشهورة.

قال الكاتب: وقد حقق الأخ الفاضل السيد كذا أحمد الكاتب في مسألة نُوَّاب الإمام الثاني عشر فأثبت أنهم قوم من الدَّجَلَة ادَّعُوا النيابة من أجل الاستحواذ على ما يُراد من أموال الخُمس، وما يُلْقَى في المرقد كذا، أو عند السرداب من تبرعات.


1- الإرشاد، ص 346.

ص: 592

وأقول: لا شأن لنا بما قاله أحمد الكاتب، لأنا لا نكتب ردًّا على أقواله، وإنما كلامنا مع كاتب (لله ثم للتاريخ)، وكلام أحمد الكاتب كله مردود عليه، فراجع إن شئت كتاب (دفاع عن التشيع) للسيد نذير الحسني، وكتاب (متاهات في مدينة الضباب)، وهو مجموعة حوارات وقعت بينه وبين بعض المحاورين الشيعة في شبكة هجر الثقافية.

وأما ما يرتبط بموضوع النواب الأربعة فإن أحمد الكاتب لم يأتِ بأي دليل ينفي نيابتهم، وإنما أنكر أن يكون عنده دليل على وثاقة السفراء الأربعة، فقال: إذن فلا يمكننا أن نصدق بدعوى أولئك النواب بالنيابة عن الإمام المهدي، ونعتبر قولهم دليلًا على وجود الإمام، استناداً إلى دعاوى المعاجز أو العلم بالغيب، ولا يمكننا أن نميز دعواهم عن دعوى أدعياء النيابة الكاذبين الذين كانوا يتجاوزون الأربعة والعشرين (1) 925.

وزعم أن هؤلاء السفراء مستفيدون من ادعاء السفارة، وقد ادعى السفارة كثيرون، فلا بد من الحكم بكذب الكل، فقال: وإذا كنا نتَّهم أدعياء النيابة الكاذبين بجر النار إلى قرصهم، وبالحرص على الأموال والارتباط بالسلطة العباسية القائمة يومذاك، فإن التهمة تتوجَّه أيضاً إلى أولئك النواب الأربعة الذين لم يكونوا بعيدين عنها (2) 926.

وهذا كلام لا يخفى فساده، لأنه على هذا المنهج لا بد أن ينكر نبوة نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هناك من ادعى النبوة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مستفيداً من هذا الادعاء، والتهمة حينئذ تتوجَّه إلى الكل، ولنفس السبب يلزمه أيضاً أن ينكر إمامة كل الأئمة من غير استثناء.

وأما اتهام النواب الأربعة بالكذب والدجَل فهو سهل من أمثال أحمد الكاتب،


1- تطور الفكر السياسي الشيعي.
2- نفس المصدر.

ص: 593

ولكن من الصعب عليه إثباته، والإمام المهدي عليه السلام قد جعل له سفراء أربعة معروفين بالقداسة والتقوى والورع، بشهادة المؤالف والمخالف، ولم ينقل عنهم دجل ولا تكالب على جمع الأموال ولا حب الرئاسة، وقد كان أول السفراء- وهو أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله- وكيلًا للإمامين الهادي والعسكري، وكان ثقة جليلًا ممدوحاً منهما، ومنه تسلسلت النيابة إلى بقية النواب، وكانت التواقيع تصدر من الإمام عليه السلام منبِّهة الشيعة ومحذِّرة لهم من كل من سوَّلت له نفسه أن يدَّعي النيابة عن الإمام عليه السلام في حال غيبته، وقد ذكر ذلك كله الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه الغيبة، فراجعه، فإن فيه فوائد مهمة وكثيرة (1) 927.

قال الكاتب: وَلْنَرَ ما يصنعُه الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم أو المنتظر عند خروجه:

1- يضع السيف في العرب: (روى المجلسي أن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قَتَلُهم) بحار الأنوار 52/ 318.

وأقول: هذا الحديث نقله المجلسي عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار، وسنده هو: أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن رفيد مولى أبي هبيرة.

وهو حديث ضعيف، وذلك لأن أحمد بن محمد الذي يروي عنه الصفار هو أحمد بن محمد بن عيسى، فيكون ابن سنان المذكور في السند هو محمد بن سنان، لأن أحمد بن محمد لا يروي عن عبد الله بن سنان الثقة، ومحمد هذا ضعيف، قد مرَّ بيان حاله فيما سبق.

هذا مضافاً إلى أن رفيداً مولى ابن (أو أبي) هبيرة لم يثبت توثيقه في كتب


1- راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، ص 214 وما بعدها.

ص: 594

الرجال.

ومع الإغماض عن سند الرواية فيحتمل أن السبب في أن المهدي عليه السلام سيسير في العرب بالذبح هو أنه عليه السلام سيظهر في بلاد العرب، والعرب لن يسلِّموا له الأمر طواعية، بل سيحاربونه ويحاربهم، وسيقتل منهم من حاربه.

ولا ريب في أن كل من كفَّ يده، وترك مقاتلة الإمام عليه السلام عند خروجه، ودان له بالطاعة، فلن يصيبه أي مكروه منه، ولن يقصده الإمام بالحرب، سواء أكان من العرب أم من العجم.

فالحديث يشير إلى أن طوائف من العرب ستحارب الإمام المهدي عليه السلام عند ظهوره، وأن الإمام سيحاربهم حتى يخضعهم أو يقتلهم.

وهذا المعنى قد ورد في بعض أحاديث أهل السنة، فقد أخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن نافع بن عتبة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تقاتلون جزيرة العرب، فيفتحهم الله، ثم تقاتلون الروم، فيفتحهم الله، ثم تقاتلون فارس، فيفتحهم الله، ثم تقاتلون الدجال، فيفتحه الله (1) 928.

قال الكاتب: وروى أيضاً: (ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح) بحار الأنوار 52/ 349.

وأقول: الظاهر أن المراد بهذا الحديث هو أنه لم يبق بين أهل البيت عليهم السلام وبين العرب إلا قتل العرب لهم، فإنهم قد أولغوا في دماء أهل البيت وبني هاشم، فقتلوهم شر تقتيل، وسفكوا من دمائهم الكثير، وذلك بقرينة قوله عليه السلام: (ما بقي)، فكأنه


1- المستدرك 4/ 426 ط حيدرآباد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ص: 595

قال: ما بقي لنا شي ء من الحقوق عليهم، إلا أنهم عَدَوا علينا بالقتل والذبح، وكلامه عليه السلام هذا إشارة إلى الحالة التي كانت في زمان الصادق عليه السلام، لأن أبا جعفر المنصور قد قتل من بني هاشم العدد الكثير كما هو مذكور في التاريخ.

قال الكاتب: وروى أيضاً: (اتَّقِ العرب، فإن لهم خبرُ سوءٍ، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد) بحار الانوار 52/ 333.

وأقول: روى المجلسي هذه الرواية عن كتاب الغيبة للشيخ، وسند هذه الرواية هو: الفضل، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، عن موسى الأبار.

وهذه الرواية ضعيفة السند، فإن راوي الرواية موسى الأبار مجهول الحال، لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، والراوي عنه أسباط بن سالم، وهو لم يُوثَّق.

ومع الإغماض عن سند هذه الرواية فإنها معارضة بأخبار أخر دلَّت على أن بعض أنصاره من العرب.

منها: ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده عن جابر الجعفي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم (1) 929.

قال الكاتب: قلت: فإذا كان كثير من الشيعة هم من أصل عربي، أيشهر القائم السيف عليهم ويذبحهم؟؟


1- كتاب الغيبة للطوسي، ص 284. بحار الأنوار 52/ 334.

ص: 596

لا ... لا ... إن وراء هذه النصوص رجالًا لَعِبُوا دوراً خطيراً في بث هذه السموم، لا تستغربن ما دام كسرى قد خلص من النار إذ روى المجلسي عن أمير المؤمنين: (أن الله قد خلصه- أي كسرى- من النار، وأن النار محرَّمة عليه) البحار 41/ 4.

هل يعقل أن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يقول إن الله قد خَلَّصَ كسرى من النار، وإن النار مُحَرَّمَةٌ عليه؟؟

وأقول: لقد قلنا فيما تقدَّم: إن الإمام المهدي عليه السلام لا يقاتل من آمن به ولم يحاربه، وأما شيعته ومواليه فهم أنصاره وأحبَّاؤه، فكيف يقتلهم ويسفك دماءهم؟!

وأما حديث كسرى فقد رواه الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي عليه الرحمة في كتاب الفضائل، ومحمد بن جرير الشيعي في نوادر المعجزات عن أبي الأحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي (1) 930، وهو حديث موقوف، من كلام عمار نفسه، لم يروه عن الإمام المعصوم، فلا يصلح للاحتجاج به.

والوارد في هذا الحديث أن جمجمة كسرى أنوشيروان نطقت، فكان مما قالت: إني كنت ملكاً عادلًا شفيقاً على الرعايا رحيماً، لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد صلى الله عليه وآله في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثة وعشرون شرفة ليلة ولد، فهممت أن أؤمن به ... ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك ... فأنا محروم من الجنة بعدم إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلَّصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، وأنا في النار، والنار محرَّمة عليَّ ... (2) 931.

فالحديث نصٌّ صريح في أن كسرى أنوشيروان من أهل النار، ولكنه لا يُعذَّب


1- الفضائل، ص 64 ط حجرية، وطبعة أخرى ص 70. نوادر المعجزات، ص 21. بحار الأنوار 41/ 215.
2- عيون المعجزات، ص 10. مستدرك الوسائل 18/ 169. بحار الأنوار 41/ 213.

ص: 597

فيها لعدله في رعيته، وهذا غير ممتنع على الله، وليس قبيحاً منه سبحانه، لما فيه من الترغيب في العدل والترهيب من الظلم.

ولا يخفى أن غرض الكاتب من إيراد هذا الحديث هو إيهام القرَّاء بأن الشيعة لديهم نزعات فارسية تدعوهم إلى تقديس كسرى والفرس، مع أن الحديث المشار إليه- مضافاً إلى ضعف سنده- فيه تصريح بدخول كسرى أنوشيروان النار، وبيان أن تحريم النار عليه خاصة إنما هو بسبب عدله لا فارسيته، ولهذا جاءت الأخبار في ذم غيره من ملوك الفرس، ومنهم كسرى المعاصر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روى الشيخ الطوسي رحمه الله في المبسوط أن رسول الله صلى الله عليه وآله كتب إلى القياصرة والأكاسرة، كتب إلى قيصر ملك الروم: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد ابن عبد الله إلى عظيم الروم، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الآية. فلما وصل الكتاب إليه قام قائماً، ووضعه على رأسه، واستدعى مسكاً فوضعه فيه، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك، فقال: اللهم ثبِّتْ ملكه. وكتب إلى ملك الفرس كتاباً: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى كسرى ابن هرمز أن أسلموا تسلموا، والسلام)، فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزَّقه، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: تَمَزَّق ملكه (1) 932.

وروى الراوندي في الخرائج والجرائح أنه لما بُعث محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة بعث كسرى رسولًا إلى باذان عامله في أرض المغرب: بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي، فلتقل له: فليكفف عن ذلك، أو لأبعثنَّ إليه من يقتله ويقتل قومه. فبعث باذان إلى النبي صلى الله عليه وآله بذلك، فقال: (لو كان شي ء قلته مِن قِبَلي لكففت عنه، ولكن الله بعثني). وترك رُسُل باذان وهم خمسة عشر نفراً لا يكلمهم خمسة عشر يوماً، ثم دعاهم، فقال: اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له: إن ربي قتل ربَّه الليلة، إن ربي قتل كسرى الليلة، ولا كسرى بعد اليوم، وقتل قيصر ولا قيصر بعد اليوم. فكتبوا قوله


1- المبسوط 8/ 122.

ص: 598

فإذا هما قد ماتا في الوقت الذي حدَّثه محمد صلى الله عليه وآله (1) 933.

وفي مناقب آل أبي طالب عن مجالس بن مهدي المامطيري: أن النبي كتب إلى كسرى: (من محمد رسول الله إلى كسرى ابن هرمز، أما بعد فأسلم تسلم، وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله، والسلام على من اتبع الهدى). فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه، ويبدأ باسمه قبل اسمي. وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه وآله: (مزق الله ملكه كما مزق كتابي، أما إنه ستمزقون ملكه، وبعث إليَّ بتراب أما إنكم ستملكون أرضه)، فكان كما قال (2) 934.

قال الكاتب: 2- يهدم المسجد الحرام والمسجد النبوي.

روى المجلسي: (إن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، والمسجد النبوي إلى أساسه) بحار الأنوار 52/ 338، الغيبة للطوسي 282.

وأقول: هذا الخبر رواه المجلسي قدس سره عن كتاب الإرشاد للمفيد (3) 935، والمفيد رواه مرسلًا عن أبي بصير.

ورواه الكليني في الكافي بهذا السند: أحمد بن محمد، عمن حدَّثه، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير (4) 936.

وهو واضح الإرسال، فإن الراوي عن محمد بن الحسين غير معروف.

ورواه الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) بهذا السند: الفضل بن شاذان، عن


1- الخرائج والجرايح. بحار الأنوار 20/ 381.
2- مناقب آل أبي طالب 1/ 112. بحار الأنوار 20/ 381.
3- الإرشاد، ص 364.
4- الكافي 4/ 543.

ص: 599

عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير (1) 937.

وهو خبر ضعيف بعلي بن أبي حمزة، وهو البطائني رأس الواقفة الملعون عدو الرضا عليه السلام، وقد مرَّ بيان حاله.

والحاصل أن أسانيد هذا الخبر كلها لا تقوم بها الحجة، فلا يصح الاحتجاج به ولا التعويل عليه.

ومع الإغماض عن سند الحديث فإن هدم المسجدين إلى أساسهما غير جائز لأحد من الناس، والإمام المهدي عليه السلام أعرف بما يجوز له وما لا يجوز، ونحن نعرف الحق والعَدْل من فعله عليه السلام، فإذا هدَمَ المسجدين إلى أساسهما فلا ينبغي لنا أن نشك في صحة فعله وكونه مرضيًّا عند الله سبحانه، وإلا لما كان المهدي عليه السلام محمود السيرة، وموصوفاً بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.

ولعل الوجه في هدم المسجدين إلى أساسهما- على فرض صحَّة الحديث- هو أن بعض نواحي المسجدين بناها سلاطين الجور من قبل لغير الله رياءاً وسمعة، أو بنوها بمال حرام أو مغصوب، أو أن الإمام عليه السلام يريد بذلك أن يمحو آثار الظالمين وسلاطين الجور حتى لا يبقى لهم ذِكْر كما ورد في بعض الأحاديث، أو لغير ذلك.

هذا مع أن أهل السنة رووا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يود هدم الكعبة وإعادة بنائها، ولكن منعه من ذلك أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام.

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن الزبير أنه قال: حدثتني خالتي (يعني عائشة) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا أنّ قومك حديثو عهد بِشِرْكٍ لهدمتُ الكعبة، فألزقتُها بالأرض، وجعلتُ لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر، فإن قريشاً اقتصرتْها حيث بَنَت الكعبة (2) 938.


1- الغيبة، ص 282.
2- صحيح مسلم 4/ 98.

ص: 600

وأخرج أيضاً في صحيحه عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهلُ الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير، حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرِّئَهم أو يُحَرِّبَهم على أهل الشام، فلما صَدَرَ الناس قال: يا أيها الناس أشيروا عليَّ في الكعبة، أنقضها ثم أَبني بناءها، أو أُصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فُرِقَ لي رأي فيها، أرى أن تُصلح ما وهى منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبُعِث عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يُجِدَّه (1) 939، فكيف بيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثاً، ثم عازم على أمري. فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء، حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شي ء تتابعوا، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة، فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يُقَوِّي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحِجْر خمس أذرع، ولجعلتُ لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه. قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحِجْر، حتى أبدى أُسًّا (2) 940 نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين، أحدهما يُدْخَل منه، والآخر يُخْرَج منه، فلما قُتِلَ ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أُسٍّ نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شي ء، أما ما زاد في طوله فأقرَّه، وأما ما زاد فيه من الحِجْر فرُدَّه إلى بنائه، وسُدَّ الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه (3) 941.


1- أي يجعله جديداً.
2- أي أظهر بعض أسس البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام.
3- صحيح مسلم 4/ 98.

ص: 601

قلت: هكذا فعل هؤلاء السلاطين من البناء والهدم على حسب ما يحلو لهم، وما فعله غيرهم في المسجدين معروف، والكاتب لا ينكر شيئاً من أفعالهم، وإنما يود أن يتحامل على الشيعة، فيُنكر عليهم وجود بعض الروايات الضعاف التي تذكر نقض الإمام المهدي عليه السلام للمسجدين المعظمين، مع أن نقضهما أمر راجع للإمام المهدي عليه السلام بعد خروجه دون غيره.

قال الكاتب: وبين المجلسي: (أن أول ما يبدأ به- القائم- يُخْرِجُ هذين- يعني أبا بكر وعمر- رَطْبَيْنِ غَضَّيْنِ، ويذريهما في الريح، ويكسر المسجَد) البحار 52/ 386.

وأقول: هذا الحديث رواه المجلسي عن كتاب الفضل بن شاذان بسنده إلى بشير النبال، وبشير هذا لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، فالرواية ضعيفة السند، لا يصح الاحتجاج بها.

ومع الإغماض عن سند الرواية فإنا قد أوضحنا آنفاً أن الحق والعدل هو ما يفعله الإمام المهدي عليه السلام، وإلا لما كان ممدوحاً في سيرته وعادلًا في حكمه.

على أن الرواية لم تنص على أن المشار إليهما أبو بكر وعمر، فلعل المراد غيرهما، واسم الإشارة كما يصح أن يشار به إليهما كذلك يصح أن يشار به إلى غيرهما، ولعل المعني بعض خلفاء الأمويين أو العباسيين المعاصرين للإمام عليه السلام وقت صدور الرواية.

ولو سلَّمنا بصحة الحديث وأن المقصود بالإشارة هو أبو بكر وعمر فلا بد من إعادة النظر في تقييمهما من جديد، والحكم فيهما بما يحكم به الإمام المهدي عليه السلام.

هذا مع أن دفنهما في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس حقاً لهما دون سائر المسلمين، ولا

ص: 602

حق لعائشة وغيرها في الإذن فيه، ونحن بعد البحث والتتبّع لم نجد له وجهاً مصحِّحاً، لأن الموضع الذي دُفِنا فيه ليس ملكاً لهما بالاتفاق، فلا بد أن يكون ملكاً لغيرهما، فإن كان ملكاً لفاطمة عليها السلام فهي لم تأذن لهما فيه، وإن كان ملكاً لابنتيهما عائشة وحفصة، فسبب الملك إما الميراث أو غيره، وغير الميراث لم يثبت، وأما الميراث فإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يُورَث كما زعموا فلا حق لعائشة وحفصة في شي ء مما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل يكون كله صدقة، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُوْرَث كما هو الصحيح فلمَ منعا فاطمة عليها السلام إرثها، واستحوذا على مكان لهما يُدفنان فيه دون باقي المسلمين؟ على أن نصيب ابنتيهما من الميراث لا يسع كل هذا المقدار كما لا يخفى، لأن كل واحدة منهما لها تسع الثمن، وهو لا يساوي شيئاً.

قال الكاتب: إن من المتعارَف عليه، بل المُسَلَّمِ به عند جميع فقهائنا وعلمائنا أن الكعبة ليس لها أهمية، وأن كربلاء خير منها وأفضل، فكربلاء حسب النصوص التي أوردها فقهاؤُنا هي أفضل بقاع الأرض وهي أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي حرم الله ورسوله، وقِبْلَةُ الإسلام وفي تربتها الشفاء، ولا تدانيها أرض أو بقعة أخرى حتى الكعبة.

وكان أستاذنا السيد كذا محمد الحسين آل كاشف الغطاء يتمثل دائما بهذا البيت:

ومن حديث كربلاء والكعبةلكربلاء بانَ عُلُوُّ الرُّتّبَه

وقال آخر:

هي الطفوفُ فَطُفْ سبعًا بمغناهافما لمكةَ معنًى مثل معناها

أرضٌ ولكنها السبعُ الشدادُ لهادانتْ وطأطأَ أعلاها لأَدْناها

.

ص: 603

وأقول: أما أن الكعبة ليس لها أهمية فهذا كذب صراح، كيف وهي قبلة المسلمين، وقد أطبق علماء المسلمين كافة: سنة وشيعة على أن الصلاة لا تصح إلا باستقبال القبلة وهي الكعبة المشرفة، وهذا أمر معلوم لا ينكره إلا مكابر جاهل.

وأما أن كربلاء هي أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي حرم الله ورسوله، وقبْلَةُ الإسلام، فهذا افتراء واضح، وذلك لأنك لا تجد أحداً من الشيعة جوَّز استقبال كربلاء في الصلاة أو غيرها، أو وصفها بأنها أرض الله المختارة.

وحرم الله هي مكة المكرمة، وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي المدينة المنورة كما نطقت بذلك الأخبار الكثيرة.

ففي صحيحة حسان بن مهران، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام: مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله، والكوفة حرمي، لا يردها جبار يجور فيه إلا قصمه الله (1) 942.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن مكة حرم الله، حرَّمها إبراهيم عليه السلام، وإن المدينة حرمي، ما بين لابتيها حرَم، لا يعضد شجرها- وهو ما بين ظل عاير إلى ظل وعير- وليس صيدها كصيد مكة، يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك، وهو بريد (2) 943.

وأما الروايات التي تفيد أن كربلاء أفضل من مكة فلم أطَّلع على روايات صحيحة تدل على ذلك، وكل الروايات التي وقفت عليها في أسانيدها ضعفاء، كمحمد بن سنان، وأبي سعيد العصفري، وغيرهما ممن لم يثبت توثيقهم، فلا يمكن الاعتماد على هذه الروايات في إثبات أمركهذا.

بل قد يستظهر من وصف مكة بأنها حرم الله، ووصف المدينة بأنها حرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن أفضل البقاع هي مكة والمدينة.


1- تهذيب الأحكام 6/ 12.
2- نفس المصدر.

ص: 604

هذا مضافاً إلى دلالة موثقة سعيد بن عبد الله الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أَحبُّ الأرض إلى الله مكة، وما تربة أحب إلى الله عزَّ وجل من تربتها، ولا حَجَر أحب إلى الله من حجرها، ولا شجر أحب إلى الله من شجرها، ولا جبال أحب إلى الله من جبالها، ولا ماء أحب إلى الله من مائها (1) 944.

وفي معتبرة ميسر بن عبد العزيز، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام وعنده في الفسطاط نحو من خمسين رجلًا، فجلس بعد سكوت منا طويلًا فقال: ما لكم؟! لعلكم ترون أني نبي الله! والله ما أنا كذلك، ولكن لي قرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وولادة، فمن وصلنا وصله الله، ومن أحبَّنا أحبَّه الله عزَّ وجل، ومن حرمنا حرمه الله، أتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه، فقال: ذلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرماً، وجعل بيته فيها. ثم قال: أتدرون أي البقاع أفضل فيها عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه، فقال: ذلك المسجد الحرام. ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد الحرام أعظم عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه، قال: ذاك ما بين الركن الأسود والمقام وباب الكعبة، وذلك حطيم إسماعيل عليه السلام، ذاك الذي كان يذود فيه غنيماته ويصلي فيه، والله لو أن عبداً صفَّ قدميه في ذلك المكان، قام الليل مصلياً حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقَّنا وحرمتنا أهل البيت، لم يقبل الله منه شيئا أبداً (2) 945.

هذا مع دلالة بعض الأخبار على أن أفضل بقاع الأرض ما بين الركن والمقام، وهي بقعة من مكة لا من غيرها، وقد مرَّ ذلك في معتبرة ميسر المتقدِّمة.

وفي صحيحة أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه السلام، قال: قال لنا


1- من لا يحضره الفقيه 2/ 162. وسائل الشيعة 9/ 349.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق، ص 245. ونقله المجلسي عنه في بحار الأنوار 27/ 177.

ص: 605

علي بن الحسين: أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال: أما أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلًا عمَّر ما عمَّر نوح عليه السلام في قومه- ألف سنة إلا خمسين عاماً- يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان، ثم لقي الله عزَّ وجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً (1) 946.

هذا هو مبلغ علمنا بحسب دلالة الأخبار التي وقفنا عليها، والله أعلم بحقائق الأمور.

وأما الأشعار التي ذكرها الكاتب فلا يخفى أنها لا تدل على أفضلية كربلاء على مكة المكرمة، لأن قوله: (لكربلا بان علو الرتبة) ظاهر في ثبوت رتبة عالية لكربلاء، ولا دلالة فيه على أن تلك الرتبة أعلى من رتبة مكة، كما أن قوله: (فما لمكة معنى مثل معناها) ظاهر في أن لكربلاء معنى غير موجود في مكة، ولعل الشاعر يشير إلى أن زائر كربلاء يدخلها مكروباً محزوناً، بخلاف زائر مكة، وهذا لا دلالة فيه أيضاً على أفضلية كربلاء على مكة المكرمة.

قال الكاتب: ولنا أن نسأل: لماذا يكسر القائم المسجد ويهدمه ويرجعه إلى أساسه؟

والجواب: لأن من سيبقى من المسلمين لا يتجاوزون عُشْرَ عددهم كما بَيَّنَ الطوسي: (لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس) الغيبة ص 146.

بسبب إِعمالِ القائم سيفَه فيهم عموماً، وفي المسلمين خصوصاً.

وأقول: ما العلاقة بين هدم المسجد وبين ذهاب تسعة أعشار الناس؟ هل يرى مدَّعي الاجتهاد والفقاهة أي ربط بين الأمرين؟!


1- من لا يحضره الفقيه 2/ 163.

ص: 606

ونحن قد أوضحنا فيما سبق الأسباب المحتملة التي قد تدعو إلى هدم المسجد إلى أساسه على فرض صحَّة الحديث، فلا حاجة لإعادتها.

وأما ذهاب تسعة أعشار الناس فالظاهر من الحديث أنه حدَثٌ سابق على ظهور صاحب الزمان عليه السلام، فإنه قال: (لا يكون هذا الأمر) أي لا يظهر المهدي عليه السلام (حتى يذهب) أي يهلك (تسعة أعشار الناس).

وذهابهم إما أن يُراد به هلاكهم بالموت، بسبب ما يقع في آخر الزمان من الحروب المدمِّرة التي هي غير بعيدة الحدوث بحسب ما نراه من تتابعات الأحداث، أو بسبب الأمراض والأوبئة، أو بسبب القحط والمجاعات، أو بأسباب أخرى لا نعلم بها.

وإما أن يراد به هلاكهم بالضلال، بسبب ما يكون في آخر الزمان من الاختلاف والفتن وكثرة المغريات وتعدّد أسباب الانحراف واللهو والضلال.

نعم، قد دلَّت الأخبار على أن صاحب الزمان عليه السلام بعثه الله نقمة، لينتقم به من أعدائه وأعداء دينه، وأنه عليه السلام سيقتل العتاة والظلمة وأهل الزيغ والضلال وكل من لم يرضَ بالحق، ولكنّا لم نرَ في الأخبار أنه عليه السلام سيفني جزءاً من ألف فضلًا عن تسعة أعشار الناس.

قال الكاتب: 3- يقيم حكم آل داود:

وعقد الكليني باباً في أن الأئمة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود، ولا يسألون البينة، ثم روى عن أبي عبد الله قال: (إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان، ولا يَسْأَلُ بَيِّنَةً). الأصول من الكافي 1/ 397.

وأقول: قال المولى المجلسي قدس سره في بحار الأنوار:

ص: 607

ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار أن القائم عليه السلام إذا ظهر يحكم بما يَعْلم في الواقعة لا بالبيِّنة، وأما من تقدَّمه من الأئمة عليهم السلام فقد كانوا يحكمون بالظاهر، وقد كانوا يُظْهِرون ما يعلمون من باطن الأمر بالحِيَل كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يفعله في كثير من الموارد، وقال الشيخ المفيد في كتاب المسائل: للإمام عليه السلام أن يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتى عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة أبطل بذلك شهادة من شهد عليه، وحكم فيه بما أعلمه الله تعالى، وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور، فيحكم فيها بالظواهر وإن كانت على خلاف الحقيقة عند الله تعالى، ويجوز أن يدلَّه الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود وبين الكاذبين، فلا تغيب عنه حقيقة الحال، والأمور في هذا الباب متعلقة بالألطاف والمصالح التي لا يعلمها على كل حال إلا الله عزَّ وجل، ولأهل الإمامة في هذه المقالة ثلاثة أقوال: فمنهم من يزعم أن أحكام الأئمة على الظواهر دون ما يعلمونه على كل حال، ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي على البواطن دون الظواهر التي يجوز فيها الخلاف، ومنهم من يذهب إلى ما اخترته أنا من المقال (1) 947.

وقال في مرآة العقول: وهذا الاختلاف في سِيَرهم عليهم السلام ليس من قبيل النسخ حتى يرد: (لا نسخ بعد نبيِّنا)، بل إما باعتبار التقية في بعضها، أو اختلاف الأوضاع والأحوال في الأزمان، فإنه يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الإمام بالحكم بالواقع إذا لم يصر سبباً لتفرّق الناس ورجوعهم عن الحق، وبالحكم بالظاهر إذا صار سبباً لذلك ... (2) 948.

قلت: لما كانت وظيفة الإمام المهدي عليه السلام هي مل ء الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، فمن الطبيعي أن يكون حكمه بالواقع، لترجع الحقوق إلى أهلها، وهذا يقتضي أن يحكم بعلمه الذي يلهمه الله به، وهو حكم داود عليه السلام، لا


1- بحار الأنوار 26/ 177.
2- مرآة العقول 4/ 301.

ص: 608

بالظاهر الذي قد يصيب الواقع وقديخطئه.

وحكم الحاكم بعلمه دون الاتكال على البينات والأَيمان قد جوَّزه بعض علماء أهل السنة.

قال ابن قدامة في المغني:

(مسألة) قال: (ولا يحكم الحاكم بعلمه) ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حَدٍّ ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها. هذا قول شريح والشعبي ومالك وإسحاق وأبي عبيد ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى يجوز له ذلك، وهو قول أبي يوسف وأبي ثور والقول الثاني للشافعي واختيار المزني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له هند: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فحكم لها من غير بينة ولا إقرار، لعلمه بصدقها.

إلى أن قال: ولأن الحاكم يحكم بالشاهدين لأنهما يغلبان على الظن، فما تحقَّقه وقطع به كان أولى، ولأنه يحكم بعلمه في تعديل الشهود وجرحهم، فكذلك في ثبوت الحق قياساً عليه (1) 949.

قلت: وعلى هذا فلا غضاضة على الإمام المهدي عليه السلام أن يحكم في القضايا بعلمه الذي يلهمه الله إياه، فلا يَسأل عن بيِّنة، وهذا هو المراد بحكم داود.

قال الكاتب: وروى المجلسي: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد) البحار 52/ 354، غيبة النعماني ص 154.

وقال أبو عبد الله رضي الله عنه: (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على


1- المغني 11/ 401.

ص: 609

كتاب جديد) البحار 2/ 135، الغيبة ص 176.

وأقول: أما الأمر الجديد الذي يقوم به صاحب الزمان فهو العدل بين الرعية، والقسمة بالسوية، ومنع المنكرات، وإقامة الحدود، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وأمثال هذه الأمور.

وأما الكتاب الجديد فيحتمل أن يكون المراد به القرآن الكريم، وكونه جديداً إما بسبب أنه سيكون مرتَّباً على حسب النزول، ويكون المنسوخ فيه مقدَّماً على الناسخ، وما شاكل ذلك.

أو أنه جديد في معانيه التي حرَّفها سلاطين الجور وعلمائهم، لأن الإمام عليه السلام سيظهره مفسَّراً كما أراد الله سبحانه وتعالى.

ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب الجديد كتاباً مشتملًا على مهمات الشريعة وأحكامها التي يحتاج إليها الناس في كل أمورهم.

وأما القضاء الجديد فهو إما بسبب العدل بين الرعية الذي لم يعرفه الناس في عصور الغيبة وما قبلها، وإما لأن الإمام عليه السلام لا يَسأل عن البيِّنة، وإنما يحكم بعلمه وعلى حسب الواقع الحق في كل قضية كما مرَّ.

وهذه الأحكام وإن كانت هي أحكام الإسلام الصحيحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنها ستكون جديدة عند الناس، لأنهم ما ألفوها في أزمنة سلاطين الجور، وما عرفوها قبل أيام الإمام المهدي عليه السلام، لا أنها أحكام جديدة في نفسها، وإلا كانت بدعاً محدثة.

قال الكاتب: ونختم هذه الفقرة بهذه الرواية المروعة، فقد روى المجلسي عن أبي عبد الله رضي الله عنه: (لو يعلم الناس ما يصنعُ القائم إذا خرج لأَحَبُّ أكثرُهم أَلا يَرَوْهُ

ص: 610

مما يقتل من الناس .. حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم). البحار 52/ 353، الغيبة ص 135.

وأقول: بعد الغض عن سند هذه الرواية، فإن الرواية لا تتنافى مع ما هو المتوقَّع من الإمام المهدي عليه السلام على حسب قراءة الوضع الحاضر في العالم المعاصر، فإن الفساد الإداري والأخلاقي والديني قد بلغ الغاية، فعمَّ كل مكان في الأرض.

ومن البديهي أن الإمام المهدي عليه السلام سيعمل كل ما يقيم به العدل ويرفع به الظلم، وإن استلزم ذلك كثرة القتل الذي يتطلبه قمع سلاطين الجور وأهل الزيغ المعاندين وأعوانهم، وإقامة العدل والتطهير الشامل من كل الفساد المتراكم، وإقامة الحدود التي كانت معطَّلة، مع كثرة القتل من دون قصاص، وكثرة ارتكاب المحرمات التي يعاقَب عليها بالقتل.

كل هذا يولِّد هذا الموقف من كثير من الناس الذين يخافون أن يصل حكم المحكمة العادلة إليهم أو إلى ذويهم وخواصّهم.

ثم إن الرواية لا تدل على كثرة وقوع القتل منه عليه السلام، بل تدل على كثرة من يحب ألا يراه بسبب قتله بعض الناس، فإن قوله: (لأَحَبَّ أكثرُهم ألا يَرَوْه مما يقتل من الناس)، يدل على ذلك، لأن (مِن) في (ممايقتل) سببية، أي بسبب (ما يقتل) أي قتله، لأن (ما) مصدرية تُسبك مع ما بعدها بمصدر، و (من) في قوله: (من الناس) تبعيضية، أي بعض الناس.

قال الكاتب: واستوضحت السيد الصدر عن هذه الرواية فقال: (إن القتل الحاصل بالناس أكثره مختص بالمسلمين) ثم أهدى لي نسخة من كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) حيث كان قد بين ذلك في كتابه المذكور، وعلى النسخة الإهداء بخط يده.

ص: 611

وأقول: الذي ذكره السيد محمد الصدر رحمه الله في كتابه المذكور بعد أن ساق الروايات المختلفة الدالة على كثرة وقوع القتل بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام هوقوله:

ولكنا إن لاحظنا المقتولين في هذه الحملة وجدناها موجَّهة ضد أولئك الفاشلين في التمحيص الذي كان جزءاً رئيسيًّا من التخطيط العام لما قبل الظهور، فكل من تطرَّف نتيجة للتمحيص إلى طرف الباطل لا يكون الآن إلا مقتولًا لا محالة، ولذا نسمع من هذه الأخبار أنه عليه السلام يقتل أعداء الله، ويقتل كل منافق مرتاب، وأنه لا يستتيب أحداً، وأنه يقتل قوماً يرفضون ثورته ويقولون له: (ارجع، لا حاجة لنا ببني فاطمة)، وكل هؤلاء هم الفاشلون في التمحيص السابق على الظهور (1) 950.

ومنه يتَّضح أن ما نسبه الكاتب للسيد محمد الصدر رحمه الله وعزاه للكتاب المذكور كله كذب فاضح وافتراء واضح، لأن الذين يرفضون دعوته عليه السلام والمائلين إلى طرف الباطل أكثرهم من غير المسلمين، بسبب قلة المسلمين وكثرة غيرهم من الكفرة والمردة في جميع العصور كما هو واضح معلوم.

قال الكاتب: ولا بد لنا من التعليق على هذه الروايات فنقول:

1- لماذا يعمل القائم سيفه في العرب؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه عربياً؟

2- ألم يكن أمير المؤمنين وذريته الأطهار من العرب؟

3- بل القائم الذي يُعْمِلُ سيفه في العرب كما يقولون أليس هو نفسه من ذرية أمير المؤمنين؟ وبالتالي أَليس هو عربياً؟!

4- أليس في العرب الملايين ممن يُؤمن بالقائم وبخروجه؟


1- تاريخ ما بعد الظهور، ص 398.

ص: 612

5- فلماذا يخصص العرب بالقتل والذبح؟ وكيف يُقال: لا يخرجُ مع القائم منهم واحد؟

وكيف يمكن أن يهدم المسجد الحرام والمسجد النبوي؟ مع أن المسجد الحرام هو قبلة المسلمين كما نص عليه القرآن، وبين أنه أول بيت وُجد على وجه الأرض، وكان رسول الله صلوات الله عليه قد صلى فيه وأيضاً أمير المؤمنين والأئمة من بعده وخصوصاً الإمام الصادق الذي مكث فيه مدة طويلة.

وأقول: لقد أوضحنا الجواب فيما تقدَّم على كل هذه الأسئلة بما لا مزيد عليه، فلا حاجة للتكرار والإعادة.

قال الكاتب: لقد كان ظَنُّنَا أن القائم سيُعيد المسجد الحرام بعد هدمه إلى ما كان عليه زمن النبي صلى الله عليه وآله، وقبل التوسعة، ولكن تبين لي فيما بعد أن المراد من قوله (يُرْجِعُه إلى أساسه) أي يهدمه، ويُسَوِّيهِ بالأرض، لأن قِبلَة الصلاة ستتحول إلى الكوفة.

روى الفيض الكاشاني: (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يَحْبُ أحداً من فضل، مُصَلاكم بيتُ آدم وبيت نوح، وبيت إدريس ومصلى إبراهيم .. ولا تذهب الأيام حتى يُنْصَبَ الحجر الأسود فيه) الوافي 1/ 215.

وأقول: لقد تكلمنا في هدم المسجدين إلى أساسهما، وذكرنا أن الرواية الواردة في ذلك ضعيفة السند، ومع الإغماض عن سند الرواية وتسليم وقوع ذلك من الإمام عليه السلام فلا ريب في أنه عليه السلام سيعيد بناءهما على التقوى بعد أن يزيل كل حجر وضعه سلاطين الجور وأتباعهم.

وأما ما قاله الكاتب من أن الإمام المهدي عليه السلام سيهدم المسجد الحرام، ولن

ص: 613

يعيد بناءه، لأنه سيحوِّل القبلة إلى مسجد الكوفة فهذا من الأباطيل الواهية التي نتعجب صدورها من عاقل!! ولا سيما أن الحديث الذي احتج به على ذلك لا يدل على ما قاله، فإن وضع الحجر الأسود في مسجد الكوفة لا يعني صيرورته قبلة للناس، وذلك لأن الكعبة المشرفة تبقى قبلة للمسلمين حتى لو أزيل منها الحجر الأسود.

ثم إن الحديث لم ينص على أن من ينصب الحجر الأسود فيه هو الإمام المهدي عليه السلام، ولا دلالة فيه على أن مسجد الكوفة بعد نصب الحجر فيه يصير قبلة للناس.

ولعل إخبار الإمام عليه السلام بنصب الحجر الأسود فيه إنما كان للتدليل على أهميته وعظم مكانته عند الناس، لا من أجل بيان مشروعية هذا الفعل ومحبوبيته.

ونضيف إلى هذا كله أن هذه الرواية ضعيفة السند، فإن الشيخ الصدوق رواها بسنده إلى الأصبغ بن نباتة (1) 951، وطريق الصدوق إلى الأصبغ بن نباتة ضعيف.

فإن في طريقه محمد بن علي ماجيلويه، وهو لم يثبت توثيقه وإن كان من مشايخ الرواية للصدوق.

وفي طريقه الحسين بن علوان الكلبي، وعبارة النجاشي في رجاله موهمة (2) 952، تحتمل عود التوثيق فيها إليه أو إلى أخيه الحسن، والظاهر أنها تعود إلى أخيه، بقرينة الفصل بينها وبين قوله فيه: (عامي)، لأن الوصف ب- (ثقة) لو كان عائداً إليه لقال: (عامي ثقة)، ولقوله بعدُ: (وللحسين كتاب تختلف رواياته)، وهذا قد يشعر بعدم وثاقته، لاحتمال أن اختلاف رواياته كان ناشئاً من التخليط أو قلة الضبط، والله أعلم.

وفي طريق الصدوق للأصبغ أيضاً عمرو بن ثابت، وهو عمرو بن أبي المقدام،


1- من لا يحضره الفقيه 1/ 165. وسائل الشيعة 3/ 526.
2- قال النجاشي في رجاله: 1/ 161: الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم كوفي، عامي، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله عليه السلام، وليس للحسن كتاب، والحسن أخص بنا وأولى، روى الحسين عن الأعمش وهشام بن عروة، وللحسين كتاب تختلف رواياته.

ص: 614

ولم يثبت توثيقه.

وعليه فالرواية ضعيفة السند، لا يصح الاحتجاج بها في شي ء.

قال الكاتب: إذاً نَقْلُ الحجر الأسود من مكة إلى الكوفة، وجَعْلُ الكوفةِ مُصَلَّى بيت آدم ونوح وإدريس وإبراهيم دليل على اتخاذ الكوفة قبلة للصلاة بعد هدم المسجد الحرام، إذ بعد هذا لا معنى لإرجاعه إلى ما كان عليه قبل التوسعة، ولا تبقى له فائدة، فلا بد له من الإزالة والهدم- حسبما ورد في الروايات- وتكون القبلة والحجر الأسود في الكوفة، وقد علمنا فيما سبق أن الكعبة ليست بذات أهمية عند فقهائنا، فلا بد إذن من هدمها.

وأقول: إن الرواية قد نصَّت على أن مسجد الكوفة كان بيت آدم وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلَّى إبراهيم ... الخ.

لا أنه سيُجعل مصلَّى بيت كذا آدم ونوح وإدريس وإبراهيم كما زعم الكاتب.

وما معنى جعله مصلَّى بيت آدم ونوح؟!

ثم ما هو التلازم بين كون مسجد الكوفة بيتاً لآدم ونوح ومصلَّى لإبراهيم، وبين جعله قبلة للناس بدلًا من الكعبة المشرفة؟!

وأما ما قاله من نقل الحجر الأسود إلى مسجد الكوفة، وعدم أهمية الكعبة عند فقهاء الشيعة، فقد أوضحنا جوابه فيما مرَّ، فراجعه.

قال الكاتب: ونعود لنسأل مرة أخرى: ما هو الأمر الجديد الذي يقوم به

ص: 615

القائم؟ وما هو الكتاب الجديد والقضاء الجديد؟

إن كان الأمر الذي يقوم به من صلب حكم آل محمد، فليس هو إذن بجديد. وإن كان الكتاب من الكتب التي استأثر بها أمير المؤمنين حسبما تَدَّعِيه الروايات الواردة في كتبنا فليس هو بكتاب جديد.

وإن كان القضاء من أقضية محمد وآله، والكتاب من غير كتبهم والقضاء من غير أقضيتهم فهو فعلًا أمر جديد، وكتاب جديد وقضاء جديد، وكيف لا يكون جديداً والقائم سيحكم بحكم آل داودَ كما مر؟

إنه أمر من حكم آل داود، وكتاب من كتبهم، وقضاء من قضاء شريعتهم، ولهذا كان جديداً، ولذلك ورد في الرواية: (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد) كما مر بيانه.

وأقول: لقد أجبنا على كل هذه التساؤلات فيما مرَّ بالتفصيل، ولا حاجة لإعادة الكلام فيها مرة ثانية، ولم يرد في الأخبار المشار إليها أن القائم عليه السلام سيحكم بحكم آل داود، بل بحكم داود نفسه، أي يحكم مثل حكمه في أنه يحكم بعلمه، ولا يسأل عن البيِّنة، لا أنه عليه السلام سيترك أحكام الإسلام ويحكم بأحكام شريعة النبي داود المنسوخة.

قال الكاتب: بقي أن تعلم أن ما يصنعه القائم حسبما جاء في الرواية المروعة، فإنه سَيُثِخنُ في القتل بحيث يتمنى الناس ألا يروه لكثرة ما يقتل من الناس وبصورة بشعة لا رحمة فيها ولا شفقة، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم!!

وبدورنا نسأل: بمن سيفتك القائم؟ ودماء من هذه التي سيجريها بهذه

ص: 616

الصورة البشعة؟.

إنها دماء المسلمين كما نصَّت عليه الروايات، وكما بين السيد الصدر.

وأقول: هذا الكلام كله اجترار وتكرار لما سبق، ونحن قد أجبنا عليه مفصلًا، وأوضحنا الذين سيقتلهم الإمام عليه السلام، فلا وجه لتكرار الجواب مرة ثانية.

قال الكاتب: إذن ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين لا رحمة لهم، ولهم الحق إن قالوا إنه ليس من آل محمد، نعم، لأن آل محمد يرحمون ويشفقون على المسلمين، أما القائم فإنه لا يرحم، ولا يشفق، فليس هو إذن من آل محمد، ثم أليس هو- أي القائم- سيملأ الأرض عدلًا وقِسْطاً بعد أن مُلِئَتْ جوراً وظُلماً؟

فأين العدل إذن إذا كان سيقتل تسعة أعشار الناس وخاصة المسلمين؟ وهذا لم يفعله في تاريخ البشرية أحد ولا حتى الشيوعيون الذين كانوا حريصين على تطبيق نظريتهم على حساب الناس، فتأمل!!

وأقول: إن الإمام المهدي عليه السلام رحمة مهداة لهذه الأمة خاصة، وللإنسانية عامة، وهذا لا يمنع أن يكون عليه السلام في نفس الوقت نقمة على أعداء الدين وعلى الطواغيت والمرَدَة وسلاطين الجور وأعوانهم، فإن سلاطين الجور وأعوانهم لا بد أن ينالوا جزاءهم العادل في الدنيا قبل عقابهم الدائم في الآخرة، وهذا هو مقتضى العدل والإنصاف الذي سيطبقه الإمام المهدي عليه السلام في دولة العدل التي سيقيمها.

ونحن قد أوضحنا فيما تقدم أنه لا دلالة في الأحاديث السابقة التي احتج بها الكاتب على أن الإمام المهدي يقتل أعداداً كثيرة من الناس ومن غير شفقة ولا رحمة، فراجع.

وأما ذهاب تسعة أعشار الناس فقد أوضحناه مفصَّلًا وذكرنا محتملات هذا

ص: 617

الحديث، وقلنا: إنه ظاهر في الإخبار عن بعض الحوادث التي تقع قبل ظهوره عليه السلام، وليس في الحديث أية دلالة على أنه عليه السلام يقتل تسعة أعشار الناس، فلا حاجة للإعادة والتكرار.

قال الكاتب: لقد أسلفنا أن القائم لا حقيقة له، وأنه غير موجود، ولكنه إذا قام فسيحكم بحكم آل داود، وسيقضي على العرب والمسلمين ويقتلهم قتلًا لا رحمة فيه، ولا شفقة، ويهدم المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، ويأخذ الحجر الأسود، ويأتي بأمر جديد، وكتاب جديد، ويقضي بقضاء جديد، فمن هو هذا القائم؟ وما المقصودبه؟

وأقول: كل ما قاله الكاتب قد أوضحنا فساده فيما تقدَّم بحمد الله ومَنِّه، لأنه لا يعدو أن يكون استدلالًا بأحاديث ضعيفة فهمها على غير وجهها، أو بأحاديث حرَّف معانيها بأبشع تحريف، وحملها على غير المراد منها، فكانت نتيجة ذلك أن قال كل هذا الهراء الباطل.

ومن الواضح أن الأحاديث السابقة حتى الضعيفة منها لم تذكر أن الإمام المهدي عليه السلام سيحكم بحكم آل داود، وأنه سيقضي على العرب والمسلمين، وأنه سيهدم المسجد الحرام ويتركه فلا يعيد بناءه، وأنه سيأخذ الحجر الأسود.

وأما زعمه بأنه قد ذكر أن المهدي لا حقيقة له، فهو زعم- كغيره من مزاعمه- لا قيمة له ما دام أنه لم يقم على ما قال أي دليل صحيح.

هذا مع أنه قد عوَّل في هذه المسألة على أحمد الكاتب، ولم يذكر أي دليل على ما ذهب إليه، والنص الذي زعم دلالته على أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام توفي ولم يكن له ولد قد أجبنا عليه فيما مرَّ، فراجعه.

ص: 618

قال الكاتب: إن الحقيقة التي تَوَصّلْتُ إليها بعد دراسة استغرقت سنوات طوالًا ومراجعة لأمهات المصادر هي أن القائم كناية عن قيام دولة إسرائيل أو هو المسيح الدجال لأن الحسن العسكري ليس له ولد كما أسلفنا وأثبتنا، ولهذا روي عن أبي عبد الله رضي الله عنه- وهو بري ء من ذلك-: (ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءَهم عند قيام قائمنا) البحار 52/ 376.

وأقول: ما أعجب هذه المهزلة التي توصل إليها الكاتب بعد هذه السنوات الطوال، وبعد مراجعة أمهات المصادر؟!

أي مهزلة هذه التي تُضحِك الثكلى حتى تستلقي على قفاها؟!

هل كان الأئمة عليهم السلام عند الكاتب يعلمون بقيام دولة إسرائيل منذ ذلك الوقت، أو يبشِّرون بها؟

أو أنه سيزعم أن هناك أيادي خفيَّة كانت تخطِّط لقيام دولة إسرائيل منذ العصر الأموي؟!

ثم لماذا يشير هؤلاء المخطِّطون لدولة إسرائيل بالإمام المهدي عليه السلام، ويكشفون كل مخططاتهم، وينشرونها للملأ، مع أن أمثال هذه الأمور تحتاج إلى السِّرِّية والكتمان الشديدين؟!

وهل دولة إسرائيل من أهل البيت؟ واسمها محمد؟ وستملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلئت ظلماً وجوراً؟ أو أن هذا من مخطَّطاتها المستقبلية؟

وهل من مخططاتها أيضاً قتل اليهود تحت كل حجر ومدر، ونشر الإسلام في كل أرجاء المعمورة؟

ثم ما علاقة دولة إسرائيل بكربلاء ومسجد الكوفة والحجر الأسود؟

ولماذا تحرص دولة إسرائيل على جعل كربلاء مدينة مقدسة؟ بل تجعلها أشرف البقاع وعاصمة لها؟ ولماذا لا تجعل القداسة للقدس وتل أبيب؟

ص: 619

ولماذا تريد دولة إسرائيل تحويل قبلة المسلمين إلى مسجد الكوفة؟ هلا جعلت قبلتهم بيت المقدس أو حائط المبكى؟

ثم لماذا لم تدعُ دولة إسرائيل الشيعة في كل مكان لإظهار الإيمان والولاء لها بعد قيامها، لتنتهي مسرحية الكتمان، وتبدأ مهزلة الإعلان؟

ولماذا لم يُبْدِ الشيعة المؤمنون بالإمام المهدي حتى الآن أي ولاء لدولة إسرائيل؟

وهناك إشكالات أخر على هذه النظرية التي لم يسبق الكاتبَ إليها أحدٌ، تُعْرَف بالنظر في أخبار الإمام المهدي عليه السلام التي لا تنطبق على دولة إسرائيل بحال من الأحوال.

وأما الأحاديث الواردة في الدجال فهي بعيدة كل البعد عن أخبار الإمام المهدي عليه السلام كما هو واضح لكل من نظر في كلا الطائفتين من الأخبار.

ويكفي منها أن المهدي عليه السلام من نسل سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، والدجال لا يُعْرَف له نسب.

والمهدي جميل الخلقة تام الأعضاء، والدجال ليس كذلك، بل هوأعور.

والمهدي يحكم بالعدل سنين كثيرة، والدجال يحكم بالجور بضعة أشهر فقط.

والمهدي من أئمة الهدى الممدوحين، والدجال من أئمة الضلال المذمومين.

ثم ما معنى نشوب الحرب بين جيش المهدي عليه السلام وبين جيش الدجال، فهل سيحارب المهدي نفسه؟

ولماذا يصلي عيسى عليه السلام خلف المهدي عليه السلام إذا كان المهدي هو الدجال نفسه، ثم يقتله بعد ذلك؟

وإذا كان المهدي هو الدجال فما معنى بقاء المهدي وبقاء دولته بعد مقتل الدجال؟

ص: 620

ثم لماذا تحاط أحاديث الدجال بالسرّية والرمزية فيشار إليه بالمهدي، مع أن هناك رجلًا آخر عند أهل السنة له هذا الاسم؟!

والعجيب أن الكاتب بعد دراسته الطويلة التي استمرت سنوات طوالًا، وبعد مراجعته المضنية لأمهات المصادر، تردَّد في نتيجته تردُّداً فاحشاً، فاحتمل أن المراد بالمهدي هو دولة إسرائيل أو المسيح الدجال، وما أبعد ما بين هذين الأمرين!!

ولعلّه سيحتاج إلى سنوات أخر طوال من الدراسة والبحث، وإلى مراجعات جديدة لمصادر أخرى من أمهات المصادر ليستقر على أحد الأمرين، أو ليصل إلى نتائج عجيبة، ويظهر بنظريات غريبة.

قال الكاتب: ولماذا حُكم آلِ داود؟ أليس هذا إشارة إلى الأصول اليهودية لهذه الدعوة؟

وأقول: لقد أوضحنا فيما مرَّ أن الروايات نصَّت على أنه سيحكم بحكم داود، لا بحكم آل داود كما قال الكاتب.

وقلنا: إن المراد بذلك هو أن المهدي عليه السلام يحكم بحكم يشبه حكم داود في أنه عليه السلام لا يسأل البيِّنة، فيحكم بعلمه وبما يلهمه الله تعالى في تلك الواقعة.

والعجيب أن الكاتب يزعم أن (حكم داود) إشارة إلى الأصول اليهودية مع أن داود عليه السلام نبي كريم من أنبياء الله عليهم السلام، لا ارتباط له باليهود في شي ء، والله سبحانه وتعالى أثنى عليه في كتابه العزيز، فقال عزَّ اسمه وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ (1) 953.


1- سورة البقرة، الآية 251. وسورة النمل، الآية 15.

ص: 621

وذكر حكمه، فقال سبحانه وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (1) 954.

فهل يرى الكاتب أيضاً أن هذه الآيات لها أصول يهودية؟!

قال الكاتب: وقيام دولة إسرائيل لا بد أن يسودها حكم آل داود، ودولة إسرائيل إذا قامت فإن من مُخَطَّطاتِها القضاء على العرب خصوصاً المسلمين، والمسلمين عموماً كما هو مقرر في بروتوكولاتهم. تقضي عليهم قضاء مُبْرَماً وتقتلهم قتلًا لا رحمة فيه ولا شفقة.

وحلم دولة إسرائيل هو هدم قِبلة المسلمين، وتسويتها بالأرض، ثم هدم المسجد النبوي، والعودة إلى يثرب التي أُخرجوا منها، وإذا قامت فستفرض أمْراً جديداً، وتضع بدل القرآن كتاباً جديداً، وتقضي بقضاء جديد، ولا تسأل بينة، لأن سؤال البينة من خصائص المسلمين، ولهذا تسود الفوضى والظلم بسبب العنصرية اليهودية.

وأقول: لقد قلنا فيما تقدَّم: إن المهدي يحكم بحكم داود، لا أنه يحكم بحكم آل داود، ولا أنه عليه السلام يحكم بشريعة داود عليه السلام.

وقلنا: إنه عليه السلام سيملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً، ومن الطبيعي أن تتطلب منه هذه المهمة القصاص من القتلة والجناة، وإقامة الحدود التي كانت معطَّلة، ولا يعني هذا أن الإمام عليه السلام سيشن حرب إبادة على العرب والمسلمين، ويقتلهم بلا رحمة ولا شفقة كما زعم الكاتب.


1- سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79.

ص: 622

والعجيب زعم الكاتب أن دولة إسرائيل الحالية يسودها حكم آل داود عليه السلام، مع أن دولة إسرائيل ليست كذلك، بل هي دولة محتلة جائرة ظالمة، تحكم بغير ما أنزل الله.

ولئن كان حلم دولة إسرائيل هو هدم المسجدين فهل حلمها جعل الكوفة عاصمة لها، واعتبار كربلاء خير بقاع الأرض؟!

وإذا كان حلم دولة إسرائيل هو العودة إلى المدينة المنورة (يثرب)، فما بال الكاتب لم يذكر لنا رواية واحدة تدل على أن هذا هو حلم الإمام المهدي أيضاً؟

هذا مع أنّا أوضحنا فيما تقدم ضعف الأخبار التي بنى عليها الكاتب كل نتائجه، وأوضحنا أيضاً عدم صحة مزاعمه في دلالة تلكم الأحاديث، وبيَّنا المراد بالأمر الجديد والكتاب الجديد والقضاء الجديد، فلا حاجة لإعادة ما قلناه فيما سبق.

قال الكاتب: ويحسن بنا أن ننبِّه إلى أن أصحابنا اختاروا لهم اثني عشر إماماً، وهذا عمل مقصود، فهذا العدد يمثل عدد أسباط بني إسرائيل، ولم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا على أنفسهم تسمية (الاثني عشرية) تَيَمُّناً بهذا العدد. (1) 955

قول: ما أكثر ما يأتي هذا الكاتب بالعجائب والغرائب الكاشفة عن جهله وشدة تحامله بالباطل، فإنه أراد أن يقلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، وذلك لأن روايات الخلفاء الاثني عشر أشهر من أن تخفى على أحد، وأوضح من أن يتمكن هذا الكاتب من إخفائها أو التشكيك فيها.

ونحن سنقتصر على ذكر بعض طرقها في هذا الكتاب، وعلى من أراد الاستزادة فليراجع كتابنا (مسائل خلافية حار فيها أهل السنة)، فإنا قد ذكرنا هناك ما فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 623

فقد أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش (1) 956.

قال البغوي: هذا حديث متّفق على صحّته (2) 957.

وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة. قال: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش (3) 958.

وأخرج مسلم أيضاً- واللفظ له- وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلًا. ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش (4) 959.

وأخرج مسلم أيضاً وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش (5) 960.

وأخرج مسلم- واللفظ له- وأحمد وابن حبان عن جابر بن سمرة، قال:


1- صحيح البخاري 9/ 101. مسند أحمد بن حنبل 5/ 90، 95. دلائل النبوة 6/ 519.
2- شرح السنة 15/ 31.
3- صحيح مسلم 3/ 1452.
4- صحيح مسلم 3/ 1452. مسند أحمد بن حنبل 5/ 98، 101. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 651، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
5- صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 90، 100. مسند أبي داود الطيالسي، ص 105، 180. مشكاة المصابيح 3/ 1687 وقال الخطيب التبريزي: متفق عليه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 230.

ص: 624

انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صَمَّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش (1) 961.

وأخرج مسلم- واللفظ له- وأحمد عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش ...

(2) 962.

والأحاديث التي نصَّت على الخلفاء الاثني عشر كثيرة جداً، وفيما ذكرناه كفاية.

فإن كان الكاتب يرى أن هذه الأحاديث هي من دسائس اليهود وأكاذيبهم، فلا بد أن يحكم بضرورة طرح صحاح أهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما من كتبهم المعتبرة، لما فيها من الأحاديث اليهودية المدسوسة.

وإن كان يرى صحة تلكم الأحاديث فلا مناص له من التسليم بأن الشيعة الإمامية إنما اعتقدوا باثني عشر إماماً بسبب ورود هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي اتّفق على روايتها واعتبارها المؤالف والمخالف.

قال الكاتب: وكرهوا جبريل رضي الله عنه (3) 963 والروح الأمين كما وصفه الله تعالى في


1- صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 98، 101. وفي ص 96 قال: عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه، لا يضرّه من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 230. المعجم الكبير للطبراني 2/ 195، 196.
2- صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 86، 88، 89. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 690. مسند أبي عوانة 4/ 373. مسند أبي يعلى 6/ 282.
3- لأول مرة أرى كاتباً يترضى على جبرئيل عليه السلام، ولعل عقدةً ما قد أصابت الكاتب، فكره قول (عليه السلام) عناداً للشيعة ومخالفة لهم، أو لعله يريد أن يساوي مقامه بمقام أي صحابي.

ص: 625

القرآن الكريم، وقالوا إنه خان الأمانة إذ يفترض أن ينزل على عليّ رضي الله عنه، ولكنه حاد عنه فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم كذا فخان بذلك الأمانة (1) 964.

ولهذا كرهوا جبريل، وهذه هي صفة بني إسرائيل في كراهتهم له، ولهذا رد الله عليهم بقوله الكريم: قل مَن كان عدواً لجبريلَ فإنه نَزَّلَهُ على قَلبكَ بإذن الله مُصَدّقاً لمَا بين يَدَيْه وهُدًى وبُشْرَى للمؤمنين، قل مَن كان عَدُوّاً لله وملائكته ورُسُلِهِ وجبريلَ وميكالَ فإن اللهَ عَدٌّو للكافرين (البقرة/ 97- 98)، فوصف من عادى جبريل بالكفر، وأخبر أن مَن عاداه فإنه عدو لله تعالى.

وأقول: لا ينقضي عجبي من هذا الكاتب الذي يدَّعي أنه اقتنع ببطلان المذهب الشيعي بعد البحث والدراسة، والذي يجعل من ضمن أدلّته هذه الافتراءات الواضحة والأكاذيب الفاضحة التي دأب أعداء الشيعة منذ القدم على ترديدها من غير حجة صحيحة ولا بيِّنة معتمدة، ومن دون أن يذكر على هذه الفرية مصدراً واحداً يُرْجَع إليه، أو مرجعاً معروفاً يُعتمَد عليه، وهذا خلاف ما يقتضيه البحث العلمي والإنصاف الذي يدَّعيه الكاتب، مع أنه لم يعرفهما في كل ما دوَّنه في كتابه هذا.

كما لا ينقضي العجب من هؤلاء القوم الذين بلغ بهم قلة الحياء وتعمد الافتراء إلى هذا الحد، مع أن كتب الشيعة مملوءة بمدح جبرئيل عليه السلام والثناء عليه، وذكر اسمه المبارك مقروناً بالإجلال والتعظيم، ومع فقدان النصوص التي يتمسَّكون بها لتأييد فريتهم وإثبات كذبهم.

فإذا كان حالهم هكذا في هذه المسألة الواضحة، فما بالك بغيرها مما لم يبلغ في الوضوح والجلاء هذه الدرجة!!


1- القول بخيانة جبريل عليه السلام من عقائد الغرابية والكيسانية، وهما من فرق الشيعة. (حاشية من الكاتب).

ص: 626

وهذا في الحقيقة يكشف عن أن القوم إنما يجادلون بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وأنهم جازمون بباطلهم وضلالتهم ومستيقنون بذلك في دخيلة أنفسهم، لأن صاحب الحق لا يلجأ إلى هذه الأساليب الملتوية من الكذب والافتراء والتدليس وما شاكلها، وما عنده من الحجة يغنيه عن سلوك أمثال هذه المسالك المحرَّمة، والتمسك بهذه الأدلة الباطلة.

ثم إذا كان هذا المعتقد من عقائد الغرابية والكيسانية كما زعم الكاتب في الحاشية فما علاقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية به حتى يلصقه بهم، ويشنِّع عليهم به؟!

قال الكاتب: ومن أعظم آثار العناصر الأجنبية في حَرْف التشيع عن ركب الأمة الإسلامية هو القول بترك صلاة الجمعة، وعدم جوازها إلا وراء إمام معصوم. لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، وهذا عمل عظيم، ولي والحمد لله جهود كبيرة في حث المراجع العليا على هذا العمل، وإني احتسب أجري عند الله تعالى.

وأقول: لم يكشف لنا مدَّعي الاجتهاد والفقاهة عن علاقة العناصر الأجنبية بهذه المسألة، وما هي أهمية ترك هذه الصلاة عند تلك العناصر؟

والعجيب زعمه صدور فتاوى في الآونة الأخيرة بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، مع أنه كان من الملائم جداً أن يذكر فتوى واحدة من هذه الفتاوى المزعومة التي كان له دور بارز في صدورها كما يدَّعي.

والمضحك في الأمر هو زعمه أن الفتاوى حثّت على إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، وهذا دليل يضاف إلى ما سبق من الأدلة على أن الكاتب بعيد كل البعد عن ساحة العلماء وعن جو الحوزة العلمية، بل هو خارج عن الوسط الشيعي بتمامه،

ص: 627

فإن الشيعة لا يقيمون صلواتهم اليومية في الحسينيات فضلًا عن صلاة الجمعة، وإنما يقيمونها في المساجد العامة كما هو معروف عند الكل.

والغريب أن مدعي الاجتهاد والفقاهة زعم أن الشيعة لا يجوِّزون إقامة صلاة الجمعة إلا خلف الإمام المعصوم، مع أن جملة من فقهاء الإمامية قد صرَّحوا في كتبهم بوجوبها العيني في زمان الغيبة، وذهب المشهور إلى وجوبها التخييري بينها وبين صلاة الظهر.

قال الشيخ يوسف البحراني قدس سره في كتابه الحدائق الناضرة:

ولا خلاف بين أصحابنا في وجوبها عيناً مع حضوره عليه السلام أو نائبه الخاص، وإنما الخلاف في زمن الغيبة وعدم وجود الإذن على الخصوص، على أقوال: الأول: القول بالوجوب العيني، وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار، وبه صرَّح جملة من مشاهير علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم، متقدميهم ومتأخريهم، أحدهم الشيخ المفيد قدس سره ... (1) 965.

ثم نقل القول بالوجوب العيني لصلاة الجمعة عن أبي الصلاح الحلبي في كتاب (الكافي في الفقه)، والشيخ أبي الفتح الكراجكي في كتابه (تهذيب المسترشدين)، والشيخ عماد الدين الطبرسي في كتابه (نهج العرفان إلى هداية الإيمان)، والشيخ الكليني في كتاب الكافي، والشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق في كتاب (الفقيه).

ثم قال: هذا ما وقفت عليه من كلام المتقدمين، وأما المتأخرون عن عصر شيخنا الشهيد الثاني ممن قال بهذا القول فهم أكثر من أن يأتي عليهم قلم الإحصاء وأن يدخلوا في حيز الاستقصاء، إلا أنه لا بأس بذكر جملة من مشاهيرهم ونقل عبائرهم في المقام تتمة لما قدمناه من متقدمي علمائنا الأعلام (2) 966.


1- الحدائق الناضرة 9/ 378.
2- نفس المصدر 9/ 385.

ص: 628

ثم عدَّ من جملة القائلين بالوجوب العيني لصلاة الجمعة في عصر الغيبة: الشهيد الثاني في رسالته المشهورة في صلاة الجمعة، والسيد محمد في كتاب (المدارك)، والشيخ حسين بن عبد الصمد تلميذ الشهيد الثاني ووالد الشيخ البهائي في رسالته المعروفة بالعقد الطهماسي، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في رسالته الموسومة بالاثني عشرية، وابنه الشيخ محمد، والشيخ فخر الدين بن طريح النجفي في شرح الرسالة المتقدمة، والشيخ محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار، ووالده الشيخ محمد تقي في رسالة ألفها في تحقيق هذه المسألة، والمولى محمد باقر السبزواري في رسالة ألفها في الوجوب العيني في هذه المسألة، والمحدِّث الفيض الكاشاني في رسالة اختار فيها الوجوب العيني، ومحمد باقر الداماد، والسيد ماجد البحراني وغيرهم.

ثم قال: وبالجملة فجملة من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني ووقفت على رسالته من الفضلاء المحققين فكلهم على الوجوب العيني إلا الشاذ النادر ممن قال بالتحريم أو الوجوب التخييري كما لا يخفى على من له أنس واطلاع على العلماء وسيرهم وأحوالهم (1) 967.

وقال السيد محمد جواد العاملي قدس سره في كتابه (مفتاح الكرامة):

وأما القول الأول وهو الوجوب عيناً في زمن الغيبة، فقد عرفت أنه خيرة الشهيد الثاني في رسالته، وولده في رسالته، وسبطه، والشيخ نجيب الدين، والمولى الخراساني في كتابيه، والكاشاني في المفاتيح والشهاب الثاقب والوافي، والشيخ سليمان في رسالتيه، والسيد عبد العظيم، والشيخ أحمد الخطي، ومولانا الحر في الوسائل، ومولانا الشيخ أحمد الجزائري في الشافية، وصاحب الحدائق، والسيد علي الصايغ، واحتمله احتمالًا في الذكرى، ونسبوه إلى المفيد في المقنعة وكتاب الأشراف، وإلى أبي الفتح الكراجكي، وإلى أبي الصلاح التقي، وإلى ظاهر الصدوق في المقنع والأمالي،


1- نفس المصدر 9/ 397.

ص: 629

وإلى الشيخ في التهذيب، وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي ... (1) 968.

وأما القائلون بالوجوب التخييري في زمان غيبة الإمام عليه السلام فهم كثيرون، بل لعل هذا القول هو المشهور عندهم.

قال الجواد العاملي في مفتاح الكرامة: وأما القول الرابع، وهو الوجوب تخييراً من دون اشتراط الفقيه، ويعبَّر عنه بالجواز تارة، وبالاستحباب أخرى، فهو المشهور كما في التذكرة وغاية المراد، ومذهب المعظم كما في الذكرى، والأكثر كما في الروض والمقاصد العلية والماحوزية ورياض المسائل، وفي غاية المراد أيضاً أنه فتوى النهاية والخلاف والأتباع وأبي الصلاح، والمحقق في المعتبر، والمصنف في المختلف. انتهى. وفي المقاصد العلية أيضاً أن الوجوب في حال الغيبة مع المنصوب العام وغيره تخييري لا عيني كما أجمع عليه الأصحاب. انتهى، فتأمل. وهو خيرة النهاية والمبسوط والمصباح وجامع الشرائع والنافع والمعتبر والتلخيص وحواشي الشهيد والبيان وغاية المراد كما سمعت، والموجز الحاوي، والمقتصر، وتعليق الإرشاد، والميسية، والروض، والروضة، والمقاصد العلية، وتمهيد القواعد، والذكرى، وقد سمعت عبارتها، وفيها عبارة أخرى يأتي نقلها، وظاهر كشف الالتباس، وغاية المرام، أو صريحهما، وهو المنقول عن القاضي، وكذا المفيد، والتقي، على ما عرفت ... إلى آخر كلامه (2) 969.

قلت: فإذا كان كل هؤلاء الأساطين قد ذهبوا إلى وجوب إقامة صلاة الجمعة تعييناً أو تخييراً بينها وبين صلاة الظهر، فهل يسوغ لمنصف أن يزعم أن الشيعة الإمامية لا يرون إقامة صلاة الجمعة إلا بحضور الإمام المعصوم؟! ولا سيما أن استحباب اختيار إقامة الجمعة هو القول المشهور عندهم؟!

فقد قال العلَّامة الحلي في كتابه تذكرة الفقهاء: وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علماؤنا على عدم


1- مفتاح الكرامة 3/ 57.
2- نفس المصدر 3/ 62.

ص: 630

الوجوب، واختلفوا في استحباب إقامتها، فالمشهور ذلك (1) 970.

قال الكاتب: ولكني أتساءل: من الذي تسبب في حرمان كل تلك الأجيال وعلى مدى ألف سنة تقريباً من صلاة الجمعة؟ فأية يد خفية هذه التي استطاعت بدهائها وسيطرتها أن تحرم الشيعة من صلاة الجمعة مع وجود النص القرآني الصريح في وجوب إقامة الجمعة؟؟!!.

وأقول: الذي تسبَّب في حرمان الشيعة من إقامة صلاة الجمعة هم سلاطين الجور الذين منعوا الشيعة من إقامتها في جميع الأمصار والأعصار، وهذا يعرفه كل من أحاط خبراً بالحوادث الجارية في السنين الماضية، ولولا أنَّي أخشى غائلة المؤاخذة من قبلهم لسجَّلتُ للقارئ العزيز حوادث كثيرة تدل على ما قلته، ولكني أقول كما قال الشاعر:

قَالَتِ الضِّفْدعُ قَولًاصَدَّقتْه الحُكَمَاءُ

في فَمِي مَاءٌ وهَلْ يَنْطِقُ مَنْ في فِيْهِ مَاءُ.

بل إن كل من أمعن النظر وتبصَّر في الأمور يجد أن سلاطين الجور قد حرموا حتى أهل السنة من فوائد صلاة الجمعة وعوائدها، لأنهم وظَّفوا لها من يمشي في ركابهم، ويسير على منهاجهم، فلا يقول إلا ما يملونه عليه، ولا يتفوَّه إلا بما يوحونه إليه، حتى إنه قد بلغني من مصادر مؤكَّدة أن خُطَب صلاة الجمعة تُجاز من قبل بعض أجهزة الدولة قبل أن يقوم الإمام بإلقائها على الناس، فأية فائدة تُرتجى من مثل هذه الخُطَب، وأي منفعة تُتوقَّع من مثل هذه الصلوات؟!


1- جواهر الكلام 11/ 179.

ص: 631

قال الكاتب: وما زالت الأيادي الخَفَّيِةُ الخبيثةُ تعمل وتبث سُمومها، فقد أصدرت زعامة الحوزة في يومنا هذا تعليمات بوجوب إكثار الفساد والظلم ونشره بين الناس، لأن كثرة الفساد تُعَجِّلُ في خروج الإمام المهدي- القائم- من سردابه كذا.

وأقول: هذا من الأكاذيب الواضحة الكثيرة التي سوَّد بها الكاتب صفحات كتابه، فمن الواضح جداً أن زعامة الحوزة العلمية لا تحث الناس على فعل القبائح وارتكاب الموبقات مهما كانت الذريعة، والرسائل العملية والفتاوى المنقولة عن كافة العلماء تنافي مثل هذا الافتراء المفضوح، ولهذا لم يأتِ الكاتب بأي دليل يعضد به فريته، ولم ينقل لقارئه نص تلكم التعليمات المزعومة.

ثم إن العالم كله ملي ء بالظلم والفساد، ولا يحتاج إلى مزيد حتى يظهر صاحب الزمان عليه السلام لو سلَّمنا بأن انتشار الظلم والجور من جملة مقدمات قيامه عليه السلام.

هذا مع أن الوظيفة الشرعية لكل المكلَّفين هي الالتزام بأوامر الله سبحانه، وترك كل نواهيه، وأما ظهور صاحب الزمان عليه السلام فهي وظيفة الإمام عليه السلام نفسه، لا وظيفة المكلفين ليجب عليهم تهيئة ما يلزم من المقدمات.

ولو سلَّمنا جدلًا بأن ارتكاب الموبقات من جملة مقدمات ظهوره عليه السلام فلا يجوز لأي مكلف أن يرتكب شيئاً منها، وذلك لأن وجوب الظهور على الإمام عليه السلام في هذا العصر غير معلوم، فكيف تجب مقدماته؟! ولو سلمنا بأصل الوجوب فمقدمات الخروج واجبة على الإمام عليه السلام لا علينا.

على أنه لا يمكن أن نتعقَّل أن يكون فعل المحرمات من جملة مقدمات ظهوره عليه السلام، بل الأمر على العكس تماماً، وذلك لأن الناس إن استقاموا شملهم الله برحمته، وعمَّهم بنِعَمِه التي من جملتها قيام دولة الحق والعدل، كما أنهم إذا كفروا وطغوا أنزل الله عليهم نَقِماته، وصبَّ عليهم عذابه.

ولهذا لم نرَ فقيهاً أفتى بوجوب إكثار الفساد لتعجيل ظهور الإمام الغائب

ص: 632

عليه السلام، لأن مثل هذه المقولة لا تصدر من عاقل فضلًا عن فاضل، ناهيك عن زعامة الحوزة العلمية.

ولا يخفى أن مثل هذه المقولات لا يروِّجها إلا الفسقة الفجرة الذين يريدون أن يبرِّروا أفعالهم القبيحة وجرأتهم في ارتكاب المحارم وفعل الموبقات بأمثال هذه الأمور.

قال الكاتب: وقد استجاب كثير من الشيعة لذلك، وطبَّقُوا هذه التعليمات، ومارسوا الفساد بكل ألوانه، وكان السيد البروجردي يشرف على تطبيقها في مدينة الثورة في بغداد، فإذا ما مشى رجل في أحد شوارع الثورة، فرأى امرأة أعجبته، فإنها تستجيب له بابتسامة منه، أو إشارة بطرف عينه.

وأقول: هذا من أكاذيبه الملفَّقة المكشوفة، وقد فضحه في هذا التلفيق ذكر السيِّد البروجردي في هذه القضية، فإن السيِّد البروجردي قدس سره توفي في قم سنة 1380 ه-، وهو من مراجع الشيعة العظام، ولا يُعرف له إبان مرجعيته أي تقليد أو رصيد شعبي في العراق، فكيف بهذه السنين؟!

هذا مع أن سكان مدينة الثورة لا يعرفون شخصاً بهذا الاسم.

ولا ينقضي العجب منه حين يزعم أن السيِّد البروجردي أو غيره قد نصب نفسه مشرفاً على نشر الفساد والفجور بين الناس!! فهلا ساءل هذا الكاتب نفسه: هل يحتاج نشر الفساد بين الناس إلى إشرافٍ من أحد؟!

ثم كيف علم مدَّعي الفقاهة والاجتهاد بأمثال هذه الأفعال القبيحة التي لا يحسن منه أن يدَّعي أنه كان شاهد عيان فيها؟

ص: 633

قال الكاتب: ولم تكتف زعامة الحوزة بذلك بل أرادت تعميم هذا الفساد ليشمل كل أنحاء العراق، ولهذا قاموا باستئجار باصات نقل كبيرة لغرض السياحة والاصطياف في شمال العراق، وقاموا بترغيب العوائل الساكنة في مدن الجنوب بالسفر الى الشمال، فترى العوائل المسافرة تتكون كل عائلة منها من رجل عجوز وامرأته الطاعنة في السن بثياب رَثَّة لا يملك أحدهم ثمن وجبة عشاء، فضلًا عن نفقات السياحة والاصطياف، وقد اصطحبت كل عائلة معها عدداً من الفتيات الجميلات، فإذا ما وصلت القافلة إلى محافظة من المحافظات التي تمر بها وهي، صلاح الدين- تكريت- الموصل، دهوك، أربيل، كركوك، حط المسافرون رحالهم فيها أياماً، ثم تبدأ الفتيات بالنزول إلى أسواق تلك المحافظة، فيعرضن أنفسهن على الشباب لتتم (الصفقات المحرمة)، وأما فترة بقاء العوائل في المصايف فإني أعجز عن وصف ما يجري!!

وأقول: وهذا أيضاً من أكاذيبه الواضحة التي ملأ بها كتابه الذي صار عاراً عليه في الدنيا، وخزياً ووبالًا في الآخرة.

والظاهر أن الكاتب يريد أن يقول: إن الفتيات الشيعيات يذهبن للفساد في المدن السُّنّية في العراق، وإلا فمن الواضح أن الفساد لا يحتاج لسفر الفتيات إلى محافظات صلاح الدين والموصل وكركوك وغيرها، ولا سيما أن تلك الفتيات من عوائل فقيرة معوزة كما زعم الكاتب، فهل امتلأت النجف وكربلاء والحلة والناصرية والعمارة والبصرة وغيرها من المدن الشيعية بالفساد، حتى جاء الدور لهذه المدن السُّنية؟!

ثم كيف عرف مدَّعي الفقاهة والاجتهاد ما يدور في تلك المصايف من المفاسد والفجور حتى زعم أنه عاجز عن وصف ما يجري فيها؟! مع أنه من الواضح جداً أن الأخيار والصلحاء ولا سيما طلبة العلم والعلماء لا يتواجدون في تلك الأماكن ليعرفوا ما يجري فيها من الفساد، ولا يعتمدون على ما يقوله أي ناقل، والمؤمنون

ص: 634

الثقات الذين يمكن الاعتماد على أخبارهم أيضاً لا يتواجدون في أمثال هذه المصايف المزعومة، فكيف تمكن الكاتب من معرفة كل تلك الأمور المخزية التي زعم الاطلاع عليها؟!

قال الكاتب: إن الغاية من إصدار هذه التعليمات هي نشر الفساد، وتدمير البلاد، وأما خروج الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم فأنا واثق بأنهم يدركون أن لا وجود لهذا الإمام!!

فانظروا إلى هذه الأيدي الخبيثة، ماذا فعلت؟ وماذا تفعل؟!!!

وأقول: لقد أوضحنا أنه لا تعليمات ولا أوامر في البين، وما هي إلا أكاذيب واضحة لا تخفى على كل عاقل.

وأما وثوق الكاتب بأن الشيعة يدركون بأنه لا وجود للإمام المهدي عليه السلام فهو كذب محض، وذلك لأن الشيعة بحمد الله جازمون بوجوده عليه السلام وقاطعون بأنه إمام هذا العصر، وقد أقاموا الأدلة الصحيحة التي تثبت ذلك.

بل إن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هو محمدبن الحسن العسكري عليه السلام، وأنه باقٍ إلى الآن، ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً لهم يعتنقونه ويذبّون عنه، فذكروه في مصنفاتهم التي صحَّت نسبتها إليهم.

ومن هؤلاء المذكورين:

1- محمد بن طلحة الشافعي (582- 652 ه-) (1) 971: ذكر ذلك في كتابه (مطالب


1- راجع ترجمته في كتاب العبر في خبر من غبر للذهبي 3/ 296، وطبقات الشافعية للسبكي 8/ 63، وشذرات الذهب 5/ 259، والبداية والنهاية 13/ 198.

ص: 635

السَّؤول) في الباب الثاني عشر (1) 972.

2- محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي (ت 658 ه-) (2) 973: ذكر ذلك في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الخامس والعشرين (في الدلالة على جواز بقاء المهدي حيًّا) (3) 974.

3- محي الدين ابن عربي (560- 638 ه-) (4) 975: ذكر ذلك في الباب السادس والستين وثلاثمائة من كتابه (الفتوحات المكية).

4- سبط ابن الجوزي (581- 654 ه-) (5) 976: ذكر ذلك في كتابه (تذكرة الخواص) في الفصل المعقود للإمام المهدي عليه السلام (6) 977.

5- صلاح الدين الصفدي (696- 764 ه-) (7) 978: ذكر ذلك في كتابه شرح الدائرة (8) 979.


1- مطالب السؤول 2/ 152.
2- راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات 5/ 254، ومعجم المؤلفين 12/ 134، والأعلام 7/ 150.
3- البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 97.
4- ترجم له في ميزان الاعتدال 3/ 659، والوافي بالوفيات 4/ 173، وفوات الوفيات 3/ 435، ولسان الميزان 5/ 311، وشذرات الذهب 5/ 190، وجامع كرامات الأولياء 1/ 118، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 231، وسير أعلام النبلاء 23/ 48، والأعلام 6/ 281.
5- تُرجم له في شذرات الذهب 5/ 266، والأعلام 8/ 246، وميزان الاعتدال 4/ 471، ووفيات الأعيان 3/ 142، والبداية والنهاية 13/ 206.
6- تذكرة الخواص، ص 325.
7- له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى 10/ 5، وشذرات الذهب 6/ 200، والعبر في خبر من غبر 4/ 203، والبداية والنهاية 14/ 318، والأعلام 2/ 315، ومعجم المؤلفين 4/ 114، وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 87، 88 والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 19- 21 والبدر الطالع للشوكاني 1/ 243، 244.
8- عن ينابيع المودة، ص 471.

ص: 636

6- علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي (784- 855 ه-) (1) 980: ذكر ذلك في كتابه (الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر منه (2) 981.

7- محمد بن علي بن طولون (880- 953 ه-) (3) 982: نص على ذلك في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه، وهي:

عليكَ بالأئمةِ الاثني عشرْمن آل بيتِ المصطفى خيرِ البشرْ

أبو ترابٍ، حسنٌ، حسينُ وبُغضُ زينِ العابدينَ شَيْنُ

محمدُ الباقِرُ كم عِلمٍ درى والصادقَ ادْعُ جعفراً بين الورى

موسى هو الكاظمُ وابنُه علي لقِّبْه بالرضا وقَدْرُه علي

محمدُ التقيُّ قلبُه معمورُعليٌّ 99 النقيُّ دُرُّه منثورُ

والعسكريُّ الحسنُ المطهَّرُمحمدُ المهديُّ سوف يظهرُ (4) 983.

8- عبد الوهاب الشعراني (898- 973 ه-) (5) 984: ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر)، وسنذكر قريباً عبارته بنصّها. وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدس الله نفسه في كتابه (كشف الأستار) أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو المهدي المنتظر، مع اعترافه قدس سره بقلة المصادر


1- راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 5/ 8، ومعجم المؤلفين 7/ 178.
2- الفصول المهمة، ص 286، 287.
3- له ترجمة في شذرات الذهب 8/ 298، والكواكب السائرة 2/ 52، والأعلام 6/ 291، ومعجم المؤلفين 11/ 51.
4- الأئمة الاثنا عشر، ص 118.
5- ترجم له في شذرات الذهب 8/ 372، والأعلام 4/ 180، ومعجم المؤلفين 6/ 218، وجامع كرامات الأولياء 2/ 134.

ص: 637

التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنةوتفرقها في البلدان، ولعل من وقف على أكثرها يجد أضعاف هذاالعدد (1) 985.

كما أن جملة كبيرة من فضلاء الشيعة وعلمائهم قد فازوا بحمد الله وفضله بلقاء المهدي عليه السلام ومقابلته منذ ولادته عليه السلام، في عهد أبيه الإمام العسكري عليه السلام وبعد غيبته الصغرى والكبرى، وقد ذكر علماء الشيعة في مصنفاتهم روايات كثيرة عن رجال ثقات تشرَّفوا بمقابلته، حتى إن الميرزا حسين النوري رحمة الله عليه ألَّف كتاباً أسماه (جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه السلام في غيبته الكبرى)، ذكر فيه حكايات كثيرة مسندة عمن رأى الإمام المهدي عليه السلام من العلماء وغيرهم، مستدركاً به على ما ذكره العلامة المجلسي في المجلد الثاني والخمسين من موسوعته (بحار الأنوار)، الذي ذكر جملة وافرة من تلك الروايات، وقد طُبع كتاب جنة المأوى في ذيل المجلد الثالث والخمسين من هذه الموسوعة، كما طُبع مستقلًا أيضاً.

وقد اعترف بعض علماء أهل السنة برؤيته عليه السلام ولقائه، فقد قال عبد الوهاب الشعراني في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر) بعد كلام طويل: إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ ... فهناك يُترقب خروج المهدي عليه السلام، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة: سبعمائة سنة وست سنين، هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة، عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى (2) 986.


1- كشف الأستار، ص 89.
2- اليواقيت والجواهر 2/ 562. ونقل هذه الكلمة الشيخ محمد علي الصبان في كتابه إسعاف الراغبين، ص 154.

ص: 638

وأما إثبات بقاء صاحب الزمان عليه السلام بعد غيبته الطويلة فهذا له موضع آخر، وقد كفانا مؤونته بعض علماء أهل السنة الذين ذكرنا أسماءهم وغيرهم، كالكنجي الشافعي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) (1) 987 وغيرهما، وقد أثبتناه بما لا مزيد عليه في كتابنا (مسائل خلافية)، فراجعه ففيه مباحث نافعة.


1- البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 97- 111. مطالب السؤول 2/ 155- 162.

ص: 639

الخاتمة

قال الكاتب: بعد هذه الرحلة المرهقة في بيان الحقائق المؤلمة، ما الذي يجب عليَّ فعْلُه؟

هل أبقى في مكاني ومنصبي وأجمع الأموال الضخمة من البسطاء والسُّذَّج باسم الخُمس والتبرعات للمَشاهد، وأركب السيارات الفاخرة (!!) وأتمتع بالجميلات؟ أم أترك عَرَضَ الدنيا الزائل، وأبتعد عن هذه المحرمات، وأصدع بالحق- لأن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس-؟.

وأقول: لقد انكشف للقارئ الكريم أن ما سمَّاه الكاتب حقائق مؤلمة هي في حقيقتها أكاذيب مؤلمة، وافتراءات باطلة، لأن الكاتب لم يثبت لقارئه صحَّة حديث واحد احتج به، ولم يثبت له أن قصصه وحكاياته كانت صادقة.

بل قد اتَّضح للقارئ العزيز أن الكاتب لم يكن شيعيًّا، فضلًا عن أن يكون عالماً، بل هو رجل متحامل مفترٍ، وأنه كان يتصيَّد من الأحاديث ما يظن أنه يحقق بها غايته، ويصل إلى بغيته، ولكن الله قد كشف ستره، وأبدى عواره، فوقع في أخطاء فادحة، أزاحت القناع عن وجهه، فبدا واضحاً على حقيقته بحمد الله وفضله ونعمته.

ص: 640

ثم أي منصب هذا الذي ذكره الكاتب لنفسه؟

هل يعتبر الكاتبُ المكانةَ العلمية أو الاجتماعية منصباً؟

ثم إذا كان الكاتب لم يُفصح عن اسمه الحقيقي، وقرَّر البقاء في النجف والعمل فيها صابراً محتسباً ذلك عند الله كما ذكر في ص 7، فكيف ترك منصبه مع أنه بزعمه إلى الآن لا يزال يمارس كل مهامّه كعالم شيعي في الظاهر وكعدُوٍّ لهم في الباطن؟!

وإذا كان الكاتب بزعمه قد أدرك السيد علي دلدار صاحب كتاب (أساس الأصول) فإن عمره كما أسلفنا قد زاد على المائتين، ومن كان طاعناً في السن هكذا فلا مأرب له في الجميلات حتى يزعم أنه تركهن قربة إلى الله تعالى؟!

ثم إن العلماء لا دخل لهم في الأموال التي تُلقى في المشاهد المشرَّفة، وإنما تأخذها الدولة وتتصرف فيها بحسب ما تراه هي، وهذا يعرفه كل الناس، فما بال مدعي الفقاهة والاجتهاد قد غاب عنه هذا الأمر الواضح؟!

قال الكاتب: لقد عرفت أن عبد الله بن سبأ اليهودي هو الذي أَسَّسَ التشيع، وفَرَّقَ المسلمين، وجعل العداوة والبغضاء بينهم بعد أن كان الحب والإيمان يجمع بينهم، ويؤلف قلوبهم وعرفت أيضاً ما صنعه أجدادنا- أهل الكوفة- بأهل البيت، وما رَوَتْهُ كتبنا في نبذ الأئمة، والطعن بهم، وضَجَر أهل البيت من شيعتهم كما سبق القول، ويكفي قول أمير المؤمنين رضي الله عنه في بيان حقيقتهم: (لو ميزتُ شيعتي لما وجدتُهم إلا واصلة كذا، ولو امتحنتُهم لما وجدتُهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد) الكافي 8/ 338.

وعرفت أنهم يُكَذِّبون الله تعالى، فإن الله تعالى بين أن القرآن الكريم لم تعبث به

ص: 641

الأيادي، ولن تقدر لأن الله تَكَفَّلَ بحفظه، وأما فقهاؤنا فيقولون إن القرآن مُحَرَّفٌ، فيردون بذلك قول الله تعالى، فمن أُصَدِّقُ؟ أَأُصَدِّقُهُم؟ أم أُصَدِّقُ الله تعالى؟ وعرفتُ أن المتعة مُحَرَّمةٌ، ولكن فقهاءَنا أباحوها، وجَرَّتْ إباحتها إلى إباحة غيرها كان آخرها اللواطة بالمردان من الشباب!!

وعرفت أن الخمس لا يجب على الشيعة دفعه ولا إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين بل هو حِلٌّ لهم حتى يقوم القائم، ولكن فقهاءَنا هم الذين أوجبوا على الناس دفعه بإخراجه، وذلك لمآربهم- أي الفقهاء- الشخصية ومنافعهم الذاتية.

وعرفت أن التشيع قد عبثت به أيادٍ خفية هي التي صنعت فيه ما صنعت كما أوضحنا في الفصول السابقة، فما الذي يُبْقِيني في التشيع بعد ذلك؟ ولهذا ورد عن محمد بن سليمان عن أبيه قال: قلتُ لأبي عبد الله رضي الله عنه: (جُعلْتُ فداكَ، فأنا قد نبزنا نبزاً أثقل ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستَحَلَّتْ له الوُلاة دِماءَنا في حديث رواه لهم فقهاؤُهم.

قال أبو عبد الله رضي الله عنه: الرافضة؟ فقلت: نعم.

قال: لا والله ما هم سموكم به، ولكن الله سماكم به) روضة الكافي 5/ 34.

فإذا كان أبو عبد الله قد شهد عليهم بأنهم رافضة- لرفضهم أهل البيت، وأن الله تعالى سماهم به، فما الذي يبقيني معهم؟

وأقول: هذا كله ملخَّص النتائج التي يزعم أنه توصَّل إليها، وقد رددنا عليها كلها بالتفصيل، وأوضحنا ما فيها من الكذب والافتراء بما لا مزيد عليه، فلا حاجة لتكرار الجواب عليها مرة ثانية.

والكاتب قد ذكر إلى هنا عدة نقاط دعته إلى التخلي عن مذهب الشيعة الإمامية، مع أن جملة منها لا يستدعي هذا التحول المزعوم، مثل فتوى الفقهاء بوجوب دفع الخمس في عصر الغيبة، وقولهم بتحريف القرآن وإباحتهم المتعة

ص: 642

وغيرها، لأنه إذا كان فقيهاً كما يزعم فيمكنه أن يفتي بسقوط الخمس عن الشيعة في زمن الغيبة كما أفتى بذلك بعض فقهاء الشيعة، كما أنه يمكنه ألا يقول بتحريف القرآن كما عليه عامة فقهاء الشيعة كما أوضحناه فيما تقدم.

قال الكاتب: وعن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم) رجال الكشي ص 253 ترجمة ابن كذا الخطاب، لماذا يبدأ بكذابي الشيعة فيقتلهم؟

يقتلهم قبل غيرهم لقباحة ما افتروه وجعلوه ديناً يتقربون به إلى الله تعالى به كقولهم بإباحة المتعة واللواطة، وقولهم بوجوب إخراج خمس الأموال، وكقولهم بتحريف القرآن، والبداء لله تعالى، ورجعة الأئمة، وكل السادة والفقهاء والمجتهدين يؤمنون بهذه العقائد وغيرها، فمن منهم سينجو من سيف القائم- عَجَّلَ الله فَرَجَه-؟؟!!

وأقول: بعد الغض عن سند هذا الحديث والتسليم به، فإن الكاتب حمَّل الحديث فوق ما يحتمله، وفسَّره بحسب ما يحب.

والشيعة اسم عام يعم الشيعة الإمامية والإسماعيلية والزيدية وغيرهم، كما يعم من انتحل التشيع كذباً ثم انحرف عن خط أهل البيت عليهم السلام كأبي الخطاب والمغيرة بن سعيد وأحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي العزاقر وغيرهم من المنحرفين الذين يدَّعون التشيع لأهل البيت عليهم السلام، وأهل البيت منهم برآء، ولهذا أورد الكشي هذا الخبر تحت عنوان (ما روي في محمد بن أبي زينب ...)، المعروف بأبي الخطاب الذي تنتسب إليه الفرقة التي سُمِّيت بالخطابية، وقد وردت أحاديث عن الإمام الصادق عليه السلام بلعنه والدعاء عليه بأن يذيقه الله حر الحديد.

ففي معتبرة جعفر بن عيسى بن عبيد وأبي يحيى الواسطي، قال: قال أبو

ص: 643

الحسن الرضا عليه السلام: كان بنان يكذب على علي بن الحسين عليه السلام، فأذاقه الله حرَّ الحديد، وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر عليه السلام، وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد الله عليه السلام، فأذاقه الله حرَّ الحديد، والذي يكذب عليَّ محمد بن فرات ( (1) 988).

فالكذابون إذن هم الذين ادَّعوا على الأئمة عليهم السلام كذباً أنهم وكلاؤهم أو سفراؤهم، أو غالوا فيهم، أو نسبوا إليهم عليهم السلام أباطيل وأضاليل يريدون بها تضليل الشيعة وإفساد الشريعة، فلعنهم الأئمة عليهم السلام وحكموا بكفرهم وتبرؤوا منهم.

هؤلاء هم الكذَّابون المعنيون في الحديث، لا رواة أحاديث الأئمة عليهم السلام الذين تلقوا عنهم علومهم، وأخذوا بأقوالهم، وشايعوهم في السِّر والعلانية، فهؤلاء هم شيعتهم الذين مدحوهم في أحاديثهم التي ذكرنا بعضاً منها في مدح زرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي وأبي بصير وغيرهم من أجلاء الرواة، والأحاديث المروية في مدحهم ومدح غيرهم كثيرة.

وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض أحاديث أهل السنة، فقد أخرج أبو يعلى في مسنده عن أبي الجلاس، قال: سمعت عليًّا يقول لعبد الله السبائي: ويلك، والله ما أفضى إليَّ بشي ء كتمه أحداً من الناس، ولكن سمعته يقول: (إن بين يدي الساعة ثلاثون كذَّاباً)، وإنك لأحدهم ( (2) 989).

والأحاديث الناصَّة على الكذابين الثلاثين كثيرة في مصادر أهل السنة، مع أن الكذابين كثيرون كما تشهد بذلك كتب الرجال والتراجم والسِّيَر، وبقرينة عَدِّ الدجال والأسود العنسي ومسيلمة منهم، ووصفهم في بعض الأحاديث بأنهم كلهم يدعي النبوة، يفهم أن المراد بالكذابين هم المنتحلين أموراً عظيمة كالنبوة أو الذين يضللون فئات كثيرة من الناس كالدجَّال وغيره، لا الرواة الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم كثيرون جداً، لا ثلاثون فقط.


1- اختيار معرفة الرجال 2/ 591.
2- مسند أبي يعلى 1/ 218. مجمع الزوائد 7/ 333، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات.

ص: 644

وأما أن القائم يبدأ بالكذابين من الشيعة أولًا فيقتلهم، فيرجع سببه إلى أن كذب هؤلاء أقبح من كذب غيرهم، لأن الكذب على المذهب الحق أشنع من الكذب على المذاهب الباطلة، ولأنه قد ورد في بعض الأخبار أن القبيح من غير الشيعة قبيح ومن الشيعة أقبح، لمكان الشيعة من أهل البيت عليهم السلام.

ولا يخفى أن الحديث لا يدل بأية دلالة على أن أهل السنة أو غيرهم لا كذاب فيهم، أو أن كتبهم خالية من الكذب، أو أن عقائدهم كلها صحيحة، لأن الحديث لم يكن في صدد البيان من هذه الناحية كما هو واضح.

قال الكاتب: وعن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: (ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن يَنْتَحِلُ التَّشَيُّع). رجال الكشي ص 254 أبي الخطاب.

صدق أبو عبد الله بأبي هو وأمي، فإذا كانت الآيات التي نزلت في المنافقين منطبقة على مَن ينتحل التشيع، فكيف يمكنني أن أبقى معهم؟؟.

وهل يصح بعد هذا أن يدَّعوا أنهم على مذهب أهل البيت؟؟. وهل يصح أن يدَّعوا محبة أهل البيت؟.

وأقول: سند هذه الرواية هو: خالد بن حماد، قال: حدثني الحسن بن طلحة، رفعه عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن يزيد الشامي.

وهي رواية مرفوعة كما هو واضح، مضافاً إلى أن هذا الحديث اشتمل على مجموعة من المجاهيل، فإن خالد بن حماد والحسن بن طلحة وعلي بن يزيد الشامي مُهمَلون، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال، ومحمد بن إسماعيل مشترك لا يُعرَف من هو.

والنتيجة أن سند هذه الرواية مظلم جداً، فكيف عوَّل الكاتب على مثل هذه

ص: 645

الرواية الضعيفة جداً؟

ثم إن المراد بمن انتحل التشيع يعني من ادَّعاه وهو ليس من الشيعة.

قال المجلسي قدس سره في (بحار الأنوار):

تبيان: (من ينتحل التشيع) أي يدَّعيه من غير أن يتَّصف به، وفي غيرالكافي: (انتحل). في القاموس: (انتحله وتنحله: ادَّعاه لنفسه وهو لغيره) (1) 990.

قلت: إن وجود منافقين فيمن يدَّعي التشيع لا يعني أن الشيعة كلهم منافقون، كما أن وجود منافقين فيمن صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم أن يكونوا كلهم منافقين، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

والعجيب أن الكاتب تمسَّك بهذا الحديث الضعيف لتضليل الشيعة كلهم، لدلالته على أن آيات المنافقين تنطبق على بعض من يدَّعي التشيع، وتغاضى في نفس الوقت عن الآيات القرآنية التي نزلت في منافقين يدَّعون الصحبة، فلم يرَ فيها أي غضاضة على كل الصحابة ولا على بعضهم.

وما عشت أراك الدهر عجباً!!

قال الكاتب: لقد عرفتُ الآن أجوبةَ تلك الأسئلة التي كانت تحيرني وتشغل بالي.

وأقول: لقد اتضح للقارئ العزيز أن الكاتب جمع حقائقه من أحاديث ضعيفة وأخرى مختلقة، وأخرى لم يفهمها على وجهها، ورابعة لم يحسن الجمع بينها وبين ما يعارضها، فأخذ بإحدى الطائفتين المتعارضتين من دون مرجِّح صحيح، فكان أخذه بالأحاديث أخذاً انتقائيًّا موافقا للتوجُّه والهوى، فأية حقائق هذه التي توصل إليها


1- بحار الأنوار 70/ 98.

ص: 646

هذا الكاتب المدَّعي للفقاهة والاجتهاد؟!

ومما ينبغي بيانه في هذا المقام أن مدَّعي الاجتهاد لم يثبت لقارئه صحة مذهب أهل السنة الذي انقلب إليه، فإنا لو سلَّمنا بكل مزاعمه وأقررنا ببطلان مذهب الشيعة الإمامية فإن ذلك لا يثبت صحة مذهب أهل السنة، إذ لعل الحق في مذهب ثالث غيرهما، وهذه فجوة عظيمة لم يلتفت إليها الكاتب الذي جعل انتقاداته على مذهب الشيعة دليلًا على صحة مذهب أهل السنة.

قال الكاتب: بعد وقوفي على هذه الحقائق وعلى غيرها، أخذتُ أبحثُ عن سبب كوني وُلِدتُ شيعياً، وعن سبب تَشَيُّع أهلي وأقربائي، فعرفت أن عشيرتي كانت على مذهب أهل السنة، ولكن قبل حوالي مئة وخمسين سنة جاء من إيران بعض دعاة التشيع إلى جنوب العِراق، فاتصلوا ببعض رؤساء العشائر، واستغلوا طيب قلوبهم، وقلة علمهم، فخدعوهم بِزُخْرُفِ القول، فكان ذلك سبب دخولهم في المنهج الشيعي، فهناك الكثير من العشائر والبطون تَشَيَّعَتْ بهذه الطريقة بعد أن كانت على مذهب أهل السنة.

ومن الضروري أن أذكر بعض هذه العشائر أداءً لأَمانة العلم:

فمنهم بنو ربيعة، وبنو تميم، والخزاعل، والزبيدات، والعمير وهم بطن من تميم، والخزرج، وشمرطوكة الدوار، والدفافعة، وآل محمد وهم من عشائر العمارة، عشائر الديوانية وهم آل أقرع وآل بدير وعفج والجبور والجليحة، وعشيرة كعب، وبنو لام وغيرها كثير.

وهؤلاء العشائر كلهم من العشائر العراقية الأصيلة المعروفة في العراق، وهم معروفون بشجاعتهم وكرمهم ونخوتهم، وهم عشائر كبيرة لها وزنها وثقلها ولكن مع الأسف تَشَيَّعوا منذ أكثر من مائة وخمسين سنة بسبب مَوجات دُعاة الشيعة الذين

ص: 647

وَفدوا إليهم من إيران، فاحتالوا عليهم، وشَيَّعوهم بطريقة أو بأخرى.

وأقول: هذه الأمور كلها لا تهمنا ولا ترتبط بمعتقدنا من قريب أو بعيد، وسواء أكانت هذه القبائل شيعية من أصلها وبقيت على تشيعها، أم كانت سنية فاستبصرت وصارت شيعية، فإن هذا أمر يرجع لاختيارها، وكل امرئ مرهون بعمله، ومسؤول عن معتقده.

قال الكاتب: ونسيت هذه العشائر الباسلة- رغم تشيعها- أَن سيف القائم ينتظر رقابهم ليفتك بهم كما مر بيانه، إذ أن الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم سيقتل العرب شر قتلة رغم كونهم من شيعته، وهذا ما صَرَّحَت به كُتبنا- معاشر الشيعة- فلتنتظر تلك العشائر سيف القائم ليفتك بها!!

وأقول: لقد أوضحنا فيما مرَّ من هم الذين سيقتلهم الإمام المنتظر عليه السلام ومن هم أنصاره وأعوانه، ولا ريب في أن شيعته ومواليه هم أسعد الناس به، فراجع ما قلناه فيما تقدم لئلا نتجشم عناء الإعادة والتكرار.

قال الكاتب: لقد أخذ الله تعالى العهد على أهل العلم أن يبينوا للناس الحق، وها أنا ذا أبينه للناس، وأوقظ النيام، وأنبه الغافلين، وأدعو هذه العشائر العربية الأصيلة أن ترجع إلى أصلها، وألا تبقى تحت تأثير أصحاب العمائم الذين يأخذون منهم أموالهم باسم الخُمس والتبرعات للمشاهد، ويعتدون على شرف نسائهم باسم المتعة، وكل من الخُمس والمتعة مُحَرَّمٌ كما سبق بيانه، وأدعو هذه العشائر الأصيلة لمراجعة تاريخها وتاريخ أسلافها لَيَقِفُوا على الحقيقة التي طَمَسَها الفقهاء والمجتهدون

ص: 648

وأصحاب العمائم حِرْصاً منهم على بقاءِ منافِعِهم الشخصية. وبهذا أكون قد أَدَّيْتُ جزءاً من الواجب.

وأقول: ونحن بدورنا أيضاً ندعو كل منصف لقراءة ما كتبناه في الرد على هذا الكاتب المدلِّس نفسه في الشيعة، والمدّعي لنفسه الفقاهة والاجتهاد وهو بعيد عنهما كما تبيَّن ذلك بجلاء ووضوح للقارئ الكريم، ليرى القارئ أن كل إشكالات أهل السنة في نقد المذهب الشيعي الإمامي ما هي إلا خيالات واهية، وأكاذيب زائفة، وتلفيقات مفضوحة، وأنهم لم يسلكوا في محاولاتهم اليائسة لإبطال المذهب الشيعي طريق البحث الصحيح والأمانة العلمية، بل سلكوا المسالك المحرَّمة، وانتهجوا الطرق المريبة، فاختلقوا ما شاؤوا من الأكاذيب والأباطيل، وحرَّفوا النصوص وزوَّروها، حتى رموا آخر سهم في كنانتهم، وقذفوا آخر حجر في جعبتهم، ولكن الله سبحانه قد ردَّ كيدهم إلى نحورهم، فباؤوا بالخيبة والخذلان، ورجعوا بالهزيمة والخسران.

وإذا كان الكاتب يعلم أن الله سبحانه قد أوجب على العلماء أن يبيِّنوا الحق، فلا أدري كيف يتأتّى له أن يُظهِر الحق وهو متستِّر بالتقيَّة الشديدة، ومتكتِّم بهذا النحو من الكتمان؟!

ألا يرى أن من الواجب عليه أن يفصح عن نفسه ويجهر بدعوته، ويجادل علماء الشيعة ويحاورهم في المسائل التي أنكرها من مذهبهم؟!

لقد لاحظ القارئ العزيز أن الكاتب في كل كتابه لم يذكر أية مناقشة ولو مع عالم واحد من العلماء الذين ادَّعى أنه التقى بهم، وإنما كان يقتصر على طرح الأسئلة التي يظهر فيها بمظهر المستفهم المستفيد.

فأين كان وجوب بيان الحق وإظهاره الذي أخذه الله على العلماء؟

ص: 649

قال الكاتب: اللهم أسألُك بمحبتي لنبيك المختار، وبمحبتي لأهل بيته الأطهار أن تضع لهذا الكتاب القبول في الدنيا والآخرة، وأن تجعله خالصاً لوجهك الكريم، وأن تنفع به النفع العميم، والحمد لله من قبلُ ومن بعدُ.

وأقول: لقد حصحص الحق وبان جليًّا لكل ذي عينين، وانكشفت أكاذيب هذا الكاتب وافتراءاته وتدليساته، وتضارب كلامه، وضعف استدلالاته، وتشويهه للحقائق، وهتكه ظلماً وزوراً لبعض العلماء والأفاضل، وغير ذلك مما مرَّ تفصيله.

فهل يرتجي بعد هذا كله أن يتقبل الله منه هذا الكتاب الذي صار عاراً عليه في الدنيا ووبالًا له في الآخرة؟!

نسأل الله سبحانه أن يجعل ما كتبناه في ميزان أعمالنا وأن يكون عنده مرضياً مقبولًا، إنه يتقبل اليسير، ويعفو عن الكثير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 650

ملاحظات ونتائج مستَخلَصة

من خلال قراءتنا لكتاب (لله ثم للتاريخ) خرجنا بملاحظات مهمة ونتائج قيِّمة، ولنا أن نوضحها ببيان عدة أمور:

أولًا: بيان هوية الكاتب السُّنية:

لقد وقع الكاتب في سقطات واضحة كشفت أنه لم يكن واحداً من الشيعة، ولا عالماً من علمائهم.

وقد ظهر ذلك من خلال عدة ملاحظات:

1- أن الكاتب قد ردَّد في كل كتابه كلمة (السَّادة)، وأراد بها علماء الشيعة، ولهذا لم يصف واحداً من العلماء أو الفضلاء الذين ذكرهم في كتابه ب- (الشيخ)، وأطلق على كل واحد منهم لفظ (سيّد).

فقد وصف الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره بأنه سيِّد، في الصفحات 3، 5، 9، 32، 52، 53، 54 وغيرها، وذكر اسمه تارة صحيحاً كما في ص 5، وتارة مغلوطاً كما في ص 3، حيث قال: محمد آل الحسين كاشف الغطاء.

ووصف أحمد الكاتب في ص 6 بأنه سيِّد، بينما هو عار عن السيادة والانتساب

ص: 651

إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما شرّكه في السيادة مع السيد موسى الموسوي في ص 6، وكرَّر الخطأ نفسه في ص 7.

ووصف الميرزا علي الغروي قدس سره في ص 7، 21 بأنه سيَّد مع أنه ليس من نسل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ووصف الشيخ محمد جواد مغنية في ص 9، 13 بأنه سيِّد، مع أنه معروف بأنه شيخ.

وذكر في ص 48 الشيخ لطف الله الصافي، ووصفه بأنه سيِّد، مع أنه ليس من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو معلوم.

وذكر في ص 52 الشيخ أحمد الوائلي، ووصفه بأنه سيّد، مع أنه ليس من ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو معروف.

وفي ص 105 وصف شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره بأنه سيَّد، كما وصف الشيخ حسين الكركي العاملي رحمه الله بأنه الشيخ الثقة السيد.

وهذه السقطات وغيرها كلها تدل على أن الكاتب بعيد عن الجو الشيعي وعن معرفة العلماء، وأن معلوماته لا تعدو كونها مسموعات مشوَّشة.

2- أنه ذكر في ص 20 أنه كان يقرأ أصول الكافي على السيّد الخوئي، مع أن قراءة كتب الأحاديث ليست من مناهج الدراسة في الحوزة العلمية.

والظاهر أنه ذكر ذلك قياساً على ما هو متعارف في الدراسة الدينية السُّنّية التي يقرأ فيها طالب العلم كتب الأحاديث المشهورة عندهم.

وقد تكرر منه هذا الخطأ في ص 31 حيث قال: عندما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مرَّ عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام.

3- أنه في ص 20 صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكيفية: (صلى الله عليه وسلم وآله)، وهذه الكيفية لا تصدر من شيعي قط، وإنما تصدر ممن لم يحفظ كيفية الصلاة

ص: 652

الصحيحة عند الشيعة.

وفي نفس الصفحة صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين صلاةً بتراء، أعني (صلى الله عليه وسلم).

وفي ص 23 سلَّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصلِّ عليه، فقال: (إذ دخل عليها- أي الزهراء عليها السلام- أبوها عليه السلام).

وفي الصفحات 20، 22، 24، 30 وغيرها كثير كرر قوله: (رسول الله صلوات الله عليه)، مع أن الشيعي العامي فضلًا عن طالب العلم أو من يدّعي الاجتهاد لا يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجرداً عن ذكر الآل.

4- أنه ذكر في ص 34 أن علماء الحوزة في النجف وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بالنساء رغبة في الثواب ...

وهذا التعبير لا يصدر من شيعي، لأنه لا يوجد عند الشيعة علماء حسينيات وعلماء مشاهد الأئمة عليهم السلام.

5- أنه أكثر الترضي على أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتابه، كما في الصفحات 10، 11، 12، 13، 14، 16، 15، 18، 19، 20، 21، 22، 23، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 33 وغيرها كثير.

إلا أن الترضي في الطبعات الأخيرة من كتابه قد استُبدل بالتسليم.

لا يقال: إن الكاتب إنما يترضى على الأئمة الأطهار عليهم السلام من أجل أنه لا يرى جواز التسليم على غير الأنبياء عليهم السلام كما عليه جمع من علماء أهل السنة.

لأنا نقول: إن ذلك مردود بأن الكاتب نفسه صلَّى وسلَّم على آل البيت عليهم السلام في كتابه مكرَّراً، فقال في ص 14: (إذ تذكر لنا تذمُّر أهل البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم ... وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام).

وقال في ص 17: (وقالت فاطمة الصغرى عليها السلام ...).

ص: 653

وقال في ص 22: روى الطوسي عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام.

وقال في ص 25: إن سيدنا ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم ...

وقال في ص 32: واعلم أن أكثر من تَعَرَّضَ للطعن وللغمز واللمز الإمامان محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام وعلى آبائهما ...

وقال في ص 35: ودرجة الحسن وعلي والنبي عليهم السلام جميعاً لا يبلغها أحد مهما سما وعلا إيمانه.

6- أنه قال في ص 31: (علي بن جعفر الباقر)، وكل شيعي يعرف أن الإمام الباقر عليه السلام هو محمد بن علي، وأن الإمام جعفراً عليه السلام هو الصادق.

7- في ص 98 أطلق على كتب الحديث الشيعية المعروفة: (الصِّحاح الثمانية)، وفي ص 100 قال: (إن صحاحنا طافحة بأحاديث زرارة)، وقال: (ومن راجع صحاحنا وجد مصداق هذا الكلام)، وقال في ص 102: (قلت: أحاديثه في الصِّحاح كثيرة جداً) مع أن علماء الشيعة أطبقوا على عدم تسمية كتبهم الحديثية صحاحاً، فخالفوا بذلك أهل السنة الذي قسَّموا كتبهم إلى صحاح وغيرها.

8- في ص 98 أطلق الكاتب على مؤمن الطاق (شيطان الطاق)، وهو اللقب الذي ينبزه به العامَّة دون الخاصة.

9- في صفحة 115 قال: (لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى بجواز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات).

مع أنه من البديهي عند الشيعة أن صلاة الجمعة لا تُقام في حسينية.

والحاصل أن كل هذه الأمور وغيرها تؤكِّد بوضوح هويَّة الكاتب السُّنّية، وتنفي أن يكون شيعياً عاش في الحوزة ودرس فيها، فضلًا عن أن يكون عالماً من علمائها.

ص: 654

ثانياً: أن الكاتب ليس فقيهاً مجتهداً:

كل قارئ واعٍ يستنتج من خلال تأمله في كتاب (لله ثم للتاريخ) أن كاتبه ليس عالماً فاضلًا، فضلًا عن أن يكون فقيهاً مجتهداً، ويدل على ذلك أمور:

1- أن الكاتب لم يُثْبِت لنا اجتهادَه إلا بمجرد الادِّعاء بأن الشيخ كاشف الغطاء قد أجازه بالاجتهاد، وبالدعاوى لا تثبت الأمور، ولا يمكن التسليم له بها، فإن المدَّعين كثيرون، والمهم هو إثبات الادِّعاء بالأدلة الصحيحة.

هذا مع أن الإجازة لا تجعل غير المجتهد مجتهداً، ولا تصير العامي فقيهاً وإن كانت قد تكشف أحياناً عن اجتهاد الحاصل على الإجازة، ولهذا سمعنا عن مراجع تقليد لا يُشَك في اجتهادهم، ولكنهم مع ذلك لا يحملون أية إجازة.

2- أن حوادث كثيرة نقلها الكاتب- بزعمه- تدل على أنه كان مجرد سائل لا مجتهداً، فقد قال في ص 9: وسألت السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال: إن ابن سبأ خُرافة وضعها الأمويون والعباسيون ...

وفي ص 26 قال: لما سألتُ الإمام الخوئي عن قول أبي عبد الله للمرأة بتولي أبي بكر وعمر، قال: إنما قال لها ذلك تَقِيَّة!!

وفي ص 42 قال: سألتُ الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر، وعن قول أبي عبد الله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وآله؟

وفي ص 80 قال: وقد سألت مولانا الراحل الإمام الخوئي عن الجفر الأحمر، من الذي يفتحه؟ ودم مَن الذي يُراق؟

وغيرها كثير وكثير .. ولا نجده يدَّعي ولو مرة واحدة بأنه ناقش الخوئي أو غيره، مع أن تلامذة الخوئي كانوا يناقشونه في آرائه، والكاتب- لو سلَّمنا بصحة

ص: 655

حكاياته- كان يسأل ويسكت ساخطاً متذمِّراً، وليس هذا دأب المجتهدين الذين حازوا رتبة الاجتهاد (بتفوق) كما يزعم.

3- أن الكاتب يحتج بكل حديث يقع تحت نظره، من غير تفريق بين الحديث الصحيح والضعيف، فلا تجده في كل كتابه يصف حديثاً واحداً بأنه صحيح، أو ضعيف، أو حسن، أو موثّق.

ومعرفة الأحاديث واعتبارها أول آلات الاجتهاد، فإن من لا يميِّز بين المعتبر من الأحاديث وغيره كيف يتأتى له أن يستنبط الأحكام الشرعية من الأحاديث المروية؟

4- أن الكاتب في كل استنتاجاته التي وصل إليها قد أخذ ببعض الأحاديث، ورتّب عليها النتائج، من دون نظر في الأحاديث الأخرى المعارضة لها ومحاولة الجمع بينها وترجيح بعضها على بعض.

والجمع بين الأخبار أو ترجيح بعضها من أهم آلات الاستنباط التي لا يستغني عن معرفتها فقيه، فمع عدم الالتفات إليها كيف يصح استنباطه واستدلاله؟!

5- أن الكاتب قد وقعت منه أغلاط كثيرة جداً لا يقع فيها الفقهاء المجتهدون.

منها: أنه في كل كتابه لم يميِّز بين الشيخ والسيِّد كما مرَّ بيانه، وأنه يطلق على العلماء (سادة) حتى لو لم يكونوا منتسبين للذرية الطاهرة.

ومنها: أنه في ص 10 أسمى كتاب الكشي: (معرفة أخبار الرجال)، مع أن اسمه (اختيار معرفة الرجال)، وهذا لا يخفى على صغار طلبة العلم فضلًا عن العلماء.

ومنها: أنه في ص 13 نسب كتاب (جامع الرواة) للمقدسي الأردبيلي، مع أنه لمحمد بن علي الأردبيلي الحائري.

ص: 656

ومنها: أنه في ص 13 ذكر من ضمن المصادر التي ذكرتْ عبد الله بن سبأ (التحرير للطاووسي)، مع أنه (التحرير الطاووسي) للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني صاحب المعالم.

ومنها: أنه في ص 13 أمر قارئه بالنظر في كتب من جملتها كتاب (حل الإشكال) للسيد أحمد بن طاووس، مع أن هذا الكتاب لا وجود له في هذه الأزمان.

ومنها: أنه في ص 13 وصف السيد مرتضى العسكري بأنه من الفقهاء، والسيد العسكري ليس معروفاً بالفقاهة، وإن كان معروفاً بكونه باحثاً محققاً متتبعاً.

ومنها: أنه أسمى ابن أبي يعفور بابن أبي اليعفور (بالألف واللام) في ص 49، 79، وفي ص 50 قال: إن رواية أبي اليعفور.

والخطأ المتكرر في اسم هذا الراوي لا يُتوقَّع حدوثه من فقيه عرف الرجال وضبط أسماءهم.

ومنها: أن الكاتب يظن أن الحوزة هي بناء من أبنية النجف الأشرف أشبه ما يكون بحرم جامعي فيها، وهذا واضح في كلماته.

فقد قال في ص 52: (كنا أحد الأيام في الحوزة، فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد، وسيصل إلى الحوزة ... ولما وصل النجف زار الحوزة).

وقال في ص 55: (ضُبِطَ أحدُ السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد).

وقال في ص 70: (وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العُظْمَى الإمام الخميني في المسألة، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة عام 1389 ه-).

مع أن الحوزة ليست كذلك، بل هي نظام الدراسة المتَّبع في النجف، فمن يقول: (درستُ في الحوزة)، يريد أنه درس العلوم الدينية المتعارفة، سواءاً أكانت

ص: 657

دراسته في مسجد أو منزل أو مدرسة، فإن النجف الأشرف كلها حوزة.

ومنها: أنه في ص 65 نسب كتاب (ضياء الصالحين) إلى السيّد الخوئي، مع أنه كتاب معروف في الأدعية والزيارات للحاج محمد صالح الجوهر، وكتاب السيّد الخوئي هو (منهاج الصالحين)، ولكثرة مزاولة الناس للكتابين المذكورين لا يُتصوَّر خطأ العوام فيهما فضلًا عن طلبة العلم.

ثالثاً: عدم وثاقة الكاتب في نقولاته وحكاياته:

لقد وقع الكاتب في سقطات كبيرة أفقدته مصداقيته ووثاقته، فصارت كل قصصه وحكاياته التي ذكرها في كتابه وادَّعى فيها المشاهدة غير موثوق بها.

منها: أنه ادَّعى في ص 107 أنه زار الهند والتقى بالسيد دلدار علي فأهداه نسخة من كتابه (أساس الأصول)، مع أن السيد دلدار علي رضوان الله عليه توفي سنة 1235 ه-، أي قبل كتابة (لله ثم للتاريخ) ب- 185 سنة، فكيف تأتّى للكاتب أن يلتقي به في ذلك الوقت؟!

ومنها: أنه افترى أحاديث لا وجود لها ونسبها للكتب الشيعية المعروفة، وحرَّف بعضاً آخر، وبتر قسماً ثالثاً منها كما مرَّ، وستأتي الإشارة إليها في خياناته العلمية.

ومنها: أنه ذكر في ص 37 أنه جلس مع السيد الخوئي في مكتبه، فدخل شابان عندهما مسألة ...

مع أن السيد الخوئي قدس سره ليس عنده مكتب في النجف، وإنما كان يستقبل الناس في منزله البراني، وهو معروف في محلة العمارة في النجف الأشرف.

وكرر مثل هذا الخطأ في ص 52 حيث قال: (وفي جلسة له في مكتب السيد آل

ص: 658

كاشف الغطاء ...)، ومن المعلوم أن الشيخ كاشف الغطاء لا يوجد عنده مكتب يستقبل الناس فيه، بل كان يستقبلهم في مدرسته بحي العمارة في النجف الأشرف، وهذا لا يخفى على من خالط الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره وتتلمذ على يديه.

فإذا كانت هذه حاله فكيف يمكن الوثوق بنقله فيما لا شاهد عليه إلا مجرد نقله وادَّعائه المشاهدة؟

رابعاً: كشف المنهج غير العلمي للكاتب:

ويمكن تلخيص منهج الكاتب في كتابه في أمور:

1- أنه لم ينقّح الأحاديث، فيحتج بالصحيح منها دون الضعيف، بل تتبّع الأحاديث الضعيفة المروية في كتب الشيعة التي رواها الضعفاء والمجاهيل فاحتج بها، مع أنه من البديهي أن الحديث الضعيف لا يعوَّل عليه ولا يحتج به.

2- أنه اعتبر مضامين الأحاديث التي ساقها عقائد للشيعة، مع أن الشيعة لا يعتقدون بمضمون كل حديث مروي في كتبهم، لأن منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو معارَض بغيره، والعقائد إنما تُعرف من نص أساطين الطائفة عليها في كتبهم المعروفة، لا من أحاديث ضعيفة متناثرة.

3- أنه احتج بكل حديث رآه ومن أي كتاب تلقّاه، بغض النظر عن كون الكتاب معتبراً أو لا، وكون كاتبه له ثقل علمي أو لا.

4- أنه لم ينقض عقائد الشيعة المذكورة في كتبهم المعدَّة لبيان عقائد الإمامية، وإنما حاول أن يتصيَّد من الكتب ما يشنَّع به على الشيعة، ولم ينقل من أقوال العلماء الذين يُعوّل عليهم في هذا الشأن، وإنما نقل كل ما يستعين به على تحقيق غرضه

ص: 659

والوصول به إلى غايته.

خامساً: بيان خيانات الكاتب العلمية:

وهي كثيرة جداً، وعلى عدة أنحاء مختلفة:

النحو الأول: اختلاق أحاديث لا وجود لها في كتب الشيعة.

وقد وقع ذلك منه في عدة موارد:

منها: ما ذكره في ص 33 عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل المتعة وثوابها. وهو قوله: (مَنْ تَمَتَّعَ بامرأة مؤمنة كأنما زارَ الكعبةَ سبعين مرة)، ولم يذكر الكاتب مصدراً لهذه المقولة التي لا أثر لها في كتب الشيعة.

ومنها: ما ذكره ص 33 أيضاً عن الصادق عليه السلام أنه قال: (إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا، ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا)، وعزاه إلى كتاب من لا يحضره الفقيه 3/ 366، وهي مقولة لا توجد لا في هذا الكتاب ولا في غيره.

النحو الثاني: تقطيع الأحاديث بما يُلائِم الغرض.

وقد حصل منه ذلك في عدة موارد:

منها: أنه ذكر في ص 18 حديثاً فيه بيان تسمية الشيعة بالروافض، جاء فيه قول الصادق عليه السلام: (لا والله ما هم سمَّوكم .. ولكن الله سمَّاكم به) الكافي 5/ 34.

فقطع الكاتب ذيل الحديث ليوهم القرَّاء أن الحديث كان مسوقاً لذمِّ الشيعة مع أنه مسوق لمدحهم.

ومنها: أنه ذكر في ص 22 قضية المرأة التي اتهمت الشاب الأنصاري بأنه زنا بها، وفيها: (فقام علي فنظر بين فخذيها، فاتَّهَمَها) بحار الأنوار 4/ 303.

ص: 660

مع أن الوارد في المصدر المذكور هو: (فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها، فاتهمها أن تكون احتالت لذلك ...).

ومنها: أنه ذكر حديثاً في ص 26 جاء فيه حثّ الإمام لأم خالد على تولي أبي بكر وعمر، فقطع الكاتب ذيل الحديث الدال بوضوح على أن الإمام عليه السلام إنما قال ذلك تقية.

ومنها: أنه في صفحة 45 نقل ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (إني حرَّمتُ عليكما المتعة)، وبتر ذيل الحديث الدال على عدم حرمة المتعة، وهو قوله: (مِنْ قِبَلي ما دمتما بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول عليَّ، فأخاف أن تؤخَذا، فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر).

ومنها: أنه في ص 58 ذكر حديثاً جاء فيه: (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك)، مع أن الوارد في الحديث هو قوله: (ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم)، على ما رواه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، والشيخ الطوسي في (الاستبصار)، فحذف الكاتب كلمة (اليوم) منه ليوهم القارئ أن الإمام عليه السلام قد أباح الخمس للشيعة مطلقاً، لا أن الإباحة كانت مخصوصة بوقت خاص.

النحو الثالث: نقل النصوص بالمعنى محرَّفة:

فإنه أكثر من نقل نصوص بالمعنى مشوهة ومحرَّفة، ولو نقلها بلفظها لما دلَّت على مطلوبه.

وقد صنع ذلك في عدة موارد:

منها: أنه في ص 37 نقل فتوى السيد الخميني عليه الرحمة في تحرير الوسيلة بهذا النص: (لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضَمًّا وتفخيذاً- أي يضع ذَكَرَهُ بين فخذيها- وتقبيلا).

مع أن نص المسألة المشار إليها هو: مسألة 12- لا يجوز وطء الزوجة قبل

ص: 661

إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة ... الخ.

وبين النصين بون شاسع أوضحناه في محله.

ومنها: أنه نقل في ص 106 أن الشيخ الطوسي قال في كتاب العدة: (إن أحاديث كتاب تهذيب الأحكام أكثر من 5000 حديث)، مع أن الشيخ لم يقل ذلك، وإنما قال: إنه ذكر في التهذيب والاستبصار أكثر من خمسة آلاف حديث من الأحاديث المختلفة.

النحو الرابع: اختلاق حكايات باطلة حول مراجع التقليد.

وهي كل حكاياته التي ذكرها في كتابه، فإنها غير صحيحة جملة وتفصيلًا، وقد أوضحنا زيفها في محلها بما لا مزيد عليه.

النحو الخامس: نسبة أقوال باطلة إلى أعيان المذهب.

وقد وقع منه ذلك في عدة موارد:

منها: أنه في ص 28 نقل عن السيد الخوئي أنه علق على حديث زرارة في التشهد بقوله: (لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة)، مع أن الخوئي في معجم رجال الحديث وصف الرواية المذكورة بأنها تافهة وساقطة وغير مناسبة لمقام زرارة وجلالته، ومقطوع بفسادها.

ومنها: ما جاء في ص 38، حيث قال: وعلّق الطوسي على ذلك بقوله: إنه لم يُرِدْ من ذلك النكاح الدائم، بل أراد منه المتعة.

مع أن الطوسي لم يقل ذلك، بل قال: (فإن هذا الخبر ليس فيه المنع من المتعة إلا ببينة، وانما هو منبئ عما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم ما تزوَّجوا إلا ببينة، وذلك هو الأفضل ...).

ومنها: أنه في ص 82 قال: (قال الإمام الخوئي في وصيَّته لنا وهو على فراش

ص: 662

الموت عندما أوصانا كادر التدريس في الحوزة: عليكم بهذا القرآن حتى يظهر قرآن فاطمة).

مع أن السيِّد الخوئي قدس سره لم يمرض قبل موته حتى يوصي وهو على فراش المرض، وإنما مات فجأة، وهذا يعرفه كل من كان محيطاً بالسيِّد، بل يعرفه غيرهم أيضاً.

ومنها: أنه في ص 90 نقل عن السيد نعمة الله الجزائري أنه قال: (إن عمر كان مصاباً بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال)، مع أن هذا الكلام ليس من كلام السيّد، وإنما نقل السيِّد عن بعض أعلام أهل السنة عبارة ليست بهذا القبح والشناعة.

ومنها: أنه في ص 91 نقل عن علي بن يونس البياضي صاحب كتاب الصراط المستقيم أن عثمان بن عفان كان يُلعَب به وكان مخنَّثاً، مع أن البياضي رحمه الله لم يقل هذه العبارة، وإنما نقل ما يشبهها عن الكلبي في كتاب المثالب.

ومنها: أنه في ص 105 نقل كلمة نسبها للخوانساري صاحب روضات الجنات، هذا نصّها: (اختلفوا في كتاب الروضة الذي يضم مجموعة من الأبواب: هل هو أحد كتب الكافي الذي هو من تأليف الكليني، أو مزيد عليه فيما بعد؟) روضات الجنات 6/ 118.

مع أن الخوانساري قدس سره لم يقل هذا الكلام كما أوضحناه في محلِّه.

ص: 663

كلمة أخيرة

بعد هذه الجولة الطويلة مع كتاب (لله ثم للتاريخ)، اتضح للقارئ العزيز أن كل الإشكالات المذكورة فيه ما هي إلا أوهام كاسدة وشبهات فاسدة.

ونحن بحمد الله ونعمته قد أوضحنا فسادها، وكشفنا عوارها، حتى بدا ذلك واضحاً لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ولو نظرنا في كل ما يورده أهل السنة من شبهات وإشكالات في نقد مذهب الشيعة الإمامية لوجدناها جارية هذا المجرى.

وكل احتجاجاتهم التي اطلعنا عليها لا تخلو من أحد أمور:

1- الاحتجاج بأحاديث مختلقة: فإنهم يختلقون أحاديث ويزعمون أنهم نقلوها من كتب الشيعة، كقول الكاتب: (المتعة ديني ودين آبائي)، و (من تمتَّع ثلاث مرات زاحمني في الجنان)، وغير ذلك مما مرَّ ذكره.

2- الاحتجاج بأقوال شنيعة مختلقة: فإنهم يختلقون أقوالًا شنيعة أو فتاوى عجيبة وينسبونها إلى علماء المذهب، كنسبة تجويز وطء الذكران في السفر للسيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره، مع أن حرمة اللواط مما أجمع عليها المسلمون كافة.

3-

ص: 664

الاحتجاج بنصوص محرَّفة: فإنهم يحرفون بعض النصوص- سواءاً أكانت أحاديث أم فتاوى مذكورة في كتب الشيعة- ويظهرونها بصورة قبيحة، ثم يحتجون بها على الشيعة.

4- الاحتجاج بنصوص مبتورة: فإنهم يأتون بالنص مبتوراً، ويحتجون به على الشيعة، كما مرَّ في حديث تسمية الشيعة بالرافضة، فإن الكاتب بتر ذيل الحديث الوارد في مدح الشيعة، ليوهم قرَّاء كتابه بأن إطلاق (الرافضة) على الشيعة كان ذمًّالهم.

5- الاحتجاج بأحاديث ضعيفة: فإنهم يأتون بأحاديث ضعيفة مروية في كتب الشيعة، فيحتجون بها، مثل أكثر الأحاديث التي احتج بها كاتب (لله ثم للتاريخ).

6- الاحتجاج بأقوال وفتاوى شاذة: فإنهم ينظرون إلى فتاوى أو أقوال شاذة فيحتجون بها، كاحتجاج الكاتب على أن الشيعة يقولون بتحريف القرآن بأقوال من ذهب إلى ذلك منهم، مع غض النظر عن أقوال أساطين المذهب النافين للتحريف.

7- الاحتجاج بنصوص بعد صرفها عما يُراد بها: كاحتجاج الكاتب وغيره على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد ذمَّ الشيعة بنقل ذمّه عليه السلام للناس المتخاذلين عن نصرته، مع أن المتخاذلين عن نصرته كانوا أخلاطاً من الناس، ولم يكونوا شيعة له.

8- الاحتجاج بتصرفات عوام الشيعة: كاحتجاج الكاتب على بغض الشيعة لأهل السنة بفعل أبيه الذي غسل المكان الذي جلس فيه ضيفه السني إن صحَّت الرواية ولا تصح، واحتجاجهم على صحة مذاهبهم بأن بعض عوام الشيعة تركوا مذهب التشيع واعتنقوا مذهب أهل السنة.

9- الاحتجاج بالحكايات المختلقة: كاحتجاج الكاتب على بذاءة الشيعة وانهماكهم في الجنس بتمتع السيد الخميني قدس سره بالرضيعة، واحتجاجه على بطلان نكاح المتعة بأن السيد حسين الصدر حفظه الله قد تزوج ابنته من المتعة من حيث لا يشعر.

ص: 665

10- الاحتجاج بمقدمات فاسدة: كاحتجاج الكاتب على صحة خلافة أبي بكر وعمر بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان وزيراً لهما، وأنه زوج ابنته أم كلثوم لعمر، وأنه أسمى بعض أبنائه بأبي بكر وعمر وعثمان.

وهو احتجاج لا يصح إلا إذا قلنا بأن ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام في مدة خلافة الثلاثة إنما كان لتوطيد حكمهم، وأن التزويج كان اختيارياً، وأن التسمية بتلك الأسماء كان بداعي الحب لهم والرضا عنهم، وكل ذلك لم يثبت.

11- الاحتجاج على الشيعة بأقوال علماء أهل السنة: كاحتجاجهم على كثير من قضاياهم بقول الإمام أحمد، أو مالك، أو الشافعي أو غيرهم، واحتجاجهم على بطلان مذهب الشيعة بفتوى ابن تيمية وابن حجر والذهبي وابن كثير وغيرهم بتكفير الرافضة، وقولهم بأنهم أكذب الطوائف وغير ذلك، مع أن قول هؤلاء لا يكشف عن الحق، وإنما يكشف عن الحق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

فإذا اتضح أن كل إشكالات القوم على هذه الشاكلة أو أكثر فكيف يمكن الوثوق بكلامهم، والاعتماد على نقولاتهم، والتعويل على أقوالهم؟!

وكل باحث منصف يدرك عدم سلامة مقاصد هؤلاء في نقدهم لمذهب الشيعة، ويجزم بأن دوافعهم للنقد إما التعصب للباطل، أو إرادة بثّ الفُرقة بين المسلمين، أو أنهم قد ابتُلوا بالجهل الذي أعمى قلوبهم وأصمَّ آذانهم.

ونحن ندعو كل باحث منصف أن يتعرَّف على مذهب الشيعة الإمامية من خلال الكتب الشيعية المعتبرة التي كتبها أساطين المذهب، في العقيدة والفقه والأصول والتفسير وغيرها.

وندعو من أراد الاطلاع على مذهب الشيعة بموضوعية وإنصاف أن يقرأ

ص: 666

الكتب التالية:

1- كتب العقيدة: ومن ضمنها كتاب (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد) للعلامة الحلي، وكتاب (شرح الباب الحادي عشر) للمقداد السيوري، وكتاب (عقائد الإمامية) للشيخ محمد رضا المظفر.

2- كتب أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام: ومنها الكتب الأربعة المشهورة: (الكافي) للكليني، و (تهذيب الأحكام)، و (الاستبصار) للشيخ الطوسي، و (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق، وكتاب (وسائل الشيعة) للحر العاملي، وكتاب (الوافي) للفيض الكاشاني، وغيرها.

3- كتب الفقه: ومنها كتاب (المقنعة) للشيخ المفيد، وكتاب (النهاية) للشيخ الطوسي، وكتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي، وكتاب (قواعد الأحكام) للعلامة الحلي، وكتاب (العروة الوثقى) للسيد كاظم اليزدي، وكتاب (منهاج الصالحين) للسيد الحكيم أو السيد الخوئي أو غيرهما.

4- كتب الفقه الاستدلالي: ومنها كتاب (مسالك الأفهام) للشهيد الثاني، وكتاب (رياض المسائل) للسيد علي الطباطبائي، وكتاب (جواهر الكلام) للشيخ محمد حسن النجفي، وكتاب (مستمسك العروة الوثقى) للسيد محسن الحكيم، وبحوث السيد الخوئي في الفقه كالتنقيح في شرح العروة الوثقى، ومستند العروة الوثقى وغيرهما.

5- كتب أصول الفقه: ومنها كتاب (قوانين الأصول) للمحقق القمي، وكتاب (فرائد الأصول) للشيخ الأنصاري، وكتاب (كفاية الأصول) للمحقق الخراساني، وكتاب (فوائد الأصول) للشيخ الكاظمي، وكتاب (منتقى الأصول) للسيد عبد الصاحب الحكيم.

6- كتب تفسير القرآن: ومنها كتاب (التبيان في تفسير القرآن) للشيخ

ص: 667

الطوسي، وكتاب (مجمع البيان في تفسير القرآن) للطبرسي، وكتاب (الميزان في تفسير القرآن) للسيد محمد حسين الطباطبائي، وكتاب (مواهب الرحمن في تفسير القرآن) للسيد عبد الأعلى السبزواري.

7- كتب علم الرجال: ومنها كتاب (الرجال) للنجاشي، و (الفهرست)، و (رجال الطوسي) كلاهما للشيخ الطوسي، وكتاب (جامع الرواة) للأردبيلي، وكتاب معجم رجال الحديث للسيد الخوئي.

8- كتب الخلاف: ومنها كتاب (الشافي) للسيد المرتضى، وتلخيصه للشيخ الطوسي، وكتاب (نهج الحق وكشف الصدق) للعلامة الحلي، وكتاب (الغدير) للشيخ عبد الحسين الأميني، وكتاب (المراجعات) للسيد عبد الحسين شرف الدين.

ولا يخفى أن الشيعة لا يعتقدون بسلامة هذه الكتب من الأخطاء والاشتباهات، فإن كل كتاب غير كتاب الله لا يخلو من سهو أو غفلة أو خطأ، ولا يعتقدون بخلو كتب الأحاديث المشهورة عندهم من بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي لا يعوِّلون عليها ولا يحتجون بها.

نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، وأن يجمع كلمة المسلمين على رضاه، وأن يجعلهم إخوة متحابين كالبنيان المرصوص، يشد بعضهم بعضاً، ويجعل بأسهم على من ظلمهم أو أراد بهم سوءاً، وينصرهم على أعداء الله نصراً عزيزاً، لتخفق راية الإسلام عالية في ربوع المعمورة، إنه سميع قريب مجيب الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 668

ص: 669

المصادر

القرآن الكريم.

1- آلاء الرحمن: السيد عبد الأعلى السبزواري، مؤسسة أهل البيت، بيروت 1409 ه-.

2- الأئمة الاثنا عشر: شمس الدين محمد بن طولون، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، دار بيروت ودار صادر، بيروت 1377 ه-.

3- أجوبة مسائل جار الله: عبد الحسين شرف الدين، مؤسسة آهل البيت، بيروت 1410 ه-.

4- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: أحمد بن أبي بكر البوصيري، تحقيق عادل بن سعد، والسيد بن محمود بن إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض 1419 ه-.

5- الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1407 ه-.

6- الأحاديث المختارة: أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الضياء المقدسي، تحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة 1410 ه-.

ص: 670

7- الاحتجاج: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، شركة الكتبي للطباعة والنشر، بيروت 1414 ه-.

8- الإحكام: علي بن محمد الآمدي، تحقيق د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت 1404 ه-.

9- أحكام القرآن: أحمد بن علي الرازي الجصاص، مطبعة الأوقاف الإسلامية، دار الخلافة 1335 ه-.

10- الاختلاف في اللفظ: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

11- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق حسن المصطفوي، جامعة مشهد بإيران 1348 ه- ش. وطبعة أخرى بتحقيق السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1404 ه-.

12- الأدب المفرد: محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق الشيخ خالد العك، دار المعرفة، بيروت 1420 ه-.

13- الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين: محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي النجفي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، طبع قم 1418 ه-.

14- الإرشاد: محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1399 ه-.

15- إرواء الغليل: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1405 ه-.

16- الاستبصار: محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق السيد حسن الخرسان، دار الأضواء، بيروت 1406 ه-.

17- الاستيعاب: يوسف بن عبد الله بن عبد البر الأندلسي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت 1412 ه-.

18- أسد الغابة: عز الدين علي بن محمد بن الأثير، تحقيق علي محمد معوض، وعادل

ص: 671

أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت.

19- إسعاف الراغبين: محمد بن علي الصبان (بهامش نور الأبصار للشبلنجي)، شركة مصطفى البابي الحلبي، مصر 1367 ه-.

20- أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب: محمد بن محمد المعروف بابن الجزري، تحقيق الشيخ محمد هادي الأميني، إيران.

21- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، تحقيق معوض وعبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت 1415 ه-.

22- الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت 1980 م.

23- أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1406 ه-.

24- إقبال الأعمال: السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1417 ه-.

25- اقتضاء الصراط المستقيم: ابن تيمية، تحقيق محمد حامد الفقي، مصر.

26- أمالي الشيخ الطوسي: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

27- أمالي المرتضى: السيد علي بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتاب العربي، بيروت 1387 ه-.

28- الإمامة والسياسة: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1377 ه-.

29- أمل الآمل: محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

30- الانتصار: علي بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى)، دار الأضواء، بيروت 1405 ه-.

ص: 672

31- الأنساب: عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت 1408 ه-.

32- الأنوار النعمانية: السيد نعمة الله الجزائري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1404 ه-.

33- بحار الأنوار: المولى محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1403 ه-.

34- بدائع الصنائع: علاء الدين الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت 1982 م.

35- بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق عبد المجيد طعمة حلبي، دار المعرفة، بيروت 1418 ه-.

36- البداية والنهاية: ابن كثير الدمشقي، تحقيق د. أحمد أبو ملحم وجماعة، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

37- البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط مصر.

38- بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار، مؤسسة الأعلمي، طهران 1404 ه-.

39- البيان في أخبار صاحب الزمان: أبو عبد الله محمد الكنجي الشافعي، تحقيق مهدي الفتلاوي، دار المحجة البيضاء، بيروت 1421 ه-.

40- تاريخ الإسلام: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت 1407 ه-.

41- تاريخ أبي الفداء (المختصر في أخبار البشر): أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، تحقيق محمود ديوب، دار الكتب العلمية، بيروت 1417 ه-.

42- تاريخ بغداد: أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت.

ص: 673

43- تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1408 ه-.

44- تاريخ خليفة بن خياط: تحقيق الدكتور سهيل زكار، دار الفكر، بيروت 1414 ه-.

45- تاريخ الطبري المعروف بتاريخ الأمم والملوك: محمد بن جرير الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات 1403 ه-. ط أخرى لدار الكتب العلمية، بيروت 1407 ه-.

46- تاريخ ما بعد الظهور: السيد محمد الصدر، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1408 ه-.

47- تاريخ مختصر الدول: ابن العبري.

48- تاريخ مدينة دمشق: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر، تحقيق عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، بيروت 1415 ه-.

49- تاريخ المذاهب الإسلامية: الشيخ محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة 1996 م.

50- التبيان في تفسير القرآن: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

51- تحرير الأحكام الشرعية: الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، تحقيق إبراهيم البهادري، مكتبة التوحيد، قم 1420 ه-.

52- التحرير الطاووسي: الشيخ حسن بن زين الدين (صاحب معالم الدين)، تحقيق السيد محمد حسن ترحيني، دار الذخائر، قم 1408 ه-.

53- تحرير المجلة: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1359 ه-.

54- تحفة الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت.

ص: 674

55- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: جلال الدين السيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، بيروت 1399 ه-.

56- التدوين في أخبار قزوين: عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني، تحقيق عزيز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، بيروت 1987 م.

57- تذكرة الحفاظ: شمس الدين الذهبي، ط الهند مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

58- تذكرة الخواص: يوسف بن قزاغلي (سبط ابن الجوزي)، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت 1401 ه-.

59- تذكرة الفقهاء: الحسن بن يوسف (العلامة الحلي)، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران.

60- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق: علي بن الحسن المعروف بابن عساكر، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت 1398 ه-.

61- ترجمة السيد عبد الحسين شرف الدين (في مقدمة كتابه النص والاجتهاد)، للسيد محمد صادق الصدر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1408 ه-.

62- الترغيب والترهيب: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت 1417 ه-.

63- الترياق الفاروقي (ديوان عبد الباقي العمري)، دار النعمان، النجف الأشرف 1384 ه-.

64- تعارض الأدلة الشرعية (تقرير أبحاث السيد محمد باقر الصدر): السيد محمود الهاشمي، نشر المجمع العلمي للشهيد الصدر (قده)، قم 1405 ه-.

65- تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار الفكر، بيروت 1401 ه-.

ص: 675

66- تفسير الطبري: محمد بن جرير الطبري، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر 1323 ه-.

67- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): محمد بن أحمد القرطبي، دار الشعب، القاهرة 1372 ه-.

68- تفسير الكشاف: جار الله محمود بن عمر الزمخشري، دار المعرفة، بيروت.

69- التفسير والمفسرون: الدكتور محمد حسين الذهبي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت.

70- تلخيص الحبير: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة 1384 ه-.

71- تلخيص المستدرك: شمس الدين الذهبي، مطبوع بحاشية المستدرك للحاكم النيسابوري، طبع حيدرآباد بالهند.

72- التمهيد: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب 1387 ه-.

73- التنقيح في شرح العروة الوثقى (تقرير بحث السيد الخوئي): ميرزا علي الغروي، قم 1417 ه-.

74- تنقيح المقال في علم الرجال: الشيخ عبد الله المامقاني، المطبعة المرتضوية، النجف الأشرف.

75- تهذيب الأحكام: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان، مصورة دار صعب ودار التعارف للمطبوعات، بيروت 1401 ه-.

76- تهذيب الأسماء واللغات: محي الدين بن شرف النووي، مصورة دار الكتب العلمية، بيروت.

77- تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت

ص: 676

1404 ه-.

78- تهذيب الكمال في أسماء الرجال: جمال الدين يوسف المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة، بيروت 1406 ه-.

79- التوحيد: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، دار الإرشاد الإسلامي، بيروت.

80- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1403 ه-.

81- جامع الرواة: محمد بن علي الأردبيلي، دار الأضواء، بيروت 1403 ه-.

82- الجامع الصغير: جلال الدين السيوطي، دار الفكر- بيروت 1401 ه-.

83- جامع العلوم والحكم: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، دار المعرفة، بيروت 1408 ه-.

84- الجمل: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ط النجف الأشرف.

85- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق الشيخ عباس قوجاني، دار الكتب الإسلامية، طهران 1367 ه-.

86- الحدائق الناضرة: الشيخ يوسف البحراني، تحقيق محمد تقي الإيراواني، دار الأضواء، بيروت 1405 ه-.

87- الحطة في ذكر الصحاح الستة: السيد صديق حسن القنوحي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

88- حلية الأولياء: أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 ه-.

89- خاتمة المستدرك: ميرزا حسين النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1415 ه-.

90- الخرائج والجرائح: سعيد بن عبد الله بن الحسين (قطب الدين الراوندي)، تحقيق السيد محمد باقر الأبطحي، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت 1411 ه-.

ص: 677

91- الخصائص الكبرى: جلال الدين السيوطي، حيدرآباد بالهند 1320 ه-.

92- خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق أحمد ميرين البلوشي، مكتبة المعلا، الكويت 1406 ه-.

93- الخلاف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1407 ه-.

94- دائرة المعارف: بطرس البستاني، دار المعرفة، بيروت.

95- دائرة المعارف الإسلامية: ترجمة أحمد الشنتشناوي، وإبراهيم خورشيد، وعبد الحميد يونس، دار الفكر، بيروت.

96- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: السيد علي خان الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بيروت 1403 ه-.

97- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: محمد بن علي الشوكاني، تحقيق د. حسين بن عبد الله العمري، دار الفكر المعاصر ببيروت، ودار الفكر بدمشق 1411 ه-.

98- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت 1403 ه-.

99- دلائل النبوة: أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت 1405 ه-.

100- ديوان حافظ إبراهيم، طبع بيروت.

101- ذخائر العقبى: أحمد بن محمد الطبري، تحقيق أكرم البوشي ومحمود الأرناؤوط، مكتبة الصحابة، جدة 1415 ه-.

102- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: محمد باقر السبزواري، طبعة حجرية.

103- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آغا بزر الطهراني، دار الأضواء، بيروت 1403 ه-.

ص: 678

104- الرجال: أحمد بن الحسين بن عبيد الله المعروف بابن الغضائري، تحقيق السيد محمد رضا الجلالي، دار الحديث، قم 1422 ه-.

105- رجال ابن داود: الحسن بن علي بن داود الحلي، جامعة طهران، 1342 ه-. ش.

106- رجال الشيخ الطوسي: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1381 ه-.

107- رجال العلامة (خلاصة الأقوال): الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1381 ه-.

108- رجال المجلسي: محمد باقر المجلسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1415 ه-.

109- رجال النجاشي: أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي، ط حجرية، إيران.

110- رحمة الأمة في اختلاف الأئمة: محمد بن عبد الرحمن الدمشقي، تحقيق الشربجي والنوري، مؤسسة الرسالة، بيروت 1414 ه-.

111- رسائل السيد المرتضى: السيد المرتضى، دار القرآن الكريم، قم 1405 ه-.

112- رسائل الشيخ المفيد: محمد بن محمد بن النعمان، (بواسطة بحار الأنوار).

113- روح البيان: إسماعيل البروسوي (بواسطة كتاب الغدير).

114- روضات الجنات: محمد باقر الخوانساري، الدار الإسلامية، بيروت 1411 ه-.

115- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)، تحقيق السيد محمد كلانتر، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1403 ه-.

116- روضة الطالبين: يحيى بن شرف النووي، تحقيق عبد الموجود ومعرض، دار الكتب العلمية، بيروت.

117- زاد المسير: عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت 1414 ه-.

118- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمد أمين البغدادي الشهير

ص: 679

بالسويدي، دار الكتب العلمية، بيروت.

119- سبل السلام: محمد بن إسماعيل الصنعاني، تحقيق زمرلي والجمل، دار الكتاب العربي، بيروت 1417 ه-.

120- سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض 1415 ه-.

121- السنن: سعيد بن منصور، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الدار السلفية، الهند 1982 م.

122- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.

123- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت.

124- سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث، بيروت.

125- سنن الدارقطني: علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني، تحقيق عبد الله هاشم يماني، دار المعرفة بيروت 1386 ه-.

126- سنن الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق زمرلي والعلمي، دار الكتاب العربي، بيروت 1407 ه-.

127- السنن الصغرى: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت 1420 ه-.

128- السنن الكبرى: أحمد بن الحسين أبو بكر البيهقي، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة 1414 ه-.

129- السنن الكبرى: أحمد بن شعيب النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت 1411 ه-.

ص: 680

130- سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي: أحمد بن شعيب النسائي، دار المعرفة، بيروت 1414 ه-.

131- السنة: أحمد بن محمد بن هارون الخلال، تحقيق د. عطية الزهراني، دار الراية، الرياض 1410 ه-.

132- سير أعلام النبلاء: شمس الدين الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1410 ه-.

133- شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي، دار المسيرة، بيروت 1399 ه-.

134- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: جعفر بن الحسن الحلي، تحقيق السيد صادق الشيرازي، انتشارات استقلال، طهران 1409 ه-.

135- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي، تحقيق أحمد بن سعد الغامدي، دار طيبة، الرياض 1420 ه-.

136- شرح أصول الكافي والروضة: المولى محمد صالح المازندراني، طبع إيران.

137- شرح الزرقاني على الموطأ: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، دار الكتب العلمية، بيروت 1411 ه-.

138- شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق زهير الشاويش، وشعيب الأرناؤط، المكتب الإسلامي، بيروت 1403 ه-.

139- شرح النووي على صحيح مسلم: محي الدين بن شرف النووي. مصورة دار الفكر، بيروت 1401 ه-.

140- الشرح الكبير على متن المقنع: شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (بحاشية كتاب المغني لموفق الدين ابن قدامة)، دار الفكر، بيروت 1404 ه-.

141- شرح معاني الآثار: أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الحنفي، تحقيق محمد

ص: 681

زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت 1407 ه-.

142- شرح المواهب: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني.

143- شرح مير داماد الاسترابادي على اختيار معرفة الرجال (مطبوع بحاشية اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي)، تحقيق السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1404 ه-.

144- شرح نهج البلاغة: عبد الحميد هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد، دار الكتب العربية الكبرى، مصر 1329 ه-. وطبعة أخرى بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر 1387 ه-.

145- شعب الإيمان: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 1410 ه-.

146- شمائل الرسول: أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة العبيكان، الرياض 1422 ه-.

147- شواهد التنزيل: أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحاكم الحسكاني، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت 1409 ه-.

148- الشيعة والتصحيح: السيد موسى الموسوي، 1408 ه-. (1) 991

1- صحيح ابن حبان (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان): محمد بن حبان أبو حاتم البستي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1414 ه-.

150- صحيح ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت 1390 ه-.

151- صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة الدليل، الجبيل بالسعودية 1418 ه-.

152- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، مطابع الشعب، مصر 1378 ه-، وط مرقمة، مراجعة القطب والبخاري، المكتبة العصرية، بيروت


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

ص: 682

وصيدا 1418 ه-.

153- صحيح الجامع الصغير: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1406 ه-.

154- صحيح سنن ابن ماجة: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1408 ه-.

155- صحيح سنن أبي داود: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1409 ه-.

156- صحيح سنن النسائي: محمد ناصر الدين الألباني، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1409 ه-.

157- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، بيروت.

158- الصراط المستقيم: زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت 1409 ه-.

159- صراط النجاة (مجموعة فتاوى للسيد الخوئي وميرزا جواد التبريزي)، الجزء الأول طبع مكتبة الفقيه، الكويت 1421 ه-، والجزء الثالث طبع دار المحجة البيضاء، بيروت 1418 ه-.

160- الصفات: علي بن عمر الدارقطني، تحقيق عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار، المدينة المنورة 1402 ه-.

161- الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر الهيتمي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط بيروت، وط محققة، تحقيق التركي والخراط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1417 ه-.

162- الضعفاء: محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، دار الصميعي، الرياض 1420 ه-.

ص: 683

163- طبقات أعلام الشيعة (نوابغ الرواة في رابعة المئات): آغا بزر الطهراني، تحقيق علي نقي منزوي، دار الكتاب العربي، بيروت 1390 ه-.

164- طبقات الشافعية الكبرى: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق الطناحي والحلو، دار إحياء الكتب العربية بمصر.

165- الطبقات الكبرى: محمد بن سعد، مصورة دار صادر، بيروت.

166- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: رضي الدين علي بن موسى بن طاووس، مطبعة الخيام بقم 1399 ه-.

167- عبد الله بن سبأ: دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة: د. عبد العزيز صالح الهلابي، صحارى للطباعة والنشر، ط الثانية لندن 1989 م.

168- العبر في خبر من غبر: شمس الدين الذهبي، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

169- العدة في أصول الفقه: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري، طبع قم 1417 ه-.

170- العرف الوردي في أخبار المهدي (ضمن الحاوي للفتاوي): جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1402 ه-.

171- عقائد الإمامية: الشيخ محمد رضا المظفر، دار الزهراء، بيروت 1400 ه-.

172- علل الشرائع: محمد بن علي بن بابويه (الصدوق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1408 ه-.

173- العلل الواردة في الأحاديث النبوية: علي بن عمر الدارقطني.

174- عون المعبود شرح سنن أبي داود: أبو الطيب محمد شمس الدين العظيم آبادي، دار الفكر، بيروت.

175- عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1404 ه-.

ص: 684

176- عيون المعجزات: الشيخ حسين بن عبد الوهاب، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1369 ه-.

177- الغدير: الشيخ عبد الحسين الأميني، دار الكتاب العربي، بيروت 1403 ه-.

178- غنائم الأيام: المولى أحمد بن مهدي النراقي، دار الهادي، بيروت 1420 ه-.

179- الغيبة: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مكتبة الألفين، الكويت.

180- غنية النزوع: حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق إبراهيم البهادري، مطبعة اعتماد، قم 1417 ه-.

181- الفتاوى الحديثية: أحمد شهاب الدين ابن حجر الهيتمي، دار المعرفة، بيروت.

182- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، مكتبة المعارف، الرياض 1412 ه-.

183- فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر، المطبعة البهية المصرية، القاهرة 1348 ه-.

184- فتح العزيز شرح الوجيز: عبد الكريم بن محمد الرافعي، دار الفكر، بيروت.

185- فتح العزيز في شرح الوجيز: عبد الكريم بن محمد الرافعي، دار الفكر، بيروت.

186- الفتح الكبير: يوسف بن إسماعيل النبهاني، عناية محمد وهيثم ابني نزار تميم، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر، بيروت.

187- الفتن: نعيم بن حماد المروزي، تحقيق مجدي بن منصور بن سيد الشورى، دار الكتب العلمية، بيروت 1418 ه-.

188- الفتنة الكبرى: طه حسين، (المجلد الرابع من المجموعة الكاملة لطه حسين)، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1973 م.

189- الفردوس بمأثور الخطاب: شيرويه بن شهردار الديلمي، تحقيق السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 1406 ه-.

190- فرق الشيعة: الحسن بن موسى النوبختي، المكتبة المرتضوية، النجف الأشرف

ص: 685

1355 ه-.

191- فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب: ميرزا حسين النوري، طبعة حجرية بالنجف الأشرف سنة 1298 ه-.

192- الفصول المهمة في أصول الأئمة: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق محمد بن محمد الحسين القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام، طبع قم، 1418 ه-.

193- فضائل الصحابة: أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، جامعة أم القرى، مكة المكرمة 1403 ه-.

194- الفهرست: محمد بن عيسى بن النديم، دار المعرفة، بيروت 1398 ه-.

195- الفهرست: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، النجف 1380 ه-.

196- فيض القدير: محمد عبد الرؤوف المعروف بالمناوي، ط مصر 1391 ه-.

197- قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: جلال الدين السيوطي، تحقيق الشيخ خليل محي الدين الميس، المكتب الإسلامي، بيروت 1405 ه-.

198- الكافي: محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران 1388 ه-.

199- الكافي في الفقه: أبو الصلاح الحلبي، تحقيق رضا أستادي، مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، أصفهان 1403 ه-.

200- الكامل في التاريخ: عز الدين علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير، دار صادر، بيروت 1402 ه-.

201- الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي الجرجاني، تحقيق سهيل زكار، دار الفكر، بيروت 1409 ه-.

202- كتاب الأم: محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق محمد زهري النجار، طبعة مصر.

203- كتاب الثقات: الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي، طبعة حيدرآباد، الهند

ص: 686

1393 ه-.

204- كتاب الخمس: الشيخ مرتضى الأنصاري، طبعة حجرية.

205- كتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، مطبعة الهادي، قم 1420 ه-.

206- كتاب السنة: عمرو بن أبي عاصم الضحاك، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1400 ه-.

207- كتاب الطهارة: الشيخ مرتضى الأنصاري، طبعة حجرية.

208- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض 1409 ه-.

209- كشف الأستار: الميرزا حسين النوري، مؤسسة النور للمطبوعات، بيروت 1408 ه-.

210- كشف الحقائق: للمؤلف، دار الصفوة ودار الهادي، بيروت 1416 ه-.

211- كشف الخفا ومزيل الألباس: إسماعيل بن محمد العجلوني، مصورة دار إحياء التراث العربي، بيروت عن ط سنة 1351 ه-.

212- كشف الغطاء: الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء، طبعة حجرية.

213- كنز العمال: علي المتقي بن حسام الدين الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1399 ه-.

214- لؤلؤة البحرين: الشيخ يوسف البحراني، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، دار الأضواء، بيروت 1406 ه-.

215- لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي، دار صادر، بيروت.

216- لسان الميزان: أحمد بن حجر العسقلاني. ط حيدرآباد، الهند 1331 ه-.

217- لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

ص: 687

218- اللهوف في قتلى الطفوف: علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، دار القارئ، بيروت 1412 ه-.

219- مباني العروة الوثقى: كتاب النكاح، (تقرير بحث السيد الخوئي): السيد محمد تقي الخوئي، طبع النجف الأشرف 1404 ه-.

220- المبسوط في فقه الإمامية: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران 1387 ه-.

221- المبسوط: شمس الدين السرخسي، مصورة دار الكتب العلمية- بيروت 1414 ه-.

222- مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، المكتبة المرتضوية، طهران.

223- مجمع الزوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الريان للتراث بالقاهرة، ودار الكتاب العربي ببيروت 1407 ه-.

224- مجمع الفائدة والبرهان: المولى أحمد الأردبيلي، تحقيق العراقي والاشتهاردي واليزدي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم 1403 ه-.

225- المحاسن: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق جلال الدين الحسيني المحدث، دار الكتاب الإسلامي، بيروت.

226- محاضرات الأدباء: الحسين بن محمد بن المفضل (الراغب الأصفهاني)، دار مكتبة الحياة، بيروت.

227- المحلَّى: علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، تحقيق عبد الغفار البنداري، دار الكتب العلمية- بيروت 1408 ه-.

228- مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت 1417 ه-.

ص: 688

229- مختلف الشيعة: الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، ط حجرية 1324 ه-، وطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة 1412 ه-.

230- مدارك الأحكام: السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت 1411 ه-.

231- المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب: العميد عبد الرزاق محمد أسود، الدار العربية للموسوعات، بيروت 1401 ه-.

232- مرآة العقول: المولى محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران 1404 ه-.

233- المراسم: حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقب بسلار، تحقيق د. محمود البستاني، دار الزهراء، بيروت 1400 ه-.

234- مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح: الملا علي القاري، تحقيق صدقي محمد جميل العطار، المكتبة التجارية، مكة المكرمة.

235- مروج الذهب: علي بن الحسين بن علي المسعودي، تحقيق يوسف أسعد داغر، دار الأندلس، بيروت 1983 م.

236- مسائل خلافية: للمؤلف، دار الهادي، بيروت 1418 ه-.

237- مسائل فقهية: السيد عبد الحسين شرف الدين، دار الزهراء، بيروت 1397 ه-.

238- مسالك الأفهام: زين الدين بن علي العاملي الجبعي (الشهيد الثاني)، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة 1419 ه-.

239- مستدرك الوسائل: الميرزا حسين النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت 1408 ه-.

240- المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، ط حيدر آباد.

ص: 689

241- مستمسك العروة الوثقى: السيد محسن الطباطبائي الحكيم، مطبعة الآداب، النجف الأشرف 1387 ه-.

242- مستند العروة الوثقى: كتاب الخمس، (تقرير بحث السيد الخوئي): الشيخ مرتضى البروجردي، طبعة النجف الأشرف.

243- المسند: أحمد بن محمد بن حنبل، مصورة دار صادر، بيروت عن طبعة بولاق، ط مرقمة رقّمها محمد عبد السلام عبد الشافي،

244- مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود أبو داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت.

245- مسند أبي عوانة: يعقوب بن إسحاق الإسفرائني، دار المعرفة، بيروت. وطبعة أخرى محققة: تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي، دار المعرفة، بيروت 1419 ه-.

246- مسند أبي يعلى: أحمد بن علي أبو يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق 1404 ه-. ط أخرى بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 1418 ه-.

247- مسند إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة 1412 ه-.

248- مسند البزار: أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن ببيروت، ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 1409 ه-.

249- مسند الحميدي: عبد الله بن الزبير أبو بكر الحميدي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي بالقاهرة.

250- مسند الشافعي: محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت.

251- مسند الشهاب: محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1407 ه-.

ص: 690

252- مسند عبد بن حميد: عبد بن حميد بن نصر الكسي، تحقيق السامرائي والصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة 1408 ه-.

253- مشكاة المصابيح: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1405 ه-.

254- المصاحف: أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

255- مصباح الفقاهة (تقرير بحث السيد الخوئي): ميرزا محمد علي التوحيدي، دار الهادي، بيروت 1412 ه-.

256- مصباح الفقيه: آغا رضا الهمداني، (طبعة حجرية) مكتبة الصدر، قم.

257- المصنف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت 1403 ه-. ط أخرى بتحقيق أيمن نصر الله الأزهري، دار الكتب العلمية، بيروت 1421 ه-.

258- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي، تحقيق ماجد بن أحمد العطية، مؤسسة أم القرى، بيروت 1420 ه-.

259- المطالب العالية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار المعرفة، بيروت.

260- معالم العلماء: محمد بن علي بن شهراشوب، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1380 ه-.

261- معاني الأخبار: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار المعرفة، بيروت 1399 ه-.

262- المعتبر في شرح المختصر: المحقق جعفر بن الحسن الحلي، مؤسسة سيد الشهداء (ع)، قم 1406 ه-.

263- المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق عوض الله والحسيني، دار

ص: 691

الحرمين، القاهرة 1415 ه-. ط أخرى تحقيق محمد حسن الشافعي، دار الفكر، عمّان 1420 ه-.

264- معجم رجال الفكر والأدب في النجف: محمد هادي الأميني، بيروت.

265- معجم الصحابة: عبد الباقي بن قانع بن مرزوق، تحقيق صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة 1418 ه-.

266- المعجم الصغير: سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق محمد شكور، المكتب الإسلامي ببيروت، دار عمار بعمَّان 1405 ه-.

267- المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، دار العلوم والحكم، الموصل 1404 ه-.

268- معجم رجال الحديث: السيد أبو القاسم الخوئي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف 1398 ه-.

269- معجم البلدان: ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1399 ه-.

270- المغني: عبد الله بن أحمد بن قدامة، دار الفكر- بيروت 1404 ه-.

271- مفاتيح الشرائع: المولى محمد محسن الفيض الكاشاني، تحقيق السيد مهدي رجائي، مجمع الذخائر الإسلامية، قم المقدسة بإيران، سنة 1401 ه-.

272- مفتاح الكرامة (المجلد الثالث): السيد محمد جواد الحسيني العاملي، طبع مصر 1326 ه-.

273- مقتل الحسين: الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، تحقيق الشيخ محمد السماوي، دار أنوار الهدى، قم 1418 ه-.

274- مقدمة ابن الصلاح: عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح، دار الكتب العلمية، بيروت 1398 ه-.

275- المقنع: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام،

ص: 692

قم المقدسة 1415 ه-.

276- المقنعة: محمد بن محمد بن النعمان العكبري (الشيخ المفيد)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة 1417 ه-.

277- مناقب آل أبي طالب: محمد بن علي بن شهراشوب، تحقيق د. يوسف البقاعي، دار الأضواء، بيروت 1412 ه-.

278- مناقب وفضائل الإمام علي عليه السلام (الفضائل): شاذان بن جبرئيل القمي، طبعة حجرية، مصورة دار العالم الإسلامي، بيروت 1401 ه-. طبعة أخرى مصورة لدار الكاتب للجميع، بيروت.

279- المنتخب من مسند عبد بن حميد: عبد بن حميد بن نصر الكسي، تحقيق الصعيدي والسامرائي، مكتبة السنة، القاهرة 1408 ه-.

280- المنتظم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق محمد عطا ومصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت 1415 ه-.

281- منتهى المطلب: الحسن بن يوسف بن المطهر (العلامة الحلي)، ط حجرية، تبريز 1333 ه-.

282- من لا يحضره الفقيه: محمد بن علي بن بابويه (الشيخ الصدوق)، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1406 ه-.

283- منهاج السنة النبوية: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، المطبعة الكبرى الأميرية- مصر 1322 ه-، وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت 1420 ه-.

284- منهاج الصالحين: السيد أبو القاسم الخوئي، دار الزهراء، بيروت.

285- منهاج الصالحين: السيد عبد الأعلى السبزواري، دار ومكتبة المصطفى، بيروت 1413 ه-.

286- منهاج الصالحين: السيد علي السيستاني، طبعة قم 1416 ه-.

287- منهاج الصالحين: السيد محسن الحكيم، مطبعة الآداب، النجف.

ص: 693

288- منهاج الصالحين: الشيخ محمد إسحاق الفياض، قم المقدسة.

289- منهاج الصالحين: السيد محمد الحسيني الروحاني، مكتبة الألفين، الكويت.

290- المهذب البارع: أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1407 ه-.

291- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ومحمد رضوان العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1414 ه-.

292- الموطأ: مالك بن أنس الأصبحي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405 ه-.

293- ميزان الاعتدال: شمس الدين الذهبي، دار المعرفة- بيروت. طبعة أخرى تحقيق معوض وعبد الموجود، دار الكتب العلمية بيروت 1416 ه-.

294- الميزان في تفسير القرآن: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1391 ه-.

295- نظم المتناثر من الحديث المتواتر: جعفر بن إدريس الشهير بالكتاني، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 ه-.

296- نقد الرجال: السيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت 1419 ه-.

297- النهاية في غريب الحديث: مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، تحقيق الزاوي والطناحي، ط مصر.

298- النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، انتشارات قدس محمدي، قم إيران.

299- نهج البلاغة: محمد بن الحسين الموسوي (الشريف الرضي)، شرح محمد عبده، تعليق عاشور والبنا، دار ومطابع الشعب، القاهرة.

300- النوادر: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام، قم المقدسة 1408 ه-.

ص: 694

301- نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الشيعي، دار الإرشاد الإسلامي، بيروت.

302- نيل الأوطار: محمد بن علي الشوكاني، دار الكتب العلمية، بيروت 1403 ه-.

303- الوافي: محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني، طبعة حجرية.

304- الوجيزة: المولى محمد باقر المجلسي، تحقيق محمد كاظم رحمان ستايش، طبع طهران 1420 ه-.

305- وسائل الشيعة: محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، دار إحياء التراث، بيروت 1403 ه-.

306- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي، تحقيق عبد العظيم البكاء، نشر جمعية منتدى النشر، النجف الأشرف 1399 ه-.

307- اليمين واليسار في الإسلام: أحمد عباس صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1972 م.

308- ينابيع المودة: سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، دار الكتب العراقية، الكاظمية 1385 ه-.

309- اليواقيت والجواهر: عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المصري الحنفي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1) 992

________________________________________

1 ( 1) أردتُ بهذا العنوان بيان أني كتبتُ هذا الكتاب لله سبحانه الذي جعلتُه نصب عينيَّ في كل ما سطَّرتُه فيه، كما أردتُ به بيان الحقيقة التي أراد الكاتب طمسها وتشويهها، فكتبتُ ما أعتقد أنه هو الحق الذي لا مرية فيه، وأشرتُ به إلى أن زعم الكاتب أنه كتب أباطيله( للتاريخ) غير نافع ولا مُجْدٍ، لأن كثيراً مما كُتب للتاريخ كتبه أعوان السلاطين، وأملتْه الأهواء والعصبيات، وكان مجانباً للحقيقة.

وأشرت بالعطف بالواو بدلًا من العطف بثُم إلى أن الواو و( ثم) كلاهما يفيد التشريك في الحكم، إلا أن الواو تفيد التشريك مطلقاً، و( ثم) تفيد التشريك بتراخٍ، فالعدول عن الواو إلى( ثم) لا ينفع في الفرار مما زعموه شِرْكاً.

2 ( 1) لله ثم للتاريخ، ص 6.

3 ( 1) معجم رجال الفكر والأدب في النجف 2/ 793.

4 ( 2) ترجمة السيد شرف الدين المطبوعة في مقدمة كتاب النص والاجتهاد، ص 39.

5 ( 1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 4.

6 ( 2) ذكر ذلك في صفحة 116.

7 ( 1) وذلك لأن تاريخ رحيل الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء كان سنة 1373 ه-، وهي خمسون سنة كاملة. وأما إذا قيل:( إن كاشف الغطاء قد أجاز الكاتب قبل وفاته ببضع سنين)، فيكون قد مضى على الإجازة المزعومة أكثر من خمسين سنة.

8 ( 1) الشيعة والتصحيح، ص 5.

9 ( 1) راجع كتاب( إيران در دو سده وابستن)، ص 263.

10 ( 1) رجال الشيخ الطوسي، ص 80.

11 ( 2) رجال العلامة الحلي، ص 237.

12 ( 1) التحرير الطاووسي، ص 173.

13 ( 2) عن رجال ابن داود، ص 30 من القسم الثاني، وتنقيح المقال 2/ 184، وكلمة الكشي هذه غير مذكورة في( اختيار معرفة الرجال) المعروف برجال الكشي.

14 ( 3) الحدائق الناضرة 8/ 511.

15 ( 1) الفتنة الكبرى 2/ 98.

16 ( 2) عبد الله بن سبأ: دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة، ص 71.

17 ( 3) اليمين واليسار في الإسلام، ص 95.

18 ( 1) ما بين القوسين المعقوفين مذكور في المصدر، وهو كتاب( فرق الشيعة)، ص 22.

19 ( 1) قال البرقي: إنه مولى بني العباس، وكان وزير المهدي وموسى وهارون، بغدادي. وقال ابن الغضائري: ضعيف في روايته. راجع معجم رجال الحديث 4/ 322.

20 ( 1) مصادر الشيعة هي الكتب التي يعوِّل الشيعة على ما فيها من أحاديث، كالكتب الأربعة وكتب الصدوق مثلًا، والتي تعبِّر عن آراء المشهور عندهم في العقائد والأحكام ككتب السيد المرتضى والشيخ المفيد وغيرها، وأما ما عداها فهي كتب تعبر عن آراء كاتبيها، ولا يخفى أن الشيعة أطبقوا على أن كل كتاب يؤخذ منه ويُترك إلا القرآن الكريم، فليس عندهم كتاب كله صحيح غيره.

21 ( 1) سنن الترمذي 5/ 633 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. صحيح ابن حبان 15/ 376. سنن ابن ماجة 1/ 45. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 26. مسند أحمد 1/ 84، 118، 119، 152، 330، 4/ 281، 368، 370، 372، 5/ 347، 366، 419. المستدرك للحاكم 3/ 109، 110، 116، 134، 371، 533 وصحَّحه. الأحاديث المختارة 2/ 106، 174، 3/ 151، 274. موارد الظمآن 2/ 987. تفسير القرآن العظيم 2/ 14. مجمع الزوائد 7/ 17، 9/ 103- 108، 120، 164. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 108، 131، 132، 134، 135. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 368، 369، 371، 375، 377. المعجم الصغير للطبراني 1/ 65، 71. مسند أبي يعلى 1/ 257، 5/ 460. المعجم الأوسط 1/ 111، 312، 533، 4/ 357. المعجم الكبير 3/ 199، 201، 4/ 17، 173، 5/ 166، 170، 171، 175، 192، 194، 195، 203، 204، 212، 12/ 99، 19/ 291. كتاب السنة 2/ 590- 593. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 563، 569، 572، 586، 682. خصائص علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ص 96- 108. وعدَّه من الأحاديث المتواترة: السيوطي في( قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة)، ص 277، والكتاني في( نظم المتناثر)، ص 205، والزبيدي في( لقط اللآلئ المتناثرة)، ص 205، والحافظ شمس الدين الجزري في( أسنى المطالب)، ص 5، ومحمد ناصر الدين الألباني في( سلسلة الأحاديث الصحيحة) 4/ 343. وصحّحه جمع آخرون من أعلام أهل السنة.

22 ( 2) مسند أحمد بن حنبل 1/ 330- 331. المستدرك 3/ 133 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد 9/ 119 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين. المعجم الكبير للطبراني 12/ 99. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 684. كتاب السنة 2/ 551، وقال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ. وفي ص 589: إلا أنك لست بنبي، وأنت خليفتي في كل مؤمن بعدي. وعند البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 9/ 259 ح 8944 ومختصر إتحاف السادة المهرة 9/ 180 ح 7443، عن أبي يعلى، أنه قال: إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي. كتاب السنة 2/ 551، وقال الألباني في تعليقته: إسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ.

23 ( 1) المستدرك 3/ 124، 138 وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. المعجم الأوسط للطبراني 1/ 401. المعجم الكبير 3/ 90. حلية الأولياء 1/ 63، 5/ 38. تاريخ بغداد 11/ 89. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2/ 261. در السحابة، ص 214. مجمع الزوائد 9/ 116، 131. كشف الخفا 1/ 462.

24 ( 2) سنن الترمذي 5/ 632 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد 4/ 438، 356. المستدرك 3/ 111 قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وسكت عنه الذهبي. موارد الظمآن 2/ 986. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 133. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. كتاب السنة 2/ 550 وقال الألباني في تعليقته: إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. صحيح ابن حبان 15/ 374. مسند الطيالسي، ص 111، 360. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 1/ 331، 2/ 605، 4/ 438. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي، ص 109. حلية الأولياء 6/ 294. مسند أبي يعلى 1/ 185. المعجم الكبير للطبراني 12/ 99، 18/ 129.

25 ( 3) المستدرك 3/ 137 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر 2/ 256- 258. حلية الأولياء 1/ 63. در السحابة، ص 229.

26 ( 1) المستدرك 3/ 129، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. تاريخ بغداد 3/ 377، 4/ 219.

27 ( 2) صحيح البخاري 3/ 1142، 1331. صحيح مسلم 4/ 1870، 1871. صحيح ابن حبان 15/ 15، 369، 371. سنن الترمذي 5/ 638، 640، سنن ابن ماجة 1/ 42، 45. مسند أحمد 1/ 170، 173- 175، 177، 179، 182، 184، 185، 3/ 32، 338، 6/ 369، 438. المستدرك 2/ 337، 3/ 109. الأحاديث المختارة 3/ 151، 207. موارد الظمآن 2/ 985. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 369، 7/ 425. المصنف لعبد الرزاق 5/ 279. مسند الحميدي 1/ 38. مسند الطيالسي، ص 28، 29. مجمع الزوائد 9/ 109- 111. الطبقات الكبرى 3/ 23- 24. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 40. السنن الكبرى للنسائي 5/ 44، 107، 108، 113، 119- 125، 144، 240. المعجم الصغير للطبراني 2/ 22، 54. المعجم الأوسط 1/ 400، 2/ 120، 3/ 179، 4/ 97، 239، 245، 5/ 356، 6/ 33. المعجم الكبير 1/ 146، 148، 2/ 247، 4/ 17، 184، 5/ 203، 221، 11/ 74، 75، 12/ 18، 98، 19/ 291، 24/ 146، 147. مسند أبي يعلى 1/ 180، 298، 301، 306، 313، 321، 6/ 72. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 566- 569، 592، 598، 610، 611، 633، 638، 642، 643، 663، 666، 670، 675، 684. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 551، 586- 589. حلية الأولياء 4/ 345، 7/ 194- 197، 8/ 307. تاريخ بغداد 1/ 325، 3/ 289، 406، 4/ 70، 204، 382، 7/ 452، 8/ 52، 268، 9/ 364، 10/ 43، 11/ 384، 431، 12/ 323. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي، ص 37، 38، 49، 67- 79، 140. وعدَّه من الأحاديث المتواترة: السيوطي في( قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة)، ص 281، والكتاني في( نظم المتناثر)، ص 206، والزبيدي في( لقط اللآلئ المتناثرة)، ص 31، ونقل في الحاشية التواتر عن الشيخ جسوس في شرح الرسالة.

28 ( 1) سنن الترمذي 5/ 637. المستدرك 3/ 126، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مجمع الزوائد 9/ 114. المعجم الكبير للطبراني 11/ 65. حلية الأولياء 1/ 64. تاريخ بغداد 7/ 172، 11/ 48- 50، 203. فضائل الصحابة 2/ 634. الجامع الصغير للسيوطي 1/ 415. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص 159: هذا حديث حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بيَّنتُ حاله في التعقيبات على الموضوعات. وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية، ص 269: وأما حديث( أنا مدينة العلم وعلي بابها) فهو حديث حسن، بل قال الحاكم: صحيح.

29 ( 2) سنن الترمذي 5/ 636 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. سنن ابن ماجة 1/ 44. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 26، وفيه حسَّنه الألباني. مسند أحمد 4/ 164، 165. السنن الكبرى للنسائي 5/ 45، 128. مصنف ابن أبي شيبة 6/ 368. المعجم الكبير للطبراني 4/ 16، 11/ 400. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 584. خصائص أمير المؤمنين للنسائي، ص 91. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 594، 599. مشكاة المصابيح 3/ 1720.

30 ( 3) المستدرك 3/ 121 قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

31 ( 4) أخرج البخاري في صحيحه 3/ 1286، ومسلم 3/ 1380- واللفظ له-، وغيرهما عن عائشة في حديث طويل قالت: إن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال)، وإني والله لا أغيِّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرَتْه فلم تكلِّمْه حتى توفيتْ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلَّى عليها عليٌّ، وكان لعلي من الناس وجهةٌ حياةَ فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر:( أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك) كراهية محضر عمر بن الخطاب ... الحديث.

32 ( 1) تاريخ الطبري 2/ 696.

33 ( 1) شرح نهج البلاغة 1/ 48. ط محققة 1/ 147.

34 ( 1) يريد بهما أصحاب علي عليه السلام وأصحاب طلحة والزبير وعائشة.

35 ( 2) شرح نهج البلاغة 1/ 50. ط محققة 1/ 150.

36 ( 1) سورة البقرة، الآية 257.

37 ( 1) سورة الأعراف، الآية 196.

38 ( 2) سورة آل عمران، الآية 68.

39 ( 3) سورة التوبة، الآية 71.

40 ( 4) سورة الممتحنة، الآية 1.

41 ( 5) سورة التوبة، الآية 22.

42 ( 6) سورة المائدة، الآية 57.

43 ( 7) سورة المائدة، الآية 51.

44 ( 1) سورة آل عمران، الآية 28.

45 ( 2) سورة التوبة، الآية 3.

46 ( 3) سورة الممتحنة، الآية 4.

47 ( 4) سورة الأنعام، الآية 19.

48 ( 1) معجم رجال الحديث 16/ 134.

49 ( 2) رجال النجاشي 2/ 269.

50 ( 3)() نفس المصدر 1/ 412.

51 ( 4) رجال الطوسي، ص 343.

52 ( 5) رجال العلامة، ص 255.

53 ( 6) رجال الطوسي، ص 343.

54 ( 7) لقد استمر هذا الادِّعاء حتى إلى ما بعد عصورهم، فلا تعدم من يزعم أن أهل السنة أو المعتزلة أو غيرهم، هم شيعة علي عليه السلام كما سيأتي نقله عن ابن حجر الهيتمي وابن أبي الحديد المعتزلي.

55 ( 1) في نهج البلاغة، ص 58 خطبة رقم 27:( ولم أعرفكم معرفة والله جرَّتْ نَدَماً، وأعقبتْ سدماً). أي أعقبت همًّا مع أسف أو غيظ.

56 ( 2) في نهج البلاغة:( نُغَب التهمام أنفاسا). أي جُرَع الهَم.

57 ( 1) في نهج البلاغة: لا أحرارَ صِدْقٍ.

58 ( 1) في المصدر: أسرعتم.

59 ( 2) في المصدر: الفراش.

60 ( 3) في المصدر: سفهاً وضلة، فبعداً.

61 ( 4) لقد حرَّف الكاتب النص، فأدرج فيه قوله:( ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا). وقوله:( ألا لعنة الله على الظالمين) جاء في النص بعد عدة أسطر.

62 ( 1) شرح نهج البلاغة 3/ 15، الطبعة المحققة 11/ 44.

63 ( 2) شرح نهج البلاغة 11/ 45. وبمعناه في كتاب سليم بن قيس، ص 318. ونقله عنه الطبرسي في الاحتجاج 2/ 17. والمجلسي في بحار الأنوار 44/ 125- 126.

64 ( 3) المعجم الكبير للطبراني 3/ 68. مجمع الزوائد 6/ 266 قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

65 ( 4) سير أعلام النبلاء 3/ 496.

66 ( 1) الكامل في التاريخ 3/ 450.

67 ( 2) لسان الميزان 2/ 495.

68 ( 3) مقتل الحسين للخوارزمي 2/ 38. بحار الأنوار 45/ 51. اللهوف في قتلى الطفوف، ص 45.

69 ( 1) الكامل لابن الأثير 4/ 80.

70 ( 2) المصدر السابق 4/ 79.

71 ( 1) البداية والنهاية 8/ 190.

72 ( 2) ينابيع المودة، ص 346.

73 ( 3) الكامل لابن الأثير 4/ 67.

74 ( 4) الكامل لابن الأثير 4/ 66. البداية والنهاية 8/ 183.

75 ( 5) البداية والنهاية 8/ 185.

76 ( 1) سير أعلام النبلاء 3/ 317. البداية والنهاية 8/ 235. الكامل في التاريخ 4/ 87.

77 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

78 ( 1) الصحيح كما في الاحتجاج 2/ 10: خير( بالرفع لا بالنصب).

79 ( 1) تنقيح المقال 2/ 43.

80 ( 2) سورة الأنبياء، الآية 22.

81 ( 1) اختيار معرفة الرجال 2/ 398. وسائل الشيعة 18/ 103.

82 ( 2) اختيار معرفة الرجال 2/ 348. وسائل الشيعة 18/ 104.

83 ( 1) أصول الكافي 2/ 223. وسائل الشيعة 18/ 61.

84 ( 2) أصول الكافي 2/ 224. وسائل الشيعة 11/ 492.

85 ( 3) أصول الكافي 2/ 223. وسائل الشيعة 11/ 485.

86 ( 4) أصول الكافي 2/ 222. وسائل الشيعة 11/ 484.

87 ( 1) مرآة العقول 9/ 286.

88 ( 2) في الاحتجاج: بأس بعض، ثم تخلدون.

89 ( 3) في كتاب الاحتجاج 2/ 27:( كم تراث لرسول الله قبلكم، وذحوله لديكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، وبنيه عِتْرَة النبي الطيبين الأخيار). فانظر ما أصاب الكلمة من التحريف والغلط، مضافاً إلى التحريف المتعمد السابق على هذه العبارة، فراجع.

90 ( 1) في الاحتجاج:( ترحضون) أي تغسلون.

91 ( 1) رجال النجاشي 1/ 417.

92 ( 2) الفهرست للطوسي، ص 142.

93 ( 1) معجم رجال الحديث 8/ 339.

94 ( 2) المصدر السابق 8/ 340.

95 ( 3) أي أن علو نفسه جعله يستحيي من الإمام عليه السلام وممن معه من أصحابه.

96 ( 1) أي لقَّبونا بلقب أوقعنا في الضرر.

97 ( 1) سورة غافر، الآية 7.

98 ( 2) سورة الأحزاب، الآية 33.

99 ( 3) سورة الأعراف، الآية 102.

100 ( 4) سورة الحجر، الآية 47.

101 ( 5) سورة الزخرف، الآية 67.

102 ( 6) سورة الزمر، الآية 9.

103 ( 7) سورة الدخان، الآيتان 41، 42.

104 ( 1) سورة الزمر، الآية 53.

105 ( 2) سورة الحجر، الآية 42.

106 ( 3) سورة النساء، الآية 67.

107 ( 4) سورة ص، الآيتان 62، 63.

108 ( 5) الكافي 8/ 28.

109 ( 1) الصواعق المحرقة، ص 183.

110 ( 2) شرح نهج البلاغة 4/ 522.

111 ( 1) فيض القدير 3/ 14.

112 ( 1) الاختلاف في اللفظ، ص 41- 42.

113 ( 2) المستدرك على الصحيحين 4/ 534، طبعة حيدرآباد 4/ 487. الفتن لنعيم بن حماد، ص 83.

114 ( 1) مرآة العقول 3/ 48.

115 ( 1) النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 422.

116 ( 2) البداية والنهاية 6/ 158. شمائل الرسول، ص 354. الخصائص الكبرى 2/ 64.

117 ( 1) صحيح ابن حبان 14/ 418. مسند أحمد 3/ 83. المستدرك 4/ 514، ط حيدرآباد 4/ 468. دلائل النبوة للبيهقي 6/ 41 وصحَّحه. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 241 ح 122 وقال: هذا سند صحيح، رجاله ثقات.

118 ( 2) البداية والنهاية 6/ 150. شمائل الرسول، ص 339.

119 ( 3) المستدرك 2/ 674. دلائل النبوة 6/ 21.

120 ( 1) الخصائص الكبرى 2/ 65. مجمع الزوائد 8/ 293. المعجم الصغير 2/ 64. شمائل الرسول، ص 351.

121 ( 2) دلائل النبوة 6/ 18- 44. شمائل الرسول، ص 321- 355. البداية والنهاية 6/ 141- 159. مجمع الزوائد 9/ 3- 11، 8/ 291- 294. الخصائص الكبرى 2/ 56- 65.

122 ( 1) صحيح البخاري 7/ 118، ط محققة 4/ 1770. مسند أحمد 2/ 68، 89، 127. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 249. السنن الكبرى للنسائي 5/ 55. المعجم الكبير للطبراني 12/ 298. الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 380.

123 ( 2) صحيح البخاري 1/ 74، 155، ط محققة 1/ 107، 205. صحيح مسلم 1/ 422- 423. صحيح ابن خزيمة 3/ 62. صحيح ابن حبان 6/ 7. سنن أبي داود 1/ 61. صحيح سنن أبي داود 1/ 46. سنن النسائي 2/ 81، 89، ط محققة 2/ 416، 423. صحيح سنن النسائي 1/ 171، 175. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 398. مسند أحمد 2/ 518. مسند أبي عوانة 1/ 370، 371.

124 ( 3) سنن أبي داود 1/ 60. صحيح سنن أبي داود 1/ 45. صحيح ابن حبان 6/ 5. مسند أحمد 5/ 45. السنن الصغرى للبيهقي 1/ 178. السنن الكبرى له 2/ 397.

125 ( 1) مسند أحمد 5/ 41.

126 ( 2) صحيح مسلم 3/ 2007. مسند إسحاق بن راهويه 3/ 819. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 61. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 72.

127 ( 3) صحيح مسلم 4/ 2007. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 72. وراجع صحيح البخاري 8/ 96، ط محققة 4/ 1999. كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة.

128 ( 4) صحيح البخاري 1/ 64، 3/ 177، ط محققة 1/ 93، 2/ 742. صحيح مسلم 1/ 228. صحيح ابن خزيمة 1/ 35. صحيح ابن حبان 4/ 272- 279. سنن النسائي 1/ 30. صحيح سنن النسائي 1/ 7، 8. سنن ابن ماجة 1/ 111، 112. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 56. سنن الترمذي 1/ 19. سنن أبي داود 1/ 6. صحيح سنن أبي داود 1/ 8. سنن الدارمي 1/ 181. مسند أحمد 5/ 382، 394، 402. المصنف لعبد الرزاق 1/ 152. المصنف لابن أبي شيبة 1/ 115. شرح السنة للبغوي 1/ 386 وقال: هذا حديث متفق على صحَّته. مسند الحميدي 1/ 210. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 100- 101، 270، 274. المستدرك للحاكم 1/ 182، 185 ط جديدة 1/ 290، 295. السنن الكبرى للنسائي 1/ 67، 68. المعجم الكبير 17/ 179، 20/ 405، 406 وغيرها كثير.

129 ( 1) صحيح البخاري 5/ 51، ط محققة 1/ 136. صحيح مسلم 1/ 268. مسند أحمد 3/ 310، 333. مسند أبي عوانة 1/ 237. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 227. مسند أبي يعلى 2/ 346. حلية الأولياء 3/ 349. شعب الإيمان 6/ 151.

130 ( 2) صحيح البخاري 3/ 1171. صحيح مسلم 1/ 268. صحيح ابن حبان 4/ 481، 51/ 527. مسند أحمد 3/ 295، 380. مسند أبي عوانة 1/ 237. المصنف لعبد الرزاق 1/ 220.

131 ( 3) صحيح البخاري 2/ 20، كتاب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وراجع أيضاً باب الحراب والدرق يوم العيد، وباب سنة العيدين لأهل الإسلام، 4/ 225، ط محققة 1/ 295، 285، 286، 3/ 1096. صحيح مسلم 2/ 607- 609. صحيح ابن حبان 13/ 186- 189. سنن النسائي 3/ 216، 218. صحيح سنن النسائي 1/ 349. السنن الكبرى للبيهقي 10/ 218. السنن الكبرى للنسائي 5/ 309.

132 ( 1) صحيح البخاري 4/ 19، ط محققة 2/ 863، 4/ 2192. صحيح مسلم 3/ 1518. صحيح ابن حبان 15/ 51. الموطأ، ص 237. سنن الترمذي 4/ 178 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. سنن أبي داود 3/ 6. صحيح سنن أبي داود 2/ 472. مسند أبي عوانة 4/ 494. السنن الكبرى للبيهقي 9/ 165. السنن الكبرى للنسائي 3/ 27. سنن النسائي 6/ 347. صحيح سنن النسائي 2/ 667. الأدب المفرد، ص 257. حلية الأولياء 2/ 61.

133 ( 2) صحيح مسلم 1/ 240. سنن النسائي 1/ 172. صحيح سنن النسائي 1/ 61.

134 ( 3) صحيح مسلم 1/ 240.

135 ( 4) صحيح مسلم 1/ 238. سنن أبي داود 1/ 101. صحيح سنن أبي داود 1/ 75. صحيح ابن حبان 4/ 217. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 417. مسند الشافعي، ص 345.

136 ( 1) تلخيص الحبير 1/ 32.

137 ( 2) صحيح البخاري 9/ 38، ط محققة 4/ 2185. صحيح ابن حبان 1/ 216. مسند أحمد 6/ 233. تفسير القرآن العظيم 4/ 527. المصنف لعبد الرزاق 5/ 216.

138 ( 3) للاطّلاع على المزيد من أمثال هذه الأحاديث راجع كتاب( أبو هريرة) للسيد عبدالحسين شرف الدين رضوان الله عليه، وكتاب( تأملات في الصحيحين) لمحمد صادق نجمي، وكتاب( فاسألوا أهل الذكر) للدكتور محمد التيجاني السماوي.

139 ( 1) عيون أخبار الرضا 2/ 182.

140 ( 1) المصدر السابق 2/ 181.

141 ( 1) مجمع الزوائد 9/ 247. المعجم الكبير للطبراني 24/ 40. السنن الكبرى 7/ 137. تاريخ مدينة دمشق 50/ 230، 231.

142 ( 2) المعجم الكبير للطبراني 24/ 44. مجمع الزوائد 9/ 247.

143 ( 3) تفسير الطبري 22/ 10- 11. فأنزل الله عز وجل:\i وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يعنى بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعنى بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَه وَتُخْفِي\E

144 ( 1) زاد المسير 6/ 209.

145 ( 1) قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 456: تفضلت المرأة إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد. وقال ابن منظور في لسان العرب 11/ 526: الفضلة: الثياب التي تبتذل للنوم، لأنها فضلت عن ثياب التصرف.

146 ( 2) تفسير القرطبي 14/ 189.

147 ( 3) تفسير القرآن العظيم 3/ 491.

148 ( 1) المستدرك على الصحيحين 3/ 410، ط حيدرآباد 3/ 364. كتاب السنة 2/ 597.

149 ( 2) مجمع الزوائد 9/ 152. مسند البزار 3/ 183.

150 ( 1) الكافي 7/ 422. تهذيب الأحكام 6/ 304. وسائل الشيعة 18/ 206. بحار الأنوار 40/ 303.

151 ( 1) رجال النجاشي 2/ 127.

152 ( 2) اختيار معرفة الرجال 2/ 748.

153 ( 3) شواهد التنزيل 1/ 323.

154 ( 1) النهاية في غريب الحديث 1/ 440.

155 ( 2) أي قال له: اعضض بأَيْر أبيك. ولم يُكَنِّ عن الأير بالهن، تنكيلًا له وتأديباً. انظر النهاية في غريب الحديث 3/ 252، ولسان العرب 7/ 188.

156 ( 3) مسند أحمد بن حنبل 5/ 133.

157 ( 4) نفس المصدر 5/ 136. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/ 198، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 3: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

158 ( 1) قوادم الطير مقاديم ريشه، والأجدل هو الصقر. والأعزل: الذي لا سلاح عنده.

159 ( 1) يبتزني: أي يأخذ مني ذلك بالقهر والغلبة. والنُحيلة: تصغير نِحلة، وهي الهبة والعطية بطيب نفس. والبُلْغة: هي ما يُكتفى به من العيش. وابنيَّ: المراد بهما الحسنان. وألفيته: أي وجدته. والألد: هو الشديد.

160 ( 2) قيلة: اسم أم قبيلتي الأنصار، والمراد بنو قيلة، وهم الأنصار. ووصلها: عونها.

161 ( 1) المعجم الكبير للطبراني 1/ 62. مجمع الزوائد 5/ 202. الأحاديث المختارة 1/ 88 وقال الضياء المقدسي: وهذا حديث حسن عن أبي بكر، إلا أنه ليس فيه شي ء من قول النبي صلى الله عليه وسلم. كنز العمال 5/ 631 وقال: إنه حديث حسن، إلا أنه ليس فيه شي ء عن النبي صلى الله عليه وسلم. تاريخ مدينة دمشق 30/ 418- 423. تاريخ الطبري 2/ 619. الإمامة والسياسة، ص 18. مروج الذهب 2/ 301.

162 ( 1) الإمامة والسياسة، ص 12، 13.

163 ( 1) تاريخ أبي الفداء 1/ 219.

164 ( 2) ديوان حافظ إبراهيم، ص 82.

165 ( 3) منهاج السنة 4/ 343.

166 ( 1) النهاية في غريب الحديث 2/ 103.

167 ( 1) الترياق الفاروقي، ص 96.

168 ( 2) تحفة الأحوذي 10/ 81.

169 ( 3) سنن الترمذي 5/ 598 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وانظر مسند أحمد 1/ 96، 116، 117، 127، 134، والمستدرك 2/ 662، ط حيدرآباد 2/ 606 وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. ومسند أبي داود الطيالسي، ص 25.

170 ( 4) الطبقات الكبرى 1/ 410.

171 ( 1) راجع لسان العرب 6/ 347.

172 ( 2) الطبقات الكبرى 1/ 411.

173 ( 3) سنن الترمذي 5/ 603، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

174 ( 4) سنن الترمذي 5/ 603، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. المستدرك 2/ 662، ط حيدرآباد 2/ 606 صحّحه الحاكم. و كذا في البداية والنهاية 6/ 19.

175 ( 1) النهاية في غريب الحديث 1/ 441. ومثله في لسان العرب 6/ 288.

176 ( 2) مسند أحمد 1/ 89، 96، 101، 127. سنن الترمذي 5/ 598 وقال: هذا حديث حسن صحيح. المستدرك 2/ 662 ط حيدرآباد 2/ 606 وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي. البداية والنهاية 6/ 17.

177 ( 3) صحيح مسلم 4/ 1823. المستدرك 2/ 663، ط حيدرآباد 2/ 606 صحّحه الحاكم وقال: على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. الطبقات الكبرى 1/ 425.

178 ( 4) صحيح البخاري 1/ 86، 4/ 1816. صحيح مسلم 4/ 1823.

179 ( 1) صحيح ابن حبان 14/ 206.

180 ( 2) نفس المصدر 14/ 210.

181 ( 3) الطبقات الكبرى 1/ 412.

182 ( 4) المصدر السابق 1/ 414.

183 ( 1) لسان العرب 6/ 311.

184 ( 1) مجمع الزوائد 9/ 100.

185 ( 2) مجمع الزوائد 9/ 101. المصنف لعبد الرزاق 5/ 341. المعجم الكبير للطبراني 1/ 94.

186 ( 1) أي شَرِسة.

187 ( 2) رجال النجاشي، ص 159 ط حجرية. وراجع معجم رجال الحديث 10/ 314.

188 ( 3) الرجال لابن الغضائري، ص 69.

189 ( 4) الكافي 1/ 460.

190 ( 1) كتاب سليم بن قيس، ص 226.

191 ( 2) أي استحيت أشد الحياء.

192 ( 3) المصنف لعبد الرزاق 5/ 340، ط أخرى 5/ 488.

193 ( 1) فضائل الصحابة 2/ 764.

194 ( 1) مسند أحمد 5/ 26. المعجم الكبير للطبراني 20/ 229. مجمع الزوائد 9/ 101، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان، وثقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات.

195 ( 1) المعجم الكبير للطبراني 1/ 94.

196 ( 1) في المصدر: يؤتى به النبي.

197 ( 1) مرآة العقول 5/ 364.

198 ( 2) تفسير القرآن العظيم 4/ 157.

199 ( 1) سنن ابن ماجة 2/ 1293. مسند أحمد 6/ 339، 340. المعجم الكبير للطبراني 3/ 5، 25. 9/ 25- 27. وراجع المستدرك 3/ 194، ط حيدرآباد 3/ 176. مسند أبي يعلى 6/ 140. الطبقات الكبرى لابن سعد 8/ 278، 279.

200 ( 2) المستدرك 3/ 194.

201 ( 3) صحيح البخاري 3/ 1105. صحيح ابن خزيمة 1/ 66. صحيح ابن حبان 14/ 480.

202 ( 1) صحيح البخاري 3/ 1104. صحيح مسلم 4/ 1783.

203 ( 2) هو القدح الواسع القصير الجدار.

204 ( 3) صحيح البخاري 1/ 88.

205 ( 4) راجع سنن الترمذي 5/ 596، 597. مسند أحمد 1/ 460، 3/ 106، 132، 139، 147، 215، 289، 329، 353، 365. سنن النسائي 1/ 64، 65. ط أخرى 1/ 60، 61. سنن الدارمي 1/ 18- 20. صحيح ابن حبان 14/ 476- 484. الموطأ، ص 24. الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 178- 179، 182، 2/ 98. صحيح ابن خزيمة 1/ 65، 74، 102. مسند أبي عوانة 4/ 428، 5/ 137. السنن الصغرى للبيهقي 1/ 34. مجمع الزوائد 8/ 299- 302، 9/ 9. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 30، 43. سنن الدارقطني 1/ 71. السنن الكبرى للنسائي 1/ 80، 81. المعجم الأوسط للطبراني 2/ 121. مسند الطيالسي، ص 239. وغيرها كثير.

206 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

207 ( 1) المعجم الكبير 25/ 110. مسند أبي عوانة 5/ 181.

208 ( 1) الكافي 5/ 346.

209 ( 1) سورة هود، الآية 78.

210 ( 2) رسائل المفيد، ص 61- 63( عن بحار الأنوار 42/ 107).

211 ( 1) بحار الأنوار 42/ 109.

212 ( 2) رجال النجاشي 2/ 365.

213 ( 3) رجال ابن الغضائري، ص 96.

214 ( 1) هي البساط الذي له خمل رقيق.

215 ( 2) رجال الكشي 2/ 511. ونقله عنه في بحار الأنوار 30/ 242.

216 ( 1) النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 217.

217 ( 2) الموطأ، ص 287.

218 ( 1) صحيح البخاري 1/ 137.

219 ( 2) الأخر: هو الأرذل والأبعد، وقيل: اللئيم. وقيل: الشقي. وقيل غير ذلك.

220 ( 3) صحيح مسلم 3/ 1319.

221 ( 1) تنقيح المقال 2/ 278.

222 ( 2) راجع المستدرك 3/ 187، 192، ط حيدرآباد 3/ 171، 175. الفتن لنعيم بن حماد 1/ 164. سير أعلام النبلاء 3/ 147. ميزان الاعتدال 3/ 247. لسان الميزان 3/ 53. الضعفاء للعقيلي 2/ 549. تهذيب الكمال 6/ 250. تاريخ بغداد 10/ 305. الاستيعاب 1/ 387 إلا أن فيه: سفيان بن ليلى.

223 ( 3) كتاب الضعفاء 2/ 549، ونقله عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 247. وابن حجر في لسان الميزان 3/ 53 وغيرهما.

224 ( 4) ميزان الاعتدال 3/ 248. لسان الميزان 3/ 54. كنز العمال 13/ 589.

225 ( 5) تعاليق الألباني على كتاب السنة لابن أبي عاصم، ص 334 حديث 748.

226 ( 6) كتاب الثقات 4/ 319.

227 ( 1) المستدرك 3/ 175. المصنف لابن أبي شيبة 7/ 476. كنز العمال 11/ 349، 13/ 589. ذخائر العقبى، ص 240. تاريخ بغداد 10/ 305. تاريخ مدينة دمشق 13/ 279، 59/ 151. البداية والنهاية 8/ 20، 134.

228 ( 1) طبقات أعلام الشيعة( نوابغ الرواة في رابعة المئات)، ص 295. وذكر الزركلي في الأعلام 6/ 311 أن وفاة الكشي كانت نحو 340 ه-.

229 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 103.

230 ( 3) رجال العلامة، ص 265. رجال ابن داود، ص 285. الوجيزة، ص 201. رجال المجلسي، ص 344. تنقيح المقال 3/ 335. معجم رجال الحديث 20/ 168.

231 ( 1) شرح مير داماد على اختيار معرفة الرجال 1/ 379.

232 ( 1) التحرير الطاووسي، ص 128.

233 ( 1) تنقيح المقال 1/ 445.

234 ( 2) معجم رجال الحديث 7/ 238.

235 ( 1) معجم رجال الحديث 1/ ل. طبعة أخرى 1/ 18.

236 ( 1) في حاشية الكافي: أي يقول: أنا على مذهبك، كلُّ ما حكمت عليَّ أنا أعتقده وأدين الله به.

237 ( 2) الكافي 2/ 385.

238 ( 1) شرح المازندراني 10/ 59.

239 ( 1) راجع معجم رجال الحديث 10/ 319.

240 ( 2) تنقيح المقال 1/ 317.

241 ( 1) معجم رجال الحديث 4/ 132.

242 ( 1) معجم رجال الحديث 16/ 160.

243 ( 1) التحرير الطاووسي، ص 159، 163.

244 ( 2) نقد الرجال 3/ 118.

245 ( 3) معجم رجال الحديث 10/ 238.

246 ( 1) أما خروج العباس مكرهاً فذُكر في أسد الغابة 3/ 163، والإصابة 3/ 511، والاستيعاب 2/ 812، وسير أعلام النبلاء 2/ 96. وأما خروج عقيل فراجعه في سير أعلام النبلاء 1/ 218، 3/ 99. وأسد الغابة 4/ 61. والاستيعاب 3/ 1078. والمنتظم 5/ 236.

247 ( 2) أسد الغابة 3/ 165. الاستيعاب 2/ 811.

248 ( 3) الاستيعاب 2/ 812.

249 ( 1) نفس المصدر 3/ 1078.

250 ( 2) الإصابة 4/ 438.

251 ( 1) رجال العلامة، ص 103.

252 ( 2) يعني من أصحاب رسول الله وأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

253 ( 3) رجال ابن داود، ص 121.

254 ( 4) التحرير الطاووسي، ص 159.

255 ( 1) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، ص 101.

256 ( 2) وسائل الشيعة 20/ 239.

257 ( 3) معجم رجال الحديث 10/ 239.

258 ( 1) الاستيعاب 3/ 1079. سير أعلام النبلاء 3/ 100.

259 ( 1) الروضة من الكافي، ص 196 حديث 313.

260 ( 2) بحار الأنوار 46/ 138.

261 ( 1) خول: عبيد وخدم.

262 ( 2) البداية والنهاية 8/ 225.

263 ( 3) الإصابة 6/ 232.

264 ( 4) تاريخ الطبري 4/ 378- 379.

265 ( 5) المصدر السابق 4/ 381.

266 ( 1) تاريخ خليفة بن خياط 1/ 238.

267 ( 2) الكامل 4/ 118. المنتظم 6/ 15.

268 ( 1) فتح الباري 10/ 350.

269 ( 1) ذخائر العقبى، ص 36.

270 ( 2) المستدرك 3/ 156 ط حيدرآباد، 3/ 169 ط محققة. الدر المنثور 5/ 218.

271 ( 3) المستدرك 3/ 156 ط حيدرآباد، 3/ 169 ط محققة.

272 ( 4) فيض القدير 1/ 105.

273 ( 5) المصدر السابق 5/ 174.

274 ( 1) سنن أبي داود 2/ 312. السنن الكبرى للبيهقي 4/ 234. مسند أحمد 6/ 123، 234.

275 ( 2) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/ 219.

276 ( 3) الأحاديث المختارة 9/ 555. المعجم الكبير 3/ 45، 12/ 108. الإصابة 1/ 611. ذخائر العقبى، ص 221. سير أعلام النبلاء 3/ 253. إلا أن فيه الحسن بدل الحسين.

277 ( 4) مجمع الزوائد 9/ 186.

278 ( 5) السنن الكبرى للبيهقي 1/ 137.

279 ( 1) مصباح الفقاهة 2/ 87.

280 ( 1) عيون أخبار الرضا 1/ 165.

281 ( 2) سنن النسائي 7/ 72، 74. صحيح سنن النسائي 3/ 827. المستدرك 2/ 174. ط حيدرآباد 2/ 160. وصحَّحه ووافقه الذهبي. الأحاديث المختارة 4/ 428، 5/ 112، 113. مسند أحمد 3/ 128، 199، 285. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 78. السنن الكبرى للنسائي 5/ 280. مسند أبي

282 ( 1) صحيح مسلم 4/ 2072.

283 ( 2) نفس المصدر 4/ 2073.

284 ( 3) نفس المصدر 4/ 2071.

285 ( 1) أسقط الكاتب من الحديث ما جعلناه بين معقوفين، فلم يذكره في كتابه.

286 ( 1) نعم، من مراجع النجف الأشرف في الوقت الحاضر آية الله السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم دام ظله، ولكنه لا يُعرف في الأوساط العلمية أو الشعبية إلا بالسيد الحكيم، دون السيد الطباطبائي، بحيث لو أشار إليه شخص بالطباطبائي لماعُرف.

287 ( 1) سنن الترمذي 5/ 641 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. الأحاديث المختارة 2/ 45. مسند أحمد 1/ 77. المعجم الكبير للطبراني 3/ 43.

288 ( 1) صحيح البخاري 3/ 1189، 1190، 1653، 1654، 1660. صحيح مسلم 2/ 1038- 1039. سنن أبي داود 2/ 239، 4/ 284، سنن النسائي 6/ 82. سنن ابن ماجة 1/ 603- 604. صحيح ابن حبان 16/ 9، 56. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 114، 253. مسند أبي داود الطيالسي، ص 305.

289 ( 1) وسائل الشيعة 14/ 70.

290 ( 2) روضة الطالبين 5/ 314.

291 ( 1) المبسوط للسرخسي 15/ 109.

292 ( 2) بأن كانت دون تسع سنين، أو كانت رضيعة عمرها سنة واحدة كما سيأتي قريباً في أكثر الروايات عن أحمد شمول مورد الكلام لمن كانت في المهد.

293 ( 3) وأما بعد الاستبراء فلا تحريم في البين وإن لامسها أو قبَّلها بشهوة.

294 ( 4) وهذه الفتوى من مهازل فتاوى أحمد بن حنبل، إذ كيف تُستبرأ الرضيعة التي في المهد مع عدم قابليتها للحمل، وهل الاستبراء إلا من أجل التأكد من عدم الحمل؟

295 ( 5) أي لا يجب استبراء الرضيعة، ولا تحرم مباشرتها، لأنها ليست ممن تحيض، ولا ممن توطأ وتحبل. اه

296 ( 6) أي أن القول بجواز مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة من غير استبراء هو قول ابن أبي موسى ومالك بن أنس، وهو المختار عند ابن قدامة.

297 ( 7) هذا تعليل لعدم حرمة مباشرة الرضيعة قبل استبرائها، وهو أن السبب في إباحة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة متحقق، وهو العقد عليها إن كانت زوجة والملكية إن كانت الرضيعة أمة.

298 ( 8) أي لا يوجد دليل على حرمة مباشرة الرضيعة وتقبيلها بشهوة، لا نص صريح، ولا معنى يمكن استفادته من النص.

299 ( 1) وأما تحريم مباشرة الكبيرة فلأجل أن المباشرة قد تؤدي إلى الوطء، وهو محرم قبل الاستبراء، أو لأجل أنها قد تكون حاملًا من غيره، فتكون أم ولد لذلك الغير، ووطء أم ولد الغير حرام.

300 ( 2) أي أن الخشية من الوقوع في الوطء المحرم واحتمال كون الرضيعة أم ولد للغير لا يمكن توهّمهما في الرضيعة، لاستبعاد تحقق وطئها من الرجل السوي، وامتناع كونها أم ولد للغير.

301 ( 3) المغني لابن قدامة 9/ 160.

302 ( 4) كما لو اتفقا على ألا يطأها الزوج، وإنما يقتصر على الاستمتاع بها بالتقبيل والتفخيذ وغيرهما مما هو دون الوطء مما لا ضرر فيه على الصغيرة.

303 ( 5) بأن أراد الزوج وطأها، وأراد الولي منه أن يقتصر على الاستمتاعات الأخرى فقط.

304 ( 6) فيجوز للزوج أن يدخل بها إذا أطاقت الجماع وإن كان عمرها دون السنتين أو الثلاث.

305 ( 7) أي لا يمكن ضبط مقدرة الصغيرة على الجماع بسن معين، فربما تطيق الجماع بعض الصغيرات بملاحظة سمنها مثلًا، وصغر آلة زوجها، وربما لا تطيقه من كانت أكبر سناً إذا كانت هزيلة، وكانت آلة زوجها عظيمة.

306 ( 8) شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 206.

307 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

308 ( 1) الكافي 5/ 149. تهذيب الأحكام 7/ 250. وسائل الشيعة 14/ 437.

309 ( 1) أخرج الطحاوي هذا الحديث في شرح معاني الآثار 3/ 24 عن عبد الله بن مسعود، وهو المراد به في حديث مسلم.

310 ( 2) صحيح مسلم 2/ 1022- 1025.

311 ( 1) نفس المصدر 2/ 1023.

312 ( 2) مسند أحمد 3/ 325. أحكام القرآن للجصاص 2/ 152.

313 ( 3) مسند أحمد 3/ 365. وبألفاظ قريبة مما مرّ في 3/ 363.

314 ( 4) السنن الكبرى للبيهقي 7/ 206.

315 ( 5) سنن سعيد بن منصور، ص 252. وراجع مسند أحمد بن حنبل 1/ 52. شرح معاني الآثار 2/ 144، 146. كنز العمال 16/ 519، 521. أحكام القرآن للجصاص 1/ 290، 291، 293، 2/ 152، 3/ 239. تفسير القرطبي 2/ 392. العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني 2/ 156. تذكرة الحفاظ 1/ 366. بداية المجتهد 2/ 121.

316 ( 1) المبسوط 4/ 27.

317 ( 2) المصنف لعبد الرزاق 7/ 499، ط أخرى 7/ 399. شرح معاني الآثار 3/ 26.

318 ( 3) المصنف لعبد الرزاق 7/ 499، ط أخرى 7/ 399.

319 ( 4) صحيح ابن حبان 9/ 244.

320 ( 1) صحيح البخاري 1/ 468.

321 ( 2) فتح الباري 3/ 339.

322 ( 3) تاريخ الخلفاء، ص 108. وتجد ذكر تحريم المتعة في كتاب الأوائل للعسكري 1/ 240.

323 ( 1) تهذيب الأحكام 7/ 251.

324 ( 1) الاستبصار 3/ 142.

325 ( 2) أي الزواج من غير بيِّنة.

326 ( 3) تهذيب الأحكام 7/ 261. الاستبصار 3/ 148.

327 ( 1) انظر المصدرين السابقين.

328 ( 1) الظاهر أنه خطأ مطبعي، وأنه يريد:( صريح) كما هو ظاهر السياق، وإلا فالكاتب بعيد كل البعد عن معرفة الحديث الصحيح والضعيف كما يلاحظه كل من يقرأ كتابه.

329 ( 1) وسائل الشيعة 14/ 443.

330 ( 2) الكافي 5/ 457. وسائل الشيعة 14/ 470.

331 ( 1) الكافي 5/ 450. وسائل الشيعة 14/ 444.

332 ( 2) من لا يحضره الفقيه 3/ 304. وسائل الشيعة 14/ 442.

333 ( 1) وسائل الشيعة 14/ 440.

334 ( 2) نفس المصدر.

335 ( 1) رجال النجاشي، ص 163 ط حجرية.

336 ( 2) نفس المصدر، ص 176 ط حجرية.

337 ( 1) رجال ابن الغضائري، ص 77.

338 ( 2) اختيار معرفة الرجال 2/ 748 رقم 851.

339 ( 1) الكافي 5/ 467.

340 ( 1) سورة النساء، الآية 24.

341 ( 1) وسائل الشيعة 14/ 458.

342 ( 2) المصدر السابق 14/ 459.

343 ( 3) مباني العروة الوثقى( كتاب النكاح) 2/ 263.

344 ( 1) بداية المجتهد 3/ 44.

345 ( 1) زواج المسيار هو أن يتزوج الرجل المرأة بصداق وبيِّنة وموافقة الولي، ولكن الزوجة قد تبقى في بيت أهلها، وتُسقِط كافة حقوقها من نفقة ومبيت وقسم وغيرها، إلا أن الزوج( يُسيِّر عليها) أي يطوف بها كل فترة، ليقضي وطره منها.

346 ( 1) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 393.

347 ( 1) بداية المجتهد 3/ 53.

348 ( 2) المغني 7/ 339.

349 ( 3) نيل الأوطار 6/ 127.

350 ( 4) بداية المجتهد 3/ 53.

351 ( 1) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 388.

352 ( 1) المغني 7/ 500.

353 ( 2) سورة المائدة، الآية 5.

354 ( 3) المصدر السابق 7/ 166.

355 ( 1) المصدر السابق 7/ 131.

356 ( 2) الكافي 5/ 452. الاستبصار 3/ 147.

357 ( 3) راجع معجم رجال الحديث للخوئي 8/ 98، 99.

358 ( 1) سورة الأحزاب، الآية 50.

359 ( 2) سورة الممتحنة، الآية 9.

360 ( 3) سورة النساء، الآية 24.

361 ( 4) سورة النساء، الآية 25.

362 ( 5) سورة المائدة، الآية 5.

363 ( 1) الجامع لأحكام القرآن 5/ 129.

364 ( 2) تفسير الطبري 5/ 19.

365 ( 3) المصدر السابق 6/ 69.

366 ( 4) المصدر السابق 22/ 20.

367 ( 5) تفسير القرآن العظيم 1/ 476.

368 ( 6) المصدر السابق 2/ 22.

369 ( 1) أحكام القرآن 1/ 196.

370 ( 2) صحيح البخاري 4/ 1682.

371 ( 3) الجامع لأحكام القرآن 13/ 273.

372 ( 4) المصدر السابق.

373 ( 1) المحلى 12/ 196.

374 ( 2) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 236.

375 ( 1) وسائل الشيعة 14/ 441.

376 ( 2) الوافي 3/ 55 في أبواب النكاح.

377 ( 1) الانتصار، ص 193.

378 ( 2) أحكام القرآن للجصاص 3/ 17. المغني لابن قدامة 11/ 66. الشرح الكبير 11/ 66. بداية المجتهد 3/ 25.

379 ( 3) راجع شرح مسلم للنووي 12/ 168، 13/ 91. تحفة الأحوذي 5/ 415. عون المعبود 10/ 286. شرح معاني الآثار 4/ 210. أحكام القرآن للجصاص 3/ 17. المبسوط للسرخسي 11/ 232. فتح الباري 9/ 539. المحلى 6/ 78- 79. المغني لابن قدامة 11/ 66. الشرح الكبير 11/ 65. كتاب الأم 2/ 251. سبل السلام 4/ 146. بداية المجتهد 3/ 25. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 250.

380 ( 4) راجع الكافي 6/ 245، 246. التهذيب 9/ 41. الاستبصار 4/ 73- 74.

381 ( 5) سورة الأنعام، الآية 145.

382 ( 6) كتاب الخلاف 6/ 80.

383 ( 1) جواهر الكلام 36/ 265.

384 ( 2) رياض المسائل 8/ 231.

385 ( 3) وسائل الشيعة 16/ 323.

386 ( 1) المصدر السابق 16/ 324.

387 ( 2) صحيح مسلم 3/ 1538.

388 ( 3) نفس المصدر 3/ 1539.

389 ( 4) راجع صحيح البخاري 3/ 1282- 1283. صحيح مسلم 3/ 1537- 1541. سنن الترمذي 4/ 254. سنن أبي داود 3/ 356. سنن النسائي 7/ 230- 233. سنن ابن ماجة 2/ 1064- 1066. سنن الدارمي 1/ 517.

390 ( 1) صحيح مسلم 2/ 1023. صحيح ابن حبان 9/ 458. وأوطاس هو موضع بين مكة والطائف. مسند أحمد 4/ 55. سنن الدارقطني 3/ 258. قال البيهقي في سننه الكبرى 7/ 204: وعام أوطاس وعام الفتح واحد، فأوطاس وإن كانت بعد الفتح، فكانت في عام الفتح بعده بيسير، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما، أو إلى الآخر.

391 ( 2) صحيح مسلم 2/ 1025.

392 ( 1) تلخيص الحبير 3/ 155- 156.

393 ( 1) تفسير القرآن العظيم 1/ 474.

394 ( 1) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 170: وقال جرير: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوج ستين امرأة. وقال: قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلباً للجماع.

395 ( 1) مستدرك الوسائل 14/ 448.

396 ( 2) الكافي 5/ 452.

397 ( 3) المصدر السابق 5/ 331.

398 ( 1) تفسير القرآن العظيم 3/ 287. ونقلها السيوطي في الدر المنثور 6/ 189.

399 ( 2) الدر المنثور 6/ 189.

400 ( 1) سورة النساء، الآيتان 24، 25.

401 ( 1) النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ص 87.

402 ( 1) الكافي 5/ 467.

403 ( 1) رجال النجاشي 1/ 441.

404 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 70.

405 ( 3) راجع الكافي 5/ 153، 305. الاستبصار 3/ 70.

406 ( 4) رجال النجاشي 2/ 208.

407 ( 5) الفهرست، ص 219.

408 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

409 ( 1) رجال ابن الغضائري، ص 92.

410 ( 1) عن هامش الكافي 5/ 452.

411 ( 1) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 396.

412 ( 2) راجع بداية المجتهد 3/ 61.

413 ( 3) صحيح مسلم 3/ 1542.

414 ( 4) نفس المصدر.

415 ( 1) نفس المصدر 3/ 1545.

416 ( 2) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 251.

417 ( 3) صحيح مسلم 3/ 1623.

418 ( 4) نفس المصدر. و( يؤتى) أي تأتيه الملائكة وينزل عليه الوحي.

419 ( 1) الجامع لأحكام القرآن 5/ 129.

420 ( 1) تفسير الطبري 5/ 9- 10.

421 ( 1) سنن الترمذي 4/ 54. سنن أبي داود 4/ 157، 158. سنن النسائي 6/ 433، 434. سنن ابن ماجة 3/ 853. مسند أحمد 4/ 275. مصنف ابن أبي شيبة 5/ 511. شرح معاني الآثار 3/ 145.

422 ( 2) المستدرك 4/ 406.

423 ( 3) مسند أحمد 4/ 276. السنن الكبرى للنسائي 3/ 329. سنن النسائي 6/ 434. سنن الدارمي 2/ 624.

424 ( 1) تحفة الأحوذي 5/ 11.

425 ( 2) سنن الترمذي 4/ 55.

426 ( 1) المصنف لعبد الرزاق 7/ 169. المحلى لابن حزم 12/ 206.

427 ( 2) قال ابن حزم في المحلى 12/ 208: أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاووس في غاية الصحة، ولكنا لا نقول به، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: مراده أن القول بالتحليل منقول بسند في غاية الصحة عن ابن عباس وطاووس، ولكن ابن حزم لا يقول به، لأن قولهما ليس حجة في نفسه، وهذا من مهازلهم فإنهم يأخذون بقول الصحابي متى شاؤوا، ويتركونه متى شاؤوا من غير ضابطة صحيحة.

428 ( 1) المصنف لعبد الرزاق 7/ 169- 170. ونقل السيوطي جملة من هذه الأخبار عن عبد الرزاق في تفسيره الدر المنثور 6/ 89. وراجع كتاب المحلى لابن حزم 12/ 206.

429 ( 2) المحلى 12/ 206.

430 ( 1) هي أكبر أحياء مدينة بغداد، وسكنتها أغلبهم من الشيعة، تأسست في زمن رئيس العراق الأسبق عبد الكريم قاسم.

431 ( 1) الجامع لأحكام القرآن 3/ 93.

432 ( 2) المغني 8/ 132.

433 ( 1) الدر المنثور 1/ 635- 638. وذكر الطبري بعض هذه الأخبار في تفسيره 2/ 233- 234، فراجعها.

434 ( 1) محاضرات الأدباء 2/ 268 ط دار مكتبة الحياة.

435 ( 1) تفسير القرآن العظيم 1/ 258.

436 ( 2) دفع توهم أنه إذا جاز كل شي ء إلا خصوص الفرج ما معنى ما ورد في بعض الآثار من أن للرجل من امرأته حال الحيض ما فوق السُّرَّة فقط؟

437 ( 3) الجامع لأحكام القرآن 3/ 86- 87.

438 ( 1) صحيح مسلم 1/ 246. صحيح ابن حبان 4/ 196. سنن ابن ماجة 1/ 211. مسند أحمد 3/ 132.

439 ( 2) المغني لابن قدامة 1/ 384.

440 ( 1) تفسير القرطبي 2/ 226.

441 ( 2) صحيح البخاري 2/ 602.

442 ( 3) نفس المصدر 1/ 114.

443 ( 4) صحيح مسلم 1/ 243.

444 ( 5) المصدر السابق 1/ 242.

445 ( 1) أي حاجته وشهوته، والمراد: أنه كان أملككم لنفسه، فيأمن من الوقوع في وطء الحائض في فرجها.

446 ( 2) صحيح مسلم 1/ 242.

447 ( 3) سنن الترمذي 1/ 239.

448 ( 4) سنن الدارمي 1/ 255.

449 ( 5) قال ابن منظور في لسان العرب( مادة رقق) 10/ 122: ومراق البطن: أسفله وما حوله مما استرقَّ منه، ولا واحد لها. التهذيب: والمراق ما سفل من البطن عند الصفاق أسفل السُّرّة.

450 ( 6) سنن الدارمي 1/ 259.

451 ( 1) نفس المصدر 1/ 256.

452 ( 2) مصنف ابن أبي شيبة 3/ 525.

453 ( 3) سنن الدارمي 1/ 259. مصنف ابن أبي شيبة 3/ 524.

454 ( 4) مصنف ابن أبي شيبة 3/ 524.

455 ( 1) هذه الجملة غير تامة، فإنها اشتملت على مبتدأ من دون خبر.

456 ( 1) تفسير القرآن العظيم 3/ 411.

457 ( 2) الجامع لأحكام القرآن 13/ 341.

458 ( 3) جامع البيان في تفسير القرآن 20/ 93.

459 ( 1) سورة هود، الآيات 77- 83.

460 ( 2) سورة العنكبوت، الآية 28.

461 ( 1) المقنع، ص 429.

462 ( 2) المقنعة، ص 785.

463 ( 1) الانتصار، ص 251.

464 ( 2) أي في دبره.

465 ( 3) جواهر الكلام 41/ 374- 375. وراجع أخبار الباب في كتاب وسائل الشيعة 18/ 416- 424.

466 ( 1) مسائل فقهية، ص 72. ونحو هذه العبارة في أجوبة مسائل جار الله، ص 85.

467 ( 1) تحرير المجلة 5/ 24.

468 ( 2) هنا حاشية للكاتب سيأتي الجواب عنها قريباً.

469 ( 1) هنا حاشية له أخرى سيأتي الجواب عنها كذلك.

470 ( 2) كتاب الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين، ص 647.

471 ( 1) يريد بذلك حَلَقة الدبر( حاشية من الكاتب).

472 ( 2) سورة النور، الآية 19.

473 ( 3) تفسير القرآن العظيم 3/ 275.

474 ( 1) هنا حاشية له سيأتي الجواب عنها قريباً.

475 ( 1) بل هو( الكناسي) لا الكناني.

476 ( 1) شرح أصول الكافي 7/ 411.

477 ( 2) جواهر الكلام 16/ 145.

478 ( 3) جواهر الكلام 16/ 147.

479 ( 1) أخرج مسلم في صحيحه 4/ 2046، 2047 بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مُدْرِكٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَا، والقلب يهوى ويتمنى، ويُصدِّق ذلك الفرجُ ويُكذِّبه. وروي بألفاظ متقاربة في مصادر كثيرة، فراجع: صحيح البخاري 4/ 1964، 2068. المستدرك 1/ 55، 2/ 470 وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. سنن أبي داود 2/ 246، 247. صحيح ابن حبان 10/ 267- 270. مسند أحمد 2/ 276، 317، 344، 349، 372، 379، 411، 431، 528، 535، 536. السنن الكبرى للبيهقي 7/ 89. السنن الكبرى للنسائي 6/ 473. مجمع الزوائد 6/ 256. شعب الإيمان 4/ 365- 366. الترغيب والترهيب 3/ 8- 9. شرح السنة للبغوي 1/ 137- 138.

480 ( 1) شرح أصول الكافي 7/ 407.

481 ( 2) المصدر السابق 7/ 37.

482 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

483 ( 1) كذا في نسخة الكتاب، والصحيح كما في المصدر: مظلمتنا.

484 ( 1) أي العلّامة الحلي في رجاله المعروف بالخلاصة.

485 ( 2) جامع الرواة 2/ 534.

486 ( 3) معجم رجال الحديث 7/ 126.

487 ( 1) جامع الرواة 2/ 542.

488 ( 2) من لا يحضره الفقيه 2/ 28. الاستبصار 2/ 59. وسائل الشيعة 6/ 380.

489 ( 1) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: أغمضت.

490 ( 2) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: بخمسه.

491 ( 1) مجمع البحرين 4/ 219.

492 ( 2) النهاية في غريب الحديث 3/ 387.

493 ( 1) الكافي 1/ 548. الاستبصار 2/ 60.

494 ( 2) من المحل: وهو المكر والكيد. أو من التمحل: وهو الاحتيال. أو من المحال، فيكون معنى العبارة هو استبعاد وقوع الفعل.

495 ( 3) الكافي 1/ 548. الاستبصار 2/ 60. التهذيب 4/ 140.

496 ( 4) من لا يحضره الفقيه 2/ 27. وسائل الشيعة 6/ 337.

497 ( 5) الكافي 1/ 547. التهذيب 4/ 123. الاستبصار 2/ 59.

498 ( 1) التهذيب 4/ 123. الاستبصار 2/ 55. وسائل الشيعة 6/ 348.

499 ( 2) الكافي 1/ 545. وسائل الشيعة 6/ 350.

500 ( 3) تهذيب الأحكام 4/ 123. وسائل الشيعة 6/ 348.

501 ( 4) الكافي 1/ 545.

502 ( 1) الكافي 1/ 544. تهذيب الأحكام 4/ 121.

503 ( 2) الكافي 1/ 548.

504 ( 3) يعني الشيخ المفيد.

505 ( 4) الاستبصار 2/ 60.

506 ( 1) مستند العروة الوثقى( كتاب الخمس)، ص 343.

507 ( 1) الإباحة المالكية يراد بها أن الإمام عليه السلام الذي كان مالكاً للخمس في زمن إمامته قد أباحه في بعض الموارد، وأما الإباحة الشرعية فيراد بها أنه مباح شرعاً لكل أحد، وهذه الإباحة هي محل النزاع، لا تلك.

508 ( 2) مستمسك العروة الوثقى 9/ 579.

509 ( 3) شرائع الإسلام 1/ 184.

510 ( 1) نفس المصدر.

511 ( 1) تحرير الأحكام 1/ 444.

512 ( 1) راجع مسالك الأفهام 1/ 475.

513 ( 2) أي على حسب آرائهم في كيفية التصرف في الخمس في غيبة الإمام عليه السلام.

514 ( 3) وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل من الذرية الطاهرة.

515 ( 4) أي في حال حضور الإمام وفي حال غيبته.

516 ( 5) أي أنه تركه اختصاراً مع ذهابه إلى استثناء هذه الثلاثة، لأن الشهيد رحمه الله ادّعى إجماع الإمامية عليه في كتابه( البيان).

517 ( 1) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3/ 107- 116.

518 ( 2) مجمع الفائدة والبرهان 4/ 355.

519 ( 1) يعني حتى من أرباح المكاسب، فإنهم عدّوها غنيمة بمعناها اللغوي.

520 ( 2) أي أن الأصل عدم سقوط الخمس بعد العلم بثبوته بالدليل القطعي.

521 ( 3) يعني يجب دفع الخمس ولا سيما بعد الحكم بتحريم الزكاة عليهم، وأن الخمس عوض لها، ولو قلنا بسقوط الخمس لسقط حقهم كلية، وهذا لا يمكن المصير إليه.

522 ( 4) يعني أن الأئمة إذا أسقطوا حقّهم لا يسقط حق غيرهم من الأصناف المستحقة للخمس وهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.

523 ( 5) أي وأن الأخبار التي دلّت على إباحة الخمس ليست كلها صحيحة، والصحيح منها ليس صريحاً في المطلوب.

524 ( 6) أي ويحتمل حمل أخبار إباحة الخمس على إباحته للعاجزين من الشيعة، لا مطلقاً لكل أحد.

525 ( 7) أي ويُحمل بعض الأخبار المبيحة للخمس على التقية، ولعله لتجنب سخط الخلفاء الذين كانوا يستاؤون من جمع الأموال للأئمة، فإذا صدر من الأئمة ما يدل على أنهم قد أباحوا الخمس لشيعتهم، فإن ذلك يحول دون وقوع السوء عليهم من خلفاء عصرهم.

526 ( 8) أي يحتمل أن يكون إباحة الخمس إنما هو مخصوص بمن تصرف بحقوقهم ولا يستطيع الآن إيصاله لهم، فهم قد جعلوه في حل منها، لا أنه لا يجب على من يستطيع إيصال الحق إليهم.

527 ( 9) أي يجب العمل بالأمر الثابت وهو وجوب الخمس حتى يُعلم المسقط له، وهو الإباحة.

528 ( 1) مجمع الفائدة والبرهان 4/ 357.

529 ( 2) الاسم الصحيح للكتاب هو( المراسم)، وهذا دليل آخر يضاف إلى ما سبق من الأدلة الدالة على أن الكاتب قد حصل على درجة الاجتهاد( بتفوق).

530 ( 1) المراسم، ص 140.

531 ( 2) المراسم، ص 139- 140.

532 ( 1) مدارك الأحكام 5/ 383.

533 ( 2) المصدر السابق 5/ 421.

534 ( 1) أي صرف جميع الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل من السادة الكرام.

535 ( 1) ذخيرة المعاد، ص 492 ط حجرية.

536 ( 2) مفاتيح الشرائع 1/ 229.

537 ( 1) كشف الغطاء 2/ 364 ط حجرية.

538 ( 1) كشف الغطاء، ص 363.

539 ( 2) جواهر الكلام 16/ 177.

540 ( 1) أي كيف نقول بالإباحة وهم قد أكدوا وجوب الخمس المتعلق في أموال الشيعة.

541 ( 2) يريد بأن تحمل أخبار الإباحة على الأراضي والأنفال، وأخبار الحث على إخراجه على سائر أموال الأخرى.

542 ( 3) أي أن الأخبار المتواترة تجعل الفقيه يقطع بأن الأئمة أباحوا لشيعتهم حقوقهم من الأنفال وغير الأنفال مما هو مشترك بين المسلمين مما كان في أيدي الأئمة، ثم صار في أيدي أعدائهم، فيجوز للشيعة شراؤه والمعاوضة عليه واستئجاره وقبوله هدية ممن هو في يده.

543 ( 4) أي الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء في كتابه( كشف الغطاء).

544 ( 1) جواهر الكلام 16/ 138- 140.

545 ( 2) أي بالأخبار التي ظاهرها تحليل الخمس للشيعة.

546 ( 1) أي تحليل مطلق الخمس في وقت صدور الرواية.

547 ( 2) مصباح الفقيه 3/ 126.

548 ( 1) المصدر السابق 3/ 156.

549 ( 1) الانتصار، ص 86.

550 ( 2) يعني فقهاء أهل السنة.

551 ( 3) كتاب الخلاف 2/ 118.

552 ( 4) غنية النزوع، ص 129.

553 ( 1) منتهى المطلب 1/ 548.

554 ( 2) تذكرة الفقهاء 1/ 253 ط حجرية.

555 ( 3) عن كتاب مدارك الأحكام 5/ 378.

556 ( 1) مدارك الأحكام 5/ 378.

557 ( 2) غنائم الأيام 4/ 314.

558 ( 3) رياض المسائل 3/ 291.

559 ( 1) جواهر الكلام 16/ 45.

560 ( 2) كتاب الخمس، ص 71.

561 ( 1) يعني إذا كان الإمام غائباً فلمن يعطيه؟( حاشية من الكاتب).

562 ( 2) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: غيبته.

563 ( 1) كذا في نسخة الكتاب، وفي المصدر: يُعْدَم.

564 ( 2) تجد كلامه مفصّلًا في المقنعة، ص 285.

565 ( 3) أي وأخبار وجوب دفع الخمس التي أخَّرتُ ذكرها عن أخبار الإباحة هي كلها واردة في الأموال لا في المناكح.

566 ( 4) المقنعة، ص 285.

567 ( 1) للكاتب حاشية في هذا الموضع هي: يعني ذلك أن الخمس في حال ظهور الإمام له حكم، وفي حال غيبة الإمام أو عدم تمكنه فله حكم آخر.

وأقول: كلام الشيخ في كتابه المبسوط 1/ 263 إنما هو في الأنفال، لا في الخمس، فراجعه. ثم إنه لا فرق في وجوب الخمس بين حال ظهور الإمام عليه السلام وحال غيبته، وإنما اختلاف الحكم إنما هو في كيفية التصرف في الخمس في حال الغيبة.

568 ( 2) للكاتب حاشية في هذا الموضع، وهي: قوله:( لعدم وجود نص معين) فيه نظر، ذلك أن هناك نصوصاً كثيرة في إباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة، وقد أسلفنا بعضها.

وأقول: مراد الشيخ الطوسي هو أنه لا نص في كيفية التصرف في سهم الإمام عليه السلام في زمن الغيبة، لا أنه لا نصَّ في وجوب الخمس في زمان الغيبة.

569 ( 1) كذا في المطبوعة، والظاهر هو: وإن كان الذي يُجْبَى حمل الصدقات إليه ... الخ.

570 ( 2) المبسوط 1/ 263. النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، ص 200.

571 ( 1) وهو قول كثير من الفقهاء.( حاشية من الكاتب).

572 ( 1) وهم الأصناف الثلاثة: اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من السَّادة الكرام.

573 ( 2) أي بالإمام المعصوم عليه السلام.

574 ( 3) وهو صرف نصف الخمس إلى الأصناف الثلاثة من السادة الكرام.

575 ( 1) جواهر الكلام 16/ 168.

576 ( 1) مستند العروة الوثقى( كتاب الخمس)، ص 325.

577 ( 1) كتاب الطهارة، ص 522. كتاب الخمس، ص 339.

578 ( 1) الكافي في الفقه، ص 172.

579 ( 2) قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: أبو الصلاح تقي أو تقي الدين بن نجم أو نجم الدين ابن عبيد الله بن عبد الله بن محمد الحلبي ولد بحلب 374، وتوفي بها سنة 447.

580 ( 3) يعني ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يروِ عنهم.

581 ( 4) رجال ابن داود، ص 58.

582 ( 1) روضات الجنات 2/ 109.

583 ( 2) خاتمة المستدرك 3/ 35.

584 ( 3) المهذب البارع 1/ 180.

585 ( 4) ترجم في: فهرست منتجب الدين، ص 74. معالم العلماء، ص 115. جامع الرواة 1/ 460. الفوائد الرجالية 3/ 60. لؤلؤة البحرين، ص 331. تنقيح المقال 2/ 156. أعيان الشيعة 8/ 18. خاتمة المستدرك 3/ 36. الأعلام 4/ 15. الكنى والألقاب 1/ 224.

586 ( 1) أمل الآمل 2/ 152.

587 ( 2) نقد الرجال 3/ 67.

588 ( 3) روضات الجنات 4/ 199.

589 ( 1) المعتبر 2/ 641.

590 ( 2) مختلف الشيعة 3/ 354.

591 ( 3) البيان، ص 200.

592 ( 1) مدارك الأحكام 5/ 426.

593 ( 1) راجع كتاب( الغيبة) للشيخ الطوسي، ص 244- 256.

594 ( 1) كتاب المقنعة، ص 286.

595 ( 1) راجع كتاب( الوسيلة إلى نيل الفضيلة)، ص 148- 149.

596 ( 2) راجع كتاب المقنعة، ص 278. والنهاية، ص 199.

597 ( 1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة، ص 148.

598 ( 1) مستمسك العروة الوثقى 9/ 582.

599 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

600 ( 1) ذكر البخاري في صحيحه 2/ 963 أن جميع مال الزبير خمسون مليون ومائتا ألف( لا يعلم هل هو دينار أو درهم). وأما طلحة فروى الحاكم في المستدرك 3/ 369 أنه لما مات كان في يد خازنه مليون ومائتا ألف درهم، وقُوِّمت أصوله بثلاثين مليون درهم. وروى النسائي في السنن الكبرى 5/ 359، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/ 565 عن عائشة أن أموال أبي بكر في الجاهلية كانت ألف ألف أوقية. وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 76 أن عثمان كان عنده يوم قتل ثلاثون مليون درهم، وخمسمائة وخمسون ألف دينار، وألف بعير بالربذة، وصدقات قيمتها مائتا ألف دينار. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية 7/ 171 أن عبد الرحمن بن عوف ترك من الذهب ما كان يكسر بالفؤوس، وترك ألف بعير ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع، وصولحت واحدة من نسائه الأربع من ربع الثمن بثمانين ألفاً ... إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وللمزيد راجع كتاب الغدير للأميني 8/ 282- 286.

601 ( 1) لأنه إذا أقرضه إياه جاز له التصرف في أمواله باعتبار أنها صارت مخمَّسة، وما يجب عليه دفعه يصير ديناً للمرجع يسدّده إليه وقت استطاعته.

602 ( 1) معجم رجال الفكر والأدب في النجف 2/ 793.

603 ( 1) راجع بحار الأنوار 25/ 116، 26/ 18، 20، 21، 22، 23، 33، 34، 35، 36، 38، 39، 41، 45، 46، 48، 47/ 26.

604 ( 1) سنن الترمذي 5/ 639، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الملا علي القاري في شرح الحديث في مرقاة المفاتيح 10/ 471: والمعنى أني بلَّغته عن الله ما أمرني أن أبلّغه إياه على سبيل النجوى. و قال: قال الطيبي رحمه الله: كان ذلك أسراراً إلهية وأموراً غيبية جعله من خزَّانها.

قلت: وعند الطبراني في معجمه الكبير 2/ 186 أن الذي قال:( لقد طالت نجواه مع ابن عمه) هو أبو بكر. وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/ 584، والخطيب في تاريخ بغداد 7/ 402.

605 ( 2) مسند أحمد 6/ 300. المستدرك 3/ 138 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. فضائل الصحابة 2/ 686.

606 ( 3) الطبقات الكبرى 2/ 338. حلية الأولياء 1/ 68. مجمع الزوائد 9/ 113. المعجم الصغير للطبراني 2/ 69. كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/ 550.

607 ( 1) صحيح البخاري 1/ 38 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

608 ( 2) مقدمة ابن الصلاح، ص 87- 88.

609 ( 3) تدريب الراوي 2/ 65.

610 ( 1) صحيح البخاري 1/ 64.

611 ( 2) أخرج البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة 4/ 239، بسنده عن أبي هريرة، قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سِنِيَّ أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن.

612 ( 3) سنن الترمذي 5/ 640.

613 ( 4) الطبقات الكبرى 2/ 338. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق 2/ 456.

614 ( 1) أي حضره الموت.

615 ( 2) صحيح البخاري 7/ 155- 156 كتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني. 9/ 137 كتاب الاعتصام، باب كراهية الخلاف. 6/ 11 كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، 4/ 121 كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 4/ 185 كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم. صحيح مسلم 3/ 1259. مسند أحمد 1/ 324- 325، 336. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 201.

616 ( 3) صحيح مسلم 3/ 1259. مسند أحمد 1/ 355. وراجع مسند أحمد 1/ 222، 293. المستدرك 3/ 477. مجمع الزوائد 4/ 214، 5/ 181.

617 ( 4) صحيح مسلم بشرح النووي 11/ 90.

618 ( 5) الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن ينص على أمير المؤمنين عليه السلام خليفة من بعده، وذلك لأن مهمات الأحكام كانت مبيَّنة وموضحة في ذلك الحين، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة قبل هذا اليوم، ولأن النص على الخلفاء أهم من إعادة كتابة أحكام مبيَّنة، وبالنص على الخلفاء يندفع كل اختلاف وبلاء وتضليل، ولأن من خفيت عليه مهمات الأحكام فخالفها لا يكون ضالًا بل حتى لو خالفها وهو بها عالم، فإنه يكون فاسقاً لا غير، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أراد أن يكتب مهمات الأحكام لما حدث اللغط والاختلاف ونسبة الهجر إليه، وما سبب اللغط إلا علمهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد أن ينص على الخلفاء من بعده، ثم إن المناسب في ذلك الوقت- وهو قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأيام قليلة- مع شدة وجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانشغاله بنفسه أن ينص على من يقوم بالأمر من بعده لا كتابة مهمات الأحكام في ذلك الوقت الحرج.

619 ( 1) الطبقات الكبرى 5/ 293.

620 ( 1) المعجم الكبير للطبراني 3/ 180. مجمع الزوائد 1/ 182. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.

621 ( 1) بصائر الدرجات، ص 192.

622 ( 1) الكافي 2/ 233.

623 ( 1) سنن الترمذي 4/ 449. مسند أحمد بن حنبل 2/ 167. مجمع الزوائد 7/ 187. تفسير الطبري 25/ 7. تفسير القرآن العظيم 4/ 107. حلية الأولياء 5/ 168. جامع العلوم والحكم 1/ 59. كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 154 وعلق عليه الألباني بقوله: إسناده حسن، وهو مخرج في الصحيحة( 848). سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 503. الفتح الكبير للنبهاني 1/ 40. صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 79 وقال الألباني: صحيح.

624 ( 1) رجال النجاشي 2/ 342. رجال ابن الغضائري، ص 91. راجع معجم رجال الحديث 19/ 43.

625 ( 2) رجال النجاشي، ص 239 ط حجرية. رجال ابن الغضائري، ص 95.

626 ( 1) راجع كتاب( سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) للسويدي لتقف على تفاصيل بطون وأفخاذ القبائل العربية الكثيرة جداً.

627 ( 1) رجال ابن الغضائري، ص 83.

628 ( 2) رجال العلامة، ص 231.

629 ( 3) رجال ابن داود، ص 259. رجال العلامة، ص 231. الوجيزة، ص 118. رجال المجلسي، ص 255.

630 ( 1) صحيح البخاري 4/ 2278. صحيح مسلم 2/ 995، 1147، 3/ 1567. صحيح ابن حبان 13/ 216. المستدرك على الصحيحين 4/ 153 ط حيدرآباد. مسند أحمد 1/ 118، 119، 152. سنن البيهقي الكبرى 8/ 29، 9/ 250. سنن النسائي 8/ 392. السنن الكبرى للنسائي 2/ 486، 5/ 208. مسند أبي عوانة 3/ 239، 240، 5/ 76. شعب الإيمان 6/ 189. حلية الأولياء 4/ 131. مسند الحميدي 1/ 23.

631 ( 2) صحيح البخاري 1/ 62، 2/ 937، 4/ 2154، 2156. سنن النسائي بشرح السيوطي 8/ 392. سنن أبي داود 2/ 216. سنن ابن ماجة 2/ 887. السنن الكبرى للنسائي 4/ 220. سنن الدارمي 2/ 633. مسند أحمد 1/ 79، السنن الكبرى للبيهقي 9/ 226.

632 ( 1) صحيح البخاري 1/ 553، 2/ 979، 981، 4/ 2110. سنن الترمذي 4/ 438. السنن الكبرى للبيهقي 5/ 196. مسند أحمد 1/ 81.

633 ( 1) صحيح البخاري 9/ 136 كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شي ء، 3/ 237 كتاب الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، 6/ 25 كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة.

تنبيه: الرواية التي نقلناها بلفظ البخاري من كتاب الاعتصام فيها تصريح بأن قوله( آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم) آية من القرآن، ولهذا عقّب الجملة بقوله:( الآية) كما في الطبعة المصرية، مطابع الشعب سنة 1378، وإن كانت كلمة( الآية) قد حُذفت من الطبعة المحققة بتحقيق الشيخ محمد علي القطب والشيخ هشام البخاري 4/ 2296، طبع المكتبة العصرية في لبنان، سنة 1417 ه-، مع أنهما أدرجا الجملة بين قوسين قرآنيين، وأشارا في الحاشية إلى أنها الآية 136 من سورة البقرة مع إدراج كلمة( إليكم) داخل القوسين بغير الخط القرآني. وهذا يدل أنهما قد تنبَّها إلى أن كلمة( إليكم) ليست من الآية، لكنهما لم ينبِّها القارئ على ذلك ستراً على البخاري، وخشية من فضيحة أهل السنة الذين يرونه كله صحيحاً.

634 ( 1) سنن أبي داود 3/ 318 حديث 3644. مسند أحمد 4/ 136. المستدرك على الصحيحين 3/ 358. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 52. شرح السنة 1/ 268.

635 ( 2) الزاملة: هو البعير الذي يحمل عليه الرجل متاعه وطعامه. والزاملتان حمل بعيرين.

636 ( 3) تفسير القرآن العظيم 1/ 4.

637 ( 4) سير أعلام النبلاء 3/ 81.

638 ( 5) تذكرة الحفاظ 1/

639 ( 1) فتح الباري 1/ 167. ونقله المباركفوري عن ابن حجر في تحفة الأحوذي 7/ 359.

640 ( 1) الناصبي: هو من تجاهر بالعداوة لأهل البيت عليهم السلام، بحربهم أو قتلهم أو ضربهم أو سبّهم أو إهانتهم أو تنقيصهم أو جحد مآثرهم المعلوم ثبوتها لهم، أو نحو ذلك.

641 ( 2) التنقيح في شرح العروة الوثقى 2/ 75.

642 ( 1) المستدرك على الصحيحين 4/ 501 ط حيدرآباد.

643 ( 1) الكافي 1/ 240.

644 ( 2) المصدر السابق 1/ 241.

645 ( 1) صحيح مسلم 4/ 2106- 2107. سنن الترمذي 4/ 666 وقال: هذا حديث حسن صحيح. سنن ابن ماجة 2/ 1416. مسند أحمد 2/ 305، 3/ 175، 4/ 178، 346، الجامع الصغير 2/ 428 حديث رقم 7418، 7419. مسند أبي داود الطيالسي، ص 191. شرح السنة 1/ 167. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9/ 240- 241. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/ 415- 416، وصحيح الجامع الصغير 2/ 931، 1190، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 606.

646 ( 2) مسند أبي داود الطيالسي، ص 337.

647 ( 3) سورة مريم، الآيات 16- 21.

648 ( 1) صحيح مسلم 2/ 899.

649 ( 2) الطبقات الكبرى 4/ 288.

650 ( 3) تذكرة الحفاظ 1/ 29- 30.

651 ( 4) تهذيب التهذيب 8/ 112.

652 ( 5) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 36.

653 ( 6) راجع إن شئت سنن أبي داود 4/ 5. مسند أحمد 4/ 427. المستدرك 3/ 472. أسد الغابة 4/ 138. الإصابة 3/ 26، 27. سير أعلام النبلاء 2/ 508، 510، 511. شذرات الذهب 1/ 58. تاريخ الإسلام 3/ 275، 276. البداية والنهاية 8/ 62.

654 ( 1) مسند أحمد 5/ 396.

655 ( 2) كشف الحقائق، ص 136- 139.

656 ( 1) الدر المنثور 3/ 3.

657 ( 2) نفس المصدر 3/ 117.

658 ( 1) مرآة العقول 3/ 24.

659 ( 1) رجال النجاشي 1/ 270.

660 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 44.

661 ( 3) رجال العلامة الحلي، ص 207.

662 ( 4) المصدر السابق 1/ 179.

663 ( 5) سورة الأعراف، الآية 157.

664 ( 6) تفسير القرآن العظيم 2/ 251.

665 ( 1) أي نسكب عليهما الماء الحميم، وقيل: نجعل في وجوههما الحمَّة، أي السواد.

666 ( 2) أي يحني ظهره عليها.

667 ( 3) صحيح البخاري 6/ 46 كتاب التفسير، سورة آل عمران، 9/ 205 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر، باب الرجم في البلاط، وصفحة 214 باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم 3/ 1326.

668 ( 4) العرف الوردي في أخبار المهدي( المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي) 2/ 81.

669 ( 1) الفتن لنعيم بن حماد، ص 251.

670 ( 2) جواهر الكلام 22/ 60.

671 ( 1) تفسير القرطبي 20/ 24.

672 ( 1) فصل الخطاب، ص 35.

673 ( 2) صحيح البخاري 4/ 2360.

674 ( 1) فتح الباري 13/ 448.

675 ( 2) وهو أن التحريف وقع في معاني التوراة والإنجيل، لا في كلماتهما.

676 ( 3) فتح الباري 13/ 449.

677 ( 1) آلاء الرحمن، ص 26.

678 ( 2) نفس المصدر، ص 29.

679 ( 1) هذه الكلمة لأبي الحسن العاملي، وقد التبس على الكاتب فنسبها للسيد هاشم البحراني، بسبب طبع مقدمة تفسير( مرآة الأنوار) للعاملي كمقدمة لتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني.

680 ( 2) كذا في نسخة الكتاب، والموجود في المصدر:( مفاسد)، ولعل الكاتب تعمد تغيير اللفظ مراعاة لمقامات الخلفاء الثلاثة.

681 ( 1) مرآة العقول 3/ 30.

682 ( 1) راجع تنقيح المقال 2/ 324. رجال العلّامة، ص 241.

683 ( 2) راجع رجال ابن الغضائري، ص 73، 111.

684 ( 3) رجال العلامة، ص 120، 241.

685 ( 4) راجع تنقيح المقال 2/ 324.

686 ( 5) الظاهر: ما ظهر معناه، والباطن: ما خفي تأويله.

687 ( 1) الطبقات الكبرى 2/ 338. المصاحف ص 16. الاستيعاب 3/ 974. التمهيد 6/ 31. وراجع تاريخ الخلفاء، ص 173، الإتقان في علوم القرآن 1/ 127، كنز العمال 2/ 558، حلية الأولياء 1/ 67، الفهرست لابن النديم، ص 41.

688 ( 2) الإتقان في علوم القرآن 1/ 127.

689 ( 1) التمهيد 6/ 30.

690 ( 2) صحيح البخاري 3/ 1609، 4/ 2248. سنن الترمذي 5/ 283، 284 وصحّحه. صحيح ابن حبان 10/ 360، 364. السنن الكبرى للبيهقي 2/ 41. السنن الكبرى للنسائي 5/ 7، 9. مسند أبي يعلى 1/ 51، 59. المعجم الكبير للطبراني 5/ 146، 147، 148. شعب الإيمان 1/ 196.

691 ( 3) صحيح البخاري 3/ 1610.

692 ( 1) سورة الصف، الآية 6.

693 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

694 ( 2) كتاب التوحيد للصدوق، ص 305. أمالي الشيخ الطوسي، ص 523. الاحتجاج 1/ 384، 391. مناقب آل أبي طالب 2/ 47. بحار الأنوار 26/ 153، 183، 28/ 4، 30/ 672، 35/ 391، 40/ 126، 144، 153، 89/ 78، 95،

695 ( 3) الفتن لنعيم بن حماد، ص 249.

696 ( 1) نفس المصدر، ص 249، 250.

697 ( 1) مقدمة فتح الباري، ص 11.

698 ( 2) تذكرة الحفاظ 2/ 634. سير أعلام النبلاء 13/ 274. الحطة في ذكر الصحاح الستة، ص 207.

699 ( 3) تذكرة الحفاظ 2/ 593.

700 ( 1) تفسير القرآن العظيم 1/ 383.

701 ( 2) المصدر السابق 2/ 195.

702 ( 3) المصدر نفسه 3/ 102، 4/ 237.

703 ( 4) لقد اعترف أبو هريرة- وهو أكثر الصحابة حديثاً- بأن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أكثر حديثاً منه، فقد رووا عن أبي هريرة أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.( راجع صحيح البخاري 1/ 62. سنن الترمذي 5/ 40، 686 وصحّحه. مسند أحمد 2/ 248، 403. صحيح ابن حبان 16/ 103. المستدرك 1/ 105. سنن الدارمي 1/ 132. السنن الكبرى للنسائي 3/ 434. شرح معاني الآثار 4/ 320).

704 ( 1) الكافي 2/ 636.

705 ( 1) المصدر السابق.

706 ( 2) كتاب المحاسن للبرقي، ص 18. وسائل الشيعة 5/ 382.

707 ( 3) وسائل الشيعة 5/ 382.

708 ( 1) من لا يحضره الفقيه 1/ 267. وسائل الشيعة 5/ 477.

709 ( 2) من لا يحضره الفقيه 1/ 266.

710 ( 3) تهذيب الأحكام 3/ 277. وسائل الشيعة 5/ 382.

711 ( 4) سورة الفتح، الآية 29.

712 ( 5) الصواعق المحرقة، ص 243. وراجع تفسير القرآن العظيم 4/ 204.

713 ( 1) الجامع لأحكام القرآن 16/ 296.

714 ( 2) السنة للخلال 3/ 493 وما بعدها.

715 ( 1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 2/ 264.

716 ( 1) المصدر السابق 3/ 299.

717 ( 2) تاريخ المذاهب الإسلامية 1/ 48.

718 ( 1) رجال النجاشي 1/ 211.

719 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 40.

720 ( 3) الفهرست للطوسي، ص 66.

721 ( 1) الفصول المهمة في أصول الأئمة 1/ 575.

722 ( 1) منهاج السنة 4/ 154.

723 ( 1) الكشاف 3/ 246 في تفسير قوله تعالى\i إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ\E سورة الأحزاب، الآية 56.

724 ( 2) عن الصراط المستقيم 2/ 510. ومنهاج الكرامة، ص 108. وكتاب الغدير 10/ 210.

725 ( 3) فتح العزيز 5/ 229.

726 ( 4) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 155.

727 ( 1) شرح المواهب للزرقاني 5/ 13.

728 ( 2) عن الصراط المستقيم 2/ 510.

729 ( 3) عن المصدر السابق.

730 ( 4) عقد الدرر واللئالي في فضل الشهور والأيام والليالي، للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي، الشهير بابن الرسام( عن كتاب الغدير 10/ 211). ولد بحماة سنة 773 ه-، ولي قضاء حماة ثم قضاء حلب، وتوفي سنة 844 ه- تقريباً، له ترجمة في شذرات الذهب 7/ 252، الضوء اللامع 1/ 249، ومعجم المؤلفين 1/ 174.

731 ( 5) روح البيان 4/ 142( عن كتاب الغدير 10/ 211).

732 ( 1) كذا في نسخة الكتاب، والمذكور في الحديث: فما هم من الحنيفية على شي ء.

733 ( 2) سنن الترمذي 5/ 622. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وذُكر في مشكاة المصابيح 3/ 1735، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 356 وقال الألباني: الحديث صحيح. وطرقه كثيرة ذكرناها في كتابنا( مسائل خلافية)، ص 92- 97، فراجعه.

734 ( 1) صحيح البخاري 1/ 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها، باب تضييع الصلاة عن وقتها. الأحاديث المختارة 5/ 103. شعب الإيمان 3/ 134.

735 ( 2) سنن الترمذي 4/ 633. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. مسند أحمد بن حنبل 3/ 101، 208.

736 ( 3) الموطأ، ص 42.

737 ( 1) مسند أحمد بن حنبل 6/ 443، 5/ 195.

738 ( 2) المصدر السابق 6/ 443.

739 ( 3) مسند أحمد بن حنبل 3/ 270. شرح السنة 14/ 394. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/ 307. الأحاديث المختارة 5/ 102.

740 ( 4)() مسند أبي داود الطيالسي، ص 271. مختصر إتحاف السادة المهرة 2/ 307.

741 ( 5)() مسائل خلافية، ص 154- 211.

742 ( 1) للكاتب هنا حاشية، سيأتي ذكرها وبيان ما فيها.

743 ( 1) راجع كتابه( تعارض الأدلة الشرعية)، ص 34، 358، 415 وغيرها.

744 ( 1) منهاج السنة 1/ 8، ط أخرى 11، 12.

745 ( 2) كتاب السنة 3/ 498، قال الخلال: إسناده لا يصح.

746 ( 1) تنقيح المقال 1/ 377.

747 ( 2) رجال النجاشي 2/ 127.

748 ( 3) اختيار معرفة الرجال 2/ 748.

749 ( 1) تنقيح المقال 2/ 345.

750 ( 1) الأنوار النعمانية 1/ 63.

751 ( 1) راجع معجم رجال الحديث 6/ 300.

752 ( 1) الصراط المستقيم 2/ 334.

753 ( 2) تاريخ الطبري 3/ 398.

754 ( 3) مسند الشهاب 1/ 427.

755 ( 1) الفردوس بمأثور الخطاب 2/ 14.

756 ( 2) التمهيد 13/ 269.

757 ( 3) بحار الأنوار 32/ 107.

758 ( 1) فتح الباري 6/ 283.

759 ( 2) سورة التحريم، الآية 10.

760 ( 1) الجامع لأحكام القرآن 9/ 47.

761 ( 2) صحيح البخاري 3/ 1490. سنن الترمذي 5/ 332. مسند أحمد 6/ 59.

762 ( 3) تقدم تخريجه في الجزء الأول، صفحة 278- 279.

763 ( 4) سبق تخريجه في الجزء الأول، صفحة 174- 175.

764 ( 5) صحيح البخاري 1/ 102، 104، 106، 114، 120، 2/ 573، 4/ 1886. صحيح مسلم 1/ 255- 257. صحيح ابن خزيمة 1/ 118، 119، 124. صحيح ابن حبان 3/ 395، 467، 468، 476، 4/ 74، 75. سنن الترمذي 1/ 91، 4/ 233. سنن أبي داود 1/ 20، 62. سنن النسائي 1/ 138، 139، 140- 142، 220، 221، 222. سنن ابن ماجة 1/ 133- 134، 198. مسند الشافعي، ص 9.

765 ( 1) سبق تخريجه في الجزء الأول، صفحة 101- 102.

766 ( 2) صحيح مسلم 1/ 272. صحيح ابن حبان 3/ 451، 452، 456، 458. سنن الترمذي 1/ 181. سنن ابن ماجة 1/ 199. السنن الكبرى للنسائي 1/ 108، 5/ 352. مسند أحمد 6/ 68، 110، 161. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 164. سنن الدارقطني 1/ 111، 112. مسند الشافعي، ص 160.

767 ( 3) سنن أبي داود 1/ 70. السنن الكبرى للبيهقي 1/ 313. الأدب المفرد، ص 54. تفسير ابن كثير 1/ 259.

768 ( 4) أي: زيَّنَتْ.

769 ( 5) المصنف لابن أبي شيبة 4/ 49.

770 ( 6) أمالي المرتضى 1/ 503.

771 ( 1) الميزان في تفسير القرآن 10/ 235.

772 ( 2) التبيان في تفسير القرآن 10/ 52.

773 ( 1) صحيح البخاري 3/ 1286. صحيح مسلم 3/ 1380. صحيح ابن حبان 11/ 153، 573.

774 ( 1) نهج البلاغة، ص 32. علل الشرائع 1/ 181. معاني الأخبار، ص 361. الإرشاد للمفيد، ص 153. الجمل للمفيد، ص 92. أمالي الطوسي، ص 372. الاحتجاج للطبرسي 1/ 282. مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب 2/ 232. الطرائف لابن طاووس، ص 418.

775 ( 1) رجال النجاشي 2/ 78.

776 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 79.

777 ( 1) رسائل السيد المرتضى 1/ 400.

778 ( 2) النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 144.

779 ( 3) لسان العرب 14/ 77.

780 ( 1) سير أعلام النبلاء 23/ 362.

781 ( 2) تاريخ مختصر الدول، ص 269.

782 ( 1) سير أعلام النبلاء 23/ 362.

783 ( 1) البداية والنهاية 13/ 283.

784 ( 1) الأنوار النعمانية 2/ 306- 307.

785 ( 1) منهاج الصالحين للحكيم 2/ 15. منهاج الصالحين للخوئي 2/ 10. منهاج الصالحين للروحاني 2/ 10. منهاج الصالحين للسبزواري 2/ 10. منهاج الصالحين للسيستاني 2/ 15. منهاج الصالحين للفياض 2/ 114.

786 ( 1) عقائد الإمامية، ص 157.

787 ( 2) صراط النجاة 1/ 436.

788 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

789 ( 1) صراط النجاة 1/ 433.

790 ( 2) صراط النجاة 3/ 411.

791 ( 1) الكافي 2/ 77.

792 ( 2) نفس المصدر 2/ 78.

793 ( 1) هنا بياض في النسخة وبقرينة روايات- منها رواية سيأتي ذكرها- يظهر أنه سقط اسم: موسى ابن صالح كما في اختيار معرفة الرجال 2/ 789.

794 ( 2) اختيار معرفة الرجال 2/ 544.

795 ( 3) معجم رجال الحديث 4/ 90.

796 ( 1) اختيار معرفة الرجال 2/ 789.

797 ( 1) رجال ابن الغضائري، ص 47.

798 ( 2) راجع معجم رجال الحديث 19/ 287، فإن الخوئي قدس سره قد ضعَّف هذه الرواية.

799 ( 1) مرآة العقول 2/ 3، 5.

800 ( 2) شرح أصول الكافي للمازندراني 3/ 230.

801 ( 1) مرآة العقول 1/ 347.

802 ( 2) معجم رجال الحديث 5/ 211.

803 ( 1) مرآة العقول 1/ 348.

804 ( 1) المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب 1/ 185.

805 ( 2) صحيح البخاري 2/ 1023، 4/ 1959. صحيح مسلم 4/ 2183. مسند أحمد بن حنبل 2/ 315، 323. مسند أبي عوانة 1/ 188. صحيح ابن حبان 14/ 33. مسند عبد بن حميد، ص 417.

806 ( 1) صحيح مسلم 4/ 2017. صحيح ابن حبان 12/ 420، 13/ 18. مسند أحمد 2/ 244، 463، 519. مسند عبد بن حميد، ص 283. مسند الحميدي 2/ 476. كتاب السنة 1/ 227- 230. اعتقاد أهل السنة 3/ 423. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 518. قال الألباني في تعليقته على كتاب السنة: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف، وهو ثقة.

807 ( 2) الأدب المفرد، ص 71. مسند أحمد 2/ 251، 434. كتاب السنة 1/ 229. مسند الحميدي 2/ 476. اعتقاد أهل السنة 3/ 422، 423. تاريخ بغداد 2/ 220، 3/ 74. الصفات للدارقطني 2/ 35. قال الألباني في تعليقته على كتاب السنة: إسناده حسن صحيح ورجاله ثقات. وحسَّنه أيضاً في صحيح الأدب المفرد، ص 85.

808 ( 3) كتاب السنة 1/ 227- 228 قال الألباني في تعليقته: إسناده حسن صحيح، رجاله رجال الشيخين غير شيخ المصنف، وهو ثقة. المعجم الأوسط 6/ 21.

809 ( 1) راجع معجم رجال الحديث 19/ 295.

810 ( 2) راجع المصدر السابق 17/ 303- 304.

811 ( 3) راجع المصدر السابق 11/ 278.

812 ( 1) الفهرست، ص 133.

813 ( 1) تاريخ بغداد 13/ 324- 325.

814 ( 2) تذكرة الحفاظ 1/ 395.

815 ( 1) سير أعلام النبلاء 21/ 488.

816 ( 2) كتاب الثقات 6/ 286.

817 ( 3) تاريخ بغداد 7/ 307.

818 ( 1) إقبال الأعمال، ص 225- 226. والحديث مروي في وسائل الشيعة 10/ 366.

819 ( 2) بحار الأنوار 101/ 95.

820 ( 1) التحرير الطاووسي، ص 127.

821 ( 2) تعليقة المير داماد المطبوعة في ذيل اختيار معرفة الرجال 1/ 356.

822 ( 1) سكرجة: هو إناء صغير يؤكل في الشي ء القليل، وهذه كلمة فارسية معرَّبة( من الكاتب).

823 ( 2) الفهرست للطوسي، ص 208.

824 ( 3) رجال ابن الغضائري، ص 98.

825 ( 4) رجال النجاشي 2/ 303، ط حجرية، ص 271.

826 ( 1) اختيار معرفة الرجال 1/ 363.

827 ( 1) المعتبر 1/ 292. المهذب البارع 1/ 182. مسالك الأفهام 3/ 394.

828 ( 2) راجع معجم رجال الحديث 19/ 31- 37.

829 ( 3) اختيار معرفة الرجال 1/ 288.

830 ( 4) نفس المصدر 1/ 288، 340، 2/ 492، 515، 596، 606، 652، 712، 853. وروى عن محمد بن الحسن فقط في 2/ 853.

831 ( 1) التحرير الطاووسي، ص 128.

832 ( 1) رجال النجاشي 2/ 225.

833 ( 2) رجال ابن الغضائري، ص 92.

834 ( 3) رجال الطوسي، ص 364 رقم 17.

835 ( 4) الفهرست، ص 83.

836 ( 5) رجال النجاشي 1/ 218.

837 ( 1) رجال الشيخ الطوسي، ص 336 رقم 3.

838 ( 2) التحرير الطاووسي، ص 124.

839 ( 1) اختيار معرفة الرجال 1/ 398.

840 ( 1) سورة الكهف، الآية 79.

841 ( 1) اختيار معرفة الرجال 1/ 349.

842 ( 2) المصدر السابق 1/ 352.

843 ( 3) نفس المصدر 1/ 358.

844 ( 1) معجم رجال الحديث 14/ 149.

845 ( 2) رفع رجله ليبول( حاشية من الكاتب).

846 ( 1) لأنه كان أعمى البصر( حاشية من الكاتب).

847 ( 1) معجم رجال الحديث 14/ 149.

848 ( 2) معجم رجال الحديث 14/ 148.

849 ( 1) رجال النجاشي 2/ 411.

850 ( 2) اختيار معرفة الرجال 1/ 400.

851 ( 1) المصدر السابق 2/ 507.

852 ( 2) معجم رجال الحديث 20/ 83.

853 ( 1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 16/ 231.

854 ( 2) صحيح مسلم 2/ 1075. الموطَّأ، ص 324. سنن الترمذي 3/ 456. سنن أبي داود 2/ 223- 224. سنن النسائي 6/ 100. السنن الكبرى للنسائي 3/ 289. سنن ابن ماجة 1/ 625. صحيح سنن أبي داود 2/ 389. صحيح سنن النسائي 2/ 696. صحيح سنن ابن ماجة 1/ 328. إرواء الغليل 7/ 218. سنن الدارمي 2/ 157. السنن الكبرى 7/ 454. صحيح ابن حبان 10/ 35، 36. شرح السنة 9/ 80. سنن الدارقطني 4/ 181. مسند أبي عوانة 3/ 119. تفسير القرآن العظيم 1/ 469. كتاب الأُم 5/ 26. مسند الشافعي، ص 220.

855 ( 1) الداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقد يطلق على غير الشاة مما يألف البيوت كالطير وغيرها.

856 ( 2) سنن ابن ماجة 1/ 625- 626. مسند أحمد 6/ 269. سنن الدارقطني 4/ 179. الدر المنثور 2/ 471 في تفسير الآية 23 من سورة النساء. المعجم الأوسط للطبراني 6/ 10. مسند أبي يعلى 4/ 144. حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/ 328، وقال ابن حزم في المحلى 12/ 177: هذا حديث صحيح.

857 ( 3) صحيح ابن حبان 10/ 274. مسند أحمد 5/ 129. المعجم الكبير للطبراني 9/ 268، 269. مجمع الزوائد 7/ 149 قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. تفسير القرآن العظيم 4/ 571. موارد الظمآن 2/ 786. مسند الحميدي 1/ 185. وفي صحيح البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة الناس 3/ 1604 إشارة إلى ذلك، فراجعه.

858 ( 1) تفسير القرآن العظيم 4/ 572.

859 ( 2) فتح الباري 8/ 604.

860 ( 3) صحيح البخاري 4/ 2241. سنن أبي داود 4/ 144- 145. صحيح ابن حبان 2/ 147. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 835، وإرواء الغليل 8/ 3.

861 ( 4) الموطأ، ص 458. مسند الشافعي، ص 163. السنن الكبرى للبيهقي 8/ 212.

862 ( 5) البرهان في علوم القرآن 2/ 36.

863 ( 1) هي السور التي افتُتحت بسبحان وسبَّح ويسبِّح وسبِّح.

864 ( 2) صحيح مسلم 2/ 726.

865 ( 3) المستدرك 2/ 331. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. الدر المنثور 4/ 120.

866 ( 4) المعجم الأوسط للطبراني 1/ 365. مجمع الزوائد 7/ 28. وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

867 ( 1) المستدرك 4/ 359 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مسند أحمد 5/ 132. السنن الكبرى 8/ 211. كنز العمال 2/ 480. مسند أبي داود الطيالسي، ص 73. الدر المنثور 6/ 558 عن عبد الرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني في الأفراد والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة.

868 ( 2) مسند أحمد 5/ 132.

869 ( 3) تفسير القرآن العظيم 3/ 465.

870 ( 1) السنن الكبرى للبيهقي 8/ 211.

871 ( 2) هذا من مهازل التبريرات التي لهج بها علماء أهل السنة لتبرير روايات التحريف التي امتلأت بها كتبهم، ونحن لم نكن نتصور أن نجد من يزعم أن النسخ تأخر إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الزرقاني هنا، فإن هذا لم يقل به أحد.

872 ( 3) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/ 321.

873 ( 4) الإحكام 3/ 154.

874 ( 1) للكاتب هنا حاشية أدرجناها في المتن للرد عليها.

875 ( 1) سير أعلام النبلاء 6/ 390.

876 ( 1) سير أعلام النبلاء 6/ 390 وما بعدها.

877 ( 2) راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء 13/ 277. المنتظم 12/ 258. البداية والنهاية 11/ 56. تهذيب التهذيب 9/ 468. طبقات الحفاظ، ص 278. تذكرة الحفاظ 2/ 636. النجوم الزاهرة 3/ 70. مرآة الجنان 2/ 140. وفيات الأعيان 4/ 279. الوافي بالوفيات 5/ 220.

878 ( 3) التدوين في أخبار قزوين، ص 165.

879 ( 1) راجع روايات تحريف القرآن المنقولة من مصادر أهل السنة في كتابنا( كشف الحقائق)، ص 67- 75.

880 ( 2) مسند أحمد 3/ 86. المستدرك على الصحيحين 3/ 133 ط حيدر آباد 3/ 134 وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. مجمع الزوائد 9/ 129. حلية الأولياء 1/ 68. فضائل الصحابة 2/ 679.

881 ( 1) سنن الترمذي 5/ 632. مسند أحمد 4/ 437. المستدرك 3/ 119، ط حيدرآباد 3/ 111. صحيح ابن حبان 15/ 374. السنن الكبرى للنسائي 5/ 132. موارد الظمآن 2/ 986. مسند الطيالسي، ص 111. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 605. خصائص أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب للنسائي، ص 109. حلية الأولياء 6/ 294. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. مسند أبي يعلى 1/ 184. المعجم الكبير للطبراني 18/ 128.

882 ( 2) صحيح مسلم 4/ 1871. سنن الترمذي 5/ 638 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

883 ( 3) صحيح مسلم 4/ 1874.

884 ( 1) سنن الترمذي 5/ 638، 4/ 207.

885 ( 2) الأحاديث المختارة 3/ 274. مسند أبي يعلى 1/ 328. مجمع الزوائد 9/ 130 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن. السنن الكبرى للنسائي 5/ 133. المصنف لابن أبي شيبة 6/ 375. كتاب السنة لابن أبي عاصم، ص 590.

886 ( 1) الأحاديث المختارة 3/ 267. مسند أبي يعلى 1/ 325. مجمع الزوائد 9/ 129 قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.

887 ( 2) أي غضبت.

888 ( 3) أي لم يخبر أبا بكر بالأمر.

889 ( 1) صحيح البخاري 3/ 1286. صحيح مسلم 3/ 1380. وأخرج هذا الحديث بألفاظ متقاربة أحمد في المسند 1/ 6. وابن حبان في صحيحه 11/ 152، 14/ 573. والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 300. وعبد الرزاق في المصنف 5/ 327 ط أخرى 5/ 471. وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 315.

890 ( 2) صحيح البخاري 2/ 952، 3/ 1286.

891 ( 3) صحيح مسلم 4/ 1382.

892 ( 1) هو حاجب عمر بن الخطاب.

893 ( 2) صحيح مسلم 4/ 1377.

894 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

895 ( 1) التفسير والمفسرون 2/ 76.

896 ( 2) المصدر السابق.

897 ( 1) معجم البلدان 4/ 13.

898 ( 1) الأنساب 4/ 45- 48.

899 ( 2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 54.

900 ( 1) دائرة معارف البستاني 7/ 371.

901 ( 2) معجم البلدان 2/ 367.

902 ( 3) نفس المصدر 2/ 368.

903 ( 4) عن مقدمة كامل سليمان لكتاب جوامع الجامع 1/ 7.

904 ( 1) سورة النساء، الآية 94.

905 ( 1) كان ذلك من الله، فكأن هاتفاً هتف في أذنه، وأمره بترك أشغاله، لأنه توفي بعد تتميم الكتاب بقليل.( منه قدس سره).

906 ( 1) مستدرك الوسائل 1/ 43 وما بعدها.

907 ( 1) كتاب الخلاف 1/ 692.

908 ( 2) المعتبر 1/ 270.

909 ( 3) الحدائق الناضرة 3/ 447.

910 ( 1) جواهر الكلام 4/ 149.

911 ( 2) المبسوط 2/ 59.

912 ( 1) بدائع الصنائع 1/ 300.

913 ( 1) انظر هذه الأحاديث في الكافي 2/ 354- 355.

914 ( 2) سنن الترمذي 4/ 378 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. سنن أبي داود 4/ 270. مسند أحمد 4/ 420، 424. مجمع الزوائد 6/ 246. مسند أبي يعلى 2/ 146، 6/ 266. المطالب العالية 2/ 365. شعب الإيمان 7/ 108، 521. مشكاة المصابيح 3/ 1402. الترغيب والترهيب 3/ 152، 153 وقال: رواه أبو يعلى بإسناد حسن. صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 923.

915 ( 3) فيض القدير 1/ 330.

916 ( 1) روضات الجنات 6/ 111.

917 ( 2) رجال النجاشي 2/ 291، 292. الفهرست للطوسي، ص 210- 211.

918 ( 1) الفهرست، ص 210.

919 ( 1) رجال النجاشي 2/ 210.

920 ( 1) رجال النجاشي 2/ 210.

921 ( 1) عدة الأصول 1/ 356.

922 ( 1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 4.

923 ( 1) راجع دائرة المعارف الإسلامية 14/ 234. دائرة المعارف للبستاني 10/ 736.

924 ( 1) الإرشاد، ص 346.

925 ( 1) تطور الفكر السياسي الشيعي.

926 ( 2) نفس المصدر.

927 ( 1) راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، ص 214 وما بعدها.

928 ( 1) المستدرك 4/ 426 ط حيدرآباد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

929 ( 1) كتاب الغيبة للطوسي، ص 284. بحار الأنوار 52/ 334.

930 ( 1) الفضائل، ص 64 ط حجرية، وطبعة أخرى ص 70. نوادر المعجزات، ص 21. بحار الأنوار 41/ 215.

931 ( 2) عيون المعجزات، ص 10. مستدرك الوسائل 18/ 169. بحار الأنوار 41/ 213.

932 ( 1) المبسوط 8/ 122.

933 ( 1) الخرائج والجرايح. بحار الأنوار 20/ 381.

934 ( 2) مناقب آل أبي طالب 1/ 112. بحار الأنوار 20/ 381.

935 ( 3) الإرشاد، ص 364.

936 ( 4) الكافي 4/ 543.

937 ( 1) الغيبة، ص 282.

938 ( 2) صحيح مسلم 4/ 98.

939 ( 1) أي يجعله جديداً.

940 ( 2) أي أظهر بعض أسس البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام.

941 ( 3) صحيح مسلم 4/ 98.

942 ( 1) تهذيب الأحكام 6/ 12.

943 ( 2) نفس المصدر.

944 ( 1) من لا يحضره الفقيه 2/ 162. وسائل الشيعة 9/ 349.

945 ( 2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق، ص 245. ونقله المجلسي عنه في بحار الأنوار 27/ 177.

946 ( 1) من لا يحضره الفقيه 2/ 163.

947 ( 1) بحار الأنوار 26/ 177.

948 ( 2) مرآة العقول 4/ 301.

949 ( 1) المغني 11/ 401.

950 ( 1) تاريخ ما بعد الظهور، ص 398.

951 ( 1) من لا يحضره الفقيه 1/ 165. وسائل الشيعة 3/ 526.

952 ( 2) قال النجاشي في رجاله: 1/ 161: الحسين بن علوان الكلبي، مولاهم كوفي، عامي، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله عليه السلام، وليس للحسن كتاب، والحسن أخص بنا وأولى، روى الحسين عن الأعمش وهشام بن عروة، وللحسين كتاب تختلف رواياته.

953 ( 1) سورة البقرة، الآية 251. وسورة النمل، الآية 15.

954 ( 1) سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79.

955 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

956 ( 1) صحيح البخاري 9/ 101. مسند أحمد بن حنبل 5/ 90، 95. دلائل النبوة 6/ 519.

957 ( 2) شرح السنة 15/ 31.

958 ( 3) صحيح مسلم 3/ 1452.

959 ( 4) صحيح مسلم 3/ 1452. مسند أحمد بن حنبل 5/ 98، 101. سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 651، قال الألباني: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.

960 ( 5) صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 90، 100. مسند أبي داود الطيالسي، ص 105، 180. مشكاة المصابيح 3/ 1687 وقال الخطيب التبريزي: متفق عليه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 230.

961 ( 1) صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 98، 101. وفي ص 96 قال: عزيزاً منيعاً ظاهراً على من ناواه، لا يضرّه من فارقه أو خالفه. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8/ 230. المعجم الكبير للطبراني 2/ 195، 196.

962 ( 2) صحيح مسلم 3/ 1453. مسند أحمد بن حنبل 5/ 86، 88، 89. سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 690. مسند أبي عوانة 4/ 373. مسند أبي يعلى 6/ 282.

963 ( 3) لأول مرة أرى كاتباً يترضى على جبرئيل عليه السلام، ولعل عقدةً ما قد أصابت الكاتب، فكره قول( عليه السلام) عناداً للشيعة ومخالفة لهم، أو لعله يريد أن يساوي مقامه بمقام أي صحابي.

964 ( 1) القول بخيانة جبريل عليه السلام من عقائد الغرابية والكيسانية، وهما من فرق الشيعة.( حاشية من الكاتب).

965 ( 1) الحدائق الناضرة 9/ 378.

966 ( 2) نفس المصدر 9/ 385.

967 ( 1) نفس المصدر 9/ 397.

968 ( 1) مفتاح الكرامة 3/ 57.

969 ( 2) نفس المصدر 3/ 62.

970 ( 1) جواهر الكلام 11/ 179.

971 ( 1) راجع ترجمته في كتاب العبر في خبر من غبر للذهبي 3/ 296، وطبقات الشافعية للسبكي 8/ 63، وشذرات الذهب 5/ 259، والبداية والنهاية 13/ 198.

972 ( 1) مطالب السؤول 2/ 152.

973 ( 2) راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات 5/ 254، ومعجم المؤلفين 12/ 134، والأعلام 7/ 150.

974 ( 3) البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 97.

975 ( 4) ترجم له في ميزان الاعتدال 3/ 659، والوافي بالوفيات 4/ 173، وفوات الوفيات 3/ 435، ولسان الميزان 5/ 311، وشذرات الذهب 5/ 190، وجامع كرامات الأولياء 1/ 118، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 231، وسير أعلام النبلاء 23/ 48، والأعلام 6/ 281.

976 ( 5) تُرجم له في شذرات الذهب 5/ 266، والأعلام 8/ 246، وميزان الاعتدال 4/ 471، ووفيات الأعيان 3/ 142، والبداية والنهاية 13/ 206.

977 ( 6) تذكرة الخواص، ص 325.

978 ( 7) له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى 10/ 5، وشذرات الذهب 6/ 200، والعبر في خبر من غبر 4/ 203، والبداية والنهاية 14/ 318، والأعلام 2/ 315، ومعجم المؤلفين 4/ 114، وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 87، 88 والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 19- 21 والبدر الطالع للشوكاني 1/ 243، 244.

979 ( 8) عن ينابيع المودة، ص 471.

980 ( 1) راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 5/ 8، ومعجم المؤلفين 7/ 178.

981 ( 2) الفصول المهمة، ص 286، 287.

982 ( 3) له ترجمة في شذرات الذهب 8/ 298، والكواكب السائرة 2/ 52، والأعلام 6/ 291، ومعجم المؤلفين 11/ 51.

983 ( 4) الأئمة الاثنا عشر، ص 118.

984 ( 5) ترجم له في شذرات الذهب 8/ 372، والأعلام 4/ 180، ومعجم المؤلفين 6/ 218، وجامع كرامات الأولياء 2/ 134.

985 ( 1) كشف الأستار، ص 89.

986 ( 2)( 1) اليواقيت والجواهر 2/ 562. ونقل هذه الكلمة الشيخ محمد علي الصبان في كتابه إسعاف الراغبين، ص 154.

987 ( 1) البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 97- 111. مطالب السؤول 2/ 155- 162.

988 ( 1) اختيار معرفة الرجال 2/ 591.

989 ( 2) مسند أبي يعلى 1/ 218. مجمع الزوائد 7/ 333، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات.

990 ( 1) بحار الأنوار 70/ 98.

991 الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

992


1- الشيخ علي آل محسن، لله و للحقيقة (رد علي كتاب «لله ثم للتاريخ»)، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1424 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.